المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التنبيــه الوفي عـلى مخالفات أبي الحـسن المصري لفضيلة الشبخ العلامــة أحمد بن يحيي ال


كيف حالك ؟

مشعل عبدالله
09-24-2004, 02:07 AM
التنبيه الوفي على مخالفات أبي الحسن المأربي


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه.
وبعد: فقد وصلني ردٌّ أو احتجاجٌ أو معاتبةٌ من الشيخ أبي الحسن المأربي في السؤال الموجه إليَّ حيث يقول السائل:
السؤال الأول: فضيلة الشيخ أحمد بن يحيى النَّجمي -حفظه الله- سؤال: هل صحيح أنَّكم تراجعتم عن تبديع أبي الحسن المصري؟
الجواب: لا؛ هذا القول ليس بصحيح.
ثُمَّ قال: التعليق على الجواب الأول أقول -القول لأبي الحسن-: وبالله التوفيق-:
ما الذي حملكم أيها الشيخ الفاضل على تبديعي أولاً؟ ثُمَّ ما الذي حملكم على الثبات على ذلك، وعدم التراجع؟ المطلوب من الشيخ -سلَّمه الله- أن يذكر أمورًا علمية أو حسية، فلا مجال لقبول تَهويلٍ أو ادعاءٍ عريض كما لاحظ كثيرٌ من الخلق في كلام الشيخ ربيع -وفقه الله-؟.
الرد على هذه الفقرة:
وأقول أولاً: وقبل كل شيء دفاعكم عن سيد قطب، وقولكم فيه أنه يحمل مجمل كلامه على مفصله مع العلم أنَّ سيد قطب:
1- فسَّر سورة الإخلاص بعقيدة أصحاب وحدة الوجود( ).
2- أنَّ سيد قطب كفَّر أمَّة محمدٍ ج في مقدمة تفسير سورة الحجر فقال: "إنَّه ليس على وجه الأرض اليوم دولةٌ مسلمة، ولا مجتمعٌ مسلم قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله والفقه الإسلامي"( ).
3- أنَّه وصف موسى u بأنَّه رجلٌ عصبي المزاج، وهذه فيها تنقصٌ لرسول من أولي العزم -صلوات الله( ) وسلامه عليه-.
4- أنَّه تكلم على جماعة من الصحابة منهم عثمان بن عفان t وأسقط خلافته من بين الخلافات( ).
5- أنَّه سبَّ معاوية، وعمرو بن العاص -رضي الله عنهما- بكلامٍ قبيح حيث وصفهم بالمكر والخيانة والخديعة وشراء الذمم( ).. إلخ.
6- أنَّه ميَّع صفات الله T في كل مكان وجدت فيه صفةٌ من صفات الله في القرآن الكريم ففسَّر الاستواء بالهيمنة، وهناك عباراتٌ أخرى قالها في صفة الوجه، واليدين، وغير ذلك( ).
7- قوله: "ولابدَّ للإسلام أن يحكم لأنَّه العقيدة الوحيدة الإيجابية الإنشائية الَّتِي يصوغ من المسيحية والشيوعية معًا مزيْجًا كاملاً يتضمن أهدافهما جميعًا، ويزيد عليهما التوازن، والتناسق والاعتدال"( ) ا’.
وهذا كفر حيث جعل القرآن مستمدًا من العقيدة المسيحية المحرفة والشيوعية الملحدة ونسي أنه وحيٌ من عند الله.
8- أنَّه قال عن مساجد المسلمين بأنَّها: "معابد جاهلية" ولَم يستثن من ذلك شيئًا بل عمَّمها( ) وبالجملة، فإنَّ دفاعك عنه مع وجود هذه الكوارث وغيرها يدل على عدم استنكارك لهذه الأمور، وهذا دليلٌ واضح على تورطك في الدفاع عن المبتدعة؛ سواء كانت بدعهم مكفرة أو مفسقة، وما ذلك إلاَّ قناعة منك بأقوالهم، وهذا يكفي في إدانتك بالبدعة.
ثانيًا: دفاعك عن المغراوي التكفيري الذي يكفر بالمعصية، وذلك ظاهر كلامه بحيث يسمِّي المعاصي الَّتِي يقع فيها المسلمون: " بأنَّها عبادة عجل كعجل بني إسرائيل( )، وأنَّ الطاعة في معصية الله صنمية( )" أي أنَّ من أطاع شخصًا فقد اتخذه صنمًا، وأنت تدافع عنه، وتقول: " عندما يتكلم في قضية العجول، وعندما يتكلم في قضية الصنمية، ويتوسع، وعندما يتكلم في بعض العبارات الَّتِي ظاهرها تكفير صاحب المعصية لو أنِّي لا أعرف الشيخ المغراوي لقلت: إنَّه يكفر بالمعصية لو أنِّي لا أعرفه لقلت هذا لكنِّي لأنِّي أعرفه، فإنِّي أحمل المجمل على ما أعرفه من عقيدته الصريحة عندما أتكلم معه؛ لأنَّ هذه قاعدةٌ أنا أعرفها إنَّ كلام الرجال المجمل يحمل على المفصل"( ) ا’.
وقد قلت في تعظيمك، وتضخيمك للمغراوي: "كيف أزيل الجبل وأنصب قواطي الصلصة"( ).
وتواطئك مع المبتدعة حيث تمدحهم، وتثني عليهم، وتنسجم معهم، ولكنَّك تعادي السلفيين وتتكلم فيهم كما سننقله فيما بعد.
ثالثًا: وصفك لأصحاب رسول الله ج بأنَّهم غثائية( )، وهذا يدل على قلة احترامك لهم وكذلك كلامك عن أسامة بن زيد في قصته مع الرجل الذي قتله، وعاتبه النَّبِي ج فيه( ).
رابعًا: رميك للإخوة السلفيين الذين أنكروا عليك بعض ما قلته في الصحابة من الغثائية وغيرها ودعوك للرجوع فأبيت، وأصررت على ما أنت عليه؛ بل رميتهم بالحدادية؛ علمًا بأنَّ الحدادية( ) ظاهر قولهم التكفير ببدعة واحدة؛ لأنَّهم يقولون من عنده بدعةٌ واحدة من العلماء وجب علينا ألاَّ نترحم عليه، وألاَّ نقرأ في كتبه بل إنَّ من عنده بدعة يجب أن تحرق كتبه، وقد أحرقوا كتاب فتح الباري باعترافهم، وذلك بإخبار ثقة اعترفوا لديه( ).
خامسًا: قولك بحمل المجمل على المفصل في كلام الناس الذي يتقلب ويتحول بتحول قناعاتِهم واجتهاداتِهم ولو أخلصوا فيها، فكيف إذا كانت متأثرة بشهواتٍ، ورغبات يراعونَها، فتحوِّل قناعاتَهم، واجتهاداتِهم إلى عكس ما اقتنعوا به أولاً.
لهذا فإنَّ حمل المجمل على المفصل لا يكون إلاَّ في كلام الله وكلام رسوله ج الذي لا يتحول ولا يتخلف؛ أمَّا كلام من ليس بمعصوم فإنَّه إذا خالف فعله أثَّر الشك في ذلك القول بالتكذيب أو الشك في القائل بعدم الالتزام, وكذلك إذا خالف القولُ القول، ولهذا قال في الموافقات (ج4 ص85): "إذا وقع القول بيانًا فالفعل شاهدٌ ومصدِّقٌ أو مخصص ومقيد" ثُمَّ شرع في بيان ذلك إلى أن قال: "ولذلك كان الأنبياء عليهم السلام في الرتبة القصوى من هذا المعنى، وكان المتبعون لهم أشد اتباعًا، وأجرى على طريق التصديق بِما يقولون" إلى أن قال: "فالطبيب إذا أخبرك بأنَّ هذا المتناوَلْ سمٌّ فلا تقربه، ثُمَّ أخذ في تناوله دونك أو أمرك بأكل طعام أو دواء لعلة بك به مثلها, ثُمَّ لَم يستعمله مع احتياجه إليه دلَّ هذا على خللٍ في الإخبار أو في فهم الخبر، فلم تطمئنَّ النفس إلى قبول قوله، وقد قال تعالى: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة:44]، وقال: ﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَم تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ﴾ [الصف:2] قال: ويخدم هذا المعنى الوفاء بالعهد، وصدق الوعد قال تعالى: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْه﴾ [الأحزاب: من الآية23].
وفي ضده قال: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِين -75, فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ [التوبة:75، 76] ا’.
قلت: وإنَّ هذا التخلف الذي ذمَّه الله في أحوال الناس يمنع حمل مطلق كلامهم على مقيده ومجمله على مفصله، ولهذا قال في المصدر المذكور (ص86 ): "فاعتبر في الصدق مطابقة الفعل القول، وهذا هو حقيقة الصدق عند العلماء العاملين، فهكذا إذا أخبر العالم بأنَّ هذا واجبٌ وهذا محرم فإنَّما يريد على كل مكلف وأنَّه واحدٌ منهم، فإن وافق صدَّق، وإن خالف كذَّب".
ثُمَّ قال: "ومن الأدلة أنَّ المنتصب للناس في بيان الدين تنصَّب لهم بقوله وفعله، فكذلك الوارث لابدَّ أن يقوم مقام الموروث وإلاَّ لَم يكن وارثًا على الحقيقة". وشرع في بيان ذلك إلى أن قال في (ص88): "ولهذا تُسْتَعْظَم شرعًا زلة العالم، وتصير صغيرته كبيرة من حيث كانت أقواله وأفعاله جاريةً في العادة على مجرى الاقتداء، فإذا زلَّ حملت زلته عنه قولاً كانت أو فعلاً؛ لأنَّه موضوعٌ منارًا يهتدى به" إلى أن قال: "وقال عمر بن الخطاب t: $ثلاثٌ يهدمن الدين: زلة عالِم، وجدال منافق بالقرآن، وأئمة مضلون#. قال المعلق: وأخرجه الدارمي في السنن (ج1/71)" وعَّدد من أخرجه، وقال: "فهذه طرق‏ يشد القوي منها الضعيف، فهي صحيحة من قول عمر t وفي رفع الحديث نظر، والله أعلم.
وقال: "في الأصل ونحوه عن أبي الدرداء ولَم يذكر فيه الأئمة المضلين" وقال المعلق أيضًا: "أخرجه ابن عبد البر في الجامع رقم (1868) بسندٍ رجاله ثقات إلاَّ أنَّ فيه انقطاعًا, الحسن البصري لَم يسمع من أبي الدرداء" ثُمَّ قال: "وعن معاذ بن جبل: $يا معشر العرب كيف تصنعون بثلاث: دنيا تقطع أعناقكم وزلة عالِم، وجدال منافق بالقرآن#. قال المعلق: "أخرجه ابن عبد البر رقم (1872) بسندٍ حسن، وروي مرفوعًا ولايصح، ومثله عن سلمان أيضًا قال: وشبَّه زلة العالم بكسر السفينة؛ لأنَّها إذا غرقت غرق معها خلقٌ كثير.
وأقول: زلة العالم المخالفة للشرع ثَلمةٌ في الدين، فإن بينت للناس رقعت تلك الثلمة، وإن حاول الآخرون الاعتذار له، وتبرير خطئه اتسعت تلك الثلمة، وأثَّرت فسادًا في الدين، ومن ذلك اعتذار أبي الحسن للمغراوي وسيد قطب في مخالفاتِهم الشنيعة، وزعمه حمل مطلق كلامهم على مفصله، وهذا الصنيع يشكل قدحًا في عقيدة أبي الحسن، ودليلاً واضحًا على سقوطه وغرقه في الدفاع عن أهل البدع الَّتِي اعتذر لأصحابِها من تكفير، ووحدة وجود، وتأويل صفات، وغير ذلك فإن قال: أنا تبت على أيدي جماعة من علماء المدينة من عشرين مخالفة ومن ضمنها اعتذاري عن سيد قطب والمغراوي، وغير ذلك.
قلنا أولاً: إنَّ توبتك من عشرين بدعة، وبقاءك مع الباقي، ومنها قولك بحمل المطلق على المقيد والمجمل على المفصل في كلام الناس الذي ما زلت محتفظًا به هذا لا يعفيك بل أنت مازلت واقعًا في البدع( ).
ثانيًا: أنَّك بعد خروجك من المدينة، ومرورك على الشيخ ربيع في مكة وقال أنَّ عنده ملاحظات عليك أخرى، فأبيت أن تسمع كلامه وذهبت, فلو كان عندك توبةٌ صادقة لقلت: أنا تائب إلى الله من كل بدعة، فهلمَّ ملاحظاتك نضعها على بساط البحث، فما لَم يكن له مستند من كتابٍ ولا سنة فأشهدكم أنِّي متراجع عنه، ولكنَّك لَم تفعل.
ثالثًا: أنَّك ذهبت إلى الرياض، واجتمعت مع أصحاب البدع، وبلغني ذلك في حينه، وأسفنا مع أنِّي كنت فرحت أولاً بإعلان توبتك، والله الشاهد على ذلك.
رابعًا: قولك بالمنهج الواسع؛ ومعنى ذلك أنَّ المنهج الواسع عندك هو منهج يتسع لجميع الفئات من إخوانٍ، وقطبيين، وتبليغ، وسلفيين وغيرهم فما هذا الذي يتسع لأهل الحق والباطل إلاَّ منهجٌ مخترع من عندك وأنت تقول أنَّك سلفي، فأين سلفيتك.
وأظنُّك ستقول هذا خروجٌ عن الظاهر، وتدخلٌ في البواطن، وهذا الموضوع أنت تدندن عليه دائمًا، وتريد أن تمنع بذلك السلفيين من الكلام على الحزبيين، واتِّهامهم بالحزبية المبني على قرائن، وأنت تريد أن تلغي تلك القرائن، وهذا منك جهلٌ بما عليه أهل الإسلام أو جحودٌ له أو ترفُّعٌ بعقلك على عقولهم، وعلمك على علومهم، وإليك بعض تلك الآثار: روى ابن بطة في الإبانة الكبرى الأثر (رقم420/ ج2) عن الأوزاعي قال: $من ستر عنا بدعته لَم تخف علينا أُلْفَتُه#. قلت: يعني أنَّه إذا ألف أهل البدع، فإنَّه يعتبر منهم، فهل هؤلاء الأئمة خالفوا الكتاب والسنة حين حكموا بظاهر الصحبة على المصاحب؟.
وروى ابن بطة الأثر رقم (421) بسنده: $سمعت يحيى بن سعيد القطان قال: لما قدم سفيان الثوري البصرة جعل ينظر إلى أمر الربيع يعني ابن صبيح وقدره عند الناس سأل أيُّ شيءٍ مذهبه ؟ قالوا: ما مذهبه إلاَّ السنة قال: من بطانته؟ قالوا أهل القدر. قال: هو قدري#.
قال الشيخ -يعنِي المؤلف-: "رحمة الله على سفيان لقد نطق بالحكمة فصدق، وقال بعلم فوافق الكتاب والسنة" وفي الأثر رقم (429) فِي (ج2) بسنده إلى فضيل بن عياض أنَّه قال: $الأرواح جنودٌ مجندة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف, ولا يُمكن أن يكون صاحب السنة يمالئ صاحب بدعةٍ إلاَّ من النفاق#. وروى بسنده إلى الأوزاعي رقم الأثر (430) أنَّه قيل: "إنَّ رجلاً يقول: أنا أجالس أهل السنة، وأجالس أهل البدع، فقال الأوزاعي: هذا رجلٌ يريد أن يساوي بين الحق والباطل". وروى عن ابن عمر مرفوعًا رقم الأثر (431): $مثل المنافق في أمتي مثل الشاة العائرة بين الغنمين تصير إلى هذه مرة، وإلى هذه مرة لاتدري أيُّها تتبع#.
وفِي الأثر رقم (456) عن مقاتل بن محمد قال: "قال لي عبد الرحمن ابن مهدي يا أبا الحسن لا تجالس هؤلاء أصحاب البدع إنَّ هؤلاء يفتون فيما تعجز عنه الملائكة". وروى أثرًا أيضًا برقم (452) عن إسماعيل الطوسي قال: "قال لي ابن المبارك يكون مجلسك مع المساكين، وإياك أن تجلس مع صاحب بدعةٍ". وفي الأثر رقم (459) عن أبي الدرداء: "من فقه الرجل ممشاه ومدخله، ومجلسه". وفي الأثر رقم (461) عن الشعبي قال علي بن أبي طالب t لرجلٍ رآه يصحب رجلاً كرهه له:
وإياك وإياهحليمًا حين أخاهإذا ما هو ما شاهإذا ما هو حاذاهمقاييس وأشباهدليل حين يلقاهمــا يـخشــاه توقـاه ولا تصحب أخا الجهلفكم من جاهل أردىيقاس المرء بالمرءقياس النعل بالنعلوللشيء على الشيءوللروح على الروحوذو الحــزم إذا أبـصــر
وفي الأثر رقم (509) بسنده إلى محمد بن أبي صفوان الثقفي قال: "سمعت معاذ بن معاذ يقول: قلت ليحيى بن سعيد: الرجل وإن كتم رأيه لَم يخف ذلك في ابنه، ولا صديقه، ولا في جليسه".
وروى أحمد أيضًا بسنده رقم الأثر (510) إلى محمد بن علي بن الحسين بن حسان الهاشمي قال: سمعت محمد بن عبيد الله الغُلابي يقول: "كان يقال يتكاتم أهل الأهواء كل شيءٍ إلاَّ التآلف والصحبة ".
وروى بسنده رقم الأثر (511) حدثنا يوسف بن عطية قال: قال قتادة: "إنَّا والله ما رأينا الرجل يصاحب من الناس إلاَّ مثله وشكله، فصاحبوا الصالحين من عباد الله لعلكم أن تكونوا معهم أو مثلهم".
وأثرٌ آخر رقم الأثر (512) حدثنا سيار بن جعفر قال: "سمعت مالك بن دينار يقول: الناس أجناسٌ كأجناس الطير الحمام مع الحمام، والغراب مع الغراب، والبط مع البط، والصعو مع الصعو، وكل إنسانٍ مع شكله "ا’.
والآثار الَّتِي تدل على عمل أهل العلم بالقرآئن في كل زمان ومكان كثيرةٌ، ولابن القيم في الطرق الحكمية كلامٌ حول هذا فيما أذكر.
أترى يا أبا الحسن أنَّ علمك خيرٌ من علم هؤلاء الأئمة أو عقلك خيرٌ من عقولهم؟! كلا وما إخالك تدعي ذلك، فإن ادعيته كذبك الناس ولاموك وأخيرًا: يا أبا الحسن أرأيت دفاعك عن هؤلاء المبتدعة بدعًا كبرى من أصحاب وحدة الوجود الَّتِي لا كفر فوقها، وتكفير أولئك المبتدعة لعباد الله المسلمين، وما أخذ المغراوي وغيره من أصحاب التكفير إلاَّ من كتب سيد قطب، فهو أستاذهم في ذلك، فاتق الله يا أبا الحسن وعد إلى صوابك، واعلم أنَّ من بدَّعك من السلفيين لَم يبدعك اعتباطًا من دون مبررات لتبديعه لك, فلا تزعم ذلك مبررًا لك بقاءك في البدع وتكميم أفواه السلفيين عن أن يصفوك بما فيك والملتقى بين يدي من لا تخفى عليه خافية أمَّا قولك: سمِّ لي أيها الشيخ بجلاء ما هو الأصل الذي خالفت به أهل السنة وألحقت بسببه بأهل البدع فإنِّي لا أرى شيئًا من ذلك؟
أقول: تقدم الكلام على هذه الفقرة في قولك ما الذي حملكم أيها الشيخ الفاضل على تبديعي أولاً، ثُمَّ ما الذي حملكم على الثبات على ذلك -يعني على التبديع- وعدم التراجع ؟.
وأمَّا قولك: "وكذلك ألوف من طلاب العلم لايرون ذلك في كل ما كتبه أو سجله الشيخ ربيع" وأقول الشيخ ربيع رجلٌ مجاهد -جزاه الله خيرًا-، وأنا أغبطه بجهاده في نشر السنة، وقمع البدع وأهلها، واهتمامه بالسنة ونشرها بكل ما يستطيع؛ أسأل الله أن يجزيه عن ذلك خير الجزاء، ومن أجل ذلك، فأنا وجميع أهل السنة نحبه، ولكنَّا لانتابعه على باطل، ولانقلده بغير دليل، وأسأل الله أن يجعلني وإياه من المتعاونين على البر والتقوى.
وأما قولك: "وظني أن أكثر مادتكم من قبل فضيلته" فهذا القول لَم يصحبك فيه توفيق لما يأتي:
1- فهو في مكة، وأنا سكني قريب من الحدود اليمنية، وإنَّا لا نتواصل إلاَّ نادرًا.
2- إن أخذت مادتي منه على فرض فهو ثقة، ولا يمكن أن يدعي عليك شيئا لَم تقله أو تكتبه ولسنا على منهج أهل الباطل في ردِّ أخبار الثقات وقبول أخبار الكذَّابين، والمجهولين.
3- أنَّ الخصومة بيننا وبين أهل الأهواء في ذات الله ليست في مادة دنيوية أو في متاعٍ مادي زائل والحمد لله، ولسنا والحمد لله ممن يستجيز ظلمهم والتقوُّل عليهم.
وأمَّا قولك: "فإن قلتم: مسألة خبر الآحاد، فالحق معي، وليس مع الشيخ ربيع -سلمه الله-".
فأقول: مذهب أهل السنة والجماعة الاحتجاج بخبر الآحاد، وأنَّ خبر الآحاد حجةٌ ملزمة لمن بلغته، ويلزمه إذا قال بذلك أنَّها تفيد العلم وتوجب العمل كما هو معروفٌ عند الجمهور وأذكر أنِّي في عام 1376’. اشتريت كتاب الأم للشافعي، وبِهامشه كتاب اختلاف الحديث, أي: بِهامش الجزء الأخير منه، فعرضته على الشيخ حافظ، وكان حيًّا في ذلك الحين.
والمهم أنِّي قرأت كتاب اختلاف الحديث في ذلك الـوقت واستفدت منه هذه المسألة، ولعلَّك أنت لَم تكن قد خلقت في ذلك الحين، ومما قاله الشافعي في أول هذا الكتاب: "فإن قال قائلٌ: فأين الدلالة على قبول خبر الآحاد عن رسول الله ج؟ قيل له: إن شاء الله كان الناس مستقبلي بيت المقدس ثُمَّ حولهم الله إلى البيت الحرام، فأتى آتٍ أهل قباء وهم (فِي) الصلاة فأخبرهم أنَّ الله أنزل على رسوله كتابًا, وأنَّ القبلة حولت إلى البيت الحرام فاستداروا وهم في الصلاة إلى الكعبة، وأنَّ أبا طلحة وجماعةً كانوا يشربون فضيخ بسرٍ ولَم يحرم يومئذٍ من الأشربة، فأتاهم آتٍ فأخبرهم أنَّ الخمر قد حرمت، فأمر أناسًا فكسروا جرار شرابِهم ولا شك أنَّهم لا يُحْدِثُون مثل هذا إلاَّ ذكروه لرسول الله ج إن شاء الله، ويشبه أن لو كان قبول خبر من أخبرهم، وهو صادق عندهم مما لا يجوز لهم قبوله أن يقول لهم رسول الله ج قد كنتم على قبلةٍ، ولَم يكن لكم أن تتحولوا عنها إذ كنت حاضرًا معكم حتَّى أعلمكم أو يعلمكم جماعة أو عددٌ يسميهم لهم ويخبرهم أنَّ الحجة تقوم عليكم بمثلها لا بأقل منها"ا’.
وقد قلت هذا لتعلم أنَّك قد أسأت الأدب معي حينما تقول أنَّ مادتي كلها من عند الشيخ ربيع، وأسأت الأدب مع الشيخ ربيع -وفقه الله- حينما تتطاول عليه، وتقول: " وكذلك ألوفٌ من طلاب العلم لايرون ذلك في كل ما كتبه أو سجله الشيخ ربيع " علمًا بأنَّه لَم يقل بأنَّ خبر الواحد لايفيد العلم، ولايوجب العمل إلاَّ المعتزلة، ومن جاراهم من متكلمي الأشاعرة وبعضهم يقول: بأنَّ الخبر الآحادي لايؤخذ به في العقائد ويؤخذ به في غيرها، وبه يقول الغزالي المعاصر، وبعض أصحاب المنهج الإخواني، وقال في شرح روضة الناظر (ج2/112): "يجوز التعبد بخبر الواحد عقلاً خلافًا لقومٍ, أي: يجوز أن يتعبد الله تعالى خلقه بخبر الواحد بأن يقول لهم: اعبدوني بمقتضى ما يبلغكم عني، وعن رسول الله ج على ألسنة الآحاد وهذا هو قول الجمهور الأئمة الأربعة وغيرهم من الفقهاء والأصوليين خلافًا للجُبَّائي، وجماعةٌ من المتكلمين" ا’.
أقول: الجبائي من رءوس المعتزلة، ومتابعتكم للجبائي، وترككم جماهير أهل العلم من محدثين، وفقهاء، ومنهم الأئمة الأربعة؛ هذا دليلٌ واضحٌ على تورطكم في البدعة بدعة المعتزلة القائلين بأنَّ خبر الآحاد لا يفيد العلم.
وأقول: إنَّ خبر الآحاد يوجب العلم والعمل، وليس بجائز فقط؛ بل واجب، فإذا جاءنا خبر الآحاد مبنيٌّ على أنَّه يلزم الواحد منا إذا مسَّ ذكره أن يتوضأ لحديث بسرة، فإنَّ الواجب علينا أن نصدقه، ونعمل به. وأما قولك: "وقد نصَّ على قولي أكثر أهل العلم سلفًا وخلفًا" ا’.
وأقول: هذا منك تشبُّعٌ بأقوال المبتدعة -سامحك الله-، وردَّك إلى الحق ردًّا جميلا، وقد نقلت لك بعض ما استدل به الشافعي حاكيًا عن أهل السنة، وما ذكره شارح روضة الناظر عن أهل السنة( )، ومنهم الأئمة الأربعة، وأنَّه لَم يخالف في ذلك إلاَّ بعض المتكلمين الذين تابعوا الجبائي المعتزلي والكلام والخوض فيه هو خوضٌ في البدع؛ علمًا بأنَّ الذين خاضوا في الكلام ندموا في آخر حياتِهم فالحق ما ذهب إليه جمهور أهل العلم من محدثين، وأصوليين، وفقهاء؛ لأنَّه مؤيدٌ بأدلة لا بالدعاوى الفارغة، وقد استدل أهل السنة على لزوم الحجة بخبر الواحد أنَّ النَّبِي ج كتب إلى الملوك الذين كانوا في زمنه، وأرسل إلى كل واحدٍ منهم رسولا فلزمتهم الحجة بذلك، وهذا دليلٌ أنَّ خبر الواحد يوجب العلم إذا صحَّ على طريقة المحدثين، ويجب به العمل وتقوم به الحجة على من خالفه، وبالله التوفيق.
وأما قولك: "وإن قلتم مسألة المجمل والمفصل فالحق أيضًا معي، وقد ذكرت أدلة كثيرة على ذلك في أشرطتي: "القول الأمين في صد العدوان المبين" وكذلك في شريطي: "الرد على البيان", وهو قول علمائنا سلفًا وخلفًا.
ومِمَّن يصرَّح به في هذا الزمان صاحب الفضيلة الشيخ الكريم صالح الفوزان -حفظه الله-، وصاحب الفضيلة الشيخ عبد الْمُحسن العباد -حفظه الله- وغيرهما" ا’.
وأقول: أولاً: إنَّ حمل المجمل على المفصل لايكون إلاَّ في كلام المعصوم وهو كلام الله T وكلام رسوله ج لأنَّه لا يتحول ولا يتغير أبدًا. أمَّا كلام الناس الذي يتحول ويتغير بتحول أرآئهم واجتهاداتِهم، وانفعالاتِهم وتأثرهم بالمؤثرات الداخلية، والخارجية، فإنَّ الإنسان يستحسن اليوم شيئًا ويستقبحه غدًا، ويستقبح اليوم شيئًا، ويستحسنه غدًا، ولهذا فإنَّه لايحمل مجمل كلامه على مفصله، ولا أعرف أحدًا من أهل العلم الشرعي قال ذلك حسب معرفتي القاصرة، ولهذا يحكى عن أبي حنيفة أنَّه كان يقول لتلميذه أبي يوسف: " يا يعقوب لاتكتب كل ما أقول، فإنَّا نقول القول اليوم ونرجع عنه غدًا، ونقول القول غدًا ونرجع عنه بعد غدٍ، وقديْمًا قال قائل العرب:
ولا القلب إلاَّ أنَّه يتقلب وما سمي الإنسان إلاَّ لنسيه
أقول: إنَّ القلب في تقلبه يتحول من الشيء الذي هو عليه إلى شيء آخر، وقد يكون ضد الأول، فكيف يحمل مجمل كلامه على مفصله.
ثانيًا: إنَّ المغراوي كلامه صريحٌ في التكفير بالمعصية حيث يقول: "إذا كانت الأمة تتواتر وتتواصى، وتتفق على المعصية، وتتفق على الشرك، وتتفق على الانحراف،وتتفق على الانسلاخ من دين الله، وتتفق على الردة وتجهل كل المخالفات ماذا يقع لها" ا’. تفسير سورة البقرة شريط (14).
فقوله: "تتفق على الانسلاخ من دين الله، وتتفق على الردة" صريح في الحكم بالردة في جميع ما ذكر من المعصية، والشرك، والانحراف؛ لأنَّه لَم يفرق بين هذه المذكورات، فالشرك لا يكون مكفرًا يخرج من الملة إلا إذا كان شركًا أكبر، وبعد إقامة الحجة في حق المسلمين الذين انعكست في أفهامهم المقاييس، فكيف تحمل مجمل كلامه على مفصله كما قلت، وفي أي لغةٍ وفي أي شرع يتسنَّى لك هذا؟!!.
أيجوز لك يا أبا الحسن أن تتلاعب بالكلام هذا التلاعب الذي يخرج به عن قواعد اللغة والشرع؟!! أترى هذا التصرف ينَزِّه ساحتك، ويبرئُ ذمتك أمام الله ثُمَّ أمام أهل العلم وأصحاب العقيدة السلفية في الحاضر والمستقبل أم لا؟!!.
ثُمَّ اسمع إلى ما يقول المغراوي أيضًا: "فأصحاب نوحٍ، وأصحاب هود وأصحاب صالح كلهم ما يزالون موجودون -هكذا والصواب موجودين- في كل وقتٍ وحين، ولو ادعوا أنَّهم ينتسبون إلى أمة محمدٍ ج فإنَّ محمدًا بريء منهم، وهم براء منه مفهوم " ا’.
والظاهر: أنَّ قوله: "مفهوم يخاطب بِها السامعين عنده ومعنى ذلك أنَّ أمَّة محمدٍ ج الآن أصبحوا كفارًا كأصحاب نوحٍ، وأصحاب هود، وأصحاب صالح الذين أهلكهم الله بسبب كفرهم برسلهم، وعصيانِهم لهم بدليل قوله: ما يزالون موجودون في كل وقتٍ وحين، ولو ادعوا أنَّهم ينتسبون إلى أمة محمدٍ ج " فهذا تكفيرٌ بيِّنٌ واضح، وهو معزوٌّ إلى مواقف نوح u شريط (1) بواسطة كتاب الراجمات الأصولية الأثرية لتدمير قواعد الجهالة الحزبية.
وقال المغراوي: "فعمر لو شاهد ما يفعله المسلمون في مشارق الأرض ومغاربِها لجاهدهم جهاد الكفار شريط عمر (2). وقال المغراوي: "فإن أمرتك امرأتك بمعصية فلبيت لها، فهي صارت صنمًا؛ لأنَّك عبدتَها من دون الله" شريط مواقف إبراهيم (3) بواسطة المصدر المذكور.
وأقول: أيجوز لك يا أبا الحسن أن تلوي أعناق هذه الكلمات الَّتِي هي واضحةٌ، وظاهرةٌ في تكفير أمة محمدٍ ج؟!! وأنَّ المغراوي حين أطلقها لَم يرد بذلك إلاَّ التكفير، فاتق الله وتب إليه, إنَّ هذا هو قول الخوارج وعقيدتُهم الَّتِي أحياها سيد قطب في كتبه الَّتِي تأثر بِها خوارج هذا الزمن.
أمَّا قولك: "وهو قول علمائنا سلفًا وخلفًا" من هم علماءك سلفًا وخلفًا؟!! ألا تتقي الله وتترك هذه الادعاءات العريضة.
أمَّا قولك: "بل سأنقل لك أيها الشيخ الكريم من كتابكم "أوضح الإشارة في الرد على من أجاز الممنوع من الزيارة" طبعة الرئاسة العامة للإفتاء سنة (1405)" إلى آخر ما ذكرتم، ثُمَّ نقلت ما قلته في الكلمة الخامسة في الرد على من نسب إلى مالكٍ -رحمه الله- كلامًا في زيارة قبر النَّبِي ج ونص الكلام كالآتي: "رابعًا: إذا أشكل كلام مالكٍ، فعلى الباحث أن يجمع بعضه إلى بعض وينظر فيه، فإن فسَّر بعضه بعضا، وتبيَّن مراده منه؛ لا لأنَّه شرعٌ بنفسه، ولكن لنعلم موقف قائله من الشرع كما هو معلومٌ عندنا، وعند جميع أهل العلم أنَّ قائله من أئمة الدين، وممن لهم لسان صدقٍ في الآخرين، وهو بنفسه يقول: كل يؤخذ من قوله ويرد إلاَّ صاحب هذا القبر ويشير إلى قبر رسول الله ج , والمهم أنَّ الذي يجب علينا أن نجمع كلام مالك من مصادره، فإن اتضح الإشكال، وإلاَّ رددنا ما أشكل منه إلى كلام الله، وكلام رسوله ج وقد نظرنا في كلام مالك فوجدناه يفسِّر بعضه بعضا " ا’.
فأقول: إنَّ هناك اختلافًا بين المسألتين حمل المجمل على المفصل لا يجوز إلاَّ في كلام المعصوم ج, أمَّا إذا أشكل كلام بعض أهل العلم، وكان له كلامٌ في موضعين أو أكثر، فإنَّه يجب أن يجمع بعضه إلى بعض، فإن تبين الإشكال أخذ به سواءً كان للقائل أو عليه، وسواء صدَّق بعضه بعضا أو تناقض، فإن صدَّق بعضه بعضا دفعت الشبهة عن القائل، وإن تناقض حكمنا عليه بالتناقض فهذه مسألةٌ، وتلك مسألة، وغالبًا يحصل في الكلام الذي يكون فيه احتمال، فقد يجذبه الخصم المبتدع إليه، ويزعم أنَّ هذا القائل يوافق المبتدع في بدعته كما فعلت الصوفية أصحاب وحدة الوجود في حق أبي إسماعيل الهروي.
أمَّا قولك: "فهذا كلام صريحٌ من فضيلتكم تجمعون كلام العالم بعضه إلى بعض، وتردون ما أشكل من كلامه" ا’.
أقول: إلى هنا كلامه جيد أن يرد ما أشكل من كلام العالم إلى ما اتضح إذا كان في أحد الكلامين شيء من التعمية، والاحتمال الَّتِي تجعل الحكم عليه مشكلاً، وتجعل المتتبع للكلام في حيرة، وقد يأخذ بعض أهل البدع شيئًا من كلام العالم المشهور لما فيه من الاحتمال، ولو كان بعيدًا ليدخلوه في صفهم، ويجعلوه من حزبِهم ادعاءًا عليه بالباطل كما زعم في حق مالك في موقف الزائر إلى القبلة أو إلى القبر، وهكذا ما ادعي على أبي إسماعيل الهروي من الكلام الذي اتُّهم فيه، فخرَّجه أهل العلم على محمل حسن والمهم أنَّك مخطئٌ في زعمك هذا، وأنا قد قلت محترزًا، فعلى الباحث أن يجمع بعض كلامه إلى بعض، فإن فسَّر بعضه بعضا؛ لا لأنَّه شرعٌ بنفسه ولكن لنعلم موقف قائله من الشرع؛ ألاترى هذا الاحتراز يا أبا الحسن؟!! وقد كفانا الله أمرك بإجابات أهل السنة، وردهم عليك، وبالأخص ما كتبه العلامة المجاهد النبيل أبو محمد ربيع بن هادي -غفر الله لنا وله، ووفقنا وإياه-، وإن احتجاجك بكلامنا هذا احتجاجٌ في غير موضعه، وبالله التوفيق.
وأمَّا قولك: "فهذا كلام صريح من فضيلتكم تجمعون فيه كلام العالِم بعضه إلى بعض, وتردون ما أشكل من كلامه وهو المجمل عندي إلى ما يفسره من محكم كلامه الآخر " وأقول من هو أنا، ومن هو أنت حتى نخالف السلف؟!! ويقول الواحد منَّا هذا كذا عندي؛ إنَّه لا يسعني ويسعك، والثاني، والثالث إلاَّ منهج السلف، فإذا قلت هذا كذا عندي، ولَم يكن لك فيه سلف، فأنت ضائعٌ تعيش على ادعاءات فارغة، وأظنُّك أحسست بالمفارقة بين المسألتين، فقلت: "وهو المجمل عندي" وأنا لا أمنع جمع كلام العالم الذي فيه احتمال إلى كلامه الآخر ليتبين بالكلام الآخر, هل القائل يسير فيهما على وتيرةٍ واحدة أم أنَّ كلامه الآخر مناقضٌ للأول؛ بل أنَّ هذا الجمع المقصود منه أن يتبين هل هو مشى مع الحق، والأدلة في الموضعين، فتعرف نزاهته أو يتبين ميله في أحدهما، فيدان بذلك الميل. أمَّا حمل المطلق على المقيد، والمجمل على المبين، والعام على الخاص، فهذا لايكون إلاَّ في كلام المعصوم ج الذي لايكون إلاَّ حقًّا، والله الذي لا إله غيره أنَّه ما استقر في عقلي أبدا منذ دخلت المدرسة السلفية، وعرفت العلم أنَّ كلام الناس يحمل مجمله على مفصله؛ لأنَّ الفارق عظيم، والبون شاسع، فكلام الله، وكلام رسوله ج لا يتحول ولا يتغير اللهمَّ إلاَّ بالنسخ في زمن تنَزل الوحي، فاتق الله يا أبا الحسن، وجانب التمويه والتعمية على طلاب العلم، فأنت ستسأل عن كل ما تقول، وتكتب.
وقد سبق أن قلت أنِّي احترزت، فقلت: لا لأنَّه شرعٌ بنفسه، ولكن لنعلم موقف قائله من الشرع، وأعني بذلك أنَّه يحمد إن وقف مع الشرع ويذم إن حاد عنه، وأنت حينما تحاول تبرير موقف المغراوي، وتبرئته مما هو واقعٌ فيه من تكفير المسلمين بالذنب، والمعصية، والكبيرة وإخراجهم من الإسلام؛ بذلك فضحت نفسك، وتبين أنَّك مناصرٌ لأهل البدع وبذلك وقع عليك اللوم، والمقت بمداراتك، ومداجاتك عن المبتدعين فلا أنت أخرجتهم من البدع، ولا أنت نجوت منها، وعند الله الملتقى.
وقلت أيضًا: "أليس من أصول أهل السنة عدم الحكم بالتبديع على السني المعين إلاَّ بعد استيفاء الشروط، وانتفاء الموانع، كما صرح بذلك شيخ الإسلام -رحمه الله- كما في مجموع الفتاوى (ج 28/500/501)" ا’.
وأقول في الإجابة على هذا المقطع:
أولاً: أنَّا كنَّا نعتبرك من أهل السنة حتَّى تبين لنا مؤخرًا أنَّك لست منهم.
ثانيًا: بالرجوع إلى موضع الإحالة وهو (ج 28) من الفتاوى و (ص500) وجدنا أنَّ الكلام عن الخوارج والخلاف في كفر المعين منهم، والحكم بتخليده في النار؛ قال ابن تيمية -رحمه الله- في آخر (ص 500): "لكن تكفير الواحد المعين منهم، والحكم بتخليده في النار موقوفٌ على توفر شروط التكفير، وانتفاء موانعه " ا’.
وأقول: إنَّ هذا تمويهٌ منك يا أبا الحسن، فإنَّ الكلام هو في الخوارج في الخلاف في كفر المعين منهم، والحكم بتخليده في النار، وأنت تستدل به على الحكم بالبدعة على المبتدع مع ما بينهما من الفوارق، فقول شيخ الإسلام في كفر المعين من الخوارج، ويترتب على الحكم بكفره عدة أمور:
أولها: الحكم بخلوده في النار، وحرمانه من الشفاعة ومن الخروج من النار.
ثانيًا: يترتب على ذلك إباحة دمه.
ثالثًا: يترتب على ذلك عدم إرث ورثته؛ بل ماله يكون فيئًا لبيت مال المسلمين.
رابعًا: أنَّه لا يدفن في مقابر المسلمين.
خامسًا: لا يصلَّى عليه.
سادسًا: أنَّ امرأته تبين منه تلقائيًّا بدون طلاق.
أمَّا المبتدع، فإذا حكم ببدعته فهو باقٍ على إسلامه، ويحذَّر منه ويهجر للمصلحة حتى لا تنتشر بدعته؛ فوازن بين الحكمين، وقارن بين الأمرين؛ إنَّها والله كارثةٌ عظيمة أن تموِّه على طلاب العلم هذا التمويه مع الفوارق العظيمة؛ ألا تخشى الله؟! ألا تخاف الوقوف بين يديه في يوم ينعجم فيه الفصيح في المقال، وتذعن الخلائق فيه لحكم الكبير المتعال؟! ألا ترى أنَّك بقولك هذا قد قدحت في عدالتك؟!!.
والجواب على قولك: "إنَّ هذا الحكم منك أيها الشيخ بعيد عن أصول المنهج السلفي ولَم تسلم فيه من التسرع، وعدم المعرفة بكلامي وأدلتي، وما نقلته عن السلف في ذلك" ا’.
أولاً: أسألك عن أصول المنهج السلفي في الحكم على المبتدع ببدعته وهجره، والتحذير منه, ما هي هذه الأصول؟ ما عددها؟ ومن هو الذي قال بِها من السلف؟ وما هو النص الذي يؤيد به كل أصل؟ وما هي المصادر الَّتِي ذكر فيها ذلك؟!!.
ثانيًا: سأوجدك الآن من أقوال الصحابة، ومن بعدهم من السلف ما يدل على أنَّهم يحكمون على العاصي، والمستخف بأوامر الشرع، والمبتدع يحكمون عليه أول ما يظهر منه الاستخفاف أو البدعة أو المعارضة للشرع بما تقتضيه من سب، وتوبيخ أو لوم، وإعلان هجر:
فهذا عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- حدث بحديثٍ عن رسول الله ج أنَّه قال: $لا تَمنعوا النساء من الخروج إلى المساجد بالليل. فقال ابنٌ لعبد الله بن عمر: لا ندعهن يخرجن فيتخذنه دغلا. قال: فزبره ابن عمر، وقال أقول: قال رسول الله ج , وتقول: لا ندعهن# وفي رواية: $لا تَمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها. قال: فقال بلال بن عبد الله: والله لنمنعهن. قال: فأقبل عليه عبد الله، فسبه سبًّا سيئًا ما سمعته سبه مثله قط وقال أخبرك عن رسول الله ج وتقول والله لنمنعهن#( ).
قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في فتح الباري (ج2/ 622) طبعة دار الفكر في آخر كتاب الأذان باب خروج النساء إلى المساجد بالليل والغلس: "وأخذ من إنكار عبد الله على ولده تأديب المعترض على السنن برأيه وعلى العالم بِهواه وتأديب الرجل ولده وإن كان كبيرًا إذا تكلم بما لاينبغي له وجواز التأديب بالهجران, فقد وقع في رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد عند أحمد: $فما كلمه عبد الله حتَّى مات# ا’.
وهذا عبد الله بن مغفل رأى رجلا يخذف، فقال له: $لا تخذف، فإن رسول الله ج نَهى عن الخذف أو كان يكره الخذف، وقال إنه لا يصاد به صيد، ولا يُنْكَى به عدو، ولكنَّها قد تكسر السن، وتفقأ العين، ثُمَّ رآه بعد ذلك يخذف، فقال له: أحدثك عن رسول الله ج أنه نَهى عن الخذف أو كره الخذف وأنت تخذف؛ لا أكلمك كذا وكذا#( ) ولأبي بكرة t عنه حادثةٌ قريبةٌ من حادثة عبد الله بن مغفل( )، ولما قيل للإمام أحمد بن حنبل أنَّ ابن أبي قتيلة يقول عن أهل الحديث: إنَّهم قوم لا خير فيهم أو قال قوم سوء, فقام الإمام أحمد، وجعل ينفض ثوبه ويقول: "زنديقٌ، زنديقٌ، زنديق"( ).
ولما عرض كتاب المدلسين للحسين بن علي الكرابيسي على الإمام أحمد وهو لا يدري من ألَّفه وكان فيه الطعن على الأعمش، والنصرة للحسن بن صالح، وكان في الكتاب: إن قلتم أنَّ الحسن بن صالح كان يرى رأي الخوارج فهذا ابن الزبير قد خرج؛ قال المروذي: فلما قرأ على أبي عبد الله قال: هذا قد جمع للمخالفين ما لَم يحسنوا أن يحتجوا به( )، حذِّروا عن هذا" انظر شرح علل الترمذي لابن رجب (ج2/806) بتحقيق نور الدين عتر.
أفترى أنَّ هؤلاء الصحابة، وهؤلاء الأئمة قد تسرعوا في الحكم أمْ أنَّ الحق معهم، والخطأ عند من خالفهم؟!!.
وأنا والحمد لله لَم أتسرع في الحكم عليك، ولقد تريثت حوالي سبعة أشهر بل تزيد وكنت في أول الأمر أقول لا نريد أن نخسر أخًا سلفيًّا؛ ناقشوه بالَّتِي هي أحسن لعلَّ الله أن يهديه للرجوع إلى الصواب، وقد أرسل لكم الشيخ ربيع نصيحةً، وأرسل إليَّ صورة منها، وأرسل إليكم الشيخ محمد بن عبد الوهاب الوصابي نصيحةً، وأرسل إليَّ صورةً منها, فلما لَم تقبلوا النصائح بل أبديتم التغطرس، والتكبر، وأكثرتم اللجاج والمماحلة والمماحكة، ونزلت منكم أشرطة تتلوا أخرى رأينا أن ليس للرجوع إلى الحق منكم سبيل، فحسم الإخـوة السلفيون في اليمن الأمر بقرارهم الأخير، وكنت ممن أيَّده، ووالله ما ندمت على ما فعلت لحظة والحمد لله بل أرى أنِّي فعلت عين الصواب، وبعد هذا أتراني تسرعت في الحكم عليك بأنَّك مبتدعٌ.
فإن قلت نعم؛ بعد سبر هذه الحقائق فأنت مبطلٌ، وقد قال النَّبِي ج: $إنَّ أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان#( ).
وأمَّا قولك: "فإن قلتم لقد نصح أبا الحسن عدد كبير من العلماء، فأقول هؤلاء العلماء كلهم أخذوا من الشيخ ربيع -سلمه الله- ولَم يأتوا بجديد على ما قال، فلا حاجة إلى التهويل لأنَّ المصدر معروف، وليس عدة مصادر" ا’.
وأقول: إذا كان كله من عند الشيخ ربيع وهو حق، فما هو المانع من الرجوع إلى الحق؟!.
ثانيًا: هل يعقل أنَّ الناس كلهم يأخذون من الشيخ ربيع، ورأيهم منحصرٌ في رأي الشيخ ربيع ونقدهم منحصرٌ في نقد الشيخ ربيع، وإجاباتُهم منحصرة في إجابات الشيخ ربيع؛ هذا لا يعقل أبدًا ولا يتصوره أحد أبدًا، فأضحت المبالغة والتهويل عندك؛ صحيح أنَّ الشيخ ربيع انتقدك انتقاداتٍ كثيرة؛ ناقش كتابك السراج الوهاج، وناقش أشرطتك، وناقش مقالاتك الَّتِي جنحت فيها عن الحق والصواب، وكان من حقك أن تشكره، حينما بصرك بالحق، ودلك على مواقع الخطأ عندك( ).
وأمَّا إجاباتي على السؤال الثاني، والثالث، فأرى أنَّها هي عين الصواب والحمد لله، ومناقشة أبي الحسن فيها فهي في غير محلها، وكذلك إجابتي على السؤال الرابع أرى أنَّ إجابتي عليه سديدة -إن شاء الله-؛ لأنَّ قول من قال: "بأنَّ الدعوة ليس لأحدٍ عليها وصاية" صحيح من ناحية أنَّ الدعوة السلفية هي دعوة الله، والله جلَّ شأنه هو الذي يختار لها حماةً من عباده يكرمهم بالمنافحة عنها، والرد على من خالفها، ويلهمهم بيان محاسنها والذود عن حياضها والمجاهدة في سبيلها؛ تعلمًا، وتعليما، وعملاً دعوةً وهم مع كونِهم يخدمونَها بألسنتهم، وأعمالهم وأنفسهم، وأموالهم لايرون لأنفسهم منَّةً؛ بل لله المنَّة عليهم أن هداهم لذلك؛ لكن إن كان قائل هذا القول يريد بذلك التخلص من سماع نصائح الناصحين، ودفع انتقادات المخلصين, فهذا أراد بِهذه الكلمة باطلاً، والله من ورائه فيما نوى وقصد، وقد دندن أبو الحسن على قولي كلمة حق، وأعجبته ولكنَّه امتعض من قولي أريد بِها باطلاً، فقال: "فهل أنت أيها الشيخ تعرفني؛ فضلاً عن أن تعرف نيتي، وقصدي ومرادي" وأقول: بل عرفت أنَّ قائل هذا القول ما قاله إلاَّ ليجعل لنفسه وليجةً يخرج بِها عن الالتزام بالنصائح، فهو يقول الدعوة ليس لأحد عليها وصاية، وأنا حرٌّ فليس لأحدٍ أن يلزمني بشيءٍ"، وهذه الكلمة، وهي كلمة حقٍّ أريد بِها باطل قالها على بن أبي طالب t في حرب صفين حينما رفع أهل الشام المصاحف، وقالوا: بيننا وبينكم كتاب الله، فهل يقال: أنَّ علي بن أبي طالب اطلع على ما في قلوب الذين قالوا هذه الكلمة؟ أمْ كان علي t عرف بفراسته أنَّ الذين رفعوا المصاحف إنَّما رفعوها، وقالوا بيننا وبينكم كتاب الله؛ إنَّما فعلوا ذلك طلبًا لتوقف القتال قبل أن تحصل الهزيمة عليهم تلافيًا للأمر حسب اجتهادهم، والله تعالى يقول: ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ﴾ [محمد: من الآية30] فلحن القول هو ما فهم من كلامهم قال ابن كثير في تفسيره: ﴿وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْل﴾ [محمد: من الآية30] أي فيما يظهر من كلامهم الدال على مقاصدهم يفهم المتكلم من أي الحزبين هو, هكذا في الكتاب، ولعل الصواب يفهم السامع بحال المتكلم من أي الحزبين هو بمعاني كلامه وفحواه، وهو المراد من لحن القول, قال أمير المؤمنين عثمان بن عفان t: $ما أسرَّ أحد سريرة إلاَّ أبداها الله على صفحات وجهه، وفلتات لسانه# وفي الحديث: $ما أسرَّ أحدٌ سريرة إلاَّ كساه الله جلبابَها إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشر#". انتهى من تفسير ابن كثير سورة القتال (محمد) (آية 30).
قلت: وما أشبه أصحاب البدع بالمنافقين، فإنَّهم يحبون التستر وراء النوايا والمقاصد الَّتِي لايعلمها إلاَّ الله، ولهذا فإن أبا الحسن أكثر من الدندنة على حديث أسامة، وبالأخص على قوله ج في ذلك الحديث: $أفلا شققت عن قلبه#( ) فقد أكثر من الدندنة على هذا الحديث واحتج به في أنَّ معرفة المقاصد والنوايا لايعلمها إلاَّ الله، وهذا صحيح في مسألة كمسألة أسامة فلا يجوز لأحدٍ أن يستبيح دم إنسانٍ على مفهوم قول لا يدري ما نية صاحبه فيه, ولا على كلام محتمل يحتمل أكثر من معنى، فلا يجوز في مثل هذا إزهاق روح القائل أو سفك دمه أو بتر عضو من أعضاءه بسبب من هذه الأسباب, وإنَّ القتل الذي هو إزهاق النفس، واستباحة الدم لايجوز إلاَّ على أمرٍ واضحٍ غاية الوضوح.
أمَّا الاستدلال عليه بما فهم من حاله أي من فحوى كلامه أو غير ذلك من العلامات، والقرآئن بأنَّه منافق أو بأنَّه مبتدع، فهذا لا مانع منه، وما موَّه به أبو الحسن في شرح حديث أسامة ليدافع به عن أصحاب المناهج المبتدعة الذين يدعون متابعة السنة، والمنهج السلفي، وهم كاذبون في ذلك، فهو باطل لما بينته، والأخذ بالدلائل والقرآئن المفهومة من فحوى الكلام أو من حالة العبد أيًّا كانت فهي مأخوذة في الاعتبار، ودالة على صدق التهمة إذا فهم صدقها بالقرائن, لكن لا يستباح بذلك إزهاق نفسه ولا قطع عضوٍ منه كالسارق مثلاً إذا عرف بالقرائن أنَّه سرق, لكن لَم يعترف بذلك صراحة، ولَم يثبت ذلك عليه ببينة، فإنَّه لا يستباح منه قطع اليد بمفهوم كلامٍ أو احتمال فيه أو قرينة كما وضحته، وبالله التوفيق.
قال: السؤال الخامس الموجه للشيخ النجمي -حفظه الله-: ما رأيكم فيمن يقول: إنَّا نتحفظ على كلام الشيخ ربيع على كلام أبي الحسن؟
الجواب: هذا يدل على أنَّهم حزبيون.
قلت: التعليق على الجواب الخامس: "إنَّ قولكم هذا أيها الشيخ الكريم ينَزل الشيخ ربيعًا -حفظه الله وأعلى قدره فوق منْزلته-، وما أظنُّه يحمله عقله على موافقتك على ذلك، فليس كل من خالف الشيخ ربيعًا كان حزبيًّا؛ فضلاً عن مجرد التحفظ على كلامه؛ إنَّ هذه كلمة عظيمةٌ منك أيها الشيخ، وهي عظيمة عليك أيضًا، فهل سيقرك على ذلك العلماء، وطلاب العلم؟ إنَّ هذا الأسلوب هو الذي نفَّر شباب الدعوة عن هذا التيار الذي يفت في عضد هذه الدعوة ويشمت بِها الأعداء، ويسلط عليها المتربصين بِها الدوائر؛ إنَّني أريد من الشيخ أن يراجع نفسه في هذا الإطلاق الذي تكون آثاره سيئة، وعاقبته وخيمة، فإنَّ التقليد والتقديس للأشخاص مفسدان للعقول والأديان؛ كما قال الشيخ ربيع نفسه" إلى أن قلت: "إنَّ هذه الكلمة فيها مصادرة لاجتهادات وعقول المخالفين للشيخ ربيع بالحق، ولذلك فهذه دعوى ليس فيها استماع ولا قبول وأدركوا يا أهل العلم كيف وصل الأمر بِهذه الدعوة" انتهى ما أردت نقله من كلام أبي الحسن.
وأقول: سامحك الله يا أبا الحسن، فهل أنا من دعاة التقديس للأشخاص أو المبيحين لذلك؟!! إنَّنِي بحمد الله من دعاة التوحيد، وقد عافاني الله كما عافى غيري من السلفيين أتباع الأثر عن تقديس الأشخاص وإعطاءهم فوق حقهم، ولا والله ما طرأ هذا ببالي، ولا دار في خيالي أبدًا لا عند إجابتي هذه، ولاقبلها، ولابعدها، ولكن كان السؤال فيه شيءٌ من التعمية: ما رأيكم فيمن يقول إنَّا نتحفظ على كلام الشيخ ربيع على كلام أبي الحسن؟ وكان المفروض ألاَّ أجيب عليه حتى يتبيَّن، ولكن أراد الله، وأنا الآن أبين ذلك، فالباعث على التحفظ يكون لأمور:
1- إنَّ التحفظ على الكلام، والعناية به يكون من أجل نفاسته تارةً ليكون شيئا معتبرًا يرجع إليه عند الحاجة.
2- وقد يكون التحفظ على الكلام لأمرٍ عكس ذلك، فيتحفظ عليه ويعتنى به ليكون حجةً على قائله.
3- وقد يكون التحفظ على الكلام من طرفٍ آخر يريد الوقيعة بين الطرفين اللذين يتحفظ على كلامهما، ولكون الباعث على التحفظ هنا غير معلوم، وكذلك المتحفظ أيضًا حملته حسب ما انقدح في خاطري في ذلك الوقت على أنَّ هذا المتحفظ قد تكون نيته سيئة، ولايكون كذلك إلاَّ إذا كان من الحزبيين، فهذا ما حصل حين إلقاء السؤال والإجابة عليه، ولست أريد به شخصًا بعينه، وأنت سامحك الله جعلتني مقدسًا للشيخ ربيع فهل رأيت في كتابي "أوضح الإشارة في الرد على من أجاز الممنوع من الزيارة" الذي نقلت منه ذلك المقطع هل رأيت فيه دعوة للغلو والتقديس أم فيه ردٌّ على أهل الغلو والتقديس؟ وهل رأيت في كتابي "المورد العذب الزلال" دعوة إلى التقديس والغلو أو ردٌّ على أصحابِها؟ وهل رأيت في كتابي "الرد الشرعي المعقول" دعوةً إلى التقديس؟ وهل رأيت في كتابي "رد الجواب على من طلب منِّي عدم طبع الكتاب" دعوةً إلى التقديس؟!!.
ألست أنت الذي تقول عن المغراوي التكفيري الخارجي كيف أزيل الجبل وأنصب قواطي الصلصة، فهل اتَّهمتك بأنَّك تقدس المغرواي،علمًا بأنَّك في هذا القول قدَّست المغراوي واستهنت برجال العقيدة والأثر وأهل السنة الذين انتقدوه، وقد سميتهم -أي: سميت أهل الأثر- ببغاوات وجهلة، وسميتهم شرذمة وغوغاء وصغار وحدادية؛ علمًا بأنَّ أحمد بن حنبل -رحمه الله- أنكر على من قال لإبراهيم بن موسى الرازي الذي كان يقال له الفراء الصغير، فكان أحمد ينكر على من يقول له الصغير، وكان يقول هو كبير في العلم والجلالة، وهذا القول من هذا الإمام -رحمه الله- تعليم للمسلمين أنَّه يجب عليهم أن يكرموا حملة سنة نبيهم ج والذابين عنها والمعتنين بِها، ويجلُّوهم تقديرًا لهم على ما قاموا به من حفظ السنة ونشرها؛ وأمَّا المبتدعة فهم تعلموا من أسيادهم تحقير أهل السنة وازدرائهم وبغضهم، فحسبنا الله عليهم.
ثُمَّ أنت تصوِّل، وتُهوِّل، وتزعم أنَّ الدعوة ضاعت حينما يتولاها ويقوم عليها أهل السنة والأثر وأقول: متى ستقوم الدعوة عندك حينما يتولاها المبتدعة التكفيريون من إخوانية، وسرورية وقطبيين أمثال المغراوي وعدنان عرعور، ومتعب الطيار، وغيرهم ممن تدافع عنهم؟ فاتق الله يا أبا الحسن، ولا تظنُّ أنَّ ما تعمله يخفى على الله؛ بل هو محسوبٌ عليك, إنَّ الدعوة دعوة الله، وسيوليها في المستقبل من يكونون أهلها حقًّا كما ولاها في الماضي من كانوا أهلها حقًّا كأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، وأمثال هؤلاء، فما هو الذي أتيته أنا عندما قلت هذا يدل على أنَّهم حزبيون اجتهادًا منِّي؟!!.
علمًا بأنِّي لو قلت قاصدًا بأنَّ كل من يتكلم في الشيخ ربيع فهو حزبي لَم أبعد عن الحقيقة ذلك؛ لأنَّ أهل السنة والحديث في كل زمانٍ ومكان لا يبغضهم إلاَّ المبتدعة( )، وقد قال يحيى بن سعيد القطان: "ليس في الدنيا مبتدعٌ إلاَّ وهو يبغض أهل الحديث، وقال أبو إسماعيل الصابوني: "وعلامات البدع على أهلها بادية ظاهرة, وأظهر آياتِهم وعلاماتِهم شدة معاداتِهم لحملة أخبار النَّبِي ج واستخفافهم( ) بِهم".
وقال أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان: "وعلامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر"( ). وإنِّي لأربأ بمن يزعم أنَّه من حملة علم الشريعة أن يقرَّ ما حرَّم الله من الكفر البواح كوحدة الوجود وكزعم سيد قطب أنَّ الإسلام مزيج من المسيحية المحرفة والشيوعية الملحدة, والمغراوي وأمثاله يصرحون بالتكفير، وأنت تنافح عن أهل هذه البدع المكفرة فضلاً عن البدع المفسقة؛ بل وتقدس أصحابَها وتحتقر أهل الحديث، وحملة السنة وأتباع الأثر المنافحين لأهل الباطل, وتقول أنَّك لَم تأت شيئًا يخالف السنة؛ أليس هذا من الكذب والتمويه والتلبيس؟!! أتريد أنَّ أهل الحق يسكتون عنك، وعن أمثالك من أهل الباطل, كلا, إنَّ هذا لايكون -إن شاء الله-، وإنَّك رغم تأييدك لأهل البدع المفسقة والمكفرة، تدعي أنَّك على السنة إمعانًا في الكذب والتلبيس والتضليل، والله يتولى حسابك، وجزاءك في الدنيا والآخرة، ولا أريد أن أكثر القول في هذا ولكن أختم بأنَّك أسأت الأدب بِهذه الكلمة, أمَّا كونك حزبيًّا، ومدافعًا عن أصحاب الحزبيات، وأهل البدع، هذا قد أصبح عندي أمرًا متيقنًا، بل وعند غيري من السلفيين؛ الذين تتبعوا أقوالك وبالله التوفيق.
أمَّا قولك: "ثُمَّ هل كل من كان فيه حزبية مبتدع خارج من أهل السنة والجماعة؟
الجواب: نعم؛ لأنَّ الحزبية هي بدعةٌ بنفسها، فمن رضي بِها، وسار في ركابِها، وناصر أصحابَها فهو مبتدعٌ، لأنَّ الأمة الإسلامية دعاها ربُّها إلى أن تكون أمَّةً واحدة؛ لأنَّ ربَّها واحد ودينها واحد، ونبيها واحد، فقال جلَّ من قائل: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُون﴾ [الانبياء:92]. وقولك: "وهل كل من كان كذلك يجب هجره أم ينظر إلى مآلات الأمور؟
فأقول: الهجر يجب أحيانًا، ويستحب أحيانًا، ويجوز أحيانا تبعًا لما تقتضيه المصلحة الشرعية في ذلك. هذا ما يسره الله، ونسأل الله -جلَّ شأنه- أن يمدنا بتوفيقه، ويعيننا على بيان ما يلقيه أهل الحزبيات والبدع من الشبه الضالة، فهو المعين على ذلك، وصلى الله على نبينا محمد، وعلىآله وصحبه.
حرر هذا الرد
أحمد بن يحيى بن محمد النجمي
6/10/1423’

12d8c7a34f47c2e9d3==