المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بدع الكلام والمشي


كيف حالك ؟

وليد سعيد
06-10-2004, 04:48 AM
بدع الكلام والمشي
فصل
التماوت في الكلام والمشي

وإن مما ابتدع واستميل به القلوب العوام الجهال: التماوت في الكلام والمشي، حتى صار ذلك شعاراً لمن يريد أن يظن به النسك والتورع.

صفة الرسول وأصحابه
في الكلام والمشي

فيعلم أن الدين بخلاف ذلك، وهو ما كان عليه النبي ) وأصحابه، ثم السلف الصالح، كما سنورده من أخبارهم في ذلك وصفاتهم في حركاتهم وسكناتهم، فقد كان سيد الأولين والآخرين إذا مشى يقلع من صَبَبِ، وفي سنن أبي داود عن أنس، قال: كان النبي ) إذا مشى كأنما يهوي في صوب. وفي رواية كان إذا مشى يقلع. وفي رواية: إذا زال زال قلعاً. والمعنى: أنه كان يرفع رجليه من الأرض رفعاً بائناً بقوة، لا كمن يمشي اختيالاً ويقارب خطاه تنعماً.
وجاء في صفته( : أنه كان يمشي هوناً. قال ابن الأنباري: معناه كان يميل في مشيته كما يميل الغصن إذا حركه الرياح، الهون معناه الرفق والتثبت، وهو معنى قوله: )يمشون على الأرض هوناً( والمحمود من ذلك ترك العجلة المفرطة، وترك التكاسل والتثبيط والتماوت، ولكن بين ذلك.
وفي كتاب "شرح السنة" عن ابن عباس رضي الله عنه إذا مشى مشى مشياً مجتمعاً يعرف أنه ليس بمشي تماجن ولا كسلان.
وروي عن الشفاء بنت عبد الله أنها رأت فتياناً يقتصدون في المشي رويداً، فقالت: ما هؤلاء? فقالوا: نُساك. فقالت: كان والله عمر رضي الله عنه إذا تكلم أسمع، وإذا مشى أسرع، وإذا ضرب أوجع، وهو الناسك حقاً.
وعن عبيد الله بن عبد الله قال: لم يكن البر يعرف في عمر وابنه حتى يقولا أو يفعلا. قال يزيد بن هارون أخبر عبيد الله بن عبد الله بن أويس المدني عن الزهري عن سالم نحوه. قال: قلت: يا أبا بكر ما تعني بذلك? قال: لم يكونا موحشين ولا متماوتين.
وفي كتاب "الكامل" لأبي العباس المبرد قال: ويروى أن عائشة رضي الله عنها نظرت إلى رجل متماوت، فقالت: ما هذا? فقالوا: أحد القراء. فقالت: قد كان عمر قارئاً، فكان إذا مشى أسرع، وإذا قال أسمع، وإذا ضرب أوجع.
قال: ويروى أن عمر نظر إلى رجل يظهر النسك، يتماوت في مشيته، فخفقه بالدرة، وقال: لا تمت علينا ديننا، أماتك الله.
وروى الإمام أحمد بإسناده إلى أبي الدرداء، قال: أستعيذ بالله من خشوع النفاق. قال: أن ترى الجسد خاشعاً والقلب ليس بخاشع.
وقال سفيان الثوري: سيأتي أقوام يخشعون رياء وسمعة، وهم كالذئاب الضواري، غايتهم الدنيا، وجمع الدراهم من الحلال والحرام.
وقال أبو حاتم الرازي: كان أحمد بن حنبل إذا رأيته تعلم أنه لا يظهر النسك، ورأيت عليه نعلاً لا يشبه نعل القراء، له رأس كبير معقف، وشراكه مشبك، كأنه اشتري له من السوق، ورأيت عليه إزاراً وجبة برد مخططة. قال عبد الرحمن: أراد بهذا- والله اعلم ترك التزين بزي القراء، وإزالته عن نفسه ما يشهر به.
وقال الإمام أبو محمد بن إبراهيم البوشيخي: ما رأيت أحداً في عصر أحمد أكثر منه ديانة وصيانة وأبعد من التماوت.
وقال المروزي: رأيت أبا عبد الله إذا كان في البيت كان عامة جلوسه متربعاً خاشعاً، وإذا كان خارج بيته لم يبن منه شدة خشوع كما كان في بيته.


الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع - للسيوطي

وليد سعيد
06-10-2004, 04:53 AM
التحذير من التماوت

وقال البويطي صاحب الإمام الشافعي رضي الله عنه: أحذر كل متماوت، فإنه مُلُّد. "هو مُفْعِل من اللدد وهي الخصومة" قال الله تعالى: ) وهو ألد الخصام( وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: إذا أعجبك حسن عمل امرئ فقل: )اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون( ولا يستخفنك أحد.
وعن محمد بن أبي عائشة قال: كان يقال لا تكن ذا وجهين وذا لسانين، تظهر للناس أنك تخشى الله وقلبك فاجر.
وسأل رجل الكتاني، فقال له: أوصني، فقال له: كن كما ترى الناس "أو قل: الناس كما تكون".
وقال المدائني: كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عمرو بن العاص وهو واليه بمصر: "رفع إليّ أنك تبكي في مجلسك، فإذا جلست فكن كسائر الناس، ولا تبك" وأخرج الحافظ أبو القاسم في تاريخه، عن محكول، عن رسول الله ) أنه قال: "لا تكونوا عيّابين، ولا مداحين، ولا طعانين، ولا متماوتين".
وأخرج أيضاً في ترجمته بإسناده عن عبد الرحمن بن مهدي قال: "قلت لابن المبارك: إبراهيم ابن أدهم ممن سمع? قال: قد سمع من الناس، ولكن له فضل في نفسه، صاحب سرائر وما رأيته يظهر تسبيحاً، ولا شيئاً من الخير، ولا أكل مع قوم طعاماً إلا كان آخر من يرفع يده عن الطعام".
وأخرج أيضاً عن عاصم بن كليب عن أبيه، قال: لقيت عبد الرحمن الأسود وهو يمشي بجنب الحائط، فقلت له: مالك? فقال: أكره أن يستقبلني إنسان فيسألني عن شيء. فقلت: لكن عمر كان شديد الوطء على الأرض له صوت جهوري.
وروى البيهقي عن ابن المبارك رحمه الله قال: إنه ليعجبني من القراء كل طَلقٍ مِضحاكٍ، فأما من تلقاه بالبشر ويلقاك بالعبوس كأنه يمنّ عليك بسلامه أو بعلمه، فلا أكثر الله في القراء مثله.
وهذه الطلاقة التي أشار إليها هي التي كانت تعرف من أخلاق رسول الله ). وكانت هي الغالبة على أصحابه، وسادات المتقدمين من الأئمة الجامعين بين العلم والعمل: كسعيد بن المسيب إمام أهل المدينة وسيد التابعين في وقته مع حسومته المعروفة في أمر الله تعالى، وكعامر الشعبي من أئمة الكوفة، وابن سيرين من أئمة البصرة، والأوزاعي من أئمة الشام، والليث ابن سعد من أئمة مصر، وغيرهم رضي الله عنهم. فقد عرف ذلك من وقف على أخبارهم، وهي طريقة الإمام الشافعي رحمه الله.
قال الشيخ جمال الدين أبو الفرج بن الجوزي رحمه الله: إذا سكن الخوف القلب أوجب الخشوع في الظاهر، ولا يملك صاحبه فتراه مطرقاً متأدباً متذللاً. وكانوا رضي الله عنهم يجتهدون في ستر ما يظهر من ذلك، فكان محمد بن سيرين رحمه الله يبكي الليل ويضحك بين الناس في النهار.
ولسنا نأمر العالم بالانبساط بين العوام، فإن ذلك يؤذيهم، فقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إذا ذكرتم العلم فاكظموا عليه ولا تخلطوه بضحك فتمجه القلوب.
ومثل هذا لا يسمى رياء لأن قلوب العوام تضيق عن التأويل للعالم إذا انفسح للمباح؛ فينبغي أن يلقاهم بالصمت والأدب. وإنما المذموم تكلف التخشع والتباكي وطأطأة الرأس ليرى بعين الزهد. وربما قيل له: "ادع لنا" فتهيأ للدعاء وكأنه مستنزل الإجابة. وقد ذكرنا عن إبراهيم النخعي: أنه قيل له "ادع لنا" فكره ذلك، وكان من الخائفين- ومن جملة الخوف الحرص على شدة الحياء والذل فلم يرفع رأسه إلى السماء. وليس هذا بفضيلة لأنه لا خشوع فوق خشوع رسول الله ) فقد كان كثيراً ما يرفع رأسه إلى السماء، وفيه دليل على اسحباب النظر إلى السماء لأجل الاعتبار بآياتها، وقال تعالى: )أ فلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزَيّنَّاها وما لها من فروج(. وقال تعالى: )قل انظروا ماذا في السموات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون(.
وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن رضي الله عنه قال: لم يكن أصحاب رسول الله ) متحدقين، ولا متماوتين، وكانوا يتناشدون الشعر في مجالسهم، ويذكرون أمر جاهليتهم، فإذا أريد أحد منهم بشيء من أمر دينه دارت حماليق عينيه كأنه مجنون.
وعن محمد بن عبد الله القرشي عن أبيه، قال: نظر عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى شاب نكس رأسه، فقال: يا هذا ارفع رأسك؛ فإن الخشوع لا يزيد على ما في القلب؛ فمن أظهر للناس خشوعاً فوق ما في قلبه فإنما أظهر نفاقاً على نفاق.
وعن كهمس بن الحسن: أن رجلاً تنفس عند عمر كأنه يتحازن فلكزه عمر "أو قال: فلكمه".
وقد كان السلف يسترون أحوالهم وينصحون بترك التصنع.

قاسم علي
11-10-2005, 08:17 PM
جزاك الله خيرا

12d8c7a34f47c2e9d3==