المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ابتلاء الدعاة والصبر على ذلك


كيف حالك ؟

عون
07-16-2004, 10:13 PM
ابتلاء الله لعباده المؤمنين

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله ولي المتقين وناصر المؤمنين ، أحمده تعالى وأشكره، على ما أولانا من النعم وصرف عنا من النقم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله صلى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً . روى البخاري ومسلم رحمهما الله عن أبي عبد الرحمن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : "كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبياً من الأنبياء صلوات الله عليهم وسلمه عليهم ضربه قومه فادموه وهو يمسح الدم عن وجهه وهو يقول اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون " .
اما بعد - فيا عباد الله - لقد جرت سنة الله في عباده المؤمنين أن يبتليهم ابتلاء يقوى بقوة الإيمان ويضعف بضعفه ، يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : "أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلباً زيد له في البلاء "ويقول : "من يرد به الله خيراً يصب منه" . رواه البخاري . يبتليهم تعالى ابتلاءً ليس ابتلاء إهانة وتعذيب ، فحاشا حكمة الله وعدله ن ولكنه ابتلاء تمحيص وتهذيب {ويمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين } ، وذلكم الابتلاء لأسرار وحكم بالغة منها ما في قوله سبحانه : { ليبلوكم أيكم أحسن عملاً }، { ونبلوكم بالشر والخير فتنة }، والفتنة هنا بمعنى الامتحان والاختبار اللذين يظهران حقيقة من يدعي الإيمان على وجه الحق والصدق، ومن يدعيه تقية ونفعاً ليحصل على ما لأهله في صف المسلمين من حرمة وتقدير. يقول الله تعالى : {الم ، أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين} ويقول : {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم} . والله جلت قدرته وتعالت أسماؤه يعلم عباده أن الإيمان ليس مجرد دعوى أو أمنية فحسب ، ولكنه حقيقة ذات تكاليف وأمانة ذات أعباء وجهاد وصبر وتحمل لا يحملها إلا من في قلوبهم تجرد لها وإخلاص، فلا يكفي أن يقول الناس آمنا ويتركوا لهذه الدعوى .. حتى لا يتعرضوا للفتنة فيثبتوا لها ويخرجوا منها صافية عناصرهم، خاصة قلوبهم كما تفتن النار الذهب فتفصل بينه وبين العناصر العالقة به.
أيها المسلمون - مما تقدم يعلم أن عبء الإيمان لكبير وإن تكاليفه لشاقة إلا على النفوس المؤمنة بالله إيماناً راسخاً ، والمتقبلة لتكاليفه بطواعية ورغب فيما عند الله وما وعد به المؤمنين من نصر وعز في الدنيا وثواب مضاعف في الآخرة يقول تعالى : { واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين} ، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حفت النار بالشهوات وحفت الجنة بالمكاره)، رواه الشيخان .
نعم ، عبء الإيمان شاق وكبير ولكنه سهل ويسير على من يسره الله عليه، على النفوس التي تعرف أن العبء عندما يكون كبيراً يكون جزاؤه ومثوبته أكبر وأجل عند الله الذي يجزي على الحسنة بعشر أمثالها ويضاعف فوق ذلكم والذي يقول : { إن الذين قالوا : ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون. نحن أو لياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلاً من غفور رحيم } إلى أن قال تعالى : { وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم} ولا غرابة فكلما عظم الثمن المقدم عظم المثمن المستوفى بدله ، فالشهيد الذي قدم نفسه باع حياته لله عوض عنها بحياة أفضل ونعيم أكمل .
فيا أيها الأخ المؤمن إنك وأمثالك من المؤمنين في هذه الحياة معرضون لألوان من الابتلاء والاختبار بخير أو بشر، بخير كالمال والصحة والولاية ليرى هل تؤدي حق الله فيما أعطيت من مال بأداء ما أوجب الله عليك فيه وتجنيبه الإنفاق منه والتعامل به المحَرَّمين، وهل قصرت النفس حال الصحة ؟ والابتلاء على المأمورات وكبحت جماحها عن ارتكاب المنكرات ، وهل أديت حق الله فيما استخلفت عليه من مصالح المسلمين ؟ {ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون}، {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر}.
وكما يبتلي تعالى عباده بالخير يبتليهم بالشر كالمرض وتسليط الأعداء وليس ذلكم - كما أسلفت - لإهانة أو تعذيب ، ولكنه لتقوية الإيمان الحق والحصول على مثوبة الصبر على البلاء كما حصل لنبي الله أيوب عليه السلام من الإبتلاء بالمرض الذي بلغ به أن تخلى عنه جميع أهله ، وأبينا إبراهيم عليه السلام من تسليط قومه وإلقائهم إياه في النار، ولنبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الأذى والمضايقة والتآمر ضده . المؤامرة التي فضحها القرآن{وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك . ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} ، وماذا كان .. فأيوب كشف الله ضره وآتاه أهله ومثلهم معهم رحمة من الله وذكرى لأولي الألباب، وإبراهيم ، يقول الله للنار التي أججت لإحراقه : {كوني وبراً وسلاماً على إبراهيم} ويجعله أمة يقتدى به {إن إبراهيم كان أمة} ويجعل له لسان صدق في الآخرين ، ومحمد الذي أفلت من تكلم المؤامرة الدنيئة وخرج من مكة مختفياً مطارداً يعود يطل عليها من أعلى طريق فيها فاتحاً بل يطل على الدنيا على الأمة جميعها موجهها إلى رب واحد، وقبلة واحدة ، وقيادة واحدة ، ويصبح هو إمامها بما بلغها عن الله إلى يوم القيامة، بل وفرطها على الحوض وشفيعها عند الله وفاتح باب الجنة لها .
فاتقوا الله - أيها المسلمون - اتقوه تقوى المؤمن الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم : (عجباً للمؤمن إن أمره كله خير ، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ،وإن اصابته ضراء صبر فكان خيراً له). اتقوا الله وأثبتوا على إيمانكم الذي جاء من عند الله، واصبروا على ما قد تبتلون به وما كلفتم به من الله ، وأ دوا حق الله فيما أعطاكم وولاكم ولا يطغينكم عز ورخاء أو صحة وثراء ، ولا تضعفنكم الأحداث والشدائد والمضايقات فما هي إلا برهة قليلة ثم يأتي فرج الله ونصره ومثوبته لمن قام بأمره ، كما جاء لأيوب وإبراهيم ومحمد عليه الصلاة والسلام، وأتباعهم ممن ابتلو وأوذوا في الله وستكون العقبى لاتباعهم كما كانت لهم من قبل - إن شاء الله - {فإن مع العسر يسراً إن مع اليسر يسراً} { سيجعل الله بعد عسر يسراً } .أقول قولي هذا ، وأسأل الله تعالى أن يثبت أقدامنا ، وينصرنا على القوم الكافرين.

"مقال منقول"

عون
07-16-2004, 10:23 PM
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:

ونهى عن الفحشاء والمنكر والبغي والطغيان ، وعن الكفر والفسوق والعصيان ، وأعطى الإنسان عقلاً وإرادة ومشيئة ، وقدرة واختياراً ليتمكن من فعل الخير بإرادته ، وفعل الشر بإرادته كذلك . بعدما بين له السبيل وأقام له الدليل : { إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً . إنا هدينا السبيل إما شاكراً وإما كفوراً . إنا أعتدنا للكافرين سلاسلاً وأغلالاً وسعيراً . إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً . عيناً يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيراً } .
إن الإنسان تجاه الابتلاء بهذه المكاره والمشتهيات ، وأمام دعاة الخير ودعاة الشر ، وأمام نوازعه وميوله النفسية لا بد أن يكون له موقف وانحياز إما إلى الخير وإما إلى الشر . وسيكون جزاؤه عند الله على حسب ذلك الانحياز قال تعالى : { إن سعيكم لشتى . فأما من أعطى واتقى . وصدق بالحسنى . فسنيسره لليسرى . وأما من بخل واستغنى . وكذب بالحسنى . فسنيسره للعسرى } .في الابتلاء والامتحان واختلاف مواقف الناس منهما "الخطب المنبرية".

عون
07-16-2004, 11:10 PM
الصبر في طريق الدعوة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليما
أما بعد

لقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أنزل عليه قوله تعالى ( أقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق أقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم ) أنه بذلك صار نبياً من أنبياء الله ثم قتر الوحي ثم نزل عليه قوله تعالى ( يا أيها المدثر * قم فأنذر * وربك فكبر * وثيابك فطهر والرجز فأهجر) فقام صلى الله عليه وسلم قام ممتثلاً لأمر الله متوكلاً عليه واثقاً به فأنذر الناس ودعاهم إلى عبادة الله وكان بدء الدعوة سراً لما يخاف على نفسه فآ من به رجال من قريش وكان أولهم إسلاماً أبا بكر الصديق رضي الله عنه واسلم على يدي أبى بكر رضي الله عنه خمسة من المبشرين بالجنة اسلم على يده رضي الله عنه عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله وهؤلاء الخمسة مع أبي بكر وعلي بن أبي طالب وزيد بن حارثة هم الثمانية الموصوفون بالسبق إلى الإسلام واسلم غيرهم كثير فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتمع بهم سراً ويرشدهم إلى ما أرشده الله إليه من الإسلام في دار الأرقم بن أبي الأرقم لمدة ثلاث سنوات حتى أنزل الله إليه قوله (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (الحجر:94) فصعد صلى الله عليه وسلم على الصفا حينما أنزل عليه ذلك مع قوله وأنذر عشيرتك الأقربين فجعل ينادي يا بني فهر يا بني عدي يا بطون قريش فاجتمع الناس إليه حتى كان الرجل إذا لم يستطع أن يأتي أرسل رسولاً لينظر الخبر فلما اجتمع الناس قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إني رسول الله إليكم خاصة وإلى الناس كافة فقال له عمه أبو لهب تباً لك الهذا جمعتنا وسخر به وبما قال فأنزل الله تعالى فيه سورة تبت يدا أبي لهب وتب سورة تقرأ في كتاب الله إلى يوم القيامة وما عند الله له من الخزي والعار يوم القيامة أعظم وأشد ثم أنزل الله على رسوله وأنذر عشيرتك الأقربين فجمعهم صلى الله عليه وسلم وقال لهم والله لو كذبت الناس كلهم ما كذبتكم وإني لرسول الله إليكم خاصة وإلى الناس عامة والله لتموتنّ ثم لتبعثن وتحاسبن ولتجزأون على أعمالكم وإنها لجنة أبداً أو لنار أبداً فتكلم القوم كلاماً ليناًَ إلا أبا لهب قال خذوا على يديه قبل أن تجتمع العرب عليه فإني سلمتموه ذللتم وإن منعتموه قتلتم فمانعه أبو طالب وهو أخو أبي لهب وكلهم عم لرسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم مانعه أبو طالب وقال له والله لنمنعنه ما بقينا ثم انصرف الجمع بدون طائل ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظل يدعو إلى الله تعالى علناً وجهراً وكان الناس يسخرون به يقولون هذا غلام عبد المطلب يكلم من السماء هذا ابن أبي كبشة ثم أنه صلى الله عليه وسلم جعل يسفه عقول المشركين ويبين بطلان عبادتهم للأصنام فاجتمعت قريش إلى أبي طالب أكثر من مرة ليمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك وهددوه فأشار أبو طالب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبقي عليه وعلى نفسه فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عمه سيخذله فشق ذلك عليه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عم قال يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه ثم بكى وانصرف فناداه عمه وقال له يا ابن أخي قل ما اخترت فوالله لا أسلمك إليهم أبداً فاستمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعوة وازداد أذى قومه له بالقول وبالفعل فكان أبو جهل إذا رآه يصلي نهاه وأغلظ عليه وقال له ألم انهك وكان مرة يصلي وحوله ملأ من قريش فقال بعضهم لبعض أيكم يعمد إلى جذور آل فلان فيأتي بدمها وسلاها فيضعه بين كتفي محمد إذا سجد فانبعث أشقى القوم فأتى به فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وضعه الشقي بين كتفيه فثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجدا والقوم يضحكون ويسخرون حتى جاءت ابنته فاطمة وهي جويرية صغيرة فألقت عنه السلى والدم فدعى الله تعالى عليهم على هؤلاء حتى قتلوا في بدر وسحبوا والقوا في قليبها ولله الحمد و كانوا يرمون القذر على باب النبي صلى الله عليه وسلم فيخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فيطرحه ويقول أي جوار أي جوار هذا واشتد أذى قريش لمن آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا يعذبون أصحابه يعذبونهم بالطعن والضرب والنار فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوي أصحابه ويشجعهم على الصبر قال لعمار بن ياسر وأهله وهم يعذبون صبراً يا آل يا سر فإن موعدكم الجنة ولما رأى اشتداد الأمر بأصحابه أذن لهم بالهجرة وقال تفرقوا في الأرض فإن الله سيجمعكم وأشار إلى الحبشة فهاجر إليها في السنة الخامسة من البعثة عشرة رجال وخمسة نساء ثم رجعوا بعد ثلاثة أشهر ولكن المشركين ما زال أذاهم يستمر وشرهم يستفحل فإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجرة مرة ثانية إلى الحبشة في السنة السابعة من البعثة فهاجر إليها فوق الثمانين من الرجال ودون العشرين من النساء فأكرمهم النجاشي وجعل لهم الحرية في دينهم أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فبقي في مكة يلاقي الشدائد والبلايا من أذية كفار قريش له وهو صابر محتسب منفذ لأمر الله وقد مات عمه أبو طالب وزوجته خديجة رضي الله عنها في السنة العاشرة من البعثة فاشتد الأمر على النبي صلى الله عليه وسلم حين فقد زوجته التي توفر عليه الأمور وعمه الذي يدافع عنه ثم خرج صلى الله عليه وسلم إلى الطائف يدعو قبائل ثقيف إلى الإسلام فلم يجد منهم إلا السخرية والأذى و رموه بالحجارة حتى أدموا عقبيه فرجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه انطلقت يعني من الطائف وأنا مهموم على وجهي فلم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام فناداني فقال إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث لك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم ثم ناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال قد بعثني إليك ربك لتأمرني بما شئت أن أطبق عليهم الأخشبين فقال رسول الله صلى عليه وسلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً ثم دخل مكة صلى الله عليه وسلم في جوار المطعم بن عدي وصار يعرض نفسه على القبائل في المواسم كلها من يتتبع الناس في منازلهم يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له و بينما هو عند العقبة لقي رهطاً من الخزرج أراد الله بهم خيراً فعرض عليهم الإسلام وتلى عليهم القرآن فلما رجعوا إلى قومهم بالمدينة أخبروهم ودعوهم إلى الإسلام حتى فشى فيهم فلما كان العام المقبل قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أثنى عشر رجلاً منهم فبايعوه وبعث معهم مصعب بن عمير يقرئهم القرآن ويعلمهم الإسلام فكبر الإسلام في المدينة ولما كان العام المقبل قدم من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو سبعين رجلاً وامرأتان فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم إذا هاجر إليهم فكان في ذلك خير للإسلام وفخر عظيم للأنصار رضي الله عنهم أيها المسلمون إن فيما جرى على رسول الله صلى الله عليه وسلم في تبليغ دعوة الإسلام من الأذى والتعب والمشقة لعبرة لأولي الأبصار فاتقوا الله أيها المسلمون واعتبروا اعتبروا بما كان عليه هذا النبي العظيم من الأناة والحلم فهذا ملك الجبال يستأذنه أن يطبق على أهل مكة الأخشبين ولكن له النظر البعيد والحكمة التي هي أعلى حكمة في المخلوق قال إني لأرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً وقد حقق الله له رجاءه فخرج من أصلاب هؤلاء المشركين من عبدوا الله ولم يشركوا به شيئاً وزادوا عن الإسلام وحوذة الإسلام و الحمد لله رب العالمين واسأل الله أن يثبتنا جميعا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم الحمد لله على إحسانه وأشكره على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته وربوبيته وسلطانه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المؤيد ببرهانه الداعي إلى جنته ورضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأنصاره و أعوانه وسلم تسليما
أما بعد

أيها المسلمون اتقوا الله تعالى وخذوا مما جرى لنبيكم صلى الله عليه وسلم عبرة في الصبر على الدعوة إلى الله عز وجل وعلى ما يصيبه في جانب ذلك لو شاء الله تعالى لم يكن ما جرى ولكنه سبحانه شاء ذلك لحكمة لأجل أن ينال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلى درجات الصابرين ولأجل أن يتخذ الدعاة إلى الله من هذا عبرة يسيرون بها وعليها ولقد كان المصلحون من هذه الأمة يجري عليهم شيء كثير من الأذى من أعداء أهل الخير فالإمام أحمد رحمه الله أوذي في الله عز وجل حتى إنه ليسحب بالبغلة في السوق ويضرب بالسوط حتى يغمى عليه لماذا لأنه دعى الناس إلى أن يقولوا إن كتاب الله هو كلام الله منزل غير مخلوق وهذا ابن تيميه رحمه الله حصل له من الأذى والحبس والضرب ما يحصل بسبب أنه صدع بالحق ودعى إلى الله حتى إنه مات مسجوناً بقلعة دمشق وكل من تأمل ما جرى للدعاة المسلمين عرف ما لله تعالى من الحكمة في ذلك فاصبروا أيها المسلمون اصبروا على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله عز وجل وكونوا عند الدعوة إلى الله وعند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كونوا مريدين للإصلاح لا للأنتقام ولا للحقد والبغضاء فإن بعض الناس يكون عنده من الغيرة ما عنده ولكنه عندما يأمر تجده يأمر بحقد وعنف وبغضاء لا لا يفعل وإنما يأمر بلين ورفق حسب ما تطلبه الحال وينبغي أيضاً أن ينوي بأمره ونهيه إقامة دين الله عز وجل وإصلاح عباد الله وهو مع النية الصالحة والطريقة المحكمة سوف يصل إلى غرضه ومقصودة بإذن الله ولكن أن لن يعلن كثيراً من المصلحين هو أنهم يأتون بعنف ويأتون وقلوبهم مملوءة بالحقد على أهل الشر والفساد صحيح أنه لا يجوز أن نحب فسق أهل الفسق أو فساد أهل الفساد ولكن يجب علينا أن نداويهم بالدواء الناجع لأن أهل الفسق والفساد هم مرضى بل أشد من المرضى فإذا كان المريض الذي أصيب بداء في بدنه يذهب به إلى المستشفى ليعالج برفق فهكذا أيضاً المريض الذي أصيب بمرض في قلبه وسلوكه ينبغي أن يعامل بالرفق و اللين لعل الله تعالى أن يهديه وبهذه الطريق يكون الإنسان فاعلاً لما أوجب الله تاركاً ما أمر الله به في قوله ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل: من الآية125)وليعلم الإنسان وليعلم الإنسان الذي اتاه الله علماً أن عليه من المسئولية أكثر مما على الإنسان الذي لا يعلم الله تبارك وتعالى قال لنبيه (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلا ًفَاصْبِرْ لِحُكْمِ ربك ) لما ذكر الله منته عليه بنزول القرآن الذي هو العلم أمره أن يصبر إشارة إلى أنه سوف يلاقي ما يلاقي من إبلاغ هذا القرآن والدعوة إلى طريقه فعليكم أيها المسلمون أن تكون هداة مهتدين ودعاة مصلحين تريدون بدعوتكم إقامة دين الله ونفع عباد الله والله تعالى سوف يثيبكم على قصدكم وعلى عملكم سواء اهتدى من دعوتموه أم لم يهتدي فالله يقول لرسوله:( ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء) ( فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) فهو ليس مسيطرا على أحد ولكن من تولى وكفر فسيجد عذابه عند الله عز وجل ....

محمد صالح العثيمين رحمه الله تعالى

دعوة الحق
07-16-2004, 11:57 PM
جزاك الله خيرا

12d8c7a34f47c2e9d3==