المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التعقيب على ما ذكره الأستاذ عبد الكريم الخطيب لشيخ الفوزان


كيف حالك ؟

البلوشي
09-01-2004, 07:47 PM
في كتاب ‏"‏الدعوة الوهابية ومحمد بن عبد الوهاب‏"‏

الحمد لله‏,‏ والصلاة والسلام على من لا نبي بعده‏.‏

وبعد‏:‏

فقد اطلعت على كتاب عنوانه‏:‏ ‏"‏الدعوة الوهابية‏,‏ محمد بن عبد الوهاب‏:‏ العقل الحر والقلب السليم‏"‏ للأستاذ عبد الكريم الخطيب‏.‏


والكتاب في جملته يتضمن دراسة تحليلية لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب من حيث الأسس التي قامت عليها وطريقتها‏,‏ وثمرتها‏,‏ والحاجة إليها‏,‏ وما قوبلت به من خصومها‏.‏

وهو كتاب جيد في بعض مواضيعه وسيئ في مواضيع أخرى منه، فقد أدركت عليه ملاحظات مهمة لا يسعني المرور بها دون تعليق عليها بيانًا للحق‏,‏ ونصحًا للخلق وإنصافا لهذه الدعوة المباركة برد يلصقه بها أعداؤها من تهم وما يقذفونها به من شبهات، شأنها في ذلك شأن كل دعوة إصلاح‏.‏

ناهيك بما حصل لدعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - على يد خصومها في ذلك‏.‏

ولعل الأستاذ الخطيب قد وقع في تلك الأخطاء تأثرًا بما يسمع أو يقرأ مما يمليه أو يلقيه خصوم هذه الدعوة، دون تنبه لأهدافهم وأغراضهم، وإن كان الأستاذ قد أزاح عن هذه الدعوة المباركة كثيرًا مما لفقه أعداؤها من شبهات، لكنه أبقى على بعضها مما لولاه لكان كتابه جيدا مئة في المئة‏.‏

وكان الشيخ عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم وفقه الله قد لاحظ على الأستاذ كثيرًا من تلك الأخطاء بملاحظات مختصرة طبعت مع كتابه في طبعته الأخيرة، دون أن يغير من واقع تلك الأخطاء شيئًا، مما يدل على إصراره عليها‏.‏

وهذا مما يؤكد على ملاحظاتي هذه بدافع النصح وتجليه الحقيقة، لعل الأستاذ يعيد النظر في كتابه فينحي عنه تلك الهفوات، ليسلم من تبعتها ويجنب القراء – خصوصًا الذين لا يعرفون هذه الدعوة معرفة جيدة عن الوقعية فيها، - فالرجع إلى الحق خير من التمادي في الباطل -‏.‏

وهذه الملاحظات بعضها جاء عرضًا في غير صميم الموضوع وإليك بيانها بالتفصيل‏:‏

1- تسميته لدعوة الشيخ بالدعوة الوهابية‏,‏ وتسميته لأتباعها أيضا بالوهابية‏.‏

- ولعل الأستاذ فعل ذلك مجاراة لخصوم الدعوة الذين ينبزوها بهذا اللقب لمقصد خبيث لم يتنبه له فهذه التسمية خطأ من ناحية اللفظ ومن ناحية المعنى‏:‏

أما الخطأ من ناحية اللفظ، فلأن الدعوة لم تنسب في هذا اللقب إلى من قام بها- وهو الشيخ محمد -، وإنما نسبت إلى عبد الوهاب - الذي ليس له أي مجهود فيها - فهي نسبة على غير القياس العربي، إذ النسبة الصحيحة أن يقال‏:‏‏(‏الدعوة المحمدية‏)‏‏.‏

لكن الخصوم أدركوا أن هذه النسبة نسبة حسنة لا تنفر عنها فاستبدلوها بتلك النسبة المزيفة‏.‏

وأما الخطأ من ناحية المعنى، فلأن هذه الدعوة لم تخرج عن منهج مذهب السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأتباعهم، فكان الواجب أن يقال‏:‏ الدعوة السلفية لأن القائم بها لم يبتدع فيها ما نسب إليه كما ابتدع دعاة النحل الضالة من الإسماعيلية والقرمطية، إذ هذه النحل الضالة لو سميت سلفية، لأبى الناس والتاريخ في هذه التسمية؛ لأنها خارجة عن مذهب السلف، ابتدعتها من قام بها‏.‏

فالنسبة الصحيحة لفظًا ومعنى لدعوة الشيخ محمد عبد الوهاب أن يقال الدعوة المحمدية، أو الدعوة السلفي‏.‏

لكن لما كانت هذه النسبة تغيظ الأعداء حرفوها ولذلك لم تكن الوهابية معروفة عند أتباع الشيخ وإنما ينبزهم بها خصومهم بل ينزهون بها كل من دان بمذهب السلف، حتى ولو كان في الهند أو مصر وإفريقية وغيرها والخصوم يريدون بهذا اللقب عزل الدعوة عن المنهج السليم‏,‏ فقد أخرجوها من المذهب الأربعة‏,‏ وعدُّوها مذهبًا خامسًا ‏{‏حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ‏}‏‏.‏

2- قال الأستاذ في ‏(‏ص 12‏)‏‏:‏

‏"‏فالحرب التي دارت بين علي ومعاوية قد اختلط فيها الرأي بالهوى‏,‏ والدين بالسياسة‏"‏‏.‏

- هكذا قال سامحه الله‏,‏ مع أن من أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعدم الخوض فيما شجر بينهم؛ لأنهم في ذلك معذورون‏,‏ إما مجتهدون مصيبون‏,‏ وإما مجتهدون مخطئون‏,‏ إن أصابوا فلهم أجران‏,‏ وإن أخطؤوا فلهم أجرٌ واحد‏,‏ والخطأ مغفور‏.‏


قال الشيخ الإسلام ابن تيمية‏:‏-

‏"‏ثم القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نزر مغمور في جنب فضائل القوم ومحاسبتهم‏,‏ من الإيمان بالله ورسوله‏,‏ والجهاد في سبيله‏,‏ والهجرة‏,‏ والنصرة‏,‏ والعلم، النافع‏,‏ والعمل الصالح‏,‏ ومن نظر في سيرة القوم‏,‏ بعلم وبصيرة - وما منَّ الله عليهم به من الفضائل‏,‏ علم يقينًا أنهم خير الخلق بعد الأنبياء‏"‏‏.‏

3- في ‏(‏ص 53‏)‏ يقول الأستاذ‏:‏

‏"‏ولقد كان الخلاف بين الحسن البصري وتلميذه أبي الحسن الأشعري خلافًا في الرأي‏.‏‏.‏‏.‏ ‏"‏ إلخ‏.‏

- كذا يقول ‏!‏‏!‏ مع أن بين الحسن البصري والأشعري زمنا طويلا‏,‏ فالحسن البصري توفي - رحمه الله - سنة ‏(‏110هـ‏)‏‏.‏ وهو تابعي، وأبو الحسن الأشعري ولد سنة ‏(‏260هـ‏)‏‏.‏ فبين وفاة الحسن وولادة الأشعري مئة وخمسون سنة كما ترى‏,‏ كيف يتحقق هذا التتلمذ الذي قاله الأستاذ‏؟‏‏!‏

4- في ‏(‏ص20‏)‏ لما تحدث عن الكائنات، قال‏:‏

‏"‏لا بد من قوةٍ وراءَ هذه الظواهر جميعها‏,‏ لا بد من موجد لها‏,‏ قائم عليها‏,‏ منظم لوجودها‏,‏ ممسك ببقائها‏,‏ سم هذه القوة ما شئت من أسماء‏,‏ وبأية لغة‏,‏ وعلى أي لسان‏,‏ إنها ‏(‏الله‏)‏، خالق الكون‏,‏ ومدبر الوجود‏,‏ وهذا ما يسمى بالتوحيد‏,‏ أي‏:‏ الإيمان بالقوة الواحدة الموجدة لكل شيء‏,‏ والمتصرفة في كل شيء‏"‏ اهـ‏.‏

- ولنا على هذه الجملة ملاحظتان‏:‏

الأولى‏:‏ أنه جوز أن يسمى الله قوة‏,‏ وهذا خطأ‏,‏ لأن أسماء الله توقيفية‏,‏ فلا يسمى إلا بما يسمي به نفسه‏,‏ أو سماه به رسوله‏,‏ وقد سمى نفسه بالقوي‏,‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏يَرْزُقُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ‏}‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ‏}‏‏.‏

والقوة صفته‏,‏ كما قال سبحانه‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ‏}‏‏.‏

فالقوي‏:‏ اسمه‏,‏ والقوة صفته سبحانه‏,‏ وهناك فرق بين الاسم والصفة‏.‏

ثم إنه لا يجوز لنا أن نسمي الله بما شئنا من أسماء؛ لأن أسماءه توقيفية‏,‏ فلا نسميه إلا بما سمى به نفسه‏.‏

الملاحظة الثانية‏:‏ أنه فسر التوحيد بأنه الإقرار بأن الله هو مدبر الوجود وموجده‏,‏ فإن أراد أن هذا هو توحيد الربوبية‏,‏ فهذا صحيح‏,‏ لكن هذا التوحيد لا يكفي ولا ينجي من عذاب الله‏,‏ ولا يدخل صاحبه في الإسلام‏,‏ ولا يعصم دمه وماله‏,‏ لأن الكفار يقرون بهذا وهم كفار‏.‏

‏{‏وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ‏}‏‏,‏ ‏{‏وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ‏}‏‏.‏

وإن أراد أن هذا هو التوحيد المطلق المطلوب من الخلق‏,‏ فهذا خطأ واضح‏:‏ لما ذكرنا من أن الكفار أقروا به ولم ينفعهم في الدنيا‏,‏ ولا ينفعهم في الآخرة‏,‏ وسماهم الله كفارًا لما لم يقروا بتوحيد الإلهية الذي هو عبادته وحده لا شريك له‏.‏

قال شيخ الإسلام ابن تيمية‏:‏

‏"‏فإقرار المرء بأن الله رب كله شيء ومليكه وخالقه لا ينجيه من عذاب الله إن لم يقترن به إقرارًا بأنه لا إله إلا الله‏,‏ فلا يستحق العبادة أحد إلا هو‏,‏ وأن محمدًا رسول الله‏,‏ فيجب تصديقه فيما آخر به وطاعته فيما أمر‏"‏‏.‏


وقال أيضًا‏:‏

‏"‏وقد أخبر الله سبحانه عن المشركين من إقرارهم بأن الله خالق المخلوقات ما بينه في كتابه‏,‏ فقال‏:‏

‏{‏وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أو أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ‏}‏‏.‏

وذكر آيات كثيرة في هذا المعنى‏,‏ ثم قال‏:‏

وبهذا وغيره يعرف ما وقع من الغلط في مسمى التوحيد‏,‏ فإن عامة المتكلّمين الذي يقررون التوحيد في كتب الكلام والنظر غايتهم أن يجعلوا التوحيد ثلاثة أنواع، فيقولون‏:‏ هو واحد في ذاته لا قسيم له‏,‏ وواحد في صفاته لا شبيه له، وواحد في أفعاله لا شريك له، وأشهر الأنواع الثلاثة عندهم هو الثالث، وهو توحيد الأفعال، وهو أن خالق العالم واحد‏.‏‏.‏ ويظنون أن هذا هو التوحيد المطلوب‏,‏ وأن هذا هو معنى قولنا ‏"‏لا إله إلا الله‏"‏، حتى يجعلوا معنى الإلهية القدرة على الاختراع‏.‏ ومعلوم أن المشركين من العرب الذين بعث إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولا لم يكونوا يخالفونه من هذا‏,‏ بل كانوا يقرون بأن الله خالق كل شيء، حتى إنهم كانوا يقرون بالقدر أيضًا‏,‏ وهم مع هذا مشركون‏"‏ اهـ‏.‏

5- في ‏(‏ص47‏)‏ ذكر الأستاذ أن الشيخ محمد عبد الوهاب التقى في المدينة بالشيخ أبي المواهب البلعي الدمشقي وأخذ عنه الفقه‏.‏

- ولا ندري علي أي شيء اعتمد في ذلك مع أن الذين ترجموا للشيخ وكتبوا في سيرته من أحفاده وتلاميذهم غيرهم لم يذكروا أبا المواهب من جملة شيوخه، والظاهر أن بينهما مدة زمنية تمنع من إدراك الشيخ لأبي المواهب‏.‏

ثم قال الأستاذ ‏(‏ص63‏)‏‏:‏

‏"‏ثم اتصل ‏(‏يعني‏:‏ الشيخ محمدًا‏)‏ بالشيخ محمد السندي المدني، وأخذ ما اطمأن إليه وعارضه فيما لم يقبله عقله ويطمئن إليه قلبه‏"‏‏.‏

- ولا ندري ما مستند الأستاذ في هذا القول الذي لم يسبقه إليه أحد ممن ترجم للشيخ من تلاميذه وأحفاده، والخبراء بسيرته، كالشيخ ابن غانم، والشيخ عبد الرحمن بن حسن، والشيخ ابن بشر وغيرهم‏.‏

- ثم هل المرجع فيما يقبل ويرد في الأخذ عن العلماء هو العقل أو ميزان الشرع وقواعده الثابتة‏؟‏‏!‏

- إن الأستاذ جعل الشيخ يرجع في ذلك إلى عقله، وهذا ما لا نوافقه عليه ولا يوافقه عليه غيرنا، لاسيما في حق مثل الشيخ الذي كان يحرص كل الحرص على اتباع الدليل والانقياد له ولأن صحيح النقل لا يخالف صريح العقل أبدًا كما هو معلوم‏.‏

- وفي هذا تجريح للشيخ محمد حياة السندي في علمه بأن عنده ما لا يقره العقل ولا يطمئن إليه القلب‏.‏

6- في ‏(‏ص74-75‏)‏ يقول الأستاذ‏:‏

‏"‏بدأت الدعوة ‏(‏يعني‏:‏ دعوة الشيخ‏)‏ حادة عنيفة مطبوعة بطابع التطرف والمغالاة، فكان طبيعيًا أن يلقاها الناس بعناد وتطرف، ومثل هذا لا يجعل للمسلم مجالًا بين الطرفين المتقابلين‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏"‏

إلى أن قال‏:‏

‏"‏بدأت ‏(‏يعني‏:‏ الدعوة‏)‏ بإنكار المجتمع الإسلامي كله‏,‏ فالمسلمون جميعًا في نظر الوهابيين قد انسلخوا عن الإسلام بما أدخلوا على دينهم من بدع ومحدثات كالتوسل بغير الله ورفع القباب على قبور الموتى ممن يعتقد فيهم الصلاح، وهذا لون من الشرك بالله وفي هذا بعض الحق ولكن فيه كثيرًا المبالغة والغلو‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏"‏‏.‏

إلى أن قال‏:‏

‏"‏كان لا بد أن يحدث هذا ‏(‏يعني‏:‏ شدة الخلاف بينهم وبين غيرهم‏)‏ بعد أن وضع الوهابيون دعوتهم في هذا الإطار الذي يحصر الإسلام في دعوتهم، ويجعل كل من انحرف عنها منحرفًا عن الإسلام، داخلًا في مداخل الكفر والإلحاد ونجد هذا واضحًا في الكتب التي ألفها علماء الوهابيين‏"‏ اهـ‏.‏

- والجواب أن نقول‏:‏ هكذا يصف الأستاذ دعوة الشيخ بهذه الأوصاف‏:‏

أ- الغلو والتطرف والعنف‏.‏

ب_ تكفر جميع المسلمين، وحصر الإسلام في تلك الدعوة، وتكفير من انحرف عنها‏.‏

ج-- أن كتب علماء الوهابية تشتمل على تكفير المسلمين‏.‏

جوابنا على ذلك أن نقول‏:‏

أولًا‏:‏ قد تناقض الأستاذ في كتابه هذا تناقضًا واضحًا في موضوع دعوة الشيخ فبينما هو يصفها بهذه الصفات المنفرة التي ربما يكون قد قرأها من كتب خصومها، أو سمعها من أفواههم‏,‏ ‏{‏وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ‏}‏ بينما هو يسطر هذه الصفات هنا، إذا هو في آخر كتابه يقول في ‏(‏ص111-112‏)‏‏:‏

‏"‏ودعوة محمد بن عبد الوهاب من الكلم الطيب‏,‏ لأنها تستند إلى الحق‏,‏ وتدعو له‏,‏ وتعمل في سبيله‏,‏ ولهذا كانت دعوة مباركة‏,‏ وفيرة الثمر‏,‏ كثيرة الخير‏,‏ لقد قام صاحبها يدعو إلى الله لا يبغي بهذا جاهًا‏,‏ ولا يطلب سلطانًا‏,‏ وإنما يضيء للناس معالم الطريق‏,‏ ويكشف لهم المعاثر والمزالق التي أقامها الشيطان على جوانبه‏.‏

ولقد اصطدمت هذه الدعوة وهي وليدة في مهدها بقوة عاتية‏,‏ ولو لم تكن تستند إلى أصول ثابتة من الحق‏,‏ وتقوم على دعائم قوية من الإيمان‏,‏ لقضي عليها من أول صدمة‏,‏ ولما واصلت سيرها في الحياة‏,‏ ولما بقي منها في قلوب الناس أثر ينتفع به‏.‏‏.‏‏"‏‏.‏

إلى أن يقال‏:‏

‏"‏لقد وقف أتباع هذه الدعوة وقفة لا يمكن أن توصف بأقل من مواقف الشهداء من أتباع الأنبياء وحوارييهم‏.‏‏.‏‏"‏‏.‏

إلى أن قال بعدما ذكر موقفهم من حملة إبراهيم باشا‏:‏

‏"‏وهكذا الدعوات الخاصة والمبادئ السليمة أشبه بالمعادن الكريمة‏,‏ تزيدها النار وهجًا وبريقًا‏,‏ وكالنبت الطيب يزيده الحريق أريجًا وطيبًا‏,‏ فقد كانت هذه الدماء الزكية التي أريقت في سبيل الدعوة أكرم على الله من أن تذهب هدرًا‏,‏ أو تضيع هباء‏,‏ ولقد كانت غذاء طيبًا لتلك الشجرة المباركة‏,‏ فزكت وأينعت وأطلعت أطيب الثمرات‏.‏‏.‏‏"‏‏.‏

هذا ما قاله الأستاذ في ثنائه على الشيخ وتزكيتها‏.‏

فهل تراه نسي ما كتبه قبل ذلك من وصفها بتلك الصفات المنفرة‏:‏ الغلو‏,‏ والتطرف‏,‏ وتكفير جميع المسلمين‏؟‏‍

كيف نجمع بين طرفي كلامه وهما نقيضان‏,‏ والجمع بين النقيضين مستحيل‏,‏ فكيف يجتمع في دعوة الشيخ هذا وذاك‏؟‏‍

ثانيًا‏:‏ إذا كانت دعوة الشيخ هي الحق‏,‏ كما شهد به الأستاذ وغيره‏,‏ وكما هو الواقع الذي لا شك فيه‏,‏ فما خالفها‏,‏ فهو الباطل قطعًا‏,‏ ‏{‏فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ‏}‏‏.‏

وليست هذه المخالفة في مسألة اجتهادية فروعية‏,‏ بل في صميم العقيدة‏.‏

فهل يرى الأستاذ أن جهاد المخالف الذي أصر على مخالفته وعائد‏,‏ هل يرى جهاده في سبيل العقيدة غلوًا وعنفًا وتطرفًا‏؟‏

إذا‏:‏ فأين موضوع الجهاد في سبيل الله‏؟‏

وهل الشيخ وأتباعه جاهدوا إلا لأجل تصحيح العقيدة والقضاء على الشرك‏؟‏

وهل جاهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من قبل إلا لأجل هذا الغرض‏,‏ فلهم فيهم القدوة‏؟‏

ثالثًا‏:‏ وأما دعواه أن من سمات الدعوة تكفير المسلمين‏,‏ فلنترك الجواب عنها للشيخ محمد بن عبد الوهاب نفسه‏.‏

قال - رحمه الله - في رسالته إلى السويدي- عالم من أهل العراق كان قد أرسل إليه كتابًا‏,‏ وسأله عما يقول الناس فيه- فأجابه بهذه الرسالة ومنها‏:‏

‏"‏وأخبرك أني ولله الحمد متبع‏,‏ ولست بمبتدع‏,‏ عقيدتي وديني الذي أدين الله به مذهب أهل السنة والجماعة الذي عليه أئمة المسلمين‏,‏ مثل الأئمة الأربعة وأتباعهم إلى يوم القيامة‏,‏ لكني بينت للناس إخلاص الدين لله‏,‏ ونهيتهم عن دعوة الأحياء والأموات من الصالحين وغيرهم‏,‏ وعن إشراكهم فيما يعبد الله به من الذبح والنذر والتوكل والسجود وغير ذلك مما هو حق الله الذي لا يشركه فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل‏,‏ وهو الذي دعت إلى الرسل من - أولهم إلى آخرهم وهو الذي عليه أهل السنة والجماعة‏.‏‏.‏‏"‏‏.‏

إلى أن قال - رحمه الله -‏:‏

‏"‏ومنها ما ذكرتم أني أكفر جميع الناس إلا من اتبعني‏,‏ وأزعم أن أنكحتهم غير صحيحة‏,‏ ويا عجبًا‍ كيف يدخل هذا في عقل عاقل‏؟‏‍ هل يقول هذا مسلم‏؟‏‍ إني أبرأ إلى الله من هذا القول الذي ما يصدر إلا عن مختل العقل‏"‏‏.‏

ثم قال‏:‏

‏"‏وأما التكفير‏,‏ فأنا أكفر من عرف دين الرسول ثم بعدما عرفه سبه‏,‏ ونهى عنه‏,‏ وعادى من فعله‏,‏ فهذا هو الذي أكفره‏,‏ وأكثر الأمة ولله الحمد ليسوا كذلك‏"‏ اهـ‏.‏

وقال - رحمه الله - في رسالة له‏:‏

‏"‏وأما ما ذكر لكم عني‏,‏ فإني لم آته بجهالة‏,‏ بل أقول- ولله الحمد والمنة‏,‏ وبه القوة‏:‏ ‏{‏قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ‏}‏‏.‏

ولست ولله الحمد أدعو إلى مذهب صوفي أو فقيه أو متكلم أو إمام من الأئمة الذين أعظمهم‏,‏ مثل ابن القيم والذهبي وابن كثير وغيرهم‏,‏ بل أدعو إلى الله وحده لا شريك له‏,‏ وأدعو إلى سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي أوصى بها أول أمته وآخرهم‏,‏ وأرجو أني لا أرد الحق إذا أتاني‏,‏ بل أشهد الله وملائكته وجميع خلقه إن أتانا منكم من الحق‏,‏ لأقبلنه على الرأس والعين‏,‏ ولأضربن الجدار بكل ما خالفه من أقوال أئمتي حاشا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه لا يقول إلا الحق‏"‏ اهـ‏,‏‏.‏

فهذا منهج الدعوة‏,‏ يصفه لنا إمام الدعوة نفسه - رحمه الله -‏,‏ فهل في هذا غلو وتطرف وتكفير لجميع المسلمين كما زعم ذلك خصومه‏؟‏‍

إنه يجب عليك أيها الأستاذ أن تحاسب نفسك على ما تقول وتكتب‏,‏ ولا ترسل القول جزافًا‏,‏ وأن تتثبت قبل أن تصدر الحكم، عملًا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ‏}‏‏.‏

رابعًا‏:‏ وأما دعواه أن كتب علماء الوهابية تشمل على تكفير المسلمين إلا من كان يدية بدعوتهم‏,‏ فنحن نطالبه أن يبرز لنا كتابًا واحدًا من كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب أو من كتب أبنائه وأحفاده وكتب تلاميذهم‏.‏‏.‏ إلى يومنا هذا يصدق ما نسبه إليهم من تكفيرهم للمسلمين‏.‏

وبالجملة‏,‏ فالأستاذ وصف دعوة الشيخ بصفات مذهب الخوارج‏:‏ الغلو‏,‏ والتطرف‏,‏ والعنف‏,‏ وتكفير المسلمين‏,‏ وحصر الإسلام فيهم‏.‏

من أين استقى هذه المعلومات الخاطئة عن الدعوة‏؟‏‍

لا بد أنه استقاها من كتب خصومها‏,‏ وما هذا شأن الباحث المنصف‏,‏ فضلًا عن العالم المسلم الذي يعلم أنه سيحاسب بين يدي الله عن كل كلمة يقولها أو يكتبها، ‏{‏مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ‏}‏‏.‏

7- ويقول الأستاذ في ‏(‏ص82‏)‏‏:‏

‏"‏وإذن، فنستطيع أن نقول‏:‏ إن هذه الدعوة مهما كان اتصالها بالسياسة‏,‏ فقد بقي اللون الغالب عليها- وهو الدين-، وظل صاحب الدعوة هو صاحب الكلمة في المجتمع الذي استجاب له بما فيه من حكام ومحكومين‏.‏‏.‏إلخ‏"‏‏.‏

ونقول له‏:‏ هل الدين منفصل عن السياسة‏؟‏‍

إن الدين هو السياسة الصحيحة‏,‏ والشريعة الإسلامية دين ودولة‏,‏ فالسياسة الصحيحة لا تقوم إلا على الدين‏.‏

8- في ‏(‏ص93‏)‏ يتكلم الأستاذ في موضوع هدم القباب المقامة على القبور‏,‏ فيقول‏:‏

‏"‏ وقد بدأ هذا العمل صاحب الدعوة محمد بن عبد الوهاب‏,‏ فهدم القبة المقامة على قبر زيد بن الخطاب‏,‏ ثم تلا ذلك هدم كثير من قباب الصحابة والتابعين‏,‏ ثم تجاوز هذا إلى قبر الرسول الكريم وإلى الكعبة الشريفة‏,‏ فحالوا بين الناس وبين التمسح بهما والتماس البركة منهما‏,‏ وكان ذلك هو الذي أثار ثائرة المسلمين في كل مكان‏,‏ وعدوا من أجله الوهابيين حربًا على الإسلام‏,‏ لأنهم لا يقدسون مقدساته‏,‏ ولا يوقرون حرماته‏"‏‏.‏

والجواب على ذلك أن نقول‏:‏ إن هدم القباب المقامة على القبور هو واجب‏.‏ جميع المسلمين‏,‏ تنفيذًا لأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - حيث قال‏:‏ ‏(‏ولا تدع قبرًا مشرقًا إلا سويته‏)‏‏.‏ كما رواه مسلم وغيره‏.‏

وأما التمسح بالكعبة‏,‏ فالوارد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو استلام الحجر الأسود‏,‏ وتقبيله‏,‏ واستلام الركن اليماني دون بقية الأركان‏.‏

ولهذا أنكر ابن عباس رضي الله عنهما على معاوية رضي الله عنه لما كان يستلم أركان الكعبة كلها‏,‏ ويقول‏:‏ ليس من البيت شيء مهجور‏.‏ وذكر له ابن عباس فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وتلا عليه هذه الآية الكريمة‏:‏ ‏{‏لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ‏}‏‏.‏

فتراجع معاوية رضي الله عنه عن رأيه‏,‏ اتباعا للرسول، قال‏:‏ صدقت‏.‏

وهذا شأن المسلم‏,‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُّبِينًا‏}‏‏.‏

فادعاء الأستاذ أن علماء الدعوة يمنعون التمسح بالكعبة مطلقًا ادعاء خاطئ‏,‏ وأما التمسح بقبر الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فهو حرام‏,‏ ووسيلة من وسائل من وسائل الشرك‏,‏ وكذا التمسح بقبر غيره من باب أولى‏,‏ والمنع من ذلك واجب‏,‏ وهو من محاسن الدعوة لا من مثالبها‏.‏

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ‏"‏مجموع الفتاوى‏"‏ ‏(‏26/97‏)‏‏:‏

‏"‏وأما سائر جوانب البيت والركنان الشاميان ومقام إبراهيم‏,‏ فلا يقبل‏,‏ ولا يتمسح به‏,‏ باتفاق المسلمين المتبعين للسنة المتواترة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -‏,‏ فإذا لم يكن التمسح بذلك وتقبيله مستحبًا‏,‏ فأولى ألا يقبل ولا يتمسح بما هو دون ذلك‏.‏

واتفق العلماء على أنه لا يستحب لمن سلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند قبره أن يقبل الحجرة‏,‏ ولا يتمسح بها‏,‏ لئلا يضاهي بيت المخلوق بيت الخالق‏,‏ ولأنه قال - صلى الله عليه وسلم -‏:‏

‏(‏اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد‏)‏‏.‏ وقال‏:‏ ‏(‏ولا تتخذوا قبري عيدًا‏)‏‏.‏

وقال‏:‏ ‏(‏إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد‏,‏ ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك‏)‏‏.‏

وقال أيضا ‏(‏26/121‏)‏‏:‏

‏"‏ولا يستلم من الأركان إلا الركنين اليمانيين دون الشاميين‏,‏ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما استلمهما خاصة‏,‏ لأنهما على قواعد إبراهيم‏,‏ والآخران هما في داخل البيت‏,‏ فالركن الأسود يستلم ويقبل‏,‏ واليماني يستلم ولا يقبل‏,‏ والآخران لا يستلمان ولا يقبلان‏,‏ والاستلام هو مسح باليد‏,‏ وأما سائر جوانب البيت ومقام إبراهيم وسائر ما في الأرض من المساجد وحيطانها ومقابر الأنبياء والصالحين وصخرة بين المقدس‏,‏ فلا تستلم‏,‏ ولا تقبل‏,‏ باتفاق الأئمة‏"‏ اهـ‏.‏

فالتبرك بالبقاع والقبور والآثار إذا كان القصد منه التعلق على الله في حصول البركة وطلبها من غيره‏,‏ فهذا شرك‏,‏ فماذا على علماء الدعوة إذا حالوا بين الناس وبين الشرك ووسائله‏,‏ نصحًا للخلق وغيرة للحق‏؟‏‍

ثم يعد الأستاذ منع التمسح بقبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - تعريضًا لمقامه وقبره للأذى‏.‏ انظر ‏(‏ص94‏)‏ من كتابه‏.‏

ويا سبحان الله إن الذي يؤذي الرسول حقيقة هو الذي يجعل قبره وثنًا يعبد‏,‏ ويرتكب ما نهى عنه‏,‏ أو يدافع بلسانه وقلمه عمن يفعل ذلك‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏وكان ذلك هو الذي أثار ثائرة المسلمين في كل مكان‏.‏‏.‏‏"‏ إلخ قول فيه مجازفة وتقول على المسلمين‏,‏ فالمسلمون بالمعنى الصحيح يؤيدون علماء الدعوة في ذلك ولا ينكره إلا الجهال الذين لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه أما المعاندون من عباد القبور وهؤلاء وأولئك لا اعتبار لإنكارهم في ميزان الحق ومجال النقد‏.‏

ثم الداعية إلى الحق لا بد أن يعادى وتحاك ضده التهم، ولنا بما جرى لسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وبما جرى لإخوانه النبيين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وما جرى على أتباعهم، لنا في ذلك أكبر أسوة وأعظم عبرة‏.‏

ثم إن الأستاذ أراد أن يلطف الموضوع ويغطي ما مر في كلامه من شطحات فقال‏:‏

‏"‏إن هذه الأمور ‏"‏يعني‏:‏ الأمور التي أنكرها الشيخ‏"‏ بمنزلة ورم خبيث يحتاج إلى يد نطاسي بارع للقضاء عليه ‏"‏‏!‏ ‏!‏

9- ثم قال‏:‏

‏"‏ ولو أن الوهابية قد أخذت الأمر مأخذًا هينًا ودعت أول ما دعت إلى ترك البدع الصارخة، كالزار وغير ذلك مما كان يعيش عليه كثير من المسلمين في ذلك الحين‏,‏ لو أن الوهابيين فعلوا هذا، لكان تمهيدًا طيبًا ومقدمة ناجحة لما تنطوي عليه دعوتهم من تحرير العقل الإسلامي وتحرير العقيدة الإسلامية مما غشيها من جهل وضلال‏"‏‏.‏

- هكذا يرى الأستاذ طريقة الدعوة الناجحة أن يترقى بها من الأدنى إلى الأعلى، بحيث يبدأ بإنكار البدع أولا ثم بإنكار الشرك‏.‏

ولنا على ذلك ملاحظتان‏:‏

الأولى‏:‏ عده التمائم من البدع، مع أنها قد تكون شركًا إذا اعتقد معلقها أنها تدفع الشر بذاتها، وكذلك إذا كان فيها ألفاظ شركية، قال - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏إن الرقى والتمائم والتولة شرك‏)‏ رواه أحمد وأبو داود‏.‏


الثانية‏:‏ أن هذه الطريقة التي وصفها للدعوة مخالفة لطريقة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فالرسول أول ما بدأ بإنكار الشرك، فلبث في مكة ثلاث عشرة سنة يدعو إلى التوحيد وإنكار الشرك قبل أن يأمر بالصلاة والزكاة والصيام والحج، والنهي عن البدع إنما يكون بعد صلاح العقيدة، بحيث يبدأ بالأهم فالمهم، بل هذه طريقة جميع الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، كل نبي أول ما يبدأ قومه بقوله‏:‏

‏{‏يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ‏}‏

10- يتكلم الأستاذ عن الاستعانة بالمخلوق فيقول في ‏(‏ص101-102‏)‏‏:‏ ‏"‏ إن الإنسان الذي يؤمن بالله ويضم قلبه على توحيد لا يخلو أبدًا في حالات مختلفة من أن ينظر من غير قصد إلى غير الله فيما يطرقه من أحداث ذلك في الوقت الذي لا يخلو فيه قلبه من ذكر الله والإيمان بتفرده بالألوهية، ونحن نرى أن مثل هذه الالتفاتات العارضة لا يمكن أن تقطع الطريق على المسلم وأن تعزله عن ربه، وتسلكه في عداد الكافرين الملحدين، كما تقول بذلك الدعوة الوهابية، فأي إنسان لا تخف نفسه من غير قصد إلى التماس العون من ذوي الجاه وأصحاب السلطان‏؟‏‏.‏‏"‏

إلى أن قال‏:‏

‏"‏ فهل لو ألقي مسلم اليوم في النار ثم جاءه أحد يمد إليه يد الخلاص، أيكون هذا المسلم كافرًا أو ملحدًا إذا قبل العون‏؟‏‏!‏

إن التوحيد الخالص على الوجه الذي تصوره الدعوة الوهابية يحتم على مثل هذا الإنسان ألا يستعين بغير الله‏.‏

فكيف الأمر إذن وصاحب الدعوة نفسه قد مد يده إلى أمير العيينة أولًا، ثم إلى الأمير محمد بن مسعود ثانيًا‏؟‏‏!‏

فهل في هذا ما ينقص التوحيد أو يفسد العقيدة‏؟‏‏!‏ فإن الأخذ بالأسباب أمر يدعو إليه العقل، ويزكيه الدين، وغاية ما في الأمر أن يضل بعض الناس عن جهل عن الاتجاه إلى الأسباب السليمة المتصلة بالمسببات،وذلك ما يمكن أن نفسر به تعلق بعض الجهلة بالأضرحة ونحوها، إنهم ضلوا الطريق فلم يتعرفوا على الأسباب الصحيحة ومثل هذا يوصف بالكفر والخروج عن الدين‏"‏ ا هـ‏.‏

- وقد كرر الأستاذ كلمة ‏"‏ من غير قصد فهل مراده أن هذه الأشياء التي ذكرها تصدر من نائم أو ناس أو مجنون أو غير مميز أو مكره‏؟‏‏!‏ فكل من هؤلاء مرفوع عنه القلم بنصوص الأحاديث، فلا داعي إلى هذا التطويل‏.‏

وماذا قصده بالالتفاتة العارضة إلى غير الله التي تنسب إلى الدعوة الوهابية تكفير من فعلها‏؟‏‏!‏

إن كان قصده الالتفات بطلب الحاجات وتفريج الكربات إلى الأموات والغائبين، فهذا كفر بإجماع المسلمين، ليس في الدعوة الوهابية فحسب، لأنه دعاء لغير الله ‏{‏وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ‏}‏ والآيات في هذا كثيرة‏.‏

وإن قصد بهذا الالتفات الاستعانة بالمخلوق الحي الحاضر فيما يقدر عليه، كما يظهر قوله‏:‏ ‏"‏ فأي إنسان لم تخف نفسه من غير قصد إلى التماس العون من ذوي الجاه والسلطان‏"‏‏,‏ فهذا مباح،وقد تجنى الأستاذ على دعوة الشيخ في قوله‏:‏ ‏"‏إنما تكفر من فعل ذلك وتعده ملحدًا‏"‏‏.‏

وهو يرد على نفسه ويتناقض في قوله حين يقول ‏"‏ وصاحب الدعوة قد مد يده إلى أمير العينية أولا ثم إلى الأمير محمد بن سعود ثانيًا‏"‏

فقد رد على نفسه فيما نسب إلى هذه الدعوة ونحن نرد في هذه المسألة من كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب، حيث يقول - رحمه الله - في كشف الشبهات ما نصه‏:‏

فإن الاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه لا ننكرها‏,‏ كما قال الله تعالى في قصة موسى‏:‏ ‏{‏فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ‏}‏ وكما يستغيث الإنسان بأصحابه في الحرب أو غيره في أشياء يقدر عليها المخلوق‏,‏ ونحن أنكرنا استغاثة العبادة التي يفعلونها عند قبور الأولياء، أو في غيبتهم، في الأشياء التي لا يقدر عليها إلا الله‏"‏ ا هـ‏.‏

وأما قوله عن تعلق بعض الجهلة بالأضرحة ‏"‏إنهم ضلوا الطريق، فلم يتعرفوا على الأسباب الصحيحة، ومثل هذا يوصف بالجهل، ولا يهتم صاحبه بالكفر والخروج عن الدين‏"‏

فنقول له‏:‏ من تعلق على الأضرحة عن جهل، بين له الحق ودعي إلى التوحيد فإن أصر على التعلق بالأضرحة بعد ذلك يستغيث بها، ويطلب الحاجات منها فهو كافر خارج عن الدين، كشأن المشركين الأولين الذين دعاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى التوحيد فأبوا وقالوا‏:‏ ‏{‏أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا‏}‏، لأن الجهل يوزل بالبيان ولا يبقى على الضلال بعد البيان إلا معاند للحق‏.‏

11- وفي الصفحات ‏(‏103و104و105‏)‏ يكتب الأستاذ كلامًا معناه أن الوهابية تسارع إلى تكفير الناس بتعليقهم التمائم، وتمسحهم بالأضرحة، مع كثرة من يفعل ذلك، وخطورة التكفير وقسوته وكون من يفعل هذه المخالفات فعلها عن جهل ومن أنه يمكن العلاج عن طريق النصح والإرشاد‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏إلخ‏.‏

- ونحن نجيب الأستاذ عن ذلك بما سبق أن شرحناه بأن علماء الدعوة لا يكفرون الناس بمجرد تعليق التمائم، والتمسح بالأضرحة مطلقًا، بل في ذلك تفصيل‏:‏

فمن علق التميمة أو تمسح بالضريح يعتقد في ذلك جلب النفع ودفع الضر من دون الله فهذا شرك‏.‏

ومن فعله يعتقده سببًا من الأسباب فقط مع اعتقاده أن جلب النفع والضر من الله فهو محرم ووسيلة من وسائل الشرك‏.‏

ومن فعل ذلك جاهلًا بين له، وأرشد، فإن استمر بعد ذلك منع عنه بالقوة‏.‏

وكثرة من يفعله ليست حجة ‏{‏وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ‏}‏‏.‏

وأما كون التكفير فيه قسوة وخطورة فذلك لا يمنع من إطلاقه على من اتصف به، وعلماء الدعوة –والحمد لله- لا يكفرون إلا من كفره الله ورسوله‏.‏

وأما قول الأستاذ ‏"‏ إنه بعد أن انتشر العلم في المجتمع الإسلامي وخلصت العقول من تصورات الجهل، ذهبت أو كادت تذهب كل هذه السور التي كانت تعيش في المجتمع الإسلامي من تعظيم القبور والتمسح بالأضرحة‏"‏ فهذا كلام ينقضه الواقع، وما قبر أحمد البدوي، ومشهد الحسين، وغيرهما‏.‏‏.‏‏.‏ وما يفعل عند هذه الأضرحة الآن من الشرك الأكبر بخافٍ على الأستاذ ولا بعيد عن بلده‏.‏

12- قد أكثر الأستاذ من وصف الدعوة بالحدة والعنف والمبالغة والغلو والتعصب والخطأ في أسلوبها وهذه صفات ذميمة قد برأ الله الدعوة منها، فهي ولله الحمد دعوة حكيمة صافية مبنية على العلم النافع والجهاد الصادق والصبر، أسوة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وترسمًا لخطاه‏.‏

وسأنقل فقرات مما كتبه الأستاذ في صفحات متعددة ما كان ينبغي له أن يكتبها‏:‏

ففي ‏(‏ص 74‏)‏ يقول‏:‏

‏"‏بدأت الدعوة حادة عنيفة مطبوعة بطابع التطرف والمغالاة‏.‏‏.‏‏.‏ فلقد بدأت بإنكار المجتمع كله‏"‏‏.‏

ويقول في ‏(‏ص76‏)‏‏:‏

‏"‏كان ينبغي أن تسلك الدعوة مسلكًا أسلم عاقبة من هذا لو أنها بدأت أقل عنفًا مما كانت عليه‏"‏‏.‏

ويقول في ‏(‏ص81‏)‏‏:‏

ولكن تعصب الوهابيين ‏(‏كذا‏!‏ والصواب‏:‏ الوهابيون‏)‏ لرأيهم فبالغوا فيه وتعصب عليهم المجتمع الإسلامي في جملته، فأنكر دعوتهم‏.‏

وفي ‏(‏ص93‏)‏ يقول‏:‏

‏"‏وفي الحق إن الدعوة الوهابية في بدئها قد أخطأت خطأ بينًا في أخذ الناس بهذا الأسلوب الحاد العنيف، دون أن تدخل في حسابها الأثر النفسي الذي يطغى على شعور المسلمين‏"‏‏.‏

وفي ‏(‏ص95‏)‏ يقول‏:‏

‏"‏فموضوع الدعوة سليم غاية السلام، ولكن في أسلوبها بعدًا كثيرًا عن أساليب التربية‏"‏‏.‏ وفي ‏(‏ص103‏)‏ يقول‏:‏

‏"‏ونقول‏:‏ إن هذه المبالغة وهذا الغلو في تنقية العقيدة الإسلامية من رواسب الشرك قد وسعت هوة الخلاف بين جمهور المسلمين والوهابيين‏"‏ ا هـ‏.‏

-والجواب أن نقول للأستاذ‏:‏ من أي مرجع استقيت هذه المعلومات وعرفت هذه الصفات عن الدعوة التي قام بها الشيخ محمد عبد الوهاب وأتباعه‏؟‏

هل وجدت في كتب أصحابها ما يسوغ قولك‏؟‏ فها هي –ولله الحمد- موجود وميسورة، دلنا على واحد منها يصدق ما تقول‏.‏

أم تلقيت ذلك من كتب خصومها‏؟‏ فما كان يجوز لك أن تحكم على الخصم اعتمادا على كلام خصمه‏.‏

ثم قوله‏"‏ إن المجتمع الإسلامي بأسره أو معظمه قام في وجه هذه الدعوة ورفضها‏"‏ قول مردود فهذه كتب علماء مسلمين بالعشرات والمئات تثني على هذه الدعوة وتناصرها وتدافع عنها، من علماء الهند، واليمن‏,‏ والعراق، والشام‏,‏ ومصر، وغيرهما مما لا أحصيه الآن مما تضمنه المكتبة الإسلامية من الكتب التي تنافح عن هذه الدعوة‏,‏ إنما قام في وجهها فئات من علماء الضلال الذين قال فيهم وفي أمثالهم الرسول - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين‏)‏‏.‏ وهؤلاء لا عبرة بهم‏.‏

إن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء تترسم خطى دعوة الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ فقد بدأ دعوته بتبصير الناس طريق الحق‏,‏ وتصحيح العقيدة بالبيان والتعليم‏,‏ فلما اجتمع حوله تلاميذ وأنصار اقتنعوا بدعوته‏,‏ طلب من الأمراء من يحميه ويناصره حتى يبلغ هذه الدعوة إلى ما حوله من البلاد‏,‏ كما كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يعرض نفسه على القبائل‏,‏ يطلب من يؤيده حتى يبلغ دعوة ربه‏,‏ فلما وجد الشيخ من الأمراء من يساعده‏,‏ جهر بالدعوة‏,‏ وكتب إلى العلماء والولاة في البلدان المجاورة يدعو إلى الله سبحانه‏,‏ ويطلب منهم المناصرة‏,‏ فاستجاب له من استجاب‏,‏ وعاند من عاند‏,‏ فكان لا بد من الجهاد في سبيل الله‏,‏ لإعلاء كلمة الله‏,‏ وتطهير البلاد من الشرك‏,‏ أسوة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - هاجر إلى المدينة ووجد له أنصارًا فيها‏.‏

وليس في هذا عنف أو غلو أو تعصب‏,‏ كما زعمت أيها الأستاذ‏,‏ بل هو سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في جهاد من عاند الحق‏,‏ وأصر على الطغيان بعد البيان والإنذار‏.‏

وختامًا‏.‏ نقول‏:‏ يجب على الأستاذ أن يعيد النظر في كتابه‏,‏ فيصفيه من هذه التناقضات التي شوهت جماله‏,‏ وطمست معالمه‏,‏ ويستقي معلوماته من المراجع الصحيحة عن الدعوة المباركة‏,‏ وعلى الأخص كتب الشيخ ورسائله‏,‏ ككتاب التوحيد‏,‏ وكتب أحفاده وتلاميذهم وغيرهم من العلماء‏,‏ مثل ‏"‏تيسير العزيز الحميد‏"‏‏.‏ و ‏"‏فتح المجيد و ‏"‏الدر السنية في الأجوبة النجدية‏"‏‏.‏ و ‏"‏غاية الأماني في الرد على النبهاني‏"‏‏.‏ لعلامة العراق محمود شكري الألوسي‏,‏ و ‏"‏صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان‏"‏‏.‏ لعلامة الهند محمد بشير السهواني‏,‏‏.‏‏.‏ وغيرهما مما يوضح أهداف هذه الدعوة المباركة، ويرد شبهات خصومها‏.‏

هذا ما نرجوه من الأستاذ الكريم‏.‏

ونسأل الله لنا وله التوفيق فيما نقول ونعمل‏,‏ وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم‏.‏

12d8c7a34f47c2e9d3==