المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أحكام صلاة المسافر


كيف حالك ؟

المرحباني
12-02-2004, 05:01 PM
أولاً: قصر الصلاة:
• مشروعيته للمسافر:
يشرع للمسافر قصر الصلاة الرباعية، فيصلي الظهر ركعتين، والعصر ركعتين، والعشاء ركعتين، والأصل في ذلك الكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب: فقوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِى الأرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلوٰةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ} [النساء: 101].
وظاهر الآية يفيد أن القصر في السفر مقيَّد بحالة الخوف، لكن جاء في السنة ما يدل على ارتفاع هذا القيد، فعن يعلى بن أمية قال: قلت لعمر بن الخطاب: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلوٰةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ} فقد أمِن الناس، فقال: عجبتُ مما عجبتَ منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: ((صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته))([1]).
قال ابن تيمية رحمه الله: "ذكر سبحانه الخوف والسفر؛ لأن القصر يتناول قصر العدد وقصر الأركان، فالخوف يبيح قصر الأركان، والسفر يبيح قصر العدد، فإذا اجتمعا أبيح القصر بالوجهين، وإن انفرد السفر أبيح أحد نوعي القصر"([2]).
وأما السنة: فقد تواترت الأخبار عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي الرباعية في السفر ركعتين، قال ابن عمر رضي الله عنهما: إني صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر، فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت أبا بكر، فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت عمر، فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، ثم صحبت عثمان، فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وقد قال الله: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]([3]).
قال ابن تيمية رحمه الله: "ولهذا كانت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المتواترة عنه، التي اتفقت الأمة على نقلها عنه أنه كان يصلي الرباعية في السفر ركعتين، ولم يصلها في السفر أربعًا قط، ولا أبو بكر ولا عمر رضي الله عنهما، لا في حج ولا في عمرة ولا في جهاد"([4]).
وقال أيضًا: "وأما في السفر فقد سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم قريبًا من ثلاثين سفرة، وكان يصلي ركعتين في أسفاره، ولم ينقل عنه أحد من أهل العلم أنه صلى في السفر الفرضَ أربعًا قط، حتى في حجه الوداع، وهي آخر أسفاره، كان يصلي بالمسلمين بمنى الصلوات ركعتين ركعتين، وهذا من العلم العام المستفيض المتواتر الذي اتفق على نقله عنه جميع أصحابه، ومن أخذ العلم عنهم.
والحديث الذي رواه الدارقطني عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر في السفر ويتم، ويفطر ويصوم، باطل في الإتمام وإن كان صحيحًا في الإفطار؛ بخلاف النقل المتواتر المستفيض، ولم يذكر هذا بعد قط.
وكيف يكون والنبي صلى الله عليه وسلم في أسفاره إنما كان يصلي الفرض إمامًا، لكن مرة في غزوة تبوك احتبس للطهارة ساعة فقدموا عبد الرحمن بن عوف، وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم خلفه بعض الصلاة، فلو صلى بهم أربعًا في السفر لكان هذا من أوكد ما تتوفر هممهم ودواعيهم على نقله، لمخالفته سنته المستمرة، وعادته الدائمة، كما نقلوا أنه جمع بين الصلاتين أحيانًا، فلما لم ينقل ذلك أحد منهم علم قطعًا أنه لم يفعل ذلك"([5]).
وأما الإجماع: فقال ابن قدامة رحمه الله: "أجمع أهل العلم على أن من سافر سفرًا تقصر في مثله الصلاة في حج أو عمرة أو جهاد أن له أن يقصر الرباعية فيصليها ركعتين"([6]).

• هل القصر عزيمة أم رخصة؟

اتفق العلماء على مشروعية القصر للمسافر، لكن اختلفوا في حكمه، وهل يجوز له الإتمام أم لا؟ على أقوال:
أحدها: قول من يقول: إن الإتمام أفضل، كقولٍ للشافعي، وهذا أضعف الأقوال.
والثاني: قول من يسوِّي بينهما، كبعض أصحاب مالك.
والثالث: قول من يقول: القصر أفضل، والتربيع خلاف الأولى، كقول الشافعي الصحيح، وإحدى الروايتين عن أحمد.
والرابع: قول من يقول الإتمام مكروه، كقول مالك في إحدى الروايتين، وأحمد في الرواية الأخرى، وهي أنصُّهما.
والخامس: قول من يقول: إن القصر واجب، فلا يجوز له أن يصلي أربعًا كما لا يجوز له أن يصلي الفجر والجمعة والعيد أربعًا، كقول أبي حنيفة، ومالك في رواية.
قال ابن تيمية رحمه الله: "وأظهر الأقوال قول من يقول: إنه سنة، وأن الإتمام مكروه، ولهذا لا تجب نية القصر عند أكثر العلماء، كأبي حنيفة، ومالك، وأحمد في أحد القولين عنه في مذهبه"([7]).
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل القصر واجب؟
فأجاب: "جمهور العلماء على أنه مستحب وليس بواجب، وهو الصحيح؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم لما أتم عثمان رضي الله عنه في منى صاروا يتمون معه، ولو كان القصر واجبًا لكان تركُه حرامًا، ولما أمكن للصحابة متابعة عثمان على شيء يرونه محرمًا"([8]).
• متى يقصر المسافر؟
ذهب جمهور العلماء ومنهم الأئمة الأربعة إلى أن المسافر لا يقصر الصلاة حتى يخرج من بيوت قريته، ويجعلها وراء ظهره؛ لأنه لا يطلق على الشخص أنه مسافر إلا إذا باشر السفر وفعله، ولا يكون ذلك إلا بخروجه من بلده.
قال ابن تيمية رحمه الله: "ولكن لا بد أن يكون ذلك مما يعدُّ في العرف سفرًا، مثل أن يتزود له، ويبرز للصحراء، فأما إذا كان في مثل دمشق، وهو ينتقل من قراها الشجرية من قرية إلى قرية كما ينتقل من الصالحية إلى دمشق، فهذا ليس بمسافر، كما أن مدينة النبي صلى الله عليه وسلم كانت بمنزلة القرى المتقاربة، عند كلِّ قوم نخيلُهم ومقابرهم ومساجدهم، قباء وغير قباء، ولم يكن خروج الخارج إلى قباء سفرًا، ولهذا لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يقصرون في مثل ذلك، فإن الله تعالى قال: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مّنَ الأَعْرَابِ مُنَـٰفِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ} [التوبة: 101] فجميع الأبنية تدخل في مسمى المدينة، وما خرج عن أهلها فهو من الأعراب أهل العمود، والمنتقل [في] المدينة من ناحية إلى ناحية ليس بمسافر، ولا يقصر الصلاة، ولكن هذه مسائل اجتهاد، فمن فعل منها بقول بعض العلماء لم ينكر عليه، ولم يهجر"([9]).
وبناء على ما تقدم فلا يشرع للمسافر الذي ينتظر رحلته في المطار أن يقصر الصلاة إذا كان هذا المطار في حي من أحياء المدينة التي هو منها، أما إذا كان منفصلاً عن المدينة خارجًا عنها، فهذا يشرع له القصر والله أعلم([10]).

_______________________________

([1]) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين [686].
([2]) مجموع الفتاوى (24/20).
([3]) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين [689].
([4]) مجموع الفتاوى (22/541).
([5]) مجموع الفتاوى (22/78).
([6]) المغني (3/105).
([7]) مجموع الفتاوى (24/9، 10، 21ـ22).
([8]) إعلام المسافرين ببعض آداب وأحكام السفر وما يخص الملاحين الجويين (ص 39).
([9]) مجموع الفتاوى (24/ 15 ـ 16).
([10]) انظر: إعلام المسافرين ببعض آداب وأحكام السفر للشيخ ابن عثيمين (ص 38).



--------------------------------------------------------------------------------


ثانيًا: الجمع بين الصلاتين:
• مشروعيته للمسافر عند الحاجة إليه:
اتفق العلماء على أن الحاج يجمع الظهر والعصر بعرفة جمع تقديم، والمغرب والعشاء بمزدلفة جمع تأخير، فهذا الجمع لم يتنازع الفقهاء فيه؛ لأنه منقول بالتواتر عنه صلى الله عليه وسلم([1]).
واختلف العلماء في جواز الجمع بعذر السفر على أقوال:
فذهب الشافعي وأحمد في المشهور عنه ومالك في رواية إلى أنه يجوز للمسافر أن يجمع بين الصلاتين مطلقًا سواء كان نازلاً أو غير نازل، وسواء كان جمع تقديم أو جمع تأخير. وهذا أوسع الأقوال.
وذهب مالك في المشهور عنه وأحمد في الرواية الأخرى أن المسافر يجمع إذا كان سائرًا، سواء كان جمع تقديم أو جمع تأخير، ولا يجمع إذا كان نازلاً، بل عند مالك إذا جدَّ به السير([2])، وهذا القول اختاره ابن القيم رحمه الله([3]).
وذهب أحمد في رواية ثالثة إلى أن للمسافر أن يجمع جمع التأخير فقط، وليس له أن يجمع جمع تقديم، وبه قال ابن حزم([4]).
وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أن المسافر لا يجمع لا جمع تقديم ولا جمع تأخير، ولا جمعَ عنده إلا في عرفة ومزدلفة([5]).
والراجح ـ والله أعلم ـ أنه يشرع للمسافر الجمع بين الصلاتين متى ما احتاج إلى ذلك، بحيث لو لم يجمع لوقع في الحرج، سواء كان نازلاً أو سائرًا؛ لأن المقصود بالجمع رفعُ الحرج، لكن لما كان الحرج في الغالب مظِنتُه السير دون النزول قيّد بعض العلماء الجمع بهذه المظنة وهي أن يكون سائرًا غير نازل.
قال ابن تيمية رحمه الله: "الجمع بين الصلاتين ليس معلقًا بالسفر، وإنما يجوز للحاجة بخلاف القصر"([6]).
وأحاديث جمع التأخير ثابتة في الصحيح، أما حديث جمع التقديم ففيه مقال مشهور عند علماء الحديث، ولذا فالأحوط للمرء أن لا يجمع جمع تقديم إلا إذا غلب على ظنه أنه لا يكون نازلاً في وقت الثانية؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأما الجمع فإنما كان صلى الله عليه وسلم يجمع بعض الأوقات إذا جد به السير، وكان له عذر شرعي، كما جمع بعرفة ومزدلفة، وكان يجمع في غزوة تبوك أحيانًا، كان إذا ارتحل قبل الزوال أخر الظهر إلى العصر ثم صلاهما جميعًا، وهذا ثابت في الصحيح.
وأما إذا ارتحل بعد الزوال فقد رُوي أنه كان صلى الظهر والعصر جميعًا، كما جمع بينهما بعرفة، وهذا معروف في السنن، وهذا إذا كان لا ينزل إلى وقت المغرب، كما كان بعرفة لا يفيض حتى تغرب الشمس، وأما إذا كان ينزل وقت العصر فإنه يصليها في وقتها"([7]).
• هل الجمع أفضل أم أداء كل صلاة في وقتها؟
اتفق العلماء على أن أداء كل صلاة في وقتها أفضل للمسافر من الجمع بينهما، وذلك إذا لم يكن به حاجة إلى الجمع، قال ابن تيمية رحمه الله: "بل فعلُ كل صلاة في وقتها أفضل إذا لم يكن به حاجة إلى الجمع؛ فإن غالب صلاة النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يصليها في السفر إنما يصليها في أوقاتها، وإنما كان الجمع منه مرات قليلة"([8]).
وتجدر الإشارة هنا إلى خطأ يقع فيه كثير من الناس، وهو ظنُّهم ارتباطَ الجمعِ بالقصر في السفر، وأن كلاهما سُنة ينبغي المحافظة عليها، وليس الأمر كذلك، قال ابن تيمية رحمه الله: "فليس القصر كالجمع، بل القصر سنة راتبة، وأما الجمع فإنه رخصة عارضة، ومن سوَّى من العامة بين الجمع والقصر فهو جاهل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبأقوال علماء المسلمين، فإن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرَّقت بينهما، والعلماء اتفقوا على أن أحدهما سنة، واختلفوا في وجوبه، وتنازعوا في جواز الآخر ـ أي الجمع ـ فأين هذا من هذا؟!"([9]).
وقال أيضًا: "فقهاء الحديث يختارون قصر الصلاة في السفر اتباعًا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يصلِّ في السفر قط رباعيةً إلا مقصورة، ومن صلى أربعًا لم يبطلوا صلاته... وهذا بخلاف الجمع بين الصلاتين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله إلا مراتٍ قليلة، فإنهم يستحبون تركه إلا عند الحاجة إليه اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم حين جد به السير، حتى اختلفوا عن أحمد: هل يجوز الجمع للمسافر النازل الذي ليس بسائر أم لا؟ ولهذا كان أهل السنة مجمعين على جواز القصر في السفر، مختلفين في جواز الإتمام، ومجمعين على جواز التفريق بين الصلاتين، مختلفين في جواز الجمع بينهما"([10]).
وقال: "وهذا يبيِّن أن الجمع ليس من سنة السفر كالقصر، بل يُفعل للحاجة، سواء كان في السفر أو الحضر، فإنه قد جمع صلى الله عليه وسلم أيضًا في الحضر لئلا يحرج أمتَه. فالمسافر إذا احتاج إلى الجمع جمع، سواء كان ذلك لسيره وقت الثانية، أو وقت الأولى وشق النزول عليه، أو كان مع نزوله لحاجة أخرى، مثل أن يحتاج إلى النوم والاستراحة وقت الظهر، ووقت العشاء، فينزل وقت الظهر وهو تعبان سهران جائع، محتاج إلى راحة وأكل ونوم، فيؤخر الظهر إلى وقت العصر، ثم يحتاج أن يقدِّم العشاء مع المغرب، وينام بعد ذلك ليستيقظ نصف الليل لسفره، فهذا ونحوه يباح له الجمع، وأما النازل أيامًا في قرية أو مصر، وهو في ذلك كأهل المصر، فهذا وإن كان يقصر لأنه مسافر فلا يجمع، كما أنه لا يصلي على الراحلة، ولا يصلي بالتيمم، ولا يأكل الميتة، فهذه الأمور أبيحت للحاجة، ولا حاجة به إلى ذلك، بخلاف القصر فإنه سنة صلاة السفر"([11]).
وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى بابًا من أبواب الكبائر))([12]).
وعن أبي العالية عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (جمعُ الصلاتين من غير عذر من الكبائر)([13]).
وعن أبي قتادة عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (ثلاث من الكبائر: الجمع بين الصلاتين إلا من عذر، والفرار من الزحف، والنهبى)([14]).


_________________________________________
([1]) انظر: مجموع الفتاوى (24/23).
([2]) انظر: المدونة (1/11) والمنتقى للباجي (1/252).
([3]) انظر: زاد المعاد (1/481).
([4]) انظر: المحلى (3/165).
([5]) انظر: الحجة على أهل المدينة (1/174)، وتبيين الحقائق (1/88).
([6]) مجموع الفتاوى (24/ 37).
([7]) مجموع الفتاوى (24/ 27).
([8]) مجموع الفتاوى (24/ 19، 22).
([9]) مجموع الفتاوى (24/27 ـ 28).
([10]) مجموع الفتاوى (24/31).
([11]) مجموع الفتاوى (24/ 64 ـ 65).
([12]) أخرجه الترمذي في كتاب الصلاة [188]، وأبو يعلى (5/136)، والطبراني (11/216)، والدارقطني (1/395)، والحاكم (1/275)، والبيهقي (3/169) من طريق حنش، عن عكرمة، عن ابن عباس. وقال الترمذي: "وحنش هذا هو أبو علي الرحبي، وهو حسين بن قيس، وهو ضعيف عند أهل الحديث، ضعفه أحمد وغيره"، وقال الدارقطني: "أبو علي الرحبي متروك"، وضعف الحديث أيضًا البيهقي، والذهبي متعقبًا تصحيح الحاكم، وقال الحافظ في التهذيب (2/365): "لا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به، ولا أصل له"، وقال الألباني في ضعيف الجامع [5556]: "ضعيف جدًا".
([13]) أخرجه البيهقي (3/169)، وقال: "هو مرسل؛ أبو العالية لم يسمع من عمر".
([14]) أخرجه البيهقي (3/169) وقال: "أبو قتادة أدرك عمر، فإن كان شهده فهو موصول، وإلا فهو إذا انضم إلى الأول صار قويًا".


للموضوع بقية :
__________________


ثالثًا: الصلاة على الراحلة:
استفاض عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي على راحلته في السفر قِبَل أيِّ وجه توجهت به، وكان يوتر عليها غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة:
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته حيث توجهت فإذا أراد الفريضة نزل فاستقبل القبلة([1]).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت به يومئ إيماءً صلاة الليل إلا الفرائض، ويوتر على راحلته([2]).
وعن عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته حيث توجهت به([3]).
قال الحافظ رحمه الله: "وقد أخذ بمضمون هذه الأحاديث فقهاء الأمصار، إلا أن أحمد وأبا ثور كانا يستحبان أن يستقبل القبلة بالتكبير حال ابتداء الصلاة"([4]).
وأما الفريضة فلا بد أن ينزل ويستقبل القبلة إلا من عذر، قال ابن بطال: "أجمع العلماء على اشتراط ذلك، وأنه لا يجوز لأحد أن يصلي الفريضة على الدابة من غير عذر، حاشا ما ذكر في صلاة شدة الخوف"([5]).
ومن الأعذار أيضًا أن يكون المسافر على ظهر سفينة أو على متن طائرة، فإنه يجوز له والحالة هذه أن يصلي عليها الفريضة، ويلزمه استقبال القبلة طيلة صلاته حتى ولو تحولت السفينة أو الطائرة .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "حكم الصلاة فيما إذا تغير اتجاه الطائرة أن يستدير المصلي في أثناء صلاته إلى الاتجاه الصحيح، كما قال ذلك أهل العلم في السفينة في البحر أنه إذا تغير اتجاهها فإنه يتجه إلى القبلة ولو أدى ذلك إلى الاستدارة عدة مرات، والواجب على قائد الطائرة إذا تغير اتجاه الطائرة أن يقول للناس: قد تغير الاتجاه فانحرفوا إلى الاتجاه الصحيح، هذا في صلاة الفريضة أما النافلة فلا يشترط ذلك لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم"([6]).
وقد لخص الشيخ رحمه الله أحكام الصلاة على الطائرة فقال: "يصلي النافلة في الطائرة وهو جالس على مقعده حيث كان اتجاه الطائرة، ويومئ بالركوع والسجود، ويجعل السجود أخفض من الركوع.
لا يصلي الفريضة في الطائرة إلا إذا كان يتمكن من الاتجاه إلى القبلة في جميع الصلاة، ويتمكن أيضًا من الركوع والقيام والقعود والسجود.
إذا كان لا يتمكن من ذلك فإنه يؤخر الصلاة حتى يهبط في المطار فيصلي على الأرض، فإن خاف خروج الوقت قبل الهبوط أخرها إلى وقت الثانية إن كانت مما يجمع إليها كالظهر مع العصر والمغرب مع العشاء، فإن خاف خروج وقت الثانية صلاهما قبل أن يخرج الوقت على متن الطائرة، يفعل ما يستطيع من شروط الصلاة وأركانها وواجباتها.
مثلاً: لو أقلعت الطائرة قبيل غروب الشمس وغابت الشمس وهو في الجو فإنه لا يصلي المغرب حتى تهبط في المطار، وينزل فيصلي على الأرض، فإن خاف خروج وقت المغرب أخرها إلى وقت العشاء فصلاهما جمع تأخير بعد نزوله، فإن خاف خروج وقت العشاء وذلك عند منتصف الليل صلاهما قبل أن يخرج الوقت.
وكيفية صلاة الفريضة في الطائرة: أن يقف ويستقبل القبلة فيكبر ويقرأ الفاتحة وما تسن قراءته قبلها من الاستفتاح أو بعدها من القرآن، وإن لم يعلم القبلة ولم يخبره بها أحد يثق به اجتهد وتحرى وصلى حيث يكون اجتهاده، ثم يركع ثم يرفع من الركوع ويطمئن قائمًا، ثم يسجد ثم يرفع من السجود ويطمئن جالسًا، ثم يسجد الثانية، ثم يفعل كذلك في بقية صلاته، فإن لم يتمكن من السجود جلس وأومأ بالسجود جالسًا.
تكون صلاة المسافر في الطائرة قصرًا فيصلي الرباعية ركعتين كغيره من المسافرين"([7]).

_________________________________________

([1]) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة [400]، ومسلم في كتاب المساجد [540].
([2]) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة [1000]، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين [700].
([3]) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة [1093]، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين [701].
([4]) فتح الباري (2/575).
([5]) انظر: فتح الباري (2/575).
([6]) إعلام المسافرين (ص 25).
([7]) إعلام المسافرين (ص 29 ـ 30).



رابعًا: صلاة الجماعة:
• حكم صلاة الجماعة في حق المسافر:

المسافر إذا لم يكن نازلاً فإنه لا تجب عليه صلاة الجماعة، إلا إذا كانوا جماعة مسافرين فإنه يلزمهم في هذه الحالة أن يؤذنوا لصلاة الفريضة، وأن يصلوها جماعة، فعن مالك بن الحويرث قال: أتى رجلان النبي صلى الله عليه وسلم يريدان السفر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا أنتما خرجتما فأذّنا ثم أقيما ثم ليؤمكما أكبركما))([1]), وفي رواية للترمذي([2]): ((إذا سافرتما فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما))، وقال: "والعمل عليه عند أكثر أهل العلم، يختارون الأذان في السفر، وقال بعضهم: تجزئ الإقامة، إنما الأذان على من يريد أن يجمع الناس، والقول الأول أصح، وبه يقول أحمد وإسحاق".
وأما إذا كان المسافر نازلاً في بلد، فإن كان في مكان يُسمع منه النداء فإنه تجب عليه حينئذ صلاة الجماعة، وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن رجل في سفر يسمع النداء للصلاة من مكان إقامته، فهل يجب عليه أن يصلي في المسجد؟
فأجاب: "إذا سمعتَ الأذان وأنت في محل الإقامة وجب عليك أن تحضر إلى المسجد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي استأذنه في ترك الجماعة: ((هل تسمع النداء؟)) قال: نعم، قال: ((فأجب))([3])، وقال عليه الصلاة والسلام: ((من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر))([4]).
وليس هناك دليل يدل على تخصيص المسافر من هذا الحكم إلا إذا كان في ذهابك للمسجد تفويتُ مصلحة لك في السفر، مثل أن تكون محتاجًا إلى الراحة والنوم فتريد أن تصلي في مقر إقامتك من أجل أن تنام، أو كنت تخشى إذا ذهبت إلى المسجد أن يتأخر الإمام في الإقامة وأنت تريد أن تسافر، وتخشى من فوات الرحلة عليك، أو ما أشبه ذلك"([5]).

• ائتمام المقيم بالمسافر والعكس:

لا خلاف بين العلماء في صحة صلاة المقيم خلف المسافر، وأنه إذا سلّم الإمام المسافر من ركعتين قام المقيم ليتم صلاته([6]).
وذهب جمهور العلماء إلى أن المسافر إذا اقتدى بالمقيم فصلاته صحيحة، وأن عليه الإتمام سواء أدرك أول الصلاة أو آخرها؛ لما أخرجه مسلم([7]) عن موسى بن سلمة الهذلي قال: سألت ابن عباس: كيف أصلي إذا كنت بمكة إذا لم أصل مع الإمام؟ فقال: (ركعتين سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم)، وفي لفظ عند أحمد([8]) قال: إنا إذا كنا معكم صلينا أربعًا، وإذا رجعنا إلى رحالنا صلينا ركعتين؟! قال: (تلك سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "يجب على من ائتم بمقيم وهو مسافر أن يتم الصلاة سواء أدرك الصلاة من أولها، أو أدرك الركعتين الأخيرتين، أو أدرك ركعة، أو حتى لو أدرك التشهد الأخير، يجب عليه أن يتم صلاته لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتمّوا))([9])"([10]).

_____________________________________

([1]) أخرجه البخاري في كتاب الأذان [630]، ومسلم في المساجد [674].
([2]) في كتاب الصلاة من سننه [205].
([3]) رواه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة [653] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
([4]) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة [551]، وابن ماجه في كتاب المساجد [793] من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه[645].
([5]) إعلام المسافرين (ص 37 ـ 38).
([6]) انظر: المغني لابن قدامة (3/146).
([7]) في كتاب صلاة المسافرين من صحيحه [688].
([8]) في المسند (1/216).
([9]) أخرجه البخاري في كتاب الأذان [636]، ومسلم في كتاب المساجد [602] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
([10]) إعلام المسافرين (ص 39).

محب السنة
12-11-2004, 04:31 AM
جزاك الله خيرا

12d8c7a34f47c2e9d3==