المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل يحق للعالم أن يثني على نفسه ؟


كيف حالك ؟

شعيب الاسماعيلي
05-16-2004, 11:41 AM
قال ابن رجب رحمه الله في الفرق بين النصيحة والتعيير (33) : ( وأما بيان خطأِ من أخطأ من العلماء قبله ، إذا تأدب في الخطاب ، وأحسن الرد والجواب ، فلا حرج عليه ، ولا لوم يتوجه إليه . وإن صدر منه الاغترار بمقالته فلا حرج عليه ) .
والمقصود أنه إذا كان هذا الثناء لحاجة _ والحاجات متنوعة _ فلا ينبغي أن يُعاب أهل العلم بمجرد ذلك . وإذا كان الأمر كذلك فلا ينبغي أيضاً أن نسيء الظن بأهل العلم وندخل في نياتهم ونفسرها بما نشتهي ، فننهى عن خلق سيء ونقع في خلق أسوأ منه !!

وإليكم أقوال أهل العلم في هذا المقام :
قال ابن عبدالبر في التمهيد (20/39) في شرح قول النبي صلى الله عليه وسلم لما صدر من حنين وهو يريد الجعرانة : ( والذي نفسي بيده لو أفاء الله عليكم مثل سمر تهامة نعما لقسمته بينكم ثم لا تجدونني بخيلاً ولا جباناً ولا كذاباً ) قال : ( وفيه جواز مدح الرجل الفاضل الجليل لنفسه ، ونفيه عن نفسه ما يعيبه بالحق الذي هو فيه وعليه إذا دفعت إلى ذلك ضرورة أو معنى يوجب ذلك ، فلا بأس بذلك ، وقد قال الله عز وجل حاكياً عن يوسف _ عليه السلام _ أنه قال : ( إني حفيظ عليم ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أنا أول من تنشق عنه الأرض ، وأول شافع ، وأول مشفع ، وأنا سيد ولد آدم ولا فخر ، ومثل هذا كثير في السنن ، وعن علماء السلف لا ينكر ذلك إلا من لا علم له بآثار من مضى ).

وقال النووي في شرحه لصحيح مسلم (16/16_17) في شرحه لقول ابن مسعود رضي الله عنه : ( ولقد علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أعلمهم بكتاب الله ، ولو أعلم أن أحداً أعلم مني لرحلت اليه …) قال : ( وفي هذا الحديث جواز ذكر الإنسان نفسه بالفضيلة والعلم ونحوه للحاجة .
وأما النهي عن تزكية النفس فإنما هو لمن زكاها ومدحها لغير حاجة ، بل للفخر والإعجاب .
وقد كثرت تزكية النفس من الأماثل عند الحاجة ، كدفع شر عنه بذلك ، أو تحصيل مصلحة للناس ، أو ترغيب في أخذ العلم عنه ، أو نحو ذلك .
فمن المصلحة قول يوسف صلى الله عليه وسلم ( اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم ) . ومن دفع الشر قول عثمان رضي الله عنه في وقت حصاره أنه جهز جيش العسرة وحفر بئر رومة . ومن الترغيب قول ابن مسعود هذا ، وقول سهل بن سعد : ( ما بقي أحد أعلم بذلك مني ) ، وقول غيره : على الخبير سقطت ، وأشباهه ).

وقال ابن حجر في فتح الباري (11/291) في شرحه لقول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ( إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله …) : ( قال ابن الجوزي : إن قيل كيف ساغ لسعد أن يمدح نفسه ومن شأن المؤمن ترك ذلك لثبوت النهي عنه ؟ فالجواب أن ذلك ساغ له لما عيره الجهال بأنه لا يحسن الصلاة ! فاضطر إلى ذكر فضله . والمدحة إذا خلت عن البغي والاستطالة ، وكان مقصود قائلها إظهار الحق وشكر نعمة الله لم يكره ، كما لو قال القائل : إني لحافظ لكتاب الله ، عالم بتفسيره ، وبالفقه في الدين ، قاصداً إظهار الشكر ، أو تعريف ما عنده ليستفاد ، ولو لم يقل ذلك لم يعلم حاله .
ولهذا قال يوسف عليه السلام : ( إني حفيظ عليم ) ، وقال علي : ( سلوني عن كتاب الله ) ، وقال ابن مسعود : ( لو أعلم أحداً اعلم بكتاب الله مني لأتيته ) . وساق _ يعني ابن الجوزي _ في ذلك أخباراً وآثاراً عن الصحابة والتابعين تؤيد ذلك ).

قال الامام ابن عبد البرـ رحمه الله ـ:
ومن أدب العالم ترك الدعوى لما لا يحسنه، وترك الفخر بما يحسنه إلا أن يضطر إلى ذلك كما اضطر يوسف عليه السلام حين قال ( اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم ) [ يوسف : 55 ] وذلك أنه لم يكن بحضرته من يعرف حقه فيثني عليه بما هو فيه ويعطيه بقسطه، ورأى هو أن ذلك المقعد لا يقعده غيره من أهل وقته إلا قصر عما يجب لله عز وجل من القيام به من حقوقه، فلم يسعه إلا السعي في ظهور الحق بما أمكنه، فإذا كان ذلك فجائز للعالم حينئذٍ الثناء على نفسه، والتنبيه على موضعه، فيكون حينئذٍ تحدث بنعمة ربه عنده على وجه الشكر لها 0وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حديث صدقات النبي r حين تنازع فيه العباس وعلي : (( والله لقد كنت فيها بارًا تابعًا للحق، صادقًا )) 0 ولم يكن ذلك تزكية لنفسه رضي الله عنه 0وأفضح ما يكون للمرء دعواه بما لا يقوم به، وقد عاب العلماء ذلك قديمـًا وحديثـًا 0(جامع بيان العلم 1/576)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ :
أنا أعلم أن أقواما كذبوا علي وقالوا للسلطان أشياء وتكلمت بكلام احتجت إليه؛ مثل أن قلت : من قام بالإسلام أوقات الحاجة غيري؟
ومن الذي أوضح دلائله وبينه؟ وجاهد أعداءه وأقامه لما مال؟ حين تخلى عنه كل أحد؛ ولا أحد ينطق بحجته ولا أحد يجاهد عنه وقمت مظهرًا لحجته مجاهدًا عنه مرغبًا فيه؟ 0(الفتاوى 3/163)
وقال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ وهو يُثني على أحد كتبه:
(( جلاء الأ فهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام )) وهو كتاب فرد في معناه لم يسبق إلى مثله في كثرة فوائده وغزارتها،بينا فيه الأحاديث الواردة في الصلاة والسلام عليه، وصحيحها من حسنها، ومعلولها وبينا ما في معلولها من العلل بيانًا شافيًا، ثم أسرار هذا الدعاء وشرفه وما اشتمل عليه من الحكم والفوائد، ثم مواطن الصلاة ومحالها، ثم الكلام في مقدار الواجب منها، واختلاف أهل العلم فيه، وترجيح الراجح، وتزييف المزيف، ومخبر الكتاب فوق وصفه 0 (زاد المعاد1/85)

12d8c7a34f47c2e9d3==