المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حكم تارك الصلاة


كيف حالك ؟

عبدالملك السلفي
12-03-2004, 12:53 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

توسع ابن القيم رحمه الله في كتابه القيم "الصلاة وحكم تاركها" بالاستدلال بالآيات والأحاديث الكثيرة على كفر تارك الصلاة بما لا يدع مجالاً للتردد في صحة هذا القول ، ولكني اكتفي هنا بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وأقوال بعض الأئمة :
* فقد جاءت أحاديث تزيــد على الثلاثين بألفاظ كثـيرة تنـص علـى كفـر تارك الصلاة ، أو شركه ، أو خروجه من الملة ، أو براءة الذمة منه ، أو عصمـة مـن صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا ، أو النص على جواز قتال الأئمة الذين يكفرون كفراً بواحاً وجعل علامة كفرهم البواح وشعاره ترك إقامة الصلاة ، أو النص على أنه لا يدعى من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة إلا المؤمنون ولا علامة يعرفون بها إلا بالوضوء ، أو النص على أنه لا يخرج من النار كل الموحدين ولا علامة يعرفون بها إلا سلامة مواضع السجود منهم ونحو ذلك.
ـ وأذكر من هذه الأحاديث ما رواه الإمام مسلم(1/88-134)من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ بين الرجــل وبــين الشــرك والكفــر تــــرك الصــــلاة" ، وفي روايــة للترمــــذي(5/13-2618):"بــــين الكفـــر والإيمـــان تــــرك الصـــلاة" ، وللنسائي(1/232):"ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة" ، وكذلك ما رواه الترمذي(5/13-2621) ، والنسائي(1/231) ، وابن ماجه(1/564-1079)، وأحمد(5/346) وغيرهم من حديث بريدة الأسلمي رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم:"العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر"، صححه جماعة منهم الترمذي والنسائي والحاكم وابن حبان وغيرهم رحمهم الله. ولا شك أن الكفر المراد بهذا الكفر هو الكفر الأكبر ، كما سيأتي.
* المتعين في هذه المسألة :
إن المتعين أن لا يتوقف أحد في تكفير تـارك الصلاة بعد أن تبين الهدى ، وذلك لأمرين مهمين لا مهرب للمخالف منهما إضافة لما سبق :
(الأمر الأول) : أن كفر تارك الصلاة الكفر الأكبر وإخراجه من الملة هو الذي فهمه الصحابة ، قال شيخنا محمد بن صالح العثيمين في سياق المكفرين لتارك الصلاة(الشرح الممتع:2/28) : "أما أقوال الصحابة ، فإنها كثيرة ، رويت عـن ستة عشر صحابياً ، منهــم عمــر بن الخطاب). وسيأتي عن بعض الأئمة أنهم حملوا نصوص الصحابة على الكفر الأكبر المخرج عن الإسلام ، وأسوق إليك بعض النصوص :
1- أثر عمر رضي الله عنه رواه مالك(1/39-51) ، وعبد الرزاق(المصنف:1/150- 580،581) ، وابـن أبـي شيبـة(الإيمــان:34-103) ، والمــروزي(تعظيـــم قـــدر الصــلاة:2/892-923حتى929) ، قال:"لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة" ، إسناده إلى عمر صحيح جاء عنه من طرق. وهذا ظاهره تكفير عمر رضي الله عنه لتارك الصلاة الكفر الأكبر ، كما سيأتي.
2- أثر حذيفة رضي الله عنه أخرجه البخاري(1/215-791) قال لمن رآه لا يتم ركوعه وسجوده :"ما صليت ، ولو مُتَّ مُتَّ على غير الفطرة التي فطر الله محمداً صلى الله عليه وسلم". قال الآجري وذكر هذا الأثر وغيره(الشريعة:1/296):"يدل على أن الصلاة من الإيمان ، ومن لم يصل فلا إيمان له ولا إسلام". وذكر الحافظ ابن حجر(الفتح:2/321) "أنه دليل لمن كفّر تارك الصلاة لأن ظاهره نفي الإسلام عمن أخل ببعض أركانها ، فيكون نفيه عمن أخل بها كلها أولى"أ.هـ. بل قال الحافظ: "وهو مصير من البخاري إلى أن الصحابي إذا قال : [ سنة محمد أو فطرته ] كان حديثاً مرفوعاً".
3- أثر جابر رضي الله عنه أخرجه المروزي في (تعظيم قدر الصلاة:2/877-892) واللالكائي(شرح أصول اعتقاد أهل السنة:4/829-1537،1538) عـن مجاهـد سأل جابراً : ما كان يفرق بين الكفر والإيمان عندكم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : الصلاة". ومن طريق أبي الزبير سمع جابر بن عبد الله وسأله رجل : هل كنتم تعدون الذنب فيكم كفراً ؟ قال : لا ، وما بين العبد والكفر إلا ترك الصلاة". سند الأول حسن لأجل محمد بن إسحاق وقد صرح بالسماع ، وسند الثاني صحيح ؛ فجابر رضي الله عنه يبين هنا أن الفاصل بين الكفر والإيمان عندهم في عهد النبي صلـى الله عليــه وسلــم هـي الصـلاة ، وأنهـم يعنــون الكـفــر الأكـبر ؛ أنه فرّق بين الكفر الذي هو ترك الصلاة وبين الذنب الذي لا يكفر صاحبه ، ولو لم تكن كفراً أكبر لم يكن للتفريق بينها وبين الذنب فائدة.
(الأمر الثاني) : أن تكفير تارك الصلاة ليس قول بعض الصحابة ، بل حكي إجماع منهم ، قال شيخنا محمد العثيمين (أسئلة عبر الهاتف من قبل إدارة الدعوة بقطر كما سيأتي) :"فقد جاء في الأدلة من القرآن والسنة ، والنظر الصحيح ، وإجماع الصحابة كما حكاه غير واحد ، على أن تارك الصلاة كافر مخلد في نار جهنم وليس داخلاً تحت المشيئة [ في المغفرة ] (1)". وأكتفي بذكر من نقل الإجماع :
1- إجماع الصحابة على قتال تارك الصلاة كما يقاتل المشركون ، لأن أبا بكر رضي الله عنه قاتل مانعي الزكاة وقال لعمر رضي الله عنه فيما رواه الشيخان(البخاري:2/135-1399،مسلم1/51-32:"والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة". قال الخطابي(كما في شرح النووي لمسلم:2/152) مشيراً إلى إلزام أبي بكر لعمر رضي الله عنهما بقتال مانعي الزكاة بما تقرر عندهم من قتال تاركي الصلاة :"قايسه بالصلاة ، ورد الزكاة إليها ، وكان في ذلك من قوله دليل على أن قتال الممتنع من الصلاة كان إجماعاً من الصحابة". وبوب البخاري على الحديث فقال: "باب قتــل من أبــى قبول الفرائض وما نسبوا إلى الردة".
2- قول عمر رضي الله عنه الآنف :"لا إسلام لمن ترك الصلاة" وفي لفظ "لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة" ، فعده ابن القيـم(الصـلاة وحكـم تاركـها:67) إجماعـاً مـن الصحــابة عـلى كفـر تــارك الصلاة حين قال عن عمر:"فقال هذا بمحضر من الصحابة ولم ينكروه عليه ، وقد تقدم مثلُ ذلك عن معاذ بن جبل وعبد الرحمن بن عوف وأبي هريرة ، ولا يعلم عن صحابي خلافهم".
3- قول جابر رضي الله عنه الآنف أن مجاهد سأله رضي الله عنه : ما كان يفرق بين الكفر والإيمان عندكم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : "الصلاة". وهذا دليل على الإجماع ، بل أبلغ من ذلك أنه في حكم المرفوع كما هو مقرر في موضعه من "كتب المصطلح" لأنه نسبه لعهد الرسول صلى الله عليه وسلم.
4- قال عبد الله بن شقيق التابعي الجليل الذي لقي كبار الصحابة :"كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة"، خرجه الترمذي(5/14-2622) ، والمروزي(تعظيم قدر الصلاة:2/904-948)، وهو صحيح الإسناد ؛ صححه الحاكم والنووي والألباني رحمهم الله ، ولا يضره أن فيه سعيد بن إياس الجُرَيري الذي ذكروا أنه كان ممن اختلط ؛ لأن الراوي عنه بشر بن المُفضَّل روى عنه قبل الاختلاط ، وقد احتج الشيخان بروايته عن الجـريـري(انظــر الكواكــب النــيرات:189). قـــال الشــوكانـي(نيـل الأوطـار:1/372) :"الظـاهر مــن الصيغة : أن هذه المقالة اجتمع عليها الصحابة ؛ لأن قوله : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه سلم جمع مضاف ، وهو من المشعرات بذلك".
5- ونقل الإجماع الإمام إسحاق بن راهوية ؛ قال المروزي(تعظيم قدر الصلاة(2/929):"سمعت إسحاق يقول : قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة كافر ، وكــذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا : أن تارك الصلاة عمداً من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر".
6- وقال ابن نصر المروزي(تعظيم قدر الصلاة(2/925) :"ذكـرنـا الأخبـار المرويـة عـن النـبي صلى الله عليه وسلم في إكفار تاركها ، وإخراجه إياه من الملة ، وإباحة قتال من امتنع من إقامتها، ثم جاءنا عن الصحابة رضي الله عنهم مثل ذلك ، ولم يجئنا عن أحد منهم خلاف ذلك".
7- قال ابن حزم(المحلى:2/242) راداً على من لم يأخذ بقول الصحابة في هذه المسألة:"ما نعلم لمن ذكرنا من الصحابــة رضــي الله عنهم مخالفــاً منهـــم ، وهم يشنعون بخلاف الصاحب إذا وافق أهواءهم ، وقد جاء عن عمر ومعاذ وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل(كذا) وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم : أن من ترك صلاة فرض واحدة متعمداً حتى يخرج وقتها ، فهو كافر مرتد".
8- قــال عبد الحق الأشبيــلي في كتابــه "الصلاة" (كما نقله ابـن القيم عنـه في كتـاب الصـلاة وحكـم تاركها:67):" ذهب جملةٌ من الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم إلى تكفير تارك الصلاة متعمداً لتركها ، حتى يخرجَ جَميعُ وقتِها ، منهم : عمر بن الخطاب ، ومعاذ بن جبل ، وعبد الله بن مسعود ، وابن عباس ، وجابر ، و أبو الدرداء ، وكـذلـك روي عن علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه ، هؤلاء من الصحابة".
ولذا قرر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله(شرح العمدة:2/81) كلاماً نفيساً بعد أن ساق الأحاديث وأقوال السلف فقال :"الكفر الوارد في الصلاة هو الكفر الأعظم لوجوه :
(أحدها) : إن الكفر المطلق هو الكفر الأعظم المخرج عن الملة فينصرف الإطلاق إليه ، و إنما صُرف في تلك المواضع إلى غير ذلك لقرائن انضمت إلى الكلام ، و من تأمل سياق كل حديث وجده معه ، و ليس هنا شيء يوجب صرفه عن ظاهره ، بل هنا ما تقرره على الظاهر.
(الثاني) : إن ذلك الكفر منكرٌ مبهم (2) مثل قوله : "و قتالــه كفـــر" ، "هما بهم كفر" ، وقولــه "كفــر بــالله" ، و شبه ذلك ، وهنا عرف باللام بقوله :"ليـس بين العبـد و بـين الكفــر، أو قـال الشـرك" ، و الكفر المعروف ينصرف إلى الكفر المعروف ، وهو المخرج عن الملة.
(الثالث) : إن في بعض الأحاديث "فقد خرج عن الملة" ، و في بعضها "بينه و بين الإيمان" ، و في بعضها "بينه و بين الكفر" ، و هذا كله يقتضي أن الصلاة حدٌّ تدخله إلى الإيمان إن فعله و تخرجه عنه إن تركه.
(الرابع) : أن قوله "ليس بين العبد و بين الكفر إلا ترك الصلاة" ، وقـولـه "كـان أصحـاب محمـد صلى الله عليه و سلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة" ، لا يجوز أن يراد به إلا الكفر الأعظم ؛ لأن بينه و بين غير ذلك مما يسمى كفراً أشياء كثيرة ، و لا يقال فقد يخرج عن الملة بأشياء غير الصلاة ، لأنا نقول هذا ذكر في سياق ما كان من الأعمال المفروضة ، وعلى العموم يوجب تركه الكفر ، وما سوى ذلك من الاعتقادات فإنه ليس من الأعمال الظاهرة.
(الخامس) : أنه خرج هذا الكلام مخرج تخصيص الصلاة و بيـان مرتبتهــا علـى غيرهـا في الجملـة ، و لو كان ذلك الكفر فسقاً لشاركها في ذلك عامة الفرائض.
(السادس) : أنه بيَّن أنها آخر الدين ، فإذا ذهب آخره ذهب كله.
(السابع) : أنه بيَّن أن الصلاة هي العهد الذي بيننا و بين الكفار ، وهم خارجون عن الملة ليسوا داخلين فيها ، و اقتضى ذلك أن من ترك هذا العهد فقد كفر ، كما أن من أتى به فقد دخل في الدين ، ولا يكون هذا إلا في الكفر المخرج عن الملة.
(الثامن) : إن قول عمر "لا حظ في الإسلام لمن تــرك الصــلاة" أصــرح شــيء في خروجــه عــن الملـة ، وكذلك قول ابن مسعود و غيره ، مع أنه بيَّن أن إخراجها عن الوقت ليس هو الكفــر ، وإنمـا هو الترك بالكلية ، وهذا لا يكون إلا فيما يخرج عن الملة.
(التاسع) : ما تقدم من حديث معاذ "فإن فسطاطاً على غير عمود لا يقوم" ، كذلك الدين لا يقوم إلا بالصلاة.
وفي هذه الوجوه يبطل قول من حملها على من تركها جاحداً ، وأيضاً قوله :"كانوا لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر" ، وقوله :"ليس بين العبد وبين الكفر" ، وغير ذلك مما يوجب اختصاص الصلاة بذلك ، وترك الجحود لا فرق فيه بين الصلاة وغيرها ، ولأن الجحود نفسه هو الكفر من غير ترك ، حتى لو فعلها مع ذلك لم ينفعه ، فكيف يعلق الحكم على ما لم يذكر ؟ ولأن المــذكـــور هو الترك ، وهو عام في من تركها جحوداً أو تكاسلاً ، ولأن هذا عدول عن حقيقة الكلام من غير موجب فلا يلتفت إليه"أ.هـ.
* رد شبهة وجود الخلاف :
فإن قال قائلٌ : قدخالف بعض الأئمة في تكفير تارك الصلاة ، فنقول نعم ولا نقبل خلافهم بعد إجماع الصحابة ونعتذر لهم ، إذ العلماء يعتبرون وجود قولٍ لصحابي واحد مشتهر في مسألة ما حجة إذا لم يخالفه أحدٌ من الصحابة ، فكيف في مسألة ينسب أحدُ الصحابة القول فيها لجميع الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ؟ ثم ينقل أحد التابعين إجماعهم على ذلك ، ونجد أكثر من خمسة عشر صحابياً يقولون بذلك ولا يعلم فيهم مخالف ، وقد حكـى الإمـام أحمد الإجماع في مسألة كان العدد فيها دون ذلك ، حينما أفتى بالتكبير في عشر ذي الحجة من غداة عرفة إلى آخر أيام التشريق ، فسئل : إلى أي شيء تذهب ؟ قال(أصول مذهب الإمام أحمد:352-وعزاه للمسودة:315):"لإجماع عمر وعلي وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس". بل جعل الإمام أحمد رحمه الله الخروج عن أقوالهم المختلفة من أقوال أهـل البدع حين سئل : هل لرجل أن يخرج من أقاويل الصحابة إذا اختلفوا ؟ فقال(أصول مذهب الإمام أحمد:351-وعزاه للمسودة:315) : "أرأيت إن أجمعوا ؟ له أن يخرج من أقاويلهم !! هذا قول خبيث ، قول أهل البدع ، لا ينبغي لأحد أن يخرج من أقاويل الصحابة إذا اختلفوا". فهل يقول عاقل بجواز الخروج عن قول نقل الإجماع فيه عن الصحابة أو ما يدل عليه ؟ إذا كان الخروج عن أقوالهم المختلفة من قول أهل البدع.
* وهنا ثلاثة تنبيهات مهمة :
(الأول) : الظاهر أن الأئمة المخالفين لم يبلغهم إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة أو لم يثبت عندهم ، لأنه لو بلغهم الإجماع لما وسعهم أن يخالفوه ، فهذا الإمام الشافعي رحمه الله ، يقول(الرسالة:472):"ونعلم أن عامتهم [ يعني الصحابة رضي الله عنهم ]ـ لا تجتمع على خلافٍ لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا على خطأ إن شاء الله".
(الثاني) : أن الشافعي رحمه الله وإن لم يذهب لكفر تارك الصلاة لعدم ثبوت الإجماع عنده في المسألة ، فهو من كبار أئمة السنـة العارفين بمذاهب السلف ، ولـذا عصمـه الله من مخالفتهم في كفر تارك العمل ، حيث قال رحمه الله[ كما في شرح أصول الاعتقاد للالكائي:5/886): "وكـان الإجمـاع من الصحابة والتابعين من بعدهم ممن أدركناهم: أن الإيمان قول وعمل ونية ، لا يجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر". ولما ذكر ابن رجب أن الإيمان :قـول وعمـل ونيـة قـال(جامـع العلــوم والحكـم:1/58):" وحكى الشافعي على ذلك إجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم ممن أدركهم". وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (1/39) "قد حكاه الشافعي وأحمد بن حنبل وأبو عبيدة وغير واحد إجماعاً : أن الإيمان قول وعمل". وأنصح في هذه المسألة بالرجوع لكتابين أولهما : كتاب ابن القيم رحمه الله "الصلاة وحكم تاركها" ، والآخر كتاب "الخلاف في حكم تارك الصلاة" للدكتور الشيخ عبد الله بن إبراهيم الزاحم ، فهما كتابان نافعان يكمل كل منهما الآخر.
(الثالث) : وهو ينبني على الأمر السابق أن من ذهب من العلماء لعدم تكفير تارك الصلاة لم يذهب لهذا القول بحجة أنه لا يكفر تارك العمل ، بل الذين لا يقولون بكفر تارك الصلاة هم على طريقة الجماعة بتكفير تارك عمل الجوارح مطلقاً كما مر من قول الشافعي رحمه الله ، وسيأتي في فتاوي سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله لما سئل عمن لم يكفر تارك الصلاة من السلف ، أيكون العمل عنده شرط كمال ؟ أنه قال(جريدة الرياض - عدد 12506) : "لا ، بل العمل عند الجميع شرط صحة ، إلا أنهم اختلفوا فيما يصح الإيمان به منه ؛ فقالت جماعة : إنه الصـلاة ، وعليـه إجماع الصحابـة رضـي الله عنهم ، كما حكاه عبـد الله بـن شقيـق. وقـال آخـرون بغـيرها. إلا أن جنس العمل لابد منه لصحة الإيمان عند السلف جميعاً. لهذا الإيمان عنـدهم قـول وعمـل واعتقـاد ، لا يصح إلا بها مجتمعة)أ.هـ. ويأتي أيضاً أن سماحة الشيخ رحمه الله أقر ما قاله صاحب كتاب ’’التوسط والاقتصاد في أن الكفر يكون بالقول أو الفعل أو الاعتقاد, حين قال في(المقدمة:19):"هاهنا مسألة مهمة ، وهي أن أصحاب الحديث الذين لم يكفروا تارك الصّلاة ، لا يعنون أنّ الصلاة عملٌ ، والعمل لا يكفّر تاركه أو فاعله بغير اعتقـاد أو استحـلال أو تكـذيـب ، فهــذه لَوثــةٌ إرجائيــة حاشاهــم منهــا ... ولم يُنقل عن أحد منهم أنّ الصّلاة عمل وليست اعتقاداً ولا يكفُر تارك العمل! كما أنّهم لم يعدّوا من يكفّر تاركها بمثابة الخوارج الذين يكفرون بالذّنوب ، وهذا إقرارٌ منهم أنّ تارك العمل قد يخرج من الملة ، لكن لم يترجّح عندهم ذلك في شأْن تارك الصّلاة".
نقلا من كتاب (أقــوال ذوي العـــرفـــــان في أن أعمـال الجــوارح داخلة في مسمى الإيمــان )

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .

عبدالملك السلفي
12-03-2004, 01:08 AM
وهذا كلام الشيخ العلامة ابن عثمين - رحمه الله -
إن هذه المسألة من مسائل العلم الكبرى، وقد تنازع فيها أهل العلم سلفاً وخلفاً، فقال الإمام أحمد بن حنبل: "تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً من الملة، يقتل إذا لم يتب ويصل".

وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: "فاسق ولا يكفَّر".

ثم اختلفوا فقال مالك والشافعي: "يقتل حداً" وقال أبو حنيفة: "يعزر ولا يقتل".

وإذا كانت هذه المسألة من مسائل النزاع، فالواجب ردها إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى:(وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّه) (الشورى:الآية 10). وقوله: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (النساء : الآية 59).

ولأن كل واحد من المختلفين لا يكون قوله حجة على الآخر؛ لأن كل واحد يرى أن الصواب معه ، وليس أحدهما أولى بالقبول من الآخر، فوجب الرجوع في ذلك إلى حكم بينهما وهو كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .

وإذا رددنا هذا النزاع إلى الكتاب والسنة ، وجدنا أن الكتاب والسنة كلاهما يدل على كفر تارك الصلاة ، الكفر الأكبر المخرج عن الملة .

أولاً: من الكتاب:

قال تعالى في سورة التوبة : (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّين) (التوبة : الآية 11) .

وقال في سورة مريم : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً) (مريم : 59-60).

فوجه الدلالة من الآية الثانية – آية سورة مريم – أن الله قال في المضيعين للصلاة ، المتبعين للشهوات : (إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ) فدل على أنهم حين إضاعتهم للصلاة واتباع الشهوات غير مؤمنين .

ووجه الدلالة من الآية الأولى – آية سورة التوبة – أن الله تعالى اشترط لثبوت الأخوة بيننا وبين المشركين ثلاثة شروط :

* أن يتوبوا من الشرك .

* أن يقيموا الصلاة .

* أن يؤتوا الزكاة .

فإن تابوا من الشرك ، ولم يقيموا الصلاة ، ولم يؤتوا الزكاة ، فليسوا بإخوة لنا. وإن أقاموا الصلاة ، ولم يؤتوا الزكاة ، فليسوا بإخوة لنا .

والأخوّة في الدين لا تنتفي إلا حيث يخرج المرء من الدين بالكلية ، فلا تنتفي بالفسوق والكفر دون الكفر.

ألا ترى إلى قوله تعالى في آية القتل : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ) (البقرة : الآية 178). فجعل الله القاتل عمداً أخاً للمقتول ، مع أن القتل عمداً من أكبر الكبائر، لقول الله تعالى : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) (النساء : 93) .

ثم ألا تنظر إلى قوله تعالى في الطائفتين من المؤمنين إذا اقتتلوا : (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) ، إلى قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُم) (الحجرات : 9-10) . فأثبت الله تعالى الأخوة بين الطائفة المصلحة والطائفتين المقتتلتين ، مع أن قتال المؤمن من الكفر، كما ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره عن ابن مسعود رضي الله عنه،أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر"(1). لكنه كفر لا يخرج من الملة ، إذ لو كان مخرجاً من الملة ما بقيت الأخوة الإيمانية معه . والآية الكريمة قد دلت على بقاء الأخوة الإيمانية مع الاقتتال .

وبهذا علم أن ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة ، إذ لو كان فسقاً أو كفراً دون كفر، ما انتفت الأخوة الدينية به ، كما لم تنتف بقتل المؤمن وقتاله .

فإن قال قائل : هل ترون كفر تارك إيتاء الزكاة كما دل عليه مفهوم آية التوبة ؟

قلنا : كفر تارك إيتاء الزكاة قال به بعض أهل العلم ، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى .

ولكن الراجح عندنا أنه لا يكفر، لكنه يعاقب بعقوبة عظيمة ، ذكرها الله تعالى في كتابه ، وذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في سنته ، ومنها ما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه و سلم ذكر عقوبة مانع الزكاة ، وفي آخره : "ثم يرى سبيله ، إما إلى الجنة وإما إلى النار". وقد رواه مسلم بطوله في : باب "إثم مانع الزكاة"(2) ، وهو دليل على أنه لا يكفّر، إذ لو كان كافراً ما كان له سبيل إلى الجنة .

فيكون منطوق هذا الحديث مقدماً على مفهوم آية التوبة ؛ لأن المنطوق مقدم على المفهوم كما هو معلوم في أصول الفقه.



ثانياً : من السنة :

1- قال صلى الله عليه وسلم : "إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة " .

رواه مسلم في كتاب الإيمان عن جابر بن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم (3).

2- وعن بريده بن الحصيب رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم ، يقول : "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر". رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه(4).

والمراد بالكفر هنا : الكفر المخرج عن الملة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الصلاة فصلاً بين المؤمنين والكافرين ، ومن المعلوم أن ملة الكفر غير ملة الإسلام ، فمن لم يأت بهذا العهد فهو من الكافرين .

3- وفي صحيح مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : "ستكون أمراء ، فتعرفون وتنكرون ، فمن عرف برئ ، ومن أنكر سلم ، ولكن من رضي وتابع . قالوا : "أفلا نقاتلهم ؟ قال : "لا ما صلوا"(5).

4- وفي صحيح مسلم أيضاً من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ، ويصلون عليكم وتصلون عليهم ، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم ، وتلعنونهم ويعلنونكم". قيل : يا رسول الله ، أفلا ننابذهم بالسيف ؟ قال : "لا ما أقاموا فيكم الصلاة"(6).

ففي هذين الحديثين الأخيرين دليل على منابذة الولاة وقتالهم بالسيف إذا لم يقيموا الصلاة ، ولا تجوز منازعة الولاة وقتالهم إلا إذا أتوا كفراً صريحاً ، عندنا فيه برهان من الله تعالى ، لقول عبادة بن الصامت رضي الله عنه : "دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه ، فكان فيما أخذ علينا ، أن بايعنا على السمع والطاعة ، في منشطنا ومكرهنا ، وعسرنا ويسرنا ، وأثرةٍ علينا ، وألا ننازع الأمر أهله ". قال : " إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان"(7).

وعلى هذا فيكون تركهم للصلاة الذي علق عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، منابذتهم وقتالهم بالسيف كفراً بواحاً عندنا فيه من الله برهان .

ولم يرد في الكتاب والسنة أن تارك الصلاة ليس بكافر أو أنه مؤمن ، وغاية ما ورد في ذلك نصوص تدل على فضل التوحيد ، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وثواب ذلك ، وهي إما مقيدة بقيود في النص نفسه يمتنع معها أن يترك الصلاة ، وإما واردة في أحوال معينة يعذر الإنسان فيها بترك الصلاة ، وإما عامة فتحمل على أدلة كفر تارك الصلاة ؛ لأن أدلة كفر تارك الصلاة خاصة ، والخاص مقدَّم على العام .

فإن قال قائل : ألا يجوز أن تحمل النصوص الدالة على كفر تارك الصلاة على من تركها جاحداً لوجوبها ؟

قلنا : لا يجوز ذلك لأن فيه محذورين :

الأول : إلغاء الوصف الذي اعتبره الشارع وعلق الحكم به .

فإن الشارع علق الحكم بالكفر على الترك دون الجحود ورتب الأخوة في الدين على إقام الصلاة ، دون الإقرار بوجوبها ، فلم يقل الله تعالى : فإن تابوا وأقروا بوجوب الصلاة ، ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم : بين الرجل وبين الشرك والكفر جحد وجوب الصلاة . أوالعهد الذي بيننا وبينهم الإقرار بوجوب الصلاة ، فمن جحد وجوبها فقد كفر.

ولو كان هذا مراد الله تعالى ورسوله لكان العدول عنه خلاف البيان الذي جاء به القرآن الكريم ، قال الله تعالى : (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ) (النحل الآية 89). وقال تعالى مخاطباً نبيه:(وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِم) (النحل:الآية 44).

الثاني: اعتبار وصف لم يجعله الشارع مناطاً للحكم :

فإن جحود وجوب الصلوات الخمس موجب لكفر من لا يعذر بجهله فيه سواء صلى أم ترك .

فلوا صلى شخص الصلوات الخمس وأتى بكل ما يعتبر لها من شروط ، وأركان ، وواجبات ، ومستحبات ، لكنه جاحد لوجوبها بدون عذر له فيه لكان كافراً مع أنه لم يتركها .

فتبين بذلك أن حمل النصوص على من ترك الصلاة جاحداً لوجوبها غير صحيح ، وأن الحق أن تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً عن الملة ، كما جاء ذلك صريحاً فيما رواه ابن أبي حاتم في سننه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه ، قال : أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تشركوا بالله شيئاً ، ولا تتركوا الصلاة عمداً ، فمن تركها عمداً متعمداً فقد خرج من الملة ".

وأيضاً فإننا لو حملناه على ترك الجحود لم يكن لتخصيص الصلاة في النصوص فائدة، فإن هذا الحكم عام في الزكاة ، والصيام ، والحج ، فمن ترك منها واحداً جاحداً لوجوبه كفر إن كان غير معذور بجهل .

وكما أن كفر تارك الصلاة مقتضى الدليل السمعي الأثري ، فهو مقتضى الدليل العقلي النظري .

فكيف يكون عند الشخص إيمان مع تركه للصلاة التي هي عمود الدين ، والتي جاء من الترغيب في فعلها ما يقتضي لكل عاقل مؤمن أن يقوم بها ويبادر إلى فعلها . وجاء من الوعيد على تركها ما يقتضي لكل عاقل مؤمن أن يحذر من تركها وإضاعتها ؟ فتركها مع قيام هذا المقتضى لا يبقي إيماناً مع التارك .

فإن قال قائل : ألا يحتمل أن يراد بالكفر في تارك الصلاة كفر النعمة لا كفر الملة ؟ أو أن المراد به كفر دون الكفر الأكبر؟ فيكون كقوله صلى الله عليه وسلم : "اثنتان بالناس هما بهم كفر: الطعن في النسب ، والنياحة على الميت"(8). وقوله : "سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر(9)" ونحو ذلك .

قلنا : هذا الاحتمال والتنظير له لا يصح لوجوه :

الأول : أن النبي صلى الله عليه و سلم جعل الصلاة حداً فاصلاً بين الكفر والإيمان ، وبين المؤمنين والكفار. والحد يميز المحدود ويخرجه عن غيره ، فالمحدودان متغايران لا يدخل أحدهما في الآخر.

الثانى : أن الصلاة ركن من أركان الإسلام ، فوصف تاركها بالكفر يقتضي أنه الكفر المخرج من الإسلام ؛ لأنه هَدَم ركناً من أركان الإسلام ، بخلاف إطلاق الكفر على من فعل فعلاً من أفعال الكفر.

الثالث : أن هناك نصوصاً أخرى دلت على كفر تارك الصلاة كفراً مخرجاً من الملة؛ فيجب حمل الكفر على ما دلت عليه لتتلاءم النصوص وتتفق .

الرابع : أن التعبير بالكفر مختلف .

ففي ترك الصلاة قال: "بين الرجل وبين الشرك والكفر(10)" فعبر بـ "أل" الدالة على أن المراد بالكفر حقيقة الكفر بخلاف كلمة "كفر" منكراً أو كلمة "كفر" بلفظ الفعل ، فإنه دال على أن هذا من الكفر، أو أنه كفر في هذه الفعلة وليس هو الكفر المطلق المخرج عن الإسلام .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب "اقتضاء الصراط المستقيم" (ص70 طبعة السنة المحمدية) على قوله صلى الله عليه وسلم : "اثنتان في الناس هما بهم كفر"(11) .

قال : "فقوله : "هما بهم كفر" أي هاتان الخصلتان هما كفر قائم بالناس ، فنفس الخصلتين كفر حيث كانتا من أعمال الكفر، وهما قائمتان بالناس ، لكن ليس كل من قام به شعبة من شعب الكفر يصير بها كافراً الكفر المطلق ، حتى تقوم به حقيقة الكفر. كما أنه ليس كل من قام به شعبة من شعب الإيمان يصير بها مؤمناً حتى يقوم به أصل الإيمان وحقيقته . وفرق بين الكفر المعرف باللام كما في قوله صلى الله عليه وسلم : "ليس بين العبد وبين الكفر أو الشرك إلا ترك الصلاة(12)" وبين كفر منكر في الإثبات انتهى كلامه .

فإذا تبين أن تارك الصلاة بلا عذر كافر كفراً مخرجاً من الملة بمقتضى هذه الأدلة ، كان الصواب فيما ذهب إليه الإمام أحمد بن حنبل وهو أحد قولي الشافعي كما ذكره ابن كثير في تفسير قوله تعالى : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَات) (مريم : الآية 59) . وذكر ابن القيم في "كتاب الصلاة" أنه أحد الوجهين في مذهب الشافعي ، وأن الطحاوى نقله عن الشافعي نفسه.

وعلى هذا القول جمهور الصحابة ، بل حكى غير واحد إجماعهم عليه .

قال عبد الله بن شقيق : "كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة". رواه الترمذي والحاكم وصححه على شرطهما(13).

وقال إسحاق بن راهويه الإمام المعروف : "صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة كافر، وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا ، أن تارك الصلاة عمداً من غير عذر حتى يخرج وقتها كافر" .

وذكر ابن حزم أنه قد جاء عن عمر وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة ، قال : "ولا نعلم لهؤلاء مخالفاً من الصحابة". نقله عنه المنذري في (الترغيب والترهيب)(14) وزاد من الصحابة : عبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عباس ، وجابر بن عبد الله ، وأبا الدرداء رضي الله عنهم . قال : "ومن غير الصحابة أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه ، وعبد الله بن المبارك ، والنخعي ، والحكم بن عتيبة ، وأيوب السختياني، وأبو داود الطيالسي ، وأبو بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب وغيرهم". أ. هـ.

فإن قال قائل:ما هو الجواب عن الأدلة التي استدل بها من لا يرى كفر تارك الصلاة؟

قلنا : الجواب : أن هذه الأدلة لم يأت فيها أن تارك الصلاة لا يكفَّر، أو أنه مؤمن ، أو أنه لا يدخل النار، أو أنه في الجنة . ونحو ذلك .

ومن تأملها وجدها لا تخرج عن خمسة أقسام كلها لا تعارض أدلة القائلين بأنه كافر.

القسم الأول : أحاديث ضعيفة غير صريحة حاول موردها أن يتعلق بها ولم يأت بطائل .

القسم الثاني : ما لا دليل فيه أصلاً للمسألة .

مثل استدلال بعضهم بقوله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء) (النساء : الآية 48). فإن معنى قوله تعالى : (مَا دُونَ ذَلِكَ) ما هو أقل من ذلك ، وليس معناه ما سوى ذلك ، بدليل أن من كذَّب بما أخبر الله به ورسوله ، فهو كافر كفراً لا يغفر وليس ذنبه من الشرك .

ولو سلمنا أن معنى (مَا دُونَ ذَلِكَ) ما سوى ذلك ، لكان هذا من باب العام المخصوص بالنصوص الدالة على الكفر بما سوى الشرك ، والكفر المخرج عن الملة من الذنب الذي لا يغفر وإن لم يكن شركاً .

القسم الثالث : عام مخصوص بالأحاديث الدالة على كفر تارك الصلاة .

مثل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ بن جبل : "ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله إلا حرمه الله على النار"(15) وهذا أحد ألفاظه ، وورد نحوه من حديث أبي هريرة(16) وعبادة بن الصامت(17) وعتبان بن مالك(18) رضي الله عنهم .

القسم الرابع : عام مقيد بما لا يمكن معه ترك الصلاة .

مثل قوله صلى الله عليه و سلم في حديث عتبان بن مالك : "فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله" رواه البخاري(19) .

وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ : "ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صدقاً من قلبه إلا حرمه الله على النار" رواه البخاري(20) .

فتقييد الإتيان بالشهادتين بإخلاص القصد وصدق القلب يمنعه من ترك الصلاة ، إذ ما من شخص يصدق في ذلك ويخلص إلا حمله صدقه وإخلاصه على فعل الصلاة ولابد ، فإن الصلاة عمود الإسلام ، وهي الصلة بين العبد وربه ، فإذا كان صادقاً في ابتغاء وجه الله ، فلابد أن يفعل ما يوصله إلى ذلك ، ويتجنب ما يحول بينه وبينه ، وكذلك من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صدقاً من قلبه ، فلابد أن يحمله ذلك الصدق على أداء الصلاة مخلصاً بها لله تعالى متبعاً فيها رسول الله صلى الله عليه و سلم ؛ لأن ذلك من مستلزمات تلك الشهادة الصادقة .

القسم الخامس : ما ورد مقيداً بحال يعذر فيها بترك الصلاة .

كالحديث الذي رواه ابن ماجه(21) عن حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب" الحديث . وفيه : "وتبقى طوائف من الناس ، الشيخ الكبير والعجوز يقولون : "أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله فنحن نقولها" فقال له صلة : "ما تغني عنهم لا إله إلا الله وهم لا يدرون لا صلاة ، ولا صيام ، ولا نسك ، ولا صدقة " فأعرض عنه حذيفة ، ثم ردها عليه ثلاثاً ، كل ذلك يعرض عنه حذيفة ، ثم أقبل عليه في الثالثة فقال : " يا صلة ، تنجيهم من النار" ثلاثاً .

فإن هؤلاء الذين أنجتهم الكلمة من النار كانوا معذورين بترك شرائع الإسلام ؛ لأنهم لا يدرون عنها ، فما قاموا به هو غاية ما يقدرون عليه ، وحالهم تشبه حال من ماتوا قبل فرض الشرائع ، أو قبل أن يتمكنوا من فعلها ، كمن مات عقب شهادته قبل أن يتمكن من فعل الشرائع ، أو أسلم في دار الكفر فمات قبل أن يتمكن من العلم بالشرائع .

والحاصل أن ما استدل به من لا يرى كفر تارك الصلاة لا يقاوم ما استدل به من يرى كفره ، لأن ما استدل به أولئك : إما أن يكون ضعيفاً غير صريح ، وإما ألا يكون فيه دلالة أصلاً ، وإما أن يكون مقيداً بوصف لا يتأتى معه ترك الصلاة ، أو مقيداً بحال يعذر فيها بترك الصلاة ، أو عاماً مخصوصاً بأدلة تكفيره ! .

فإذا تبين كفره بالدليل القائم السالم عن المعارض المقاوم ، وجب أن تترتب أحكام الكفر والردة عليه ، ضرورة أن الحكم يدور مع علته وجوداً أو عدماً .





--------------------------------------------------------------------------------

(1)رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر، رقم (48) ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان قول النبي صلى الله عليه و سلم : "سباب المسلم فسوق" رقم (64) .

(2) رواه مسلم ، كتاب الزكاة ، باب إثم مانع الزكاة ، رقم (987) .

(3) رواه مسلم ، كتاب الأيمان ، باب إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة ، رقم (82) .

(4) رواه أحمد (5/346) والترمذي ، كتاب الإيمان ، باب ما جاء في ترك الصلاة ، رقم (2621) وقال : حديث حسن صحيح غريب . والنسائي ، كتاب الصلاة ، باب الحكم في تارك الصلاة رقم (463) وابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة ، باب ما جاء فيمن ترك الصلاة رقم (1079) .

(5) رواه مسلم ، كتاب الإمارة ، باب وجوب الإنكار على الأمراء فيما يخالف الشرع ، رقم (1854) .

(6) رواه مسلم ، كتاب الإمارة ، باب خيار الأئمة وشرارهم رقم (1855) .

(7) رواه البخاري ، كتاب الفتن ، باب قول النبي صلى الله عليه و سلم : "سترون بعدي أموراً تنكرونها" رقم (7055- 7056) ومسلم ، كتاب الإمارة ، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية ، رقم (1709م) .

(8) رواه مسلم ، كتاب الأيمان ، باب إطلاق اسم الكفر على الطعن في النسب رقم (67) .

(9) سبق تخريجه .

(10) سبق تخريجه .

(11) سبق تخريجه

(12) سبق تخريجه .

(13) رواه الترمذي ، كتاب الأيمان ، باب ما جاء في ترك الصلاة ، رقم (2622) والحاكم (1/7) .

(14) الترغيب والترهيب (1/445- 446) .

(15) رواه البخاري ، كتاب العلم ، باب من خص بالعلم قوماً دون قوم ، رقم (128) ومسلم ، كتاب الأيمان ، باب من لقي الله بالأيمان وهو غير شاك فيه دخل الجنة ، رقم (33) .

(16) أخرجه مسلم رقم (27) .

(17) أخرجه مسلم رقم (29) .

(18) سيأتي تخريجه .

(19) أخرجه البخاري ، كتاب الصلاة ، باب المساجد في البيوت ، رقم (425) ومسلم ، كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، باب الرخصة في التخلف عن الجماعة بعذر رقم (33م) .

(20) سبق تخريجه .

(21) رواه ابن ماجه ، كتاب الفتن ، باب ذهاب القرءان والعلم ، رقم (4049) والحاكم (4/473) وقال البوصيري في الزوائد : إسناده صحيح ، رجاله ثقات. وقال الحاكم : صحيح على شرط مسلم .
نقلا عن كتاب ( حكم تارك الصلاة )

عبدالملك السلفي
12-03-2004, 01:14 AM
و الآن يقول أحد المشايخ ( أما هؤلاء فقد مكروا وتحايلوا لترويجها وإلباسها لباس المنهج السلفي فوجدوا فكرة تكفير تارك جنس العمل وتكفير تارك الصلاة أعظم وسيلة لترويج فكرتهم وأعظم مصيدة للشباب السلفي )

أبو عبدالله الأثري
12-03-2004, 10:30 AM
تكفير تارك الصلاة مسالة خلافية و يعرفها اصغر سلفي . فهل السلف كانو يروجون فكرة تكفير تارك الصلاة للمكر و التحايل على شباب السلفي

المرحباني
12-03-2004, 01:16 PM
والله أعظم مصيدة للشباب السلفي هي مصيدة التميع!!!!!!!!!!

12d8c7a34f47c2e9d3==