المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نشْرُ الْعِطْر في شرح أحاديث زَكَــا ةِ الْفِطْــرِ


كيف حالك ؟

شعيب الاسماعيلي
11-08-2004, 04:05 AM
الحديث الأول:
عن ابن عمر رضي الله عنه قال :" فرض رسول الله صلى الله عليه و سلم زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد و الحر ، و الذكر و الأنثى ، و الصغير و الكبير من المسلمين ، و أمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة ". رواه البخاري و مسلم ، واللفظ للبخاري

الشـــرح:

قوله:" فرض ": معناه ألزم و أوجب ، وهذا تفسير الجمهور سلفاً و خلفاً، فزكاة الفطر عندهم فرض واجب لدخولها في عموم قوله تعالى :" و آتوا الزكاة ".قال إسحاق بن راهوية : إيجاب زكاة الفطر كالإجماع. و نقل ابن المنذر و غيره الإجماع على ذلك أيضاً.
قال الحافظ : وفي نقل الإجماع نظر لأن إبراهيم بن علية وأبا بكر بن كيسان الأصم قالا إن وجوبها نسخ ، ونقل المالكية عن أشهب أنها سنة مؤكدة ،وهو قول بعض أهل الظاهر و ابن اللبان من الشافعية ".
و زاد النووي فقال : و داود في آخر أمره قال إنها سنة ، ليست واجبة "، و الصواب أنها فرض واجب .
قوله:" زكاة الفطر ":أضيفت الزكاة إلى الفطر لكونها تجب بالفطر من رمضان .

قوله: الفطر من رمضان ": فيه مسائل:

المسألة الأولى: وقت وجوب زكاة الفطر : و فيها قولين :

القول الأول : هو غروب الشمس ليلة الفطر ، لأنه وقت الفطر من رمضان ، وهذا مذهب أحمد و الشافعي في الجديد و إحدى الروايتين عن مالك .

القول الثاني : هو طلوع الفجر من يوم العيد ،و لأن الفطر الحقيقي يتبين بالأكل بعد الفجر ،وهذا قول أبي حنيفة و الشافعي في القديم و الرواية الثانية عن مالك .

قال ابن دقيق العيد : الاستدلال بذلك لهذا الحكم ضعيف لأن الإضافة إلى الفطر لا تدل على وقت الوجوب بل تقتضي إضافة هذه الزكاة إلى الفطر من رمضان ،و أما وقت الوجوب فيطلب من أمر آخر .
قال الحافظ : و يقويه ( أي القول الثاني ) قوله في الحديث الباب " وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة " . متفق عليه.


المسألة الثانية: وقت انتهاء الوجوب:

قال النووي:قوله:" وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة "،فيه دليل للشافعي والجمهور في انه لا يجوز تأخير الفطرة عن يوم العيد " ...فإن أخر أثم ولزمه القضاء كما في المغني .
ومن أهل العلم من قال ينتهي وقتها بانتهاء الصلاة فأن أخرجها بعد الصلاة فلا تجزئ وتكن صدقة، و سيأتي .

المسألة الثالثة:- تعجيل إخراج الزكاة:

جـاء في صحيح البخاري من حديث ابن عمر:"و فيه كان ابن عمر يُعطيها الذين يقبلونها ،وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين ".وقد روى ابن خزيمة ومالك هذا من فعله رضي الله عنهما- قال البخاري- كما في نسخة الصغاني:" كانوا يعطون للجمع لا للفقراء ". ويدل على ما تقدم حديث أبي هريرة عند البخاري قال :" وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان "..وفيه انه امسك الشيطان ثلاث ليال وهو يأخذ من التمر ، فدل على أنهم كانوا يعجلونها.
فالذي يظهر والله اعلم أن اثر ابن عمر إنما يدل على جواز إعطاء صدقة الفطر قبل الفطر بيوم أو يومين ليجمع لا للفقراء فلم يقم عليه دليل .من التحفة
قال الإمام مالك : لا يجوز التعجيل مطلقاًَ،في المشهور عنه،(وهذا قول ابن حزم)وقال أحمد :لا تقدم على وقت وجوبها إلا كيوم أو يومين وقال أبو حنيفة و الشافعي يجوز تقديمهما أول الشــهر.


المسألة الرابعة:-متى يخرجها:

جاء في حديث ابن عمر السابق:" قبل الخروج إلى الصلاة ".فقال الشافعي ،أن الأفضل إخراجها قبل الخروج إلى المصلى ،وذهب جمهور الفقهاء إلى أن تأخيرها عن الصلاة مكروه(كراهة تحريم)،وعند الحنفية وقال ابن حزم :يحرم تأخيرها حيى ينتهي وقت صلاة العيد ،وقال الشوكاني إلى أن إخراجها قبل الصلاة واجب لحديث ابن عباس مرفوعاً :" ف من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات ". أبو داود وابن ماجة بسنـد قوي ن وبهذا قال ابن تيمية وابن القيم وابن عثيمين .

قال صاحب عون المعبود : و الظاهر أن من أخرج الفطرة بعد الصلاة كان كمن لم يخرجها باعتبار اشتراكهما في ترك هذه الصدقة الواجبة ،و قد ذهب أكثر أهل العلم إلى أن إخراجها قبل صلاة العيد إنما هو مستحب فقط ،و جزموا بأنها تجزئ إلى آخر يوم الفطر ،و الحديث يرد عليهم (أي حديث ابن عباس مرفوعاً: من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ،و من أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات").

قوله :" صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير "، و حديث أبي سعيد المتفق عليه :"صاعاً من طعام ، أو صاعاً من شعير أو صاعاً من تمر أو صاعاً من أقط أو صاعاً من زبيب ".
الصاع : أربعة أمداد بمد النبي صلى الله عليه وسلم ،و فيه رطل و ثلث ، فالصاع خمسة أرطال و ثلث هذا مذهب أهل المدينة ، و إليه ذهب مالك و أحمد و الشافعي ،و قال أبو حنيفة : المد رطلان و الصاع ثمانية أرطال
ويقدر في وقتنا بإثنين و ربع كيلو من الحب الجيد الرزين .
دلّ الحديث أيضاً على أن الواجب في زكاة الفطر صاع عن كل نفس .

( فائـــدة )


قوله " صاعاً من شعير أو صاعاً من تمر " ( أو ) هاهنا لا يصح أن تكون للتخيير، و إنما هي للتقسيم ولو كانت للتخيير لاقتضى أن يخرج الشعير من قوته من التمر مع وجوده ، ولا يقول هذا أحد ، فتقديره صاعاً من تمر على من كان ذلك قوته أو صاعاً من شعير على من كان ذلك قوته . المنتقى للباجي
قوله :" طعام ": الطعام في كلام العرب واقع على كل ما يتطعم ، ولكنه في عرف الاستعمال واقع على قوت الناس من البر ، وهذا يدل على إخراج البر في زكاة الفطر جائز و إلى هذا ذهب جماعة من أهل العلم خلافاً للظاهرية .

فصل : المقدار الواجب و مما يكون .


القول الأول : الواجب صاع من كل طعام ، و هذا مذهب الجمهور لحديث أبي سعيد قوله:" صاعاً من طعام ، أو صاعاً من شعير .." قال ابن المنذر : أن أبا سعيد أحمل الطعام ثم فسّره ، و يؤيده ما رواه البخاري أنه قال :" كنا نخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفطر صاعاً من طعام – قال أبو سعيد – و كان طعامنا الشعير و الزبيب و الأقط و التمر ". قال الحافظ : وكأن الأشياء التي ثبت ذكرها في حديث أبي سعيد لمّا كانت متساوية في مقدار ما يخرج منها مع ما يخالفها في القيمة دلّ على أن المراد إخراج هذا المقدار من أي جنس كان ".
قال النووي :" و حجة الجمهور حديث أبي سعيد ، و الدلالة فيه من وجهين : الوجه الأول : أن الطعام في عرف أهل الحجاز أسم للحنطة خاصة، لا سيما و قد قرنه بباقي المذكورات ، الثاني : أنه ذكر أشياء قيمتها مختلفة ، و أوجب في كل نوع منها صاعاً ، فدلّ على أن المعتبر صاع و لا نظر على قيمته ،
قال القاري في المرقاة : قال علماؤنا : المراد بالطعام المعنى العام فيكون عطف ما بعده عليه من باب عطف الخاص على العام ".
القول الثاني : الواجب صاع من كل طعام إلا القمح ، وهذا مذهب الحنفية و الأوزاعي و الليث و ابن المنذر و ابن تيمية و ابن القيم ، و عليه يكون الصاع الواجب في غير القمح بالاتفاق .
و استدل أصحاب القول الثاني بحديث معاوية في الصحيحين عن معاوية : أنه كلّم الناس على المنبر ، فقال : إني أرى أن مدين من سمراء الشام يعدل صاعاً من تمر ، فأخذ الناس بذلك ، قال أبو سعيد : فأما أنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه أبداً ما عشت ". قال النووي: و ليس للقائلين بنصف صاع حجة إلا حديث معاوية ، و سنجيب عنه –إن شاء الله – ، واعتمدوا أحاديث ضعيفة ضعفها أهل الحديث و ضعفها بيِّن... و الجمهور يجيبون عنه بأنه قول صحابي ،و قد خالفه أبو سعيد و غيره ممن هو أطول صحبة و أعلم بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم ،و إذا اختلفت الصحابة لم يكن قول بعضهم بأولى من بعض ، فنرجع إلى دليل آخر ،وجدنا ظاهر الأحاديث و القياس متفقا على اشتراط الصاع من الحنطة و غيرها ،فوجب اعتماده ،وقد صرح معاوية بأنه رأي رآه لا أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ،ولو كان عند أحد من حاضري مجلسه مع كثرتهم في تلك اللحظة علم في موافقة معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم لذكره كما جرى لهم في غير هذه القصة ".

قال الحافظ : و في صنيع معاوية و موافقة الناس له دلالة على جواز الاجتهاد وهو محمود لكنه مع وجود النص فاسد الاعتبار .

قال صاحب تحفة الأحوذي : و استدِلَّ لمن قال بنصف صاع من البر بأحاديث كلها ضعيفة ذكر الترمذي بعضاً منها و أشار إلى بعضها .

قال الشوكاني : و يمكن أن يقال إن البر على تسليم دخوله تحت لفظ الطعام مخصص بأحاديث نصف الصاع من البر و هذه الأحاديث بمجموعها تنتهض للتخصيص .

قال ابن القيم عن نصف الصاع في البر : و فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم آثار مرسلة و مسندة يقوي بعضها بعضاً.
قال الألباني : وقد ورد من طريق يقوي بعضها بعضاً ، أن البر صدقته نصف صاع .


مسألة: مما تُخرج زكاة الفطر ؟

قال النووي في شرح مسلم : قال القاضي : و اختلف في النوع المخرج ، فأجمعوا أنه يجوز البر و الزبيب و التمر و الشعير إلا خلافاً في البر لا يعتد بخلافه ، وخلافاً في الزبيب لبعض المتأخرين و كلاهما مسبوق بالإجماع ،و أما الأقط فأجازه مالك و الجمهور و منعه الحسن ،و اختلف فيه قول الشافعي و قال أشهب لا تخرج إلا هذه الخمسة و قاس مالك على الخمسة كل ما هو عيش أهل كل بلد من القطاني و غيره و عن مالك قول آخر أنه لا يجزئ غير المنصوص في الحديث و ما في معناه .
*و اعلم أن الأصناف التي وردت في الحديث ليست تعبدية عند المالكية و الشافعية ، ولهذا كان الواجب عندهم إخراج غالب قوت البلد و المراد بالاقتيات : أن يصبح قوته و عيشه منه في زمن الرخاء و الشدة معاً لا في زمن الشدة وحده ،و لهذا أجازوا إخراج اللحم و اللبن و نحوه مادام قوتاً و يخرجه حينئذ بالوزن .

و ذهب الحنابلة إلى أنه لا يجوز العدول عن الأصناف الخمسة مع القدرة سواء كان المعدول إليه قوت بلده أو لم يكن ،و يجوز إخراج الدقيق عند الحنفية و الحنابلة لأنه مما يكال . المغني

قال الشيخ ابن عثيمين : أن كل ما كان قوتاً من حب و تمر و لحم و نحوها فهو مجزئ سواء عدم الخمسة أو لم يعدمها لحديث أبي سعيد :" و كان طعامنا يومئذ الشعير و التمر و الزبيب و الأقط ". رواه البخاري.

مسألة : هل تجوز الزيادة على الصاع ؟

ذهب بعض المالكية إلى كراهية الزيادة على الصاع ، لأنه تحديد من الشارع . الشرح الكبير للدردير

مسألة : هل يجوز إخراج قيمة الصاع في زكاة الفطر ؟

قال النووي في شرح مسلم : قال القاضي : و لم يجز عامة الفقهاء إخراج القيمة ، وأجازها أبو حنيفة .
قلت : القول بالمنع قول مالك و الشافعي و أحمد و ابن حزم .
و قال الثوري و أبو حنيفة : يجوز إخراج القيمة ،و روي ذلك عن عمر بن عبد العزيز و الحسن البصري .
· و الصحيح قول الجمهور لأن الزكاة عبادة من جنس متعين فلا يجزئ إخراجها من غير الجنس المعين و لأنه خلاف ما أمر به الشارع ،و لأنه خلاف عمل الصحابة ،و للقاعدة التي تقول: أنه لا ينتقل إلى البدل ألا عند فقد المبدل عنه،و أن الفرع إذا عاد على الأصل بالبطلان فهو باطل.
· و مع العذر و الضرورة يجوز إخراج القيمة ،و هذا قول إسحاق ،و أبي ثور،و ابن تيمية ،و الشوكاني
· قال النووي في المجموع :و من مواضع الضرورة التي تجزئ فيها القيمة ما إذا ألزمهم السلطان بالقيمة و أخذها منهم فإنها تجزئهم .

فصل : ذكر أفضل ما يخرج .

ورد في البخاري: أن ابن عمر كان يعطي التمر ، فأعوز أهل المدينة من التمر فأعطى الشعير ...
قال الحافظ: فيه دلالة على أن التمر أفضل ما يخرج في صدقة الفطر ،و قد روى الفريابي من طريق أبي مجلز قال: قلت لابن عمر: قد أوسع الله ،و البر أفضل من التمر،أفلا تعطي البر ؟ قال: لا أعطي إلا كما كان يعطي أصحابي.و يستنبط من ذلك أنهم كانوا يخرجون من أعلى الأصناف التي يقتات بها لأن التمر أعلى من غيره مما ذكر في حديث أبي سعيد و إن كان ابن عمر فهم منه خصوصية التمر بذلك،و الله أعلم".

· فإن كان رجل يقتات بغير قوت بلده فينظر فإن اقتات أفضل من قوتهم فلأفضل له أن يخرج من قوته فإن أخرج من قوت بلده أجزئه لأنه هو الذي يلزمه و زاد على قوت الناس فإنما هو بمعنى الترفه و التفكه فليس عليه إخراجه و إن كان يقتات دون قوت الناس فلا يخلو أن يكون ذلك من عسر أو بخل فإن كان من عسر لم يلزمه غير قوته، لأنه غير واجد لأكثر منه ، فإن كان يفعل ذلك ابخل لزمه أن يخرج زكاة الفطر من قوت الناس لأن حق الزكاة يتعلق بذلك فتقصيره هو في نفسه لا يسقط عنه الزكاة. المنتقى للباجي

قوله:" على كل حر أو عبد ، ذكر أو أنثى من المسلمين ". رواه الجماعة عن ابن عمر
و عنه أيضاً:" على العبد و الحر ،و الذكر والأنثى ،و الصغير و الكبير من المسلمين " ... رواه البخاري
و عن أبي هريرة :" على كل حر و عبد ، ذكر و أنثى ، صغير و كبير ، فقير أو غني " ... رواه أحمد
قال النووي في شرح مسلم:" فيه دليل على أنها تجب على أهل القرى و الأمصار ،و البوادي و الشعاب و كل مسلم حيث كان و به قال مالك و أبو حنيفة و الشافعي و أحمد و جماهير العلماء ،و عن عطاء و الزهري و ربيعة و الليث أنها لا تجب على أهل الأمصار و القرى دون البوادي ".


فصل : ذكر من تجب عليه الزكاة.


أولاً : العبــــد : لحديث ابن عمر و أبي هريرة و فيه :" ..على كل حر أو عبد.. ". متفق عليه .
أما الحر فلا خلاف فيه ،و أما العبد فإن داود أخذ بظاهر الحديث فأوجبها على العبد بنفسه ،و أوجب على السيد تمكينه من كسبها كما يمكنه من الصلاة ،و مذهب الجمهور وجوبها على سيده عنه ، قال النووي في شرح مسلم :و عند أصحابنا في تقديرها وجهان : أحدهما : أنها تجب على السيد ابتداءً ،و الثاني : تجب على العبد ثم يحملها عنه سيده ، فمن قال بالثاني تكون عنده لفظة ( على ) عل ظاهرها ،و من قال بالأول قال : لفظة ( على ) بمعنى (عن) . قال الحافظ : و إلى الثاني نحا البخاري . قال الخطابي : ظاهره إلزام العبد نفيه إلا أنه لا ملك له فيلزم السيد إخراجه عنه . العون
قلت : الصحيح قول الجمهور لحديث أبي هريرة عند مسلم مرفوعاً:" ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر".
قال النووي: قوله " في العبد " صريح في وجوب صدقة الفطر على السيد عن عبده سواء كان للقنية أم للتجارة وهو مذهب مالك و الشافعي و الجمهور ،و قال أهل الكوفة :لا يجب في عبيد التجارة .
قال العثيمين : فيكون هذا الحديث –حديث أبي هريرة- مخصصاً لحديث ابن عمر فيما يتعلق بزكاة الفطر عن العبد.

ثانياً : الأنثــى : لحديث ابن عمر و أبي هريرة و فيه :" ..ذكر أو أنثى ..". متفق عليه
أما الذكر فلا خلاف فيه ،و أما الأنثى " فأن ظاهر الحديث وجوبها على المرأة سواء كان لها زوج أم لا و به قال الثوري و أبو حنيفة و ابن المنذر ،و قال مالك وأحمد و إسحاق تجب على زوجها إلحاقاً بالنفقة ،و فيه نظر لأنهم قالا إن أعسر و كانت الزوجة أمة وجبت فطرتها على السيد بخلاف النفقة فافترقا ،و اتفقوا على أن المسلم لا يخرج عن زوجته الكافرة مع أن نفقتها تلزمه ،و إنما احتج الشافعي بما رواه من طريق محمد بن علي الباقر مرسلاً نحو حديث ابن عمر و زاد فيه :" ممن تمونون" و أخرجه البيهقي من هذا الوجه فزاد في إسناده ذكر علي وهو منقطع أيضاً ،و أخرجه من حديث ابن عمر و إسناده ضعيف أيضاً. قاله الحافظ في الفتح
قال النووي في شرح مسلم : وقوله" ..ذكر أو أنثى " حجة للكوفيين في أنها تجب على الزوجة في نفسها ،و يلزمها إخراجها من مالها.."
قال العثيمين : فالصحيح أن زكاة الفطر واجبة على الإنسان بنفسه فتجب على الزوجة بنفسها و على الأب بنفسه و على الابنة بنفسها و هكذا و لا تجب على الشخص عمن يمونه من زوجة و أقارب .


ثالثاً : الصغيــر : لحديث ابن عمر و أبي هريرة و فيه :" ..صغير و كبير . .". متفق عليه
أما الكبير فلا خلاف فيه ،و أما الصغير فظاهر الحديث يدل على وجوبها على الصغير ،لكن المخاطب عنه وليه فوجوبها على هذا في مال الصغير ،و إلا فعلى من تلزمه نفقته و هذا قول الجمهور .و قال محمد بن الحسن : هي على الأب مطلقاً فأن لم يكن له أب فلا شيء عليه ،و عن سعيد بن المسيب و الحسن البصري لا تجب إلا على من صام ،و استدل لهما بحديث ابن عباس مرفوعاً:" صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو و الرفث". أخرجه أبو داود ،و أُجيب بأن ذكر التطهير خرج مخرج الغالب كما أنها تجب على من لا يذنب كمتحقق الصلاح أو من أسلم قبل غروب الشمس بلحظة . قاله الحافظ في الفتح و النووي في شرح مسلم

الجنيـــن: نقل ابن المنذر الإجماع على أنها لا تجب على الجنين قال : و كان أحمد يستحبه و لا يوجبه ،و نقل عن بعض الحنابلة رواية عنه بالإيجاب . و به قال ابن حزم لكن قيّده بمائة و عشرين يوماً من يوم حمل أمه به ،و تعقب بأن الحمل غير محقق و بأنه لا يسمى صغيراً عرفاً . قاله الحافظ في الفتح
قلت : و استدل ابن حزم بفعل عثمان : أنه كان يعطي صدقة الفطر عن الصغير و الكبير و الحمل . رواه بسنده إليه في المحلى . و بقول ابن حزم قال العثيمين : لأن سنة عثمان تعتبر من سنة الخلفاء الراشدين الذين أمرنا باتباع سنتهم فإن لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم سنة تدفع ما سنّه الخلفاء فسنة الخلفاء شرع متبع .

الفقيــر : : لحديث أبي هريرة و فيه :" ..فقير أو غني . .". رواه أحمد
أما الغني فلا خلاف فيه ،و أما الفقير فاختلفوا فيه على قولين :

القول الأول : وهو قول الجمهور من المالكية و الشافعية و الحنابلة بأنها واجبة على الفقير كما تجب على الغني لحديث أبي هريرة هذا و حديث ابن عباس مرفوعاً و فيه أنها :" طهرة للصائم ". رواه أبو داود وهو عام يشمل الغني و الفقير .
القول الثاني : وهو قول الحنفية بأنها لا تجب على إلا على الغني المالك للنصاب ، لما رواه البخاري معلقاً و النسائي :"لا صدقة إلا عن ظهر غنى ". و أجاب ابن قدامة عن استدلالهم بهذا الحديث فقال : فهذا محمول على صدقة المال ،و هذه صدقة خاصة عن البدن و النفس . و على هذا يكون شرط إخراج زكاة الفطر :
1- الإسلام .
2- أن يملك فاضلاً عن قوته و قوت عياله يوم العيد ،و هذا مذهب الجمهور

مسألة : الدَين لا يمنع زكاة الفطر إذا كان مؤجلاً.

تعتبر هذه المسألة من الفروق بين زكاة المال و زكاة الفطر ، ذلك أن الدين يمنع وجوب زكاة المال لأن الدين يتعلق بالمال ،و زكاة الفطر تتعلق بالذمة ،و إنما منعها بطلبه من أجل إيفاء الدين للمطالب به لقول النبي صلى الله عليه و سلم :" مطل الغني ظلم ". متفق عليه ، فلهذا نقول إذا كان مطالباً به قال له صاحبه : أعطني ديني و ليس عنده إلا صاع فإنه يعطيه هذا الصاع و تسقط عنه زكاة الفطر ،و هذا مذهب الحنابلة ،و رجح العثيمين قول من قال : لا يمنعها مطلقاً سواء طولب به أو لم يطالب به و أن الدين لا يمنعها إلا أن يكون خالاً قبل وجوبها فإنه يؤدي الدين و تسقط عنه زكاة الفطر .

قوله :" من المسلمين ".
قال النووي: صريح في أنها لا تخرج إلا عن مسلم ، فلا يلزمه عن عبده و زوجته و ولده الكفار ،و إن وجبت نفقتهم ،و هذا مذهب مالك و الشافعي و جماهير العلماء ،و قال الكوفيون و إسحاق و بعض السلف تجب عن العبد الكافر ،و تأول الطحاوي قوله :" من المسلمين " أي السادة دون العبيد ،و هذا يرده ظاهر الحديث .

قال الحافظ: و استدل بهذه الزيادة على اشتراط الإسلام في وجوب زكاة الفطر و مقتضاه أنها لا تجب على الكافر عن نفسه وهو أمر متفق عليه ،و هل يخرجها عن غيره كمستولدته المسلمة مثلاً؟ نقل ابن المنذر فيه الإجماع على عدم الوجوب ، لكن فيه وجه للشافعية و رواية عن أحمد ،و هل يخرجها المسلم عن عبده الكافر ؟ قال الجمهور:لا ،خلافاً لعطاء و النخعي و الثوري و الحنفية و إسحاق ،و استدلوا بعموم قوله عليه الصلاة والسلام :" ليس على المسلم في عبده صدقة إلا صدقة الفطر ". و قد تقدم الكلام عليه ، و أجاب الآخرون بأن الخاص يقضي على العام ، فعموم قوله :" في عبده " مخصوص بقوله " من المسلمين " ، وقال الطحاوي قوله :" من المسلمين" صفة للمخرجين لا للمخرج عنهم ،و ظاهر الحديث يأباه لأن فيه العبد و كذا الصغير في رواية عمر بن نافع و هما ممن يخرج عنه فدلّ على أن صفة الإسلام لا تختص بالمخرجين ..
قلت: و مذهب أحمد لا يخرج عن عبده الكافر وفاقاً للجمهور .
و إلى هنا ينتهي الكلام على الحديث الأول


الحديث الثاني :
عن ابن عباس قال :" فرض رسول الله صلى الله عليه و سلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو و الرفث ،و طعمة للمساكين ، من أدّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ،و من أدّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات ". رواه أبو داود بسند جيد كما في تخريج المشكاة
الشـــرح:
:
قوله :" طهرة للصائم من اللغو و الرفث " أي تطهير نفس من صام من اللغو وهو ما لا ينعقد عليه القلب من القول ،و الرفث وهو هاهنا الفحش من الكلام .
قوله:" و طعمة للمساكين" فيه دليل على أن الفطرة تصرف في المساكين دون غيرهم من مصارف الزكاة ،و هذا مذهب المالكية و أحد القولين عند أحمد ،و رجحه شيخ الإسلام و ابن القيم .
و قال الشافعية يجوز قسمتها على الأصناف الثمانية ،و قال الجمهور يجوز قسمتها على الأصناف الثمانية ،و يجوز تخصيصها بالفقراء .


الحديث الثالث :
· كان ابن عمر يعطيها للذين يقبلونها .... رواه البخاريالشـــرح:
:
قال الحافظ في الفتح : أي الذي ينصبه الإمام لقبضها ، به جزم ابن بطال ،و قال ابن التيمي : معناه من قال أنا فقير ،و الأول أظهر .
و عند مالك في الموطأ في كتاب الزكاة باب وقت إرسال زكاة الفطر : أن ابن عمر كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيوم أو يومين .

قال الباجي في المنتقى شرح الموطأ : و ذلك يقتضي أنه كان نصب لها الإمام أو من كان إليه الأمر رجلاً يرسل إليه بها فتجتمع عنده حتى يضعها في وقتها حيث رأى ، قال مالك :و إذا كان الإمام عدلاً فإرسالها إليه أحب إليّ ،و ذلك أن أهل الحاجة و الفاقة إنما يقصدون الإمام و يطلبون منه لكونه بيت المال بيديه فإذا كان من أهل العدل فدفع هذه الحقوق إليه أولى ليضعها في نوائب المسلمين و ما يعتريه من ضروراتهم و مواضع حاجاتهم .
مسألة : فإن أخرجها من هي عليه دون أن يرسلها أجزأته ، لأنها ليست من الأموال الظاهرة التي يبعث الإمام فيها ،و إنما هي إلى أمانة من يخرجها .

مسألة أخرى : و لا يرسل الإمام فيها من يطلب الناس بها كما يفعل في زكاة الماشية و الثمار و الحبوب ،و إنما ينصب لذلك من يثقه من أهل الدين و الفضل فمن شاء أن يرسل إليه فطرته قبضها ،و من ولي إخراجها لم يطلب منه شيئاً ،و لا يجوز لمن وليها عن نفسه أن يخرجها قبل وقت وجوبها هذا المشهور من مذهب مالك.
و إلى هنا ينتهي الكلام على أحكام زكاة الفطر
و الحمد لله رب العالمين

بوخالد
11-10-2004, 01:41 AM
جزاك الله خيرا ، للرفع والتذكير

مشعل عبدالله
11-12-2004, 07:40 PM
بارك الله فيك

12d8c7a34f47c2e9d3==