المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المقامة الدّينارية .. للحريري صاحب المقامات


كيف حالك ؟

الأثري السلفي
09-16-2004, 03:40 PM
رَوى الحارثُ بنُ هَمّامٍ قال: نظَمَني وأخْداناً لي نادٍ. لمْ يخِبْ فيه مُنادٍ. ولا كَبا قدْحُ زِنادٍ. ولا ذكَتْ نارُ عِنادٍ. فبيْنَما نحنُ نتجاذَبُ أطْرافَ الأناشيدِ. ونَتوارَدُ طُرَفَ الأسانيدِ. إذْ وقَفَ بِنا شخْصٌ علَيْهِ سمَلٌ. وفي مِشيَتِهِ قزَلٌ. فقال: يا أخايِرَ الذّخائِرِ. وبشائِرَ العَشائِرِ. عِموا صَباحاً. وأنْعِموا اصطِباحاً. وانظُروا الى مَنْ كان ذا نَديّ ونَدًى. وجِدَةٍ وجَداً. وعَقارٍ وقُرًى. ومَقارٍ وقِرًى. فما زالَ بهِ قُطوبُ الخُطوبِ. وحُروبِ الكُروبِ. وشَرَرُ شرِّ الحَسودِ. وانْتِيابُ النّوَبِ السّودِ. حتى صفِرَتِ الرّاحَةُ. وقرِعَتِ الساحَةُ. وغارَ المنْبَعُ. ونَبا المَرْبَعُ. وأقْوى المجْمَعُ. وأقَضّ المضْجَعُ. واستَحالَتِ الحالُ. وأعْوَلَ العِيالُ. وخَلَتِ المَرابِطُ. ورَحِمَ الغابِطُ. وأودى النّاطِقُ والصّامِتُ. ورَثى لَنا الحاسِدُ والشّامِتُ. وآلَ بِنا الدّهرُ الموقِعُ. والفَقْرُ المُدْقِعُ. الى أنِ احْتَذيْنا الوَجى. واغْتذدَينا الشّجا. واستَبْطَنّا الجَوى. وطَوَيْنا الأحْشاءَ على الطّوى. واكْتَحَلْنا السُهادَ. واستَوطَنّا الوِهادَ. واستوطأن القتاد. وتناسينا الأقتاد، واستطبنا الحين المحتاج واستَبْطأنا اليومَ المُتاحَ. فهل من حُرٍّ آسٍ. أو سمْحٍ مُؤاسٍ? فوَالّذي استَخْرَجَني من قَيلَه. لقَد أمْسَيتُ أخا عَيْلَه. لا أمْلِكُ بيْتَ ليْلَه. قال الحارِثُ بنُ همّامٍ: فأوَيْتُ لمَفاقِرِه. ولوَطْتُ الى استِنْباطِ فِقَرِهِ. فأبْرَزتُ ديناراً. وقُلتُ لهُ اختِباراً: إنْ مدَحْتَهُ نَظْماً. فهوَ لكَ حتْماً. فانْبَرى يُنشِدُ في الحالِ. من غيرِ انتِحال:
أكْرِمْ بهِ أصفَرَ راقَتْ صُفرَتُهْ *** جوّابَ آفاقٍ ترامَتْ سَفرَتُـهْ
مأثورَةٌ سُمعَتُهُ وشُـهـرَتُـهْ *** قد أُودِعَتْ سِرَّ الغِنى أسرّتُـهْ
وقارَنَتْ نُجحَ المَساعي خطرَتُه *** وحُبِّبَتْ الى الأنـامِ غُـرّتُـهْ
كأنّما منَ القُلـوبِ نُـقْـرَتُـهْ *** بهِ يصولُ مَنْ حوَتْهُ صُرّتُـهْ
وإنْ تَفانَتْ أو توانَتْ عِتْـرَتُـهْ *** يا حبّذا نُضارُهُ ونَـضْـرَتُـهْ
وحبّذا مَغْناتُـهُ ونـصْـرَتُـهْ *** كمْ آمِرٍ بهِ استَتَبّتْ إمـرَتُـهْ
ومُتْرَفٍ لوْلاهُ دمَتْ حسْرَتُـهْ *** وجيْشِ همٍّ هزمَتْـهُ كـرّتُـهْ
وبدرِ تِمٍّ أنـزَلَـتْـهُ بـدْرَتُـهْ *** ومُستَشيطٍ تتلظّى جمْـرَتُـهْ
أسَرّ نجْواهُ فلانَـتْ شِـرّتُـهْ *** وكمْ أسيرٍ أسْلمَتْـهُ أُسـرَتُـهْ
أنقَذَهُ حتى صفَتْ مـسـرّتُـهْ *** وحقِّ موْلًى أبدَعَتْهُ فِطْرَتُـهْ
لوْلا التُقَى لقُلتُ جلّتْ قُدرتُهْ ***

ثم بسَط يدَهُ. بعدَما أنْشدَهُ. وقال: أنْجَزَ حُرٌ ما وعَدَ. وسَحّ خالٌ إذ رَعَدَ. فنبَذْتُ الدّينارَ إليْهِ. وقلتُ: خُذْهُ غيرَ مأسوفٍ علَيْهِ. فوضَعهُ في فيهِ. وقال: بارِك اللهُمّ فيهِ! ثمّ شمّرَ للانْثِناء. بعْدَ توفِيَةِ الثّناء. فنشأتْ لي منْ فُكاهَتِه نشوَةُ غرامٍ. سهّلَتْ عليّ ائْتِنافَ اغْتِرامٍ. فجرّدْتُ ديناراً آخَرَ وقلتُ لهُ: هلْ لكَ في أنْ تذُمّهُ. ثم تضُمّهُ? فأنشدَ مُرتَجِلاً. وشَدا عجِلاً:
تبّاً لهُ مـن خـادِعٍ مُـمـاذِقِ *** أصْفَرَ ذي وجْهَيْنِ كالمُنـافِـقِ
يَبدو بوَصْفَينِ لعَـينِ الـرّامِـقِ *** زينَةِ معْشوقٍ ولوْنِ عـاشِـقِ
وحُبّهُ عنـدَ ذَوي الـحَـقـائِقِ *** يدْعو الى ارتِكابِ سُخْطِ الخالِقِ
لوْلاهُ لمْ تُقْطَـعْ يَمـينُ سـارِقِ *** ولا بدَتْ مظْلِمَةٌ منْ فـاسِـقِ
ولا اشْمأزّ باخِلٌ مـنْ طـارِقِ *** ولا شكا المَمطولُ مطلَ العائِقِ
ولا استُعيذَ منْ حَسـودٍ راشِـقِ *** وشرّ ما فيهِ مـنَ الـخـلائِقِ
أنْ ليسَ يُغْني عنْكَ في المَضايِقِ *** إلاّ إذا فـرّ فِـرارَ الآبِــقِ
واهاً لمَنْ يقْذِفُهُ مـنْ حـالِـقِ *** ومَنْ إذا ناجاهُ نجْوى الوامِـقِ
قال لهُ قوْلَ المُحقّ الـصّـادِقِ *** لا رأيَ في وصلِكَ لي ففارِقِ
فقلتُ له: ما أغزَرَ وبْلَكَ! فقال: والشّرْطُ أمْلَكُ. فنفَحتُهُ بالدّينارِ الثّاني. وقلتُ لهُ: عوّذهُما بالمَثاني. فألْقاهُ في فمِهِ. وقرَنَهُ بتوأمِهِ. وانْكفأ يحمَدُ مغْداهُ. ويمْدَحُ النّاديَ ونَداهُ. قالَ الحارِثُ بنُ همّامٍ: فناجاني قلبي بأنّهُ أبو زيدٍ. وأنّ تعارُجَهُ لِكَيدٍ. فاستَعَدْتُهُ وقلتُ له: قد عُرِفْتَ بوشْيِكَ. فاستَقِمْ في مشيِكَ. فقال: إنْ كُنتَ ابنَ هَمّامٍ. فحُيّيتَ بإكْرامٍ. وحَييتَ بينَ كِرامٍ! فقلتُ: أنا الحارثُ. فكيفَ حالُك والحوادِثُ? فقال: أتقلّبُ في الحالَينِ بُؤسٍ ورَخاءٍ. وأنقَلِبُ مع الرّيحَينِ زعْزَعٍ ورُخاءٍ. فقلتُ: كيفَ ادّعَيْتَ القَزَلَ? وما مِثلُكَ مَن هزَلَ. فاستَسَرّ بِشرُهُ الذي كانَ تجلّى. ثمّ أنشَدَ حينَ ولّى:
تعارَجْتُ لا رَغبَةً في العرَجْ *** ولكِنْ لأقْرَعَ بابَ الـفـرَجْ
وأُلْقيَ حبْلي على غـارِبـي *** وأسلُكَ مسْلَكَ مَن قد مرَجْ
فإنْ لامَني القومُ قلتُ اعذِروا *** فليسَ على أعْرَجٍ من حرَجْ

12d8c7a34f47c2e9d3==