المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أسباب الشقاق - الشيخ عبدالمحسن العبيكان حفظه الله


كيف حالك ؟

مشعل عبدالله
10-26-2004, 02:00 AM
كنا قد تناولنا في الحلقة الماضية الوجه الثاني من اوجه موالاة الكفار وهو أن يكون لاجل تحصيل مصلحة خاصة للمتولي والمظاهر.
والان نعرض للوجه الثالث وهو: ان تكون بسبب خوف من الكفار ونحوه، فالحكم في ذلك الجواز بشرط ان يكون هذا التولي في الظاهر من دون الباطن.
الدليل: قوله تعالى: (إلا ان تتقوا منهم تقاه) «آل عمران: 28». قال ابن كثير رحمه الله: «اي إلا من خاف في بعض البلدان والاوقات من شرهم، فله ان يتقيهم بظاهره لا بباطنه ونيته. كما قال البخاري عن ابي الدرداء: انه قال: «انا لنكشر في وجوه اقوام وقلوبنا تلعنهم» أ هـ.
وقال الشيخ محمد رشيد رضا: «يزعم الذين يقولون في الدين بغير علم، ويفسرون القرآن بالهوى في الرأي، ان آية آل عمران وما في معناها من النهي العام والخاص كقوله تعالى: (يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى اولياء بعضهم اولياء بعض) «المائدة: 51»، يدل على انه لا يجوز للمسلمين ان يحالفوا او يتفقوا مع غيرهم، وان كان الخلاف او الاتفاق لمصلحتهم، وفاتهم ان النبي صلى الله عليه وسلم كان محالفا لخزاعة وهم على شركهم، بل يزعم بعض المتحمسين في الدين على جهل انه لا يجوز للمسلم ان يحسن معاملة غير المسلم او معاشرته او يثق به في امر من الامور. وقال ايضا: «وعلى هذا يجوز لحكام المسلمين ان يحالفوا الدول غير المسلمة لاجل فائدة المؤمنين بدفع الضرر او جلب المنفعة» أهـ ومتى وجدت الموالاة والمظاهرة للكفار، فإن الذي سيطبق نوع هذه الموالاة والمظاهرة على من فعلها عليه ان يتقي الله في عدم التسرع وعليه ان يعرف حقيقة الامر وباطنه، فالورع عن اكل المحرمات وفعل المنكرات ليس بأولى من الورع في اخراج مسلم عن ملة الاسلام، والفتوى في مثل هذه القضايا العامة التي تتعلق بتعامل الدول مع بعضها والحكام مع بعضهم ليست من حق كل احد من طلبة العلم، بل من اختصاص كبار العلماء الذين يتصلون بولاة الامر ويعرفون حقيقة الاوضاع فغالبا ما تكون الامور المعلنة مخالفة للواقع الخفي، فالمفتي مثل الطبيب الذي يشخص الداء اولا، ثم يصف الدواء وبعض المفتين، مثل الصيادلة عندهم علم بالنصوص، لكنهم لا يستطيعون تطبيق تلك النصوص على الواقع، كما ان الفتاوى الفردية في الامور العامة تدعو الى تشعب الفتاوى واختلافها ثم الى اختلاف الامة وانقسامها وشق عصا الطاعة في وقت تكون الامة بحاجة ماسة الى الاجتماع ووحدة الكلمة، ومن سبر حال النبي صلى الله عليه وسلم مع المشركين وتعامله معهم اتضح له معنى تلك النصوص ومراعاتها للمصالح واعتبارها لدرء المفاسد وذلك عندما يصالح النبي صلى الله عليه وسلم مشركي قريش في الحديبية مدة عشر سنين وهو بذلك يمكنهم من البقاء في مكة على شركهم وتدنيس البيت بالشرك ونصب الاوثان ويتضمن الصلح ايضا ما جاء في صحيح البخاري ونصه: «فلما أبى سهيل ان يقاضي رسول الله صلى الله عليه وسلم الا على ذلك، كاتبه رسول الله فرد رسول الله ابا جندل بن سهيل يومئذ الى ابيه سهيل بن عمرو ولم يأت رسول الله احد من الرجال الا رده في تلك المدة وان كان مسلما».
ولو ان حاكما بعد النبي صلى الله عليه وسلم فعل مثل ذلك، وقام برد المسلمين وتسليمهم الى الكفار لحكم عليه بعض المنتسبين الى العلم بالكفر والردة.
فنصيحتي للمسلمين عامة وطلبة العلم، خاصة ان يكفوا عن اسباب الشقاق بين المسلمين لأن هذا مما يخدم الاعداء المتربصين وعليهم ان يسعوا جاهدين لتوحيد الكلمة ووحدة الصف. قال تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) «آل عمران: 103». وقال صلى الله عليه وسلم: «من اتاكم وامركم جميع على رجل واحد منكم يريد ان يشق عصاكم ويفرق جماعتكم فاقتلوه كائنا من كان».
وفقهاء الأمة والعلماء الربانيون يراعون في اصدار الفتاوى القواعد الشرعية، مثل قاعدة: «جلب المصالح وتكثيرها ودفع المفاسد وتقليلها»، وقاعدة: «ارتكاب ادنى المفسدتين لدفع اعلاهما»، نسأل الله الكريم ان يجمع شمل المسلمين وان يوحد صفوفهم على الحق وينصرهم على اعدائهم ويعز دينه ويعلي كلمته.


مقالة نشرت فى جريدة الشرق الأوسط

12d8c7a34f47c2e9d3==