المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وهذا الطريق إنما يسلكه أبعد الناس عن الخير والدين والإيمان


كيف حالك ؟

عبدالله العامري
09-27-2004, 01:01 PM
.

قال شيخ الاسلام ابن تيمية : أما القدر فإنه لا يحتج به أحد إلا عند إتباع هواه فإذا فعل فعلاً بمجرد هواه وذوقه، ووجده من غير أن يكون له علم بحسن الفعل ومصلحته استند إلى القدر كما قال المشركون "لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء" قال الله تعالى: "كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا? إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون، قل ولله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين" فبين أنهم ليس عندهم علم بما كانوا عليه من الدين وإنما يتبعون الظن، والقوم لم يكونوا ممن يسوغ لكل أحد الاحتجاج بالقدر فإنه لو خرب أحد الكعبة أو شتم إبراهيم الخليل أو طعن في دينهم لعادوه وآذوه كيف وقد عادوا النبي صلى الله عليه وسلم على ما جاء به من الدين وما فعله هو أيضاً من المقدور? فلو كان الاحتجاج بالقدر حجة لكان للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه فإن كان كل ما يحدث في الوجود فهو مقدر، فالمحق والمبطل يشتركان في الاحتجاج بالقدر إن كان الاحتجاج به صحيحاً ولكن كانوا يعتمدون على ما يعتقدونه من جنس دينهم وهم في ذلك يتبعون الظن ليس لهم به علم بل هم يخرصون. وموسى لما قال لآدم: لماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة? فقال آدم عليه السلام فيما قال لموسى: لم تلومني على أمر قدره الله علي قبل أن أخلق بأربعين عاماً? فحج آدم موسى - لم يكن آدم عليه السلام محتجاً على فعل ما نهي عنه بالقدر ولا كان موسى ممن يحتج عليه بذلك فيقبله بل آحاد المؤمنين لا يفعل مثل هذا فكيف آدم وموسى? وآدم قد تاب مما فعل واجتباه ربه وهدى وموسى أعلم بالله من أن يلوم من هو دون نبي على فعل تاب منه فكيف بنبي من الأنبياء? وآدم يعلم أنه لو كان القدر حجة لم يحتج إلى التوبة ولم يجر ما جرى من خروجه من الجنة وغير ذلك، ولو كان القدر حجة لكان لإبليس وغيره وكذلك موسى يعلم أنه لو كان القدر حجة لم يعاقب فرعون بالغرق ولا بنو إسرائيل بالصعقة وغيرها كيف وقد قال موسى: "رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي" وقال: "فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين" وهذا باب واسع وإنما كان لوم موسى لآدم من أجل المصيبة التي لحقتهم بآدم من أكل الشجرة ولهذا قال: لماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة? واللوم لأجل المصيبة التي لحقت الإنسان نوع واللوم لأجل الذنب الذي هو حق الله نوع آخر، فإن الأب لو فعل فعلاً افتقر به حتى تضرر بنوه فأخذوا يلومونه لأجل ما لحقهم من الفقر لم يكن هذا كلومه لأجل كونه أذنب والعبد مأمور أن يصبر على المقدور، ويطبع المأمور، وإذا أذنب استغفر كما قال تعالى: "فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك" وقال تعالى: "ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه" قال طائفة من السلف هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم فمن احتج بالقدر على ترك المأمور، وجزع من حصول ما يكرهه من المقدور، فقد عكس الإيمان والدين، وصار من حزب الملحدين المنافقين، وهذا حال المحتجين بالقدر فإن أحدهم إذا أصابته مصيبة عظم جزعه وقل صبره فلا ينظر إلى القدر ولا يسلم له، وإذا أذنب ذنباً أخذ يحتج بالقدر فلا يفعل المأمور، ولا يترك المحظور، ولا يصبر على المقدور، ويدعي مع هذا أنه من كبار أولياء الله المتقين، وأئمة المحققين الموجودين، وإنما هو من أعداء الله الملحدين، وحزب الشيطان اللعين، وهذا الطريق إنما يسلكه أبعد الناس عن الخير والدين والإيمان، تجد أحدهم أخير الناس إذا قدر، وأعظمهم ظلماً وعدواناً، وأذل الناس إذا قهر، وأعظم جزعاً ووهناً، كما جربه الناس من الأحزاب البعيدين عن الإيمان بالكتاب والمقابلة من أصناف الناس، والمؤمن إن قدر عدل وأحسن، وإن قهر وغلب صبر واحتسب، كما قال كعب بن زهير في قصيدته التي أنشدها للنبي صلى الله عليه وسلم التي أولها: بانت سعاد الخ..، في صفة المؤمنين:


ليسوا مفاريح إن نالت رماحهم=يوماً وليسوا مجازيعاً إذا نيلوا

كتاب جامع الرسائل

.

12d8c7a34f47c2e9d3==