المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقال لأحد المنصفين من سحاب


كيف حالك ؟

المقنع الكندي
07-05-2004, 11:25 PM
واقع الكُتّاب المؤلم
في هذه الأيام ، وفي أمثالها ما أحوجنا إلى لحظات هادئة نترسم فيها خطا العلماء الفحول ، بعيدا عن توتر الواقع ، ومنافسة الأقران - لا أعني العلماء - ، وتصفية الحسابات ، واستغلال المواقف والكلمات .....

ورمي الكلام على عواهنه ، وتجاوز المنقول عن العلماء بالزيادة والنقصان ، باللفظ أو بالقصد .
وسبحان الله ! وسط هذا التهارج والتناصر بالباطل لو كذب أحد كذبة لَما أحسّ به أحد ، ولَما سَأل أحد أحدا من أخبرك بهذا ؟!

وما أشبه الليلة بالبارحة ، إذ يقول ذاك المحدث لذاك الكوفي - منكرا حالهم - : أنتم الذين يأتيكم الحديث شبرا ويعود ذراعا ؟! وهذا ليس من الكذب فقط ، وإنما من الغفلة كثيرا .

والتوسع غير المرضي في تطبيق إطلاقات العلماء على الأفراد ممن قد لا يعنونه ، ويظن هذا الصبي المجتهد ! أنه تبعٌ في ذلك للعلماء بتطبيقه الأحكام المطلقة على من يظن شموله الإطلاق له - ولا أعني من نصّوا عليه من الرجال فاتباعهم في ذلك هو المطلوب شرعا وليس هذا مقام الكلام في ذلك - .

والتنصّب والكلام مقام العلماء ، وإنما تكلموا بما تكلموا به لمكانتهم من العلم والإيمان ، ولمكانهم بين الناس ، بما لا يجيز لغيرهم أن يقوم مقامهم متكلما بنحو ما تكلموا به من عنده بغير ما قالوه .

وأصبح كل شيء مكشوفا للعامة المدققين ! الباحثين ! المحققين ! الحكماء ! ، وكل الناس مكشوفين لديهم ، الكذب لا ينطلي عليهم ، فيرمون به الكثير ! والهوى قرائنه ظاهرة لهم لا غبار عليها ، فلا ينفك حوار إلا وصم أحدهم الآخر به ! ما شاء الله ! ما أدري لماذا حال الأمة مترديا وهذا الزخم الكبير من العلماء ملقى في كل ناحية ؟!

وأصبح ما كان مُنكرا من قبل معروفا ، وانقلب المعروف منكرا !! فوقع السلفي فيما كان ينكر على المآربة ، قواعد شتى نراها تُجدّد ، الكلام حول التقليد والكلام حول الدليل ، وتفصيل المسائل بما لم يذكره أهل العلم ، وإنما هي ثمرة النقاشات والمشاحنات والغلبة - وهو من أسباب تحذير السلف من المناظرات - .

ولا ننس التلاعب بالألقاب ، حتى يخشى الإنسان أن يكتب لقبا قبل أحد ، فيُحاسب إذا أغفله عن غيره ، مع أنه إنما تركه نسيانا .

وجمع أخطاء الناصح وتناقضاته في نظر المنصوح ومن يتعصب له ، وفي مقابله من يصطاد في الماء العكر مستغلا نصيحة ، فيجعلها تحذيرا عاما ، وانتقص المنصوح ، وابتذل الكلام عنه ومعه ، وأسقط ما قاله بالأمس برضا الناصح وعلمه وتأييده ، وأصبح جاهلا من أمسى عالما !!!!!

والإساءة إلى مشايخ الأمس - سواء كانوا مصيبين أو مخطئين -

وكل ذلك تركة أبي الحسن المأربي !

ولو ذكرت ردهم الاستدلال الخطأ باستدلال أبطل منه لطال المقام ...

إلى غير ذلك من أمور يئنّ بها الصدر ، ولا مجال الآن لكتابة كل ما يدور بالذهن ، لكن لعلي أنقل كل مرة نقلا عن أحد الأئمة فيه بعض الوصف لما يقع فيه بعض الشباب الآن من تعدي لحرمات الله بمسمى الشرع .

ومن أنصف نفسه وتذكر وقوفه بين يدي ربه ، سيعلم هل يشمله هذا المنقول أم لا يشمله ، والإنصاف عزيز .

ولا أُبرّئ نفسي فليس كل من نصح فقد ادّعى البراءة ، وإنما هو التعاون على البر والتقوى ، ولا أعني كذلك كل الأخوة أو أغلبهم ، ولكنهم شريحة ليست قليلة ، والمصيبة أنهم أكثر الناس كلاما وكتابة وصياحا .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه ( بيان الدليل في إبطال التحليل ) ص193 بعد أن شدّد في حال أصحاب الحيل الفقهية ، ونقل ما نقل من تشديد السلف في أصحابها ، والكلمات الغليظة التي قالوها فيهم ، وأنهم أعظموا أمرهم إعظامهم القول في أهل البدع .... :

( وإنما ذكرنا مثل هذا الكلام على استكراه شديد منا لها يشبه الغيبة ، فضلا عن الوقيعة في أعراض بعض أهل العلم ، ولكن وجوب النصيحة اضطرنا إلى أن ننبه على ما عيب على بعض المفتين من الدخول في الحيل .

ونحن نرجو أن يغفر الله سبحانه لمن اجتهد فأخطأ ، فإن كثيرا ممن يسمع كلمات العلماء الغليظة قد لا يعرف مخرجها ، وكثير من الناس يروونها رواية متشف متعصب ، مع أنهم دائما يفعلون في الفتيا أقبح مما عيب به من عيب ، مع كون أولئك كانوا أعلم وأفقه وأتقى ، ولو علم السبب في ذلك الكلام وهدي رشده لكان اعتباره بمن سلف يكفه عن أن يقع في أقبح مما وقع فيه أولئك ، ولكان شغله بصلاح نفسه استغفارا وشكرا يشغله عن ذكر عيوب الناس على سبيل الاستشفاء والتعصب ، وأن كثيرا ممن يخالف المشرقيين في مذهبهم ويرى أنه اتبع للسنة والأثر وأخذا بالحديث منهم يتوسع في الحيل ويرق الدين وينقض عرى الإسلام ، ويفعل في ذلك قريبا أو أكثر مما يحكى عنهم ، حتى دأب هذا الداء إلى كثير من فقهاء الطوائف ..... )


يقول أبوخليفة :

انظروا له كيف يتحرّز ويتورع في كلماته ، في مثل هؤلاء ، وشيخ الإسلام ممن تعلمنا منه الشدة على أهل الأهواء والبدع ، وممن تعلمنا منه إنكار ما خالف السنة ، وكلامه هذا في أمر - أعني إنكار الحيل - هو أوضح من كثير مما يلج الشباب فيه إلى تراقيهم ، ويجلبون فيه بخيلهم ورجلهم من دقائق العلم ، ثم يتشاتمون لأجله ، ولو اكتفوا بنقل كلام أهل العلم المأمونين سواء وافقوهم أو خالفوهم لكان لهم في ذلك غنية عن كثير من الغي ، فَتَبِعات خطأ العالم مغفورة بخلاف تعدي الجاهل ، مع كون العلماء موفقين للصواب في الغالب .

قال ابن تيمية في القواعد النورانية (ص150- 152الفقي ) وهو يتكلم عن صدور قولين متناقضين من عالم واحد :

( .. وأما الجمهور الذين يقولون إن لله حكما في الباطن ، علمه في إحدى المقالتين ولم يعلمه في المقالة التي تناقضها ، وعدم علمه به مع اجتهاده مغفور له ، مع ما يثاب عليه من قصده للحق واجتهاده في طلبه ......

... هذا فيمن يتقي الله فيما يقوله ، مع علمه بتقواه ، وسلوكه الطريق الراشد .

أما أهل الأهواء والخصومات فهم مذمومون في مناقضاتهم ، لأنهم يتكلون بغيرعلم ، ولا حسن قصد لما يجب قصده .
.
....... وسبب الفرق بين أهل العلم وأهل الأهواء - مع وجود الاختلاف في قول كل منهما – أن العالم قد فعل ما أمر به من حسن القصد والاجتهاد ، وهو مأمور في الظاهر باعتقاد ما قام عنده دليله ، وإن لم يكن مطابقا ، لكن اعتقادا ليس بيقيني ، كما يؤمر الحاكم بتصديق الشاهدين ذوي العدل ، وإن كانا في الباطن قد أخطآ أو كذبا ، وكما يؤمر المفتي بتصديق المخبر العدل الضابط ، أو باتباع الظاهر ، فيعتقد ما دل عليه ذلك ، وإن لم يكن ذلك الاعتقاد مطابقا .

فالاعتقاد المطلوب هو الذي يغلب على الظن مما يؤمر به العباد ، وإن كان قد يكون غير مطابق ، وإن لم يكونوا مأمورين في الباطن باعتقاد غير مطابق قط .

فإذا اعتقد العالم اعتقادين متناقضين في قضية أو قضيتين مع قصده لحق واتباعه لما أمر باتباعه من الكتاب والحكمة ؛ عذر لما لم يعلمه ، وهو الخطأ المرفوع عنا .

بخلاف أهل الأهواء فإنهم {إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس } ، ويجزمون بما يقولونه بالظن والهوى جزما لا يقبل النقيض ، مع عدم العلم بجزمه ، فيعتقدون ما لم يؤمروا باعتقاده ، لا باطنا ولا ظاهرا ، ويقصدون ما لم يؤمروا بقصده ، ويجتهدون اجتهادا لم يؤمروا به ، فلم يصدر عنهم من الاجتهاد والقصد ما يقتضي مغفرة ما لم يعلموه ، فكانوا ظالمين ، شبيها بالمغضوب عليهم ، أو جاهلين شبيها بالضالين .

فالمجتهد الاجتهاد العلمي المحض ليس له غرض سوى الحق ، وقد سلك طريقه ، وأما متبع الهوى المحض فهو من يعلم الحق ويعاند عنه .

وثم قسم آخر - وهم غالب الناس - وهو أن يكون له هوى ، وله في الأمر الذي قصد إليه شبهة ، فتجتمع الشهوة والشبهة ، ولهذا جاء في حديث مرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات ، ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات ) .

فالمجتهد المحض مغفور له ، أو مأجور ، وصاحب الهوى المحض مستوجب للعذاب ، وأما المجتهد الاجتهاد المركب على شبهة وهوى فهو مسيء ، وهم في ذلك على درجات بحسب ما يغلب ، وبحسب الحسنات الماحية ، وأكثر المتأخرين من المنتسبين إلى فقه أو تصوف مبتلون بذلك ) .


أسأل الله أن يأخذ بأيدينا جميعا لمتابعة السلف حقا وصدقا ، وهو السبيل ، والصراط المستقيم ، وهو متابعة الكتاب والسنة ، وهوالإسلام بصفائه ونقائه .

12d8c7a34f47c2e9d3==