المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ترجمة وافية للإمام الجهبذ / أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة -رحمه الله تعالى وغفر له


كيف حالك ؟

بوخالد
09-30-2004, 06:36 PM
"المُقَدِّمَةٌ:


إنَّ اَلْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتٍ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اَللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ, وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ, يَا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اَللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ يَا أَيُّهَا اَلنَّاسُ اِتَّقُوا رَبَّكُمُ اَلَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اَللَّهَ اَلَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اَللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا يَا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اَللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اَللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا .
وَبَعْدُ:

1- تمهيد للدخول في الترجمة :
عصر ابن خزيمة :( 223- 310هـ)


أَوَّلاً - اَلأَحْوَالُ اَلسِّيَاسِيَّةُ :

إِنَّ اَلظُّرُوفَ اَلَّتِي تُحِيطُ بِالشَّخْصِ وَالْبِيئَةِ اَلَّتِي يَعِيشُ فِيهَا لَهُمَا أَثَرٌ كَبِيرٌ عَلَى حَيَاةِ اَلْإِنْسَانِ, وَإِضْفَاءِ لَوْنٍ خَاصٍّ عَلَيْهَا وَتَأَثُّرُهُ بِكُلِّ هَذِهِ اَلظُّرُوفِ اَلَّتِي تُحِيطُ بِهِ وَتَكْتَنِفُهُ.


فِي عَهْدِ اَلْخِلافَةِ اَلْعَبَّاسِيَّةِ , وَكَانَتِ اَلْحَيَاةُ اَلسِّيَاسِيَّةُ فِي ذَلِكَ اَلْعَصْرِ مَلِيئَةً بِالأَحْدَاثِ اَلْجِسَامِ وَالْمَصَائِبِ اَلْمُتَلاحِقَةِ , وَهِيَ اَلْفَتْرَةُ اَلَّتِي وَاكَبَتْ مَا وَقَعَ فِي اَلدَّوْلَةِ مِنْ أَحْدَاثٍ هَامَةٍ بَعْدَ أَنْ عَصَفَتْ بِالْخِلَافَةِ اَلإْسْلامِيَّةِ . وكان هذا بداية التفكك للدولة العباسية ،

حيث بدأ فيه تسلط المماليك من الأتراك الذين استكثر منهم المعتصم في حرسه وجيشه وإدارة دولته ، وأخذ نفوذهم في الازدياد ،حتى استولوا على الأمور في بغداد والعراق ، واستبدوا في السلطة دون الخلفاء ، وقد بلغ استبدادهم على درجة أنهم كانوا هم الذين يعينون الخلفاء ويعزلونهم . كما تطور الأمر بهم على أن أغروا المنتصر بن المتوكل على قتل أبيه ، وتوليته الخلافة من بعده .

وبمقتل المتوكل بدأت فترة من الفوضى السياسية في الخلافة العباسية كان للأتراك خلالها اليد العليا ، كما بدا التصدع والإنقسام في جسم الدولة العباسية ، فأسس الصفا ورن دولة لهم ، سجستان :عام (254هـ) وثارت حمص عام (240هـ) وحاولت أرمينيا الانفصال ، وثار البجة من الأحباش ، وامتنعوا عن تأدية الضريبة المتفق عليها ، واستغل البيزنطيون الفرصة فهاجموا الدولة الإسلامية و فَكَّرَ أَعْدَاءُ اَلْمُسْلِمِينَ مِنَ اَلْخَارِجِ فِي غَزْوِ أَطْرَافِ اَلدَّوْلَةِ , فَكَانَتْ هَجَمَاتُ اَلرُّومِ تَتَكَرَّرُ عَلَى حُدُودِهَا , وَكَانُوا فِي هَذِهِ اَلْهَجَمَاتِ يَقْتُلُونَ وَيَأْسِرُونَ اَلْكَثِيرَ مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ , وَكَانَتِ اَلدَّوْلَةُ عَاجِزَةً تَمَامًا عَنْ رَدِّ أَيِّ عَدُوٍّ أَوْ صَدِّ أَيِّ هُجُومٍ , بَلْ كَانَتْ تَقِفُ مِنْ هَذِهِ اَلْأَحْدَاثِ مَوْقِفَ اَلْمُتَفَرِّجِ.حَتَّى أَنَّ اَلرُّومَ فِي إِحْدَى غَزَوَاتِهِمْ أَخَذُوا (مَلَطْيَةَ (عَنْوَةً وَاسْتَبَاحُوهَا وَاسْتَمَرُّوا فِي غَزَوَاتِهِمْ حَتَّى وَصَلُّوا عِدَّةَ مَرَّاتٍ إِلَى أَعْمَالِ حَلَبَ, وَفِي إِحْدَى هَذِهِ اَلْمَرَّات تَمَكَّنُوا مِنْ سَبْيِ عَشَرَةِآلافِ نَسَمَةٍ مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ وَكَانَ ذَلِكَ فِي سَنَةِ وَكَانَ مَوْقِفُ اَلْخِلَافَةِ اَلسَّلْبِيُّ مِنْ كُلِّ هَذِهِ اَلْأَحْدَاثِ , قَدْ زَادَ فِي جُرْأَةِ اَلرُّومِ , فَوَصَلُوا فِي إِحْدَى غَزَوَاتِهِمْ إِلَى بَلْدَةٍ (قِنَّسْرِينَ) شَمَالَ اَلشَّامِ هَذَا مِنْ جِهَةِ اَلرُّومِ, وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ اَلرُّوسِ, وأَقْبَلَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فِي اَلْبَحْرِ إِلَى نَوَاحِي أَذْرَبِيجَان فَقَصَدُوا بَلْدَةَ (بَرْذَعَةَ) وَتَرَكُوا اَلْقَلَقَ يُسَيْطِرُ عَلَى اَلنُّفُوسُ وَقْتًا طَوِيلاً. وَكذلك أيضا ثورة الشيعة اَلَّتِي كَانَ لَهَا أَثَرٌ كَبِيرٌ فِي تَارِيخِ هَذَا اَلْعَصْرِ, فَقَدْ قَامَ اَلشِّيعَةُ بِحَرَكَاتٍ ثَوْرِيَّةٍ كَانَ مِنْ أَثَرِهَا اِنْتِزَاعُ كَثِيرٍ مِنْ أَجْزَاءِ اَلْخِلَافَةِ وَنَشْرِ مَبَادِئِ اَلتَّشَيُّعِ فِيهَا , وَقَدْ نَتَجَ عَنْ ذَلِكَ قِيَامُ اَلدَّوْلَةِ اَلْفَاطِمِيَّةِ , فَقَدَ أَعْلَنَهَا اَلْمَهْدِيُّ عُبَيْدُ اَللَّهِ وَالِدُ اَلْخُلَفَاءِ اَلْفَاطِمِيِّينَ اَلْعُبَيْدِيِّينَ وَزَعَمَ أَنَّهُ مِنْ وَلَدِ جَعْفَرٍ اَلصَّادِقِ وَاسْتَوْلَى عَلَى بِلَادِ اَلْمَغْرِبِ اَلْعَرَبِيِّ وَتَلَقَّبَ بِالْخِلَافَةِوَكَوَّنَ هُنَاكَ دَوْلَةً لَا عَلَاقَةَ لَهَا بِالدَّوْلَةِ اَلْعَبَّاسِيَّة وَلَا تَرْبِطُهَا بِهَا أَيَّةُ صِلَاتٍ .وَبِهَذَا فَقَدْ أَصْبَحَ لِلْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةُ خُلَفَاءَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ:أَحَدُهُمَا اَلْخَلِيفَةُ اَلْعَبَّاسِيُّ فِي بَغْدَادَ, وَالثَّانِي هُوَ اَلْمَهْدِيُّ عُبَيْدُ اَللَّهِ اَلْفَاطِمِيُّ, وَالْآخَرُ فِي اَلْأَنْدَلُسِ, وَدَارَتِ اَلْإِمَارَاتُ اَلصَّغِيرَةُ فِي فَلَكِ هَؤُلَاءِ مُسْتَوْحِيَةً فِي وِلَائِهَا مَصْلَحَةَ اَلْأُسَرِ اَلْحَاكِمَةِ.كَمَا تَمَلَّكَ سَيْفُ اَلدَّوْلَةِ اَلْحَمْدَانِيُّ حَلَبَ وَأَنْشَأَ هُنَاكَ دَوْلَةَ بَنِي حَمْدَانَ اِنْفَصَلَ بِهَا عَنْ دَوْلَةِ اَلْخِلَافَةِ وَصَارَ لِهَذِهِ اَلدَّوْلَةِ قُوَّةٌ وَمَنْعَةٌ وَامْتَدَّ نُفُوذُهَا حَتَّى شَملَ المَوْصِلَ اَلْقَرِيبَةَ مِنْ بَغْدَادَ .

وَلَقَدْ تَحَمَّلَ الحَمْدَانيونَ عِبْئًا كَبِيرًا فِي صَدِّ اَلْهَجَمَاتِ اَلصَّلِيبِيَّةِ, وَقَامُوا بِمَهَمَّةِ اَلذَّوْدِ عَنِ اَلثُّغُورِ اَلْإِسْلَامِيَّةِ خَيْرَ قِيَامٍ.وَبَعْدَ عَامٍ وَاحِدٍ مِنْ ظُهُورِ اَلدَّوْلَةِ اَلْحَمْدَانِيَّةِ , اِسْتَقَلَّتْ وِلَايَةُ خُرَاسَانَ عَنِ اَلدَّوْلَةِ وَبَدَأَتْ تُغِيرُ عَلَى جَارَاتِهَا وَتُسَيْطِرُ عَلَيْهِمْ, وَلَمْ يَقِفْ اَلْأَمْرُ إِبَّانِ حُكْمِ اَلْبُوَيْهِيِّينَ لِوِلَايَةِ خُرَاسَانَ عِنْدَ حَدِّ اَلسَّيْطَرَةِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ جَارَاتِهَا مِنَ اَلدُّوَيْلَاتِ اَلصَّغِيرَةِ اَلْمُتَخَلِّفَةِ بِسَبَبِ ضَعْفِ اَلْحُكْمِ اَلْعَبَّاسِيِّ, بَلْ إِنَّهُمْ قَدْ سَيْطَرُوا عَلَىاَلْخَلِيفَةِ نَفْسِهِ, وَسَبَقَ دُخُولَ بَنِي بُوَيْه بَغْدَادَ اِنْتِشَارُ اَلْفَسَادِ فِي اَلْحُكْمِ فَقَدْ كَانَتْ أَيَّامُ اَلْخَلِيفَةِ اَلْمُقْتَدِرِ مِنْ أَسْوَأِ مَا عَرَفَهُ تَارِيخُ اَلدَّوْلَةِ اَلْعَبَّاسِيَّةِ فَغَلَبَتْ كَلِمَةُ جَوَارِي اَلْقَصْرِ وَخَدَمِهِ عَلَى كَلِمَةِ اَلْقُوَّادِ وَالْأُمَرَاءِ وَأُنْفِقَتِ اَلْأَمْوَالُ اَلْعَامَّةُ فِي غَيْرِ وُجُوهِهَا , وَهُنَاكَ أَمْرٌ آخَرُ قَدْ مَكَّنَ لِلْبُوَيْهِيِّينَ فِي بَغْدَادَ, وَهُوَ أَنَّ اَلْخَلِيفَةَ كَانَ يَلْجَأُ إِلَيْهِمْ لِحِمَايَتِهِ, لِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ اَلسَّلَاطِينِ وَالْوُلَاةِ كَانُوا يَنَالُونَ مِنْهُ وَيُعْلِنُونَ اَلْحَرْبَ عَلَيْهِ وَالْبُوَيْهِيُّونَ يَرْجِعُونَ فِي نَسَبِهِمْ إِلَى أَصْلٍ تُرْكِيٍّ , وَمِنْ هُنَا فَقَدْ غَلَبَتِ اَلْعَنَاصِرُ اَلْأَجْنَبِيَّةُ عَلَى اَلدَّوْلَةِ وَضَعُفَ اَلنُّفُوذُ اَلْعَرَبِيُّ حَتَّى كَادَ يَنْعَدِمُ نِهَائِيًّا, وَكَانَ هَؤُلَاءِ اَلْأَتْرَاكُ يَتَدَخَّلُونَ فِي كُلِّ قَضِيَّةٍ صَغِيرَةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ مِنْ أُمُورِ اَلدَّوْلَةِ, وَوَصَلَ اَلْأَمْرُ بِهِمْ أَخِيرًا إِلَى عَزْلِ اَلْخَلِيفَةِ نَفْسِهِ, فَقَدْ عَزَلُوا عَدَدًا مِنَ اَلْخُلَفَاءِ, وَقَتَلُوا عَدَدًا آخَرَ مِنْهُمْ بَعْدَ عَزْلِهِمْ, وَكَانُوا أَحْيَانًا يَسْمِلُونَ عَيْنَيْهِ كَمَا حَدَثَ ذَلِكَ لِعَدَدٍ مِنَ اَلْخُلَفَاءِ, كَالْقَاهِرِ بِاَللَّهِ وَالْمُتَّقِي بِاَللَّهِ. وَالْمُسْتَكْفِي بِاَللَّهِ. , وَقَدْ أَحْدَثَ هَؤُلَاءِ اَلْأَعَاجِمُ فِي بَغْدَادَ فَوْضَى وَاضْطِرَابَاتٍ شَدِيدَةً فَنَفَرَ اَلنَّاسُ مِنْهُمْ أَيَّمَا نَفْرَةٍ, مِمَّا اُضْطُرَّ اَلْخُلَفَاءُ أَنْ يَنْقُلُوا اَلْعَاصِمَةَ مِنْ بَغْدَادَ إِلَى (سامَرَّاء)

اَلَّتِي بُنِيَتْ خِصِّيصًا لِيَسْكُنَهَا اَلْجَيْشُ اَلَّذِي كَانَ عَامَّتُهُ مِنَ اَلْأَتْرَاكِ , وَبَقِيَتِ اَلْخِلَافَةُ فِي سامَرَّاءَ خَمْسَةً وَخَمْسِينَ سَنَةً ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى بَغْدَادَ فِي عَهْدِ اَلْمُعْتَمِدِ , وَإِنْ دَلَّتْ هَذِهِ اَلْحَالُ عَلَى شَيْءٍ فَإِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى مَبْلَغِ مَا آلَتْ إِلَيْهِ اَلْأَحْوَالُ اَلسِّيَاسِيَّةُ فِي اَلْقَرْنِ اَلرَّابِعِ الْهِجْرِيِّ مِنْ فَوْضًى وَاضْطِرَابَاتٍ , وَمَا نَتَجَ عَنْ ذَلِكَ فِي بِنَاءِ اَلدَّوْلَةِ وَأَحْوَالِ اَلنَّاسِ مِنْ ضَعْفٍ وَسُوءٍ.

*ثَانِيًا: اَلأَحْوَالُ اَلاجْتِمَاعِيَّةُ

وَكَانَ نَتِيجَةً لِضَعْفِ اَلدَّوْلَةِ اَلسِّيَاسِيِّ أَنِ اِضْطَرَبَتِ اَلْأَحْوَالُ اَلِاجْتِمَاعِيَّةُ , لِأَنَّهَا صَدًى لِلْأَحْوَالِ اَلسِّيَاسِيَّةِ , فَاخْتَفَتِ اَلْحَيَاةُ اَلْعَرَبِيَّةُ اَلْأَصِيلَةُ تَقْرِيبًا تَحْتَ وَطْأَةِ غَلَبَةِ اَلْعَنَاصِرِ اَلْأَجْنَبِيَّةِ , وَانْتَشَرَ اَلْمُجُونُ بَيْنَ اَلنَّاسِ وَشَاعَتِ اَلزَّنْدَقَةُ, وَكَانَتِ اَلْحَالَةُ اَلِاقْتِصَادِيَّةُ عَلَى أَسْوَأِ مَا يَكُونُ فَثَرْوَةُ اَلْأُمَّةِ لَيْسَتْ مُوَزَّعَةً تَوْزِيعًا عَادِلاً, إِذْ كَانَتِ اَلْأَمْوَالُ تَتَدَفَّقُ عَلَى اَلْأُمَرَاءِ وَمَنْ يَلُوذُ بِهِمْ, بَيْنَمَا كَانَ بَقِيَّةُ أَفْرَادِ اَلشَّعْبِ يَرْزَحُونَ تَحْتَ وَطْأَةِ فَقْرٍ مُدْقِعٍ, فَحَدَثَتِ اَلْمَجَاعَاتُ وَكَانَ ذَلِكَ عَامًّا فِي كَافَّةِ أَصْقَاعِ اَلدَّوْلَةِ, حَتَّى بَغْدَادَ مَقَرِّ اَلْخِلَافَةِ فَقَدِ اِنْتَابَتْهَا سِنِينٌ عِجَافٌ أَكَلَ اَلنَّاسُ فِيهَا اَلْكِلَابَ مِنْ شِدَّةِ اَلْجُوعِ, وَوَقَعَ اَلْبَلَاءُ وَتَفَشَّى اَلْمَرَضُ بَيْنَ اَلنَّاسِ .

وَقَدْ تَكَرَّرَتْ هَذِهِ اَلْمَجَاعَاتُ عِدَّةَ مَرَّاتٍ أَيْضًا, وَتَدَاعَتْ بَغْدَادُ لِلْخَرَابِ مِنْ شِدَّةِ اَلْقَحْطِ وَالْفِتَنِ وَالْجَوْرِ, وَكَانَ يُصَاحِبُ تِلْكَ اَلْمَجَاعَاتِ اِنْتِشَارُ اَلْجَرَائِمِ وَعَمَلِيَّاتُ اَلسَّرِقَةِ وَالسَّطْوِ اَلْمُنَظَّمَةِ اَلَّتِي كَانَ يَقُومُ بِهَا جَمَاعَةُ اَلْعَيَّارِينَ+ اَلَّذِينَ كَثُرُوا فِي اَلدَّوْلَةِ كَثْرَةً مُذْهِلَةً وَكَانَ كَثِيرٌ مِنَ اَلْوُزَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَرْبَابِ اَلْحَلِّ وَالْعَقْدِ يُقَاسِمُونَهُمْ وَيَسْكُتُونَ عَنْهُمْ, وَقَدْ أَحْرَقُوا مَرَّةً سُوقَ اَلصَّغِيرِ بِبَغْدَادَ وَنَهَبُوا اَلْأَمْوَالَ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ اَلْأَهْوَالِ.

وَقَدِ اِنْعَكَسَتْ هَذِهِ اَلْحَالَةُ عَلَى اَلْعَامَّةِ أَيْضًا فَقَدْ عَدَتِ اَلْعَامَّةُ مَرَّةً يَوْمَ اَلْجُمْعَةِ عَلَى اَلْخَطِيبِ فَمَنَعُوهُ مِنَ اَلْخُطْبَةِ وَكَسَرُوا اَلْمَنَابِرَ وَقَتَلُوا اَلشُّرْطَةَ وَأَحْرَقُوا جُسُورًا كَثِيرَةً فَأَمَرَ اَلْخَلِيفَةُ بِقِتَالِ اَلْعَامَّةِ وَكَانَ ذَلِكَ فِي سَنَةِ 308هـ وَفِي اَلسَّنَةِ اَلَّتِي بَعْدَهَا عَدَتِ اَلْعَامَّةُ ثَانِيَةً وَكَسَرُوا أَبْوَابَ اَلسُّجُونِ وَأَخْرَجُوا مَنْ كَانَ فِيهَا وَقَدْ كَانُوا فِي ثَوَرَاتِهمْ تِلْكَ عَلَى اَلدَّوْلَةِ اَلَّتِي نَشَرُوا فِيهَا اَلْخَرَابَ وَالدَّمَارَ مَدْفُوعِينَ بِمَا كَانُوا يُعَانُونَهُ مِنْ شَظَفِ اَلْعَيْشِ وَانْتِشَارِ اَلْمَجَاعَاتِ.

ثَالِثًا: اَلْأَحْوَالُ اَلدِّينِيَّةُ

كَمَا كَانَ حَظُّ اَلْبِدَعِ وَالْمُنْكَرَاتِ فِي هَذَا اَلْعَصْرِ وَافِرًا فَقَدِ انْتَشَرَتْ اَلْبِدَعُ فِي أَوْسَاطِ اَلْمُتَدَيِّنِينَ وَدَخَلَتْ فِي كَثِيرٍ مِنْ مَظَاهِرِ اَلْعِبَادَاتِ وَالْقُرُبَاتِ وَزَحَمَتْ كَثِيرًا مِنَ اَلسُّنَنِ اَلْمَشْرُوعَةِ لِتَحِلَّ مَحَلَّهَا, وَمِنْ هُنَا رَأَيْنَا فِي هَذَا اَلْعَصْرِ كَثِيرًا مِنَ اَلْعُلَمَاءِ اَلَّذِينَ قَامُوا بِبَيَانِ هَذِهِ اَلْبِدَعِ وَالْمُنْكَرَاتِ وَدَعَوا اَلنَّاسَ إِلَى اَلرُّجُوعِ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ اَلنَّبِيُّ -صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسَلَفُ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ.

رَابِعاً: اَلْأَحْوَالُ اَلثَّقَافِيَّةُ

وَفِيهَا كَانَ اَلْأَمْرُ عَلَى عَكْسِ مَا كَانَ عَلَيْهِ اَلْحَالُ مِنَ اَلنَّاحِيَةِ اَلسِّيَاسِيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِيَّةِ وَالدِّينِيَّةِ, فَقَدْ اِنْتَشَرَتِ اَلثَّقَافَةُ فِي هَذَا اَلْعَصْرِ اِنْتِشَارًا يَدْعُو إِلَى اَلإِعْجَابِ , وَاتَّسَعَتِ اِتِّسَاعًا كَبِيرًا , وَتَقَدَّمْتِ اَلدِّرَاسَاتُ اَلْإِسْلَامِيَّةُ وَالْعَرَبِيَّةُ وَغَيْرُهَا, وَكَثِيرٌ مِنَ اَلْمُؤَرِّخِينَ يَعْتَبِرُونَ اَلْقَرْنَ اَلرَّابِعَ الْهِجْرِيَّ هُوَ اَلْعَصْرُ اَلَّذِي وَرِثَ حَضَارَاتِ اَلرُّومِ وَالْعَرَبِ وَالْفُرْسِ, فَهُوَ اَلْعَصْرُ اَلذَّهَبِيُّ بِالنِّسْبَةِ لِلْفِكْرِ وَالثَّقَافَةِ فَقَدْ تَضَخَّمَتِ اَلْمَكْتَبَةُ اَلْإِسْلَامِيَّةُ فِي هَذِهِ اَلْفَتْرَةِ تَضَخُّمًا كَبِيرًا, وَكَثُرَتْ اَلْمُؤَلِّفَاتُ فِي كَافَّةِ عُلُومِ اَلشَّرِيعَةِ وَنَبَغَ عُلَمَاءُ أَجِلَّاءُ فِي كُلِّ هَذِهِ اَلْمَيَادِينِ, فَوُجِدَ شَيْخُ اَلْمُفَسِّرِينَ اِبْنُ جَرِيرٍ اَلطَّبَرِيِّ وَكِبَارُ اَلنُّقَّادِ مِنَ اَلْمُحَدِّثِينَ كَاَلدَّارَقُطْنِيِّ وَالْحَاكِمِ كَمَا نَبَغَ مِنَ اَلْفُقَهَاءِ عَدَدٌ كَبِيرٌ, وَكَانَتِ اَلْمَذَاهِبُ اَلْأَرْبَعَةُ قَدْ تَمَكَّنَتْ وَاتَّضَحَتْ مَعَالِمُهَا وَكَثُرَ اِتِّبَاعُهَا.

وَمَعَ هَذِهِ اَلْمَذَاهِبِ كَانَ اَلْمَذْهَبُ اَلظَّاهِرِيُّ فِي اَلْعِرَاقِ أَيْضًا وَلَهُ أَنْصَارٌ كَثِيرُونَ, كَمَا نَهَضَتِ اَلْعُلُومُ اَللِّسَانِيَّةُ نُهُوضًا حَثِيثًا بِسَبَبِ تَفَشِّي اَللَّحْنِ بَيْنَ اَلنَّاسِ وَظَهَرَتْ كُتُبٌ جَدِيدَةٌ فِي هَذَا اَلْفَنِّ, حَتَّى أَنَّ مَجَالَ اَلشِّعْرِ قَدْ تَوَسَّعَ بَعْدَ أَنْ أَمَدَّتْهُ رَوَافِدُ جَدِيدَةٌ إِذْ ظَهَرَ كَثِيرٌ مِنْ شُعَرَاءِ اَلْفُرْسِ وَأُدَبَائِهِمْ فَتَلَوَّنَتِ اَلثَّقَافَةُ اَلْعَرَبِيَّةُ بِهَذِهِ اَلثَّقَافَاتِ كَمَا ظَهَرَتْ مُؤَلِّفَاتٌ فَلْسَفِيَّةٌ وَكَلَامِيَّةٌ وَكَانَ مِنْ أَشْهرِ مُتَكَلِّمِي هَذَا العَصْرِ أَبُو عَلِيٍّ اَلْجُبَّائِيُّ اَلْمُعْتَزِلِيُّ كَمَا كَانَ اَلْفَارَابِي مِنْ أَشْهَرِ فَلاسِفَةِ هَذَا اَلْعَصْرِ, وَالْعِرَاقُ كَانَ فِي هَذِهِ اَلْفَتْرَةِ مُلْتَقَى اَلثَّقَافَاتِ وَمَرْكَزَ اَلثِّقَلِ اَلْعِلْمِيِّ فِي اَلْعَالَمِ اَلْإِسْلَامِيِّ بِلَا نِزَاعٍ , وَكَانَ عُلَمَاؤُهُ هُمْ اَلْقَادَةَ فِي مُخْتَلِفِ اَلْعُلُومِ وَالْفُنُونِ رَغْمَ اِخْتِلَافِ اَلِاتِّجَاهَاتِ اَلَّتِي يَنْتَسِبُونَ إِلَيْهَا

وَمَعَ قُوَّةِ اَلْحَرَكَةِ اَلْعِلْمِيَّةِ فِي هَذَا اَلْعَصْرِ فَقَدْ كَانَ لِبَعْضِ جَوَانِبِهَا أَثَرُهُ اَلْبَالِغُ فِي إِشَاعَةِ اَلزَّنْدَقَةِ وَالْإِلْحَادِ وَالِانْقِسَامِ اَلْمَذْهَبِيِّ بَيْنَ اَلْمُسْلِمِينَ, وَلَعَلَّ أَبْرَزَ اَلْمَظَاهِرِ اَلْفِكْرِيَّةِ فِي هَذِهِ اَلنَّاحِيَةِ مَا خَلَّفَتْهُ كُتُبُ اَلْفَلْسَفَةِ وَالْكَلَامِ مِنَ اَلْفَوْضَى اَلْفِكْرِيَّةِ , بِالْإِضَافَةِ إِلَى أَنَّ هَذِهِ اَلْعُلُومَ لَا تَزِيدُ اَلْيَقِينَ فِي قُلُوبِ اَلْمُؤْمِنِينَ وَلَا تَسْكُبُ اَلطُّمَأْنِينَةَ فِي نُفُوسِهِمْ بَلْ كَانَتْ غَالِبًا تَفْتَحُ أَبْوَابَ اَلْحَيْرَةِ وَالشَّكِّ عَلَى مِصْرَاعَيْهِ , فَدَخَلَتْ أَمْرَاضٌ وَأَوْهَامٌ اِخْتَلَطَتْ مَعَ ثَقَافَاتِ اَلْمُسْلِمِينَ, وَلَقَدْ كَانَ لِلْفَلْسَفَةِ اَلْيُونَانِيَّةِ وَالْمَذَاهِبِ اَلْفَارِسِيَّةِ مَا لِعَقَائِدِ اَلْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ - كَانَ لِكُلِّ ذَلِكَ وَغَيْرِهِ مِنْ رَوَافِدِ اَلْفِكْرِ عِنْدَ اَلْمُسْلِمِينَ أَثَرُهُ اَلْبَالِغُ فِي دِرَاسَةِ اَلْمُسْلِمِينَ لِلْعَقَائِدِ فَأُثِيرَتْ مِنَ اَلْمَشَاكِلِ وَدَخَلَ مِنَ اَلْمَفَاهِيمِ فِي تِلْكَ اَلدِّرَاسَةِ مَا هُوَ غَرِيبٌ عَنْ جَوِّ اَلْفِكْرِ اَلْإِسْلَامِيِّ اَلصَّحِيحِ حَتَّى أَصْبَحَتِ اَلْعَقِيدَةُ تُعْرَضُ مِنْ خِلَالِ هَذِهِ اَلْمُجَادِلَاتِ اَلْفَلْسَفِيَّةِ اَلْمُخْتَلِطَةِ بِعَقَائِد اَلْأُمَمِ اَلْأُخْرَى , وَلَا نَنْسَى أَنَّ اَلَّذِينَ قَامُوا بِعَمَلِيَّةِ تَرْجَمَةِ كُتُبِ اَلْيُونَانِ وَغَيْرِهِمْ كَانُوا مِنَ اَلنَّصَارَى.

كُلُّ هَذَا كَانَ سَبَبًا فِي طَمْسِ مَعَالِمِ اَلْعَقِيدَةِ اَلسَّلَفِيَّةِ اَلْوَاضِحَةِ اَلصَّحِيحَةِ وَقَدْ دَفَعَ ذَلِكَ وَغَيْرُهُ بأبْنُ خُزَيْمَةَ صاحب هذه الترجمة وغيره في التاليف والردود و اَلرِّسَائل لِيَعْرِضَوا فِيهَا هَذِهِ اَلْعَقِيدَةَ عَرْضًا وَاضِحًا وَلِيَعُودَ بِالنَّاسِ إِلَيْهَا بَعِيدًا عَنِ اَلْأَهْوَاءِ وَتَشَعُّبِ اَلآرَاءِ .

حياة ابن خزيمة الشخصية :

أولاً : اسمه ونسبه وكنيته :

هو: محمد بن إسحاق بن خزيمة ،بن المغيرة بن صالح بن بكر السلمي النيسا بوري ، الحافظ الحجة الفقيه ، الشافعي، الإمام صاحب التصانيف .
"وكنيته : ابو بكر

ثانياً : مولده ونشأته :

ولد الإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة في شهر صفر من عام 223 هـ بنيسابور، ونشأ بها وطلب الحديث منذ حداثة سنة ، فسمع من عالم خراسان ومحدثها الإمام إسحاق بن ر اهويه المتوفى سنه (238هـ) ومن حميد بن محمد الرازي المتوفى سنة (230هـ) ولم يحدث عنهما لكونه سمع منهما في صغره وقبل فهمه وتبصره .


"ثالثاً : صفاته

1- تقواه وزهده :

قال أبو عثمان الحيرى : حدثنا ابن خزيمة قال : كُنتُ إذا أردت أن أصنف الشيء دخلت في الصلاة مستخيراً ، حتى يقع لي فيها ، ثم أبتدىء التصنيف .


وقال أبو بكر ، محمدبن جعفر ، سمعت ابن خزيمة - وسئل: من اين أوتيت هذا العلم ؟ فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ماء زمزم لما شُرِب له ) وإني لما شربت ماء زمزم سالت الله علماً نافعاً .



قال عنه ابو أحمد الدارمي : كان له قميص يلبسه وقميص عند الخياط فإذا نزع الذي يلبسه وهبه ، وغدوا إلى الخياط وجاء بالقميص الآخر .


2- سخاؤه وكرمه :

كان رحمه الله تعالى معروفاً بالسخاء والكرم ، وكان يتصدق حتى بملابسه ، ويبدوا أنه لم لم يكن يلبس القميص الواحد مرتين .


قال عنه حفيده محمد بن الفضل : كان جدي أبو بكر لا يدخر شيئاً جهده ،بل ينفق على أهل العلم ، ولا يعرف صنجة الوزن ، ولا يميز بن العشرة والعشرين


3- شجاعته وجرأته :

كان ابن خزيمة -رحمه الله تعالى- شجاعاً لا يخاف الأمراء والولاة ولا يهابهم قال عنه أبو بكر بن بالويه : سمعت ابن خزيمة يقول : كنت عند الأمير إسماعيل بن أحمد ، فحدث عن أبيه بحديث وهم في إسناده ، فرددته عليه ، فما خرجت من عنده قال أبو ذر القاضي : قد كنا نعرف أن هذا خطأ ، منذ عشرين سنةً ، فلم يقدر واحد منا أن يرده عليه ، فقلت له : لا يحل لي أن أسمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه خطأ أو تحريف فلا أرده ؟!


طلبه للعلم :

سلك الإمام ابن خزيمة طريقة طلاب العلم في عصره وهي تلقي العلم أولاً على شيوخ بلده ثم الرحلة في طلبه من بلد إلى آخر .

فقد سمع كما أسلفنا من علماء نيسا بور ابن ر اهويه ، ومحمد بن حميد ،ثم لما أراد أن يرحل كان يرغب في الذهاب إلى قتيبة ابن سعيد رحمه الله (مات سنة240هـ) ، فستأذن أباه فأجابه ( اقرأ القرآن أولاً، حتى آذن لك)


رحلاته :



يقول ابن خزيمة : فاستظهرت القرآن ، فقال لي : أمكث حتى تصلي بالختمة ففعلتُ ، فملما عيدنا أذن لي ،فخرجتُ على مرو ، وسمعتُ بمرو الروذ من محمدبن هشام فنعى إلينا قتيبة ابن سعيد .
ثم واصل رحلاته في طلب العلم ورحل على بلدان كثيرة منها : الري ، وبغداد ،و الشام والبصرة ، والكوفة ، والجزيرة ، وواسط ، وفي هذه المدن سمع من علماء أعلام في السنة والفقه وغيرهما من العلوم 0


"شيوخه وتلاميذه :

أ- شيوخه :


يعد شيوخ ابن خزيمة الذين سمع منهم وتلقى عنهم با لمآت ومن اشهرهم :
1- عالم خرسان في عصره ، وأحد كبار الحفاظ المشهورين في وقته ( إسحاق بن ر اهويه المتوفى عام (238هـ)
2- محمد بن يحي بن عبد الله بن خالد بن ذؤيب الذهلي ، الثقة ، الحافظ الجليل المتوفى (عام258 هـ)
3- محمد بن بشار ا لعبدي المعروف بـ ( بـُنـْدَار) رحمه الله المتوفى سنة( 252 هـ)
4- محمد بن حميد الرازي ، المتوفى عام ( 230هـ)
5- أبو موسى ، محمد بن المثنى ،المتوفى (عام 252هـ)
6- محمود بن غيلان المتوفى سنه (239 هـ)
7- علي ابن حجر بن إياس المتوفى (عام 239هـ)
8- نصر ابن علي الجهضمي المتوفى عام (250هـ)
9- يو نس بن عبد الأعلى الصدفي المتوفى (عام 264هـ)
10- أحمد بن منيع البغوي المتوفى عام (244هـ)

كما سمع من الإمامين : البخاري ومسلم وخلق لا يحصون فقد بلغ عدد شيوخه الذين ورد ذكرهم في كتاب التوحيد مايزيد على (153) شيخاً عدا الذين روى عنهم في الصحيح والمسند وكتبه الأخرى .
ب- تلاميذه :
روى عنه العلم جماعة من مشائخه منهم البخاري ومسلم خارج الصحيحين ، ومحمد بن عبد الله بن الحكم شيخه ، وأحمد بن المبارك المستملي ، وإبراهيم بن أبي طالب ، وأبو علي النيسابوري , إسحاق بن سعيد
ويحي بن محمد بن صاعد ، وأبو حامد ، وأحمد بن محمد بن بالويه ، وأبو بكر أحمد بن مهران ، والمقرىء وخلائق .
وآخر من روى عنه بنيسابور حفيده أبو طاهر : محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة وعن طريقه وصل كتاب التوحيد .



"مكانته العلمية وثناء العلماء عليه :

"أ - مكانته العلمية :

للإمام ابن خزيمة -رحمه الله- مكانة علمية مشهورة ، فهو يجمع بين الحديث والفقه ، إلا أن شهرته بالحديث أكثر ولهذا لقب بالحافظ لكثرة حفظه وإتقانه ويمكن أن نعرف مقدار المنزلة العلمية الكبيرة التي كان يحتلها بشهادة العلماء له في هذا الميدان :
"ب- ثناء العلماء عليه :

وقال الربيع بن سليمان المرادي صاحب الشافعي - وحامل فقهه - وهو أحد من تفقه عليه ابن خزيمه قال : استفدنا من ابن خزيمة أكثر مما استفاد منا .

وسئل عنه عبد الرحمن ابن أبي حاتم - صاحب كتاب الجرح والتعديل- فقال : ويحكم ، هو يسأل عنا ولا نسأل عنه ، هو إمام يقتدى به .

وقال الدار قطني : كان ابن خزيمة إماماً ثبتاً ، معدوم النظير.
وقال الذهبي : كان هذا الإمام جهبذاً عالماً بالحديث ، بصيراً بالرجال ،، وقال أيضاً : ابن خزيمة الإمام الحافظ الفقيه ..

وقال أبو حاتم - محمد بن حبان التميمي : ما رايت على وجه الأرض من يحسن صناعة السنن ويحفظ الفاظها الصحاح وزياداتها حتى كأن السنن كلها بين عينيه .
وقال أبو العباس بن سُرَيْج - وذكر له ابن خزيمة : كان يستخرج النكت من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمنقاش .

وقال عنه ابن كثير : كان بحراً من بحور العلم ، طاف البلاد ، ورحل إلى الآفاق في الحديث وطلب العلم ، فكتب كثيراً وصنف وجمع ، وهو من المجتهدين في دين الإسلام .
حكى أبو إسحاق الشيرازي في طبقات الفقهاء عنه أنه قال : ما قلدت أحداً منذ بلغت ست عشرة سنةً .

وقال الحاكم : لما بلغ ابن خزيمة من السن والرياسة والتفرد بهما ما بلغ كان له أصحاب صاروا أنجم الدنيا
مثل : أبي علي الثقفي ، وأبي بكر بن إسحاق الصبيغي خليفة ابن خزيمة في الفتوى وأحسن الجماعة تصنيفاً وسياسة في مجالس السلاطين .

وقال الذهبي : (( ولأبن خزيمة : عظمةٌ في النفوس وجلالة في القلوب لعلمه ودينه ، وإتباعه للسنة ))
مما تقدم : ظهر لنا مابلغه هذا الإمام من منزلة علمية ، حيث كان إمام عصره يرجع إليه في العلم والإفتاء رحمه الله وجزاه عن الإسلام والسنة خيراً .


"مؤلفاته :

"قال الحاكم : فضائل الإمام ابن خزيمة عندي مجموعة في أوراق كثيرة ، ومصنفاته تزيد على مائه وأربعين كتاباً سوى المسائل . والمسائل المصنفة أكثر من مائه جزء .


"قال: وله فقه حديث بريرة في ثلاثة أجزاء
ولكن معظم هذه المؤلفات فقد وحرمت الأمة بسبب فقدها علماً كثيراً ، ولم يوجد منها في الوقت الحاضر إلا كتاب التوحيد ومقدار الربع من صحيحة الذي طبع أخيراً . وكتاب آخر باسم : شأن الدعاء وتفسير الأدعية المأثورة وهو من محفوظات المكتبة الظاهرية بدمشق من القر الرابع الهجري . هذا كل ما تجود به المراجع الموجودة بين أيدينا من أسماء كتبه رحمه لله تعالى وغفر له ، ومن عادته أنه يحيل كثيراً إلى مؤلفاته ويذكرها في ثنايا كتبه : فهو يقول في صفحة 728 من كتاب التوحيد ( وقد بينا من هذا النحو من كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم في كتاب : معاني القرآن ، وفي كتبنا المصنفة في المسند في الفقه ) وهذا النص يفيدنا أن له كتابان معاني القرآن والمسند وقد يشير للأخير أحياناً باسم : الكتاب الكبير كما هي طريقة المحدثين في تأليفهم كما في صحيح البخاري ومسلم حيث نجد الكتاب الواحد يشتمل على عدة كتب فلابد أنه سلك هذا الطريق .


"عقيدته ومذهبه :

"أ- عقيدته :
كان ابن خزيمة رحمه الله تعالى وغفر له ،سلفي العقيدة ، على طريقة أهل الحديث ، يقول بما قال به الصحابة رضي الله عنهم ، والتابعون وتابعوهم . نجد ذلك صريحاً في كتابه التوحيد وفي غيره .
قال الذهبي : ( قال الحاكم : وحدثني عبد الله بن إسحاق .. قال سمعت أبا سعد عبد الرحمن بن أحمد المقرىء ، سمعت ابن خزيمة يقول : القرآن كلام الله ووحيه وتنزيله غير مخلوق ، من قال شيء منه مخلوق فهو جهمي .

وقال : ( أبو زكريا يحي بن محمد العنبري : سمعت ابن خزيمة يقول : ليس لأحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قول إذا صح الخبر . وهذه بعض النقول التي تدل على أن اعتقاد ابن خزيمة رحمه الله تعالى وغفر له - في أسماء الله وصفاته هو اعتقاد أهل السنة والجماعة ، ومن سلف من هذه الأمة .)


هذا التمسك الشديد بمذهب السلف الصالح رضي الله عنهم أوجد لهذا الإمام الجهبذ رحمه الله أعداءً قديما وحديثا كسلفه من الأئمة . فعلى سبيل الإجمال نجد الرازي المعتزلي في تفسيره يتهجم عليه بأسلوب مقذع ! ويصف كتابه التوحيد بأنه كتاب الشرك !! وما حمل الرازي وغيره على هذه المواقف المشينة من السنة وعلمائها إلا تأثرهم بذهب الكلام وتعصبهم لأهوائهم ولآرائهم التي أدت بهم على الضلال وتحريف كلام الله جل وعلا - عياذاً بالله - وحمله على غير المراد به، ومن ذلك وتهجمهم وتجهيلهم لسلف هذه الأمة .


ونجد في عصرنا الحديث (زاهد الكوثري) بنزعته وتعصبه للإتجاه نفسه الذي حمله قبله الرازي وغيره
من قبل يقول: أن أبن خزيمة قد أساء لنفسه بتأليفه كتاب التوحيد !! أنه سقط بسبب كلامه في إثبات مادلت عليه النصوص من الكتاب والسنة من إثبات أسماء الله وصفاته !!!

ويا لله العجب : فهل نعتبر أئمة الإسلام كالبخاري ومسلم وأحمد والد ارمي وابن منده ، واللالكائي قد أساؤا وسقطوا ؟!!!!!
لإن ماذكره ابن خزيمة لا يخرج عما جاء في كتبهم بل نصوصه هي نصوصهم وكلامه هو كلامه ، والذي حمل الكوثري على الكلام في علماء السلف وتطاوله عليهم هو تعصبه بجهل وحمق لمن يسمون بالخلف ، ممن فتنوا بعلم الكلام والمنطق وفلسفة اليونان الإغريق والتأويل الباطل ،

فالكوثري : لايكف عن إظهار عدائه الشديد لأئمة السلف ودعاة التوحيد قديماً وحديثاً في جميع تعليقاته يصفهم ويتهمهم زوراً وكذباً كأسلافه بالتجسيم والتشبيه ! ويركز في طعنه على شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وغفر له مع رد شيخ الإسلام الصريح على المجسمة والمشبهة كما في العقيدة الحموية .

ولكن أصحاب البدع والضلال والدعاوى الكاذبة الظالمة والتأويلات الجائرة والعقول المريضة التي تتخيل في ربها وخالقها ما تشاء وتصفه بما لا يليق بجلال وجه وعظيم سلطانه توحيداً، لا يستغرب منهم طعنهم وكيدهم لأهل السنة والجماعة في كل عصر ومصر فحسبنا الله ونعم الوكيل .


"ب - مذهبه :

هو شافعي المذهب تلقى الفقه عن أكابر علماء الشافعية أمثال :
1- الإمام إسماعيل بن يحي بن إسماعيل المزني ، صاحب الإمام الشافعي - رحم الله الجميع- المتوفى عام (264هـ)

2- والفقيه العلامة : الربيع بن سليمان المرادي ، وغيرهما من أفاضل العلماء ، فصار فقيهاً مجتهداً يرجع إليه بالفتوى في بلده إلا أنه غلب عليه الإسناد وجمع طرق الحديث فصار بهما أشهر .



"وفـــــــــــاته :

"توفى -رحمه الله تعالى - ليلة السبت الثاني من ذي القعدة سنة إحدى عشرة وثلاث مائه وعمره (89)سنة
ولأبن خزيمة ترجمة طويلة جداً في تأريخ نيسابور تكون في بضعاً وعشرين ورقةً ، ومن ذلك وصيته وقصيدتان رثي بهما رحمه الله تعالى وغفر له .
ومما قيل في رثائه :

يا ابن إسحاق قد مضيت حميداً + فسقى قبرك السحاب الهتون
ما توليــــــــــــــــــــــت بل العلم ولى + ما دفناك بل هـــــو المدفون


رحمه الله تعالى وغفر له ..

تنبيه مهم :

## قال الشيخ العلامة سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز _ رحمه الله تعالى وغفرله-
وإطلاق لفظة إمام الأئمة على ابن خزيمة رحمه الله تعالى وغفر له- من الغلو .##


## قال عنه الشيخ العلامة/ صالح ابن فوزان الفوزان : هو أحد العلماء الفحول الفطاحل فقد شهد له علماء عصره وشيوخه وتلاميذه بالحفظ والعلم والقدرة على الاستنباط ، وهو من متقدمي علماء السنة ومن طبقة الإمام أحمد والبخاري ومسلم وغيرهما فتخريجه للحديث يعتمد عليه ويوثق به ولا سيما في نصوص الصفات وأدلة العقيد ة.
(( إلا أن له بعض الآراء التي له فيها وجة نظر خاصة قد لاتكون مسلمة له مثل رأيه في حديث : ( خلق الله آدم على صورته ) وتفسيره لقوله تعالى { لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (الأنعام:103) وغير ذلك

ثم أردف قائلاً حفظه الله تعالى وأمد في عمره على طاعته ونصرته للسنة وقمعه للبدعة وأهلها قال :
ونسأل الله عز وجل أن يعز دينه ويعلي كلمته ويخذل أعداءه - وإذا كان المبتدعة الضلال وأصحاب الملل الفاسدة الآن جادين في إخراج تراثهم العفن ونشر كتبهم الفاسدة وترويج أفكارهم الضالة تدعمهم منظمات الكفر والإلحاد-
فإن على أهل السنة والجماعة والفرقة الناجية أن ينشطوا لإخراج كتب العقيدة الصافية وفقه الكتاب والسنة ونهج سلف الأمة الصالح ليكون سلاحاً بأيدي الدعاة إلى الله والمدافعين عن الحق يدحضون به كل شبهة و يدمغون به كل باطل قال تعالى { وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً* وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً} (الاسراء : 81 - 82 )
بتصرف من تصدير الشيخ صالح ابن فوزان الفوزان حفظه الله على كتاب التوحيد ..##
والحمدلله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه

12d8c7a34f47c2e9d3==