المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الهجر وقطيعة الرحم


كيف حالك ؟

الأثرية
08-17-2004, 07:45 PM
الهجر وقطيعة الرحم

165 ـ يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا يَحِلُّ لمسلم أن يهجُرَ أخاهُ فوق ثلاث ليالٍ؛ يلتقيان، فيُعرِضُ هذا، ويُعرِض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسَّلام‏)‏ ‏[‏رواه البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏7/90، 91‏)‏ من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه بلفظ‏:‏ ‏(‏لا يحل لمسلم‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏‏.‏‏]‏، أو كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم؛ فإذا كان هذا الشخص الذي خاصمته لا يصلي ولا يصوم ويفعل المنكرات؛ فهل يعتبر خصامي له حرامًا‏؟‏ أم ما هو المقصود من هذا الحديث‏؟‏

الهجر هو ترك مكالمة الشخص وترك مجالسته والسلام عليه‏.‏

هجر المؤمن لا يجوز فوق ثلاثة أيام إذا كان على أمر من أمور الدنيا، بل عليه أن يصالح أخاه وأن يُسلِّم عليه إذا لقيه، ومع أنه لا ينبغي ابتداءًا أن يهجر على أمر من أمور الدنيا، ولكن لو حصل شيء من الهجر؛ فإنه لا يتجاوز ثلاثة أيام، وهذا هو المراد بالحديث‏:‏ ‏(‏لا يَحِلُّ لمؤمن أن يهجُرَ أخاه فوقَ ثلاث‏)‏؛ يعني إذا كان الهجر على أمر من أمور الدنيا‏.‏

أما إذا كان الهجر لأجل معصية ارتكبها ذلك المهجور، وكانت هذه المعصية من كبائر الذنوب، ولم يتركها؛ فإنه يجب مناصحته وتخويفه بالله عز وجل، وإذا لم يمتنع عن فعل المعصية ولم يتب؛ فإنه يُهجَر؛ لأن في الهجر تعزيرًا له وردعًا له لعله يتوب؛ إلا إذا كان في هجره محذورًا؛ بأن يُخشى أن يزيدَ في المعصية وأن يترتب على الهجر مفسدة أكبر؛ فإنه لا يجوز هجره في هذه الحالة؛ فهجر العاصي إنما يجوز إذا كان من ورائه مصلحة ولا يترتب عليه مضرة أكبر، وبالله التوفيق‏.‏

166 ـ

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا يَحِلُّ لمسلم أن يهجر أخاهُ المسلمَ فوق ثلاث؛ يلتقيان، فيُعرِضُ هذا، ويُعرِض هذا، وخيرُهُما الذي يبدأُ بالسَّلام‏)‏ ‏[‏رواه البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏7/91‏)‏ من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه‏.‏‏]‏، أو كما ورد في الحديث‏.‏

في هذا العصر كَثُرَت القطيعة بين الناس، وخاصة بين القرابة؛ فعندنا أبناء عمومة متقاطعون من زمن بعيد منذ سن الصبا، وهم يحملون لبعضهم الكره والحقد، وقد سعى بينهم أهل الخير والإصلاح بقصد إصلاح ما فسد؛ إلا أنهم يصرون على الكره لبعضهم، وأحدهم متزوج أخت الآخر، ويقول أحدهم‏:‏ لا أستطيع السيطرة على قلبي تجاه ابن عمي؛ فقلبي يكرهه ولا أستطيع مجالسته ولا مقابلته ولا حتى رد السلام عليه، رغم أنهم متدينون؛ إلا أن الموعظة لم تؤثر فيهم، ويقول أحدهم‏:‏ إذا كان لا يدخلني الجنة إلا رضاء فلان؛ فلا أرجو هذا‏.‏ فما ترون فضيلتكم‏؟‏ وكيف السبيل إلى إصلاحهم مع بعضهم‏؟‏ وهل أعمالهم مقبولة وهم بهذه الحالة رغم تقاربهم في النسب والجوار‏؟‏

إن الله سبحانه وتعالى أوجب صلة الأرحام وحرَّم قطيعتها؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 36‏.‏‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ‏}‏ ‏[‏الروم‏:‏ 38‏.‏‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 1‏.‏‏]‏‏.‏

والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، توجب صلة الأرحام، وتُحرِّم قطيعتها‏.‏ وقد لعن الله قاطع الرحم؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ، أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ‏}‏ ‏[‏محمد‏:‏ 22-23‏.‏‏]‏‏.‏

فقطيعة الرحم كبيرة من كبائر الذنوب بلا شكٍّ، وعظيمة وتُوجِب تأخير المغفرة للقاطع؛ كما جاء في المتشاحنين، وأن الله سبحانه وتعالى يقول‏:‏ ‏(‏أنظِروا هذين حتى يصطَلِحا‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏4/1987‏)‏ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏.‏

وهذا فيه خطورة عظيمة على المسلم، وفيه ضرر عاجل وآجل‏.‏

أما ما ذكر السائل من أن أقارب جرى بينهم من القطيعة ما وصفه، حتى إن بعضهم لا يُكلِّم بعضًا، ويقول إذا نصح‏:‏ أنا لا أقدر على السيطرة على قلبي، وربما يبالغ فيقول‏:‏ إن كان دخول الجنة لا يحصل إلا عن طريق فلان؛ فأنا لا أريدها‏.‏ هذا كله من الكلام الفظيع، وكله من مجاراة الشيطان والهوى‏.‏

فيجب التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، وصلة ما بينهم، وأن لا يتمادوا مع عدوهم الشيطان، لا سيما إذا كان بينهم رابطة عائلية؛ كما في السؤال أن أحدهم معه أخت الآخر، فهذا أيضًا يؤثِّر على زوجاتهم ويؤثِّر على ذرياتهم، فينشأ الجميع متقاطعين متعادين فيما بينهم، والخطر في هذا عظيم، والواجب التوبة إلى الله سبحانه وتعالى‏.‏

وكما في الحديث الذي ذكره السائل‏:‏ ‏(‏لا يَحِلُّ لمسلمٍ أن يَهجُرَ أخاهُ فوقَ ثلاث‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏4/1984‏)‏ من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه‏.‏‏]‏؛ فالهجر - وهو ترك الكلام مع الشخص أو ترك زيارته أو الاتصال به - لا يحل فوق ثلاث، وأما إن كان لأجل دينه من أنه عاص لله ورسوله، ونُصِح، ولم يمتثل؛ فالهجر في حقه إذا كان يزجره عن المعصية ويؤثر فيه فإنه يكون واجبًا، ولو زاد على ثلاثة أيام، حتى يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، وهذا من حقوق الإسلام‏:‏ أن يُهجَرَ العصاة الذين أبوا أن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى حتى يتوبوا‏.‏

وقد هجر النبي صلى الله عليه وسلم الثلاثة الذين خُلِّفُوا خمسين يومًا، حتى نزلت توبة الله عليهم (9).‏

أما الهجر من أجل أمر من أمور الدنيا أو لأجل ضغينة في النفوس؛ فإنه حرام إذا زاد عن ثلاثة أيام؛ كما في الحديث‏.‏

فعلى كل حال؛ الواجب على هؤلاء أن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى، وأن يصلوا ما بينهم؛ قال سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 1‏.‏‏]‏، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ فساد ذات البين هو الحالِقَةُ، وبيَّن أنه يحلق الدين (10)؛ بمعنى أنه يجني على الدين ويقضي على الحسنات؛ فالخطر هنا عظيم‏.‏

والواجب على المسلم أن يصل رحمه وإن قطعت به؛ فإنه كما في الحديث‏:‏ ‏(‏ليس الواصِلَ بالمُكافِئِ، ولكن الواصِلَ الذي إذا قُطِعَت رحِمَهُ وصَلهَا‏)‏ ‏[‏رواه الإمام البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏7/73‏)‏ من حديث عبد الله بن عمر‏.‏‏]‏؛ فالواجب مواصلة الرحم وإن أساء إليك وإن أخطأ في حقك؛ فإنك تواصله، ويكون هذا سببًا في تأليفه وفي ندمه على ما حصل منه‏.‏

قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ‏}‏ ‏[‏فصلت‏:‏ 34، 35‏.‏‏]‏‏.‏

وهذا يحتاج إلى صبر، ويحتاج إلى حمل على النفس، وإلى ابتعاد عن الهوى ونزغات الشيطان، ويحتاج إلى تذكر الوعيد والعقوبة العاجلة والآجلة وسوء العاقبة لمن قطع رحمه؛ فإذا تذكر الإنسان هذه الأمور واستشعرها؛ حمله ذلك على التوبة وعلى صلة الرحم؛ لأن في صلة الرحم أجرًا عظيمًا، وفي قطيعتها إثم كبير وأضرار عاجلة وآجلة، والله الموفق‏

لفضيلة الشيخ صالح الفوزان

السلفيه
08-18-2004, 02:12 AM
بارك الله فيك

12d8c7a34f47c2e9d3==