عون
07-02-2004, 03:07 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه وبعد
ان الايمان عند اهل السنة السلفيين هو قول وعمل يزيد وينقص وان اعمال الجوارح داخلة في الايمان بل انها جزء منه وتعتبر شرط صحة في الايمان وقد خالف المرجئة ذلك وروجوا بعض الشبه في ذلك وقد رد عليهم اهل السنة وبينوا مخالفتهم لمنهج سلفنا الصالح، ومن الامور التي يستشهد بها المرجئة حديث الشفاعة وحديث البطاقة ودونك التفصيل:
قولهم إن الله يخرج من النار من قال لا إله إلا الله:
وهذه الشبهة لمن جهلوا هذه العقيدة ووقعوا في معتقد الإرجاء قولهم: أليس الله سبحانه وتعالى يخرج من النار من قال لا إله إلا الله !؟ قالوا فدل ذلك على أنه من اكتفى في حياته بقول لا إله إلا الله مصدقاً بها في قلبه فإن عنده أصل الإيمان ولا يخرج منه ولو ترك العمل كله، ولا يخلد في النار. قالوا فدل ذلك على أن تارك العمل كله ليس بكافر مخلد في النار ما دام أنه قال كلمة لا إله إلا الله بلسانه مصدقاً بها في قلبه:
وجواب هذه الشبهة من وجوه:
1) ما سبق وأن حررناه في الباب الأول من هذه الرسالة بأدلته من الكتاب والسنة والإجماع وأقوال أهل العلم ومعتقد أهل السنة أن تارك العمل اختياراً فاقد لأصل الإيمان وأنه كافر على الحقيقة، كاذب في دعواه الإيمان.(1)
2) أن باب الشفاعة يوم القيامة، وإخراج عصاة المؤمنين من النار هذا باب لفضل الله ورحمته ومشيئته كما قال سبحانه وتعالى:{إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} فإذا شاء سبحانه وتعالى أن يغفر لبعض عباده ممن لا يشرك به شيئاً فهذا فضله ورحمته، فثم من يعذب في النار بذنب واحد، وثم من يغفر الله له سبعين سجلاً كل سجل مد البصر، والله هو العليم الحكيم سبحانه وتعالى.
3) لا يجوز التسوية بين تارك العمل اختياراً وكسلاً وإعراضاً وبين المضطر المعذور في ترك العمل كمن عاش في أوساط الكفار وهو ضعيف الحيلة، كما قال سبحانه وتعالى:{إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً * إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفوراً} فهؤلاء قد عفا الله عنهم لعذرهم، وأولئك خلدوا في النار بإهمالهم وإعراضهم !!
والذين استهزءوا بآيات الله ورسوله والمؤمنين: قال تعالى فيهم:{لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} أخبر سبحانه وتعالى أن منهم من قال الله عذبتهم، ومنهم من غضب عليه ولعنه قال تعالى:{إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين}.
فالله أعلم بقلوب عباده، وأخبر بذنوبهم.
4) أكثر روايات حديث الشفاعة ليس فيها هذه الزيادة: " لم يعملوا خيراً قط " . بل معرفة أكثر روايات هذا الحديث ليس فيها هذه الزيادة، بل مصرحة بأن الجهنميين هم من أهل الصلاة ومن العاملين، فإذا ضممنا هذه الروايات إلى النصوص الصريحة في تكفير تارك الصلاة، لم تنهض تلك الزيادة على معارضتها، فوجب أن تفهم كما تفهم الألفاظ المعارضة للأدلة الصحيحة الصريحة، مما هو معلوم في أبواب التعارض والترجيح.
أولاً: من جهة الترجيح:
أن يقال: أن الروايات التي لم تذكر فيها هذه الزيادة، أرجح من تلك؛ من حيث كثرتها وموافقتها للأصول القطعية في أنه لن يدخل الجنة إلا مؤمن، وأن الإيمان قول وعمل.
فمثلاً رواية أبي هريرة عن البخاري هذا نصها: " حتى إذا فرغَ اللّهُ من القضاءِ بين العباد، وأَراد أَن يُخرج برحمِتِه من أَراد من أَهل النار أمر الملائكة أن يُخرجوا من النار من كان لا يُشركُ باللّه شيئاً ممّن أراد اللّه أن يرحمه ممّن يشهدُ أن لا إله إلا اللّهُ فيعرفونهم في النار بأثرِ السجودِ، تأكل النارُ ابن آدمَ إلا أثرَ السّجودِ، حرّم اللّه على النار أن تأكلَ أثرَ السجودِ، فيخرجونَ من النار قد امتُحِشوا فيُصَبّ عليهم ماءُ الحياةِ فَيَنبُتُون تحتَه كما تنبُت الحِبّةُ في حَميل السّيْل ". فهذه الرواية متفق عليها بين الشيخين. وفي رواية البخاري في الأذان، يشترك سعيد بن المسيب سيد التابعين في روايتها مع عطاء بن يزيد، قال بعد تمام الحديث: " وأبو سعيد الخدري جالس مع أبي هريرة لا يغير عليه شيئاً من حديثه – ورواية مسلم لا يرد عليه من حديثه شيئاً – حتى انتهى إلى قوله (آخر الحديث): هذا لك ومثله معه. قال أبو سعيد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " هذا لك وعشرة أمثاله ". قال أبو هريرة: حفظت مثله معه.
وفي رواية مسلم والبخاري في التوحيد: حتى إذا حدث أبو هريرة أن الله قال لذلك الرجل: ومثله معه. قال أبو سعيد: وعشرة أمثاله معه يا أبا هريرة، قال أبو هريرة: ما حفظت إلا قوله: لك ذلك ومثله معه. قال أبو سعيد: أشهد أني حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: ذلك لك وعشرة أمثاله.
فهذا مما يرجح هذه الرواية؛ لا تفاق كلا الصحابيين عليها، وتصريح التابعي بأن أبا سعيد لم يغير، أو لم يرد على أبي هريرة إلا ما ذكر، فلديه زيادة علم ترجح روايته على رواية عطاء بن يسار عن أبي سعيد منفرداً، لا سيما وقد شاركه فيه سعيد بن المسيب، كما في رواية البخاري في الأذان.
ومما يقويه أن عطاء بن يسار نفسه عند البخاري، لم يرد فيها قوله: " لم يعملوا خيراً قط "، وهذا لفظها: " فما أنتم بأشَدّ لي مناشدةً في الحقّ قد تبينَ لكم من المؤمنين يومئذٍ للجبّار، وإذا رأَوْا أَنهم قد نَجوْا في إخوانِهم يقولون: ربّنا إخواننا الذين كانوا يصلون مَعَنا ويصومون معنا ويعملون معنا، فيقول اللّه تعالى: اذهبوا فمنْ وجَدتم في قلبه مثقال دينارٍ مِن إيمانٍ فأَخرِجوه، ويحرّمُ اللّهُ صُورَهُم على النارِ فيَأْتونهم وبعضهم قد غَاب في النار إلى قدمه وإلى أَنصافِ ساقيْهِ فيُخرِجونَ مَن عَرفوا ثم يَعودون، فيقول: اذهبوا فمن وَجَدْتم في قلبه مثقال نصف دينارٍ فأَخرجوه فيخرجون من عَرفوا ثم يَعودون، فيقول: اذهبوا فمنْ وجدْتم في قلبه مثقال ذرةٍ من إيمانٍ فأخرجوه فيُخرِجون من عَرفوا، قال أَبو سعيدٍ: فإِن لم تصدّقوني فاقرءوا:)إنّ اللّهَ لا يظلمُ مثقال ذرّةٍ، وإنْ تك حسنَةً يُضاعِفها( يَشفَعُ النبيّون والملائكة والمؤمنون، فيقول الجَبّارُ: بقيت شفاعتي فيقبضُ قبضةً من النار فيُخرجُ أَقواماً قد امتُحِشوا فيلقَوْن في نهر بأَفواهِ الجنّةِ يُقال له ماءُ الحياة فينبُتُون في حافَتَيه كما تنبت الحَبّةُ في حميل السّيْل ". ثم يذكر ما سبق من قول أهل الجنة: " هؤلاء عتقاء الرحمن، أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه..." فلم يرد فيه ما يدل على عدم العمل، إلا قول أهل الجنة، وهم إما يقولون حسب ظاهر ما يعلمون كما جاء في فيه " فيخرجون من عرفوا " فإن كانت المعرفة بحسب عملهم به في الدنيا، فلا يخفى أن من الناس لا يعرف المؤمنون أن فيه خيراً، إن كانت بحسب أثر السجود -كما في الرواية الأخرى- فلا يبعد أن يكون في بعض المصلين من إساءة للصلاة، والإهمال الشديد في أدائها، مما لا يحصل له معه علامة ظاهرة للمؤمنين. والله أعلم.
أما سائر روايات الحديث عن الصحابة الآخرين، وعن أبي سعيد في غير تلك الرواية، فلا ذكر فيها لنفي العمل، بل هي كما رأينا مصرحة بأنهم من أهل الصلاة. وعليه فإن لم نقل: إن تلك الروايات غير محفوظة، نقول: لا بد من توجيهها وتخريجها بما يتفق والأصول والنصوص الأخرى.
ومن ذلك: ما قاله الإمام أبو بكر بن خزيمة - رحمه الله -: قال: " هذه اللفظة " لم يعملوا خيراً قط "، من الجنس الذي تقوله العرب بنفي الاسم عن الشيء لنقصه عن الكمال والتمام، فمعنى هذه اللفظة على هذا الأصل لم يعملوا خيراً قط على التمام والكمال، لا على ما أوجب عليه وأمر به ". قال: " وقد بينت هذا المعنى في مواضع كتبي ".
أقول: وهذا التوجيه يشهد له حديث المسيء صلاته، حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم : " ارجع فصلِ فإنك لم تصل "، فنفى صلاته مع وقوعها، والراد نفى صحة أدائها، وبه استدل أبو عبيد رحمه الله في مثل هذا.
وكذلك حديث قاتل المائة نفس الذي جاء: " لم يعمل خيراً قط "؛ لأنه توجه تلقاء الأرض الصالحة، فمات قبل أن يصلها، فرأت ملائكة العذاب أنه لم يعمل خيراً قط بعد؛ إذ لم يزد على أن شرع في سبيل التوبة؛ ولهذا حكم الله تعالى بينهما وبين ملائكة الرحمة بقياس الأرض وإلحاقه بأقرب الدارين، ثم قبض هذه وباعد تلك؛ رحمة منه وإلا كان يهلك.
وفي حديث الرجل الذي أوصى أهله أن يحرقوه بعد وفاته خوفاً من الله: " قال رجل لم يعمل خيراً قط إذا مات فحرقوه..." ولمسلم: " قال رجل لم يعمل حسنة قط لأهله: إذا مات فحرقوه...".
وقد فسرتها الرواية التي بعدها: " أسرف رجل على نفسه- أو أسرف عبد على نفسه ". ومما يؤيد ذلك أنه قد ورد في بعض روايات حديث الجهنميين هذا، أن هذا الرجل منهم، حيث ذكرت أنه آخر أهل النار خروجاً منها.
5) أن هؤلاء الذين يخرجون من النار برحمة الله سبحانه وتعالى..لم يأت في القرآن ولا في السنة ولا في قول صاحب أنهم قد كانوا تاركي الصلاة والزكاة والعمل كله. بل الذين يقولون هذا القول قالوا ذلك بفهمهم ورأيهم، وهذا الفهم والرأي إنما هو احتمال بعيد من جملة احتمالات، وإذا وجد الاحتمال بطل الاستدلال، فكيف والقرآن كله شاهد بغير ذلك وأنه لا دخول للجنة إلا بالعمل الصالح مع الإيمان، فكيف ينفي الكتاب والسنة والإجماع ومعتقد أهل السنة لفهم قاصر هو أحد الاحتمالات والدلالات البعيدة في نص واحد من النصوص.
6) هذا وقد يمكن توجيه هذه النصوص التي تقول بظاهرها إن الشفاعة قد تنال أقواماً لم يعملوا خيراً قط بحالات وأمثلة تدخل في ذلك وقد دلت عليها نصوص أخرى فمنها على سبيل المثال والله تعالى أعلم:
أ- سكان الأطراف البعيدة والجزر النائية، ممن لم يصلهم من الإسلام إلا اسمه، وينتشر فيهم الشرك والجهل بالدين، فهم غافلون عنه أو معرضون عمن تعلمه، ولا يعرفون من أحكامه شيئاً، فهؤلاء لا شك أن فيهم المعذور وفيهم المؤاخذ. والمؤاخذون درجات. فقد يخرج بعضهم عن حكم الإسلام بمرة، وقد يكون ممن لا يخلد في النار...وهكذا مما لا يعلم حقيقته إلا علام الغيوب.
ب- بعض شرار الناس آخر الزمان، حين يفشو الجهل، ويندرس الدين، وعلى هذا جاء حيث حذيفة مرفوعاً: قَالَ رَسُولُ اللّهِ e: « يَدْرُسُ الإِسْلاَمُ كَمَا يَدْرُسُ وَشْيُ الثّوْبِ. حَتّى لاَ يُدْرَىَ مَا صِيَامٌ وَلاَ صَلاَةٌ وَلاَ نُسُكٌ وَلاَ صَدَقَةٌ. وَلَيُسْرَىَ عَلَى كِتَابِ اللّهِ، عَزّ وَجَلّ، فِي لَيْلَةٍ. فَلاَ يَبْقَى فِي الأَرْضِ مِنْهُ آيَةٌ. وَتَبْقَى طَوَائِفُ مِنَ النّاسِ، الشّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْعَجُوزُ. يَقُولُونَ: أَدْرَكْنَا آبَاءَنَا عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ: لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ. فَنَحْنُ نَقُولُهَا » فَقَالَ لَهُ صِلَةُ: مَا تُغُنِي عَنْهُمْ: لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ، وَهُمْ لاَ يَدْرُونَ مَا صَلاَةٌ وَلاَ صِيَامٌ وَلاَ نُسُكٌ وَلاَ صَدَقَةٌ ؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ حُذَيْفَةُ. ثُمّ رَدّهَا عَلَيْهِ ثَلاَثاً. كُلّ ذَلِكَ يُعْرِضُ عَنْهُ حُذَيْفَةُ. ثُمّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ فِي الثّالِثَةِ، فَقَالَ: « يَا صِلَةُ تُنْجِيهِمْ مِنَ النّارِ » [3]. وهذا الحديث بقدر ما يدل على نجاة مخصوصة هو يدل على الأصل والقاعدة ألا ترى أن التابعي عجب وألح في سؤال الصحابي وما ذاك إلا لما علمه التابعون من إجماع الصحابة y على أن تارك العمل ليس بمؤمن ولا ينجو في الدنيا من سيف المؤمنين ولا في الآخرة من عذاب رب العالمين. والله أعلم.
ت- ومنها من عاشوا في أوساط الكفار، ولم يظهروا شيئاً من أحكام الإسلام ولا عملوا بشيء من أحكام الدين، ولم يهاجروا إلى أرض الإسلام فقد ذكر الله أن هؤلاء من تناله الشفاعة يوم القيامة قال تعالى:)إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً + إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفوراً.
[line]
الحاشية:
(1)قلت يقصد كلام اهل العلم في هذه المسالة وهذه بعض النقولات من كلام اهل العلم في ان تارك جنس العمل كافر غير مؤمن:
الحمدلله القائل{إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه}
وبعد,
فقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وقد تقدم أن جنس الأعمال من لوازم ايمان القلب, وأن ايمان القلب التام بدون شىء من الأعمال الظاهرة ممتنع,سواء جعل الظاهر من لوازم الإيمان, أو جزء من الإيمان كما تقدم بيانه"! [مج الفتاوى:7|616] .
وقال أيضا:" فقول السلف:[الإيمان]قول وعمل ليبينوا اشتماله على الجنس , ولم يكن مقصودهم ذكر صفات الأقوال والأعمال". [مج الفتاوى:7\506].
وقال رحمه الله : " لو قدر أن قوما قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم : نحن نؤمن بما جئتنا به بقلوبنا من غير شك؛ونقر بألسنتنا بالشهادتين, إلا أنا لا نطيعك فى شىء مما أمرت به ونهيت عنه..كل مسلم يعلم بالإضطرار أنه يقول لهم:أنتم أكفر الناس بما جئت به, ويضرب رقابهم إن لم يتوبوا من ذلك." [مج:7\287].
وقال أيضا: "فمن قال :ان الأعمال الظاهرة المأمور بها ليست من الإسلام,فقوله باطل" [7\370]
..إلى أن قال: " بل قد أنكر أحمد هذا الجواب, وهو قول من قال:يطلق عليه الإسلام وإن لم يعمل,متابعة لحديث جبريل".
وقال أيضا : " هنا قولين متطرفين: قول من يقول :الإسلام مجرد الكلمة, والأعمال الظاهرة ليست داخلة فى مسمى الإسلام, وقول من يقول مسمى الإسلام والإيمان واحد" [7\375].
وقال أيضا: "فالإسلام" يتناول من أظهر الإسلام وليس معه شىء من الإيمان, وهو المنافق المحض, ويتناول من أظهر الإسلام مع التصديق المجمل فى الباطن ولكن لم يفعل الواجب كله لا من هذا ولا من هذا, وهم الفساق" [7\427].
وقال: " يمتنع أن يكون الرجل مؤمنا بالله ورسوله بقلبه أو بقلبه ولسانه ولم يؤد واجبا ظاهرا" [مج:7\621].
وقال رحمه الله : " فإذا خلا العبد عن العمل بالكلية لم يكن مؤمنا..فإن حقيقة الدين هو الطاعة والإنقياد وذلك إنما يتم بالفعل لا بالقول فقط فمن لم يفعل لله شيئا فما دان لله دينا ومن لا دين له فهو كافر" [شرح العمدة:كتاب الصلاة:86].
وقال : " اختلفوا فى تكفير من قال:ان المعرفة تنفع من غير عمل الجوارح" [الصارم المسلول:524].
وقال فى الإصفهانية : " كان الظاهر دليلا على ايمان القلب ثبوتا وانتفاءا".
وقال رحمه الله : " وما كان فى القلب فلا بد ان يظهر موجبه ومقتضاه على الجوارح,وإذا لم يعمل بموجبه ومقتضاه دل على عدمه أو ضعفه".
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله : الإيمان له ظاهر وباطن وظاهره قول اللسان وعمل الجوارح وباطنه تصديق القلب وانقياده ومحبته؛فلا ينفع ظاهر لاباطن له وإن حقن به الدماء وعصم به المال والذرية ولا يجزىء باطن لا ظاهر له إلا إذا تعذر بعجز أو إكراه وخوف هلاك . فتخلف العمل ظاهرا مع عدم المانع دليل على فساد الباطن وخله من الإيمان, ونقصه دليل نقصه, وقوته دليل قوته." [الفوائد:112].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " ما فى القلب مستلزم للعمل الظاهر.وانتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم" [7\294].
ومصداق كلام شيخ الإسلام رحمه الله فى كتاب الله كثير فهناك نحو 390 آية كلها لايذكر فى شىء منها الإيمان إلا مع العمل! فهل ينفكان..اللهم لا..لا..لا!
وقال تعالى {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه}.
قال الحسن وقتادة فى الآية: لا يقبل الله قولا إلا بعمل!
وقوله تعالى {يوم يأتى بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت فى إيمانها خيرا}
قال السدى:خيرا:عملا صالحا.فهؤلاء أهل القبلة" !
وهذا يعنى أن عدم العمل = عدم الإيمان .
قال الإمام محمد بن نصر رحمه الله": ولو أقر , ثم لم يؤد حقه, كان كمن جحده فى المعنى, إذ استويا فى الترك للأداء" [تعظيم قدر الصلاة:517].
قال الوراق : سألت أحمد وذكر عنده المرجئة فقلت له: إنهم يقولون: إذا عرف الرجل ربه بقلبه فهو مؤمن. فقال:المرجئة لا تقول هذا بل الجهمية تقول بهذا.
المرجئة تقول حتى يتكلم بلسانه وإن لم تعمل جوارحه,وهذا كفر" رواه الخلال.
وسئل الشيخ العلامة صالح الفوزان حفظه الله: شهادة أن لاإله إلا الله هى مفتاح دين الإسلام,وأصله الأصيل؛ فهل من نطق بها فقط؛ دخل فى دائرة المسلمين؛ دون عمل؟
الجواب : من نطق بشهادة أن لاإله إلا الله حكم بإسلامه بادىء ذى بدء,وحقن دمه: فإن عمل بمقتضاها ظاهرا وباطنا؛ فهذا مسلم حقا,له البشرى فى الحياة الدنيا والآخرة. وإن عمل بمقتضاها ظاهرا فقط؛ حكم بإسلامه فى الظاهر, وعومل معاملة المسلمين, وفى الباطن هو منافق, يتولى الله حسابه.
وأما إذا لم يعمل بمقتضى لاإله إلا الله, واكتفى بمجرد النطق بها, أو عمل بخلافها؛ فإنه يحكم بردته, ويعامل معاملة المرتدين.
وإن عمل بمقتضاها فى شىء دون شىء؛ فإنه ينظر: فإن كان هذا الذى تركه يقتضى تركه الردة؛فإنه يحكم بردته, كمن ترك الصلاة متعمدا, أو صرف ِيئا من أنواع العبادة لغير الله .
وإن كان هذا الذى تركه لا يقتضى الردة؛ فإنه يعتبر مؤمنا ناقص الإيمان بحسب ما تركه؛ كأصحاب الذنوب التى هى دون الشرك.
وهذا الحكم التفصيلى جاءت به جميع الشرائع السماوية." [المنتقى:1\9].
منقول بتصرف
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه وبعد
ان الايمان عند اهل السنة السلفيين هو قول وعمل يزيد وينقص وان اعمال الجوارح داخلة في الايمان بل انها جزء منه وتعتبر شرط صحة في الايمان وقد خالف المرجئة ذلك وروجوا بعض الشبه في ذلك وقد رد عليهم اهل السنة وبينوا مخالفتهم لمنهج سلفنا الصالح، ومن الامور التي يستشهد بها المرجئة حديث الشفاعة وحديث البطاقة ودونك التفصيل:
قولهم إن الله يخرج من النار من قال لا إله إلا الله:
وهذه الشبهة لمن جهلوا هذه العقيدة ووقعوا في معتقد الإرجاء قولهم: أليس الله سبحانه وتعالى يخرج من النار من قال لا إله إلا الله !؟ قالوا فدل ذلك على أنه من اكتفى في حياته بقول لا إله إلا الله مصدقاً بها في قلبه فإن عنده أصل الإيمان ولا يخرج منه ولو ترك العمل كله، ولا يخلد في النار. قالوا فدل ذلك على أن تارك العمل كله ليس بكافر مخلد في النار ما دام أنه قال كلمة لا إله إلا الله بلسانه مصدقاً بها في قلبه:
وجواب هذه الشبهة من وجوه:
1) ما سبق وأن حررناه في الباب الأول من هذه الرسالة بأدلته من الكتاب والسنة والإجماع وأقوال أهل العلم ومعتقد أهل السنة أن تارك العمل اختياراً فاقد لأصل الإيمان وأنه كافر على الحقيقة، كاذب في دعواه الإيمان.(1)
2) أن باب الشفاعة يوم القيامة، وإخراج عصاة المؤمنين من النار هذا باب لفضل الله ورحمته ومشيئته كما قال سبحانه وتعالى:{إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} فإذا شاء سبحانه وتعالى أن يغفر لبعض عباده ممن لا يشرك به شيئاً فهذا فضله ورحمته، فثم من يعذب في النار بذنب واحد، وثم من يغفر الله له سبعين سجلاً كل سجل مد البصر، والله هو العليم الحكيم سبحانه وتعالى.
3) لا يجوز التسوية بين تارك العمل اختياراً وكسلاً وإعراضاً وبين المضطر المعذور في ترك العمل كمن عاش في أوساط الكفار وهو ضعيف الحيلة، كما قال سبحانه وتعالى:{إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً * إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفوراً} فهؤلاء قد عفا الله عنهم لعذرهم، وأولئك خلدوا في النار بإهمالهم وإعراضهم !!
والذين استهزءوا بآيات الله ورسوله والمؤمنين: قال تعالى فيهم:{لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} أخبر سبحانه وتعالى أن منهم من قال الله عذبتهم، ومنهم من غضب عليه ولعنه قال تعالى:{إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين}.
فالله أعلم بقلوب عباده، وأخبر بذنوبهم.
4) أكثر روايات حديث الشفاعة ليس فيها هذه الزيادة: " لم يعملوا خيراً قط " . بل معرفة أكثر روايات هذا الحديث ليس فيها هذه الزيادة، بل مصرحة بأن الجهنميين هم من أهل الصلاة ومن العاملين، فإذا ضممنا هذه الروايات إلى النصوص الصريحة في تكفير تارك الصلاة، لم تنهض تلك الزيادة على معارضتها، فوجب أن تفهم كما تفهم الألفاظ المعارضة للأدلة الصحيحة الصريحة، مما هو معلوم في أبواب التعارض والترجيح.
أولاً: من جهة الترجيح:
أن يقال: أن الروايات التي لم تذكر فيها هذه الزيادة، أرجح من تلك؛ من حيث كثرتها وموافقتها للأصول القطعية في أنه لن يدخل الجنة إلا مؤمن، وأن الإيمان قول وعمل.
فمثلاً رواية أبي هريرة عن البخاري هذا نصها: " حتى إذا فرغَ اللّهُ من القضاءِ بين العباد، وأَراد أَن يُخرج برحمِتِه من أَراد من أَهل النار أمر الملائكة أن يُخرجوا من النار من كان لا يُشركُ باللّه شيئاً ممّن أراد اللّه أن يرحمه ممّن يشهدُ أن لا إله إلا اللّهُ فيعرفونهم في النار بأثرِ السجودِ، تأكل النارُ ابن آدمَ إلا أثرَ السّجودِ، حرّم اللّه على النار أن تأكلَ أثرَ السجودِ، فيخرجونَ من النار قد امتُحِشوا فيُصَبّ عليهم ماءُ الحياةِ فَيَنبُتُون تحتَه كما تنبُت الحِبّةُ في حَميل السّيْل ". فهذه الرواية متفق عليها بين الشيخين. وفي رواية البخاري في الأذان، يشترك سعيد بن المسيب سيد التابعين في روايتها مع عطاء بن يزيد، قال بعد تمام الحديث: " وأبو سعيد الخدري جالس مع أبي هريرة لا يغير عليه شيئاً من حديثه – ورواية مسلم لا يرد عليه من حديثه شيئاً – حتى انتهى إلى قوله (آخر الحديث): هذا لك ومثله معه. قال أبو سعيد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " هذا لك وعشرة أمثاله ". قال أبو هريرة: حفظت مثله معه.
وفي رواية مسلم والبخاري في التوحيد: حتى إذا حدث أبو هريرة أن الله قال لذلك الرجل: ومثله معه. قال أبو سعيد: وعشرة أمثاله معه يا أبا هريرة، قال أبو هريرة: ما حفظت إلا قوله: لك ذلك ومثله معه. قال أبو سعيد: أشهد أني حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: ذلك لك وعشرة أمثاله.
فهذا مما يرجح هذه الرواية؛ لا تفاق كلا الصحابيين عليها، وتصريح التابعي بأن أبا سعيد لم يغير، أو لم يرد على أبي هريرة إلا ما ذكر، فلديه زيادة علم ترجح روايته على رواية عطاء بن يسار عن أبي سعيد منفرداً، لا سيما وقد شاركه فيه سعيد بن المسيب، كما في رواية البخاري في الأذان.
ومما يقويه أن عطاء بن يسار نفسه عند البخاري، لم يرد فيها قوله: " لم يعملوا خيراً قط "، وهذا لفظها: " فما أنتم بأشَدّ لي مناشدةً في الحقّ قد تبينَ لكم من المؤمنين يومئذٍ للجبّار، وإذا رأَوْا أَنهم قد نَجوْا في إخوانِهم يقولون: ربّنا إخواننا الذين كانوا يصلون مَعَنا ويصومون معنا ويعملون معنا، فيقول اللّه تعالى: اذهبوا فمنْ وجَدتم في قلبه مثقال دينارٍ مِن إيمانٍ فأَخرِجوه، ويحرّمُ اللّهُ صُورَهُم على النارِ فيَأْتونهم وبعضهم قد غَاب في النار إلى قدمه وإلى أَنصافِ ساقيْهِ فيُخرِجونَ مَن عَرفوا ثم يَعودون، فيقول: اذهبوا فمن وَجَدْتم في قلبه مثقال نصف دينارٍ فأَخرجوه فيخرجون من عَرفوا ثم يَعودون، فيقول: اذهبوا فمنْ وجدْتم في قلبه مثقال ذرةٍ من إيمانٍ فأخرجوه فيُخرِجون من عَرفوا، قال أَبو سعيدٍ: فإِن لم تصدّقوني فاقرءوا:)إنّ اللّهَ لا يظلمُ مثقال ذرّةٍ، وإنْ تك حسنَةً يُضاعِفها( يَشفَعُ النبيّون والملائكة والمؤمنون، فيقول الجَبّارُ: بقيت شفاعتي فيقبضُ قبضةً من النار فيُخرجُ أَقواماً قد امتُحِشوا فيلقَوْن في نهر بأَفواهِ الجنّةِ يُقال له ماءُ الحياة فينبُتُون في حافَتَيه كما تنبت الحَبّةُ في حميل السّيْل ". ثم يذكر ما سبق من قول أهل الجنة: " هؤلاء عتقاء الرحمن، أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه..." فلم يرد فيه ما يدل على عدم العمل، إلا قول أهل الجنة، وهم إما يقولون حسب ظاهر ما يعلمون كما جاء في فيه " فيخرجون من عرفوا " فإن كانت المعرفة بحسب عملهم به في الدنيا، فلا يخفى أن من الناس لا يعرف المؤمنون أن فيه خيراً، إن كانت بحسب أثر السجود -كما في الرواية الأخرى- فلا يبعد أن يكون في بعض المصلين من إساءة للصلاة، والإهمال الشديد في أدائها، مما لا يحصل له معه علامة ظاهرة للمؤمنين. والله أعلم.
أما سائر روايات الحديث عن الصحابة الآخرين، وعن أبي سعيد في غير تلك الرواية، فلا ذكر فيها لنفي العمل، بل هي كما رأينا مصرحة بأنهم من أهل الصلاة. وعليه فإن لم نقل: إن تلك الروايات غير محفوظة، نقول: لا بد من توجيهها وتخريجها بما يتفق والأصول والنصوص الأخرى.
ومن ذلك: ما قاله الإمام أبو بكر بن خزيمة - رحمه الله -: قال: " هذه اللفظة " لم يعملوا خيراً قط "، من الجنس الذي تقوله العرب بنفي الاسم عن الشيء لنقصه عن الكمال والتمام، فمعنى هذه اللفظة على هذا الأصل لم يعملوا خيراً قط على التمام والكمال، لا على ما أوجب عليه وأمر به ". قال: " وقد بينت هذا المعنى في مواضع كتبي ".
أقول: وهذا التوجيه يشهد له حديث المسيء صلاته، حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم : " ارجع فصلِ فإنك لم تصل "، فنفى صلاته مع وقوعها، والراد نفى صحة أدائها، وبه استدل أبو عبيد رحمه الله في مثل هذا.
وكذلك حديث قاتل المائة نفس الذي جاء: " لم يعمل خيراً قط "؛ لأنه توجه تلقاء الأرض الصالحة، فمات قبل أن يصلها، فرأت ملائكة العذاب أنه لم يعمل خيراً قط بعد؛ إذ لم يزد على أن شرع في سبيل التوبة؛ ولهذا حكم الله تعالى بينهما وبين ملائكة الرحمة بقياس الأرض وإلحاقه بأقرب الدارين، ثم قبض هذه وباعد تلك؛ رحمة منه وإلا كان يهلك.
وفي حديث الرجل الذي أوصى أهله أن يحرقوه بعد وفاته خوفاً من الله: " قال رجل لم يعمل خيراً قط إذا مات فحرقوه..." ولمسلم: " قال رجل لم يعمل حسنة قط لأهله: إذا مات فحرقوه...".
وقد فسرتها الرواية التي بعدها: " أسرف رجل على نفسه- أو أسرف عبد على نفسه ". ومما يؤيد ذلك أنه قد ورد في بعض روايات حديث الجهنميين هذا، أن هذا الرجل منهم، حيث ذكرت أنه آخر أهل النار خروجاً منها.
5) أن هؤلاء الذين يخرجون من النار برحمة الله سبحانه وتعالى..لم يأت في القرآن ولا في السنة ولا في قول صاحب أنهم قد كانوا تاركي الصلاة والزكاة والعمل كله. بل الذين يقولون هذا القول قالوا ذلك بفهمهم ورأيهم، وهذا الفهم والرأي إنما هو احتمال بعيد من جملة احتمالات، وإذا وجد الاحتمال بطل الاستدلال، فكيف والقرآن كله شاهد بغير ذلك وأنه لا دخول للجنة إلا بالعمل الصالح مع الإيمان، فكيف ينفي الكتاب والسنة والإجماع ومعتقد أهل السنة لفهم قاصر هو أحد الاحتمالات والدلالات البعيدة في نص واحد من النصوص.
6) هذا وقد يمكن توجيه هذه النصوص التي تقول بظاهرها إن الشفاعة قد تنال أقواماً لم يعملوا خيراً قط بحالات وأمثلة تدخل في ذلك وقد دلت عليها نصوص أخرى فمنها على سبيل المثال والله تعالى أعلم:
أ- سكان الأطراف البعيدة والجزر النائية، ممن لم يصلهم من الإسلام إلا اسمه، وينتشر فيهم الشرك والجهل بالدين، فهم غافلون عنه أو معرضون عمن تعلمه، ولا يعرفون من أحكامه شيئاً، فهؤلاء لا شك أن فيهم المعذور وفيهم المؤاخذ. والمؤاخذون درجات. فقد يخرج بعضهم عن حكم الإسلام بمرة، وقد يكون ممن لا يخلد في النار...وهكذا مما لا يعلم حقيقته إلا علام الغيوب.
ب- بعض شرار الناس آخر الزمان، حين يفشو الجهل، ويندرس الدين، وعلى هذا جاء حيث حذيفة مرفوعاً: قَالَ رَسُولُ اللّهِ e: « يَدْرُسُ الإِسْلاَمُ كَمَا يَدْرُسُ وَشْيُ الثّوْبِ. حَتّى لاَ يُدْرَىَ مَا صِيَامٌ وَلاَ صَلاَةٌ وَلاَ نُسُكٌ وَلاَ صَدَقَةٌ. وَلَيُسْرَىَ عَلَى كِتَابِ اللّهِ، عَزّ وَجَلّ، فِي لَيْلَةٍ. فَلاَ يَبْقَى فِي الأَرْضِ مِنْهُ آيَةٌ. وَتَبْقَى طَوَائِفُ مِنَ النّاسِ، الشّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْعَجُوزُ. يَقُولُونَ: أَدْرَكْنَا آبَاءَنَا عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ: لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ. فَنَحْنُ نَقُولُهَا » فَقَالَ لَهُ صِلَةُ: مَا تُغُنِي عَنْهُمْ: لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ، وَهُمْ لاَ يَدْرُونَ مَا صَلاَةٌ وَلاَ صِيَامٌ وَلاَ نُسُكٌ وَلاَ صَدَقَةٌ ؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ حُذَيْفَةُ. ثُمّ رَدّهَا عَلَيْهِ ثَلاَثاً. كُلّ ذَلِكَ يُعْرِضُ عَنْهُ حُذَيْفَةُ. ثُمّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ فِي الثّالِثَةِ، فَقَالَ: « يَا صِلَةُ تُنْجِيهِمْ مِنَ النّارِ » [3]. وهذا الحديث بقدر ما يدل على نجاة مخصوصة هو يدل على الأصل والقاعدة ألا ترى أن التابعي عجب وألح في سؤال الصحابي وما ذاك إلا لما علمه التابعون من إجماع الصحابة y على أن تارك العمل ليس بمؤمن ولا ينجو في الدنيا من سيف المؤمنين ولا في الآخرة من عذاب رب العالمين. والله أعلم.
ت- ومنها من عاشوا في أوساط الكفار، ولم يظهروا شيئاً من أحكام الإسلام ولا عملوا بشيء من أحكام الدين، ولم يهاجروا إلى أرض الإسلام فقد ذكر الله أن هؤلاء من تناله الشفاعة يوم القيامة قال تعالى:)إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً + إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفوراً.
[line]
الحاشية:
(1)قلت يقصد كلام اهل العلم في هذه المسالة وهذه بعض النقولات من كلام اهل العلم في ان تارك جنس العمل كافر غير مؤمن:
الحمدلله القائل{إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه}
وبعد,
فقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وقد تقدم أن جنس الأعمال من لوازم ايمان القلب, وأن ايمان القلب التام بدون شىء من الأعمال الظاهرة ممتنع,سواء جعل الظاهر من لوازم الإيمان, أو جزء من الإيمان كما تقدم بيانه"! [مج الفتاوى:7|616] .
وقال أيضا:" فقول السلف:[الإيمان]قول وعمل ليبينوا اشتماله على الجنس , ولم يكن مقصودهم ذكر صفات الأقوال والأعمال". [مج الفتاوى:7\506].
وقال رحمه الله : " لو قدر أن قوما قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم : نحن نؤمن بما جئتنا به بقلوبنا من غير شك؛ونقر بألسنتنا بالشهادتين, إلا أنا لا نطيعك فى شىء مما أمرت به ونهيت عنه..كل مسلم يعلم بالإضطرار أنه يقول لهم:أنتم أكفر الناس بما جئت به, ويضرب رقابهم إن لم يتوبوا من ذلك." [مج:7\287].
وقال أيضا: "فمن قال :ان الأعمال الظاهرة المأمور بها ليست من الإسلام,فقوله باطل" [7\370]
..إلى أن قال: " بل قد أنكر أحمد هذا الجواب, وهو قول من قال:يطلق عليه الإسلام وإن لم يعمل,متابعة لحديث جبريل".
وقال أيضا : " هنا قولين متطرفين: قول من يقول :الإسلام مجرد الكلمة, والأعمال الظاهرة ليست داخلة فى مسمى الإسلام, وقول من يقول مسمى الإسلام والإيمان واحد" [7\375].
وقال أيضا: "فالإسلام" يتناول من أظهر الإسلام وليس معه شىء من الإيمان, وهو المنافق المحض, ويتناول من أظهر الإسلام مع التصديق المجمل فى الباطن ولكن لم يفعل الواجب كله لا من هذا ولا من هذا, وهم الفساق" [7\427].
وقال: " يمتنع أن يكون الرجل مؤمنا بالله ورسوله بقلبه أو بقلبه ولسانه ولم يؤد واجبا ظاهرا" [مج:7\621].
وقال رحمه الله : " فإذا خلا العبد عن العمل بالكلية لم يكن مؤمنا..فإن حقيقة الدين هو الطاعة والإنقياد وذلك إنما يتم بالفعل لا بالقول فقط فمن لم يفعل لله شيئا فما دان لله دينا ومن لا دين له فهو كافر" [شرح العمدة:كتاب الصلاة:86].
وقال : " اختلفوا فى تكفير من قال:ان المعرفة تنفع من غير عمل الجوارح" [الصارم المسلول:524].
وقال فى الإصفهانية : " كان الظاهر دليلا على ايمان القلب ثبوتا وانتفاءا".
وقال رحمه الله : " وما كان فى القلب فلا بد ان يظهر موجبه ومقتضاه على الجوارح,وإذا لم يعمل بموجبه ومقتضاه دل على عدمه أو ضعفه".
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله : الإيمان له ظاهر وباطن وظاهره قول اللسان وعمل الجوارح وباطنه تصديق القلب وانقياده ومحبته؛فلا ينفع ظاهر لاباطن له وإن حقن به الدماء وعصم به المال والذرية ولا يجزىء باطن لا ظاهر له إلا إذا تعذر بعجز أو إكراه وخوف هلاك . فتخلف العمل ظاهرا مع عدم المانع دليل على فساد الباطن وخله من الإيمان, ونقصه دليل نقصه, وقوته دليل قوته." [الفوائد:112].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " ما فى القلب مستلزم للعمل الظاهر.وانتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم" [7\294].
ومصداق كلام شيخ الإسلام رحمه الله فى كتاب الله كثير فهناك نحو 390 آية كلها لايذكر فى شىء منها الإيمان إلا مع العمل! فهل ينفكان..اللهم لا..لا..لا!
وقال تعالى {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه}.
قال الحسن وقتادة فى الآية: لا يقبل الله قولا إلا بعمل!
وقوله تعالى {يوم يأتى بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت فى إيمانها خيرا}
قال السدى:خيرا:عملا صالحا.فهؤلاء أهل القبلة" !
وهذا يعنى أن عدم العمل = عدم الإيمان .
قال الإمام محمد بن نصر رحمه الله": ولو أقر , ثم لم يؤد حقه, كان كمن جحده فى المعنى, إذ استويا فى الترك للأداء" [تعظيم قدر الصلاة:517].
قال الوراق : سألت أحمد وذكر عنده المرجئة فقلت له: إنهم يقولون: إذا عرف الرجل ربه بقلبه فهو مؤمن. فقال:المرجئة لا تقول هذا بل الجهمية تقول بهذا.
المرجئة تقول حتى يتكلم بلسانه وإن لم تعمل جوارحه,وهذا كفر" رواه الخلال.
وسئل الشيخ العلامة صالح الفوزان حفظه الله: شهادة أن لاإله إلا الله هى مفتاح دين الإسلام,وأصله الأصيل؛ فهل من نطق بها فقط؛ دخل فى دائرة المسلمين؛ دون عمل؟
الجواب : من نطق بشهادة أن لاإله إلا الله حكم بإسلامه بادىء ذى بدء,وحقن دمه: فإن عمل بمقتضاها ظاهرا وباطنا؛ فهذا مسلم حقا,له البشرى فى الحياة الدنيا والآخرة. وإن عمل بمقتضاها ظاهرا فقط؛ حكم بإسلامه فى الظاهر, وعومل معاملة المسلمين, وفى الباطن هو منافق, يتولى الله حسابه.
وأما إذا لم يعمل بمقتضى لاإله إلا الله, واكتفى بمجرد النطق بها, أو عمل بخلافها؛ فإنه يحكم بردته, ويعامل معاملة المرتدين.
وإن عمل بمقتضاها فى شىء دون شىء؛ فإنه ينظر: فإن كان هذا الذى تركه يقتضى تركه الردة؛فإنه يحكم بردته, كمن ترك الصلاة متعمدا, أو صرف ِيئا من أنواع العبادة لغير الله .
وإن كان هذا الذى تركه لا يقتضى الردة؛ فإنه يعتبر مؤمنا ناقص الإيمان بحسب ما تركه؛ كأصحاب الذنوب التى هى دون الشرك.
وهذا الحكم التفصيلى جاءت به جميع الشرائع السماوية." [المنتقى:1\9].
منقول بتصرف