المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هكذا تراجع الأكابر !!


كيف حالك ؟

بوخالد
08-23-2004, 01:38 AM
الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ، أما بعد ..

فإن الرجوعَ إلى الحق فضيلةٌ وشرفٌ للمسلم ، ولذلك أوصى أميُر المؤمنين عمرُ رضي الله عنه أبا موسى الأشعري رضي الله عنه - في رسالته المشهورة إليه - :"..فإن الحقَّ قديمٌ ، وإن الحقَّ لايبطله شيءٌ، ومراجعةُ الحق خيٌر من التمادي في الباطل ،..".

ولقد كانت هذه الخصلة - الرجوع إلى الحق – هي السمةَ البارزةَ والعلامةَ الفارقةَ بين طالبِ الحق المخلصِ لله وبين من عداه ممن تشبه به وليس مثله..

ولا أريد الإطالة في ذكر فضائل هذا الخلق النبيل ، الذي يدعيه الكثير! ولكن عند التحقيق الصادق قليل !!


وقد كانوا إذا عُدُّوا قليلا ً ##### فقد صاروا أقل من القليلِ

وما ذاك إلا لأن حظوظَ النفس تحولُ دون ذلك ، وفَتِّشْ نفسَك ، هل تنجو من هذه الحظوظ ؟

ف
إن تَنْجُ منها تَنْجُ من ذي عظيمةٍ ##### وإلا فإني لا إخالك ناجيا

وبين يديك – أيها القاريء – صورةٌ مشرقةٌ مشرفةٌ – تسقط عندها الدعاوى ، وينكشف المدعون – لأحد كبرائنا الأجلاء، لم تمنعه رفعةُ المناصب ولا علوُّ المراتب عن الرجوع إلى الحق والتبري من الباطل ..بلا إباءٍ ولا استكبارٍ.. ولا تنقصٍّ للنَّصَحَةِ الأخيار..وتالله ما زاده ذلك إلا رفعةً في هذه الدار..ولسانَ صدقٍ – بإذن الله – إلى يوم القرار.

إنه شيخنا العلامة فقيه الزمان ،ثاني اثنين في العلم والفقه والإيمان /محمد بن صالح العثيمين ، رفع الله درجته في عليين...آمين..

فقد صدر منه – رحمه الله – كتابةٌ لبعض طلابه تتضمن ما قاله في بعض المجالس في معيَّة الله تعالى، حيث قال: "إن عقيدتنا أن لله تعالى معية حقيقية ذاتية تليق به ...."إلخ.

ولا شك أن قوله " ذاتية " لا يقصد بها الحلول ، كما ذكر هو نفسُهُ حيث قال –رحمه الله – (3 / 322 ) من فتاواه : " وما أردت أنه مع خلقه سبحانه في الأرض ، كيف وقد قلت في نفس هذه الكتابة كما ترى إنه – سبحانه – منزهٌ أن يكون مختلطاً بالخلق أو حالاً في أمكنتهم وأنه العليُّ بذاته وصفاته ، وإن علوه من صفاته الذاتية التي لا تنفك عنها..."اهـ

قلت : وهذا هو الظنُّ به والله ، ولكن لما صدرت منه تلك الكلمةُ الخاطئةُ ، التي لم تخطر له ببال ، فإن أكابرَ العلماء بينوا عوارَ هذه الكلمة ، وردوا على قائلها – وهو من هو في علمه وسُنِّيَّتِهِ – رداً شديداَ ! وألف العلامة المجاهد بقلمه ، بقية السلف الشيخ المحدث الفقيه / حمود ألتويجري – رحمه الله – رسالةً قيمةً في الرد على من زعم أن معيَّةّ الله ذاتيـَّةٌ ، وقدم لها صاحبُ السماحة شيخُ الإسلام / عبد العزيز بن باز – رحمه الله - ،

فتأمل – رعاك الله – كيف رد عليه الأكابر ، وكيف كان موقفه من رد الأكابر، وهو من الأكابر؟! رحم الله الجميع .

قال شيخ الإسلام/ ابن باز – رحمه الله – في مقدمة الكتاب ص5 :"...فقد اطلعت على ما كتبه أخونا العلامة الشيخ حمود بن عبد الله التويجري في بيان الأدلة الشرعية والعقلية على إثبات علو الله ....والرد على من زعم أن معية الله لعباده ذاتية ، بل قد سمعته جميعه بقراءة مؤلفه حفظه الله ، فألفيته كتاباً عظيم الفائدة ، مؤيدًا بالأدلة الشرعية والعقلية ، كما ألفيته رداً عظيماً على أهل البدع ، القائلين بالحلول والاتحاد ، وردًا كافياً شافياً على من قال : إن معية الله للخلق ذاتية ...."اهـ ، وفي كلامه من الفوائد ما يلي :

1- تأييد من يرد على الأخطاء ، ما دام قد ذكر الأدلة .

2- تبيان خطأ من أخطأ ، ولو أقرب الناس .

3- حفظ العقيدة أولى وأوجب من الحفظ على سمعة فلان ، ولو كان من العلماء .

4- عدم تسمية الراد على الأخطاء بالأسماء المنفرة , كالحدادية أو القواطي أو نحوه .
وأما صاحب الكتاب العلامة / التويجري – رحمه الله – فقد قال ص 7 : " أما بعد فقد رأيت مقالاً سيئاً لبعض المعاصرين ، زعم في أوله أن معية الله لخلقه معية ذاتية تليق بجلاله وعظمته ، وأنها لا تقتضي اختلاطاً بالخلق ، ولا حلولاً في أماكنهم ...." ثم قال ص 8 : " ....لا يخفى على من له علم وفهم ما في كلام الكاتب من التناقض ، والجمع بين النقيضين ، وموافقة من يقول من الحلولية إن الله بذاته فوق العالم ، وهو بذاته في كل مكانٍ ، وما فيه أيضاً من مخالفة الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها." ثم شرع في الرد عليه ، وفي كلامه هذا من الفوائد ما يلي :

1- الرد على صاحب الغلط كائناً من كان ، ولو كان في جلالة ابن عثيمين – رحمه الله - .

2- نشر الرد بين الناس كما انتشر الغلط بينهم .

3- التغليظ في الرد بحسب الغلط ، والتشنيع على صاحبه لئلا يغتر به .

4- اجتناب ذكر منهج الموازنات المزعوم ، وتأمل قوله "مقالاً سيئاً لبعض المعاصرين "! ولم يقل : العلماء !!.

5- عدم حمل المجمل من كلام المردود عليه - وهو "معية ذاتية " - على المفصل من كلامه - وهو نفيه للحلول- .

وأما المردود عليه العلامة المتجرد للحق / ابن عثيمين – رحمه الله – فإليك موقفه البطولي الرجولي الذي تقصر عنه همم المدعين والمتعالمين :

1- طلب من شيخه ابن باز أن يبعث إليه بكتاب التويجري ، لا ليرد عليه ! ولكن ليتراجع !!.

2- كتب تراجعه ، وبعث به إلى من بين خطأه ،وطلب منه إلحاقه في كتاب التويجري بلا أيِّ شعورٍ بالتحرج ، حيث قال في تراجعه ص161 : " ...وإنكار القول بالمعية الذاتية واجب حيث يستلزم القول بالحلول ، لأن القول بالحلول باطل ، فكل ما استلزمه فهو باطلٌ يجب إنكاره ورده على قائله كائناً من كان ".

3- أثنى على الرادِّ عليه بقوله ص 157 : " أخونا الفاضل الشيخ حمود ...." .

4- أثنى على الكتاب بقوله ص 157 : " فوجدته كتاباً قيماً " .

5- نشر تراجعه في كلمةٍ قيمةٍ عن هذا الموضوع في مجلة الدعوة السعودية ، عدد 911 ، الاثنين 4 / 1 / 1404 هـ ، وطالعها في مجموع فتاويه 3 / 394 .

6- كرر هذا التراجع في كتابه " القواعد المثلى " ، انظر فتاويه 3 / 322 ، حيث قال – رحمه الله - :"وما زلت ولا أزال أنكر هذا القول في كل مجلسٍ من مجالسي جرى فيه ذكره ".

قلت : الله أكبر ..هذه أخلاق العلماء !!..وأين منها الأدعياء؟!. إنها تراجعات الأكابر..فتأمل – رحمك الله – ماذا يصنع العلم والإيمان والإخلاص بصاحبه ! رحم الله أبا عبد الله ..ومن غيره يطيق ذلك ؟!!

أما إنه :

1- لم يذهب لشيخه ابن باز يشكو أخاه التويجري – رحمهم الله تعالى - .

2- ولم يجهز رداً يدافع فيه عن خطئه لا بحقٍ ولا بباطلٍ .

3- ولم يتنقص من ردَّ عليه ولا من أيـَّد الرَّادَّ عليه .

4- ولم تعقد له مجالس لتقريره بخطئه أو تسجيل اعترافاته أو إجباره على التراجع .

5- ولم يرحل إلى هنا أو هناك لاستخراج تزكيات من العلماء حتى يغطي بها أعين المخدوعين والجاهلين عن رؤية أخطائه .

6- ولم يتكبر ويستنكف عن قبول الحق والاعتراف بالخطأ .

7- ولم يصب بداء العجب ، فيجعل نفساً قيِّماً على دعوة السلف ، بحيث إن كل من رد عليه وبين زلاته فإنما يريد هدم الدعوة .

8- ولم يقل : خذوا بالمفصل – وما أكثره – وذروا المجمل !.

9- ولم يقل - لا هو ولا شيخه ابن باز - : إن له جهوداً عظيمةً في الدعوة إلى الله ، وإن الرادَّ عليه لا يضر إلا نفسه .

10- ولم يسوغ أخطاءه بالبحث عمن أخطأ قبله من الأئمة ..بل أقر بخطئه ، والجميع يعلم علم اليقين أنه غير قاصد ! وما ذاك إلا لعلمه أن الحق فوق الجميع ، ولعمر الله لقد علم ذلك وعلمه من بعده وعمل به في حياته و إنا عاملون به بعد مماته بإذن الله ، فرحمة الله عليه وجزاه عن المسلمين خيرا.

تلك أيها - القاريء الكريم- هي تراجعات الأكابر ، وفقنا الله لسلوك طريقهم ، وبصرنا بعيوبنا ، ورزقنا الخلاص من حظوظ النفس وأمراض القلوب .. ويا من بليتم بتعظيم الأصاغر والأحداث ..هل تجدون في معظميكم أمثال هؤلاء؟!


أولئك آبائي فجئني بمثلهم ##### إذا جمعتنا يا جرير المجامع

كتبه الشهاب الثاقب

12d8c7a34f47c2e9d3==