خالد العامي
12-17-2004, 08:47 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
أما بعد
قال الشيخ ربيع مخاطبا الشيخ فالح حفظه الله : (( وأنت تتعلق بلفظ " جنس " وهو لا ذكر له في القرآن ولا في السنة , ولا أدخله السلف في تعريف الإيمان ولم يذكر في أقوال القرون المفضلة حسب علمي , ولا يبعد أن يكون مما أدخله الفلاسفة على الإسلام .
وإذا رجعت إلى كتب اللغة تجد اضطراباً في تفسيره .
ويقال إن أول من أدخله على اللغة الأصمعي .
قال ابن فارس في مقاييس اللغة عن الأصمعي : إنه أول من جاء بهذا اللقب وقال مثل هذا صاحب القاموس .
وبعض أهل اللغة يقول عن الجنس : إنه الضرب من الشيء .
وبعضهم يقول : إنه أعم من النوع , وهؤلاء متأثرون بكلام الفلاسفة .
وبعضهم يقول : الجنس هو الأصل والنوع , فيجعل معنى الجنس والنوع واحداً , وهو صاحب المعجم الوسيط وقال بعد هذا التعريف : "وفي اصطلاح المنطقيين ما يدل على كثيرين مختلفين بالأنواع , فهو أعم من النوع " يعني عند المنطقيين , وهذا يشير إلى أنه من وضع أهل المنطق .
ومن مضار استخدام هذا اللفظ أن بعض من حملوا لواءه يقولون عن الشيخ ابن باز والشيخ الألباني والشيخ ابن عثيمين : " إنهم ثالوث الإرجاء " . )) اهـ [ أسئلة وأجوبة على مشكلات فالح ]
وجوابا على بعض ما قاله الشيخ ربيع أقول :
قالوا : من تكلم في غير فنه أتي بالعجائب . !!!
والشيخ ربيع حفظه الله لم يرجع لعلماء اللغة ليحكموا في كلام الأصمعي هل أصاب أم لا ؟ وقبل بيان كلام الأصمعي ونقل كلام أهل اللغة أحب أن أن أقول وبصراحة أن هذا اللفظ - جنس - عربي صحيح ، وسيأتي النقل عن أهل العلم في ذلك .
وأنقل كلام أهل الشريعة العلماء الفقهاء يقول الإمام ابن جرير (ت:310) رحمه الله تعالى عند قول الله تعالى في سورة الفاتحة : (( الحمد لله رب العالمين )) : ( والعالمَون جمع عالَم ، والعالَم : جمع لا واحد له من لفظه كالأنام والرهط والجيش ونحو ذلك من الأسماء التي هي موضوعات على جِماعٍ لا واحد له من لفظه .
والعالم اسم لأصناف الأمم وكل صنف منها عالم وأهل كل قرن من كل صنف منها عالم ذلك القرن وذلك الزمان فالإنس عالم ، وكل أهل زمان منهم عالم ذلك الزمان ، والجن عالم وكذلك سائر أجناس الخلق كل جنس منها عالم زمانه ، ولذلك جمع فقيل عالمون وواحده جمع لكون عالم كل زمان من ذلك عالم ذلك الزمان .
ومن ذلك قول العجاج : فَخِنْدِفٌ هامَةُ هَذَا العالَمِ
فجعلهم عالَمَ زمانه .
وهذا القول الذي قلناه قول بن عباس وسعيد بن جبير وهو معنى قول عامة المفسرين ) اهـ .
فهل ادخال الإمام الطبري للفظة ( جنس ) من تأثره بكلام الفلاسفة يا ربيع ؟!!
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (( وأيضا، ففي المسند والترمذي وغيرهما من كتب الحديث والتفسير والمغازي الحديث المشهور: لما اقتتلت فارس والروم، وانتصرت الفرس، ففرح بذلك المشركون؛ لأنهم من جنسهم ليس لهم كتاب، واستبشر بذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ لكون النصاري أقرب إليهم؛ لأن لهم كتابا، وأنزل اللّه تعالى: {الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ} الآية [الروم: 1ـ4]. وهذا يبين أن المجوس لم يكونوا عند النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لهم كتاب. )) [ مجموع الفتاوى 32/188].
وفي ( الْآحَادُ وَالْمَثَانِي ) لإبن أبي عاصم رحمه الله تعالى ( 2/373/1156 ) بإسناد حسن قال رحمه الله : حدثنا أبو بكر [ هو ابن أبي شيبة ، نا الفضل بن دكين [قال ابن حجر رحمه الله : ( ثقة ثبت ).]، عن أبي خلدة [قال ابن حجر رحمه الله : ( صدوق ).] ، عن أبي العالية [قال ابن حجر رحمه الله : ( ثقة كثير الإرسال ).] قال : " قُرِأَ على النبي صلى الله عليه وسلم من كل جنس رجل ، فاختلفوا في اللغة فرضي قراءتهم كلهم ، وكان بنو تميم أعرب القوم "
وممن تلفظ بهذه الكلمة الإمام القرشي محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله الذي قال عنه عبد الملك بن هشام رحمه الله : (( الشافعي بصير باللغة ، يؤخذ عنه ، ولسانة لغة فاكتبوه )) [ تهذيب التهذيب 5/23 .دار احياء التراث ] . ، قال يونس بن عبد الأعلى : (( كان الشافعي إذا أخذ في العربية قلت : هو بهذا أعلم ، وإذا تكلم في الشعر وإنشاده قلت : هو بهذا أعلم )) [ معجم الأدباء 17/300 . دار الفكر ] . قال رحمه الله في كتابه الأم ( 3/21 ) : ((
باب جماع تفريع الكيل والوزن بعضه ببعض
قال الشافعي رحمه الله : معرفة الأعيان أن ينظر إلى الاسم الأعم الجامع الذي ينفرد به من جملة ما مخرجه مخرجها فذلك جنس .
فأصل كل ما أنبتت الأرض أنه نبات ثم يفرق به أسماء فيقال هذا حب ثم يفرق بالحب أسماء والأسماء التي تفرق بالحب من جماع التمييز فيقال تمر وزبيب ويقال حنطة وذرة وشعير وسلت فهذا الجماع الذي هو جماع التمييز وهو من الجنس الذي تحرم الزيادة في بعضه على بعض إذا كان من صنف واحد وهو في الذهب والورق هكذا وهما مخلوقان من الأرض أو فيها ثم هما تبر ثم يفرق بهما أسماء ذهب وورق والتبر سواهما من النحاس والحديد وغيرهما .
قال الشافعي رحمه الله :
والحكم فيما كان يابسا من صنف واحد من أصناف الطعام حكم واحد لا اختلاف فيه كحكم الذهب بالذهب والورق بالورق لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر تحريم الذهب والورق والحنطة والشعير والتمر والملح ذكرا واحدا وحكم فيها حكما واحدا فلا يجوز أن يفرق بين أحكامها بحال وقد جمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
باب تفريع الصنف من المأكول والمشروب بمثله
قال الربيع : قال الشافعي : الحنطة جنس وإن تفاضلت وتباينت في الأسماء كما يتباين الذهب ويتفاضل في الأسماء... )) اهـ
وقول الشيخ ربيع أن (( وإذا رجعت إلى كتب اللغة تجد اضطراباً في تفسيره .)).
أولاً : هذا من التهويل الذي يسلكه الشيخ ربيع في روده وإلا لو قال هذا من الإختلاف لهان الأمر ، وقلنا أن أحدهم فسره بشيء والآخر فسره بأمر آخر وليس هذا بجديد عليه فهو ( رائد التهويل ) حتى أنه رمى مخالفيه بأنهم ( يهود و ماسونية ومجرمين ) !!!. وغيرها من الكلمات التي يترفع عنها عامة الناس فضلا عن العلماء ، نسأل الله العافية .
ثانيا : أن تنوع العبارات في تفسير كلمة ، لا يدل على التناقض إلا عند من لا علم عنده !! يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله واصفا حال من ينظر في التفاسير فيرى أقوال أئمة التفسير كثيرة في تفسير الآية الواحد والجملة الواحدة فيظن أنها من التناقض والاختلاف قال رحمه الله بعد أن سرد أسماء أئمة التفسير : (( فتذكر أقوالهم في الآية فيقع في عبارتهم تباين في الألفاظ يحسبها من لا علم عنده اختلافا فيحكيها أقوالا وليس كذلك فإن منهم من يعبر عن الشيء بلازمه أو بنظيره ومنهم من ينص على الشيء بعينه والكل بمعنى واحد في أكثر الأماكن فليتفطن اللبيب لذلك والله الهادي )) اهـ
فلو رجعنا إلى كتب اللغة لوجدنا أن ابن فارس قال : (جنس) الجيم والنون والسين أصلٌ واحد وهو الضَّربُ مِن الشَّيء. قال الخليل: كلُّ ضربٍ جِنْس )) .
وقال ابن منظور في لسان العرب أنه (( الضَّربُ من كل شيء )) وقال الزبيدي في تاج العروس بأنه : (( أَعَمُّ من النَّوْعِ )) ، لذلك رأى القائمين على المعجم الوسيط الجمع فقالوا : (( الجِنْسُ : بالكسر أعَمُّ من النَّوْعِ وهو كلُّ ضَرْب من الشيءِ )) .
ولهذا قال أهل اللغة معربين عن ما هيته : (( ويقال: هذا يُجانِسُ هذا أَي يشاكله، وفلان يُجانس البهائم ولا يُجانس الناسَ إِذا لـم يكن له تميـيز ولا عقل .
والإِبل جنْسٌ من البهائم العُجْمِ، فإِذا والـيت سنّاً من أَسنان الإِبل علـى حِدَة فقد صنفتها تصنـيفاً كأَنك جعلت بنات الـمخاض منها صنفاً وبنات اللـيون صنفاً والـحِقاق صِنْفاً، وكذلك الـجَذَعُ والثَّنـيُّ والرُّبَعُ . والـحيوان أَجناسٌ: فالناس جنس والإِبل جنس والبقر جنس والشاء جنس )) [ لسان العرب ] ،
وقالوا أيضا : ((وهو من الناس ومن الطير ومن حدود النَحْوِ والعَرُوضِ والأَشياء جملةٌ . قال ابن سيده : وهذا على موضوع عبارات أَهل اللغة وله تحديد ، والجمع أَجناسٌ و جُنُوسٌ قال الأَنصاري يصف النخل
تَخَيَّرْتُها صالحاتِ الجُنُوسِ ، لا أَسْتَمِيلُ ولا أَسْتَقِيلُ )) و (( وجَنَسَتِ الرُّطَبَةُ، إذا نَضِجَ كلُّها فكأَنَّها صارَت جِنساً واحِدا )) .
أما قول الشيخ ربيع أن : (( وإذا رجعت إلى كتب اللغة تجد اضطراباً في تفسيره . ويقال إن أول من أدخله على اللغة الأصمعي .
قال ابن فارس في مقاييس اللغة عن الأصمعي : إنه أول من جاء بهذا اللقب وقال مثل هذا صاحب القاموس . ))
نقول هذا منك تلبيس أو جهل وأحلاهما مر يا شيخ ربيع فإن الأصمعي رحمه الله لم ينكر لفظة ( جنس ) بل الذي أنكره تصريف هذه اللفظة .
يقول الخفاجي في ( شفاء الغليل فيما في كلام العرب من الدخيل ) تحقيق الدكتور قصي الحسين ( 191 ) : (( جانس : المجانسة والتجنيس وكذا الجناس ( بكسر الجيم ) : البديع . صرح به في ( زهر الربيع ) ، والعامة تفتحه ، قالوا لم يسمع من العرب ولم يستقوا من الجنس .
وفي المزهر : في الصحاح : زعم ابن دريد أن الأصمعي كان يدفع قول العامة : هذا مجانس لهذا ويقول أنه مولد .
وكذا في ( ذيل الفصيح ) للموفق البغدادي قال : قول الناس المجانسة والتجنيس مولد ليس من كلام العرب ، ورد صاحب القاموس بأن الأصمعي واضع ( كتاب الأجناس ) وهو أول من جاء بهذا اللقب وهو عجيب منه ، فإن الأصمعي لم ينكر لفظ الجنس ولا جمعه وإنما أنكر تصرفه )) اهـ .
وكذلك الزبيدي نقل تغليط ابن دريد فقال : ((وقول الجَوْهَرِيِّ عن ابنِ دُرَيد: إنَّ الأَصمعِيَّ كان يقول: الجِنْسُ المُجانَسَةُ من لُغات العامَّةِ، غلَطٌ، لأَنَّ الأَصمعيَّ واضِعُ كتابِ الأَجناسِ، وهو أَوَّلُ من جاءَ بهذا اللَّقَبِ.
قلتُ: - أي الزبيدي - هذا التَّغليطُ هو نَصُّ ابنِ فارِس في المُجْمَلِ الذي نقَلَ عن الأَصمعِيِّ أَنَّه كان يَدفَعُ قولَ العامَةِ: هذا مُجانِسٌ لهذا، إذا كان من شكلِه، ويقول: ليس بعربيٍّ صحيح، يعني لفظة الجِنْسِ، ويقولُ: إنَّه مُولّدٌ، وقولُ المُتَكَلِّمينَ: الأَنواعُ مَجنوسَةٌ للأجناسِ، كلام مولّد، لأَنَّ مثلَ هذا ليس من كلام العربِ، وقولُ المُتكَلِّمينَ: تَجانَسَ الشَّيْئانِ: ليس بعَرَبِيٍّ أَيضاً، إنَّما هو تَوَسُّعٌ، هذا الذي نقله صاحب اللسان وغيرُه،
فقولُ المُصَنِّفِ: كان يقول: إلى آخِرِه، مَحَلُّ نَظَر :
إذ ليس هذا من قولِه، ولا هو ممن يُنكِرُ عرَبيَّة لفظِ المُجانَسَةِ والتَّجنيس لغير مَعنى المُشاكَلَة،
وإذا فُرِضَ ثُبوتُ ما ذكرَه المُصَنِّف فلا يَلزَمُ من نَفيِ الأَصمعِيِّ لذلك نفيُه بالكُلِّيَّةِ، فقد نقله غيرُهُ، ( !!! )
ولا يَخفَى أَنَّ الجَوْهَرِيَّ ناقِلٌ ذلكَ عن ابنِ دُرَيْدٍ، وقد تابعَه على ذلكَ ابنُ جِنِّيّ عن الأَصمعِيِّ، فهو عندَ أَهلِ الصِّناعَةِ كالمتواتر عنه،( !!! ) فكيفَ يُنسَبُ الغَلَطُ إلى النّاقِلِ وهو بهذه المَثابَةِ? (!!!!)
وأَيُّ جامِعٍ بينَ نَفيِ المُجانَسَةِ والجِناسِ وبينَ إثباتِ الأَجناسِ وأنَّه أَلّف فيها?( !!!! )
وكيفَ يكونُ أَنَّه أَوَّلُ من جاءَ بهذا اللَّقَبِ، وقد ثبتَ ذلكَ من غيرِه من أئِمَّة اللُّغَةِ المُتَقَدِّمينَ?( !!!! )
وعل كُلِّ حالٍ فكلامُ المُصَنِّف مع قُصورِه في النَّقْلِ لا يَخلو عن النَّظَرِ من وُجوهٍ شَتّى، فتأَمَّلْ تَرْشُدْ.
ومِمّا يُستَدرَك عليه:
قولُهُم: جِئْ بهِ من جِنسِك، أَي من حيثُ كانَ، والأَعرَفُ من حَسِّك
والجِناسُ الذي يذكرُه البيانِيُّونَ مُوَلَّدٌ.
وعليُّ بنُ سَعادَةَ بنِ الجُنَيْسِ، كزُبَيْرٍ، الفارِقِيُّ العطّارِيُّ مات سنة 602.
ولأَهل البديع كلامٌ في الجِناسِ وتعريفِه لا يَسَعُ المَحَلُّ إيرادَه، وقَسَّموه، وجَعلوا له أَنواعاً، فمنها الجِناسُ المُطْلَقُ، والمُماثِلُ، والتّامُّ، والمَقلوبُ، والمُطَرَّفُ، والمُذَيَّلُ، واللَّفظِيُّ، واللاحِقُ، والمَعنَوِيُّ، والمُلَفَّقُ، والمُحَرَّفُ،
ولو أَردْنا ذِكْرَ شَواهِدِ كلٍّ منها لخَرَجْنا عن المَقصودِ، وقد تضَمَّن بيانَ ذلك كلِّه المولى الفاضِلُ بديعُ زمانِه عليُّ بنُ تاجِ الدِّينِ القلعيّ الحَنَفِيُّ المَكِّيُّ في كتابه: شرح البديعيَّة، له، رحمه الله تعالى، فراجِعْهُ إن شِئْتَ.
ومُجانِس، بالضَّمّ، قَريَةٌ من أَعمال قُوص. )) اهـ . كلام الزبيدي رحمه الله ، والحمد لله رب العالمين
فهل تحسب يا شيخ ربيع أن الناس ستسلم لك كما سلم لك مريدوك في سحاب الحزبية – سحاب الإرجاء والإرهاب والخرافة - ولم يناقشوك ويتتبعوا نقولاتك التي تنقلها ، وإلى الكتب والمصادر التي تعزو إليها ؟!
بل ليكن في علمك وعلم اتباعك الهمج الرعاع أن هناك من يراجع وينقد ويبحث خلفك يا شيخ ربيع ، نسأل الله لك الهداية .
انتهى ما أردت نقله وبيانه في الرد على ما قاله الشيخ ربيع وهذا يضم إلى ما عند الشيخ ربيع من أخطاء عقدية ومنهجية ، ومخالفات كثيرة للسلف الصالح . وعلى رأسها مسائل الإيمان .
والله الموفق ولا رب سواه
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
الحمد لله وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
أما بعد
قال الشيخ ربيع مخاطبا الشيخ فالح حفظه الله : (( وأنت تتعلق بلفظ " جنس " وهو لا ذكر له في القرآن ولا في السنة , ولا أدخله السلف في تعريف الإيمان ولم يذكر في أقوال القرون المفضلة حسب علمي , ولا يبعد أن يكون مما أدخله الفلاسفة على الإسلام .
وإذا رجعت إلى كتب اللغة تجد اضطراباً في تفسيره .
ويقال إن أول من أدخله على اللغة الأصمعي .
قال ابن فارس في مقاييس اللغة عن الأصمعي : إنه أول من جاء بهذا اللقب وقال مثل هذا صاحب القاموس .
وبعض أهل اللغة يقول عن الجنس : إنه الضرب من الشيء .
وبعضهم يقول : إنه أعم من النوع , وهؤلاء متأثرون بكلام الفلاسفة .
وبعضهم يقول : الجنس هو الأصل والنوع , فيجعل معنى الجنس والنوع واحداً , وهو صاحب المعجم الوسيط وقال بعد هذا التعريف : "وفي اصطلاح المنطقيين ما يدل على كثيرين مختلفين بالأنواع , فهو أعم من النوع " يعني عند المنطقيين , وهذا يشير إلى أنه من وضع أهل المنطق .
ومن مضار استخدام هذا اللفظ أن بعض من حملوا لواءه يقولون عن الشيخ ابن باز والشيخ الألباني والشيخ ابن عثيمين : " إنهم ثالوث الإرجاء " . )) اهـ [ أسئلة وأجوبة على مشكلات فالح ]
وجوابا على بعض ما قاله الشيخ ربيع أقول :
قالوا : من تكلم في غير فنه أتي بالعجائب . !!!
والشيخ ربيع حفظه الله لم يرجع لعلماء اللغة ليحكموا في كلام الأصمعي هل أصاب أم لا ؟ وقبل بيان كلام الأصمعي ونقل كلام أهل اللغة أحب أن أن أقول وبصراحة أن هذا اللفظ - جنس - عربي صحيح ، وسيأتي النقل عن أهل العلم في ذلك .
وأنقل كلام أهل الشريعة العلماء الفقهاء يقول الإمام ابن جرير (ت:310) رحمه الله تعالى عند قول الله تعالى في سورة الفاتحة : (( الحمد لله رب العالمين )) : ( والعالمَون جمع عالَم ، والعالَم : جمع لا واحد له من لفظه كالأنام والرهط والجيش ونحو ذلك من الأسماء التي هي موضوعات على جِماعٍ لا واحد له من لفظه .
والعالم اسم لأصناف الأمم وكل صنف منها عالم وأهل كل قرن من كل صنف منها عالم ذلك القرن وذلك الزمان فالإنس عالم ، وكل أهل زمان منهم عالم ذلك الزمان ، والجن عالم وكذلك سائر أجناس الخلق كل جنس منها عالم زمانه ، ولذلك جمع فقيل عالمون وواحده جمع لكون عالم كل زمان من ذلك عالم ذلك الزمان .
ومن ذلك قول العجاج : فَخِنْدِفٌ هامَةُ هَذَا العالَمِ
فجعلهم عالَمَ زمانه .
وهذا القول الذي قلناه قول بن عباس وسعيد بن جبير وهو معنى قول عامة المفسرين ) اهـ .
فهل ادخال الإمام الطبري للفظة ( جنس ) من تأثره بكلام الفلاسفة يا ربيع ؟!!
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (( وأيضا، ففي المسند والترمذي وغيرهما من كتب الحديث والتفسير والمغازي الحديث المشهور: لما اقتتلت فارس والروم، وانتصرت الفرس، ففرح بذلك المشركون؛ لأنهم من جنسهم ليس لهم كتاب، واستبشر بذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ لكون النصاري أقرب إليهم؛ لأن لهم كتابا، وأنزل اللّه تعالى: {الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ} الآية [الروم: 1ـ4]. وهذا يبين أن المجوس لم يكونوا عند النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لهم كتاب. )) [ مجموع الفتاوى 32/188].
وفي ( الْآحَادُ وَالْمَثَانِي ) لإبن أبي عاصم رحمه الله تعالى ( 2/373/1156 ) بإسناد حسن قال رحمه الله : حدثنا أبو بكر [ هو ابن أبي شيبة ، نا الفضل بن دكين [قال ابن حجر رحمه الله : ( ثقة ثبت ).]، عن أبي خلدة [قال ابن حجر رحمه الله : ( صدوق ).] ، عن أبي العالية [قال ابن حجر رحمه الله : ( ثقة كثير الإرسال ).] قال : " قُرِأَ على النبي صلى الله عليه وسلم من كل جنس رجل ، فاختلفوا في اللغة فرضي قراءتهم كلهم ، وكان بنو تميم أعرب القوم "
وممن تلفظ بهذه الكلمة الإمام القرشي محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله الذي قال عنه عبد الملك بن هشام رحمه الله : (( الشافعي بصير باللغة ، يؤخذ عنه ، ولسانة لغة فاكتبوه )) [ تهذيب التهذيب 5/23 .دار احياء التراث ] . ، قال يونس بن عبد الأعلى : (( كان الشافعي إذا أخذ في العربية قلت : هو بهذا أعلم ، وإذا تكلم في الشعر وإنشاده قلت : هو بهذا أعلم )) [ معجم الأدباء 17/300 . دار الفكر ] . قال رحمه الله في كتابه الأم ( 3/21 ) : ((
باب جماع تفريع الكيل والوزن بعضه ببعض
قال الشافعي رحمه الله : معرفة الأعيان أن ينظر إلى الاسم الأعم الجامع الذي ينفرد به من جملة ما مخرجه مخرجها فذلك جنس .
فأصل كل ما أنبتت الأرض أنه نبات ثم يفرق به أسماء فيقال هذا حب ثم يفرق بالحب أسماء والأسماء التي تفرق بالحب من جماع التمييز فيقال تمر وزبيب ويقال حنطة وذرة وشعير وسلت فهذا الجماع الذي هو جماع التمييز وهو من الجنس الذي تحرم الزيادة في بعضه على بعض إذا كان من صنف واحد وهو في الذهب والورق هكذا وهما مخلوقان من الأرض أو فيها ثم هما تبر ثم يفرق بهما أسماء ذهب وورق والتبر سواهما من النحاس والحديد وغيرهما .
قال الشافعي رحمه الله :
والحكم فيما كان يابسا من صنف واحد من أصناف الطعام حكم واحد لا اختلاف فيه كحكم الذهب بالذهب والورق بالورق لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر تحريم الذهب والورق والحنطة والشعير والتمر والملح ذكرا واحدا وحكم فيها حكما واحدا فلا يجوز أن يفرق بين أحكامها بحال وقد جمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
باب تفريع الصنف من المأكول والمشروب بمثله
قال الربيع : قال الشافعي : الحنطة جنس وإن تفاضلت وتباينت في الأسماء كما يتباين الذهب ويتفاضل في الأسماء... )) اهـ
وقول الشيخ ربيع أن (( وإذا رجعت إلى كتب اللغة تجد اضطراباً في تفسيره .)).
أولاً : هذا من التهويل الذي يسلكه الشيخ ربيع في روده وإلا لو قال هذا من الإختلاف لهان الأمر ، وقلنا أن أحدهم فسره بشيء والآخر فسره بأمر آخر وليس هذا بجديد عليه فهو ( رائد التهويل ) حتى أنه رمى مخالفيه بأنهم ( يهود و ماسونية ومجرمين ) !!!. وغيرها من الكلمات التي يترفع عنها عامة الناس فضلا عن العلماء ، نسأل الله العافية .
ثانيا : أن تنوع العبارات في تفسير كلمة ، لا يدل على التناقض إلا عند من لا علم عنده !! يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله واصفا حال من ينظر في التفاسير فيرى أقوال أئمة التفسير كثيرة في تفسير الآية الواحد والجملة الواحدة فيظن أنها من التناقض والاختلاف قال رحمه الله بعد أن سرد أسماء أئمة التفسير : (( فتذكر أقوالهم في الآية فيقع في عبارتهم تباين في الألفاظ يحسبها من لا علم عنده اختلافا فيحكيها أقوالا وليس كذلك فإن منهم من يعبر عن الشيء بلازمه أو بنظيره ومنهم من ينص على الشيء بعينه والكل بمعنى واحد في أكثر الأماكن فليتفطن اللبيب لذلك والله الهادي )) اهـ
فلو رجعنا إلى كتب اللغة لوجدنا أن ابن فارس قال : (جنس) الجيم والنون والسين أصلٌ واحد وهو الضَّربُ مِن الشَّيء. قال الخليل: كلُّ ضربٍ جِنْس )) .
وقال ابن منظور في لسان العرب أنه (( الضَّربُ من كل شيء )) وقال الزبيدي في تاج العروس بأنه : (( أَعَمُّ من النَّوْعِ )) ، لذلك رأى القائمين على المعجم الوسيط الجمع فقالوا : (( الجِنْسُ : بالكسر أعَمُّ من النَّوْعِ وهو كلُّ ضَرْب من الشيءِ )) .
ولهذا قال أهل اللغة معربين عن ما هيته : (( ويقال: هذا يُجانِسُ هذا أَي يشاكله، وفلان يُجانس البهائم ولا يُجانس الناسَ إِذا لـم يكن له تميـيز ولا عقل .
والإِبل جنْسٌ من البهائم العُجْمِ، فإِذا والـيت سنّاً من أَسنان الإِبل علـى حِدَة فقد صنفتها تصنـيفاً كأَنك جعلت بنات الـمخاض منها صنفاً وبنات اللـيون صنفاً والـحِقاق صِنْفاً، وكذلك الـجَذَعُ والثَّنـيُّ والرُّبَعُ . والـحيوان أَجناسٌ: فالناس جنس والإِبل جنس والبقر جنس والشاء جنس )) [ لسان العرب ] ،
وقالوا أيضا : ((وهو من الناس ومن الطير ومن حدود النَحْوِ والعَرُوضِ والأَشياء جملةٌ . قال ابن سيده : وهذا على موضوع عبارات أَهل اللغة وله تحديد ، والجمع أَجناسٌ و جُنُوسٌ قال الأَنصاري يصف النخل
تَخَيَّرْتُها صالحاتِ الجُنُوسِ ، لا أَسْتَمِيلُ ولا أَسْتَقِيلُ )) و (( وجَنَسَتِ الرُّطَبَةُ، إذا نَضِجَ كلُّها فكأَنَّها صارَت جِنساً واحِدا )) .
أما قول الشيخ ربيع أن : (( وإذا رجعت إلى كتب اللغة تجد اضطراباً في تفسيره . ويقال إن أول من أدخله على اللغة الأصمعي .
قال ابن فارس في مقاييس اللغة عن الأصمعي : إنه أول من جاء بهذا اللقب وقال مثل هذا صاحب القاموس . ))
نقول هذا منك تلبيس أو جهل وأحلاهما مر يا شيخ ربيع فإن الأصمعي رحمه الله لم ينكر لفظة ( جنس ) بل الذي أنكره تصريف هذه اللفظة .
يقول الخفاجي في ( شفاء الغليل فيما في كلام العرب من الدخيل ) تحقيق الدكتور قصي الحسين ( 191 ) : (( جانس : المجانسة والتجنيس وكذا الجناس ( بكسر الجيم ) : البديع . صرح به في ( زهر الربيع ) ، والعامة تفتحه ، قالوا لم يسمع من العرب ولم يستقوا من الجنس .
وفي المزهر : في الصحاح : زعم ابن دريد أن الأصمعي كان يدفع قول العامة : هذا مجانس لهذا ويقول أنه مولد .
وكذا في ( ذيل الفصيح ) للموفق البغدادي قال : قول الناس المجانسة والتجنيس مولد ليس من كلام العرب ، ورد صاحب القاموس بأن الأصمعي واضع ( كتاب الأجناس ) وهو أول من جاء بهذا اللقب وهو عجيب منه ، فإن الأصمعي لم ينكر لفظ الجنس ولا جمعه وإنما أنكر تصرفه )) اهـ .
وكذلك الزبيدي نقل تغليط ابن دريد فقال : ((وقول الجَوْهَرِيِّ عن ابنِ دُرَيد: إنَّ الأَصمعِيَّ كان يقول: الجِنْسُ المُجانَسَةُ من لُغات العامَّةِ، غلَطٌ، لأَنَّ الأَصمعيَّ واضِعُ كتابِ الأَجناسِ، وهو أَوَّلُ من جاءَ بهذا اللَّقَبِ.
قلتُ: - أي الزبيدي - هذا التَّغليطُ هو نَصُّ ابنِ فارِس في المُجْمَلِ الذي نقَلَ عن الأَصمعِيِّ أَنَّه كان يَدفَعُ قولَ العامَةِ: هذا مُجانِسٌ لهذا، إذا كان من شكلِه، ويقول: ليس بعربيٍّ صحيح، يعني لفظة الجِنْسِ، ويقولُ: إنَّه مُولّدٌ، وقولُ المُتَكَلِّمينَ: الأَنواعُ مَجنوسَةٌ للأجناسِ، كلام مولّد، لأَنَّ مثلَ هذا ليس من كلام العربِ، وقولُ المُتكَلِّمينَ: تَجانَسَ الشَّيْئانِ: ليس بعَرَبِيٍّ أَيضاً، إنَّما هو تَوَسُّعٌ، هذا الذي نقله صاحب اللسان وغيرُه،
فقولُ المُصَنِّفِ: كان يقول: إلى آخِرِه، مَحَلُّ نَظَر :
إذ ليس هذا من قولِه، ولا هو ممن يُنكِرُ عرَبيَّة لفظِ المُجانَسَةِ والتَّجنيس لغير مَعنى المُشاكَلَة،
وإذا فُرِضَ ثُبوتُ ما ذكرَه المُصَنِّف فلا يَلزَمُ من نَفيِ الأَصمعِيِّ لذلك نفيُه بالكُلِّيَّةِ، فقد نقله غيرُهُ، ( !!! )
ولا يَخفَى أَنَّ الجَوْهَرِيَّ ناقِلٌ ذلكَ عن ابنِ دُرَيْدٍ، وقد تابعَه على ذلكَ ابنُ جِنِّيّ عن الأَصمعِيِّ، فهو عندَ أَهلِ الصِّناعَةِ كالمتواتر عنه،( !!! ) فكيفَ يُنسَبُ الغَلَطُ إلى النّاقِلِ وهو بهذه المَثابَةِ? (!!!!)
وأَيُّ جامِعٍ بينَ نَفيِ المُجانَسَةِ والجِناسِ وبينَ إثباتِ الأَجناسِ وأنَّه أَلّف فيها?( !!!! )
وكيفَ يكونُ أَنَّه أَوَّلُ من جاءَ بهذا اللَّقَبِ، وقد ثبتَ ذلكَ من غيرِه من أئِمَّة اللُّغَةِ المُتَقَدِّمينَ?( !!!! )
وعل كُلِّ حالٍ فكلامُ المُصَنِّف مع قُصورِه في النَّقْلِ لا يَخلو عن النَّظَرِ من وُجوهٍ شَتّى، فتأَمَّلْ تَرْشُدْ.
ومِمّا يُستَدرَك عليه:
قولُهُم: جِئْ بهِ من جِنسِك، أَي من حيثُ كانَ، والأَعرَفُ من حَسِّك
والجِناسُ الذي يذكرُه البيانِيُّونَ مُوَلَّدٌ.
وعليُّ بنُ سَعادَةَ بنِ الجُنَيْسِ، كزُبَيْرٍ، الفارِقِيُّ العطّارِيُّ مات سنة 602.
ولأَهل البديع كلامٌ في الجِناسِ وتعريفِه لا يَسَعُ المَحَلُّ إيرادَه، وقَسَّموه، وجَعلوا له أَنواعاً، فمنها الجِناسُ المُطْلَقُ، والمُماثِلُ، والتّامُّ، والمَقلوبُ، والمُطَرَّفُ، والمُذَيَّلُ، واللَّفظِيُّ، واللاحِقُ، والمَعنَوِيُّ، والمُلَفَّقُ، والمُحَرَّفُ،
ولو أَردْنا ذِكْرَ شَواهِدِ كلٍّ منها لخَرَجْنا عن المَقصودِ، وقد تضَمَّن بيانَ ذلك كلِّه المولى الفاضِلُ بديعُ زمانِه عليُّ بنُ تاجِ الدِّينِ القلعيّ الحَنَفِيُّ المَكِّيُّ في كتابه: شرح البديعيَّة، له، رحمه الله تعالى، فراجِعْهُ إن شِئْتَ.
ومُجانِس، بالضَّمّ، قَريَةٌ من أَعمال قُوص. )) اهـ . كلام الزبيدي رحمه الله ، والحمد لله رب العالمين
فهل تحسب يا شيخ ربيع أن الناس ستسلم لك كما سلم لك مريدوك في سحاب الحزبية – سحاب الإرجاء والإرهاب والخرافة - ولم يناقشوك ويتتبعوا نقولاتك التي تنقلها ، وإلى الكتب والمصادر التي تعزو إليها ؟!
بل ليكن في علمك وعلم اتباعك الهمج الرعاع أن هناك من يراجع وينقد ويبحث خلفك يا شيخ ربيع ، نسأل الله لك الهداية .
انتهى ما أردت نقله وبيانه في الرد على ما قاله الشيخ ربيع وهذا يضم إلى ما عند الشيخ ربيع من أخطاء عقدية ومنهجية ، ومخالفات كثيرة للسلف الصالح . وعلى رأسها مسائل الإيمان .
والله الموفق ولا رب سواه
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .