المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله يشرح افراد كلمة الايمان


كيف حالك ؟

أبو عبدالله الأثري
12-18-2004, 07:29 PM
فمن جعل غير الرسول تجب طاعته فى كل ما يأمر به وينهى عنه وان خالف امر الله ورسوله فقد جعله ندا وربما صنع به كما تصنع النصارى بالمسيح ويدعوه ويستغيث به ويوالى اولياءه ويعادى اعداءه مع ايجابه طاعته فى كل ما يأمر به وينهى عنه ويحلله ويحرمه ويقيمه مقام الله ورسوله فهذا من الشرك الذى يدخل اصحابه فى قوله تعالى ( ومن الناس من يتخذ من دون الله اندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا اشد حبا لله ) فالتوحيد والاشراك يكون فى اقوال القلب ويكون فى اعمال القلب ولهذا قال الجنيد التوحيد قول القلب والتوكل عما القلب اراد بذلك التوحيد الذى هو التصديق فإنه لما قرنه بالتوكل جعله اصله واذا افرد لفظ التوحيد فهو يتضمن قول القلب وعمله والتوكل من تمام التوحيد
وهذا كلفظ ( الايمان ) فانه اذا افرد دخلت فيه الاعمال الباطنة والظاهرة وقيل الايمان قول وعمل اى قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح ومنه قول النبى صلى الله عليه وسلم فى الحديث المتفق عليه ( الايمان بضع وستون شعبة اعلاها قول لا اله الا الله وادناها اماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الايمان ) ومنه قوله تعالى ( انما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وانفسهم فى سبيل الله اولئك هم الصادقون ) وقوله ( انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم واذا تليت عليه آياته زادتهم ايمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون اولئك هم المؤمنون حقا ) وقوله ( انما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله واذا كانوا معه على امر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه )
و ( الايمان المطلق ) يدخل فيه الاسلام كما فى الصحيحين عن النبى انه قال لوفد عبد القيس ( آمركم بالايمان بالله اتدرون ما الايمان بالله شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة ووان تؤدوا خمس ما غنمتم ولهذا قال من قال من السلف كل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمنا )
واما اذا قرن لفظ الايمان بالعمل او بالاسلام فانه يفرق بينهما كما فى قوله تعالى ( ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) وهو فى القرآن كثير وكما فى قول النبى فى الحديث الصحيح لما سأله جبريل عن الاسلام والايمان والاحسان فقال ( الاسلام ان تشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت قال فما الايمان قال ان تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت وتؤمن بالقدر خيره وشره قال فما الاحسان قال ان تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك ) ففرق فى هذا النص بين الاسلام و الايمان لما قرن بين الاسمين وفى ذلك النص ادخل الاسلام فى الايمان لما افرده بالذكر
وكذلك لفظ ( العمل ) فان الاسلام المذكور هو من العمل والعمل الظاهر هو موجب ايمان القلب ومقتضاه فاذا حصل ايمان القلب حصل ايمان الجوارح ضرورة وايمان القلب لابد فيه من تصديق القلب وانقياده والا فلو صدق قلبه بان محمدا رسول الله وهو يبغضه ويحسده ويستكبر عن متابعته لم يكن قد آمن قلبه
و ( الايمان ) وان تضمن التصديق فليس هو مرادفا له فلا يقال لكل مصدق بشىء انه مؤمن به فلو قال انا اصدق بأن الواحد نصف الاثنين وان السماء فوقنا والأرض تحتنا ونحو ذلك مما يشاهده الناس ويعلمونه لم يقل لهذا انه مؤمن بذلك بل لا يستعمل الا فيمن اخبر بشىء من الأمور الغائبة كقول اخوة يوسف ( وما انت بمؤمن لنا ) فانهم اخبروه بما غاب عنه وهم يفرقون بين من آمن له وآمن به فالاول يقال للمخبر والثانى يقال للمخبر به كما قال اخوة يوسف ( وما انت بمؤمن لنا ) وقال تعالى ( فما آمن لموسى الاذرية من قومه )
وقال تعالى ( ومنهم الذين يؤذون النبى ويقولون هو اذن قل اذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ) ففرق بين ايمانه بالله وايمانه للمؤمنين لان المراد يصدق المؤمنين اذا اخبروه واما ايمانه بالله فهو من باب الاقرار به
ومنه قوله تعالى عن فرعون وملائة ( انؤمن لبشرين مثلنا ) اى نقر لهما ونصدقهما ومنه قوله ( افتطعمون ان يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ) ومنه قوله تعالى ( فآمن له لوط وقال انى مهاجر الى ربى ) ومن المعنى الآخر قوله تعالى ( يؤمنون بالغيب ) وقوله ( آمن الرسول بما انزل اليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين احد من رسله )وقوله ( ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين ) اى اقر بذلك ومثل هذا فى القرآن كثير
و ( المقصود هنا ) ان لفظ ( الايمان ) انما يستعمل فى بعض الاخبار وهو مأخوذ من الأمن كما ان الاقرار مأخوذ من قر فالمؤمن صاحب امن كما ان المقر صاحب اقرار فلا بد فى ذلك من عمل القلب بموجب تصديقه فاذا كان عالما بأن محمدا رسول الله ولم يقترن بذلك حبه وتعظيمه بل كان يبغضه ويحسده ويستكبر عن اتباعه فان هذا ليس بمؤمن به بل كافر به
ومن هذا الباب كفر ابليس وفرعون واهل الكتاب الذين يعرفونه كما يعرفون ابناءهم وغير هؤلاء فان ابليس لم يكذب خبرا ولا مخبرا بل استكبر عن امر ربه وفرعون وقومه قال الله فيهم ( وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا ) وقال له موسى ( لقد علمت ما انزل هؤلاء الا رب السموات والأرض بصائر ) وقال تعالى ( الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون ابناءهم )
فمجرد علم القلب بالحق ان لم يقترن به عمل القلب بموجب علمه مثل محبة القلب له واتباع القلب له لم ينفع صاحبه بل اشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يقول ( اللهم انى اعوذ بك من علم لا ينفع ونفس لا تشبع ودعاء لا يسمع وقلب لا يخشع )
ولكن الجهمية ظنوا ان مجرد علم القلب وتصديقه هو الايمان وان من دل الشرع على انه ليس بمؤمن فان ذلك يدل على عدم علم قلبه وهذا من اعظم الجهل شرعا وعقلا وحقيقته توجب التسوية بين المؤمن والكافر ولهذا اطلق وكيع بن الجراح واحمد بن حنبل وغيرهما من الأئمة كفرهم بذلك فانه من المعلوم ان الانسان يكون عالما بالحق ويبغضه لغرض آخر فليس كل من كان مستكبرا عن الحق يكون غير عالم به وحينئذ فالايمان لا بد فيه من تصديق القلب وعمله وهذا معنى قول السلف الايمان قول وعمل. ثم انه اذا تحقق القلب بالتصديق والمحبة التامة المتضمنة للارادة لزم وجود الأفعال الظاهرة فان الارادة الجازمة اذا اقترنت بها القدرة التامة لزم وجود المراد قطعا وانما ينتفى وجود الفعل لعدم كمال القدرة او لعدم كمال الارادة والا فمع كمالها يجب وجود الفعل الاختيارى فاذا اقر القلب اقرارا تاما بان محمدا رسول الله واحبه محبة تامة امتنع مع ذلك ان لا يتكلم بالشهادتين مع قدرته على ذلك لكن ان كان عاجزا لخرس ونحوه او الخوف ونحوه لم يكن قادرا على النطق بهما و ( ابو طالب ) وان كان عالما بان محمدا رسول الله وهو محب له فلم تكن محبته له لمحبته لله بل كان يحبه لأنه ابن اخيه فيحبه للقرابة واذا احب ظهوره فلما يحصل له بذلك من الشرف والرئاسة فأصل محبوبه هو الرئاسة فلهذا لما عرض عليه الشهادتين عند الموت رأى ان بالاقرار بهما زوال دينه الذى يحبه فكان دينه احب اليه من ابن اخيه فلم يقر بهما فلو كان يحبه لأنه رسول الله كما كان يحبه ابو بكر الذى قال الله فيه ( وسيجنبها الأتقى الذى يؤتى ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى الا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى ) وكما كان يحبه سائر المؤمنين به كعمر وعثمان وعلى غيرهم لنطق بالشهادتين قطعا فكان حبه حبا مع الله لا حبا لله ولهذا لم يقبل الله ما فعله من نصر الرسول وموازرته لأنه لم يعمله لله والله لا يقبل من العمل الا ما اريد به وجهه بخلاف الذى فعل ما فعل ابتغاء وجه ربه الأعلى
وهذا مما يحقق ان ( الايمان والتوحيد ) لابد فيهما من عمل القلب كحب القلب فلابد من اخلاص الدين لله والدين لا يكون دينا الا بعمل فان الدين يتضمن الطاعة والعبادة وقد انزل الله عز وجل سورتى الاخلاص ( قل يا ايها الكافرون ) وقل هو الله احد ( احداهما فى توحيد القول والعلم و الثانية فى توحيد العمل والارادة فقال فى الأول ( قل هو الله احد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد ) فأمره ان يقول هذا التوحيد وقال في الثانى ( قل ياايها الكافرون لا اعبد ما تعبدون ولا انتم عابدون ما اعبد ولا انا عابد ما عبدتم ولا انتم عابدون ما اعبد لكم دينكم ولى دين ) فأمره ان يقول ما يوجب البراءة من عباده غير الله واخلاص العبادة لله
و ( العبادة ) اصلها القصد والارادة والعبادة اذا افردت دخل فيها التوكل ونحوه واذا قرنت بالتوكل صار التوكل قسيما لها كما ذكرناه فى لفظ الايمان قال تعالى ( وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون ) وقال تعالى ( يا ايها الناس اعبدوا ربكم ) فهذا ونحوه يدخل فيه فعل المأمورات وترك المحظورات والتوكل من ذلك وقد قال فى موضع آخر ( اياك نعبد واياك نستعين ) وقال ( فاعبده وتوكل عليه )
ومثل هذا كثير ما يجيء فى القرآن تتنوع دلالة اللفظ فى عمومه وخصوصه بحسب الافراد والاقتران كلفظ ( المعروف والمنكر ) فانه قد قال ( كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ) وقال ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) وقال ( يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ) فالمنكر يدخل فيه ما كرهه الله كما يدخل فى المعروف ما يحبه الله
وقد قال فى موضع آخر ( ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) فعطف المنكر على الفحشاء ودخل في المنكر هنا البغي وقال فى موضع آخر ( ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ) فقرن بالمنكر الفحشاء والبغي
ومن هذا الباب لفظ ( الفقراء والمساكين ) اذا افرد احدهما دخل فيه الاخر واذا قرن احدهما بالآخر صار بينهما فرق لكن هناك احد الاسمين اعم من الآخر وهنا بينهما عموم وخصوص فمحبة الله وحده والتوكل عليه وحده وخشية الله وحده ونحو هذا كل هذا يدخل فى توحيد الله تعالى قال تعالى فى المحبة ( ومن الناس من يتخذ من دون الله انددا يحبونهم كحب الله والذين آ منوا اشد حبا لله ) وقال تعالى ( قل ان كان آباؤكم وابناؤكم واخوانكم وازواجكم وعشيرتكم واموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها احب اليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بامره ) وقال تعالى ( ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون ) فجعل الطاعة لله والسول وجعل الخشية والتقوى لله وحده وقال تعالى ( ولو انهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله انا الى الله راغبون ) وقال تعالى ( فاذا فرغت فانصب والى ربك فارغب ) فجعل التحسب والرغبة الى الله وحده
وهذه الامور مبسوطة فى غير هذا الموضع

أبو فاطمة
12-18-2004, 08:39 PM
جزاك الله خيرا أخي أبو عبدالله الأثري

العريمي
12-18-2004, 09:07 PM
جزاك الله خير

12d8c7a34f47c2e9d3==