المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مناظرة بين فقيهين في طهارة المني ونجاسته


كيف حالك ؟

بوخالد
09-14-2004, 06:24 PM
السلام عليكم

هذه مناظرة فقهية رائعة نقلتها لكم من كتاب بدائع الفوائد لابن قيم الجوزية رحمه الله

تفضلوا المناظرة في الملف المرفق

بوخالد
09-14-2004, 07:01 PM
مناظرة بين فقيهين في طهارة المني ونجاسته
من كتاب بدائع الفوائد – (3/119-126)
لابن قيم الجوزية
(691-751 هـ)

******************************




قال مدعي الطهارة:
المني مبدأ خلق البشر، فكان طاهراً كالتراب.

قال الآخر:
ما أبعد ما اعتبرت
فالتراب وُضع طهورا، ومساعدا للطهور في الولوغ، ويرفع حكم الحدث على رأي، والحدث نفسه على رأي، فأين ما يتطهر به إلى ما يتطهر منه ؟!

على أن الاستحالات تعمل عملها، فأين الثواني من المبادي؟ وهل الخمر إلا ابنة العنب، والمني إلا المتولد من الأغذية في المعدة ذات الإحالة لها إلى النجاسة، ثم إلى الدم، قم إلى المني

قال المُطهّر:
ما ذكرته في التراب صحيح، وكون المني يُتطهر منه لا يدل على نجاسته.
فالجماع الخالي من الإنزال يُتطهَّر منه، ولو كان التطهر منه لنجاسته لاختصت الطهارة بأعضاء الوضوء، كالبول والدم
وأما كون التراب طهوراً دون المني، فلعدم تصور التطهير بالمني، وكذلك مساعدته في الولوغ.
فما أبعد ما اعتبرت من الفرق وأغثَّه !!
وأما دعواك أن الاستحالة تعمل عملها، فنعم، وهي تقلب الطيب إلى الخبيث، كالأغذية إلى البول والعذرة والدم، والخبيث إلى الطيب، كدم الطمث ينقلب لبنا، وكذلك خروج اللبن بين الفرث والدم.
فالاستحالة من أكبر حُجَّتنا عليك، لأن المني دم قصرته الشهوة، وأحالته الحرارة من طبيعة الدم ولونه إلى طبيعة المني.
وهل هذا إلا دليل على مفارقته الأعيان النجسة، وانقلابه عنها إلى عين أخرى؟!
فلو أعطيت الاستحالة حقها، لحكمت بطهارته!

قال مدعي النجاسة:
المذي مبدأ المني، وقد دل الشرع على نجاسته، حيث أمر بغسل الذكر وما أصابه منه، وإذا كان مبدؤه نجسا فكيف بنهايته؟! ومعلوم أن المبدأ موجود في الحقيقة بالفعل.

قال المُطهَّر:
هذه دعوى لا دليل عليها!
ومن أين لك أن المني مبدأ المذي، وهما حقيقتان مختلفتان في الماهية والصفات والعوارض والرائحة والطبيعة؟!
فدعواك أن المذي مبدأ المني، وأنه مني لم تستحكم طبخه، دعوة مجردة عن دليل نقلي وعقلي وحسي، فلا تكون مقبولة.
ثم لو سلمت لك لم يفدك شيئا ألبته، فإن للمبادي أحكاما تخالفها أحكام الثواني.
فهذا الدم مبدأ اللبن، وحكمها مختلف، بل هذا المني نفسه مبدأ الآدمي، والآدمي طاهر العين، ومبدؤه عندك نجس العين!
فهذا من أظهر ما يفسد دليلك، ويوضح تناقضك، وهذا مما لا حيلة في دفعه، فإن المني لو كان نجس العين لم يطن الآدمي طاهراً، لأن النجاسة عندك لا تطهر بالاستحالة، فلا بد من نقض أحد أصليك.
- فإما أن تقول بطهارة المني.
- أو تقول: النجاسة تطهر بالاستحالة.
- وإما أن تقول: المني نجس، والنجاسة لا تطهر بالاستحالة، ثم تقول مع ذلك بطهارة الآدمي فتتناقض!
ما لنا إلا النكير له !!

قال المنجِّس:
لا ريب أن المني فضله مستحيلة عن الغذاء، يخرج من مخرج البول، فكانت نجسة كهو، ولا يَرِدُ على البصاق والمخاط والدمع والعرق، لأنها لا تخرج من مخرج البول.

قال المُطهًّر:
حكمك بالنجاسة إما أن يكون:
- للاستحالة عن الغذاء.
- أو للخروج من مخرج البول.
- أو لمجموع الأمرين.
فالأول باطل، إذ مجرد استحالة الفضلة عن الغذاء لا يوجب الحكم بنجاستها، كالدمع، والمخاط، والبصاق.
وإن كان لخروجه من مخرج البول، فهذا إنما يفيدك أنه متنجِّس لنجاسة مجراه، لا أنه نجس العين، كما هو أحد الأقوال فيه، وهو فاسد، فإن المجرى والمقرَّ الباطن لا يُحكم عليه بالنجاسة، وإنما يُحكم بالنجاسة بعد الخروج والانفصال، ويحكم بنجاسة المنفصل لخبثه وعينه لا لمجراه ومقره.
وقد عُلِم بهذا بطلان الاستناد إلى مجموع الأمرين.
والذي يوضح هذا أنا رأينا الفضلات المستحيلة عن الغذاء تنقسم إلى طاهر: كالبصاق، والعرق، والمخاط. ونجس: كالبول، والغائط، فدل على أن جهة الاستحالة غير مقتضية للنجاسة.
ورأينا أن النجاسة دارت مع الخبث وجودا وعدما.
فالبول والغائط ذاتان خبيثتان منتنتان مؤذيتان متميزتان عن سائر فضلات الآدمي بزيادة الخَبث والنتَن والاستقذار، تنفر منهما النفوس، وتنأى عنهما، وتباعدهما عنها أقصى ما يمكن!
ولا كذلك هذه الفضلة الشريفة التي هي مبدأ خيار عباد الله وساداتهم، وهي من أشرف جواهر الإنسان، وأفضل الأجزاء المنفصلة عنه، ومعها من روح الحياة ما تميزت به عن سائر الفضلات، فقيساها على العّذِرة أفسد قياس في العالم وأبعده عن الصواب !!
والله تعالى أحكم من أن يجعل مَحَالَّ وحيه ورسالاته وقربه، مبادئهم نجسة ! فهو اكرم من ذلك.
وأيضا، فإن الله تعالى أخبر عن هذا الماء، وكرر الخبر عنه في القرآن، ووصفه مرة بعد مرة، وأخبر أنه دافق، يخرج من بين الصلب والترائب، وأنه استودعه في قرار مكين.
ولم يكن الله تعالى ليكرر ذكر شيء كالعَذِرة والبول، ويعيده ويبديه، ويخبر بحفظه في قرار مكين، ويصفه بأحسن صفاته من الدَّفق وغيره، ولم يصفه بالمهانة إلا لإظهار قدرته البالغة أنه خلق من هذا الماء الضعيف هذا البشر القوي السوي. فالمَهين ها هنا ضعيف، ليس هو النجس الخبيث.
وأيضا، فلو كان المني نجسا، وكل نجس خبيث، لما جعله الله مبدأ خلق الطيبين من عباده والطيبات، ولهذا لا يتكون من البول والغائط طيِّب!
فلقد أبعد النُّجعة من جعل أصول بني آدم كالبول والغائط في الخبث والنجاسة.
والناس إذا سبوا الرجل قالوا: رجل خبيث، وهو خبيث الأصل! فلو كانت أصول الناس نجسة، وكل نجس خبيث، لكان هذا السبب بمنزلة أن يقال: أصله نطفة، أو أصله ماء، ونحو ذلك.
وإن كانوا إنما يريدون بخبث الأصل كون النطفة وضُعت في غير حِلِّها، فذاك خَبَث على خَبَث، ولم يجعل الله في أصول خواص عباده شيئا من الخبث بوجهٍ ما.

قال المنجِّسون:
قد أكثرتم علينا من التشنيع بنجاسة أصل الآدمي، وأطلتم القول وأعرضتم، وتلك الشناعة مشتركة الإلزام بيننا وبينكم! فإنه كما أن الله يجعل لخواص عباده ظروفا وأوعية للنجاسة: كالبول، والغائط، والدم، والمذي، ولا يكون ذلك عائدا عليهم بالعيب والذم، فكذلك خَلْقُهُ لهم من المني النجس! وما الفرق؟!

قال المطهِّرون:
لقد تعلقتم بما لا متعلَّق لكم به، واستروحتم إلى خيال باطل!
فليسوا ظروفا للنجاسة ألبته، وإنما تصير الفضلة بولاً وغائطاً إذا فارقت محلّها، فحينئذ يُحكم عليها بالنجاسة، وإلا، فما دامت في محلِّها فهي طعام وشراب طيب غير خبيث، وإنما يصير خبيثاً بعد قذفه وإخراجه.
وكذلك الدم إنما هو نجسٌ إذا سُفِحَ وخرج! فأما إذا كان في بدن الحيوان وعروقه، فليس بنجس، فالمؤمن لا ينجس، ولا يكون ظرفاً للخبائث والنجاسات.
قالوا: والذي يقطع دابر القول بالنجاسة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد علم أن الأمة شديدة البلوى في أبدانهم وثيابهم وفرشهم ولحفهم، ولم يأمرهم فيه يوما بغسل ما أصابه، لا من بدنٍ ولا من ثوبٍ ألبته.
ويستحيل أن يكون كالبول، ولم يتقدم إليهم بحرفٍ واحد في الأمر بغسله، و "تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه ممتنع عليه".
قالوا: ونساء النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الأمة بحكم هذه المسالة.
وقد ثبت عن عائشة أنها أنكرت على رجل أعارته ملحفة صفراء، ونام فيها فاحتلم فغسلها، فأنكرت عليه غسلها، وقالت:
"إنما يكفيه أن يفركه بأصبعه، ربما فركته من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصبعي".
ذكره ابن أبي شيبة: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن همام، قال: "نزل بعائشة ضيفُ.... (فذكره)".
وقال أيضاً: حدثنا هُشيم عن مغيرة عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت:
"لقد رأيتني أجده في ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأحتّه عنه" تعني: المني.
وهذا قول عائشة، وسعد بن أبي وقاص، وعبدالله بن عباس.
قال ابن أبي شيبة: ثنا هُشيم عن حصين عن مصعب بن سعد عن سعد:
"أنه كان يفرك الجنابة من ثوبه".
ثنا جرير عن منصور عن مجاهد عن مصعب بن سعد عن سعد:
"أن كان يفرك الجنابة من ثوبه".
حدثنا وكيع عن سفيان عن حبيب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في المني، قال:
"امسحه بإذخرة".
ثنا هشين: أنبأنا حجاج وابن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عباس في الجنابة تصيب الثوب، قال:
"إنما هو كالنخامة أو النخاعة، أمطه عنك بخرقة أو بإذخرة".
قالوا: وقد روى الإمام أحمد بن حنبل في "مسنده" من حديث عائشة رضي الله عنها- قالت:
"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلتُ المني من ثوبه بعرق الإذخر، ثم يصلي فيه، ويحتُّه من ثوبه يابساً، ثم يصلي فيه".
وهذا صريح في طهارته لا يتحمل تأويلاً ألبته.
قالوا: وقد روى الدارقطني من حديث إسحاق بن يوسف الأزرق: ثنا شريك عن محمد بن عبدالرحمن عن عطاء عن ابن عباس –رضي الله عنهما- قال:
"سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن المني يصيب الثوب؟ فقال: إنما هو بمنزلة البصاق والمخاط، وإنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو بإذخرة".
قالوا: هذا إسناد صحيح! فإن إسحاق الأزرق حديثه مخرَّج في "الصحيحن"، وكذلك شريك، وإن كان قد عُلِّلَ بتفرُّد إسحاق الأزرق به، فإسحاق ثقة يحتجُّ به في "الصحيحين" وعندكم تفرُّد الثقة بالزيادة مقبول.

قال المنجٍّسُ:
صح عن عائشة –رضي الله عنها- أنها: "كانت تغسله من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وثبت عن ابن عباس –رضي الله عنهما- أنه أمر بغسله.
قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا أبو الأحوص عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس، قال:
"إذا أجنب الرجل في ثوبه، ورأى فيه أثراً فليغسله، وإن لم ير فيه أثراً فلينضحه".
ثنا عبد الأعلى عن معمر عن الزهري عن طلحة بن عبدالله بن عوف عن أبي هريرة –رضي الله عنه-: أنه كان يقول في الجنابة في الثوب:
"إن رأيت أثره فاغسله، وإن علمت أن قد أصابه وخفي عليك فاغسل الثوب، وإن شككت فلم تَدْرِ أصاب الثوب أم لا، فانضحه".
ثنا عبدة بن سليمان عن سعيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر، قال:
"إن خفي عليه مكانه، وعلم أنه قد أصابه، غسل الثوب كله".
حدثنا وكيع عن هشام عن أبيه عن (زييد) بن الصلت:
"أن عمر بن الخطاب غسل ما رأى، ونضح ما لم ير، وأعاد بعدما أضحى متمكناً".
ثنا وكيع عن السري بن يحيى عن عبدالكريم بن رشيد عن أنس:
في رجل أجنب في ثوبه، فلم ير أثره، قال:
"يغسله كله".
ثنا جابر: ثنا حفص عن أشعث عن الحكم:
"أن ابن مسعود كان يغسل أثر الاحتلام من ثوبه".
ثنا حسين بن علي عن جعفر بن بُرقان عن خالد بن أبي عزة، قال:
سأل رجل عمر بن الخطاب فقال: إني احتلمت على طنفسة، فقال:
"إن كان رطبا فاغسله، وإن كان يابساً فاحككه، وإن خفي عليك فارششه".
قالوا: وقد ثبت تسمية المني أذىً كما سمِّي دم الحيض أذىً، والأذى هو النجس.
فقال الطحاوي:
ثنا ربيع الجِيزي: ثنا إسحاق بن بكر بن مضر، قال: حدثني أبي عن جعفر بن ربيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن سويد بن قيس عن معاوية بن خديج عن معاوية بن أبي سفيان أنه سأل أخته أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم:
"هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي يضاجعك فيه؟ قالت: نعم، إذا لم يصبه أذى".
وفي هذا دليلٌ من وجهٍ آخر، وهو ترك الصلاة فيه.
وقد روى محمد (عن) عبدالله بن شقيق عن عائشة قالت:
"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي في لُحف النساء".
قالوا: وأما ما ذكرتم من الآثار الدالة على مسحه بإذخرة وفركه، فإنما هي في ثياب النوم لا في ثياب الصلاة!
قالوا: وقد رأينا الثياب النجسة بالغائط والبول والدم لا بأس بالنوم فيها، ولا تجوز الصلاة فيها، فقد يجوز أن يكون المني كذلك!
قالوا: "وإنما تكون تلك الآثار حجة علينا لو كنا نقول: لا يصح النوم في الثوب النجس، فإذا كنا نبيح ذلك، ونوافق ما رويتم عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، ونقول من بعدُ: لا تصلح الصلاة في ذلك، فلم نخالف شيئاً مما روي في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم"!
قالوا: "وإذا كانت الآثار قد اختلفت في هذا الباب، ولم يكن فيها دليل على حكم المني كيف هو؟! اعتبرنا ذلك عن طريق النظر، فوجدنا خروج المني حدثا (من) أغلظ الأحداث، لأنه يوجب أكبر الطهارات، فأردنا أن ننظر في الأشياء التي خروجها حدث كبير كيف حكمها في نفسها؟! فرأينا الغائط والبول خروجهما حدث، وهما نجسان في أنفسهما، وكذلك دم الحيض والاستحاضة هما حدث، وهما نجسان في أنفسهما، ودم العروق كذلك في النظر!
فلما ثبت بما ذكرنا أن كل ما خروجه حدث فهو نجس في نفسه، وقد ثبت أن خروج المني حدث، ثبت أيضاً أنه في نفسه نجس، فهذا هو النظر فيه"

قال المطهِّر:
ليس في شيء مما ذكرت دليلٌ على نجاسته.
أما كون عائشة كانت تغسله من ثوب الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا ريب أن الثوب يُغسل من القذر والوسخ والنجاسة، فلا يدل مجرد غسل الثوب منه على نجاسته، فقد كانت تغسله تارةً، وتمسحه تارةً أخرى، وتفركه أحياناً، ففركه ومسحه دليل على طهارته، وغسله لا يدل على النجاسة، فلو أعطيتم الأدلة حقها لعلمتم توافقها وتصادقها، لا تناقضها واختلافها.
وأما أمر ابن عباس بغسله، فقد ثبت عنه أنه قال:
"إنما هو بمنزلة المخاط والبصاق، فأمطه عنك ولو بإذخرة".
وأمره بغسله للاستقذار والنظافة.
ولو قدر أنه للنجاسة عنده، وأن الرواية اختلفت عنه، فتكون مسألة خلاف عنه بين الصحابة، والحجة تفصل بين المتنازعين، على أنا لا نعلم عن صحابي –ولا أحد- أنه قال: إنه نجس. ألبته! بل غاية ما يرونه عن الصحابة غسله فعلاً وأمراً، وهذا لا يستلزم النجاسة.
ولو أخذتم بمجموع الآثار عنهم لدلت على جواز الأمرين: غسله للاستقذار، والاجتزاء بمسحه رطبا، وفركه يابساً كالمخاط.
وأما قولكم: ثبت تسمية المني أذى، فلم يثبت ذلك، وقول أم حبيبة "ما لم ير فيه أذى"، لا يدل على أن مرادها بالأذى المني، لا بمطابقة، ولا تضمن، ولا التزام !!
فإنها إنما أخبرت بأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي في الثوب الذي يضاجعها فيه ما لم يصبه أذى، ولم تزد، فلو قال قائل: المراد بالأذى دم الطمث، لكان أسعد بتفسيره منكم!
وكذلك تركه الصلاة في لحف نسائه لا يدل على نجاسة المني ألبته، فإن لحاف المرأة قد يصيبه من دم حيضها وهي لا تشعر، وقد يكون الترك تنزها عنه وطلب الصلاة على ما هو أطيب منه وأنظف، فأين دليل التنجيٍس؟!
وأما حملكم الآثار الدالة على الاجتزاء بمسحه وفركه على ثياب النوم دوم ثياب (الصلاة)، فنصرة المذاهب توجب مثل هذا!
فلو أعطيتم الأحاديث حقها، وتأملتم سياقها وأسبابها، لجزمتم بأنها إنما سيقت لاحتجاج الصحابة بها على الطهارة، وإنكارهم على من نجَّس المني.
وقالت عائشة –رضي الله عنها-:
"كنت أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركاً، فيصلي فيه".
وفي حديث ابن عباس موقوفاً ومرفوعاً:
"إنما هو كالمخاط والبصاق، فامطه عنك ولو بإذخرة".
وبالجملة: فمن المحال أن يكون نجسا، والنبي صلى الله عليه وسلم يعلم شدة ابتلاء الأمة به في ثيابهم وأبدانهم، ولا يأمرهم يوماً من الأيام بغسله، وهم يعلمون الاجتزاء بمسحه وفركه.
وأما قولكم: إن الآثار قد اختلفت في هذا الباب، ولم يكن في المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم بيان حكم المني. فاعتبرتم ذلك عن طريق النظر، فيقال:
الآثار بحمد الله في هذا الباب متفقة لا مختلفة، وشروط الاختلاف منتفية بأسرها عنها، وقد تقدم أن الغسل تارة، والمسح والفرك تارة جائز، ولا يدل ذلك على تناقض ولا اختلاف ألبته.
ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكل أمته في بيان حكم هذا الأمر المهم إلى مجرد نظرها وآرائها، وهو يعلمهم كل شيء حتى التَّخَلِّي وآدابه، ولقد بينت السنة هذه المسألة بيانا شافياً، ولله الحمد.
وأما ما ذكرتم من النظر على تنجيسه، فنظر أعشى، لأنكم أخذتم حكم نجاسته من وجوب الاغتسال منه، ولا ارتباط بينهما لا عقلاً ولا شرعاً ولا حسّاً!
وإنما الشارع حَكَمَ بوجوب الغسل على البدن كله عند خروجه كما حكم به عند إيلاج الحشفة في الفرج، ولا نجاسة هناك ولا خارج.
وهذه الريح توجب غسل أعضاء الوضوء وليست نجسة، ولهذا لا يستنجى منها، ولا يُغسل الإزار والثوب منها.
فما كل ما أوجب الطهارة يكون نجساً، ولا كل نجس يوجب الطهارة أيضاً.
فقد ثبت عن الصحابة أنهم صلُّوا بعد خروج دمائهم في وقائع متعددة، وهم أعلم بدين الله من أن يصلوا وهم مُحْدثون!!
فظهر أن النظر لا يوجب نجاسته، والآثار تدل على طهارته، وقد خلق الله الأعيان على أصل الطهارة، فلا يُنَجَّس منها إلا ما نجسه الشرع، وما لم يَرِدْ تنجيسه من الشرع فهو على أصل الطهارة، والله أعلم.

المندوس
09-14-2004, 10:45 PM
جزاك الله خيرا

12d8c7a34f47c2e9d3==