المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الكشف الواضح الجلي في بيان ضلالات وظلمات المزدغى والذب عن العلامة ربيع المدخلي (1)


كيف حالك ؟

سعيد الزعابي
12-16-2003, 07:58 PM
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد

لقد دلني بعض الإخوان على كتاب لكاتب يدعى ( عبد القادر منير المزدغى العزابى ) يرد فيه على العلامة الوالد ربيع المدخلي حفظه الله تعالى وقد سمى كتابه بـ ( الكشف الجلي عن ظلمات ربيع المدخلي ) وهو في الحقيقة ظلم وضلالات وظلمات ، وجهلٌ وادعاءات ولا يختلف عن باقي المعتدين على العلامة الوالد ربيع المدخلي ولكنه جمع فأوعي من الشبه والإفتراءات والجهل بأصول أهل السنة والجماعة واعتقادهم .

وعند تصفحي للكتاب وجدت أن المزدغى هذا جاهل بمعتقد أهل السنة والجماعة ، جاهل بأصول الإسلام .

أخذته الحمية والحماسة والعاطفة والجهل والحزبية في الرد على العلامة ربيع المدخلي الناصح الذي لا أعلم له نظيرا في هذا العصر في الرد على المخالفين والذب عن حياض السنة ، إلا العلامة بحق حمود التويجري رحمه الله – وفوق كل ذي علم عليم - فهما عرفا بالرد على المخالفين سواء أكان المخالف من أهل السنة أو على أهل البدع فيردون على الجميع وهذا المسلك في الرد على المخالف أياً كان هو المسلك الحق و المنهج الحق الذي عليه علماء أهل السنة في القديم والحديث كما بين ذلك العلامة ربيع المدخلي في مقاله الأخير الذي هو بعنوان ( رد كل المنكرات والأهواء والأخطاء منهج شرعي في كل الرسالات وسار عليه السلف الصالح الأجلاء ) ، وقد بين هذا الجاهل في كتابه أمورا وعرض لشبه كثيرة ودندن على أمور لا يدندن عليها إلا أهل الريب والبدع ، وأقف معه بعض الوقفات ، فإن كثيرا من الأمور التي عرض لها قد رد عليها العلماء وطلبة العلم .

الوقفة الأولى : (( إنكاره على العلامة ربيع المدخلي حفظه الله عندما نقل إجماع أهل العلم في أن الروح مخلوقة )) :

قال العلامة ربيع المدخلي حفظه الله في كتابه الماتع الذي اقض به مضاجع أهل البدع ( أضواء إسلامية على عقيدة سيد قطب وفكره ، ص : 185 ) : (( فيا عجباً لسيد قطب! يثبت أن الروح أزلي! مع (1) إجماع أهل السنة على أنه مخلوق؛ استناداً إلى كتاب الله وسنة رسوله! ويقول عن القرآن: إنه مخلوق! مع أن القرآن والسنة وإجماع أهل السنة والجماعة أنه كلام الله وصفة من صفاته المقدسة اللائقة بجلاله. )) اهـ

فعلق هذا المنحرف في الحاشية ( ص : 6 ) بقوله : ( أين هو هذا الإجماع المزعوم ؟! )

الذي يظهر لي من عبارته هذه – وغيرها كما سيأتي إن شاء الله تعالى - أن هذا الرجل لا يعرف معتقد أهل السنة والجماعة .

فجوابا على استنكاره هذا أقول : الإجماع موجود منقول في كتب أهل السنة وهذا الإجماع مما أجمعت عليه الرسل والصحابة والتابعون لهم بإحسان ولم يختلف قولهم فيه حتى أتى أفراخ المتفلسفة وأهل الكلام من أتباع جهم ، والمعتزلة وبعض الروافض ونعقوا بقولهم بأنها غير مخلوقة وأنها من ذات الله وأنها من أمر الله وأمره غير مخلوق إلى آخر أقوالهم وخزعبلاتهم التي نقضوا بها إجماع الرسل، قال الإمام ابن القيم رحمه الله : (( .. أجمعت الرسل صلوات الله وسلامه عليهم على أنها محدثة مخلوقة مصنوعة مربوبة مدبرة ، هذا معلوم بالاضطرار من دين الرسل صلوات الله وسلامه كما يعلم بالاضطرار من دينهم أنَّ العالم حادثٌ ، وأن معاد الأبدان واقعٌ ، وأن الله وحده الخالقُ ، وكل ما سواه مخلوق له .. )) [ الروح ، ص: 348، دار ابن كثير ، تحقيق يوسف علي بدوي ] .

ومن قبل ابن القيم إمام أهل السنة الإمام أحمد رحمه الله ورضي عنه عندما ناقش جهم وأصحابه في كتابه [ الرد على الجهمية والزنادقة ] وسيأتي كلامه ضمن جواب شيخ الإسلام ابن تيمية .

وقال الإمام محمد بن نصر المروزي [ت: 294هـ]رحمه الله : (( ...ولا خلاف بين المسلمين أن الأرواح التي في آدم وبنيه وعيسى ومن سواه من بنى آدم كلها مخلوقة لله خلقها وأنشأها وكونها واخترعها ثم أضافها إلى نفسه كما أضاف إليه سائر خلقه قال تعالى وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه . )) [ نقلا عن كتاب ( الروح ) لشيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله ].

قال الإمام الحافظ قوام السنة اسماعيل بن محمد الأصفهاني [ت : 535هـ ] رحمه الله في كتابه [ الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة ] ( 1 / 506 ) : (( ولا خلاف بين المسلمين أنَّ الأرواح التي في آدم وبنيه وعيسى ومَن سواه من بني آدم كلها مخلوقة لله ، خلقها وأنشأها وكوَّنها واخترعها ، ثم أضافها إلى نفسـه كما أضاف إليه سائر خلقه،قال تعالى : وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ . [الجاثية : 13] )) اهـ .

سعيد الزعابي
12-16-2003, 08:03 PM
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه [ الروح ، ص : 348 وما بعدها ] :

(( فصل : وأما المسألة السابعة عشرة ، وهي :

هل الروح قديمة أو محدثة مخلوقة ؟

وإذا كانت محدثة مخلوقة وهي من أمر الله فكيف يكون أمر الله محدثا مخلوقا ؟

وقد أخبر الله سبحانه أنه نفخ في آدم من روحه فهذه الإضافة إليه هل تدل على أنها قديمة أم لا ؟

وما حقيقة هذه الإضافة ؟

فقد أخبر عن آدم أنه خلقه بيده ونفخ فيه من روحه فأضاف اليد والروح إليه إضافة واحدة .

فهذه مسألة زل فيها عالم وضل فيها طوائف من بنى آدم وهدى الله اتباع رسوله الله صلى الله عليه وسلم فيها للحق المبين والصواب المستبين .

فأجمعت الرسل صلوات الله وسلامه عليهم على أنها محدثة مخلوقة مصنوعة مربوبة مدبرة هذا معلوم بالاضطرار من دين الرسل صلوات الله وسلامه عليهم كما يعلم بالاضطرار من دينهم أن العالم حادث وأن معاد الأبدان واقع وأن الله وحده الخالق وكل ما سواه مخلوق له وقد انطوى عصر الصحابة والتابعين وتابعيهم وهم القرون الفضيلة على ذلك من غير اختلاف بينهم في حدوثها وأنها مخلوقة حتى نبغت نابغة ممن قصر فهمه في الكتاب والسنة فزعم أنها قديمة غير مخلوقة واحتج بأنها من أمر الله وأمره غير مخلوق وبأن الله تعالى أضافها إليه كما أضاف إليه علمه وكتابه وقدرته وسمعه وبصره ويده وتوقف آخرون فقالوا لا نقول مخلوقة ولا غير مخلوقة .

وسئل عن ذلك حافظ أصبهان أبو عبد الله بن منده فقال : (( أما بعد فإن سائلا سألني عن الروح التي جعلها الله سبحانه قوام نفس الخلق وأبدانهم وذكر أن أقواما تكلموا في الروح وزعموا أنها غير مخلوقة وخص بعضهم منها أرواح القدس وأنها من ذات الله .

قال : وأنا أذكر اختلاف أقاويل متقدميهم وأبين ما يخالف أقاويلهم من الكتاب والأثر وأقاويل الصحابة والتابعين وأهل العلم ، وأذكر بعد ذلك وجوه الروح من الكتاب والأثر وأوضح خطأ المتكلم في الروح بغير علم وأن كلامهم يوافق قول جهم وأصحابه فنقول وبالله التوفيق :

أن الناس اختلفوا في معرفة الأرواح ومحلها من النفس فقال بعضهم الأرواح كلها مخلوقة وهذا مذهب أهل الجماعة والأثر واحتجوا بقول النبي (( الأرواح جنود مجنده فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف )) ، والجنود المجندة لا تكون إلا مخلوقة .

وقال بعضهم الأرواح من أمر الله أخفي الله حقيقتها وعلمها عن الخلق واحتجوا بقول الله تعالى : (( قل الروح من أمر ربى )) وقال بعضهم الأرواح نور من أنوار الله تعالى وحياة من حياته واحتجت بقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن الله خلق خلقه في ظلمة وألقى عليهم من نوره )) .

ثم ذكر الخلاف في الأرواح هل تموت أم لا ؟

وهل تعذب مع الأجساد في البرزخ وفي مستقرها بعد الموت ؟

وهل هي النفس أو غيرها ؟ .

وقال محمد بن نصر المروزى في كتابه : (( تأول صنف من الزنادقة وصنف من الروافض في روح آدم ما تأولته النصارى في روح عيسى وما تأوله قوم من أن الروح انفصل من ذات الله فصار في المؤمن فعبد صنف من النصارى عيسى ومريم جميعا لأن عيسى عندهم روح من الله صار في مريم فهو غير مخلوق عندهم .
وقال صنف من الزنادقة وصنف من الروافض : أن روح آدم مثل ذلك أنه غير مخلوق وتأولوا قوله تعالى (( ونفخت فيه من روحي )) وقوله تعالى (( ثم سواه ونفخ فيه من روحه )) فزعموا إن روح آدم ليس بمخلوق كما تأول من قال إن النور من الرب غير مخلوق قالوا ثم صاروا بعد آدم في الوصي بعده ثم هو في كل نبي ووصى إلى أن صار في على ثم في الحسن والحسين ثم في كل وصى وإمام فيه يعلم الإمام كل شيء ولا يحتاج أن يتعلم من أحد .

ولا خلاف بين المسلمين أن الأرواح التي في آدم وبنيه وعيسى ومن سواه من بنى آدم كلها مخلوقة لله خلقها وأنشأها وكونها واخترعها ثم أضافها إلى نفسه كما أضاف إليه سائر خلقه قال تعالى وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه .ثم نقل قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله )) وسيأتي نقل أدلة أهل السنة رحمهم الله من أن هذه الروح مخلوقة مربوبة بعد فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .

سعيد الزعابي
12-16-2003, 08:06 PM
فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :

أنقلها بتمامها لتعم الفائدة ، وقد نقل رحمه الله خلالها الإجماع على أن الروح مخلوقة مربوبة ، وهو من هو شيخ الإسلام في نقل الإجماع ، فقد (سُئِلَ شيخُ الإِسْلام أَبُو العَبَّاس ابن تَيْمِية ـ قدس اللَّه رُوحَــهُ ـ عـن ‏الروح‏ ، هل هي قديمة، أو مخلوقة‏؟‏
وهل يُبدَّع من يقول بقدمها أم لا‏؟‏
وما قول أهل السنة فيها؟
وما المراد بقوله عز وجل‏:‏ ‏{‏قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏85‏]‏‏.‏

هل المفوض إلى اللّه ـ تعالى ـ أمر ذاتها، أوصفاتها، أو مجموعهما‏؟‏

بينوا ذلك من الكتاب والسنة‏.‏

فأجاب ـ رضي اللَّه عَنْهُ ‏:‏

الحمد للّه رب العالمين، روح الآدمي مخلوقة مبدعة باتفاق سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة، وقد حكى إجماع العلماء على أنها مخلوقة غير واحد من أئمة المسلمين، مثل محمد بن نصر المروزي، الإمام المشهور، الذي هو أعلم أهل زمانه بالإجماع والاختلاف، أو من أعلمهم‏.‏

وكذلك أبو محمد بن قتيبة، قال في كتاب ‏[‏اللقط] ‏لما تكلم على خلق الروح قال‏:‏ (( النَّسَم‏:‏ الأرواح‏.‏
قال‏:‏ وأجمع الناس على أن اللّه خالق الجثة، وبارئ النسمة، أي‏:‏ خالق الروح‏.‏

وقال أبو إسحاق بن شاقلا فيما أجاب به في هذه المسألة‏:‏ سألت رحمك اللّه عن الروح مخلوقة أو غير مخلوقة، قال‏:‏ هذا مما لا يشك فيه من وفق للصواب، إلى أن قال‏:‏ والروح من الأشياء المخلوقة، وقد تكلم في هذه المسألة طوائف من أكابر العلماء والمشائخ، وردوا على من يزعم أنها غير مخلوقة‏.‏

وصنف الحافظ أبو عبد اللّه بن مَنْدَه في ذلك كتابًا كبيرًا في ‏[‏الروح والنفس‏]‏، وذكر فيه من الأحاديث والآثار شيئًا كثيرًا، وقبله الإمام محمد بن نصر المروزي وغيره، والشيخ أبو يعقوب الخراز، وأبو يعقوب النهرجوري، والقاضي أبو يعلى، وغيرهم؛ وقد نص على ذلك الأئمة الكبار، واشتد نكيرهم على من يقول ذلك في روح عيسى ابن مريم، لا سيما في روح غيره ،

كما ذكره أحمد في كتابه في ‏[‏الرد على الزنادقة والجهمية‏] فقال في أوله‏:‏

الحمد للّه الذي جعل في كل زمان فَتْرَة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب اللّه الموتى، ويبصرون بنور اللّه أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس وأقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب اللّه تحريف الغالين؛ وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عقال الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، متفقون على مخالفة الكتاب، يقولون على اللّه، وفي اللّه، وفي كتاب اللّه بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، فنعوذ باللّه من فتن المضلين،
وتكلم على ما يقال‏:‏ إنه متعارض من القرآن

إلى أن قال‏:‏
وكذلك الجهم وشيعته، دعوا الناس إلى المتشابه من القرآن والحديث، وأضلوا بشرًا كثيرًا، فكان مما بلغنا من أمر الجهم ـ عدو اللّه ـ أنه كان من أهل خراسان من أهل الترمذ، وكان صاحب خصومات وكلام، كان أكثر كلامه في اللّه، فلقى أناسًا من المشركين يقال لهم ‏[‏السمنية‏]فعرفوا الجهم، فقالوا له‏:‏ نكلمك، فإن ظهرت حجتنا عليك دخلت في ديننا، وإن ظهرت حجتك علينا دخلنا في دينك‏.‏


فكان مما كلموا به الجهم أن قالوا‏:‏ ألست تزعم أن لك إلهًا‏؟‏ قال الجهم‏:‏ بلى‏.‏ فقالوا له‏:‏ فهل رأيت إلهك‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قالوا‏:‏ فهل سمعت كلامه‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏قالوا‏:‏ فهل شممت له رائحة‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قالوا له‏:‏ فوجدت له مَجَسا‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قالوا‏:‏ فما يدريك أنه إله‏؟‏ قال‏:‏ فتحير الجهم، فلم يدر من يعبد أربعين يومًا،

ثم إنه استدرك حجة مثل حجة زنادقة النصارى، وذلك أن زنادقة النصارى يزعمون أن الروح الذي في عيسى هو روح اللّه، من ذاته، فإذا أراد أن يحدث أمرًا دخل في بعض خلقه، فتكلم على لسان خلقه، فيأمر بما شاء، وينهى عما شاء، وهو روح غائب عن الأبصار‏.‏

فاستدرك الجهم حجة مثل هذه الحجة، فقال للسمني‏:‏ ألست تزعم أن فيك روحًا ‏؟‏ قال بلى‏.‏ قال‏:‏ فهل رأيت روحك‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ فهل سمعت كلامه‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ فوجدت له حسًا ومَجَسّا‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ كذلك اللّه، لا يرى له وجه، و لا يسمع له صوت، ولا يشم له رائحة، وهو غائب عن الأبصار، ولا يكون في مكان دون مكان‏.‏
وساق الإمام أحمد الكلام في ‏[‏القرآن‏] ‏و[‏الرؤية‏]‏ وغير ذلك، إلى أن قال‏: ((‏ ثم إن الجهم ادعى أمرًا، فقال‏:‏ إنا وجدنا آية في كتاب اللّه تدل على القرآن أنه مخلوق، فقلنا‏:‏ أي آية‏؟‏ قال‏:‏ قول اللّه‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏171‏]‏ وعيسى مخلوق‏.‏

فقلنا‏:‏ إن اللّه منعك الفهم في القرآن، عيسى تجرى عليه ألفاظ لا تجرى على القرآن؛ لأنه يسميه مولودًا، وطفلًا، وصبيًا، وغلامًا، يأكل ويشرب، وهو مخاطب بالأمر والنهي، يجري عليه الوعد والوعيد، ثم هو من ذرية نوح ومن ذرية إبراهيم، ولا يحل لنا أن نقول في القرآن ما نقول في عيسى، هل سمعتم اللّه يقول في القرآن ما قال في عيسى ‏؟‏ ولكن المعنى في قول اللّه‏:‏‏{‏إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏171‏] ،فالكلمة التي ألقاها إلى مريم حين قال له‏:‏ كن، فكان عيسى بكن، وليس عيسى هو الكن، ولكن بالكن كان، فالكن من اللّه قول، وليس الكن مخلوقًا‏.‏

وكذب النصارى والجهمية على اللّه في أمر عيسى، وذلك أن الجهمية قالوا‏:‏ عيسى روح اللّه وكلمته، إلا أن الكلمة مخلوقة، وقالت النصارى‏:‏ عيسى روح اللّه من ذات اللّه، وكلمة اللّه من ذات اللّه، كما يقال‏:‏ إن هذه الخرقة من هذا الثوب‏.‏

وقلنا نحن‏:‏ إن عيسى بالكلمة كان، وليس هو الكلمة‏.‏ قال‏:‏ وقول اللّه‏:‏ ‏{‏وَرُوحٌ مِّنْهُ‏}‏ يقول من أمره كان الروح فيه، كقوله‏:‏ ‏{‏وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ‏}‏ ‏[‏الجاثية‏:‏13‏]‏، يقول‏:‏ من أمره، وتفسير روح اللّه‏:‏ أنها روح بكلمة اللّه، خلقها اللّه، كما يقال‏:‏ عبد اللّه، وسماء اللّه، ))

سعيد الزعابي
12-16-2003, 08:08 PM
فقد ذكر الإمام أحمد أن زنادقة النصارى هم الذين يقولون‏:‏ إن روح عيسى من ذات اللّه، وبين أن إضافة الروح إليه إضافة ملك وخلق، كقولك‏:‏ عبد اللّه، وسماء اللّه، لا إضافة صفة إلى موصوف، فكيف بأرواح سائر الآدميين‏؟‏ وبين أن هؤلاء الزنادقة الحلولية يقولون بأن اللّه إذا أراد أن يحدث أمرًا دخل في بعض خلقه‏.‏
وقال الشيخ أبو سعيد الخرازـ أحد أكابر المشائخ الأئمة من أقران الجنيد، فيما صنفه ـ في أن الأرواح مخلوقة، وقد احتج بأمور منها‏:‏ لو لم تكن مخلوقة لما أقرت بالربوبية، وقد قال لهم حين أخذ الميثاق ـ وهم أرواح في أشباح؛ كالذر ـ‏:‏ ‏{‏أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏172‏]‏، وإنما خاطب الروح مع الجسد، وهل يكون الرب إلا لمربوب ‏؟‏

قال‏:‏ ولأنها لو لم تكن مخلوقة ما كان على النصارى لوم في عبادتهم عيسى، ولا حين قالوا‏:‏ إنه ابن اللّه، وقالوا‏:‏ هو اللّه‏.‏

قال‏:‏ ولأنه لو كان الروح غير مخلوق ما دخلت النار، ولأنها لو كانت غير مخلوقة لما حجبت عن اللّه، ولا غيبت في البدن، ولا ملكها ملك الموت، ولما كانت صورة توصف؛ ولأنها لو لم تكن مخلوقة لم تحاسب ولم تعذب، ولم تتعبد ولم تخف، ولم ترج‏.‏ ولأن أرواح المؤمنين تتلألأ وأرواح الكفار سود مثل الحمم‏.‏
وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أرواح الشهداء في حواصل طير خضر ترتع في الجنة، وتأوى في فناء العرش‏)‏، وأرواح الكفار في برهوت‏ ‏‏.‏

وقال الشيخ أبو يعقوب النهرجوري‏:‏ هذه الأرواح من أمر اللّه مخلوقة ‏.‏خلقها اللّه من الملكوت، كما خلق آدم من التراب، وكل عبد نسب روحه إلى ذات اللّه أخرجه ذلك إلى التعطيل، والذين نسبوا الأرواح إلى ذات اللّه هم أهل الحلول الخارجون إلى الإباحة، وقالوا‏:‏ إذا صفت أرواحنا من أكدار نفوسنا فقد اتصلنا، وصرنا أحرارًا، ووضعت عنا العبودية، وأبيح لنا كل شيء من اللذات من النساء، والأموال وغير ذلك‏.‏ وهم زنادقة هذه الأمة وذكر عدة مقالات لها وللزنادقة ‏.‏

قلت‏:‏

واعلم أن القائلين بقدم الروح صنفان‏:‏

صنف من الصابئة الفلاسفة، يقولون‏:‏ هي قديمة أزلية لكن ليست من ذات الرب، كما يقولون ذلك في العقول، والنفوس الفلكية، ويزعم من دخل من أهل الملل فيهم أنها هي الملائكة‏.‏

وصنف من زنادقة هذه الأمة وضلالها ـ من المتصوفة والمتكلمة والمحدثة ـ يزعمون أنها من ذات اللّه، وهؤلاء أشرُّ قولًا من أولئك، وهؤلاء جعلوا الآدمي نصفين‏:‏ نصف لاهوت، وهو روحه، ونصف ناسوت، وهو جسده، نصفه رب ونصفه عبد‏.‏

وقد كفَّر اللّه النصارى بنحو من هذا القول في المسيح، فكيف بمن يعم ذلك في كل أحد ‏؟‏ حتى في فرعون، وهامان، وقارون، وكل ما دل على أن الإنسان عبد مخلوق مربوب، وأن اللّه ربه وخالقه ومالكه وإلهه، فهو يدل على أن روحه مخلوقة ‏.‏

فإن الإنسان عبارة عن البدن والروح معًا، بل هو بالروح أخص منه بالبدن، وإنما البدن مطية للروح،كما قال أبو الدرداء‏:‏ (( إنما بدني مطيتي، فإن رفقت بها بلغتني، وإن لم أرفق بها لم تبلغني‏. )) .

وقد رواه ابن منده وغيره عن ابن عباس قال‏:‏ (( لا تزال الخصومة يوم القيامة بين الخلق حتى تختصم الروح والبدن، فتقول الروح للبدن‏:‏ أنت عملت السيئات، فيقول البدن للروح‏:‏ أنت أمرتني، فيبعث اللّه ملكًا يقضى بينهما، فيقول‏:‏ إنما مثلكما كمثل مُقْعَد وأعمى دخلاً بستانًا، فرأى المقعد فيه ثمرًا معلقًا، فقال للأعمى‏:‏ إني أرى ثمرًا، ولكن لا أستطيع النهوض إليه، وقال الأعمى‏:‏ لكني أستطيع النهوض إليه ولكني لا أراه‏.‏ فقال له المقعد‏:‏ تعال، فاحملني حتى أقطفه، فحمله وجعل يأمره فيسير به إلى حيث يشاء فقطع الثمر‏.‏ قال‏:‏ الملك‏:‏ فعلى أيهما العقوبة‏؟‏ فقالا‏:‏عليهما جميعًا قال‏:‏ فكذلك أنتما‏.‏ )) .

وأيضًا، فقد استفاضت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن الأرواح تقبض، وتنعم وتعذب، ويقال لها‏:‏ اخرجي أيتها الروح الطيبة ،كانت في الجسد الطيب، اخرجي أيتها الروح الخبيثة، كانت في الجسد الخبيث، ويقال للأولى‏:‏ أبشري بَروْح ورَيْحان، ويقال للثانية‏:‏ أبشري بحَمِيم وغَسَّاق وآخر من شكله أزواج، وأن أرواح المؤمنين تعرج إلى السماء، وأن أرواح الكفار لا تفتح لها أبواب السماء‏.‏

سعيد الزعابي
12-16-2003, 08:10 PM
وفي صحيح مسلم عن عبد اللّه بن شَقِيق عن أبي هريرة ـ رضي اللّه عنه ـ قال‏:‏ ‏( ‏إذا خرجت روح المؤمن تلقاها ملكان يصعدان بها‏ )‏، قال حماد‏:‏ فذكر من طيب ريحها وذكر المسك؛ قال‏:‏ ‏(‏فيقول أهل السماء‏:‏ روح طيبة جاءت من قبل الأرض صلى اللّه عليك، وعلى جسد كنت تعمرينه، فينطلق به إلى ربه، ثم يقول‏:‏ انطلقوا به إلى آخر الأجل‏)‏، قال‏:‏ ‏(‏وإن الكافر إذا خرجت روحه‏)‏،

قال حماد‏:‏ وذكر من نتنها وذكر لعنًا، ‏(‏فيقول أهل السماء‏:‏ روح خبيثة جاءت من قبل الأرض، قال‏:‏ فيقال‏:‏ انطلقوا به إلى آخر الأجل‏)‏‏.‏ قال أبو هريرة ـ رضي اللّه عنه‏:‏ فلما ذكر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم النتن رد على أنفه ريطة كانت عليه‏.‏

وفي حديث المعراج الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى آدم، وأرواح بنيه عن يمينه وشماله،

قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ فلما علونا السماء فإذا رجل عن يمينه أسْوِدَة، وعن شماله أسودة‏ )‏،

قال‏:‏ ‏( ‏فإذا نظر قِبَل يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى ‏)‏،

قال‏:‏ ‏(‏ مرحبًا بالنبي الصالح والابن الصالح‏ )‏،

قال‏:‏‏ ( ‏قلت‏:‏ يا جبريل، من هذا ‏؟‏ قال‏:‏ هذا آدم صلى الله عليه وسلم ،وهذه الأسودة عن يمينه وشماله نسم بنيه، فأهل اليمين أهل الجنة، والأسودة التي عن شماله أهل النار، فإذا نظر قبل يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى ‏)‏‏.‏

وقد ثبت ـ أيضًا ـ أن أرواح المؤمنين والشهداء وغيرهم في الجنة، قال الإمام أحمد في رواية حنبل‏:‏ أرواح الكفار في النار، وأرواح المؤمنين في الجنة، والأبدان في الدنيا، يعذب اللّه من يشاء، ويرحم بعفوه من يشاء‏.‏

وقال عبد اللّه بن أحمد‏:‏ سألت أبي عن أرواح الموتى‏:‏ أتكون في أفنية قبورها ‏؟‏ أم في حواصل طير‏؟‏ أم تموت كما تموت الأجساد‏؟‏ فقال‏:‏ قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏ نَسَمَة المؤمن إذا مات طائر تعلق في شجر الجنة، حتى يرجعه اللّه إلى جسده يوم يبعثه ‏)‏‏.‏

وقد روى عن عبد اللّه بن عمرو أنه قال‏:‏ أرواح المؤمنين في أجواف طير خضر كالزَّرَازِيرر‏، يتعارفون فيها ويرزقون من ثمرها، قال‏:‏ وقال بعض الناس‏:‏ أرواح الشهداء في أجواف طير خضر، تأوي إلى قناديل في الجنة معلقة بالعرش‏.‏


وقد روى مسلم في صحيحه عن مسروق قال‏:‏ سألنا عبد اللّه ـ يعني ابن مسعود ـ عن هذه الآية‏:‏ ‏{ ‏وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏169‏]‏، فقال‏:‏ أما إنا قد سألنا عن ذلك رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏(‏إن أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح في الجنة حيث تشاء، ثم تأوى إلى تلك القناديل، فاطلع عليهم ربك اطلاعة فقال‏:‏ هل تشتهون شيئًا‏؟‏ فقالوا‏:‏ أي شيء نشتهي ونحن نسرح في الجنة حيث نشاء‏؟‏ ـ ففعل بهم ذلك ثلاث مرات ـ فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا‏:‏ يا رب ،نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا؛ حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا ‏)‏‏.‏


وقد قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي‏}‏ ‏[‏الفجر‏:‏ 27ـ30‏]‏، فخاطبها بالرجوع إلى ربها، وبالدخول في عباده ودخول جنته، وهذا تصريح بأنها مربوبة‏.‏
والنفس هنا هي الروح التي تقبض، وإنما تتنوع صفاتها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ـ لما ناموا عن صلاة الفجر في السفر ـ قال‏:‏ ‏(‏إن اللّه قبض أرواحنا حيث شاء، وردها حيث شاء‏)‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏قبض أنفسنا حيث شاء‏)‏،

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏42‏]‏، والمقبوض المتوفى هي الروح، كما في صحيح مسلم عن أم سلمة قالت‏:‏ دخل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، على أبي سلمة وقد شق بصره، فأغمضه،

ثم قال‏:‏ ‏(‏إن الروح إذا قبض تبعه البصر‏)‏، فضج ناس من أهله فقال‏:‏‏(‏لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكة يُؤَمِّنُون على ما تقولون‏)‏،

ثم قال‏:‏ ‏(‏اللّهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين وأفسح له في قبره، ونور له فيه‏)‏‏.‏


وروى مسلم ـ أيضًا ـ عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ألم تروا أن الإنسان إذا مات شَخَصَ بصره‏؟‏‏)‏ قالوا‏:‏ بلى‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏فكذلك حين يتبع بصره نفسه‏)‏ فسماه تارة روحًا، وتارة نفسًا‏.‏


وروى أحمد بن حنبل، وابن ماجه عن شداد بن أوس قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏( ‏إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصر؛ فإن البصر يتبع الروح، وقولوا خيرًا، فإنه يُؤَمَّن على ما يقول أهل الميت‏ )‏‏.‏
ودلائل هذا الأصل وبيان مسمى ‏‏الروح والنفس‏ وما فيه من الاشتراك كثير لا يحتمله هذا الجواب، وقد بسطناه في غير هذا الموضع‏.‏

فقد بان بما ذكرناه أن من قال‏:‏ إن أرواح بني آدم قديمة غير مخلوقة، فهو من أعظم أهل البدع الحلولية(2)، الذين يجر قولهم إلى التعطيل، بجعل العبد هو الرب وغير ذلك من البدع الكاذبة المضلة‏.‏


وأما قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏85‏]‏، فقد قيل‏:‏ إن الروح هنا ليس هو روح الآدمي، وإنما هو ملك في قوله‏:‏‏{‏يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا‏}‏ ‏[‏النبأ‏:‏38‏]‏،


وقوله‏{‏تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ‏}‏ ‏[‏المعارج‏:‏4‏]‏،

وقوله‏:‏ ‏{‏تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ‏}‏ ‏[‏القدر‏:‏4‏]‏

وقيل‏:‏ بل هو روح الآدمي، والقولان مشهوران، وسواء كانت الآية تعمهما، أو تتناول أحدهما، فليس فيها ما يدل على أن الروح غير مخلوقة لوجهين‏:‏

أحدهما‏:‏أن الأمر في القرآن يراد به المصدر تارة، ويراد به المفعول تارة أخرى وهو المأمور به، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏1‏]‏،

وقوله‏:‏ ‏{‏وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏38‏]‏ وهذا في لفظ غير الأمر، كلفظ الخلق والقدرة والرحمة والكلمة وغير ذلك‏.‏ ولو قيل‏:‏ إن الروح بعض أمر اللّه أو جزء من أمر اللّه، ونحو ذلك مما هو صريح في أنها بعض أمر اللّه، لم يكن المراد بلفظ الأمر إلا المأمور به لا المصدر؛ لأن الروح عين قائمة بنفسها، تذهب وتجيء وتنعم وتعذب، وهذا لا يتصور أن يكون مسمى مصدر‏:‏ أمر يأمر أمرًا‏.‏ وهذا قول سلف الأمة وأئمتها وجمهورها‏.‏


ومن قال من المتكلمين‏:‏ إن الروح عرض قائم بالجسم، فليس عنده مصدر‏:‏ أمر يأمر أمرًا ‏.‏


والقرآن إذا سمى أمر اللّه، فالقرآن كلام ‏اللّه ‏والكلام اسم مصدر‏:‏ كَلَّم يُكَلِّم تكليمًا وكلامًا، وتَكَلَّم تَكَلمًا وكلامًا‏.‏ فإذا سمى أمرًا بمعنى المصدر كان ذلك مطابقًا، لا سيما والكلام نوعان‏:‏ أمر وخبر‏.‏


أما الأعيان القائمة بأنفسها فلا تسمى أمرًا لا بمعنى المفعول به وهو المأمور به كما سمى المسيح كلمة؛ لأنه مفعول بالكلمة، وكما يسمى المقدور قدرة والجنة رحمة، والمطر رحمة، في مثل قوله‏:‏ ‏{‏فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا‏}‏ ‏[‏الروم‏:‏50‏]‏، وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه أنه قال للجنة‏:‏ ‏(‏أنت رحمتي أرحم بك من شئت‏)‏، وقوله‏:‏ ‏(‏إن اللَّهَ خلقَ الرحمة ـ يوم خلقها ـ مائة رحمة‏)‏ ونظائر ذلك كثيرة، وهذا جواب أبي سعيد الخراز، قال‏:‏ فإن قيل‏:‏ قد قال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏85‏]‏ وأمره منه قيل‏:‏ أمره ـ تعالى ـ هو المأمور به المكون بتكوين المكون له ‏.‏


وكذلك قال ابن قتيبة في‏ [‏كتاب المشكل‏]‏‏:‏ أقسام الروح، فقال‏:‏ هي روح الأجسام التي يقبضها اللّه عند الممات، والروح جبريل،

قال تعالى‏:‏ ‏{‏نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ‏}‏ ‏[‏الشعراء‏:‏193‏]‏،

وقال‏:‏‏{‏وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏87، 253‏]‏، أي‏:‏ جبريل، والروح ـ فيما ذكره المفسرون ـ ملك عظيم من ملائكة اللّه ـ تعالى ـ يقوم وحده فيكون صفًا، وتقوم الملائكة صفًا،


وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏85‏]‏، قال‏:‏ ونسب الروح إلى اللّه؛ لأنه بأمره، أو لأنه بكلمته‏.‏

سعيد الزعابي
12-16-2003, 08:15 PM
والوجه الثاني‏:‏

أن لفظة [‏من] ‏في اللغة قد تكون لبيان الجنس، كقولهم‏:‏ باب من حديد‏.‏

وقد تكون لابتداء الغاية، كقولهم‏:‏ خرجت من مكة، فقوله تعالى‏:‏‏{قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي‏}‏ ليس نصًا في أن الروح بعض الأمر، ومن جنسه، بل قد تكون لابتداء الغاية إذ كونت بالأمر، وصدرت عنه، وهذا معنى جواب الإمام أحمد في قوله‏:‏ ‏{‏وَرُوحٌ مِّنْهُ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏171‏]‏ حيث قال‏:‏ ‏{‏وَرُوحٌ مِّنْهُ‏}‏ يقول‏:‏ من أمره كان الروح منه كقوله‏:‏ ‏{‏وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ‏{‏ ‏[‏الجاثية‏:‏13‏]‏، ونظير هذا أيضًا قوله‏:‏ ‏{‏وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏53‏]‏‏.‏

فإذا كانت المسخرات والنعم من اللّه، ولم تكن بعض ذاته بل منه صدرت، لم يجب أن يكون معنى قوله في المسيح‏:‏ ‏{‏وَرُوحٌ مِّنْهُ‏}‏؛ أنها بعض ذات اللّه، ومعلوم أن قوله‏:‏ ‏{‏وَرُوحٌ مِّنْهُ‏}‏ أبلغ من قوله‏:‏ ‏{‏الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي‏}‏ فإذا كان قوله‏}‏وَرُوحٌ مِّنْهُ‏}‏ لا يمنع أن يكون مخلوقًا، ولا يوجب أن يكون بعضًا له، فقوله‏:‏ ‏{‏الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي‏}‏ أولى بألا يمنع أن يكون مخلوقًا، ولا يوجب أن يكون ذلك بعضًا له بل ولا بعضًا من أمره‏.‏

وهذا الوجه يتوجه إذا كان الأمر هو الأمر الذي هو صفة من صفات اللّه، فهذان الجوابان كل منهما مستقل، ويمكن أن يجعل منهما جواب مركب، فيقال‏:‏ قوله‏:‏ ‏{‏الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي‏}‏ إما أن يراد بالأمر المأمور به، أو صفة للّه ـ تعالى ـ وإن أريد به الأول أمكن أن تكون الروح بعض ذلك، فتكون مخلوقة، وإن أريد بالأمر صفة ‏[‏اللّه‏]‏ كان قوله‏:‏ ‏{‏الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي‏}‏ كقوله‏:‏ ‏{‏وَرُوحٌ مِّنْهُ‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏جَمِيعًا مِّنْهُ‏}‏ ونحو ذلك ‏.‏

وإنما نشأت الشبهة حيث ظن الظان أن الأمر صفة للّه قديمة، وأن روح بني آدم بعض تلك الصفة، ولم تدل الآية على واحد من المقدمتين، واللّه ـ سبحانه ـ أعلم ‏.‏

وقد يجيء اسم الروح في القرآن بمعنى آخر، كقوله‏:‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا‏}‏ ‏[‏الشورى‏:‏52‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ‏}‏ ‏[‏المجادلة‏:‏22‏]‏، ونحو ذلك‏.‏ فالقرآن الذي أنزله اللّه كلامه، ولكن ليس الكلام في هذا مما يتعلق بالسؤال‏.‏

وأما قول السائل‏:‏ هل المفوض إلى اللّه أمر ذاتها أو صفاتها أو مجموعهما‏؟‏ فليس هذا من خصائص الكلام في الروح، بل لا يجوز لأحد أن يقفو ما ليس له به علم، ولا يقول على اللّه ما لا يعلم .

قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏36‏]‏،
وقال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏33‏]‏،

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏169‏]‏،

وقد قالت الملائكة لما قال لهم‏:‏ ‏{‏أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏31، 32‏]‏،

وقد قال موسى للخضر‏:‏ ‏{‏هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏66‏]‏،

وقال الخضر لموسى ـ لما نقر العصفور في البحر ـ‏:‏ ما نقص علمي وعلمك من علم اللّه، إلا كما نقص هذا العصفور من هذا البحر‏.‏

وليس في الكتاب والسنة أن المسلمين نهوا أن يتكلموا في الروح بما دل عليه الكتاب والسنة، لا في ذاتها ولا في صفاتها، وأما الكلام بغير علم فذلك محرم في كل شيء، ولكن قد ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بعض سكك المدينة، فقال بعضهم‏:‏ سلوه عن الروح، وقال بعضهم‏:‏ لا تسألوه فيسمعكم ما تكرهون، قال‏:‏ فسألوه وهو متكئ على العسيب‏ ‏، فأنزل اللّه هذه الآية‏.‏
فبين بذلك أن ملك الرب عظيم، وجنوده، وصفة ذلك، وقدرته أعظم من أن يحيط به الآدميون، وهم لم يؤتوا من العلم إلا قليلًا، فلا يظن من يدعى العلم أنه يمكنه أن يعلم كل ما سئل عنه ولا كل ما في الوجود، فما يعلم جنود ربك إلا هو‏. )) اهـ [ مجموع الفتاوى 4 / 216 – 232 ] .


ودونك أدلة أهل السنة من أن الروح مخلوقة مربوبة :

قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى : (( فصل والذي يدل على خلقها وجوه :

الوجه الأول : قول الله تعالى : (( اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ )) فهذا اللفظ عام لا تخصيص فيه بوجه ما ولا يدخل في ذلك صفاته فإنها داخلة في مسمى بإسمه فالله سبحانه هو الإله الموصوف بصفات الكمال فعلمه وقدرته وحياته وإرادته وسمعه وبصره وسائر صفاته داخل في مسمى اسمه ليس داخلا في الأشياء المخلوقة كما لم تدخل ذاته فيها فهو سبحانه وصفاته الخالق وما سواه مخلوق ومعلوم قطعا أن الروح ليست هي الله ولا صفة من صفاته وإنما هي مصنوع من مصنوعاته فوقوع الخلق عليها كوقوعه على الملائكة والجن والإنس .

الوجه الثاني : قوله تعالى زكريا : (( وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا )) وهذا الخطاب لروحه وبدنه ليس لبدنه فقط فإن البدن وحده لا يفهم ولا يخاطب ولا يعقل وإنما الذي يفهم ويعقل ويخاطب هو الروح .


الوجه الثالث : قوله تعالى (( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ )) .


الوجه الرابع :قوله تعالى : (( وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ )) وهذا الإخبار إنما يتناول أرواحنا وأجسادنا كما يقوله الجمهور ، واما أن يكون واقعا على الأرواح قبل خلق الأجساد كما يقوله من يزعم ذلك وعلى التقدير فهو صريح في خلق الأرواح .


الوجه الخامس : النصوص الدالة على أنه سبحانه ربنا ورب آبائنا الأولين ورب كل شيء وهذه الربوبية شاملة لأرواحنا وأبداننا فالأرواح مربوبة له مملوكة كما أن الأجسام كذلك وكل مربوب مملوك فهو مخلوق .


الوجه السادس : أول سورة في القرآن وهي الفاتحة تدل على أن الأرواح مخلوقة من عدة أوجه :

أحدها : قوله تعالى : (( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )) والأرواح من جملة العالم فهو ربها

الثاني : قوله تعالى : (( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )) فالأرواح عابدة له مستعينة ولو كانت غير مخلوقة لكانت معبودة مستعانا بها .

الثالث : إنها فقيرة إلى هداية فاطرها وربها تسأله أن يهديها صراطه المستقيم .

الرابع : أنها منعم عليها مرحومة ومغضوب عليها وضالة شقية وهذا شأن المربوب والمملوك لا شأن القديم غير المخلوق .


الوجه السابع : النصوص الدالة على أن الإنسان عبد بجملته وليست عبوديته واقعة على بدنه دون روحه بل عبوديته الروح أصل وعبودية البدن تبع كما أنه تبع لها في الأحكام وهي التي تحركه وتستعمله وهو تبع لها في العبودية .


الوجه الثامن : قوله تعالى : (( هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا )) فلو كانت روحه قديمة لكان الإنسان لم يزل شيئا مذكورا فإنه إنما هو إنسان بروحه لا ببدنه فقط كما قيل
يا خادم الجسم كم تشقى بخدمته ..... فأنت بالروح لا بالجسم إنسان

سعيد الزعابي
12-16-2003, 08:24 PM
الوجه التاسع : النصوص الدالة على أن الله سبحانه كان ولم يكن شيء غيره كما ثبت في صحيح البخاري من حديث عمران حصين أن أهل اليمن قالوا يا رسول الله جئناك لنتفقه في الدين ونسألك عن أول هذا الأمر فقال : (( كان الله ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء )) فلم يكن مع الله أرواح ولا نفوس قديمة يساوى وجودها وجوده تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا بل هو الأول وحده لا يشاركه غيره في أوليته بوجه .


الوجه العاشر : النصوص الدالة على خلق الملائكة وهم أرواح مستغنية عن أجساد تقوم بها وهم مخلوقون قبل خلق الإنسان وروحه فإذا كان الملك الذي يحدث الروح في جسد ابن آدم بنفخته مخلوقا فكيف تكون الروح الحادثة بنفخه قديمة وهؤلاء الغالطون يظنون ان الملك يرسل إلى الجنين بروح قديمة أزلية ينفخها فيه كما يرسل الرسول بثوب إلى الإنسان يلبسه إياه وهذا ضلال وخطأ وإنما يرسل الله سبحانه إليه الملك فينفخ فيه نفخة تحدث له الروح بواسطة تلك النفخة فتكون النفخة هي سبب حصول الروح وحدوثها له كما كان الوطء والإنزال سبب تكوين جسمه والغذاء سبب نموه فمادة الروح من نفخة الملك ومادة الجسم من صب الماء في الرحم فهذه مادة سماوية وهذه مادة أرضية فمن الناس من تغلب عليه المادة السماوية فتصير روحه علوية شريفة تناسب الملائكة ومنهم من تغلب عليه المادة الأرضية فتصير روحه سفلية ترابية مهينة تناسب الأرواح السفلية فالملك أب لروحه والتراب أب لبدنه وجسمه .


الوجه الحادي عشر : حديث أبى هريرة رضى الله عنه الذي في صحيح البخاري وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم : (( الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف )) والجنود المجندة لا تكون إلا مخلوقة وهذا الحديث رواه عن النبي أبو هريرة وعائشة أم المؤمنين وسلمان الفارسي وعبد الله بن عباس وعبد الله ابن مسعود وعبد الله بن عمرو وعلى بن أبى طالب وعمرو بن عبسة رضى الله عنهم .


الوجه الثاني عشر : أن الروح توصف بالوفاة والقبض والإمساك والإرسال وهذا شأن المخلوق المحدث المربوب قال الله تعالى : (( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )) والأنفس ها هنا هي الأرواح قطعا وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن أبى قتادة الأنصاري عن أبيه قال سرنا مع رسول الله في سفر ذات ليلة فقلنا يا رسول الله لو عرست بنا فقال : (( إني أخاف أن تناموا فمن يوقظنا للصلاة )) فقال بلال : أنا يا رسول الله ، فعرس بالقوم فاضطجعوا واستند بلال إلى راحلته فغلبته عيناه فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد طلع جانب الشمس فقال يا بلال أين ما قلت لنا ؟ ، فقال :والذي بعثك بالحق ما ألقيت على نومة مثلها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ان الله قبض أرواحكم حين شاء وردها حين شاء )) ،


فهذه الروح المقبوضة هي النفس التي يتوفاها الله حين موتها وفي منامها التي يتوفاها ملك الموت وهي التي تتوفاها رسل الله سبحانه وهي التي يجلس الملك عند رأس صاحبها ويخرجها من بدنه كرها ويكفنها بكفن من الجنة أو النار ويصعد بها إلى السماء فتصلى عليها الملائكة أو تلعنها وتوقف بين يدي ربها فيقضى فيها أمره ثم تعاد إلى الأرض فتدخل بين الميت وأكفانه فيسأل ويمتحن ويعاقب وينعم وهي التي تجعل في أجواف الطير الخضر تأكل وتشرب من الجنة وهي التي تعرض على النار غدوا وعشيا وهي التي تؤمن وتكفر وتطيع وتعصى وهي الأمارة بالسوء وهي اللوامة وهي المطمئنة إلى ربها وأمره وذكره وهي التي تعذب وتنعم وتسعد وتشقى وتحبس وترسل وتصح وتسقم وتلذ وتألم وتخاف وتحزن وما ذاك إلا سمات مخلوق مبدع وصفات منشأ مخترع وأحكام مربوب مدبر مصرف تحت مشيئة خالقه وفاطره وبارئه .


وكان رسول الله يقول عند نومه : (( اللهم أنت خلقت نفسي وأنت توفاها لك مماتها ومحياها فإن أمسكتها فإرحمها وإن أرسلتها فأحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين )) .


وهو تعلى بارىء النفوس كما هو بارىء الأجساد قال تعالى : (( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ )) قيل من قبل أن نبرأ المصيبة وقيل من قبل أن نبرأ الأرض وقيل من قبل أن نبرأ الأنفس وهو أولى لأنه أقرب مذكور إلى الضمير ولو قيل يرجع إلى الثلاثة أي من قبل أن نبرأ المصيبة والأرض والأنفس لكان أوجه .


وكيف تكون قديمة مستغنية عن خالق محدث مبدع لها وشواهد الفقر والحاجة والضرورة أعدل شواهد على أنها مخلوقة مربوبة مصنوعة وأن وجود ذاتها وصفاتها وأفعالها من ربها وفاطرها ليس لها من نفسها إلا العدم فهي لا تملك لنفسها ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا لا تستطيع أن تأخذ من الخير إلا ما أعطاها وتتقى من الشر إلا ما وقاها ولا تهتدي إلى شيء من صالح دنياها وأخراها إلا بهداه وتصلح إلا بتوفيقه لها وإصلاحه إياها ولا تعلم إلا ما علمها ولا تتعدى ما ألهمها فهو الذي خلقها فسواها وألهمها فجورها وتقواها فأخبر سبحانه أنه خالقها ومبدعها وخالق أفعالها من الفجور والتقوى خلافا لمن يقول إنها ليست مخلوقة ولمن يقول إنها وإن كانت مخلوقة فليس خالقا لأفعالها بل هي التي تخلق أفعالها وهما قولان لأهل الضلال والغي ومعلوم أنها لو كانت قديمة غير مخلوقة لكانت مستغنية بنفسها في وجودها وصفاتها وكمالها وهذا من ابطل الباطل فإن فقرها إليه سبحانه في وجودها وكمالها وصلاحها هو من لوازم ذاتها ليس معللا بعلة فإنه أمر ذاتي لها كما أن غنى ربها وفاطرها ومبدعها من لوازم ذاته ليس معللا بعلة فهو سبحانه الغنى بالذات وهي الفقيرة إليه بالذات فلا يشاركه سبحانه في غناه مشارك كما لا يشاركه في قدمه وربوبيته وملكه التام وكماله المقدس مشارك فشواهد الخلق والحدوث على الأرواح كشواهده على الأبدان .


قال تعالى : ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ )) [ فاطر : 15 ] ، وهذا الخطاب بالفقر إليه للأرواح والأبدان ليس هو للأبدان فقط وهذا الغنى التام لله وحده لا يشركه فيه غيره وقد أرشد الله سبحانه عباده إلى أوضح دليل على ذلك بقوله : (( فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87) )) [ الواقعة : 83 - 87 ] أي فلولا ان كنتم غير مملوكين ومقهورين ومربوبين ومجازين بأعمالكم تردون الأرواح إلى الأبدان إذا وصلت إلى هذا الموضع أو لا تعلمون بذلك أنها مدينة مملوكة مربوبة محاسبة مجزية بعملها .


وكلما تقدم ذكره في هذا الجواب من أحكام الروح وشأنها ومستقرها بعد الموت فهو دليل على أنها مخلوقة مربوبة مدبرة ليست بقديمة .


وهذا الأمر أوضح من أن تساق الأدلة عليه ولولا ضلال من المتصوفة وأهل البدع ومن قصر فهمه في كتاب الله وسنة رسوله فأتى من سوء الفهم لا من النص تكلموا في أنفسهم وأرواحهم بما دل على أنهم من أجهل الناس بها وكيف يمكن من له أدنى مسكة من عقل أن ينكر أمرا تشهد عليه به نفسه وصفاته وأفعاله وجوارحه وأعضاؤه بل تشهد به السموات والأرض والخليقة فلله سبحانه في كل ما سواه آية بل آيات تدل على أنه مخلوق مربوب وانه خالقه وربه وبارؤه ومليكه ولو جحد ذلك فمعه شاهد عليه به . )) اهـ [ كتاب الروح ، ص 354 – 362 ].

وبعد هذا النقل عن هؤلاء الأئمة رحمهم الله تعالى هل يبقى لهذا الجاهل الظالم قول في انكاره على الشيخ ربيع فيما نقله عنهم من إجماع .

وهل يصح له القول بأن الشيخ ربيع ( اتهم ) سيد قطب بلا بينه ، وأنه ( يلقي التهمة ... دون أن يقيم عليها دليلا )!!

وهل هو بعد هذا النقل لإجماع أهل العلم سيبقى هذا الحزبي ( مشدوهاً ) و ( متسائلاً ) وهل ( سيرجع خاوي اليدين ) ؟! أم سيقر لهذا العالم الجليل العلامة بحق ربيع المدخلي بما انتقده على سيد قطب الحلولي التكفيري المنحرف .

والله الموعد ولا رب سواه .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.



=====================

الحواشي :


(1) قلت : في الطبعة الثانية ( من ) .


(2) وسيد قطب من الناعقين بالحلول ووحدة الوجود بل هو من الغلاة فيه ، وقد برهن العلامة ربيع المدخلي في مقالاته وكتبه ومنها ( قول سيد قطب بعقيدة وحدة الوجود والحلول والجبر ودفاعه عن عقيدة النيرفانا الهندوكية البوذية ، و تأكيد ما ورد في مقال أطوار سيد قطب في وحدة الوجود ودفع شبه المعترضين ، و من أصول سيد قطب الباطلة المخالفة لأصول السلف الصالح ، و نظرات في التصوير الفني ، والحد الفاصل بين الحق والباطل حوار مع بكر أبو زيد ) وكذلك غيره من أهل العلم كأمثال الشيخ عبد الله الدويش في كتابه المورد الزلال في التنبيه على أخطاء الظلال والعلامة محمد أمان الجامي والعلامة أحمد النجمي وغيرهم من العلماء .
وقد سئل العلامة محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله : (( عن صاحب كتاب " في ظلال القرآن " ومنهجه في التفسير؟
فقال : ( أنه كثر الحديث حول هذا الرجل وكتابه .... وقد ذكر بعض [ أهل العلم ] كالدويش والألباني الملاحظات على هذا الكتاب ، وهي مدونة وموجودة. ولم أطلع على هذا الكتاب بكامله وإنما قرأتُ تفسيره لسورة الإخلاص وقد قال قولاً عظيماً فيها مخالفاً لما عليه أهل السنة والجماعة ؛ حيث أن تفسيره لها يدل على أنه يقول بوحدة الوجود.... )) ، وفد وقع عليها الشيخ محمد بتاريخ 24/2/1421 ) . [براءة علماء الأمة من تزكية أهل البدعة والمذمة للشيخ عصام بن عبدالله السناني حفظه الله تعالى ] .

مراد
12-17-2003, 05:18 PM
جزاك الله خيرا

محب الأثري
01-11-2004, 08:29 PM
جزاك الله خير لذبك عن الامام ربيع بن هادي المدخلي

أبوراس
01-14-2004, 06:26 PM
جزاك الله خيرا أخي الفاضل سعيدالزعابي لذبك عن الامام ربيع السنة

أبو يحيى
01-15-2004, 06:11 AM
للرفع

عبيد الأثري
02-24-2004, 10:28 AM
جزاك الله خيراً يا سعيد على هذا المقال العلمي العطر , الذي ينبع عن فقه في الدين واطلاع على المنشورات العلمية ..

ونسأل الله أن يبارك في شيخنا ربيع المدخلي وأن يحفظه الله ..

وأما هذا المرغني لا بارك الله فيه وفي أمثاله ممن يطعنون في العلماء نسأل الله أن يهديه أو أن يكفي الناس شره .

وضاح اليعمري
04-17-2004, 11:47 PM
جزاك الله خيرا يا سعيد الزعا بى على دفا عك عن العلا مه ربيع السنه 0 ونعلم كثير انك من الذى سعىفى تنزيل كتب الشيخ ربيع والكتب السلفيه فى المنتد يات

عبيد الأثري
04-18-2004, 11:50 AM
جزاكم الله خيرا ونفع بكم وجعل الله الشيخ غصة في حلوق المبتدعين ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظه ويبارك فيه وفي وقته وفي عمره .

12d8c7a34f47c2e9d3==