المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : توفيق العليم السميع في الرد على مذكرتي الشيخ ربيع


كيف حالك ؟

ميرزا حسن
07-01-2004, 12:59 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى فضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي –حفظه الله تعالى- ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أما بعد :
فقد اطلعت على مذكرتكم التي بعثتم بها إلى فضيلة الشيخ فالح الحربي – حفظه الله- والمؤرخة في 24 صفر 1425 هـ ، فجاء فيها بعض الأمور وجب التنبيه عليها ، فإليكموها بالتفصيل – وفقنا الله وإياكم وسددنا وإياكم في الأقوال والأعمال – إن ربنا لسميع الدعاء- :
أولاً :
ما جاء في حكم التقليد
لما تكلم الشيخ : فالح عن قضية التقليد كان هذا في معرض رده على عبد المالك رمضاني وأبي الحسن المصري اللذان يلزمان الشباب – على جميع مستوياتهم- للنظر في أقوال العلماء في فتنة أبي الحسن وهذا محل انتقاد الشيخ – حفظه الله- وليس في كلامه أنه يوجب على عموم الناس مسألة التقليد لأن سياق الكلام واضح ، ومعلوم أن التقليد في حق من أصبح له أهلية للنظر في أقوال العلماء – وهم قليل طبعا- مذموم شرعا ، وهذا لا خلاف فيه ، ثم بينـتم بعدها شنشنة أبي الحسن حول مسألة التقليد وأنه أراد بها باطلا فجزاكم الله خيرا .
والقصد من كلام الشيخ: فالح واضح وأنه ليس لمن لديه أهلية للنظر في أقوال العلماء أن يقحم نفسه في ذلك ، ثم يجعل نفسه حكما عليهم وهذا هو الذي ترده العقول السليمة فضلا عن الشرع ، فالشيخ لم يبالغ ولم يكن رده باطلا ومقصوده عندك الآن ، وأما قضية إتباع الأنبياء وذم التقليد فهذه مسألة يطول الكلام فيها وقد أشرتم إلى شيء منها - بارك الله فيكم- .
وما أكثر الملبسين هذه الأيام ممن يسمي الاتباع تقليداً لينفر الشباب من العلماء والأئمة وأظن أن هذا الأمر لا يخفى على فضيلتكم ، ثم دعوتم الشيخ فالحاً – حفظه الله- لأن يفصّل أثناء ردوده، والحمد لله أن كلامه المجمل في شريط يكون مفصلاً في آخر ، ويشبه هذا كلام الأئمة -رحمهم الله- لما يكون كلامهم مجملاً في مكان ومُفصّلاً في آخر ، وما الشيخ: ابن باز –رحمه الله- منا ببعيد حينما يريد أهل الباطل أن يلبسوا على الناس فيحتجوا بكلامه المجمل مع أنه مفصل في موضع آخر لكن يتكتمون عليه لسوء القصد والخيانة في النقل ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم .
ثانيا :
ما جاء فيمن يختـار عالما يرجع إليه في قضية معينة
إن كلام العيد شريفي واضح -حفظكم الله- ، فهو يريد أن يرد قول من تكلّم فيه بحق من العلماء ومنهم الشيخ فالح الحربي – حفظه الله- ، والشريط الذي نُقِل منه هذا الكلام وغيره فيه التفصيل والنقولات عنه بما يُحكم عليه بمقتضاها ، والعيد شريفي يقصد العلماء في كلامه وليس الجهال من أهل بلده لأنه لا الجهال ولا غيرهم ممن هم دونهم إذا تكلّموا لهم عبرة بكلامهم ! ، فأراد أن يرد أحكام العلماء ، وهو لا يهمه لا الشيخ: ربيعاً ولا الشيخ: فالحاً بدليل أنه قال -لو صح النقل عنه- : ( لو تكلم الشيخ ربيع فـيَّ لأفضحنه !! ) ، أضف إلى هذا سوء أدبه مع فضيلتكم في كثير من اللقاءات ، وليس من باب أنه يريد أن يرجع إلى شيخ موثوق في علمه ودينه أمثالكم بل كما سبق وأنه يريد ضرب الأحكام والأقوال وفَـتنَ الشباب وتنفيرهم عن العلماء .
ثم هل لما تكلم علماء السلف في بعض الرجال يقال لا ألتفت إليهم حتى يتكلم فلان بعينه ؟! ، ثم يُعتَذر له باعتذار ليس له وجه من الصحة ! ، فنرجو الإفادة في هذه -وفقكم الله- .
ولما قلت : ( لأنه رضي بالرجوع إلى من يعتقد أنه من أهل العلم ... إلى ... عصرنا هذا ) ، فنرد على هذه بأنكم أنتم نفسكم قلتم لأحد السائلين - في إحدى الأشرطة- من الذين كانوا يظنون في أبي الحسن بأنه من أهل العلم – حسنا للظن بالسائل- أن يجعلوه مرجعا لهم في الخلافات !! ، فنصحتموه أن يجعل العلماء كلهم تحت أعينهم لأن من العلماء من هو متشدد ومن هو متساهل ... –الخ ما جاء في الشريط- ، فكيف نوّفق بين هذا القول وبين ما كتبتم -وفقكم الله- ؟ .
إن الشيخ فالحاً لم يقم بحملة شديدة -على حد قولكم- بل اشتمَّ من العيد شريفي بأنه صاحب هوى وقد ظهر ذلك منه، وأنه لا بقولكم أخذ ولا بقول غيركم ، والشيخ فالح لم يجعل الرجوع إلى الشيخ ربيـع تكذيـباً لله ولرسوله وللإسلام وقد بيـّنا هذا - سابقاًَ – ، وكيف يقصدكم الشيخ : فالح وهو يقول في الموضع الذي نقل منه فضيلتكم ..( أرجعوا إلى علماءكم علماء أهل السنة ، أرجع إلى الشيخ: ربيع.. ؟‼ )،وقد حكم على العيد شريفي بأنه انتهى إلى ضيعة وصار مجنوناً بسبب ما جاء في المكالمة من نقولات عنه تدينه وليس بسبب هذه النقطة لوحدها !! .
وأما من يغلو في الشيخ: فالح فالشيخ: فالح بريء من هذا الغلو ، لأن العلماء لا يتحملون تبعة الجهال ، فهل من يغلو فيك تتحمل أنت تبعة ذلك ؟ الجواب : طبعا لا !! , كذلك بالنسبة للشيخ فالح –حفظه الله- تماما .
ثالثـا :
هل سكوت بعـض أهل العلم أحيانا مراعاة للمصالح والمفاسد أمر سائغ أو خيانـة .
لما قال السائل للشيخ فالح : ( نحن نزن -إن شاء الله- بموازين أهل السنَّة المحضة ) فعلّقت عليه بكلام لك في الحاشية ، لكن نحن نقول أن الشيخ فالحاً لا يتحـمل مقاصد الآخرين ، فيـا سبحان الله ! .
وقال الشيخ فالح : ( أنا ما دام عندي واحد ساكت ... الخ ) ، ففهمت أنه يقصدك مع أن الكلام كان مجملاً وليس فيه تهمة لك بالخيانة والغش لأنك من أهل الاجتهاد وتحت العذر إن أخطأت ، وهل من المنهج إن سكت واحد من العلماء أو اثنان أو أكثر أن يلزموا الآخرين -إن كانوا من أهل الاجتهاد- أن يسكتوا كذلك تبعاً لغيرهم ؟! .
ثم إن الدعوة السلفية الله جل جلاله هو الذي تكفل بحمايتها وليس الرجال أو طلاب العلم الذين هم علماء في نظر الجهال والعوام ، والشيخ فالح عرض أموراً كانت خافية عنّا -والله- عن بعض الأشخاص ، والفُرقَة التي أشرت إليها إنما يقع فيها كل من يعظم طلاب العلم والأصاغر ولا يعرف من هم العلماء ولا قدرهم ! .
قول الشيخ فالح : ( وهناك من نشر مثل هذه الأشياء ومن يحفظها ويظن أنها من منهج أهل السنَّة والجماعة ) فهو يقصد قواعد المميعين والحزبيين الذين يخترعون قواعد ويدسونها بين الصفوف زاعمين أنها من قواعد السلفية وما أكثرها هذه الأيام .
وأما المشاورة فأصبت بقولك : ( في مشاورتهم خير كثيراً –أي العلماء- ) .
وأما التفرد والتسرع فقد يراه عالم كذلك ويراه آخر عكس ذلك تماما وهذا بسبب اختلاف وجهات النظر في المسائل فلا يلزمن عالم عالماً آخر بما يراه هو .
ثم تكلمتم عن المصالح والمفاسد وهذه مسألة تختلف فيها أنظار العلماء ووجهاتهم ، ثم عقبتم أن الشيخ فالحاً يرى سكوت الآخرين كتمانا وخيانة !!! ، فأين التصريح بهذا القول ؟ .
وأما التسرعات -على حد قولكم- فقد بينت لكثير وكثير من الشباب أحوال كثير من ينتسب إلى السلفية وهو بعيد عنها في تطبيق الأصول والضوابط ! ، وبيّنت- أيضاً - من يتمسك بطلاب العلم ممن يتمسك بالعلماء وفرق كبير بين الفريقين !! .
وكثيرا ما سُكِتَ عن أقوام فجالوا في الساحة وطبـَّلوا فأصبحت لهم شعبية فإذا رد عليهم أهل العلم أصبح الأمر فيه فتنة كبيرة وأصبح استئصال المرض أصعب وأشد وأقوى ، وما أبو الحسن عنا ببعيد بدليل أنكم قلتم في شريط : لو ضربناه أنا والشيخ مقبل على أم رأسه من البداية لما حدث الذي حدث أو كما قلتم في الشريط ، لهذا فلا إلزام لمن يتكلم وهو أهل لذلك بما يراه غيره من إخوانه العلماء .
رابعا :
هل نهي الجهال عن الخوض في الفتن يخالف ما جاءت به الرسل وترده العقول ؟
أسأل فضيلتكم : هل يبدع عبد المالك رمضاني أبا الحسن المصري ، وإن كان لا فلماذا ؟ .
وليس لأن له مواقف قديمة ضد الحزبيين تجعل من ذلك حجة للدفاع عنه والتماس الأعذار له في هذه الفتنة ، فلابد من إتباع سبيل العلماء في الحكم على الرجال ، وما أكثر التقية والكلام الذي يخالف البواطن هذه الأيام خوفا من لطمة العلماء الذين لهم الكلمة في الساحة الدعوية .
ثم إن عبد المالك تعلق به كثير وكثير هنا وهنالك وهذه هي البلية ، فلما تكلم فيه الشيخ فالح الحربي-حفظه الله- زادت الفرقة -على حد قولكم- لكنها بسب الجهال الذين لا يميزون بين طلاب العلم وبين العلماء ، وأما الأمور التي تُنتقد على عبد المالك فهي كثيرة ومعروفة عند الكثير ومنها :
تزكيته لجمعية دار البر ، دفاعه عن أسامة القوصي المبتدع الذي يقول عن أهل السنَّة الذين ردوا على أبي الحسن المصري بأنهم أتباع ذي الخويصرة التميمي ، ويقول أن الامتحان بالأشخاص بدعة ؟! ، وموقفه المعروف من الدجال أبي الحسن المصري ، ويقول بقاعدة لا يجوز أن نجعل خلافنا في غيرنا اختلافا فيما بيننا ، وكثير من الأمور لعل أعظمها أنه اتهم الشيخ فالحا بأنه من الخوارج لما قال عنه ( شر الخلق والخليقة ويرمى في البحر ) ، فماذا بقي بعد هذا ؟!! .
وأما الاجتماع الذي تشير إليه فهو اجتماع مهزوز بدليل أنه عند حصول أدنى شيء يسبب الفرقة بين الشباب فأي اجتماع هذا ؟ ، لكن ليهلك من هلك عن بينة وليحي من حيي عن بينة .
وأما الشيخ فالح فإنه لما تكلم في عبد المالك فقد أدى الذي عليه ، وأما العلماء الذين يدركون هذه الأمور ويسكتون لمصالح يرونها هم فمن يستطيع أن يقول عنهم بأنهم مميعون ؟! اللهم إلا أهل الهوى والجهل ، لكن الحكم على طلابهم بذلك فلأمور علمها من علمها وجهلها من جهلها وليس ذلك طعنا في شيوخهم -العلماء- ! .
وقولكم : ( لما تكلمتم في عبد المالك جاءت الفتن و... الخ ) فمثله أو قريب منه السماح لهاتين المذكرتين بالخروج على الساحة وعلى الانترنت بين من هب ودب من الأصناف ، أليس هذا يسبب الفرقة ويجعل الشيخ فالحا عرضة للكلام من قبل الجهال والرعاع ؟! ، فلا حول ولا وقوة إلا بالله ، مع أن الشيخ فالحاً تكلم في عبد المالك بسبب أمور بيتها ومنها ما ظهر والباقي الله أعلم به ، والفُرقة كما قلت –سابقا- لا يُحدثها إلا الجهال أما المنصفون المتبعين للعلماء فلا فرقة بينهم بل هي تصفية بين الصفوف .
ثم ذكرت أقوال عبد المالك ومع الأسف فيها تناقض لأنه في بداية الكلام على أبي الحسن أصبحت شبكة سحاب بإشراف تلميذكم خالد الظفيري مرتعا والكل يدلي فيها بما شاء ، ثم عن كلام عبد المالك وقتها كان لأمر يـبيته بدليل أن الأمر واضح وقتها وليس للشباب إلا نقل أقوال أهل العلم في ذلك الدجال ليُحذر من خبثه وشره على الدعوة السلفية ، وأشدها أن عبد المالك يريد أن يجعل الشباب –على شتى أصنافهم- أئمة مجتهدين ينظرون في أقوال العلماء ويأخذون ما يرونه هم ، فأين التفصيل في هذا الإجمال الذي تنتقدونه على فضيلة الشيخ: فالح ، فهو أيضا من باب أولى ! .
وقول الشيخ: فالح بأنها ميوعـة ، فلأن عبد المالك يريد أن يحمل الشباب ما لا يتحملون –لأنهم درجات في الفهم والإدراك- والله يقول : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) ، و يقول : ( فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) .
خامسا وسادسا :
أترك التعليق للشيخ فالح -حفظه الله- .
سابعا :
لماذا لا يتكلم كبار العلماء في بعض الأمور
قول الشيخ: فالح للسائل : ( لا تزنوا بموازين أهل الأهواء ) فهي نصيحة عامة ، ولا داعي للتهويل وتحميل الكلام ما لا يحتمل .
ثم تكلمتم من جديد على مسـألة المصالح والمفاسد وسبق التعليق على هذه ، ثم وجهتم نصيحة للشيخ فالح بالرجوع إلى إخوانه من أهل العلم وهذا نصح تُشكر عليه ، لكن لا إلزام فيه -إن شاء الله- .
قال الشيخ فالح : ( كيف يحاكم إلى قواعد المبتدعة وإلى جهالات الجهال ) فعلقتم بكلام يفهم منه أنه يجعل قاعدة درء المفاسد وجلب المصالح من قواعد الجهال مع أن الكلام واضح - والله المستعان - ، من ذلك أنهم يريدون أن يلزموا الشيخ فالحاً بالسكوت واتباع غيره !! ، فهل هذا من القواعد الملزمة للعلماء في الدعوة السلفية ؟! .
ثم نقلتم كلاماً للشيخ فالح وعلقتم عليه بأن كلامه يُشعِر أن العلماء خذلوا الدعوة السلفية وكتموا الحق مع أن الأمر واضح ولكلٍ وجهة نظر في الأمور وسكوت بعض العلماء لمصلحة رآها وتكلم البعض الآخر ، لا ضير فيه على الساكت ولا على المتكلم مادام كل ذلك عن اجتهاد .
هذا ما يسر الله به في التعليق على هذه المذكرة ، ويليها التعليق على الأخرى -إن يسر الله تعالى- ، وفي الأخير أسأل الله العظيم أن يجعلك والشيخ فالحا شوكة في حلوق أهل البدع والأهواء ، إخوة متحابين في الله ولله ، إن ربنا لسميع الدعاء .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
كتبه ابنكم : أبو عبد الله السلفي
18/5/2004 م
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى فضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي – حفظه الله تعالى- ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أما بعد :
فهذا كما وعدتكم التعقيب على مذكرتكم الثانية التي أرسلتم بها إلى فضيلة الشيخ فالح بن نافع الحربي –حفظه الله- ، والمؤرخة في 17 محرم 1425 هـ ، سائلين المولى عز وجل التوفيق والسداد في الأقوال والأعمال .
أقول : لقد كان أغلب مذكرتكم مركزةً حول مسألة أصبح من الواجب البيان عنها وتجليتها بوضوح وهي : هل الجرح والتعديل الذي في علم المصطلح هو نفسه كلام الأئمة والعلماء في أهل البدع والأهواء ، أو بمعنى آخر هل تطبق قواعد هذا العلم في الكلام على أهل النحل ؟ ، وهذا ما سنبينه في هذا التعقيب بإذن الله .
إن علم الجرح والتعديل علم جانبي من علوم الشريعة ، له ضوابط وأصول وقواعد محددة معروفة بيـّنها أهل هذا العلم في كتبهم ، أما الكلام في الرجال غير الذين في الرواية فهذا يحتاج إلى عالم محيط بالشريعة ينـظر في الأصول ويستقرأ الأدلة من الكتاب والسنَّة ليخرج بعدها بحكم على هذا الرجل ، وهل خالف منهج أهل السنَّة والجماعة أو لا ؟ ، لهذا فأنا سأبين بعض الفروق بين الجرح والتعديل في علم الرواية وبين كلام العلماء وطعنهم في أهل البدع والأهواء ، والذي انتقدتموه على الشيخ فالح –حفظه الله- هو قوله ( لا تقل جرح ) وهذا منه تربيةً للشباب وتعويدهم على عبارة ( طعـن ) لأن الشاب إن قـال ( جرح ) ممكن أن يفتح عليه الملبس باب الراوية وقواعدها فيتيه فيها ، ولهذا كان كلام العلماء في أهل البدع جرحا أو ليس بجرح فالمصطلحات لا مشاحة فيها ، لكن كما قلنا : هل تطبق قواعد ذلك العلم في الكلام على الرجال ، وعليه فإليك بعض الفروق بينهما :
الفـرق الأول :
كلام علماء الجرح والتعديل في الرواة قد يكون فيه موازنة ، وهذه أمثلة :
1/ قال يعقوب بن شيـبة في شريك بن عبد الله بن أبي شريك الكوفي : صدوق ثقة ، سيء الحفظ جدا ، وقال فيه الأزدي : كان صدوقا ، إلا أنه مائل عن القصد غالي المذهب سيء الحفظ ، كثير الوهم مضطرب الحديث .
2/ عبد الله بن محمد بن عقيل قال فيه العقيلي : كان فاضلا خيّرا موصوفا بالعبادة وكان في حفظه شيء ، وقال فيه الساجي : كان من أهل الصدق ولم يكن بمتقن في الحديث .
3/ أبان بن أبي عايش قال فيه الساجي : كان رجلا صالحا سخيا فيه غفلة ، يهم في الحديث ويخطئ فيه ، وقال فيه الفلاس : متروك الحديث وهو رجل صالح .
4/ خلاد بن يحي بن صفوان السلمي قال فيه أحمد : ثقة أو صدوق ولكن كان يرى شيئا من الإرجاء ، وقال بن نمير : صدوق إلا أن في حديثه غلطا قليلا .
والأمثلة والحمد لله كثيرة جداً في كتب الرجال ، وفي المقابل فإن أقوال العلماء في أهل الأهواء لا مجال للموازنة فيها ، ويكفي لطالب الحق أقوال علماء العصر في دحض هذه القاعدة الهدامة ، وهذه أمثلة من كلام العلماء في أهل الأهواء خالية من الموازنات :
1/قيل لسفيان بن عيـينة : إن هذا يتكلم في القدر يعني إبراهيم بن أبي يحيى ، فقال سفيان عرفوا الناس أمره وسلوا ربكم العافية . ( تلبيس إبليس ، ص17 )
2/ قال عبد الرحمن بن مهدي : دخلت عند مالك وعنده رجل يسأله عن القرآن ، فقال : لعلك من أصحاب عمرو بن عبيد ، لعن الله عمراً فإنه ابتدع هذه البدعة من الكلام . ( مناقب مالك للزواوي ) .
3/ قال عبد الله بن الإمام أحمد : سألت أبا ثور إبراهيم بن خالد الكلبي عن حسين الكرابيسي ، فتكلم فيه بكلام سوء رديء . ( السنة لعبد الله ، 1/165-166 )
وسئل الإمام أحمد عن الكرابيسي فقال مبتدع . ( تاريخ بغداد ، 8/66)
وقيل ليحي بن معين إن حسينا الكرابيسي يتكلم في أحمد ، قال ما أحوج أن يضرب . ( تاريخ بغداد ، 8/64 )
4/ روى اللالكائي أنه بينما كان طاوس يطوف بالبيت لقيه معبد الجهني فقال له طاوس أنت معبد ؟ ، فقال نعم ، قال فالتفت إليهم طاوس فقال : هذا معبد فأهينوه . ( شرح اعتقاد أهل السنَّة والجماعة ، 2/638 )
والأمثلة كذلك كثيرة جداً في كتب السنَّة .

الفـرق الثاني :
الأوجه التي تجعل علماء الجرح والتعديل يتكلمون في الراوي محدودة ، وهي كالتالي :
الإيهام ، جهالة العين ، جهالة الحال ، انخرام المروءة ، الفسق ، التهمة بالكذب ، الكذب ، البدعة ، سوء الحفظ ، كثرة المخالفة ، كثرة الوهم ، شدة الغفلة ، فحش الغلط ، التدليس ، كثرة الإرسال ، الرواية عن المجهولين والمتروكين . راجع ( ضوابط الجرح والتعديل ، 75-130 )
وأنت ترى أن البدعة وجهاً من تلك الوجوه ، لكن الحكم على الشخص بالبدعة له أوجه غير هذه تماماً ، نذكر منها ما يلي لأنه يصعب حصرها :
الخروج على الحكام والدعاء عليهم من فوق المنابر ، تكفير الحكام وإثارة الرعية على الولاة ، الطعن في الصحابة ، الغلو في أهل البيت ، حب الجدال والخصومات في الدين ، التعصب للرجال ، تعطيل صفات الباري عز وجل ، الطعن في أهل السنَّة ورميهم بالألقاب الشنيعة ، الموالاة والمعاداة على الأخطاء ورؤوس أهل البدع ، مجالسة أهل الأهواء والدفاع عنهم ، التزهيد في العلماء ، إتباع المتشابه ، إنكار معلوم من الدين بالضرورة ، الخوض في مسائل الإيمان والقدر على خلاف منهج أهل السنَّة والجماعة ، الخوض في ما شجر بين الصحابة ، إثارة الشبهات والفتن ... الخ ، والوجوه كثيرة وكثيرة جدا وهي مدونة في بطون كتب السلف -رحمهم الله- .
الفـرق الثالث :
إن الحكم على الراوي بالجرح لا يعتبر إخراجا له من المنهج ، وأما حكم العلماء على رجل بالبدعة فهو إخراج له من المنهج أي أنه من الفرق النارية ، وهذا من الفروق الواضحة !


الفـرق الرابع :
العلماء إذا بدعوا شخصا فإنهم يحذرون من أخذ العلم عنه :
1/ كان فروة بن يحيى يجالس عند الكريم خصيفا فقدم عليهم سالم الأفطس من العراق ، فتكلم بشيء من الإرجاء ، فقاموا عن مجلسهم ، قال الراوي وربما رأيته جالسا وحده لا يجلس إليه أحد . ( الإبانة 2/452 رقم 418 ) .
2/ سئل أبو زرعة عن المحاسبي وكتبه فقال : إياك وهذه الكتب هذه كتب بدع وضلالات ، عليك بالأثر فإنك تجد فيه ما يغنيك عن هذه الكتب ، قيل له : في هذه الكتب عبرة فقال : من لم يكن له في كتاب الله عبرة فليس له في هذه عبرة ، ثم قال : ما أسرع الناس إلى البدع . ( التهذيب 2/117 ) .
3/ روى ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال : ( لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم فإذا أخذوه من أصاغرهم وشرارهم هلكوا ) . ( جامع بيان العلم 248 ) ، والأصاغر هم أهل البدع .
4/ روى بن عبد البر عن الإمام مالك أنه قال : لا يؤخذ العلم عن أربعة وذكر منهم صاحب الهوى يدعو إليه . (جامع بيان العلم 348 ) .
وجاء في كتاب ( فتاوى أئمة المسلمين بقطع لسان المبتدعين ) جمع محمود محمد خطاب السبكي ، ما نصه : ( أجمع الأئمة المجتهدون على أنه لا يجوز أخذ العلم عن مبتدع وقالوا الزنا من أكبر الكبائر ، أخف من أن يسأل الشخص عن دينه مبتدع ) .
وروي عن بن سيرين قوله : ( إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذوا دينكم ) . ( شرح علل الترمذي 1/252 ) .
وغيرها من الأدلة ، أما علماء الجرح والتعديل فإنهم يأخذون الراوية من المبتدع مع أن الراوية من أنواع تلقي العلم لكن بشروطها والعلة في ذلك هو الخوف من ذهاب أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- :
قال علي بن المديني : ( لو ترك أهل البصرة لحال القدر ، ولو تركت أهل الكوفة لذلك الرأي –يعني التشيع – لخربت الكتب يعني لذهب الحديث ) .
وقال الذهبي في ( الميزان 1/605 ) : ( البدعة على ضربين فبدعة صغرى كغلو التشيع أو كالتشيع بلا غلو ولا تحرق ، فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية وهذا مفسدة بينة ) .
ولهذا فإنهم كانوا يأخذون من المبتدع لكن بشروط ، وقد لا تتحقق في أهل السنَّة ، وملخصه في قول الإمام الألباني –رحمه الله- : ( العبرة في الراوي إنما هو كونه مسلما عدلا ضابطا أما التمذهب بمذهب مخالف لأهل السنَّة فلا يعد عندهم جارحا ) . ( السلسلة الصحيحة 4/136 حديث رقم 469) .
وقال العز بن عبد السلام : ( ومدار قبول الشهادة والرواية على الثقة بالصدق وذلك متحقق في أهل الأهواء تحققه في أهل السنَّة ) . ( قواعد الأحكام في مصالح الأنام 2/31 ) .
وقال بن الصلاح : ( ومنهم من قبل رواية المبتدع إذا لم يكن ممن يستحل الكذب في نصرة مذهبه ) . ( علوم الحديث 103 ) .
وغيرها من أقوال أهل هذا الفن في كتب الرجال والعلل .
الفـرق الخامس :
ينبني على الحكم على الشخص بالبدعة أحكام ومعاملات ومنها لو كانت البدعة مكفرة تُنـزل عليه أحكام الكفار أما الحكم على الراوي بالجرح قد لا تُنـزل عليه أحكام ومعاملات مثلما ُتنـزل على المبتدعة .


الفـرق السادس :
علماء الجرح والتعديل قد يتكلمون في الراوي بسبب أمور لا تستدعي جرحه أما العلماء إذا تكلموا في شخص وبدعوه فبعد النظر في منهج أهل السنَّة والجماعة واستقراء الأدلة لأنهم يعلمون خطورة التبديع ، وفرق بين هذا وذلك .
الفـرق السابع :
علماء الجرح والتعديل قد يختلفوا في الحكم على راو معين فلا يكون سببا للحكم على الآخرين ما لم يأخذوا بهذا الجرح ، أما العلماء إذا تكلموا في مبتدع فيجب إتباعهم وإلا ألحق من لم يأخذ بقولهم بذلك المبتدع :
روى الدارمي وغيره عن أيوب : قال رآني سعيد بن جبـير جلست إلى طلق بن حبيب فقال لي ألم أرك جلست إلى طلق بن حبيب لا تجالسنه . ( مسند الدرامي 1/120 ) .
وقال أبو داود السجستاني : ( قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل : أرى رجلا من أهل السنَّة مع رجل من أهل البدعة أترك كلامه ؟ ، قال لا أو تُعلِمه أن الرجل الذي رأيته معه صاحب بدعة فإذا ترك كلامه فكلمه وإلا فألحقه بـه ) . ( طبقات الحنابلة 1/1650 رقم 216 ) .
الفـرق الثامن :
علم الجرح والتعديل له رجال قد لا تتوفر شروطهم في كثير من المحدثين :
قال العلامة المعلمي : في مقدمة الجرح والتعديل : ( وقد كان من أكابر المحدثين وأجلهم من يتكلم في الرواة فلا يعول عليه ولا يلتفت إليه ) .
هذه بعض الفروق بين علم الجرح والتعديل وبين كلام العلماء في أهل البدع ، ولعل الله ييسر في بحث أطول عن قريب -إن شاء الله- .
قال الذهبي في ( الموقظة ) : ( والذي تقرر عندنا لأنه لا تعتبر المذاهب في الراوية ) .
وقال : ( وهذا فيما إذا تكلموا في نقد شيخ ورد شيء من حفظه وغلطه ، فإن كلامهم فيه من جهة معتقده فهو على مراتب ) .
وقال بن القيم : ( الخبر إن كان عن حكم عام يتعلق بالأمة فإما أن يكون مستنده السماع فهو الرواية ، وإن كان مستنده الفهم من المسموع فهو الفتوى ) . ( بدائع الفوائد 1/9 ) .
لهذا فإن قواعد علم المصطلح محدودة لا تتجاوز إطارها الذي وضعت فيه ، وإن وقع تشابه في بعضها بين كلام الأئمة في أهل البدع والأهواء فلا يكون ذلك حاملا لتطبيق باقي القواعد في الحكم على الرجال الذين هم خارج الرواية .
هذا هو الذي يدندن حوله الشيخ: فالح –حفظه الله– ، ويريد من الشباب السلفي أن ينتبه إلى تلبيس أهل الأهواء في هذا الجانب ، فهم يريدون منهم أن تطبيق قواعد المصطلح في الكلام على أهل البدع لكي يردوا أحكام العلماء فيهم ومن ذلك يقول لك : هذا كلام أقران !!! ، ويقول لك إن علماء الجرح والتعديل اختلفوا في الحكم على الرواة ولم يبدع بعضهم بعضا !! ، ويقول لك هات الجرح المفسر لأنك ممكن أن تجرح بما لا يجرح به غيرك مع أنها فتوى ويجب التسليم إليها ، وغيرها مما يدور في الساحة بسبب التلبيس والخداع الحاصل هذه الأيام والله المستعان .
هذا هو ما يرمي إليه فضيلة الشيخ: فالح –وفقه الله تعالى- .
وعن قريب عاجل تكميل الجزء الثاني من هذه الوريقات وفيها الدخول إلى التعقيب على مذكرتكم الثانية ، وفقنا الله وإياكم لكل خير وفضل .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
كتبه ابنكم : أبو عبد الله السلفي
18/5/2004 م
التعليقات على المذكرة الثانية
أقول إن الشهرة ليست بمقياس في الحكم على الرجال ، وإننا نحتاج منك لقول إمام سبقك في هذا الأمر المهم ! ، ثم إن العوام والجهال ليسوا بحجة على أقوال العلماء فضلا عن الشرع .
وقضية اشتراط الدليل ليست بواجبة بدليل مما سطرته بيديك في ما يلي نقله :
قلت في ( التنكيل بما في لجاج أبي الحسن من الأباطيل ، ص10 ) :
( ولكن الفتنة التي ضربت أطنابها في قلوب حزبه أرتهم أن هذا البيان غير كافٍ [[ وشرعوا يطالبون ببـيان هذه الأصول ومن أين أخذتها ]] . [[ ومع علمي أن هذا لا يلزمني ]] فقد قمت بتوضيح أهمها مع بيان مخالفاته لها ولا يزال إلى الآن من أشد الناس مخالفة لها على بطلانها لكنه لا يخالفها طلباً للحق والعدل وإنما إمعاناً منه في الظلم والفتن لأن أصوله مع فسادها لا تسمح له بمقاومة أهل الباطل فضلاً عن أهل الحق ) .
وقلت أيضا في ( التثبت في الشريعة الإسلامية ، ص 7-8 ) :
( وأرى أن أسوق بعض النصوص في وجوب قبول أخبار الآحاد وفي المراد بالتثبت الذي شرَّعه الله وفَهِمَهُ علماء الأمَّة ليظهر للقاري مدى بعد هذه الفئة عن نصوص الكتاب والسنَّة وأصول أهل السنَّة وفِقهِ وتطبيق عُلماء الأمَّـة وأصولهم .
... قال العلامة القرطبي -رحمه الله- في تفسير قول الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ) (16/312) :
" في هذه الآية دليل على قبول خبر الواحد إذا كان عدلاً لأنه إنما أمَر فيها بالتثبت عند نقل خبر الفاسق ، ومن ثبت فسقه بطل قوله في الأخبار إجماعاً ، لأن الخبر أمانة والفسق قرينة يـبطلها " .
وقال الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآية في (7/350 ) من تفسيره :
" يأمر تعالى بالتثبت في خبر الفاسق ليُحتاط له ، لئلا يحكم بقوله فيكون -في نفس- الأمر كاذباً أو مخطئاً ، فيكون الحاكم بقوله قد اقتفى وراءه . وقد نهى الله عن اتباع سبيل المفسدين ، ومن هاهنا امتنع طوائف من العلماء من قبول رواية مجهول الحال .
لاحتمال فسقه في نفس الأمر ، وقبلها آخرون لأنا إنما أمرنا بالتثبت عند خبر الفاسق وهذا ليس محقق الفسق لأنه مجهول الحال وقد قررنا هذه المسألة في كتاب العلم من شرح البخاري ، ولله الحمد والمنة " .
وقال العلامة محمد الأمين الشنقيطي في كتابه ( أضواء البيان ) في ( 7/626-627 ) في تفسير هذه الآية بعد ذكر سبب نزولها :
" وهي تدل على عدم تصديق الفاسق في خبره ، وصرح تعالى في موضوع آخر بالنهي عن قبول شهادة الفاسق ، وذلك في قوله : ( ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون ) ولا خلاف بين العلماء في رد شهادة الفاسق وعدم قبول خبره ، وقد دلت هذه الآية من سورة الحجرات على أمرين :
الأول منهما : أن الفاسق إن جاء بنبإ ممكن معرفة حقيقته ، وهل ما قاله فيه الفاسق حق أو كذب فإنه يجب فيه التثبت .
والثاني : هو ما استدل عليه بها أهل الأصول من قبول خبر العدل لأن قوله تعالى : ( إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا ) يدل بدليل خطابه ، أعنى مفهوم مخالفته أن الجائي بنبإ [[ إن كان غير فاسق بل عدلا لا يلزم التبين ]] في نبئه على قراءة : فتبينوا . ولا التثبت على قراءة : فتثبتوا ، وهو كذلك ، وأما شهادة الفاسق فهي مردودة كما دلت عليه آية النور المذكورة آنفاً " .
وقال العلامة ابن قدامة -رحمه الله- :
" فأما التعبد بخبر الواحد سمعاً فهو قول الجمهور خلافاً لأكثر القدرية وبعض أهل الظاهر .. "إلى أن قال : " ... دليل ثالث : [[ أن الإجماع انعقد على وجوب قبول قول المفتي فيما يخبر به ]] عن ظنه فما يخبر به عن السماع الذي لا يشك فيه أولى " . انظر ( 1/277-278) من المصدر السابق ذكره ) انتهى باختصار .

وجاء في كتابك ( منهج أهل السنة والجماعة في النقد ) ما يلي :
قال الحافظ ابن الصلاح -رحمه الله- :
( قُلتُ : ولقائل أن يقول : إنما يعتمد الناس في جرح الرواة ورّد حديثهم على الكتب التي صنفها أئمة الحديث في الجرح والتعديل ، [[ وقَلَّ ما يتعرضون فيها لبيان السبب ]] ، بل يقتصرون على مجرد قولهم : فلان ضعيف ، وفلان ليس بشيء ، ونحو ذلك ، أو هذا حديث ضعيف ، وهذا حديث غير ثابت ، ونحو ذلك .
[[[ فاشتراط بيان السبب ]]] يفضي إلى تعطيل ذلك ، وسد باب الجرح في الأغلب الأكثر ، وجوابه أن ذلك ، وإن لم نعتمده في إثبات الجرح والحكم به ؟ فقد اعتمدناه في أن توقفنا في قبول حديث من قالوا فيه مثل ذلك ؟ بـناء على أن ذلك أوقَـع عندنا فيهم ريـبة قوية يوجب مثلها التوقف ) .
فقال العراقي متعقبا ابن الصلاح :
( ومما يدفع هذا السؤال رأساً أو يكون جوابا عنه : أن الجمهور إنما يوجبون البيان في جرح من ليس عالـما بأسباب الجرح والتعديل ، [[[ وأما العالم بأسبابهما ، فيقبلون جرحه من غير تفسير ]]] ، وبيان ذلك أن الخطيب حكى في " الكفايـة " عن القاضي أبي بكر الباقلاني أنه حكى عن جمهور أهل العلم : إذا جَرَّح من لا يعرف الجرح ، يجب الكشف عن ذلك .
قال : ولم يوجبوا ذلك على أهل العلم بهذا الشأن .
قال القاضي :
[[ والذي يقوي عندنا ترك الكشف عن ذلك إذا كان الجارح عالـما ]] كما لا يجب استفسار المعدل عما به صار المزكي عدلا إلى آخر كلامه ، وما حكيناه عن القاضي أبي بكر هو الصواب ) .
انتهى من مقدمة ابن الصلاح مع التقييد والإيضاح ، ص141 ، نقلا من ( منهج أهل السنَّة والجماعة في نقد الرجال والكتب والطوائف ، ص141 ) .
ثم علَّقت على هذا الكلام بما يلي :
( فأنت تـرى أنهم لا يشترطون في الجارح أن يذكر الجوانب المشرقة في المجروح ، [[ وأن العالم بأسباب الجرح والتعديل يؤخذ كلامه مسلّما ]] عند جمهور العلماء ، ويجب الكشف عن جرح غير العالم بأسباب الجرح والتعديل ، ولا يتهمون أحدا بأنه ظالم إذا اقتصر على الجوانب المظلمة .
[[ هذا هو المنهج الرشيد الذي يجب أن يعرفه الشباب السلفي ]] ، المنهج الذي دل عليه الكتاب والسنَّة ، وسلكه خيار الأمَّة -محدثوها وفقهاؤها- ، ومن شَرطِ تطبيق هذا المنهج أن يكون الناقد مريدا بذلك وجه الله والنصيحة لله ولكتابه وصيانة دين الله وما حواه من عقائد وشرائع وعبادات ) أهـ .
( منهج أهل السنَّة والجماعة في نقد الرجال والكتب والطوائف ، ص142 ) .
وقال ابن كثير -رحمه الله- :
( [[ أما كلام هؤلاء الأئمة المنتصبين لهذا الشأن فينبغي أن يؤخذ مسلّما من غير ذكر الأسباب ]] ؛ وذلك للعلم بمعرفتهم وإطلاعهم واضطلاعهم في هذا الشأن , واتصافهم بالانصاف والديانة ).
انظر : ( علوم الحديث ، ص222 ) ، وراجع أيضا : ( قاعدة في الجرح والتعديل ، ص52 ) و( طبقات الشافعية الكبرى 2/21-22 ) و( شرح النخبة ، ص73 ) .


وقال الشيخ العلامة مقبل بن هادي الوادعي -رحمه الله- :
( [[ وتُسلِّم لهم ، فَهُم أهل الفن وأعلم بعلمهم ]] ولست أدعوك إلى التقليد فإن هذا ليس من باب التقليد ولكنه من باب قبول خبر الثقة والله سبحانه وتعالى يقول : (( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا )) مفهوم الآية : أنه إذا جاءنا العدل فإننا نأخذ بخبره . والله أعلم ).
( غارة الفصل على المعتدين على كتب العلل ، ص96 ) .
السؤال : فكيف نعمل بهذه النقول التي قررتها في كتبك ؟ ، وبين ما كتبته للشيخ فالح حفظه الله ؟ .
وقولك : ( .. فصرت متهما عند الناس فتحتاج إلى استبراء دينك وعرضك ) ، أهذا قيل للإمام أحمد أم لسفيان الثوري أم لحماد بن نعيم أم لابن بطة أم للبربهاري أم لغيرهم من أئمة أهل السنَّة لما تكلموا في أهل البدع والنحل وأهل الأهواء ؟! ، أم هذا خاص بالشيخ فالح فقط ؟ ، فإن قلت نعم قيل لهؤلاء الأئمة فأين قالوه ؟ ، وإن قلت لا لم يقولوه ، فكيف تفعل بهذا التفريق بين رجال الفتوى ورجال الرواية ، وهذه عليك وليست لك -وفقك الله- .
وأما قولك : ( فتكثر فيك الطعون المتبادلة .. ) ، فنقول من يطعن في أهل السنَّة إلا الأصاغر والجهال وأهل الهوى ، اللهم سلم سلم .
ثم عرجت وتكلمت على قواعد الرواية وفي أثناء ذلك جاء ما يلي :
( ولا فرق في هذا التجريح بين الجرح في العدالة بالفسق أو البدعة أو غيرها ، وبين الجرح في الحفظ والضبط ) ، فنقول لك سمه ما شئت ( جرح أو ليس بجرح ) ، وأنت تعلم خطورة التبديع فضلا عن التكفير فهل هذا وذاك سواء : جرح بالبدعة وجرح بالضبط والحفظ !!! .
ثم قلت : ( دعواكم أن بيان أسباب الجرح خاص في علم الرواية وهذا الرأي لا يقوله أئمة الجرح والتعديل على حسب علمي ) ، فنقول أنت الملزم الآن أن تـأتني بنقل صريح لإمام واحد من الأئمة صرح فيه بتطبيق قواعد الجرح والتعديل على أهل البدع والأهواء .
ثم قلتم : ( على أنني أخشى أن يترتب على .... إلى ... ثم يسقط بعضهم بعضا ) ، فنقول : كلامك هذا لا يدخل فيه لا العوام ولا الجهال ولا المبتدئة ولا أنصاف المتعلمين ، فبقي إذن إلا العلماء لأن مسألة التبديع والحكم على الأشخاص ليست بالهينة ، وحتى بـين العلماء فليس كلهم يقبل منهم بل المشهود له بالخير والفضل والسلفية والفطنة والذكاء والخبرة بمثل هذه الأمور الدقيقة ، وإليك ما قاله الإمام الذهبي –رحمه الله- :
( والكلام في الرواة يحتاج إلى ورع تام وبراءة من الهوى والميل ، وخبرة كاملة بالحديث وعلله ورجاله ) ، وقال في ميزان الاعتدال ( 3/46 ) ما نصّه : ( والكلام في الرجال لا يجوز إلا لتام المعرفة تام الورع ) .
هذا في علم الرواية فما بالك في التبديع والحكم على الرجال بالضلالة ، لهذا فإن كلامكم كان من قبيل تحصيل حاصل وزيادة ترقيع فقط !! ، لأن الكل يعرف أن هذا للعلماء وخاصة في الأمور الدقيقة الخفية والنازلة .
ثم عقبتم على قول الشيخ فالح على قاعدة ( قد يجرح بما لا يعتبر جارحا عند غيره ) ! ، فنقول : هل الإمام أحمد وابن تيمية وابن القيم والذهبي وابن باز والألباني يجرحون –وعلى الاصطلاح– بما لا يعتبر جارحاً عند غيرهم ، فإن قلت لا أجبت على نفسك وكفيتنا المئونة ، وإن قلت نعم ، فعليك أن تبين لنا بالمصادر والأدلة أين كان ذلك ولك منا الدعاء .
ثم انتقدتم على الشيخ فالح قوله للسائل بأن لا يقول ( جرح ) ، وهذه سبق بيانها وهي من باب الاصطلاح فقط فلا مشاحة في ذلك .
ثم قلت : ( والشاهد أن من يتحدث على الفرق على خلاف منهج أهل الحديث في الجرح والتعديل لا بد أن يتحدث بحكم الظن والهوى .. ) ، فهل الإمام أحمد والعلامة ابن القيم وشيخه ابن تيمية والألباني وابن باز وغيرهم كما تقول أنت الآن ؟! ، بل الذي يتكلم في الفرق قد يكون ضعيفا في جانب الرواية وعلم المصطلح لكن فتواه في المخالفين وأهل البدع وكلامه عنهم يؤخذ مسلما ، ثم قلت : ( فالذي يتكلم في أهل البدع ويتكلم في المنهج ويتكلم في العقيدة وهو لا تقبل روايته لا يكون إماماً وليس أمامه إلا التقليد ... الخ ) ، فما قولك : في البربهاري وبن بطة ونعيم بن حماد وغيرهم ، هذا ردنا عليك في هذه .
ثم قلت : ( إن جرح الشخص اشتهر .. إلى ... قد أضل الناس بها ) ، فنقول : نلاحظ دندنتك حول التلاميذ !!! ، ولهذا فإنهم ولو كانوا تلاميذ الشيخ الفلاني ووقعوا في ما يقتضي بالحكم عليهم بالتمييع يحكم عليهم ولا كرامة لهم وليس شيخهم عصمة لهم أو حجة في عدم الكلام عنهم ، وقولك للشيخ فالح هل يوافقك العلماء ، فيا شيخ ربيع إن الحق واضح وإن خفي على كبار الأئمة ، وإن طال خفاؤه سيظهر ولو بعد حين .
ثم قلت : ( ألا ترى أن من يخاصمونك ... الخ ) ، فنقول : ينظر فيهم أهم علماء أم دون ذلك فإن كانوا من غير العلماء فلا عبرة بهم وإن كانوا علماء فيحتاج الأمر عندها إلى نظر ، وليس الأمر بالتشهي ويكفي أن هؤلاء الطلاب الذين يطعنون في الشيخ فالح قد فضحهم الله في فتنة أبي الحسن ، وبين ما عندهم من هشة في الولاء والبراء ، والحمد لله فقد أصبح الكثير من الشباب نافرا منهم اللهم بعض الأعاجم نسأل الله أن يبصرهم بحقيقتهم .
ثم قلت : ( من خلط من الناس بين علم الجرح والتعديل .... إلى ... وأصول وفقه ) ، فنقول : إن الحق أغلى ما يوهب ويُبحث عنه وبصراحة نقولها ونحن نأسف -والله- : أنت الذي خلط في هذا الأمر ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم .
لأن التبديع يحتاج إلى استنـتاج من الشريعة ثم بعدها يحكم على الشخص بالبدعة والتي قد تكون وجهاً من أوجه الطعن في الراوي إذا كان كذلك .
ثم نقلت للشيخ فالح نقلا تريد أن تبين تناقضه وأنه يسمي الكلام في أهل البدع جرحاً !! ، مع أن الأمر كما قلت لك هو من باب الاصطلاحات فقط ، وأما تطبيق القواعد فشيء آخر ، وليس كما فهمته وذهبت تسطره في تلك الثلاث نقاط ، ثم دندنت حول الشهرة ونحن في هذا نطالبك : من سبقك من الأئمة بأن الشهرة مقياس في الحكم على الرجال ؟! .
وأنت تعلم أنه قد اختلطت فهوم الشباب بسبب التمييع ، أما الشدة فهي محمودة عند السلف وارجع إلى كتاب تلميذك خالد الظفيري - الذي قدمت له - ترى العجب ، وذلك في فصل كامل عقده في كتابه ( الإجماع ) .
والله الهادي إلى سواء السبيل .

كتبه ابنكم : أبو عبد الله السلفي

الفاروق
10-22-2004, 05:39 AM
الحي لاتؤمن عليه الفتنه!!!!!!!!

مفتاح السلفي
12-19-2005, 04:45 PM
جزاكم الله خيرا

بن حمد الأثري
12-20-2005, 08:40 PM
جزاكم الله خيرا

بن حمد الأثري
07-01-2008, 11:59 PM
** للرفع **

12d8c7a34f47c2e9d3==