المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ترجمة موسعة للإمام الأثري عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله ( للتحميل )


كيف حالك ؟

وضاح اليعمري
01-05-2005, 07:28 AM
الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تأليف:

اسمه ونسبه :

هو العلامة الورع الزاهد، الفقيه الأصولي، المحقق المدقق، الشيخ أبو عبد الله عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله بن ناصر بن حمد آل سعدي. من نواصر بني تميم الشهيرة.
وأمه من آل عثيمين. فالعثيمين أخواله، وهم من آل مقبل، من آل زاخر، من الوهبة، من شقراء، نزح جدهم سليمان العثيمين جد الشيخ من ناحية أمه إلى عنيزة فطاب له سكناها.

مولده ووفاة والديه:

ولد في عنيزة بالقصيم، وذلك في اليوم الثاني عشر، من شهر الله المحرم سنة ألف وثلاثمائة وسبع من الهجرة النبوية.
وتوفيت أمه سنة 1310هـ، وله أربع سنوات.
أما والده فهو الشيخ ناصر آل سعدي. ولد في حدود 1243هـ، في عنيزة، ونشأ صالحا عابدا حافظا للقرآن محبا للعلم وأهله، وإن لم يبلغ درجة كبارهم، فصار هو قارئ الوعظ المعتاد بعد صلاة العصر، وقبل صلاة العشاء، على جماعة الجامع الكبير حين إمامة الشيخ علي آل محمد، قاضي البلد، وصار الشيخ علي ينيبه في الإمامة، وصلاة الجمع، والخطبة، إذا طرأ له عذر، وبقي على هذه الحال مدة طويلة. وفي آخر حياته تولى إمامة مسجد المؤلف في عنيزة، حتى توفي آخر عام 1313هـ، وخلف ثلاثة أبناء،ـ حمد ـ وهو أكبرهم، تاجر في عنيزة، ويليه ـ عبد الرحمن ـ وهو صاحب الترجمة، وأصغرهم ـ سليمان ـ تاجر في مدينة الخبر، توفي عام 1375هـ، ولكل واحد منهم عقب من الأبناء والأحفاد ـ رحمهم الله ـ نشأته:

لما توفي والد الشيخ ، عطفت عليه زوجة والده، وكفلته، وأحبته أكثر من حبها لأولادها وصار عندها موضع العناية والرعاية.
فلما شب صار في بيت أخيه الأكبر حمد بن ناصر، فنشأ نشأة صالحة كريمة.
وكان والده قد أوصى به إلى إبنه الأكبر حمد، فقام برعايته وتربيته خير قيام، وكان حمد رجلا صالحا، ومن حملة القرآن، ومن المعمرين.
وكان الشيخ ـ رحمه الله ـ منذ نشأته صالحا، مثارا للإعجاب، محافظا على الصلوات الخمس مع الجماعة. ومن ذلك أنه خرج لصلاة الفجر صباح سطوة آل سليم، وله من العمر خمس عشرة سنة، والقصر فيه الرماة، والناس كلهم متحصنون في منازلهم خوفاعلى أنفسهم، فقابله بعض الناس فقال إلى أين تريد؟ فقال: لصلاة الفجر فضربه حتى ألجاه إلى الرجوع إلى منزله.
واشتهر ـ رحمه الله ـ منذ حداثته، بفطنته وذكائه ورغبته الشديدة في طلب العلم.
فتوفرت له البيئة الصالحة، والرغبة الشديدة في طلب العلم، فاجتهد في طلب العلم وجد فيه وسهر الليالي، وواصل الأيام ومضي في طريقه قُدُما، لا يرغب في شيء غير العلم، ولا يريد شيئا غير تحصيل العلم. فلا يكاد الواصفون يصفون شدة حرصه وإقباله على العلم والتعلم، وهكذا حتى نال حظا وافرا من العلوم الشرعية.

طلبه للعلم وحرصه عليه:
كان الشيخ السعدي ـ رحمه الله ـ قد استرعى أنظار الناس، منذ حداثة سنة بذكائه القوي، ورغبته الشديدة في طلب العلم وتحصيله، فأوقف لذلك حياته فكان لا يشغله عنه شاغل ولا يصرفه عنه صارف، فكان همه في حياته الاستفادة العلمية وحفظ الأوقات في ذلك.
لقد أجمع أمره على أن يقف حياته على طلب العلم، وأن يعطي نفسه أمنا وطمأنينة وسكينة خاصة، تصل برباطها الوثيق بينه وبين الأمر الذي أوقف حياته عليه.
فتراه في واد، وأغلب ناشئة عصره من زملائه وأترابه في واد آخر. إنه ارتضى العلم والمعرفة رفيقا وأليفا، ولم يرق في نظره من رجال زمانه سوى طبقة العلماء. فلازمهم ملازمة الظل. وأكب على الاغتراف من معين علمهم وفضلهم وأخلاقهم، فتغذى أطيب غذاء، وروي أكرم ري.
يقول الشيخ عثمان القاضي ـ رحمه الله ـ في روضة الناظرين ((ولما رأى زملاؤه في الدراسة تفوقه عليهم، ونبوغه، تتلمذوا عليه، وصاروا يأخذون عنه العلم، وهو في سن البلوغ، فصار في هذا الشباب المبكر متعلما ومعلما. وما أن تقدمت به الدراسة شوطا، حتى تفتحت أمامه أفاق العلم فخرج عن مألوف بلده من الاهتمام بالفقه الحنبلي فقط إلى الاطلاع على كتب التفسير، والحديث، والتوحيد، وكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، التي فتقت ذهنه، ووسعت مداركه، فخرج من طور التقليد إلى طور الاجتهاد المقيد، فصار يرجح من الأقوال ما رجحه الدليل وصدقه التعليل)).
وأول ما قام به من طلب العلم، مبادرته لحفظ كتاب الله، فبدأ بحفظ القرآن في سن مبكرة، حتى أتقنه، وأتمه، وحفظه عن ظهر قلب، في الحادية عشرة من عمره، في مدرسة الشيخ سليمان بن دامغ لتحفيظ القرآن بأم خمار، ثم شرع بعد ذلك في تحصيل سائر العلوم الشرعية. فأخذ في طلب العلم وتحصيله، وتلقيه عن علماء بلده وغيرهم مم قدم إليها، وشغل أوقاته في ذلك، ورحل إلى العلماء المجاورين لبلده، وانقطع للعلم وتحصيله، حفظا وفهما ودراسة ومراجعة واستذكارا وتطبيقا.
وكان يواظب على دروس العلماء، وعلى من يشعر أنه له منه أدنى فائدة طارحا التحيز والترفع، وواصل وثابر، وبذل جهده في سبيل ذلك، حتى نال في صباه ما لا يناله غيره في زمن طويل، من علوم كثيرة وفنون مختلفة.
ولم يقتصر في طلبه للعلم على فن واحد، بل قرأ في فنون كثيرة، فقرأ في الحديث، والتفسير، العقائد، والفقه، والأصول، والمصطلح، وعلوم اللغة وغيرها. وسيظهر لنا هذا عند ذكر شيوخه، وما تلقاه عنهم.

شيوخه:

لقد تلقى الشيخ أنواع العلوم على كثير من العلماء، بعضهم من عنيزة وبعضهم من الوافدين إليها، وبعضهم ذهب إليهم في بلادهم.
وذكر جميعهم يصعب، ولكن فيما يلي أذكر جملة منهم، مع إعطاء نبذة بسيطة عنهم، وعن أنواع استفادته من كل واحد منهم، وتجدر الإشارة إلى أنه كان –رحمه الله ـ محل إعجاب مشايخه كلهم، بفرط ذكائه ونبله واستقامته.

فمن شيوخه:-
1- الشيخ إبراهيم بن حمد بن محمد بن جاسر: ولد في بريدة سنة 1241هـ، وتوفي في الكويت سنة 1342هـ، وهو أول من قرأ عليه الشيخ، وأخذ عنه التفسير، والحديث، وأصولهما. وكان الشيخ ابن سعدي يصف شيخه بحفظ الحديث، والورع، والزهد، ومحبة الفقراء، ومواساتهم. وكثيرا ما يأتيه الفقير في اليوم الشاتي فيخلع أحد قوبيه ويلبسه ذلك الفقير، مع حاجته إليه وقلة ذات يده – رحمه الله-.
2- الشيخ محمد بن عبد الكريم بن إبراهيم بن صالح الشبل: ولد في عنيزة سنة 1275هـ، وتوفي سنة 1343هـ، وأخذ عنه الفقه وأصوله وعلوم اللغة العربية.
3-الشيخ عبد الله بن عائض العويضي الحربي: ولد في عنيزة سنة 1249هـ، وتوفي سنة 1375هـ، وأخذ عنه الفقه وأصوله وعلوم اللغة.
4-الشيخ صالح بن عثمان بن حمد بن إبراهيم القاضي: ولد في عنيزة سنة 1282هـ، وتوفي سنة 1351هـ، أخذ عنه التوحيد، والتفسير، والفقه وأصوله وفروعه، وعلوم العربية، وهو أكثر من قرأ عليه الشيخ ولازمه ملازمة تامة حتى توفاه الله.
وكان هو الذي يقرأ على الشيخ في الدرس، والشيخ يقرر على قراءته. ولقد بدأ القراءة على الشيخ بعد وفاة عبد العزيز الغرير، الذي كان يقرأ على الشيخ، وكان الشيخ ابن سعدي له صوت حسن رخيم لا يمله سامعه.
5-الشيخ محمد بن عبد الله بن حمد بن محمد بن سليم: ولد في بريدة، سنة 1240هـ، وتوفي فيها سنة 1323هـ، رحل له الشيخ في بريدة وأخذ عنه التوحيد وغيره.
6-الشيخ علي بن ناصر بن محمد أبو وادي: ولد في عنيزة سنة 1273هـ، وتوفي سنة 1361هـ، وأخذ عنه الحديث، في الأمهات الست وغيرها، وأجازه في ذلك. وأخذ عنه التفسير وأصوله، وأصول الحديث.
7-الشيخ إبراهيم بن صالح بن إبراهيم بن محمد بن عيسى القحطاني: ولد في عنيزة سنة 1270هـ، وتوفي بالرياض سنة 1343 هـ، وأخذ عنه أصول الدين.
8-الشيخ محمد بن عبد العزيز بن محمد بن عبد الله بن مانع: ولد في عنيزة سنة 1300هـ، وتوفي في بيروت سنة 1385هـ، ونقل جثمانه إلى قطر، وصلي عليه فيها ودفن بها، وأخذ عنه علوم اللغة العربية.
9-الشيخ صعب بن عبد الله بن صعب التويجري: ولد في بريدة 1253هـ، وتوفي سنة 1339هـ،
10-الشيخ علي بن محمد بن إبراهيم بن محمد السناني: ولد في عنيزة سنة 1266هـ، وتوفي فيها سنة 1339هـ، وأخذ عنه أصول الدين.
11-الشيخ محمد الأمين محمود الشنقيطي: ولد في مدينة شنقيط في موريتانيا سنة 1289هـ، وتوفي في الزبير، في صباح الجمعة 14 جمادي الثانية، سنة 1351هـ، قرأ عليه الشيخ لما قدم إلى عنيزة وجلس فيها للتدريس سنة 1330هـ، وأخذ عنه التفسير، والحديث، ومصطلح الحديث، وعلوم العربية كالنحو والصرف وغيرهما، وأخذ عنه إجازة بالرواية.

جلوسه للتدريس وطريقته فيه:
لقد بذل الشيخ السعدى أكثر جهده ومعظم وقته في طلب العلم وتحصيله، ولازم العلماء، وأكب على كتب العلم، فلا يصرفه عن حلق الذكر ومجالس العلم وقراءة الكتب صارف، ولا يرده عنها راد، حتى أناله الله من العلم حظا وفيرا، وقدرا كبيرا، فعلا قدره، وعظم شأنه، وظهر تفوقه، وذاع صيته.
فأقبل عليه طلاب العلم من عنيزة، وما جاورها من المدن، ورغبوا في دروسه، وحرصوا على الاستفادة منه. حتى إن زملاءه في الدراسة، لما رأوا تفوقه ونبوغه تتلمذوا عليه، وصاروا يأخذون عنه العلم وهو في سن مبكرة، فصار وهو في شبابه معلما ومتعلما.
وقد كان أول جلوسه للتعليم في الثالثة والعشرين من عمره، ففي هذه السن جلس في حلقة التدريس، يعطي الدروس للطلاب، وجَدّ في تعليمهم واجتهد، يعلم زملاءه ومن يريد العلم ويطلبه، وكان يحرص على التعليم كحرصه على التعلم.
فجمع بذلك بين طلب العلم والتعليم، ورتب وأوقاته في ذلك، فكان يقضي بعض أوقاته في القراءة على العلماء، وبعضها يجلس للتلاميذ يعلمهم، وبعضها في مراجعة الكتب والبحث فيها، فكان كل وقته في طلب العلم.
فبلغ الذروة في علوم الحديث، والفقه، والتفسير، حتى إنه منذ عام 1350هـ صار مرجع التدريس ومرجع الإفتاء في بلده وما حولها من القرى وأصبح المعول لدى جميع الطلاب في أخذ العلوم.
أما عن تنظيمه لأوقاته في التعليم: فقد كان يجلس أربع جلسات في اليوم الواحد، فكان إذا صلى الفجر بالناس جلس لأداء الدرس حتى تطلع الشمس، ثم يذهب بعد ذلك إلى بيته حتى الضحوة الكبرى. ثم يعود إلى المسجد يعلم أبناءه الطلاب الفقه، والتفسير، والحديث، والعقيدة، والنحو، والصرف، في دروس منتظمة، ويستمر معهم حتى صلاة الظهر، فيصلي بالناس. ثم يعود إلى بيته ليستريح فيه إلى صلاة العصر، ثم يذهب إلى المسجد فيصلي العصر بالناس، ويعطيهم عقب الصلاة وهم جلوس بعض الأحكام الفقهية، في دقائق لا تؤخرهم عن الإنصراف سعيا وراء أرزاقهم، وعندما تغرب الشمس يصلي بالناس صلاة المغرب، ويجلس للدرس حتى يصلي العشاء، ويتكرر ذلك يوميا.
أما عن طريقته في التعليم وحرصه على نفع طلابه: فقد كان –رحمه الله- من أحسن الناس تعليما وأبلغهم تفهيما وأفضلهم تبيينا، وذلك لأن طريقته في التعليم امتازت بصفات كثيرة هامة، جعلت طلابه يتلذذون بدروسه ويواظبون عليها.

ومن أبرز هذه الصفات:
1-أنه يستشير تلاميذه في اختيار الكتاب الأنفع من كتب الدراسة، ويرجح ما عليه رغبة أكثرهم، وعند التساوي يكون هو الحكم عي الترجيح.
2-كان ـ رحمه الله ـ يخصص المكافآت لمن يحفظ المتون من طلابه، تشجيعا لهم وحفزا لزملائهم.
3-كان يقيم المناظرات بين طلابه المحصلين لشحذ أفكارهم، وصقل أذهانهم، وتعويدهم إقامة الحجة والبرهان.
4-كان يطرح المسائل على الطلاب ليختبر أذهانهم، ويعتمد أحيانا تغليط نفسه أمامهم ليرى من هو حاضر الذهن ممن هو شارد، وليعرف الفطن من غيره.
5-كان عند ذكره للمسائل الخلافية فإنه يقرر القول الراجح بأدلته، ثم يذكر القول الآخر بأدلته ثم يوسط نفسه حكما في المسألة، وقد يستطرد بذكر نظائر المسألة، كل ذلك بفصاحة وبلاغة بديهية.
6-كان يجمع الطلاب كلهم على كتابين، واحد بعد آخر، وبعد انتهاء الجلسة يطلب من ثلاثة منهم إعادة ما يستحضره من التقرير، ويدور عليهم ليختبر قوة حفظهم وفهمهم.
7-كان يناقشهم بعد يوم فيما مضى شرحه، مما كان يدفع الطلاب على الحرص وعلى الاستذكار وتثبيت المعلومات.
8-كان يحرص على طلابه حرصا تاما، ويتفقدهم عند غيابهم تفقدا دقيقا، مما كان يجعل تلاميذه يراعون المواظبة لملاحظته وعدم غفلته.
9-كان يلاطفهم ويداعبهم تحبيبا لهم في طلب العلم.
ولهذا فإنه قد انتفع بعلمه خلق كثير، وتخرج على يديه عدد كبير من طلبة العلم البارزين المحصلين، أجزل الله له المثوبة، ورحمه الله رحمة واسعة.

مكانته العلمية:
كان ـ رحمه الله ـ ذا معرفة تامة بالفقه، أصوله وفروعه. وكان في أول أمره متمسكا بالمذهب الحنبلي تبعا لمشايخه، وحفظ بعض المتون في ذلك، وكان له مصنف في أول أمره في الفقه، نظم رجز، في نحو أربعمائة بيت، وشرحه شرحا مختصرا، ولكنه لم يرغب في ظهوره لأنه على ما يعتقده أولاً.
وكان أعظم اشتغاله وانتفاعه بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم (1) ـ رحمهما الله ـ، وحصل له خير كثير بسببهما في علم الأصول، والتوحيد، والتفسير، والفقه وغيرها من العلوم النافعة، وبسبب استنارته بكتب الشيخين المذكورين صار لا يتقيد بالمذهب الحنبلي؛ بل يرجح ما ترجح عنده بالدليل الشرعي. ولا يطعن في علماء المذاهب كبعض المتهوسين، هدانا الله وإياهم للصواب والصراط المستبين. وله اليد الطولى في التفسير، إذ قرأ عدة تفاسير. وبرع فيه، وألف تفسيرا جليلا في عدة مجلدات، فسره بالبديهة، من غير أن يكون عنده وقت لتصنيف كتاب تفسير، ولا غيره، ودائما يقرأ التلاميذ عليه القرآن الكريم ويفسره ارتجالا، ويستطرد ويبين معاني القرآن وفوائده. ويستنبط منه الفوائد البديعة والمعاني الجليلة، حتى أن سامعه يود أن لا يسكت، لفصاحته، وجزالة لفظه، وتوسعه في سياق الأدلة والقصص، ومن اجتمع به وقرأ عليه وبحث، معه عرف مكانته في المعلومات، وكذلك من قرأ مصنفاته وفتاويه.

عقيدة الشيخ ـ رحمه الله ـ
لقد نهج الشيخ السعدى في العقيدة منهج السلف الصالح، واقتفى آثارهم، وترسم خطاهم، وذلك بتلقي العقيدة وأخذها من منبعها الأصيل، كتاب الله وسنة، رسول صلى الله عليه وسلم، وفهم السلف الصالح، لا بالأهواء والتشهي، والبدع والظنون الفاسدة.
ومن تأمل كتبه وسبرها عرف شدة عنايته بهذه العقيد، وحرصه على نشرها وتصديه لمخالفيها.
وقد ذكر ـ رحمه الله ـ في أول كتابه ((القول السديد في مقاصد التوحيد)) مقدمة تشتمل عل صفوة من عقيدة أهل السنة، وخلاصتها المستمدة من الكتاب والسنة(2).

تلاميذه:
تتلمذ على الشيخ خلق كثير يصعب حصرهم، منهم:-
1-الشيخ محمد بن صالح العثيمين: خلف شيخه في إمامة الجامع بعنيزة، وفي التدريس والوعظ والخطابة.
2-الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام: عضو هيئة التمييز بالمنطقة الغربية.
3-الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العقيل: عضو الهيئة القضائية العليا في وزارة العدل.
4-الشيخ عبد الله بن محمد المطرودي.
5-الشيخ عبد العزيز بن محمد السلمان:درس في معهد إمام الدعوة بالرياض، وسلك طريقة شيخه في التأليف.
6-الشيخ محمد بن عبد العزيز المطوع: تولى القضاء في المجمعة وفي عنيزة وتوفي في 18/3/1387هـ.
7-الشيخ محمد بن منصور الزامل: درس بمعهد عنيزة العلمي.
8-الشيخ عبد الله بن محمد الزامل: درس في معهد عنيزة العلمي، وهو من أبرز علماء النحو.
9-الشيخ عبد الله بن حسن آل بريكان: درس في معهد عنيزة العلمي.
10-الشيخ عبد الله بن محمد العوهلي: درس بمعهد مكة العلمي.
11-الشيخ محمد بن صالح الخزيم:عين قاضيا في الرس ثم في المذنب، ثم في عنيزة.
12-الشيخ عبد الرحمن بن محمد المقوشي: عين قاضيا بالرياض في بالقويعية ثم أحيل إلى التقاعد لرغبته.
13-الشيخ حمد بن محمد البسام: درس بالمعهد العلمي بعنيزة ثم درس في جامعة الإمام محمد بن سعود فرع القصيم، وكان هو القارئ على الشيخ في الدرس.
14-الشيخ إبراهيم بن عبد العزيز:إمام مسجد الجديدة بعنيزة.
15-الشيخ عبد الله بن عبد العزيز الخضري : عين قاضيا بعفيف ثم صار مدرسا بمعهد المدينة المنورة العلمي.
16-الشيخ حمد بن إبراهيم القاضي: صار مدير إحدى المدارس بعنيزة.
17-الشيخ عبد الله بن محمد الفهيد: إمام مسجد القاع في عنيزة.
18-الشيخ سليمان بن صالح البسام: من أعيان عنيزة.
19-الشيخ عبد الله بن محمد الصيخان: كان قوي الحفظ، كفيفا، وتوفي شابا.
20-الشيخ عبد الرحمن بن عبد العزيز الزامل: كان له عناية بالتاريخ والأنساب.
21-الشيخ عبد العزبز بن محمد البسام: كان ينوب عن الشيخ في إمامة الجامع، وفي الخطابة إذا سافر.
22-الشيخ عبد العزيز بن علي المساعد: إمام مسجد الصويطي بعنيزة.
23-الشيخ سليمان بن عبد الرحمن الدامغ: إمام مسجد الجزيرة بعنيزة.
24-الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن السعدي: ابن الشيخ وكان ذا عناية بطبع مؤلفات والده.
25-الشيخ محمد بن صالح الفصيلى:، كان قاضيا في تيماء.
26-الشيخ يوسف بن عبد العزيز الحزب: حفظ القرآن، وكان مشهورا بكتابة الوثائق والمبايعات في عنيزة.
27-الشيخ علي بن محمد الصالحي: صاحي مطبعة النور، وكان الشيخ قد وكل إليه تدريس صغار الطلبة سنة 1360هـ.
28-الشيخ إبراهيم بن محمد العمود: كان قاضيا في جيزان ثم في الرياض، والشيخ خاله.
29-الشيخ سليمان بن محمد الشبل: درس في المدرسة العزيزية الإبتدائية في عنيزة.
30-الشيخ حمد بن محمد المرزوقي: درس في معهد النور.
31-الشيخ محمد بن عبد الرحمن الحفظي: كان قاضيا في الدرعية.
32-الشيخ محمد بن عثمان القاضي:إمام جامع عنيزة وقيم مكتبة الصالحية في عنيزة.
33-الشيخ عبد الرحمن العقيل: كان قاضيا في جيزان.
34-الشيخ محمد بن سليمان البسام: درس في المسجد الحرام فترة وجيزة.
35-الشيخ عبد العزيز بن سبيل: قاضي البكيرية ثم المدرس بالمسجد الحرام.
36-الشيخ عبد الرحمن بن عبد العزيز بن زامل بن عبد الله آل سليم:وهو من تلاميذه الأقدمين لأنه يقارب الشيخ في السن وهو من أعيان مدينة عنيزة.
37-الشيخ سليمان بن إبراهيم البسام: كان فقيهاً درس فى المعهد العلمى بعنيزة، وعين قاضياً فرفض ، وتوفى فى14/3/1377هـ .


صفات الشيخ الخَلقية والخُلقية:
أولا: الصفات الخَلقية:-

يقول الشيخ عبد الله البسام ـ حفظه الله ـ:
(كان ذا قامة متوسطة، شعره كثيف، ووجهه مستدير ممتلئ طلق ولحيته كثيفة، ولونه أبيض مشرب بحمرة، وكان شعره في شبيبته في غاية السواد، وفي شيوخته في غاية البياض يتلألأ كأنه فضة، ووجهه حسن عليه نور في غاية الحسن وصفاوه اللون).

ثانيا: صفاته الخُلقية (أخلاقة):
يقول الشيخ عبد الله البسام ـ حفظه الله ـ:(له أخلاق أرق من النسيم، وأعذب من السلسبيل، لا يعاتب عل الهفوة، ولا يؤاخذ بالجفوة، يتودد ويتحبب إلى البعيد والقريب، يقبل بالبشاشة، ويُحَيَّي بالطلاقة، ويعاشر بالحسنى، ويجالس بالمنادمة، ويجاذب أطراف الحديث أحاديث الأنس والود، ويعطف على الفقير والصغير، ويبذل طاقته ووسعه، ويساعد بماله وجاهه وعلمه ورأيه ومشورته ونصحه بلسان صادق، وقلب خالص، وسر مكتوم، ومهما أردت أن أعدد فضائله ومحاسنة في مجال الأخلاق الكريمة، والشيم الحميدة التي يتحلى بها، فإني مقصر وقلمي عاجز، ولا يدرك هذ إلا من عاشره وجالسه، لذا فإن الله سبحانه أعطاه محبة في القلوب، وثقة في النفوس، أجمعت البلاد على وده، واتفقت على تقديمه، فصار له زعامة شعبية، فإشارته نافذة، وكلمته مسموعة، وأمره مطاع ).
هكذا وصفه تلميذه الشيخ عبد الله البسام.
(وكان ـ رحمه الله ـ ذا دعابة، يتحبب إلى الخلق بحسن خلقه، مرحا للجليس لا يرى الغضب في وجهه، طلق الوجه، كريم المحيا، وكان يكثر الحج، ويصوم البيض وغيرها، ويتكلم مع كل فرد بما يناسب حاله، ويعاشر الخلق معاشرة تامة، كل بحسب حاله، من يعرف ومن لا يعرف، الصغير والكبير والخاص والعام، والرجال والنساء، محبا للخير مقدما عليه).
يقول الشيخ القاضي في روضة الناظرين 1/244.
(وكان ـ رحمه الله ـ داعية خير ورشد، يحب أهل الخير، ويتودد إلى الخلق، ويساعد الضعيف، ويحرص على إصلاح ذات البين، فما من مشكلة تعرض عليه إلا ويحلها برضا الطرفين لما ألقى الله في قلوب الخلق من مودته، والانقياد لمشورته، والإصغاء لقوله مهما كانت الحال، ولا يكاد يوجد من يرى مخالفته في أي حال من الأحوال.
وكان ـ رحمه الله ـ متواضعا حتى في ملبسه، فكان ملبسه متوسط الحسن مجانبا للشهرة، لا يرغب ملابس الشهرة، فملابسة حسنة طيبة بعيدة عن الشهرة).

أعماله:

المراد بأعماله هنا، ما قام به الشيخ من مشاريع خيرية، أو ما تولاه من أعمال دينية.
فقد كان ـ رحمه الله ـ محبا للمشاريع الخيرية العامة والخاصة آمرا بها، مساعدا عليها، وله أفعال كثيرة حسنة جهرية وسرية، لم يظهر بعضها إلا بعد وفاته وهي كثيرة جدا.
وفيما يلي أعرض بعض المشاريع التي قام بها، والأعمال التي تولاها:-
1- كان مرجع بلاده وعمدتهم في جميع أحوالهم الشرعية، فهو مدرس الطلاب، وواعظ العامة، وإمام الجامع وخطيبه، ومفتي البلاد، وكاتب الوثائق، ومحرر الأوقاف والوصايا، وعاقد الأنكحة، ومستشارهم في كل ما يهمهم، كل ذلك خدمة لوجه الله.
2- في عام 1360هـ قام بتأسيس المكتبة الشهيرة بالوطنية، على نفقة الوزير ابن حمدان. وجلب لها آلاف الكتب في شتى الفنون وصارت هذه المكتبة صبوح الطلبة الذين يقرءون عليه فيها وغبوقهم. وكانت المراجع متوفرة فيها.
3- في عام 1360هـ رشح لقضاء عنيزة، فامتنع عنه تورعا، ولم يدخل في أي وظيفة لا قضاء ولا غيره، وعرض عليه القضاء أكثر من مرة ولكن سهل الله له الفكاك منه.
4- في رمضان عام 1361هـ عين إماماً وخطيباً للجامع الكبير بعنيزة بأمر الشيخ عبد الرحمن بن عودان، وهي حسنة من حسناته أحبه الناس عليها وحفظوها له.
5- وفي عام 1363هـ قام بجمعيةخيرية لعمارة مقدم الجامع الكبير بعنيزة، وانتهت بعمارة محكمة مع توسعة.
6- في عام 1373هـ قام بجمعية أخرى خيرية لعمارة مؤخر المسجد وانتهت على ما يرام، بمساعيه المشكورة.
7- في عام 1373هـ عين مشرفا على المعهد العلمي بعنيزة يقول الشيخ عبد الرحمن العبودي: أحد المدرسين بالمعهد إذ ذاك بعد أن ذكر خبر تعينه مدرسا هناك ((وفي نفس الوقت بلغنا أن الشيخ عبد الرحمن السعدي قد عين مشرفا على المعهد من الناحية العلمية، وكان تعيينه براتب شهري قدره ألف ريال، ولكن الشيخ ـ رحمه الله ـ أرسل إلى رئاسة المعاهد أنه على استعداد للإشراف على المعهد حسبة لوجه الله تعالى، وأنه لا يريد أن يكون له على ذلك أجر مادي، وقبلت الرئاسة شاكرة له هذا الصنيع الذي لا يصدر إلا من عالم زاهد يبتغي وجه الله)).
ثم قال : ((كان ـ رحمه الله ـ يأتي إلى المعهد بانتظام يوم الثلاثاء من كل أسبوع، ثم يدخل إلى آخر الصف ويجلس فيه كأنه أحد طلاب هذا الفصل ويكرر هذا العمل في أكثر من فصل ويستمع إلى أكثر من مدرس ولم يكن في المعهد من المدرسين المصريين إلا أنا وزميل آخر، أما بقية المدرسين فكانوا من أبناء الشيخ علمهم في المسجد الجامع إلى درجة تسمح لهم بالقيام بتدريس المواد التى تعلموها على يديه)).
8- وهو أول من :أدخل مكبرات الصوت في عنيزة، وله خطبة في منافعها قالها حين وضعه في المسجد واستنكره بعض الناس قال فيها: ((وكذلك إيصال الأصوات والمقالات النافعة إلى الأمكنة البعيدة من برقيات وتليفونات وغيرهما، داخل في أمر الله ورسوله بتبليغ الحق إلى الخلق، فإن إيصال الحق والكلام النافع بالوسائل المتنوعة من نعم الله، وترقية الصنائع والمخترعات لتحصيل المصالح الدينية والدنيوية من الجهاد في سبيل الله)).
9- وله أعمال خيرية كثيرة عرف بعضها بعد وفاته، منها: أن امرأة أرملة لها بيت، أصبحت مدينة بمال كثير، فرهنت بيتها، وليس لها عمل تقتات به، فأحس بذلك الشيخ فصار يتعهدها ويعطيها إرسالاً مما يأتيه من أهل الخير، فكانت تدفع أكثر ما يصلها إلى صاحب الدين وتُبقي قليلا من المال تقتات به، فبقيت على هذه الحال مدة من الزمن فخلص الدين بأجمعه وذلك قبل وفاة الشيخ بأشهر، فلما توفي ـ رحمه الله ـ ظهر الخبر من المرأة، وكانت دائما تذكره وتدعوا له، وأمثالها في ذلك كثير فرحمه الله رحمة واسعة.

مصنفات الشيخ ـ رحمه الله ـ:

كان الشيخ ابن سعدى ـ رحمه الله ـ ذا عناية بالغة بالتأليف، وله مؤلفات كثيرة في أنواع العلوم الشرعية، فألف في التوحيد، والفقه، والحديث، والتفسير، والأصول، ومحاسن الدين وغيرها. وجميع مؤلفاته مطبوعة إلا اليسير منها؛ لأنه كان ـ رحمه الله ـ ذا عناية بطبع الكتاب فور انتهائه من تأليفه، إما على نفقته أو على تفقة بعض أهل الخير والإحسان.

وسأعرض فيما يلي جميع مؤلفاته المطبوعة وغير المطبوعة:

1- الأدلة القواطع والبراهين في إبطال أصول الملحدين. (طبع).
2- الإرشاد في معرفة الأحكام (طبع).
وقد طبع هذا الكتاب مرة أخرى باسم ((إرشاد أولى الأبصار والألباب لنيل الفقه بأقرب الطرق وأيسر الأسباب بطريق مرتب على السؤال والجواب))!!
3- انتصار الحق. (طبع).
4- بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار. (طبع).
5- التعليق وكشف النقاب على نظم الإعراب. (لم يطبع).
6- توضيح الكافية الشافية. (طبع).
7- التوضيح والبيان لشجرة الإيمان. (طبع).
8- التنبيهات اللطيفة فيما احتوت عليه الواسطية من المباحث المنيفة(3). (طبع).
9- تنزيه الدين وحملته ورجاله مما افتراه القصيمي في اغلاله. (طبع).
10- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان. (طبع).
11- تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن. (طبع).
12- الجمع بين الانصاف ونظم ابن عبد القوي. (لم يطبع).
13- الجهاد في سبيل الله أو واجب المسلمين وما فرضه الله عليهم في كتابه نحو دينهم وهيئتهم الاجتماعية. (طبع).
14- الحق الواضح المبين في شرح توحيد الأنبياء والمرسلين من الكافية الشافية. (طبع).
15- حكم شرب الدخان. (طبع).
16- الخطب المنبرية على المناسبات. (طبع).
17- الدرة البهية شرح القصيدة التائية في حل المشكلة القدرية. (طبع).
18- الدرة المختصرة في محاسن دين الإسلام. (طبع).
19- الدلائل القرآنية في أن العلوم النافعة العصرية داخلة في الدين الإسلامي. (طبع).
20- الدين الصحيح يحل جميع المشاكل. (طبع).
21- رسالة في القواعد الفقهية. (طبع).
22- رسالة لطيفة جامعة في أصول الفقه المهمة. (طبع).
23- الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة في العقائد والفنون المتنوعة الفاخرة. (طبع).
24- سؤال وجواب في أهم المهمات. (طبع).
25- طريق الوصول إلى العلم المأمول بمعرفة القواعد والضوابط والأصول. (طبع).
26- الفتاوى السعدية. (طبع).
27- فتح الرب الحميد في أصول العقائد والتوحيد. (لم يطبع).
28- فوائد مستنبطة من قصة يوسف. (طبع).
29- الفواكه الشهية في الخطب المنبرية. (طبع).
30- القواعد الحسان في تفسير القرآن. (طبع).
31- القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديهة النافعة. (طبع).
32- القول السديد في مقاصد التوحيد. (طبع).
33- مجموعة الخطب في المواضع النافعة. (طبع).
34- مجموع الفوائد واقتناص الأوابد. (مخطوط).
35- المختارات الجلية من المسائل الفقهية. (طبع).
36- المواهب الربانية من الأيات القرآنية. (طبع).
37- منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين. (طبع).
38- المناظرات الفقهية. (طبع).
39- منظومة في أحكام الفقه. (طبع).
40- منظومة في السير إلى الله والدار الآخرة. (طبع).
41- وجوب التعاون بين المسلمين، وموضوع الجهاد الديني، وبيان كليات من براهين الدين. (طبع).
42- الوسائل المفيد للحياة السعيدة. (طبع).

43- كما قامت دار صالح بعنيزة بجمع مؤلفات الشيخ ورتبت على النحو التالي:

أولا: التفسير في ثماني مجلدات.
ثانيا: الحديث في مجلد.
ثالثا: العقيدة الإسلامية في مجلد.
رابعا: الققه وأصوله في مجلدين.
خامسا: الثقافة الإسلامية في مجلدين.
سادسا: الخطب في مجلد.
سابعا: الفتاوى في مجلد.
ثامنا: مختصر التفسير وأصوله في مجلد.


حادثة:
في عام 1358هـ الف ـ رحمه الله ـ رسالة عن يأجوج ومأجوج، فجلبت له بعض المشاكل من وشاية مغرضة، جاءت من أحد الحاسدين، فجاءته برقية من الملك يطلب حضوره للرياض ومعه تفسيره، وسافر، وحصل مع الناس خوف عليه، واهتم الأمير عبد الله به، وبعثه بسيارته الخاصة، وما أن وصل الرياض واجتمع يوم الخميس بالملك والعلماء حتى أقنعهم، وأكرمه الملك الإكرام التام وقال: إننا نعتبرك في القصيم من العلماء الربانيين.

غايته ـ رحمه الله ـ من التصنيف:-
وكان غية قصده من التصنيف، هو نشر العلم والدعوة إلى الحق، ولهذا يؤلف ويكتب ويطبع ما يقدر عليه من مؤلفاته، لا ينال منها عرضا زائلا، بأن يوزعها مجانا ليعم النفع بها. فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيرا.

مرضه ووفاته:
أصيب عام 1372هـ أي قبل وفاته بخمس سنوات بمرض ضغط الدم، وتصلب الشرايين، فكان يعتريه مرة بعد مرة وهو صابر عليه، وكانت أعراض المرض تبدو عليه بعض الساعات في الكلام فيقف ولو كان يقرأ القرآن ثم يتكلم.
فاهتمت به الحكومة، حيث أرسل له الملك سعود ـ رحمه الله ـ طائرة خاصة، وفيها طبيبان، قررا بعد الكشف عليه سفره للعلاج في لبنان وصحباه في السفر.
فسافر إلى بيروت في علام 1373هـ وبقي هناك شهرا، يعالج حتى شفاه الله، ونصحه الأطباء بالراحة وقلة التفكير والإجهاد. واجتمع في سفره هذا بعدد من العلماء، وتعرف بجملة من الفضلاء، منهم الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني.
ثم رجع إلى عنيزة فباشر فيها أعماله، ولم يصبر على ترك العلم، فقام فيها تعليما وإمامة وخطابة وتأليفا وبحثا؛ لأن هوايته العلم وكان يقول: ((إن راحتى في مزاولة عملي)).
فصار المرض يعاوده ثم يشفى، ولا يصده عن الخروج، ويحدث معه رعدة وسكتة لا يقدر معها على الكلام، وتبقى دقيقة واحدة ثم تزول، بدون تألم سوى برد يتلوه عرق.
وفي شهر جمادى الآخرة سنة 1376هـ اشتد عليه المرض أكثر مما كان وصار معه مثل البرد والقشعريرة.
وفي ليلة الأربعاء 22 من الشهر المذكور، وبعد فراغه من الدرس اليومي المعتاد، وبعد فراغه من صلاة العشاء، أحس بثقل وضعف في الحركة، فأشار إلى أحد تلاميذه بأن يمسكه ويذهب معه إلى البيت، ففعل وهرع معه أناس من الحاضرين، فلم يصل إلى البيت إلا وقد أغمي عليه، ثم أفاق بعد ذلك فحمد الله وأثنى عليه وتكلم مع أهله والحاضرين بكلام طيب، ثم عاوده الإغماء مرة أخرى فلم يتكلم بعد ذلك.
فلما أصبحوا صباح الأربعاء دعوا الطبيب فقرر أن معه نزيفا في المخ، وإن لم يتدارك فوراً فإنه سيموت.
فأبرقوا لابنه وللملك فيصل ـ لما كان وليا للعهد ـ ـ رحمه الله ـ فأصدر أمره الكريم عاجلا بكل ما يلزم، فقامت طائرة خاصة، وفيها طبيب مخ ومهرة من الأطباء والعلاجات، إلى مدينة عنيزة وكان فيها ابنه عبد الله.
ولكن الجو كان ملبدا بالغيوم والرعد والبرق والعواصف الشديدة، وفيها أمطار قد تتابعت أكثر من شهر، تهدمت منها البيوت، ونزلت أخشاب سطوح المساجد، فلم يساعد الجو على هبوط الطائرة، فرجعت من حيث أتت، ثم رجعت من الغد صباح الخميس لمحاولة الهبوط، فتلقت مكالمة وهي في الجو بوفاته فرجعت من حيث أتت.
حيث إنه توفي ـ رحمه الله ـ قبل طلوع فجر يوم الخميس الموافق 23 جمادى الأخرة 1376 هـ عن تسع وستين سنة.
وصُلي عليه بعد صلاة الظهر في الجامع الكبير، ودفن في مقابر الشهوانية شمال عنيزة وأخروا الصلاة عليه إلى الظهر لعل أحد أبنائه يدركه، فلم يدركه أحد منهم، وصلى الشيخ عبد العزيز بن محمد البسام، في حشد كبير لم يشهد له مثيل، جمع أهل البلد قاطبة والقرى والمدن المجاورة.
والحقيقة أن عنيزة منذ تأسست لم تصب عامة مثل مصيبتها به، وظهر ذلك في البكاء والحزن الشديد من كل المواطنين، كما ظهر في الازدحام الشديد على الجنازة التي لم يبق كبير ولا صغير إلا وشهدها.
تأثر الناس بوفاته ـ رحمه الله ـ:
وبموته فقدت البلدة أعز وأعلى شخص يعيش فيها، وأحس المواطنون بفراغ واسع بفقده، وحتى الآن وذكره على الألسن، ومحبته في القلوب وأحاديثه وإرشاداته وفتاويه هي حديث المجالس، وأنس المحافل، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.
يقول الشيخ محمد بن عثمان القاضي في روضة الناظرين 1/247:
((ولقد حدثني من أثق به بأن الشيخ سليمان المشعلي، وكان عالما جليلا وقاضيا مسددا، لما علم بوفاته قال مات اليوم عالم نجد وقد طاب الموت بعد هذه الشخصية الفذة فانصدع ومات في 12 من رجب بعد وفاة شيخنا بتسعة عشر يوما وكان من خواصه)).

أبناء الشيخ ـ رحمه الله ـ:

خلَّف ـ رحمه الله ـ ثلاثة أبناء وهم عبد الله ومحمد وأحمد، وهم يعملون بالتجارة بالرياض والدمام. وعبد الله هو أكبرهم سنا وله يد في طلب العلم، وقد اعتنى بطبع بعض مؤلفات والده وتوزيعها مجانا، وقد توفي عبد الله في 24/4/1405هـ في حادث سيارة رحمه الله رحمة واسعة.

ثناء العلماء عليه:
لقد أشاد كثير من العلماء بفضل الشيخ ابن سعدي، وعلمه، وحسن خلقه، وطيب معشره، وحبه للخير، بل كان محل إعجابهم وثنائهم، فوصفوه بحميد الأفعال، ونعتوه بطيب الخصال.
وفيما يلي ذكر جملة من أقوال العلماء فيه:
1- قال الإمام العلامة الزاهد الورع مفتي المملكة العربية السعودية. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله ابن باز ـ حفظه الله ـ ((كان ـ رحمه الله ـ كثير الفقه والعناية بمعرفة الراجح من المسائل الخلافية بالدليل، وكان عظيم العناية بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه العلامة ابن القيم، وكان يرجح ما قام عليه الدليل.
وكان قليل الكلام إلا فيما تترتب عليه فائدة، جالسته غير مرة في مكة والرياض، وكان كلامه قليلا إلا في مسائل العلم. وكان متواضعا حسن الخلق، ومن قرأ كتبه عرف فضله وعلمه وعنايته بالدليل فرحمه الله رحمة واسعة)).
2- وقال الشيخ محمد حامد الفقي ـ رحمه الله ـ:
((لقد عرفت الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، من أكثر من عشرين سنة، فعرفت فيه العالم السلفي المحقق، الذي يبحث عن الدليل الصادق، وينقب عن البرهان الوثيق، فيمشي وراءه لا يلوي على شيء... عرفت فيه العلم السلفي الذي فهم الإسلام الفهم الصادق، وعرف فيه دعوته القوية الصادقة إلى الأخذ بكل أسباب الحياة العزيزة القويمة الكريمة النقية... )).
3- وقال الشيخ عبد الرزاق عفيفي ـ رحمه الله ـ:
((إن من قرأ مصنفات الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي ـ رحمه الله ـ وتتبع مؤلفاته وخالطه، وسبر حاله أيام حياته، عرف منه الدأب في خدمة العلم إطلاعا وتعليماً، ووقف منه على حسن السيرة وسماحة الخلق، واستقامة الحال، وإنصاف إخوانه وطلابه في نفسه، وطلب السلامة فيما يجر إلى الشر، أو يفضي إلى نزاع أو شقاق، فرحمه الله رحمة واسعة)).
4- وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ حفظه الله ـ:
((إن الرجل قل أن يوجد مثله في عصره في عبادته، وعلمه، وأخلاقه، حيث كان يعامل كلا من الصغير والكبير بحسب ما يليق بحاله، ويتفقد الفقراء، فيوصل إليهم ما يسد حاجتهم بنفسه، وكان صبورا على ما يلم به من أذى الناس. وكان يحب العذر ممن حصلت منه هفوة، حيث يوجهه توجيها يحصل به عذر من هفا)).
5- وقال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام ـ حفظه الله ـ:
((لقد كان للشيخ عبد الرحمن السعدي أثر كبير، ودور بارز، في تخريج أفواج كثيرة من طلبة العلم، حيث جلس للتدريس وإفادة الطلاب أكثر من نصف قرن من الزمان.
وكان في زمانه هو مرجع أهل البلاد في التدريس، والوعظ، والتوجيه، والخطابة، والإمامة، والفتاوى، والمشاورات، وكذلك محرر الوثائق، والمبايعات، والتوثيقات، والوصايا... وغير ذلك، وكان يمتاز بكرم النفس، وحسن الخلق، والبشاشة، والطلاقة. وكان محبوبا لدى الخاصة والعامة)).
6- وقال شيخنا عبد الله بن عبد العزيز العقيل ـ حفظه الله ـ:
((كان ـ رحمه الله ـ على جانب كبير من مكارم الأخلاق والتواضع، وكان يحترم جلساءه ويوقرهم، وكان كثير التسامح مع أصحابه وغيرهم. يلتمس العذر لأحدهم مهما كان.
وكان يخاط الناس ويصبر على أذاهم، ويجيب دعوة من دعاه، ويتكلم مع كل أحد بما يناسب حاله، ويحرص على نشر العلم بينهم في مجالسهم.
وكان حريصا على نصح الناس من خلال خطبه المنبرية ومجالسه العلمية، حريصا على افتائهم وحل مشاكلهم الدينية والدنيوية، فجزاه الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء)).
7- وقال الشيخ صالح بن عبد العزيز العثيمين:
((لقد كان ـ رحمه الله ـ علىجانب كبير من الأخلاق الحسنة، متواضعا للصغير والكبير، ذا عبادة وزهد وورع، وكان فقيها محدثا، وواعظا خطيبا، ولغويا أديبا، جامعاً لفنون عديدة)).

رثاؤه:
وقد رثاه ـ رحمه الله ـ كثير من العلماء والأدباء بمراث عديدة نظما ونثرا،منها:
1- من القصائد التي قيلت في رثائه وهى قصيدة طويلة للدكتور عبد الله بن صالح العثيمين قال فيها:


مهج تذوب وأنفس تنحسر ولظى على شغف القلوب تسعر
الحزن أضرم في الجوانح والأسى يصلي المشاعر بالجحيم ويصهر
ملأ الضمائر حسرة وكآبة لا شيء يبرئها ولا هي تجبر
اليوم ودعنا أبا ومهذبا والحزن يغلي في الدماء ويزخر
كل امرئ في الكون غايته الردى والموت حتم للنفوس مقدر
لكن من اتخذ الصلاح شعاره تفنى الخليقة وهو حي يذكر
ما مات من نشر الفضيلة والتقى وأقام صرحا أسه لا يكسر
ما مات من غمر الأنام بعلمه الكتب تشهد والصحائف تخبر
يازاهدا عرف الحياة فما هوى في المغريات ولا سباه المظهر
نم في جنان الخلد يا علم التقى وانعم بظل وارف لا يحسر


2- ومن هذه القصائد، قصيدة للشيخ صالح بن عبد العزيز العثيمين منها:


رزء عظيم أثار الحزن والأسفا فالدمع فيه على الخدين قد وكفا
اليوم حقا فقدنا للهدى علما اليوم حقا فقدنا الزهد والشرفا
بقت عنيزة دهرا وهي رافعة لواء فخر له كل الورى عرفا
ظلت به العرب دهرا وهي رافعة واليوم أضحت تعزى فيه وأسفا
فذي تصانيفه قد قام قائمها يدعو العباد عليه الكل قد عكفا
لهفي بذا العالم قد حق العزاء لنا في فادح لو أصاب الطور لا رتجفا
فالله يلهمنا صبرا فقد عظمت مصيبة أثقلت في حملها الكتفا
والله يجزيه عن إحسانه حسنا والله يسكنه من جنة غرفا


3- وقد رُثيَ ـ رحمه الله ـ بقصائد أخرى منها مرثية للشيخ محمد بن عثمان القاضي، ومرئية للشيخ صالح بن عبد الله الشبل، وقصيدة في الثناء عليه لمزيد الخطيب وغيرهم.



--------------------------------------------------------------------------------

(1) انظر عنايته ـ رحمه الله ـ بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ـ رحمهما الله ـ وتأثره بهما في كتاب ((الشيخ عبد الرحمن بن سعدي وجهوده في توضيخ العقيدة)) للشيخ عبد الرزاق العباد (ص29-32).
(2) وقد قام الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد ـ حفظه الله ـ بجمع جهود الشيخ ـ رحمه الله ـ في توضيخ العقيد السلفية في كتابه ((الشيخ عبد الرحمن بن سعدي وجهوده في توضيح العقيدة)) ط. مكتبة الرشد بالرياض.
(3) طبع الكتاب مؤخرا مع حاشية لسماحة الإمام مفتي البلاد الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ وقد اعتنى بطباعتها الشيخ علي بن حسن ـ وفقه الله ـ.

مراجع الترجمة:

اعتمدت فيما نقلته على كتاب الشيخ عبد الرزاق العباد (الشيخ عبد الرحمن ابن سعدي وجهوده في توضيح العقيدة). زدت بعض الزيادات من:
1- علماء نجد خلال ستة قرون للشيخ عبد الله البسام.
2- روضة الناظرين، للشيخ محمد بن عثمان القاضي.
3- ترجمة لأحد تلامذة الشيخ طبعه في مقدمة ((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنام))للشيخ بن ناصر السعدي.

منقول (http://www.islamacademy.net/library/printout.asp?Lang=Ar&fId=313&id=&PageNum=)

بن حمد الأثري
08-18-2008, 01:28 PM
رحمه الله ، كم فرطنا فيهم ، وركظنا وراء المدخلي وغلمانه زمنا طويلا فلم يفيدونا بشيء البتة إلا المشاكل والفتن والثورات

سيف المسلول
08-18-2008, 10:55 PM
رحمه الله ، كم فرطنا فيهم ، وركظنا وراء المدخلي وغلمانه زمنا طويلا فلم يفيدونا بشيء البتة إلا المشاكل والفتن والثورات



الحمد لله الفتن تميز الخبيث من الطيب والسلفي الكيس يتعلم من الفتن ويستدرك ما فاته ويشمر عن ساعد الجد فى طلب العلم والعمل به والدعوة اليه والصبر على الاذى فيه

الناصر
04-25-2010, 03:32 PM
رحم الله الشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي

12d8c7a34f47c2e9d3==