سعيدبن عفير
12-28-2003, 12:27 PM
تحقيق - مناحي الشيباني
بداية كيف كانت انطلاقتكم إلى أفغانستان؟
- تحمست أنا وزميل لي في المرحلة الثانوية للذهاب إلى هناك لكثرة ما نسمع عن الجهاد، فرفض والده ذهابه، وذهبت مع زميل لي آخر في نفس المرحلة له معرفة ببعض من يذهبون باستمرار إلى هناك، وحين وصولنا إلى مطار إسلام أباد بباكستان وجدنا حافلات في انتظارنا وانتظار غيرنا ممن قدم على نفس الطائرة يريد الجهاد، وكل حافلة تتبع بيتاً من البيوت الموجودة هناك للمجاهدين.. فوقع اختيار زميلي على بيت الأنصار لأنه قد حُث عليه من قبل وحُذر من غيره فذهبت معه، ولما وصلنا إلى بيشاور ودخلنا البيت مكثنا أياماً، بانتظار ارسالنا إلى المعسكرات، وكان في هذا البيت أناس من دول مختلفة عربية وغير عربية، ثم عقد أحد المسؤولين في البيت وكان من المملكة معنا اجتماعاً لتبيين مراكز التدريب لنا وأنواع التدريب فيها، ومدته، ووقع اختيار زميلي على معسكر الفاروق (جاور) لأن مدة التدريب هناك شهران والتدريب فيه قوي جداً، ومن نجح فيه يكون مؤهلاً إلى دخول معسكر أقوى منه فيما بعد، وأظن أنه قيل لي ان مدة المعسكر الثاني ستة أشهر ومما جرى في هذا الاجتماع أنهم نبهونا أن على الشباب السعودي أن يذهبوا إلى جمعية الهلال الأحمر السعودي لوضع جوازاتهم هناك، وحذرنا المسؤول من الق
ائم عليه هناك وزعم انه مخبر يعمل ضد المجاهدين فذهبنا وقلوبنا منكمشة ومتضايقة وحذرين، ولما وصلنا كان استقبالهم لنا طيباً وتعشينا عندهم ورغب البعض في البقاء عندهم ورجعت أنا وزميلي إلى بيت الأنصار، ومما بيّنه لنا مسؤول بيت الأنصار في هذا الاجتماع اننا سنرى في أفغانستان بعض الشركيات والبدع والخرافات يفعلها الناس، فلا نتكلم فيها معهم لأنه قد يؤدي إلى ضربنا وربما قتلنا لأنهم عوام جهال وذكر لنا بعض الوقائع في ذلك، ثم تم نقلنا إلى معسكر الفاروق.
كيف كانت أوضاعكم في هذا المعسكر؟
- هذا المعسكر كان ينقسم إلى قسمين، القسم الأول فيه الحرص على اللياقة البدنية والأسلحة الخفيفة من رشاشات ومسدسات ونحوها، والقسم الثاني فيه التدريب على قاذفات الأر بي جي والهاون والقنابل وتشريك المتفجرات وطرق تصنيعها ثم التحقنا بدورة في الاغتيالات، وشدة في اللياقة وطرق الهجوم المباغتة، ودورة في حرب العصابات، وقلة الطعام لتعويدنا على الصبر والتحمل حيث كنا احياناً نأكل تمرات معدودة، وأحياناً قطعة خبز رأيت العفن فيها غير مرة.
هل من ملاحظات لكم في فترة التدريب هذه؟
- مما وقع لي شخصياً انه كان معنا شاب سعودي كان يقول لزملائه انه لا يعرف القراءة والكتابة، وذات مرة رأوا في يده كتاباً وكأنه يقرأ، وعلى الفور ادعوا ان مخبر يعمل ضدهم.. فلابد أن نبلغ عنه المسؤولين الكبار حتى يقام عليه حد الجاسوس وهو القتل، فقلت لهم كيف يقتل قالوا: يُذهب به لدخول معركة مع المجاهدين ثم يُرمى برصاصة من الخلف، ويُرسل إلى أهله على أنه قتل شهيداً في المعركة، حتى لا يدري أحد بأمره، ولا تُساء سمعة الجهاد، فخوفتهم بالله تعالى وأنه لا يجوز لكم فعل ذلك، وأن رؤيتكم له ظن والظن لا يغني من الحق شيئاً والكتاب ربما كان ينظر إلى صور الأسلحة فيه، وهو يتمتم على عادة الناس عند التفرج، فاتقوا الله ولا تفتحوا هذا الباب ولا يخرج عنكم ولا تكونوا سبباً في اراقة دم مسلم ثم ان هذا الرجل تدل هيئته على انه ممن كان يتعاطى المخدرات حيث كان دائم الاضطراب اضافة إلى علامات معروفة في اسنانه وشفاهه فأغلقوا قضيته ولم يتكلموا عنه لكنهم كانوا حذرين منه ولم يصاحبوه.. ثم هذه المسألة أعني مسألة قتل الجاسوس المسلم وقد ذهب جمهور أهل العلم أنه لا يقتل وإنما يعزر بما يراه الإمام واحتجوا بحديث علي بن أبي طالب في قصة حاطب بن أبي بلتعة لما اف
شى سر رسول الله صلى الله عليه وسلم لكفار قريش وأرسل لهم كتاباً مع امرأة يخبرهم بقدومه لغزوه ومع هذا لم يقتله النبي صلى الله عليه وسلم، وخبره في البخاري ومسلم مع أن فعله هذا قد يترتب عليه هزيمة جيش المسلمين، ثم هو أفشى سر الرسول وليس أي أحد، وقد تقع أذية على الرسول بسببه.
ثم هل من أخلاق المجاهد الغدر فيؤخذ ليجاهد ثم يقتل من الخلف، وهل من أخلاق المجاهد الكذب فيكذب على أهله بأنه مات في المعركة شهيداً وكانوا قد أخبروني أنه قد نفذ هذا الحكم في رجل غيره قبل فترة ولا أذكر جنسيته عندما قالوا لي عنه لأن العهد بعيد.
ومما جرى معي أيضاً أنه كان في المعسكر جبل تتجمع به مجموعة من المجاهدين الكشميريين وكنت أصعد إليهم قبيل الفجر لأدرسهم القرآن فما أصل إلى أعلى الجبل إلا وقد تعبت وأحتاج إلى وقت للراحة ثم أصلي الفجر، وكان يُدربهم مدرب على الزحف على اليدين والاقدام وهو يضرب بالرشاش فوق رؤوسهم فتعب أحدهم فأصابته الطلقة فمات في لحظته، مما احزننا كثيراً وغضبنا من هذا التصرف المحرم مع أن النبي أخبر أن من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى ينتهي وإن كان أخاً من أبيه وأمه".. والحديث في صحيح مسلم.. ثم هذا استهتار بدماء المسلمين وقد عظمها الله حتى قال رسوله "زوال الدنيا اهون عند الله من قتل رجل مسلم" والحديث رواه أبو داود والترمذي وصححه الإمام الألباني.
ثم أُخبرتُ أن المدرب قد نقل إلى معسكر آخر، ولا حول ولا قوة إلا بالله ومما جرى لي أنهم طلبوا مني أن ألقي عليهم دروساً في العقيدة فقمت بها وفي أول درس طلبوا مني انهاء درسي وأخذ المدرب يجرني بثوبي لأتوقف ثم قطع التيار الكهربائي وكان معي ورقة أقرأ منها كلاماً للشيخ ابن باز حول المسألة التي طرحتها فلا أدري أذلك كان عن عمد أم فجأة لأن أحد المدربين قد خرج وكان متضايقاً وبعده قطعت الكهرباء.
ومما وقع، في هذا المعسكر من التساهل في أمر الأرواح أن مدرباً قال لأحد المجاهدين خذ هذه القنبلة ورمى بها إليه وكان ما زال جديداً فوقعت على الأرض فانفجرت القنبلة وأصابت من أصابت ومنهم المدرب.
ومما وقع لنا في التدريب أن مدرباً يقال له أبو مصعب كان يدربنا على الاغتيالات ويضع لنا شواخص نضربها كأنها انساناً، ويقول تصور انك الآن تغتال أحد الطواغيت يعني حكام المسلمين وأظنه سمى لنا اثنين منهم أو واحداً، ويقول: تصور أنه الآن نزل من سيارته الآن ففرغت الرشاش فيه أو نحو هذا الكلام.
ومما رأيته أن كل أحد يتكلم في شرع الله ودينه بما أراد لا رادع له حتى أن أحدهم جلس يفسر سورة الفاتحة فلما وصل على قوله تعالى {غير المغضوب عليهم ولا الضالين}.. قال المقصود به الرئيس الفلاني وسماه وهو حاكم بلده، فأنكرت عليه هذا وقلت هذا تحريف للقرآن وقد بيّن الرسول أن المقصود بهم اليهود والنصارى كما ثبت ذلك عنه في مسند الإمام احمد.
وكنت كلما رأيت أمراً أنكرته، وبينت عدم جواز لمن وقع منه، وكذلك مما يقوم به بعض المسؤولين في المركز، وكانوا يدربوننا على بعض الأشياء وأرى انها لا تجوز فلا أفعلها ولا امتثل لهم فيها.. وهذا أغضب بعضهم علي فاصبحوا يتململون مني حتى ان أحد المدربين قال لي: إذا أخذت مجموعتك التي أنت فيها معي لتدريبهم فلا تذهب معي وأخذ يصرخ بي أمامه ويحذرني، حتى قال لي بعض الزملاء: الحمد لله لم تذهب معنا أو نحوها فخشيت والله على نفسي فطلبت الخروج من المعسكر إلى معكر آخر فوافقوا مباشرة مع أنهم أخذوا شرطاً علينا باكمال المدة، ثم ذهبت إلى معسكر الصديق، ولزمت الصمت عندهم ثم رجعت إلى المملكة
ولم اشارك في أي معركة لأنني أرى بعض الأفغان يهجم على بعض وكلهم يقول انا من المجاهدين، ونرى هؤلاء يصلون وهؤلاء يصلون فما طابت نفسي بالمشاركة وخشيت ان يراق دم مسلم بيدي أو أكون مشاركا في إراقتها وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد لما قتل رجلا في المعركة وكان في صف الكفار، فلما لحق به اسامة قال الرجل: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال الرسول لأسامة: اقتلته بعدما قال لا إله إلا الله، قال إنما قالها خوفا من السلاح وأوجع في المسلمين وقتل فلاناً وفلاناً، فقال له الرسول: فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة" والحديث في صحيح مسلم، وقد جاء في رواية ان اسامة تمنى انه لم يسلم إلا يومها.
بعدما اطلعتم على هذا الوضع والذي ذكرتم بعضا منه، كيف يفرق بين الجهاد والإرهاب في رأيكم؟
- الجهاد الشرعي واضح وبين بحمد الله تعالى في القرآن وفي السنة وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين ومن بعدهم واضحة ونيرة ومشرقة، كان جهادهم نظيفا ونزيهما والمراد به رحمة الناس بعبادتهم لله تعالى ربهم، وليس فيه الغل ولا الحقد وإنما الخير للمجاهِد والمجاهَد، ومن أعظم ما يفرق به بين الجهاد الشرعي والإرهاب ان الجهاد الشرعي منضبط بقال الله وقال رسوله ففي الجهاد الشرعي نهى الرسول عن قتل النساء والصبيان والشيخ الكبير، وقال: لا تغلوا ولا تغدروا كما جاء في صحيح مسلم من حديث بريدة، وهؤلاء المنهي عن قتلهم هم من قوم العدو الذي نجاهده، فالتعدي على هذه الأنفس بعد تحريم رسول الله لها يكون إرهابا، وكذا الغدر، فمثلا النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما" والحديث في صحيح البخاري، ويقول الشيخ ابن عثيمين: هذه العقوبة تدل على ان قتل المعاهد كبيرة من الكبائر، والمعاهد هو الرجل الكافر يدخل إلى بلاد المسلمين بأمان من ولي الأمر أو من رجل من المسلمين أو امرأة، وهذا باتفاق العلماء كما قال الامام الشوكاني والقرطبي وغيرهم انه يحرم قتله.
فمخالفة الاحاديث التي جاءت في النهي عن قتله وفعل ضدها يكون إرهابا وتطرفا والنصوص الشرعية من القرآن والسنة فيا حرمة قتل المسلمين واتلاف أموالهم وترويعهم وإذهاب أمنهم واجمع على ذلك العلماء فأي عمل فيه تعد على هذه الاشياء يكون ارهابا وخروجا عن أحكام الشريعة.
ثم تأمل قول الله تعالى عن الجهاد الشرعي: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} فانظر إلى هذه الحكمة العظيمة منه وهي دخولهم في دين الله جل وعلا، لكن الواقع من هذا الأعمال انها تشوه سمعة الإسلام في العالم، وتطلق ألسنة الحاقدين عليه، وتشوه صور المتدينين عند المسلمين قبل الكفار وتضيق على دعاته وعلى مراكزهم في العالم وتعيق دعوتهم وتمنع معوناتهم، وهذه النتيجة عكس نتيجة الجهاد تماما وتخالف مقصده ثم الجهاد يكون عند القدرة عليه، ونحن الآن أضعف الأمم، واعداؤنا أقوى منا بكثير، ولما كان النبي في مكة ضعيفا لم يشرع الجهاد في حقه، فلماذ ذهب إلى المدينة واصبحت له قوة ومنعة شرع له الجهاد، بل وحتى نبي الله عيسى عندما ينزل آخر الزمان يجاهد في سبيل الله ومعه المسلمون وهو نبي ويقاتل في سبيل الله وجهاده يعتبر جهادا شرعيا، يخرج عليه يأجوج ومأجوج فيأمره الله أن يوقف الجهاد وان يصعد هو وجيشه جبل الطور ليحتموا من هذا العدو، ونص الحديث: "إني بعثت عليكم عباداً لا يدان لكم بهم - يعني: لا قدرة لكم بهم - فأحرز عبادي إلى الطور" والحديث في صحيح مسلم.
وأيضا الجهاد لابد فيه من راية وولي أمر يقاتل معه وتحت إمرته وهذا هو الجهاد المعروف في عهد الرسول والصحابة وأئمة المسلمين، وحتى الذي يكون في آخر الزمان عند نزول عيسى بن مريم يكون فيه إمام وراية وخلاف ذلك يكون ارهابا واهلاكاا للمسلمين، وزيادة في مصائبهم وتسلط أعدائهم عليهم، وابقاء لسيطرتهم عليهم، وتمكينا للكفار في أراضيهم، واذكر كلمة قال الشيخ ابن عثيمين في شرحه لكتاب رياض الصالحين يقول: القتال واجب ولكنه كغيره من الواجبات لابد فيه من القدرة والأمة الاسلامية اليوم عاجزة لا شك عاجزة، ليس عندها قوة معنوية ولا قوة مادية إذاً يسقط الوجوب لعدم القدرة فاتقوا الله ما استطعتم .اه . فهذه كلمة من إمام كبير له دراية عظيمة بالشرع وخبرة بالواقع والأحداث فرحمه الله.
إذاً ترون ان الخروج عن نصوص القرآن والسنة وعدم العمل بها سبب للإرهاب؟
- نعم، لأن الذي أمرنا بمعاداة الكفار هو الله تعالى، والذي أمرنا بالوفاء بالعهود معهم، وعدم الغدر بهم وحرم قتل المعاهدين منهم، وحرم قتل نسائهم وأطفالهم هو الله تعالى مع علمه ببغضهم وعداوتهم للمسلمين وما سيفعلونه بالمسلمين إلى يوم القيامة وتخطيطاتهم ومؤامراتهم وغير ذلك، ومع هذا أمرنا بهذه المعاملة جهتهم فكما نطيعه في الأمر الأول نطيعه في الأمر الثاني، وكما نطالب بتحكيم الشريعة في الأمر الأول نطالب بتحكيم الشريعة في الأمر الثاني.
انتقل إلى مسألة أخرى وهي عن السبب في رأيكم الذي أدى إلى نشوء هذا الفكر وسلوك الشباب طريق القوة والعنف؟
- أخي في نظري ان سبب سلوك بعض الشباب لهذا الطريق راجع إلى أمرين رئيسيين:
الأول: الطعن في ولاة الأمور وذكر مساوئهم ونشرها بين الناس وأضرب لك مثالا يوضح عاقبة ونتيجة الكلام في ولاة الأمر وأثره في المجتمع تعرف عثمان بن عفان، ثالث الخلفاء الراشدين مبشر بالجنة وانه يموت شهيدا، وأنزل الله قرآنا بأنه قد رضي عنه مع أهل بيعة الرضوان وقدم للاسلام ما قدم، وضرب به المثل في العدل والرفق بالرعية، ومع ذلك أخذ بعض الناس في مصر يطعنون فيه وانه وانه وانتشر هذا الكلام بينهم وتسامع به أهل البصرة والكوفة ونشر بينهم، فخرج أناس من هذه البلدان حتى أتوا المدينة وقتلوا عثمان رضي الله عنه وهو يقرأ القرآن، فما ردعهم القرآن الذي بين فضله ولا أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، في الثناء عليه وقد سمى الرسول قتلهم له شهادة له فهنيئا له بها، وفعلوا هذا باسم الجهاد وباسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والقيام بأمر الله.
ثم انتشر فكرهم حتى كفروا الصحابة واستباحوا دماءهم وأموالهم وسبوا النساء وقتلوا الأطفال فخرج علي لقتالهم هو والصحابة والتابعون فنصره الله عليهم، ومكنه منهم.
فإذا حدث هذا التكفير والقتل والسبي وأخذ الأموال من أهل هذه الفكر لاهل القرون المفضلة فحدوثه لنا في هذه الأيام ليس بمستغرب، ولهذا لو نظرت إلى ما يحدث في هذه الأيام تجد ضحاياهم أكثرهم من المسلمين، والأموال المتلفة للمسلمين والمساكين المدمرة للمسلمين، وأفعالهم في بلاد المسلمين، وأضرارهم على المسلمين، أخي قبل ذهاب الشباب إلى أفغانستان وجد من يتكلم عن الولاة من الدعاة ويذكر عيوبهم ويقدح فيهم وانهم وانهم فامتلأت قلوب كثير من الشباب عليهم حقدا وكراهية وازدادوا لهم بغضا، ورسخت في قلوبهم افكار خطيرة وهي ان ولاتهم يحاربون الدين، ويريدون نشر الفساد ويتظاهرون بالدين، وترتب على هذا الأمر أمر آخر وهو السبب الثاني: وهو الطعن في العلماء ورميهم بالعمالة والمداهنة وإرادة الدنيا والمناصب والأموال، لماذا لأنهم ما تكلموا في الحكام، ورأوا ان هؤلاء الدعاة أقول منهم للحق ولا يخشون الحكام فسقط بهذا العلماء وكذلك الحكام، فإذا سمعوا العلماء سواء ابن باز أو ابن عثيمين أو الفوزان أو الحيدان أو ابن غديان أو آل الشيخ أو ابن غصون أو السبيل أو البسام يحثون على السمع والطاعة لولاة الأمور وعدم الطعن فيهم ونشر أخطائهم وعدم التحريض عليهم لم يقبل
وا منهم ورأوا أن هذا الكلام مداهنة وركون إلى الدنيا وخوف من قول كلمة الحق، مع أن موقف هؤلاء العلماء هو الذي جاء في الأحاديث ا لنبوية وهم عملوا بما جاء فيها فمثلاً النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أطع الأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك" والحديث في صحيح مسلم، وأخبر الصحابة من الأنصار فقال لهم: "ستلقون بعدي اثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض" والحديث في مسلم، والأثرة هي استئثار الحكام، بكل شيء، ومع ذلك لم يقل لهم طالبوا ونددوا وتظاهروا وتكلموا وإنما أرشدهم إلى العلاج النافع وهو الصبر حتى يلقوه يوم القيامة على الحوض، بعد أن أخبرهم بالأثرة وسألوه العلاج: وفي حديث آخر أخرجه البخاري ومسلم أنه قال لهم بعد أن أخبرهم بالأثرة وسألوه العلاج: "تؤدون الحق الذي لكم وتسألون الله الذي لكم" يعني: نعطي ولاة الأمور حقوقهم من السمع والطاعة والبيعة وعدم الخروج عليهم والتحريض، وحقوقنا التي لم يعطونا إياها نسألها الله، لأنه لو قامت المطالبات انتشرت الفوضى وذهب الأمن وأريقت الدماء، وفسد الدين والدنيا.
ولذلك كان الصحابي حكيم بن حزام رضي الله عنه يقول: لا أعين على دم خليفة بعد عثمان فقيل له: أو أعنت على دمه قال إني اعد ذكر مساويه عوناً على دمه" وقال أنس بن مالك: نهانا كبراؤنا من أصحاب محمد قالوا: قال رسول الله لا تسبوا أمراءكم ولا تغشوهم ولا تبغضوهم واتقوا الله واصبروا فإن الأمر - أي الفرج - قريب" والحديث صحيح في السنة لابن أبي عاصم، وغير ذلك .ومن طعوناتهم المنفرة من العلماء أنهم يقولون: أتساوون ابن باز الذي هو جالس في بيته على الكراسي الدوارة بالشيخ هذا الذي يجاهد ويعرض نفسه للقتل فهذا الذي تقبل فتواه وهذا يدل على جهلهم لأن الله قد قال عن القتال: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم} ثم ابن باز رجل كبير السن وأعمى وهو معذور بحاله هذا بنص كتاب الله تعالى.
والشاهد أن العلماء انطلقوا في مواقفهم من أحاديث نبيهم وهؤلاء الدعاة من العاطفة والحماسة وترك النصوص.
فلما ذهب الشباب إلى أفغانستان وكانت الجماعات التكفيرية قد جهَّزت الخطط له في الكلام على بلاده وحكامه وعلمائه فلما التقوا به وجدوا أن طائفة من شبابه مهيأة لقبول أفكارهم ومعتقداتهم ومخططاتهم، ولم يتعبوا معهم كثيراً، ولم يبذلوا جهداً كبيراً فرأوا أن ولاتهم كفار وأن من أعانهم ومدحهم ودافع عنهم يلحق بهم ورأوا أنه لابد من تغييرهم وجهادهم كما رأى من قبلهم قتل عثمان وعلي وغيرهم من الصحابة وتكفيرهم وبعدهم عن الدين وعدم قيامهم به، وحرصهم عليه.
وطائفة أخرى لم تسلك طريق العنف لكن مازال في قلبها بغض الولاة والطعن فيهم وأنهم وأنهم فتراها متعاطفة مع هؤلاء، وتتأثر بما يقولون وينشرون لاسيما مع تسلط الكفار على بلاد المسلمين فساعد هذا في انتشار هذا الفكر، ودخول شبهه على كثير من الناس لأن كثيراً منهم بعيد عن العلم وأهله.
في رأيك أصحاب هذا الفكر إلى من رجعوا في اتخاذ فتاويهم لفعل ما نراه هذه الأيام؟
- الفتن المتعلقة بأمن هذه الأمة وسلمها وخوفها المرجع فيها إلى أهل العلم لأن الله يقول: {وإذا جاءهم أمر من الامن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} يقول قتادة وهو من تلاميذ الصحابة: أولو الأمر المراد بهم: أهل العلم، ويدل عليه قوله تعالى: {لعلمه الذين يستنبطونه منهم} وقال تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} والمراد بأهل الذكر العلماء بالإجماع.
فهؤلاء ما رجعوا في ما اعتقدوه من أفكار وما قاموا به من أعمال إلى من أمرهم ربهم بالرجوع إليهم وهم العلماء فهم إذاً لم يعملوا بما أنزل الله عليهم، ولم يحكموا شريعة الله ويطبقوا حكمه بالرجوع إلى العلماء، وهذه عقوبة من لم يعمل بشريعة ربه أن تكون أعماله ضد نفسه، وتزيد في إثمه، وما يوقعه في سخط ربه.
ولو رجعوا إليهم لما وقعوا فيما وقعوا فيه لو رجعوا إلى العلماء ابن باز وابن عثيمين والفوزان والألباني وآل الشيخ وابن غديان والسبيل والعباد وأمثالهم من العلماء لهدوا إلى الرشد، وسعدوا في دنياهم وأخراهم وجنبوا أنفسهم الإثم وغضب ربهم مثل أسلافهم الأولين لو رجعوا إلى علمائهم في ذاك الوقت وهم الصحابة لعرفوا طريق الحق، وما خاضوا في دماء المسلمين إذاً فهؤلاء أصحاب هذا الفكر أولاً اعتدُّوا بأنفسهم فلم يرجعوا إلى أهل العلم، ثم تأثروا بشباب مثلهم ما عُرفوا بالعلم والرسوخ فيه كأمثال أبي محمد المقدسي عصام البرقاوي الفلسطيني وأمثال عمر عبدالرحمن المصري وأمثال اسامة بن لادن الذي أصبح شيخاً في هذا الزمان وما عُرف بالعلم ولا بدراسته، وكأبي قتادة الفلسطيني وغيرهم.
وقد ظهر للناس رجوع بعض ممن تصدر بالإفتاء لأمثال هؤلاء والتبرير لهم عبر الشاشات وأعلنوا تراجعهم وأنهم ليسوا بأهل للإفتاء وبتسرعهم وأن ما عليه العلماء الكبار هو الحق والصواب.
هل المجاهدون يقتلون المسلمين ويقتلون النساء والأطفال ويدمرون ممتلكات المسلمين؟
- لا والله فإن كتاب الله وسنة رسوله قد حرم دماء المسلمين نساءً وأطفالاً ورجالاً عبيداً أو أحراراً عصاة أو أبراراً وقد أجمع على ذلك العلماء من عهد الصحابة وإلى اليوم، بل وأوجب الله ورسوله في ذلك الحد فكيف يكون هذا جهاد، وهو يخالف كتاب الله وسنة رسوله وإجماع العلماء، هذا والله عين العدوان وهو الإرهاب بعينه وهو عصيان الله ورسوله جهاراً نهاراً، وردّ آيات كتابه وأحاديث رسوله، وهو حكم بغير ما أنزل الله في كتابه وجاء به رسوله في سنته.
بل وحتى نساء الكفار وأطفالهم وأهل الذمة منهم والعهد والأمان بالإجماع يحرم قتلهم، وبقول رسول الله قبل ذلك. لكن لو كان السؤال هل يعقل أن يسمى قتل هؤلاء جهاداً لقلت لك: نعم. يعقل هذا عند أصحاب هذا الفكر والمنهج أفلم يكفروا الصحابة باسم الجهاد ألم يقتلوا علياً باسم الجهاد وقبله قتلوا عثمان باسم الجهاد ألم يبقروا بطن أم ولد عبدالله ابن خبيب رضي الله عنها وهي حبلى وقتلوا عبدالله بن خباب وقتلوا نسوة في ذلك الوقت وعددا من الأطفال، واغاروا على إبلهم وأغنامهم وسلبوها وفروا بها وسموه جهاداً، وعلى إثر ذلك قاتلهم الصحابة وعلى رأسهم خليفتهم علي بن أبي طالب، وكل هذه أفعال مع مسلمين وضد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل أذكر أن أحد علماء القرن السادس الهجري وأظنه ابا محمد اليمني ذكر عن بعض فرقهم أنهم وضعوا قدوراً عظيمة ملأوها بالماء وأوقدوا تحتها ناراً وغلوا فيها أطفال مخالفيهم لأنهم كانوا يرون أن آباءهم قد كفروا وأطفالهم يلحقون بهم، وإذا عاشوا فسيكونون كفاراً فنقضي عليهم من الآن واحتجوا بآية نوح {إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً} والآية في الكفار الأصليين وهؤلاء القوم طبقوها على من يشهد أن لا إله إل
ا الله ويصلي ويزكي ويصوم ويحج ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فأول من أسس لهذا المنهج منهج التكفيري هو عبدالله بن سبأ وهو من أصل يهودي أظهر الإسلام وهو يبطن خلافه وحتى يلاقي إقبالاً أظهر في التنسك يعني التدين والزهد والعبادة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فالتفت حوله مجموعة كبيرة ويقولون عنه هذا يقول كلمة الحق ولا يخاف وغيره يجبن ويداهن ويكتبون إلى البلاد الاخرى عنه وعن حاله حتى اغترت به مجموعات اخرى، وكان يقول لاتباعه: أظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تستميلوا قلوب الناس 10ه ويقصد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: الانكار على الحكام جهرة وذكر عيوبهم ومخالفاتهم، وهذا الخبر ذكره ابن كثير في البداية والنهاية وابن جرير في تاريخ الإسلام.
فأصبحوا يقومون بما يقومون به من أعمال مخالفة للقرآن والسنة باسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد وتطبيق الشريعة وهكذا، ولذلك لما كفروا علي بن ابي طالب وقاتلوه وقتلوا نساء المسلمين وأطفالهم وسرقوا اموالهم فعلوا كل ذلك باسم تحكيم الشريعة وكانوا يقولون له: ان الحكم إلا لله، فاذا كان علي بن ابي طالب لم يحكم الشريعة فمن الذي سيحكم بها، ولذلك كان علي يقول عن كلمتهم هذه: كلمة حق أريد بها باطل؟ فليس رفع الشعارات والكلمات الرنانة والخطب الحماسية هي ميزان ان الإنسان على حق، ولذلك ماذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم لاصحابه عن الخوارج قال لهم: "تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم" ومع هذه العبادة قال عنهم "يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية" وقال ايضاً: "هم كلاب أهل النار" وقال أيضاً: "اقتلوهم حيث وجدتموهم" وقال أيضاً: "لئن ادركتهم لاقتلنهم قتل عاد" وقال أيضاً: "طوبى لمن قتلهم أو قتلوه" وقال أيضاً: "هم شر قتلى تحت أديم السماء" وقال أيضاً: "يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان"، فَقَتلُهم لأهل الإسلام أمر قد اخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أكثر من 1400سنة، وهذه الاخبار من معجزاته، وفعلا وقع ما
أخبر عنه وقد وقع شيء منه في عهد الصحابة ثم الدولة الأموية ثم العباسية وهكذا إلى قيام الساعة.
من خلال ما ذكرتم كيف نعرف أن هؤلاء القوم وأفعالهم على صواب أو خطأ؟
- الميزان بارك الله فيك هو القرآن والسنة وما كان عليه السلف الصالح من أهل القرون المفضلة ومن تبعهم وما عليه علماء السنة الكبار في كل عصر ومصر فهل في القرآن قتل المسلمين ونساءهم وأطفالهم وترويعهم واتلاف أموالهم وقتل المعاهدين والمستأمنين وسلب أموالهم، وقتل نسائهم وأطفالهم إذا حاربناهم وهل هذا أيضاً في السنة وهل كان الصحابة والتابعون وأتباع التابعين يفعلون ذلك، وهل يفتي به كبار علماء السنة كابن باز وابن عثيمين والألباني والفوزان وآل الشيخ وابن غديان وأمثالهم، لا والله لا يوجد شيء من ذلك، إذا من خالف هذا وعمل ضده وما يخالفه فهو على خطأ مائة بالمائة وهو يسير على طريق ضلالة طريق النار والعياذ بالله.
وهنا أتذكر كلمة قالها الامام الشافعي - رحمه الله - قال: إذا رأيت الرجل يطير في الهواء ويمشي على الماء فلا تغتر به حتى تعرضه على الكتاب والسنة.
كيف تنظرون لهؤلاء الذين يفجرون أنفسهم في هذه العمليات؟
- ارى انهم بسبب تعجلهم واندفاعهم وعواطفهم وعدم رجوعهم إلى العلماء وأخذهم بأدلة القرآن والسنة قد اوقعوا انفسهم في ورطة كبيرة وعظيمة وذنوب مهلكة فهم قد قتلوا انفساً تؤمن بالله واليوم الآخر، وقد كان الصحابي ابن عمر يقول: "إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لها لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله". رواه البخاري في صحيحه، وانهم أيضاً قد قتلوا انفسهم وقد اخرج الامام البخاري ومسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها ابداً" هذه عقوبته ووسواء قتل نفسه بقنبلة أو مسدس أو غير ذلك، وأيضاً هم اجترأوا على نصوص القرآن والسنة فخالفوها وشوهوا صورة دين ربهم، وتسببوا في التضييق على أهله، وسلطوا القوى الكبيرة على المسلمين.
فمسكين ومسكين من مات وهذا حاله، وعلى من بقي منهم ان يترك ما هو عليه من هذه الذنوب المهلكة الكبيرة، وان يُعين ولاة الأمر على القضاء على هذا الفكر المخالف للكتاب والسنة ومنع ازدياد هذه الانتهاكات للحرمات، عَلَّ الله ان يتجاوز عنه أو يخفف عقوبته، وليعلم ان عقوبة الدنيا لو لحقته فانها لا تساوي شيئاً عند عقوبة رب العالمين.
ماذا تقولون لمن قد يغتر بهذا الفكر وأهله من الشباب؟
- اقول لهم اتقوا الله تعالى ربكم فإن في مدحكم لهم أو تعاطفكم معهم، أو سكوتكم عن أفكارهم، وتغاضيكم عن أفعالهم وعدم انكاركم لها اعانة لهم على اراقة دماء المسلمين واتلاف أموالهم وترويعهم وقتل سائر النفوس التي عصمها الله ورسوله من غير المسلمين لانهم إذا سمعوا هذا منكم، وعرفوا من حالكم جهتهم، أو رأوه منكم كان هذا سبباً في بقائهم على ما هم عليه من الضلال والانحراف وتمسكهم بما هم عليه، واعتقاد انهم على صواب وحق، فلا تكونوا سبباً لزيادة الفتنة، وسبباً في انتشار معصية الله ورسوله وكونوا اسباب خير ورحمة للناس وأنفسكم وبلادكم فانكم في نعمة عظيمة بلادكم تحكم فيها بشريعة الله قضاتها لم يتخرجوا في جامعات غربية وانما من جامعات شرعية، ولا يحكمون بقانون فرنسا ولا انجلترا وانما بقال الله في كتابه وقال رسوله في سنته، ولا يوجد غير بلادكم يدرس فيها عقيدة التوحيد التي كان عليها سلفكم الصالح من الابتدائية وإلى آخر مرحلة وهي الدكتوراه، والسنة والتوحيد يُصدع بها في الحرمين وسائر الجوامع والمساجد فلا تسووا بينها وبين غيرها فإن هذا ظلم وعدم انصاف، والظلم وترك الانصاف ليس من صفات الايمان بل من صفات الفجار.
وأذكر كلمة قالها الامام ابن عثيمين - رحمه الله تعالى - لما حدث تفجير مماثل في العليا بالرياض حيث قال: "فالواجب على طلاب العلم ان يبينوا ان هذا منهج خبيث منهج الخوارج وان هؤلاء اما جاهلون واما سفهاء واما حاقدون، فهم جاهلون لانهم لا يعرفون الشرع، الشرع يأمر بالوفاء بالعهد وأوفى دين بالعهد هو دين الإسلام وهم سفهاء ايضاً لانه سيترتب على هذه الحادثة من المفاسد ما لا يعلمه إلا الله فليست هذه وسيلة اصلاح حتى يقولوا انما نحن مصلحون بل هم المفسدون في الواقع أو حاقدون على هذه البلاد وأهلها لأننا لا نعلم والحمد لله بلاداً تنفذ من الإسلام مثلما تنفذه هذه البلاد أليس في غيرها، ومحرضات الزنا ظاهرة، وتباع الخمر علناً، لا يحكم فيها شرع الله وحكام هذه البلاد يصرحون بالحكم بشريعة الله" وهذا الكلام موجود في شريط بعنوان: "الحادث العجيب في البلد الحبيب".
قبل الختام هل من مفارقات استوقفتكم خلال ذهابكم إلى افغانستان وخلالها ما ترون من الاحداث؟
- هناك عدة مفارقات توقفت معها وحدث بيني وبين نفسي جهتها مراجعات واخذ ورد ومن هذه المفارقات: انني كنت أفكر في وضع افغانستان وكيف يكون جهاد قادته قد وصلوا إلى أكثر من سبعة وكل قائد له اتباع وتنظيم وشعار ومجلة أو جريدة او نشرة تختص به، ويحدث بينهم قتال احياناً واعتداء على بعض واتهامات وأخذ ممتلكات وغيرها.
بينما الجهاد في عهد النبي والصحابة ومن بعدهم كله تحت أمير واحد وشعار واحد، وقد قال الله:{ إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص}.
وهؤلاء متفرقون متناحرون، وحتى لما سقطت كابل قام القتال بينهم وتعاركوا على المناصب أيعقل ان يكون هذا هو الجهاد الذي مدحه الله ومدحه رسوله، كنت اتوقف عند هذا كثيراً ومنها أنني كنت اتوقف عند قوله تعالى{ وكان علينا حقاً نصر المؤمنين} وقوله {ولينصرن الله من ينصره} وقوله {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً}.
وهذه كلها وعود حق وصدق وانظر إلى واقعهم وإذا هو خلاف هذا فجعلني هذا اتوقف كثيراً.
ومنها أنهم كلما حرروا بلدة او قرية لم يكونوا يطبقون فيها الشريعة ويمنعون ما حرمه الله فيها من مخدرات وقبور مبنية على المساجد وشركيات وبدع كثيرة وإقامة الحدود وغير ذلك، وإذا سألهم احد كانوا يقولون حتى تسقط كابل، وكنت أقول لنفسي ألم يكن النبي يطبق الشريعة في كل بلد أو قرية يفتحها، بل حتى في المدينة طبق فيها أحكام الشريعة، ولم يقل اصبروا وانتطروا حتى فتح مكة او أوحد جزيرة العرب وهكذا الصحابة بعده ماكانوا يؤخرون تطبيق الشريعة حتى يفتحوا كل الأقاليم، بل كل مافتحوا إقليما أقاموا فيه الشريعة فكنت اقول لماذا يخالفون هدي النبي هذا وهدي اصحابه وهل هذا جهاد صحيح وهو يخالف طريقة النبي وهديه في ذلك ومن ذلك أنه كانت لهم مقرات لجمع التبرعات فأحضرت إلى مقر منها يتبع لأحد قادتهم مبلغاً من المال أنا واثنان من الإخوان وقلت له هذا المال منه مبلغ كذا زكاة مال ومبلغ كذا زكاة فطر ومبلغ كذا صدقة جارية ومبلغ كذا للأيتام ومبلغ كذا صدقة عامة فأخذها كلها ووضعها في درج فيه أموال كثيرة وخلط الجميع مع بعض مع أن كل مال منها له مصرف حدده الله ورسوله فكيف يعرف هذا من هذا بعد الخلط ومع كثرة الأموال فضاق صدري وتكلمت معه ولم احضر اليهم بعدها واع
طم شيئا لأن فعلهم هذا مخالف للكتاب والسنة. وقد فعلوه مع غيري أيضاً وكلمت بعض المسؤولين في بعض الهيئات الخيرية عنهم ورأيت عندهم أمراً آخر فاتصلت على ابن عثيمين رحمه الله من مكتبهم فأنكر فعلهم هذا، وقال لي اعطني اكلمهم فأبى مسؤول المكتب وقال انت تكفي فقال لي ابن عثيمين اكتب ما اقوله فكتبت كلامه وكان في أربع صفحات وقال لي: ابلغهم اياه فأعطيتهم الأوراق واوصاني رحمه الله انشر هذا بين الناس. ومن المفارقات التي وقفت عندها انهم كانوا في المعسكر يشددون علينا في ان نسمع لهم ونطيع وان لا نناقشهم في شيء وان نطبق مباشرة ما يقولون، هذا اهم شيء في التدريب، بل هو أهم من التدريب العسكري فعلمت بعد ذلك ان من كان بهذه الصفات يختار إلى جهات اعلى من هذا المعسكر. وقد يقبل في (القاعدة)، وهذا هو الذي يصلح لما يريدون فعله من مخططات في المستقبل، وهذه النوعية هم من يصلح لهم. وأما ما استوقفني من المفارقات العامة فكنت اتوقف عندما وقع في عهد الإمام احمد، حيث اجبر الناس خليفة وقته بالقول بأن القرآن ليس كلام الله وانه مخلوق كسائر المخلوقات، وهذا مخالف لقول الله {وإن احد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله} واجمع العلماء على ان اعتقا
د هذه المقولة والقول بها كفر فقام الخليفة وسجن وعذب العلماء على اعتقادها بل قتل منهم عدد، وقيد الامام احمد وغل بالأغلال وأخذ من بغداد إلى عند الخليفة وجلد وسجن حتى أثر فيه التعذيب شديداً فلم يكفر الخليفة بل كان يدعو له ويقول أرى ان ذلك واجب علي لأن الخليفة كان ملبساً عليه، بل جاءه قوم يريدون الخروج على الخليفة وانهم لا يرضونه لإجباره الناس على هذه المقولة الكفرية وتعذيبهم وسجنهم وقتل بعضهم فأنكر الامام احمد عليهم انكاراً شديداً وقال لهم: اصبروا الله الله لا يوضع السيف في امة محمد يعني لا تكونوا سبباً في إراقة دماء المسلمين فرحمه الله تعالى.
في الختام لهذه المقابلة هل تودون او هل لكم نصيحة لقارئ هذا الحوار؟
نعم وهو أنني انصح جميع المسلمين من الذكور والإناث الشباب والكبار سماع شريطين للإمام ابن عثيمين رحمه الله احدهما بعنوان:
"الحادث العجيب في البلد الحبيب"
والثاني بعنوان:
"براءة الذمة في نصح شباب الأمة"
وإذا طلبها احد القراء عن طريق الجريدة فبالإمكان ارسالها اليهم، وهي موجودة في إذاعة القرآن الكريم وفي بعض التسجيلات. ًظ
http://www.alriyadh.com.sa/Contents...ge/COV_1693.php
بداية كيف كانت انطلاقتكم إلى أفغانستان؟
- تحمست أنا وزميل لي في المرحلة الثانوية للذهاب إلى هناك لكثرة ما نسمع عن الجهاد، فرفض والده ذهابه، وذهبت مع زميل لي آخر في نفس المرحلة له معرفة ببعض من يذهبون باستمرار إلى هناك، وحين وصولنا إلى مطار إسلام أباد بباكستان وجدنا حافلات في انتظارنا وانتظار غيرنا ممن قدم على نفس الطائرة يريد الجهاد، وكل حافلة تتبع بيتاً من البيوت الموجودة هناك للمجاهدين.. فوقع اختيار زميلي على بيت الأنصار لأنه قد حُث عليه من قبل وحُذر من غيره فذهبت معه، ولما وصلنا إلى بيشاور ودخلنا البيت مكثنا أياماً، بانتظار ارسالنا إلى المعسكرات، وكان في هذا البيت أناس من دول مختلفة عربية وغير عربية، ثم عقد أحد المسؤولين في البيت وكان من المملكة معنا اجتماعاً لتبيين مراكز التدريب لنا وأنواع التدريب فيها، ومدته، ووقع اختيار زميلي على معسكر الفاروق (جاور) لأن مدة التدريب هناك شهران والتدريب فيه قوي جداً، ومن نجح فيه يكون مؤهلاً إلى دخول معسكر أقوى منه فيما بعد، وأظن أنه قيل لي ان مدة المعسكر الثاني ستة أشهر ومما جرى في هذا الاجتماع أنهم نبهونا أن على الشباب السعودي أن يذهبوا إلى جمعية الهلال الأحمر السعودي لوضع جوازاتهم هناك، وحذرنا المسؤول من الق
ائم عليه هناك وزعم انه مخبر يعمل ضد المجاهدين فذهبنا وقلوبنا منكمشة ومتضايقة وحذرين، ولما وصلنا كان استقبالهم لنا طيباً وتعشينا عندهم ورغب البعض في البقاء عندهم ورجعت أنا وزميلي إلى بيت الأنصار، ومما بيّنه لنا مسؤول بيت الأنصار في هذا الاجتماع اننا سنرى في أفغانستان بعض الشركيات والبدع والخرافات يفعلها الناس، فلا نتكلم فيها معهم لأنه قد يؤدي إلى ضربنا وربما قتلنا لأنهم عوام جهال وذكر لنا بعض الوقائع في ذلك، ثم تم نقلنا إلى معسكر الفاروق.
كيف كانت أوضاعكم في هذا المعسكر؟
- هذا المعسكر كان ينقسم إلى قسمين، القسم الأول فيه الحرص على اللياقة البدنية والأسلحة الخفيفة من رشاشات ومسدسات ونحوها، والقسم الثاني فيه التدريب على قاذفات الأر بي جي والهاون والقنابل وتشريك المتفجرات وطرق تصنيعها ثم التحقنا بدورة في الاغتيالات، وشدة في اللياقة وطرق الهجوم المباغتة، ودورة في حرب العصابات، وقلة الطعام لتعويدنا على الصبر والتحمل حيث كنا احياناً نأكل تمرات معدودة، وأحياناً قطعة خبز رأيت العفن فيها غير مرة.
هل من ملاحظات لكم في فترة التدريب هذه؟
- مما وقع لي شخصياً انه كان معنا شاب سعودي كان يقول لزملائه انه لا يعرف القراءة والكتابة، وذات مرة رأوا في يده كتاباً وكأنه يقرأ، وعلى الفور ادعوا ان مخبر يعمل ضدهم.. فلابد أن نبلغ عنه المسؤولين الكبار حتى يقام عليه حد الجاسوس وهو القتل، فقلت لهم كيف يقتل قالوا: يُذهب به لدخول معركة مع المجاهدين ثم يُرمى برصاصة من الخلف، ويُرسل إلى أهله على أنه قتل شهيداً في المعركة، حتى لا يدري أحد بأمره، ولا تُساء سمعة الجهاد، فخوفتهم بالله تعالى وأنه لا يجوز لكم فعل ذلك، وأن رؤيتكم له ظن والظن لا يغني من الحق شيئاً والكتاب ربما كان ينظر إلى صور الأسلحة فيه، وهو يتمتم على عادة الناس عند التفرج، فاتقوا الله ولا تفتحوا هذا الباب ولا يخرج عنكم ولا تكونوا سبباً في اراقة دم مسلم ثم ان هذا الرجل تدل هيئته على انه ممن كان يتعاطى المخدرات حيث كان دائم الاضطراب اضافة إلى علامات معروفة في اسنانه وشفاهه فأغلقوا قضيته ولم يتكلموا عنه لكنهم كانوا حذرين منه ولم يصاحبوه.. ثم هذه المسألة أعني مسألة قتل الجاسوس المسلم وقد ذهب جمهور أهل العلم أنه لا يقتل وإنما يعزر بما يراه الإمام واحتجوا بحديث علي بن أبي طالب في قصة حاطب بن أبي بلتعة لما اف
شى سر رسول الله صلى الله عليه وسلم لكفار قريش وأرسل لهم كتاباً مع امرأة يخبرهم بقدومه لغزوه ومع هذا لم يقتله النبي صلى الله عليه وسلم، وخبره في البخاري ومسلم مع أن فعله هذا قد يترتب عليه هزيمة جيش المسلمين، ثم هو أفشى سر الرسول وليس أي أحد، وقد تقع أذية على الرسول بسببه.
ثم هل من أخلاق المجاهد الغدر فيؤخذ ليجاهد ثم يقتل من الخلف، وهل من أخلاق المجاهد الكذب فيكذب على أهله بأنه مات في المعركة شهيداً وكانوا قد أخبروني أنه قد نفذ هذا الحكم في رجل غيره قبل فترة ولا أذكر جنسيته عندما قالوا لي عنه لأن العهد بعيد.
ومما جرى معي أيضاً أنه كان في المعسكر جبل تتجمع به مجموعة من المجاهدين الكشميريين وكنت أصعد إليهم قبيل الفجر لأدرسهم القرآن فما أصل إلى أعلى الجبل إلا وقد تعبت وأحتاج إلى وقت للراحة ثم أصلي الفجر، وكان يُدربهم مدرب على الزحف على اليدين والاقدام وهو يضرب بالرشاش فوق رؤوسهم فتعب أحدهم فأصابته الطلقة فمات في لحظته، مما احزننا كثيراً وغضبنا من هذا التصرف المحرم مع أن النبي أخبر أن من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى ينتهي وإن كان أخاً من أبيه وأمه".. والحديث في صحيح مسلم.. ثم هذا استهتار بدماء المسلمين وقد عظمها الله حتى قال رسوله "زوال الدنيا اهون عند الله من قتل رجل مسلم" والحديث رواه أبو داود والترمذي وصححه الإمام الألباني.
ثم أُخبرتُ أن المدرب قد نقل إلى معسكر آخر، ولا حول ولا قوة إلا بالله ومما جرى لي أنهم طلبوا مني أن ألقي عليهم دروساً في العقيدة فقمت بها وفي أول درس طلبوا مني انهاء درسي وأخذ المدرب يجرني بثوبي لأتوقف ثم قطع التيار الكهربائي وكان معي ورقة أقرأ منها كلاماً للشيخ ابن باز حول المسألة التي طرحتها فلا أدري أذلك كان عن عمد أم فجأة لأن أحد المدربين قد خرج وكان متضايقاً وبعده قطعت الكهرباء.
ومما وقع، في هذا المعسكر من التساهل في أمر الأرواح أن مدرباً قال لأحد المجاهدين خذ هذه القنبلة ورمى بها إليه وكان ما زال جديداً فوقعت على الأرض فانفجرت القنبلة وأصابت من أصابت ومنهم المدرب.
ومما وقع لنا في التدريب أن مدرباً يقال له أبو مصعب كان يدربنا على الاغتيالات ويضع لنا شواخص نضربها كأنها انساناً، ويقول تصور انك الآن تغتال أحد الطواغيت يعني حكام المسلمين وأظنه سمى لنا اثنين منهم أو واحداً، ويقول: تصور أنه الآن نزل من سيارته الآن ففرغت الرشاش فيه أو نحو هذا الكلام.
ومما رأيته أن كل أحد يتكلم في شرع الله ودينه بما أراد لا رادع له حتى أن أحدهم جلس يفسر سورة الفاتحة فلما وصل على قوله تعالى {غير المغضوب عليهم ولا الضالين}.. قال المقصود به الرئيس الفلاني وسماه وهو حاكم بلده، فأنكرت عليه هذا وقلت هذا تحريف للقرآن وقد بيّن الرسول أن المقصود بهم اليهود والنصارى كما ثبت ذلك عنه في مسند الإمام احمد.
وكنت كلما رأيت أمراً أنكرته، وبينت عدم جواز لمن وقع منه، وكذلك مما يقوم به بعض المسؤولين في المركز، وكانوا يدربوننا على بعض الأشياء وأرى انها لا تجوز فلا أفعلها ولا امتثل لهم فيها.. وهذا أغضب بعضهم علي فاصبحوا يتململون مني حتى ان أحد المدربين قال لي: إذا أخذت مجموعتك التي أنت فيها معي لتدريبهم فلا تذهب معي وأخذ يصرخ بي أمامه ويحذرني، حتى قال لي بعض الزملاء: الحمد لله لم تذهب معنا أو نحوها فخشيت والله على نفسي فطلبت الخروج من المعسكر إلى معكر آخر فوافقوا مباشرة مع أنهم أخذوا شرطاً علينا باكمال المدة، ثم ذهبت إلى معسكر الصديق، ولزمت الصمت عندهم ثم رجعت إلى المملكة
ولم اشارك في أي معركة لأنني أرى بعض الأفغان يهجم على بعض وكلهم يقول انا من المجاهدين، ونرى هؤلاء يصلون وهؤلاء يصلون فما طابت نفسي بالمشاركة وخشيت ان يراق دم مسلم بيدي أو أكون مشاركا في إراقتها وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد لما قتل رجلا في المعركة وكان في صف الكفار، فلما لحق به اسامة قال الرجل: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال الرسول لأسامة: اقتلته بعدما قال لا إله إلا الله، قال إنما قالها خوفا من السلاح وأوجع في المسلمين وقتل فلاناً وفلاناً، فقال له الرسول: فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة" والحديث في صحيح مسلم، وقد جاء في رواية ان اسامة تمنى انه لم يسلم إلا يومها.
بعدما اطلعتم على هذا الوضع والذي ذكرتم بعضا منه، كيف يفرق بين الجهاد والإرهاب في رأيكم؟
- الجهاد الشرعي واضح وبين بحمد الله تعالى في القرآن وفي السنة وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين ومن بعدهم واضحة ونيرة ومشرقة، كان جهادهم نظيفا ونزيهما والمراد به رحمة الناس بعبادتهم لله تعالى ربهم، وليس فيه الغل ولا الحقد وإنما الخير للمجاهِد والمجاهَد، ومن أعظم ما يفرق به بين الجهاد الشرعي والإرهاب ان الجهاد الشرعي منضبط بقال الله وقال رسوله ففي الجهاد الشرعي نهى الرسول عن قتل النساء والصبيان والشيخ الكبير، وقال: لا تغلوا ولا تغدروا كما جاء في صحيح مسلم من حديث بريدة، وهؤلاء المنهي عن قتلهم هم من قوم العدو الذي نجاهده، فالتعدي على هذه الأنفس بعد تحريم رسول الله لها يكون إرهابا، وكذا الغدر، فمثلا النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما" والحديث في صحيح البخاري، ويقول الشيخ ابن عثيمين: هذه العقوبة تدل على ان قتل المعاهد كبيرة من الكبائر، والمعاهد هو الرجل الكافر يدخل إلى بلاد المسلمين بأمان من ولي الأمر أو من رجل من المسلمين أو امرأة، وهذا باتفاق العلماء كما قال الامام الشوكاني والقرطبي وغيرهم انه يحرم قتله.
فمخالفة الاحاديث التي جاءت في النهي عن قتله وفعل ضدها يكون إرهابا وتطرفا والنصوص الشرعية من القرآن والسنة فيا حرمة قتل المسلمين واتلاف أموالهم وترويعهم وإذهاب أمنهم واجمع على ذلك العلماء فأي عمل فيه تعد على هذه الاشياء يكون ارهابا وخروجا عن أحكام الشريعة.
ثم تأمل قول الله تعالى عن الجهاد الشرعي: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} فانظر إلى هذه الحكمة العظيمة منه وهي دخولهم في دين الله جل وعلا، لكن الواقع من هذا الأعمال انها تشوه سمعة الإسلام في العالم، وتطلق ألسنة الحاقدين عليه، وتشوه صور المتدينين عند المسلمين قبل الكفار وتضيق على دعاته وعلى مراكزهم في العالم وتعيق دعوتهم وتمنع معوناتهم، وهذه النتيجة عكس نتيجة الجهاد تماما وتخالف مقصده ثم الجهاد يكون عند القدرة عليه، ونحن الآن أضعف الأمم، واعداؤنا أقوى منا بكثير، ولما كان النبي في مكة ضعيفا لم يشرع الجهاد في حقه، فلماذ ذهب إلى المدينة واصبحت له قوة ومنعة شرع له الجهاد، بل وحتى نبي الله عيسى عندما ينزل آخر الزمان يجاهد في سبيل الله ومعه المسلمون وهو نبي ويقاتل في سبيل الله وجهاده يعتبر جهادا شرعيا، يخرج عليه يأجوج ومأجوج فيأمره الله أن يوقف الجهاد وان يصعد هو وجيشه جبل الطور ليحتموا من هذا العدو، ونص الحديث: "إني بعثت عليكم عباداً لا يدان لكم بهم - يعني: لا قدرة لكم بهم - فأحرز عبادي إلى الطور" والحديث في صحيح مسلم.
وأيضا الجهاد لابد فيه من راية وولي أمر يقاتل معه وتحت إمرته وهذا هو الجهاد المعروف في عهد الرسول والصحابة وأئمة المسلمين، وحتى الذي يكون في آخر الزمان عند نزول عيسى بن مريم يكون فيه إمام وراية وخلاف ذلك يكون ارهابا واهلاكاا للمسلمين، وزيادة في مصائبهم وتسلط أعدائهم عليهم، وابقاء لسيطرتهم عليهم، وتمكينا للكفار في أراضيهم، واذكر كلمة قال الشيخ ابن عثيمين في شرحه لكتاب رياض الصالحين يقول: القتال واجب ولكنه كغيره من الواجبات لابد فيه من القدرة والأمة الاسلامية اليوم عاجزة لا شك عاجزة، ليس عندها قوة معنوية ولا قوة مادية إذاً يسقط الوجوب لعدم القدرة فاتقوا الله ما استطعتم .اه . فهذه كلمة من إمام كبير له دراية عظيمة بالشرع وخبرة بالواقع والأحداث فرحمه الله.
إذاً ترون ان الخروج عن نصوص القرآن والسنة وعدم العمل بها سبب للإرهاب؟
- نعم، لأن الذي أمرنا بمعاداة الكفار هو الله تعالى، والذي أمرنا بالوفاء بالعهود معهم، وعدم الغدر بهم وحرم قتل المعاهدين منهم، وحرم قتل نسائهم وأطفالهم هو الله تعالى مع علمه ببغضهم وعداوتهم للمسلمين وما سيفعلونه بالمسلمين إلى يوم القيامة وتخطيطاتهم ومؤامراتهم وغير ذلك، ومع هذا أمرنا بهذه المعاملة جهتهم فكما نطيعه في الأمر الأول نطيعه في الأمر الثاني، وكما نطالب بتحكيم الشريعة في الأمر الأول نطالب بتحكيم الشريعة في الأمر الثاني.
انتقل إلى مسألة أخرى وهي عن السبب في رأيكم الذي أدى إلى نشوء هذا الفكر وسلوك الشباب طريق القوة والعنف؟
- أخي في نظري ان سبب سلوك بعض الشباب لهذا الطريق راجع إلى أمرين رئيسيين:
الأول: الطعن في ولاة الأمور وذكر مساوئهم ونشرها بين الناس وأضرب لك مثالا يوضح عاقبة ونتيجة الكلام في ولاة الأمر وأثره في المجتمع تعرف عثمان بن عفان، ثالث الخلفاء الراشدين مبشر بالجنة وانه يموت شهيدا، وأنزل الله قرآنا بأنه قد رضي عنه مع أهل بيعة الرضوان وقدم للاسلام ما قدم، وضرب به المثل في العدل والرفق بالرعية، ومع ذلك أخذ بعض الناس في مصر يطعنون فيه وانه وانه وانتشر هذا الكلام بينهم وتسامع به أهل البصرة والكوفة ونشر بينهم، فخرج أناس من هذه البلدان حتى أتوا المدينة وقتلوا عثمان رضي الله عنه وهو يقرأ القرآن، فما ردعهم القرآن الذي بين فضله ولا أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، في الثناء عليه وقد سمى الرسول قتلهم له شهادة له فهنيئا له بها، وفعلوا هذا باسم الجهاد وباسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والقيام بأمر الله.
ثم انتشر فكرهم حتى كفروا الصحابة واستباحوا دماءهم وأموالهم وسبوا النساء وقتلوا الأطفال فخرج علي لقتالهم هو والصحابة والتابعون فنصره الله عليهم، ومكنه منهم.
فإذا حدث هذا التكفير والقتل والسبي وأخذ الأموال من أهل هذه الفكر لاهل القرون المفضلة فحدوثه لنا في هذه الأيام ليس بمستغرب، ولهذا لو نظرت إلى ما يحدث في هذه الأيام تجد ضحاياهم أكثرهم من المسلمين، والأموال المتلفة للمسلمين والمساكين المدمرة للمسلمين، وأفعالهم في بلاد المسلمين، وأضرارهم على المسلمين، أخي قبل ذهاب الشباب إلى أفغانستان وجد من يتكلم عن الولاة من الدعاة ويذكر عيوبهم ويقدح فيهم وانهم وانهم فامتلأت قلوب كثير من الشباب عليهم حقدا وكراهية وازدادوا لهم بغضا، ورسخت في قلوبهم افكار خطيرة وهي ان ولاتهم يحاربون الدين، ويريدون نشر الفساد ويتظاهرون بالدين، وترتب على هذا الأمر أمر آخر وهو السبب الثاني: وهو الطعن في العلماء ورميهم بالعمالة والمداهنة وإرادة الدنيا والمناصب والأموال، لماذا لأنهم ما تكلموا في الحكام، ورأوا ان هؤلاء الدعاة أقول منهم للحق ولا يخشون الحكام فسقط بهذا العلماء وكذلك الحكام، فإذا سمعوا العلماء سواء ابن باز أو ابن عثيمين أو الفوزان أو الحيدان أو ابن غديان أو آل الشيخ أو ابن غصون أو السبيل أو البسام يحثون على السمع والطاعة لولاة الأمور وعدم الطعن فيهم ونشر أخطائهم وعدم التحريض عليهم لم يقبل
وا منهم ورأوا أن هذا الكلام مداهنة وركون إلى الدنيا وخوف من قول كلمة الحق، مع أن موقف هؤلاء العلماء هو الذي جاء في الأحاديث ا لنبوية وهم عملوا بما جاء فيها فمثلاً النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أطع الأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك" والحديث في صحيح مسلم، وأخبر الصحابة من الأنصار فقال لهم: "ستلقون بعدي اثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض" والحديث في مسلم، والأثرة هي استئثار الحكام، بكل شيء، ومع ذلك لم يقل لهم طالبوا ونددوا وتظاهروا وتكلموا وإنما أرشدهم إلى العلاج النافع وهو الصبر حتى يلقوه يوم القيامة على الحوض، بعد أن أخبرهم بالأثرة وسألوه العلاج: وفي حديث آخر أخرجه البخاري ومسلم أنه قال لهم بعد أن أخبرهم بالأثرة وسألوه العلاج: "تؤدون الحق الذي لكم وتسألون الله الذي لكم" يعني: نعطي ولاة الأمور حقوقهم من السمع والطاعة والبيعة وعدم الخروج عليهم والتحريض، وحقوقنا التي لم يعطونا إياها نسألها الله، لأنه لو قامت المطالبات انتشرت الفوضى وذهب الأمن وأريقت الدماء، وفسد الدين والدنيا.
ولذلك كان الصحابي حكيم بن حزام رضي الله عنه يقول: لا أعين على دم خليفة بعد عثمان فقيل له: أو أعنت على دمه قال إني اعد ذكر مساويه عوناً على دمه" وقال أنس بن مالك: نهانا كبراؤنا من أصحاب محمد قالوا: قال رسول الله لا تسبوا أمراءكم ولا تغشوهم ولا تبغضوهم واتقوا الله واصبروا فإن الأمر - أي الفرج - قريب" والحديث صحيح في السنة لابن أبي عاصم، وغير ذلك .ومن طعوناتهم المنفرة من العلماء أنهم يقولون: أتساوون ابن باز الذي هو جالس في بيته على الكراسي الدوارة بالشيخ هذا الذي يجاهد ويعرض نفسه للقتل فهذا الذي تقبل فتواه وهذا يدل على جهلهم لأن الله قد قال عن القتال: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم} ثم ابن باز رجل كبير السن وأعمى وهو معذور بحاله هذا بنص كتاب الله تعالى.
والشاهد أن العلماء انطلقوا في مواقفهم من أحاديث نبيهم وهؤلاء الدعاة من العاطفة والحماسة وترك النصوص.
فلما ذهب الشباب إلى أفغانستان وكانت الجماعات التكفيرية قد جهَّزت الخطط له في الكلام على بلاده وحكامه وعلمائه فلما التقوا به وجدوا أن طائفة من شبابه مهيأة لقبول أفكارهم ومعتقداتهم ومخططاتهم، ولم يتعبوا معهم كثيراً، ولم يبذلوا جهداً كبيراً فرأوا أن ولاتهم كفار وأن من أعانهم ومدحهم ودافع عنهم يلحق بهم ورأوا أنه لابد من تغييرهم وجهادهم كما رأى من قبلهم قتل عثمان وعلي وغيرهم من الصحابة وتكفيرهم وبعدهم عن الدين وعدم قيامهم به، وحرصهم عليه.
وطائفة أخرى لم تسلك طريق العنف لكن مازال في قلبها بغض الولاة والطعن فيهم وأنهم وأنهم فتراها متعاطفة مع هؤلاء، وتتأثر بما يقولون وينشرون لاسيما مع تسلط الكفار على بلاد المسلمين فساعد هذا في انتشار هذا الفكر، ودخول شبهه على كثير من الناس لأن كثيراً منهم بعيد عن العلم وأهله.
في رأيك أصحاب هذا الفكر إلى من رجعوا في اتخاذ فتاويهم لفعل ما نراه هذه الأيام؟
- الفتن المتعلقة بأمن هذه الأمة وسلمها وخوفها المرجع فيها إلى أهل العلم لأن الله يقول: {وإذا جاءهم أمر من الامن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} يقول قتادة وهو من تلاميذ الصحابة: أولو الأمر المراد بهم: أهل العلم، ويدل عليه قوله تعالى: {لعلمه الذين يستنبطونه منهم} وقال تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} والمراد بأهل الذكر العلماء بالإجماع.
فهؤلاء ما رجعوا في ما اعتقدوه من أفكار وما قاموا به من أعمال إلى من أمرهم ربهم بالرجوع إليهم وهم العلماء فهم إذاً لم يعملوا بما أنزل الله عليهم، ولم يحكموا شريعة الله ويطبقوا حكمه بالرجوع إلى العلماء، وهذه عقوبة من لم يعمل بشريعة ربه أن تكون أعماله ضد نفسه، وتزيد في إثمه، وما يوقعه في سخط ربه.
ولو رجعوا إليهم لما وقعوا فيما وقعوا فيه لو رجعوا إلى العلماء ابن باز وابن عثيمين والفوزان والألباني وآل الشيخ وابن غديان والسبيل والعباد وأمثالهم من العلماء لهدوا إلى الرشد، وسعدوا في دنياهم وأخراهم وجنبوا أنفسهم الإثم وغضب ربهم مثل أسلافهم الأولين لو رجعوا إلى علمائهم في ذاك الوقت وهم الصحابة لعرفوا طريق الحق، وما خاضوا في دماء المسلمين إذاً فهؤلاء أصحاب هذا الفكر أولاً اعتدُّوا بأنفسهم فلم يرجعوا إلى أهل العلم، ثم تأثروا بشباب مثلهم ما عُرفوا بالعلم والرسوخ فيه كأمثال أبي محمد المقدسي عصام البرقاوي الفلسطيني وأمثال عمر عبدالرحمن المصري وأمثال اسامة بن لادن الذي أصبح شيخاً في هذا الزمان وما عُرف بالعلم ولا بدراسته، وكأبي قتادة الفلسطيني وغيرهم.
وقد ظهر للناس رجوع بعض ممن تصدر بالإفتاء لأمثال هؤلاء والتبرير لهم عبر الشاشات وأعلنوا تراجعهم وأنهم ليسوا بأهل للإفتاء وبتسرعهم وأن ما عليه العلماء الكبار هو الحق والصواب.
هل المجاهدون يقتلون المسلمين ويقتلون النساء والأطفال ويدمرون ممتلكات المسلمين؟
- لا والله فإن كتاب الله وسنة رسوله قد حرم دماء المسلمين نساءً وأطفالاً ورجالاً عبيداً أو أحراراً عصاة أو أبراراً وقد أجمع على ذلك العلماء من عهد الصحابة وإلى اليوم، بل وأوجب الله ورسوله في ذلك الحد فكيف يكون هذا جهاد، وهو يخالف كتاب الله وسنة رسوله وإجماع العلماء، هذا والله عين العدوان وهو الإرهاب بعينه وهو عصيان الله ورسوله جهاراً نهاراً، وردّ آيات كتابه وأحاديث رسوله، وهو حكم بغير ما أنزل الله في كتابه وجاء به رسوله في سنته.
بل وحتى نساء الكفار وأطفالهم وأهل الذمة منهم والعهد والأمان بالإجماع يحرم قتلهم، وبقول رسول الله قبل ذلك. لكن لو كان السؤال هل يعقل أن يسمى قتل هؤلاء جهاداً لقلت لك: نعم. يعقل هذا عند أصحاب هذا الفكر والمنهج أفلم يكفروا الصحابة باسم الجهاد ألم يقتلوا علياً باسم الجهاد وقبله قتلوا عثمان باسم الجهاد ألم يبقروا بطن أم ولد عبدالله ابن خبيب رضي الله عنها وهي حبلى وقتلوا عبدالله بن خباب وقتلوا نسوة في ذلك الوقت وعددا من الأطفال، واغاروا على إبلهم وأغنامهم وسلبوها وفروا بها وسموه جهاداً، وعلى إثر ذلك قاتلهم الصحابة وعلى رأسهم خليفتهم علي بن أبي طالب، وكل هذه أفعال مع مسلمين وضد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل أذكر أن أحد علماء القرن السادس الهجري وأظنه ابا محمد اليمني ذكر عن بعض فرقهم أنهم وضعوا قدوراً عظيمة ملأوها بالماء وأوقدوا تحتها ناراً وغلوا فيها أطفال مخالفيهم لأنهم كانوا يرون أن آباءهم قد كفروا وأطفالهم يلحقون بهم، وإذا عاشوا فسيكونون كفاراً فنقضي عليهم من الآن واحتجوا بآية نوح {إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً} والآية في الكفار الأصليين وهؤلاء القوم طبقوها على من يشهد أن لا إله إل
ا الله ويصلي ويزكي ويصوم ويحج ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فأول من أسس لهذا المنهج منهج التكفيري هو عبدالله بن سبأ وهو من أصل يهودي أظهر الإسلام وهو يبطن خلافه وحتى يلاقي إقبالاً أظهر في التنسك يعني التدين والزهد والعبادة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فالتفت حوله مجموعة كبيرة ويقولون عنه هذا يقول كلمة الحق ولا يخاف وغيره يجبن ويداهن ويكتبون إلى البلاد الاخرى عنه وعن حاله حتى اغترت به مجموعات اخرى، وكان يقول لاتباعه: أظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تستميلوا قلوب الناس 10ه ويقصد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: الانكار على الحكام جهرة وذكر عيوبهم ومخالفاتهم، وهذا الخبر ذكره ابن كثير في البداية والنهاية وابن جرير في تاريخ الإسلام.
فأصبحوا يقومون بما يقومون به من أعمال مخالفة للقرآن والسنة باسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد وتطبيق الشريعة وهكذا، ولذلك لما كفروا علي بن ابي طالب وقاتلوه وقتلوا نساء المسلمين وأطفالهم وسرقوا اموالهم فعلوا كل ذلك باسم تحكيم الشريعة وكانوا يقولون له: ان الحكم إلا لله، فاذا كان علي بن ابي طالب لم يحكم الشريعة فمن الذي سيحكم بها، ولذلك كان علي يقول عن كلمتهم هذه: كلمة حق أريد بها باطل؟ فليس رفع الشعارات والكلمات الرنانة والخطب الحماسية هي ميزان ان الإنسان على حق، ولذلك ماذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم لاصحابه عن الخوارج قال لهم: "تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم" ومع هذه العبادة قال عنهم "يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية" وقال ايضاً: "هم كلاب أهل النار" وقال أيضاً: "اقتلوهم حيث وجدتموهم" وقال أيضاً: "لئن ادركتهم لاقتلنهم قتل عاد" وقال أيضاً: "طوبى لمن قتلهم أو قتلوه" وقال أيضاً: "هم شر قتلى تحت أديم السماء" وقال أيضاً: "يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان"، فَقَتلُهم لأهل الإسلام أمر قد اخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أكثر من 1400سنة، وهذه الاخبار من معجزاته، وفعلا وقع ما
أخبر عنه وقد وقع شيء منه في عهد الصحابة ثم الدولة الأموية ثم العباسية وهكذا إلى قيام الساعة.
من خلال ما ذكرتم كيف نعرف أن هؤلاء القوم وأفعالهم على صواب أو خطأ؟
- الميزان بارك الله فيك هو القرآن والسنة وما كان عليه السلف الصالح من أهل القرون المفضلة ومن تبعهم وما عليه علماء السنة الكبار في كل عصر ومصر فهل في القرآن قتل المسلمين ونساءهم وأطفالهم وترويعهم واتلاف أموالهم وقتل المعاهدين والمستأمنين وسلب أموالهم، وقتل نسائهم وأطفالهم إذا حاربناهم وهل هذا أيضاً في السنة وهل كان الصحابة والتابعون وأتباع التابعين يفعلون ذلك، وهل يفتي به كبار علماء السنة كابن باز وابن عثيمين والألباني والفوزان وآل الشيخ وابن غديان وأمثالهم، لا والله لا يوجد شيء من ذلك، إذا من خالف هذا وعمل ضده وما يخالفه فهو على خطأ مائة بالمائة وهو يسير على طريق ضلالة طريق النار والعياذ بالله.
وهنا أتذكر كلمة قالها الامام الشافعي - رحمه الله - قال: إذا رأيت الرجل يطير في الهواء ويمشي على الماء فلا تغتر به حتى تعرضه على الكتاب والسنة.
كيف تنظرون لهؤلاء الذين يفجرون أنفسهم في هذه العمليات؟
- ارى انهم بسبب تعجلهم واندفاعهم وعواطفهم وعدم رجوعهم إلى العلماء وأخذهم بأدلة القرآن والسنة قد اوقعوا انفسهم في ورطة كبيرة وعظيمة وذنوب مهلكة فهم قد قتلوا انفساً تؤمن بالله واليوم الآخر، وقد كان الصحابي ابن عمر يقول: "إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لها لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله". رواه البخاري في صحيحه، وانهم أيضاً قد قتلوا انفسهم وقد اخرج الامام البخاري ومسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها ابداً" هذه عقوبته ووسواء قتل نفسه بقنبلة أو مسدس أو غير ذلك، وأيضاً هم اجترأوا على نصوص القرآن والسنة فخالفوها وشوهوا صورة دين ربهم، وتسببوا في التضييق على أهله، وسلطوا القوى الكبيرة على المسلمين.
فمسكين ومسكين من مات وهذا حاله، وعلى من بقي منهم ان يترك ما هو عليه من هذه الذنوب المهلكة الكبيرة، وان يُعين ولاة الأمر على القضاء على هذا الفكر المخالف للكتاب والسنة ومنع ازدياد هذه الانتهاكات للحرمات، عَلَّ الله ان يتجاوز عنه أو يخفف عقوبته، وليعلم ان عقوبة الدنيا لو لحقته فانها لا تساوي شيئاً عند عقوبة رب العالمين.
ماذا تقولون لمن قد يغتر بهذا الفكر وأهله من الشباب؟
- اقول لهم اتقوا الله تعالى ربكم فإن في مدحكم لهم أو تعاطفكم معهم، أو سكوتكم عن أفكارهم، وتغاضيكم عن أفعالهم وعدم انكاركم لها اعانة لهم على اراقة دماء المسلمين واتلاف أموالهم وترويعهم وقتل سائر النفوس التي عصمها الله ورسوله من غير المسلمين لانهم إذا سمعوا هذا منكم، وعرفوا من حالكم جهتهم، أو رأوه منكم كان هذا سبباً في بقائهم على ما هم عليه من الضلال والانحراف وتمسكهم بما هم عليه، واعتقاد انهم على صواب وحق، فلا تكونوا سبباً لزيادة الفتنة، وسبباً في انتشار معصية الله ورسوله وكونوا اسباب خير ورحمة للناس وأنفسكم وبلادكم فانكم في نعمة عظيمة بلادكم تحكم فيها بشريعة الله قضاتها لم يتخرجوا في جامعات غربية وانما من جامعات شرعية، ولا يحكمون بقانون فرنسا ولا انجلترا وانما بقال الله في كتابه وقال رسوله في سنته، ولا يوجد غير بلادكم يدرس فيها عقيدة التوحيد التي كان عليها سلفكم الصالح من الابتدائية وإلى آخر مرحلة وهي الدكتوراه، والسنة والتوحيد يُصدع بها في الحرمين وسائر الجوامع والمساجد فلا تسووا بينها وبين غيرها فإن هذا ظلم وعدم انصاف، والظلم وترك الانصاف ليس من صفات الايمان بل من صفات الفجار.
وأذكر كلمة قالها الامام ابن عثيمين - رحمه الله تعالى - لما حدث تفجير مماثل في العليا بالرياض حيث قال: "فالواجب على طلاب العلم ان يبينوا ان هذا منهج خبيث منهج الخوارج وان هؤلاء اما جاهلون واما سفهاء واما حاقدون، فهم جاهلون لانهم لا يعرفون الشرع، الشرع يأمر بالوفاء بالعهد وأوفى دين بالعهد هو دين الإسلام وهم سفهاء ايضاً لانه سيترتب على هذه الحادثة من المفاسد ما لا يعلمه إلا الله فليست هذه وسيلة اصلاح حتى يقولوا انما نحن مصلحون بل هم المفسدون في الواقع أو حاقدون على هذه البلاد وأهلها لأننا لا نعلم والحمد لله بلاداً تنفذ من الإسلام مثلما تنفذه هذه البلاد أليس في غيرها، ومحرضات الزنا ظاهرة، وتباع الخمر علناً، لا يحكم فيها شرع الله وحكام هذه البلاد يصرحون بالحكم بشريعة الله" وهذا الكلام موجود في شريط بعنوان: "الحادث العجيب في البلد الحبيب".
قبل الختام هل من مفارقات استوقفتكم خلال ذهابكم إلى افغانستان وخلالها ما ترون من الاحداث؟
- هناك عدة مفارقات توقفت معها وحدث بيني وبين نفسي جهتها مراجعات واخذ ورد ومن هذه المفارقات: انني كنت أفكر في وضع افغانستان وكيف يكون جهاد قادته قد وصلوا إلى أكثر من سبعة وكل قائد له اتباع وتنظيم وشعار ومجلة أو جريدة او نشرة تختص به، ويحدث بينهم قتال احياناً واعتداء على بعض واتهامات وأخذ ممتلكات وغيرها.
بينما الجهاد في عهد النبي والصحابة ومن بعدهم كله تحت أمير واحد وشعار واحد، وقد قال الله:{ إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص}.
وهؤلاء متفرقون متناحرون، وحتى لما سقطت كابل قام القتال بينهم وتعاركوا على المناصب أيعقل ان يكون هذا هو الجهاد الذي مدحه الله ومدحه رسوله، كنت اتوقف عند هذا كثيراً ومنها أنني كنت اتوقف عند قوله تعالى{ وكان علينا حقاً نصر المؤمنين} وقوله {ولينصرن الله من ينصره} وقوله {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً}.
وهذه كلها وعود حق وصدق وانظر إلى واقعهم وإذا هو خلاف هذا فجعلني هذا اتوقف كثيراً.
ومنها أنهم كلما حرروا بلدة او قرية لم يكونوا يطبقون فيها الشريعة ويمنعون ما حرمه الله فيها من مخدرات وقبور مبنية على المساجد وشركيات وبدع كثيرة وإقامة الحدود وغير ذلك، وإذا سألهم احد كانوا يقولون حتى تسقط كابل، وكنت أقول لنفسي ألم يكن النبي يطبق الشريعة في كل بلد أو قرية يفتحها، بل حتى في المدينة طبق فيها أحكام الشريعة، ولم يقل اصبروا وانتطروا حتى فتح مكة او أوحد جزيرة العرب وهكذا الصحابة بعده ماكانوا يؤخرون تطبيق الشريعة حتى يفتحوا كل الأقاليم، بل كل مافتحوا إقليما أقاموا فيه الشريعة فكنت اقول لماذا يخالفون هدي النبي هذا وهدي اصحابه وهل هذا جهاد صحيح وهو يخالف طريقة النبي وهديه في ذلك ومن ذلك أنه كانت لهم مقرات لجمع التبرعات فأحضرت إلى مقر منها يتبع لأحد قادتهم مبلغاً من المال أنا واثنان من الإخوان وقلت له هذا المال منه مبلغ كذا زكاة مال ومبلغ كذا زكاة فطر ومبلغ كذا صدقة جارية ومبلغ كذا للأيتام ومبلغ كذا صدقة عامة فأخذها كلها ووضعها في درج فيه أموال كثيرة وخلط الجميع مع بعض مع أن كل مال منها له مصرف حدده الله ورسوله فكيف يعرف هذا من هذا بعد الخلط ومع كثرة الأموال فضاق صدري وتكلمت معه ولم احضر اليهم بعدها واع
طم شيئا لأن فعلهم هذا مخالف للكتاب والسنة. وقد فعلوه مع غيري أيضاً وكلمت بعض المسؤولين في بعض الهيئات الخيرية عنهم ورأيت عندهم أمراً آخر فاتصلت على ابن عثيمين رحمه الله من مكتبهم فأنكر فعلهم هذا، وقال لي اعطني اكلمهم فأبى مسؤول المكتب وقال انت تكفي فقال لي ابن عثيمين اكتب ما اقوله فكتبت كلامه وكان في أربع صفحات وقال لي: ابلغهم اياه فأعطيتهم الأوراق واوصاني رحمه الله انشر هذا بين الناس. ومن المفارقات التي وقفت عندها انهم كانوا في المعسكر يشددون علينا في ان نسمع لهم ونطيع وان لا نناقشهم في شيء وان نطبق مباشرة ما يقولون، هذا اهم شيء في التدريب، بل هو أهم من التدريب العسكري فعلمت بعد ذلك ان من كان بهذه الصفات يختار إلى جهات اعلى من هذا المعسكر. وقد يقبل في (القاعدة)، وهذا هو الذي يصلح لما يريدون فعله من مخططات في المستقبل، وهذه النوعية هم من يصلح لهم. وأما ما استوقفني من المفارقات العامة فكنت اتوقف عندما وقع في عهد الإمام احمد، حيث اجبر الناس خليفة وقته بالقول بأن القرآن ليس كلام الله وانه مخلوق كسائر المخلوقات، وهذا مخالف لقول الله {وإن احد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله} واجمع العلماء على ان اعتقا
د هذه المقولة والقول بها كفر فقام الخليفة وسجن وعذب العلماء على اعتقادها بل قتل منهم عدد، وقيد الامام احمد وغل بالأغلال وأخذ من بغداد إلى عند الخليفة وجلد وسجن حتى أثر فيه التعذيب شديداً فلم يكفر الخليفة بل كان يدعو له ويقول أرى ان ذلك واجب علي لأن الخليفة كان ملبساً عليه، بل جاءه قوم يريدون الخروج على الخليفة وانهم لا يرضونه لإجباره الناس على هذه المقولة الكفرية وتعذيبهم وسجنهم وقتل بعضهم فأنكر الامام احمد عليهم انكاراً شديداً وقال لهم: اصبروا الله الله لا يوضع السيف في امة محمد يعني لا تكونوا سبباً في إراقة دماء المسلمين فرحمه الله تعالى.
في الختام لهذه المقابلة هل تودون او هل لكم نصيحة لقارئ هذا الحوار؟
نعم وهو أنني انصح جميع المسلمين من الذكور والإناث الشباب والكبار سماع شريطين للإمام ابن عثيمين رحمه الله احدهما بعنوان:
"الحادث العجيب في البلد الحبيب"
والثاني بعنوان:
"براءة الذمة في نصح شباب الأمة"
وإذا طلبها احد القراء عن طريق الجريدة فبالإمكان ارسالها اليهم، وهي موجودة في إذاعة القرآن الكريم وفي بعض التسجيلات. ًظ
http://www.alriyadh.com.sa/Contents...ge/COV_1693.php