المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : البيان لموافقة عبد المحسن العبيكان لقول السلطان


كيف حالك ؟

شعيب الاسماعيلي
09-08-2004, 08:21 AM
البيان لموافقة عبد المحسن العبيكان لقول السلطان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبد ورسوله صلى الله عليه وسلم، وبعد:

فقد كتب بعض الناس في (الساحة الإسلامية) على شبكة الإنترنت كلامًا سيِّئًا في حق فضيلة الشيخ عبد المحسن العبيكان حفظه الله تعالى، لفتوًى صدرت من الشيخ بخصوص نازلة العراق، فأحببتُ الردَّ عليه باختصارٍ شديدٍ، قيامًا ببعض ما يجب على طلبة العلم تجاه علمائهم. دون أن أقف عند عباراته القبيحة، أو أنبِّه على أخطائه اللغوية والإملائية التي توجب على مثله البحث عمَّن يعلِّمه مبادئ اللغة بدل الاعتراض على العلماء، والتشويش على العامة من أمثاله، فأقول مستعينًا بالله تعالى:

1- إن المتتبع لفتاوى الشيخ في القضايا المعاصرة يظهر له بوضوح أنه حفظه الله إنما يفتي بها (تديُّنًا لله تعالى) ـ هكذا نحسبه ولا نزكيه على الله تعالى ـ، لكن لنا برهان على هذا الظاهر؛ وهو أنَّ الشيخ يعلم جيِّدًا أن الجهر بالحق في تلك القضايا يثير ضدَّه السِّفلة والغوغاء، فيتجرَّؤون عليه بألوان السباب والشتائم، وربما كفروه واستباحوا دمه. وهذا موقفٌ عظيم لا يطيقه إلا من كان على منهج الأنبياء وأتباعهم من العلماء الربَّانيِّين، أما من خالف طريقتهم، وخرج عن سبيلهم؛ فلا يتجرؤون على مخالفة العامة، بل غاية دعوتهم، وأهم مقاصدهم إرضاؤهم وكسب ودِّهم حتَّى يجتمعوا على ما يراد لهم ومنهم وبهم. فهذا الصنفُ لا يفتي (تديُّنًا)، بل (سياسةً)، لهذا تتناقض فتاواه، وتضطرب أقواله، وتتناقض مواقفه. ويكفي أن ينظر العاقل إلى فتاوى ومواقف من يوصفون بـ: (مشايخ الصحوة السياسية) ويقارنها بفتاوى ومواقف العلماء (المتديِّنين حقًّا) حتَّى يتبيَّن له صدق ما أدعيه. فالشيخ العبيكان ـ مثلاً ـ يفتي بتحريم العمليات الانتحارية جهارًا نهارًا من غير خوفٍ ولا تردُّدٍ، وهو في ذلك على مذهب شيخه الإمام ابن باز رحمه الله تعالى. أما (مشايخ الصحوة) فالفتوى عندهم في هذه المسألة (سياسة)، فمازالوا يؤيدونها، ويشجعونها، حتَّى جاءت حوادث 11/9 فوقعوا في حيرة واضطراب، فمنهم من سكت، ومنهم من حرَّم مطلقًا، ومنهم من رآها خطأً في التنفيذ، وهم في ذلك كله لا يجيزون فضح من وراء تلك العلميات، بل يؤكدون دائمًا أن أمريكا هي السبب والعلة، ثم لما جاءت العمليات إلى بلدهم، صاروا ينددون بها ويجزمون بتحريمها، ولكنهم دندنوا كثيرًا حول مبرِّراتها فلمَّا اشتدَّت وحلَّت قريبًا من دارهم؛ تركوا تلك الدندنة، وانتقلوا بهدوء إلى المحاماة والذب والشفاعة عن الفئة الضالة. وهكذا موقفهم من العمليات الانتحارية في العراق؛ كما يلاحظ جليًّا من المتابعة اليومية للأخبار التي تنشرها المواقع التابعة لهم، مثل موقع (الإسلام اليوم) وموقع (مفكرة الإسلام)؛ فإنهما دأبا على مباركة العمليات الموجهة ضد قوات الاحتلال، ووصفها بالاستشهادية، فإن كانت موجهة إلى أبناء الشعب العراقي من الشرطة وعامة الشعب؛ ذكروا خبر (انفجار سيارة مفخخة)، وحذفوا من الخبر أنها كانت (عملية انتحارية)، مع أن الجهة أو الجهات التي تتبنى تلك العمليات تتبناها جميعًا، والمجزرة الانتحارية التي حصل في بعقوبة، وراح ضحيتها أكثر من 130 من العراقيين المدنيين الأبرياء أقرب شاهد على هذا. فليتأمل العاقل الفرق بين الفتوى (الدينية) والفتوى (السياسية)، وليعرف الفرق بين أهل هذه وأهل تلك.

2- يتساءل الكاتب: بماذا سيفتي الشيخ لو أن ما وقع في العراق وقع في بلدٍ إسلاميٍّ آخر؟ وهذا سؤال يدل على ضيق أفق، وقصر نظر، وقلة علم. فالفتوى في النوازل تتغير حسب الزمان والمكان والأشخاص، ولكلِّ مقام مقال، والكلام في السياسة الشرعية مبني على النصوص الشرعية، وعلى اعتبار المصالح والمفاسد، والترجيح بين أعلى المصلحتين، وأقل المفسدتين. وهذه أمور قابلة للتغير والاجتهاد والنظر، لأنها ليست أمورًا تعبدية محضة.

3- ومن الظلم والجور قياس بلد له حاكم شرعي، وبيعة ثابتة، وأساس الحكم فيه الكتاب والسنة، والتوحيد والسنة ظاهران فيه، وأهل العلم والالتزام فيه معززون مكرمون، ببلدٍ آخر: احتلَّه حفنةٌ من البعثيِّين وهم يرددون قول شاعرهم:

(رضيت بالبعث رباً لا شريك له ######## وبالعروبة ديناً ما له ثانِ)

وحكموا أهله بالنار والحديد، وحاربوا الإسلام والسنة نحوًا من (35) سنة، وعلى رأسهم طاغية من أعتى طغاة الأرض، جمع في دكتاتوريته كفر فرعون، وإلحاد ماركس، ووحشية هولاكو، وظلم ستالين ولينين، ولم يبق في العراق أحدٌ من أهل الدين والخير إلا ناله شيءٌ من ظلم صدام وطغيانه، فمنهم من قتل، ومنهم من سجن وعذِّب، ومنهم من هام على وجهه مشرَّدًا في المنافي، وضاقت الأحوال بأهل العراق، وجأروا إلى الله تعالى يسألونه الفرج والخلاص. وشاء الله تعالى أن لا يكون ذلك إلا باحتلال جديد، وابتلاء متجدِّد، ولم يكن لأهل العراق فيه رغبة ولا اختيارٌ ولا قبولٌ، ولكن قدر الله وما شاء فعل.

4- ثم لما وقع البلاء، وتحقق الاحتلال؛ توافقت آراء العقلاء من أهل العراق رغم ما بينهم من اختلافات كبيرة دينية وفكرية وسياسية واجتماعية؛ على أن لا مخرج من هذه الفتنة إلا باجتماعهم على حكومة توافقية تحقق الحد الأدنى من المصلحة العامة للشعب العراقي بكل أطيافه، وتحول دون وقوع الحروب والفتن الطائفية والعرقية بين العراقيين أنفسهم الأمر الذي يتمناه العدو المحتلُّ. وتوافقت آراؤهم أيضًا على أن هذا لا يمكن أن يتحقَّق بالمقاومة المسلحة، لأن الاختلافات المذهبية والعرقية بينهم سيمكِّن العدو المحتل من استغلال بعض ضعاف النفوس من هذه الفئة في قمع تلك، ومن هذا المذهب لضرب ذاك، وهكذا يُسحق الشعب العراقي كله. وقد ظهرت بوادر لمثل هذه المحاولة في معارك الفلوجة والنجف، وكذلك في بعض التفجيرات الوحشية التي لا يعرف من يقف وراءها، لكن الشعب العراقي أظهر ذكاءً واتزانًا في ردود أفعاله، وتسارع رؤوس الناس من جميع الطوائف إلى تدارك الأمر، قبل أن يشعلها المغرضون فتنة مهلكة تحرق الأخضر واليابس.

5- ومن نظر في تصريحات ومواقف رؤوس أهل السنة في العراق (أعني الذين ليسوا من الشيعة) وهم كثر فيهم السلفيون، والإخوان المسلمون، والصوفية، وأئمة المساجد، وأساتذة الجامعات وغيرهم من الدعاة والمفكرين ورؤساء العشائر وأصحاب الجاه والمال؛ يظهر له بوضوح أن هذا هو موقفهم أيضًا، أعني: تجنب المواجهة العسكرية، والحرص على جمع الكلمة لإقامة حكومة عراقية مستقلة. هذا مع أن كثيرًا منهم يؤيد إعلاميًّا المقاومة باعتباره أداة ضغط ونكاية بالمحتل، أو باعتباره أمرًا واقعًا، أو تجنبًا لسخط تيارات المقاومة، لكن ظهر موقفهم الحقيقي عندما تسارعوا جميعًا إلى التوسط بين مجاميع المقاومة في الفلوجة وقوات الاحتلال من أجل الهدنة وإنهاء المواجهة المسلحة، وكان من أبرز المشاركين في تلك الوساطة (هيئة علماء المسلمين) برئاسة الشيخ حارث الضاري، وكان بعض أئمة المساجد في الفلوجة من أعضاء الهيئة يصرحون في مشاركاتهم في (قناة الجزيرة) أثناء العدوان على الفلوجة؛ أنهم حريصون على الهدنة ووقف القتال، وأن المسؤولين الأمريكيين هم الذين يماطلون ويتعسفون، وهذا كله حمل الجماعة التابعة للزرقاوي على اعتبار جهود الهيئة والحزب العراقي الإسلامي ووجهاء المدينة في وقف القتال؛ خيانة للمجاهدين، وخدمة للمحتلين، وطعنوا في الشيخ الضاري طعنًا شديدًا (كما في أشرطتهم المنشورة على الانترنت) ونشرت (مفكرة الإسلام) خبرًا مفاده أن (المجاهدين!) هاجموا بالقذائف مقر (الحزب الإسلامي في الرمادي) تعبيرًا عن غضبهم من دوره الخياني في الفلوجة!

6- وإذا استثنيا الدخلاء على العراق وآخرين من العراقيين المغترين بهم؛ فإن العراقيين جميعًا يدركون خصوصية المجتمع العراقي، فهو خليط من الأديان والملل والمذاهب والقوميات، وقد استطاع الاحتلال البعثي بمكره وخبثه زرع بذور الفتنة والشقاق والتناحر بينها جميعًا. وقبيل زواله أطلق جميع السجناء بمن فيهم القتلة واللصوص وقطاع الطرق وعصابات الجريمة، وتجار المخدرات. ثم جاء الاحتلال فألغى الحكومة ومؤسساتها، فعمَّ الفوضى، وانتشرت الجرائم، وكادت أن تنعدم الخدمات الضرورة العامة، وظهرت بوادر الصراع الداخلي والتدافع الديني والعرقي، إلى غير ذلك من أحوال خطيرة لا يعرفها إلا أبناء العراق أنفسهم، فهم يدركون خصوصيتهم التي تقضي بأن لا سبيل إلى الخروج من هذه المحنة إلا بالاجتماع على حكومة توافقية، تكون صمام أمان يمنع وقوع الحروب الأهلية والطائفية، وتعيد الأمن والاستقرار، وتمنع الجريمة الذي استشرى في المجتمع، وتسعى لإعادة بناء البنية التحتية للبلد، وتوفير الخدمات. وهذا كله يحتاج إلى تعاون العراقيين وتكاتفهم وتوحدهم واتفاقهم على الحد الأدنى، والقاسم المشترك العام الذي يمكن أن يكون أساسًا لاستقلال العراق وخروج المحتلِّ.

7- ولعل قائلاً يقول: كيف يمكن الاجتماع على حكومة عينها المحتل نفسه؟ فالجواب: أنَّ هذا غير مسلَّم على إطلاقه، فأغلب من هم في الحكومة (بغض النظر عن توجهاتهم) هم من المعروفين للعراقيين، ولهم سابقتهم في مواجهة النظام السابق، ولو افترضنا أن أمريكا لم تتدخل أصلاً في اختيار الحكومة، لما كانت ـ في الأغلب ـ إلا من هؤلاء أنفسهم، لأنهم هم الأغلبية ذات الحضور والفاعلية في الواقع العراقي. وأيضًا: إن القبول بهذه الحكومة إنما هو من باب الأمر الواقع والضرورة الملجئة، وهي تسمِّي نفسها أيضا: بالحكومة المؤقتة والانتقالية، فهي ـ إذن ـ أساسٌ لحكومة قادمة مستقلة، وهذا أقصر الطرق، وأخف الشر والضرر في سبيل استقرار الأوضاع وزوال الاحتلال. ولهذا لم نجد أحدًا بحث موضوع إعلان حكومة أخرى، إلا في تصريحات عابرة، سرعان ما نسيت تمامًا لعدم إمكان تطبيقه في الواقع.

8- لهذا كلِّه فإن الدعوة إلى التعاون من أجل استقرار الأوضاع في العراق، واستتباب الأمر لحكومة وسلطة مركزية؛ هي دعوة موافقة لمقاصد الشريعة، وفقه الواقع، وقواعد الاجتماع والعمران، وأصول التجربة الإنسانية في التمدن والحضارة.

9- ومن لا يدرك هذا التفصيل يظنُّ بجهله ـ كما ظنَّ كاتب الرد على الشيخ ـ أن هذا تزكية لشخصٍّ معيَّنٍ أو لجهة أو حزب عيَّنه المحتل واختاره، وربما ظنَّ أن في عدِّه (وليًّا للأمر) إثباتًا للولاية التامة والبيعة الشرعية له؛ بمثابة الحاكم المسلم الذي بايعه أهل الحل والعقد على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. فليس هاهنا إلا مراعاة المصلحة الراجحة في حدود الضرورة الملجئة، وكما قال العلامة ابن الوزير رحمه الله في (العواصم والقواصم) 8/174: (ومن لم يفرق بين حالَيْ الاختيار والاضطرار فقد جهل المعقول والمنقول). ثم ساق الأدلة على هذه القاعدة.

10- والكلام في هذا الأمر ليس بدعًا من القول، بل سبقنا إليه الأئمة الأعلام من فقهاء الأمة، ومن نظر في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه النجيب ابن القيم رحمها الله تعالى وجد كلامًا كثيرًا يؤيد في الجملة هذه الطريقة في معالجة هذه النازلة، وليس بالإمكان تتبع النصوص وذكرها في هذا الموضع، لكن سأكتفي بذكر نصٍّ واحدٍ لفقيهٍ شافعيٍّ شهير هو العلامة عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام الدمشقي، المتوفَّى سنة (660 هـ)، قال رحمه الله تعالى في كتابه: (قواعد الأحكام في مصالح الأنام) ما نصُّه:

(وَلَوْ اسْتَوْلَى الْكُفَّارُ عَلَى إقْلِيمٍ عَظِيمٍ، فَوَلَّوْا الْقَضَاءَ لِمَنْ يَقُومُ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ الْعَامَّةِ، فَاَلَّذِي يَظْهَرُ إنْفَاذُ ذَلِكَ كُلِّهِ، جَلْبًا لِلْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، وَدَفْعًا لِلْمَفَاسِدِ الشَّامِلَةِ، إذْ يَبْعُدُ عَنْ رَحْمَةِ الشَّرْعِ وَرِعَايَتِهِ لِمَصَالِحِ عِبَادِهِ تَعْطِيلُ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، وَتَحَمُّلُ الْمَفَاسِدِ الشَّامِلَةِ، لِفَوَاتِ الْكَمَالِ فِيمَنْ يَتَعَاطَى تَوْلِيَتَهَا لِمَنْ هُوَ أَهْلٌ لَهَا، وَفِي ذَلِكَ احْتِمَالٌ بَعِيدٌ.)

ومن الفأل الحسن، والاتِّفاق الطيب؛ أن العزَّ بن عبد السلام كان يلقَّب بـ: (سلطان العلماء)، والشيخ عبد المحسن العبيكان الذي قال بنحو قوله هذا يلقَّب ـ أيضًا ـ بهذا اللقب. لهذا اخترت موافقة الشيخ العبيكان للسلطان العز بن عبد السلام عنوانًا لهذا الموضوع.

11- ومن زعم أن القيام (بمصالح المسلمين العامة) منحصر في إقامة الحدود الشرعية؛ فقد نادى على نفسه بالجهل، بل المقصود بها ما هو أعمُّ من ذلك، ومنها: المحافظة على الضروريات لصلاح المجتمع، ومن أهمها: حقن دماء المسلمين، والأخذ على أيدي المجرمين الذين استغلوا الانفلات الأمني في توسيع دائرة جرائمهم والتجاوز على أعراض المواطنين وأموالهم وأنفسهم، ومنها: توفير الخدمات الضرورية التي بدونها يلحق الناس ضررٌ شديد، وربما انتشرت الأمراض والوباء العام، ومنها في عصرنا: توفير المياه، والكهرباء، والخدمات الصحية. فهذه الأمور وغيرها كثير لا تتحقق إلا بوجود سلطة مركزية تقوم بالإدارة والتنظيم والمتابعة، وإن كان فيها أو في قليل أو كثير من أفرادها نوع أو أنواع من الظلم والجهل ومجاوزة الحد، وربما يكون بعض أعيانهم متلبِّسًا بالكفر، وإنما العبرة بمجموع المصلحة الراجحة التي تتحقق بوجود الحكومة ومؤسساتها إزاء مجموع المفسدة الشاملة التي تنشأ من الفوضى والفراغ الأمني والإداري. فما يفعله بعض جماعات (المقاومة) من ضرب الشرطة، أو تخريب محطات الماء أو الكهرباء؛ جهل عظيم، ووحشية بالغة، دالة على انتكاس عقولهم، وفساد فطرهم.

12- وأخيرًا: أنصح الكاتب المتهور، وجميع من يكتب على شبكات الانترنت، أن يتقوا الله في أنفسهم، ويستحضروا عظم المسؤولية بين يدي ربِّهم، وأن يعلموا أن عليهم فيما يكتبونه وزرهم ووزر الآلاف من زوار الانترنت الذي يخوضون في التكفير والطعن في العلماء، وربما قاموا بأعمال إجرامية ـ كما حصل في السعودية ـ كل ذلك بسبب الكتابات المثيرة للعواطف الطفولية، والمهيجة للمشاعر الغوغائية، والحاملة على احتقار العلماء والانصراف عنهم إلى غياهب التكفير والتفجير والانتحار.

وأيضًا: فليعلم الكاتب النكرة ومن هم على شاكلته أن الأحكام الشرعية المتعلقة بالسياسة الشرعية في غاية الدقة والتعقيد، ولا يمكن الخوض فيها إلا من قبل خواصِّ العلماء، وأن العلم الشرعي ليس مجرَّد حفظ بعض الأجزاء من القرآن، وجملة من الأحاديث، ومطالعة بعض الكتيبات (وهذا صار متاحًا لكل من يملك جهاز كمبيوتر واتصالاً بالانترنت) بل الأمر أعظم من ذلك، فالفقيه من قضَّى حياته وهو يجهد عقله وفكره في فهم الكتاب والسنة وأقوال الأئمة، ويقلب نظره في الأصول والمسائل وينزلها على الأعيان والوقائع، حتَّى يصير بذلك فقيه النفس، فتوافق فتاواه في الأغلب الأعم مقاصد الشريعة ومراداتها وإن لم يكن في المسألة نصٌّ خاصٌّ، وهو في ذلك مثل صاحب الحديث الذي قضَّى حياته في النظر في سنن النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فيدرك علل الحديث من أول وهلة، وربما من غير أن يكون له ابتداءً دليل ولا حجة، كما قال الإمام عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله: معرفة علل الحديث إلهامٌ!

أسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقًّا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، ويشرح صدورها لقبول الحق والهدى، والحمد لله أولاً وآخرًا، وصلى الله على محمد وعلى أله وصحبه أجمعين.

وكتبه المفتقر إلى رحمة ربه:

قطلوبغا البغدادي

يوم الثلاثاء 16/8/1425هـ

12d8c7a34f47c2e9d3==