أبي التياح الضبعي
04-15-2004, 02:03 PM
الفروق الجلية بين فهرسة الكتاب المطبوع والمخطوطة الأثرية .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي فرق في الأجر والثواب بين مدعي العلم ومن له من الطلاب ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أئمة الهدى ومصابيح الظلام وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الحساب .
وبعد ،،،
فهذه وريقات بينت فيها الفرق بين مفهرس المخطوطات ومفهرس الكتاب المطبوع ، وعززت ذلك ببعض النقولات عن علماء هذا الفن والمتخصصين فيه .
وكان سبب جمع هذه المادة أني سمعت بعض الاخوة الأفاضل هون أمر فهرسة المخطوطات حتى جعلها كفهرسة الكتاب المطبوع .
وهذا والله ناتج عن عدم تصور فهرسة المخطوطات التصور الصحيح ، وقد قيل الحكم على الشيء فرع عن تصوره .
والله أسأل التوفيق للجميع في القول والعمل ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،والحمد لله رب العالمين .
الـتـمـهـيــــــــد
1 التمهيد
لا جدال في أن تراثنا المخطوط هو أغلى وأنفس ما تقتنيه مكتباتنا ، وذلك يرجع إلى عدة أسباب أهمها :
1- أن الكتاب المطبوع مهما ندر أو غلا ثمنه يمكن أن يعوض وأن تحل نسخة منه محل نسخة أخرى وتغني عنها . وليس الحال كذلك بالنسبة للمخطوطات ، فكل نسخة من نسخ الكتاب الواحد – مهما تعددت – لها قيمتها الذاتية لأنها كثيرا ما تختلف عن غيرها من النسخ في نصها ، ولأنها – بالضرورة – تتميز عن تلك النسخ بخطها ومدادها وحجمها وتاريخ نسخها ونوع ورقها ، وبما قد تحمله من التمليكات والسماعات والمقابلات وغيرها من مظاهر التوثيق .
2- أن تراثنا المخطوط أضخم تراث مخطوط عرفته البشرية ، لأنه يمتد بطول حقبة من الزمان تربو على أحد عشر قرنا تبدأ منذ عرف العرب الكتب وتستمر حتى دخول الطباعة إلى عالمنا العربي مع نهاية القرن الثامن عشر للميلاد ( أوائل القرن الثالث عشر للهجرة ) ... وإذا كان القرآن الكريم هو الذي حافظ على هذه اللغة وعصمها من التحريف والتبديل وأمدها بمقومات البقاء والاستمرار على مدى تلك القرون المتعاقبة ، فإن تأخر ظهور الطباعة في عالمنا العربي قد أطال عمر عصر المخطوطات وأعطى له امتدادا في العصور الحديثة يضاف إلى هذا العمق التاريخي البعيد .
3- أن هذا التراث يمثل حضارة من أرقى الحضارات التي عرفها التاريخ ، حضارة استطاعت أن تستوعب حضارات الأمم القديمة وأن تهضمها وتتمثلها وتضيف إليها وتثريها وتخرجها لنا في صورة رائعة كانت أساس النهضة الأوربية فلقد أتى على العرب حين من الدهر كانوا فيه أساتذة العالم في كل مجالات العلم والمعرفة ، وعلى مدى أكثر من ثلاثة قرون تبدأ من القرن الثامن الميلادي كان العرب يحملون لواء الحضارة ومشاعل الهداية ، كانت لغتهم الوعاء الذي احتفظ بتراثهم الفكري والحضاري مضافا إليه تراث الأمم القديمة بعد أن ترجموه وأضافوا إليه كل ما فتح الله به عليهم من صور الابتكار والإبداع . ولولا الحضارة الإسلامية التي صيغت بلسان عربي لتأخر عصر النهضة الأوربية بضعة قرون ... ولقد أحدثت الغزوات الخارجية والفتن الداخلية جراحات غائرة في جسد تراثنا المخطوط ما زالت آثارها واضحة للعيان حتى الآن ، فقد مزق هذا التراث شر ممزق ، وضاع منه ما ضاع ، وأتلف منه ما أتلف ، وسرق منه ما سرق ، وما تبقى منه في المكتبات إلى الآن هو في كثير من الأحيان أشلاء متناثرة ، فالكتاب الواحد تتوزع نسخه بين المكتبات وقد لا تتجمع أجزاء النسخة الواحدة في مكتبة واحدة ، فيوجد جزء هنا وجزء هناك ولهذا قد نجد من الكتاب الواحد في المكان الواحد أجزاء مسلسلة ولكنها لا تكمل بعضها لأن كل جزء منها ينتمي إلى نسخة غير النسخة التي ينتمي إليها الجزء الآخر . وهذا يلقي على المكتبات مسؤلية كبيرة في فهرسة ما لديها من أصول هذا التراث فهرسة علمية دقيقة تعرف به وتيسر استخدام الباحثين له (1).
الفـروق بين فهرسـة الكتـاب المطبـوع والكتـاب المخـطـوط
1 الفروق بين فهرسة الكتاب المطبوع والكتاب المخطوط
لقد ذكر المتخصصون في فن الفهرسة بوجه عام ، فروقا كثيرة بين فهرسة المطبوع والمخطوط ، سأذكر – إن شاء الله - منها ما كان واضحا جليا ، وقبل ذكر تلك الفروق أُذكر بأمرين مهمين في نظري :
الأول : يجب التعامل مع المخطوط بحذر حفاظا عليه ، لا كما نلحظ عند بعضهم أنه يتعامل معه كأنه يتعامل مع ورق الجرائد.
الثاني : أن كثيرا من المخطوطات مصابة بأوبئة كثيرة ، زيادة على ذلك آثار تعقيم المخطوطات ، والتي قد يستخدم بعض المراكز فيها مادة ( الباراديكلوروبانزول ) وهي مادة لها أضرار خطيرة جدا ، فينبغي على المفهرس أن يكون حذرا ، باذلا لأسباب السلامة في ذلك .
ــ الفـروق مع إجمال في بعضـها
1) مرحلة تجهيز المخطوط للفهرسة ، وهي التأكد من عدة أشياء :
أ – أن يكون المخطوط مرتبا فإن لم يكن كذلك رتبه المفهرس ، وأصعب أنواع الترتيب أن يكون لمخطوط ليس له تعقيبة ، وغير مطبوع ، فما بالك لو كان مجموعا فيه أكثر من كتاب .!!
ب – أن يكون المخطوط مرقم فإن لم يكن كذلك رقمه ورقة ورقة ، فما بالك لو كان فيه قصاصات ألحقت بالكتاب كشروح أو حواشي ، أو كان المخطوط متهالك فإنه حينئذ يحتاج إلى معاملة خاصة .
2) صفة فهرسة المخطوطات : فإن مفهرس المخطوطات يقوم بوصف المخطوط وصفا دقيقا جدا ، فهو يذكر عنوان المخطوط المثبت على المخطوط ، وما كان له من عناوين أخرى تبينت له خلال توثيق العنوان ، ويذكر اسم المؤلف واسم الشهرة وسنة وفاته ويشير إلى الخلاف في ذلك إن وجد ، وذلك حين توثيق المؤلف ، ويتأكد من نسبة هذا الكتاب إليه ، ويذكر سنة تأليف الكتاب إن وجده في المخطوط أو تبين له من خلال عملية التوثيق ، ويذكر سنة نسخ المخطوط إن وُجِدَت ، وقد يجد سنة النسخ قد رمز لها بحروف معينة أشار لها بعض علماء هذا الفن ، ويذكر عدد أوراقه ، وقياسها ، وعدد الأسطر ، ويذكر نوع الخط ، وهل هو منقوط أو مشكول ، والألوان التي كتب بها المخطوط ، ويذكر الجماليات الموجودة فيها من حيث الزخرفة ، والتأطير ، والتذهيب وغير ذلك ، ويذكر إن كانت مقابلة أو مصححه ، ويذكر ما يوجد على المخطوط كله سواء في أوله أو آخره أو على الهوامش من قيود تملك أو وقف أو أختام أو شراء أو بيع أو بلاغ أو حواشي أو تعليقات أو فوائد ... الخ ، ويذكر أول المخطوط وآخره ، ثم بعد ذلك يبدأ عملية التوثيق المشار إليها آنفا ، فيوثق العنوان والمؤلف وسنة وفاة المؤلف ، مما يتطلب منه أحيانا إلى الرجوع إلى الكثير من المراجع ، وهذا خاص فيما لو ذكر في إحدى هذه الثلاث خلاف ، أو كان المُؤلِف ومؤلفه مغمورين ، ثم يذكر نسخ الكتاب في بعض مكتبات العالم عن طريق فهارس تلك المكتبات ، وما يشوب ذلك من مشقة بسبب اختلاف عناوين المخطوط .
قال د. عبد التواب شرف الدين : ( إذ كانت وظيفة المفهرس أن يعطي المواصفات الدقيقة لكل كتاب بل لكل طبعة من طبعاته بحيث يمكن تمييزها عن غيرها من الطبعات , فإن مفهرس المخطوطات تقع عليه مسئولية مضاعفة من هذه الناحية ذلك أن لكل مخطوطة قيمتها وخصائصها التي تميزها عن غيرها من مخطوطات الكتاب الواحد كنوع الورق وحجمه وعدده ونوع الخط والمداد واسم الناسخ وتاريخ النسخ وما قد يكون مثبتا عليها .... يضاف إلى ذلك أن المخطوطات غالبا ما تكون من مكتبات بعيدة عن الباحث وليس من السهل عليه أن يبلغها ليفحصها بنفسه ومن ثم لابد أن يقدم له الفهرس الذي بين يديه بيانات تفصيلية تساعده في التعرف على ما يحتاجه بكفاية ودقة ، لهذين السببين تتطلب فهرسة المخطوطات تفاصيل لا نحتاجها في فهرسة الكتاب المطبوع الذي تنتج منه آلاف النسخ المتشابهة والمتطابقة في وقت واحد) (2) .
3) مدة فهرسة المخطوط وكمية الإنتاج اليومي : ينبغي ألا يُستعجل في فهرسة المخطوط ، فإن ذلك سيكون على حساب إتقان المفهرس لعمله ، فبعض المخطوطات لا يمكن فهرستها في يوم أو يومين ، وقد تزيد هذه المُدة إذا كان المخطوط مجهول المؤلف والعنوان أو أحدهما(3) أو غير مرتب الأوراق ...الخ
قال د. محمود محمد الضاحي : ( ولم يعد خافيا الآن الفرق بين فهرسة الكتاب المطبوع وفهرسة الكتاب المخطوط ، ففهرسة الكتاب المطبوع تخضع لمواصفات وضوابط قياسية معينة ثابتة ، وكأنها القوالب لا تتغير من كتاب إلى كتاب ، مثل : عنوان الكتاب ، وموضوعه , واسم مؤلفه , وعدد صفحاته , ومكان وزمان الطبع . والهدف الأساسي لفهرسة الكتاب المطبوع : وصف النسخة التي بين يدي المفهرس بوضوح يؤدي إلى جعل أي فرد آخر لديه نسخة أخرى من الطبعة نفسها يقرر بما لا يدع مجالا للشك أنها هي نفسها .
ولا يحتاج مفهرس الكتاب المطبوع إلى أكثر من خمس عشرة دقيقة للفراغ من فهرسة الكتاب الذي بين يديه , وبخاصة أن لجانا كثيرة قد هيأت لذلك المفهرس أدواته لفهرسة ذلك الكتاب المطبوع , بما وضعت له من قواعد وبيانات ( وخانات ) ما عليه إلا أن يملأها .
أما فهرسة الكتاب المخطوط , فشيء آخر تماما , إنها ميدان رحب واسع – وقد يستغرق فهرسة كتاب واحد مخطوط يوما أو بعض يوم – ومع أن هيئات كثيرة بمعاونة أفراد أهل اختصاص وخبرة قد أعدوا للمفهرس أدواته , وهيأوا له أسباب الفهرسة وموادها وحدودها , فلا يزال الأمر في فهرسة الكتاب المخطوط أخطر من تحرير بطاقة تتضمن ذكر عنوان المخطوط , واسم مؤلفه ....) (4).
وقال د. عبد التواب شرف الدين : (... ولا يطالبون بما يطالب به غيرهم من معدلات
الإنتاج لأن العبرة هنا ليست بعدد المخطوطات التي تفهرس إنما بنوعية الفهرسة ومدى دقتها وكفايتها . ) (5)
قال د. عبد الستار الحلوجي : ( الكتاب المطبوع تتفق جميع نسخ الطبعة الواحدة في ملامحها المادية ، وأما المخطوطات فكل نسخة لها ذاتيتها وخصائصها الفردية ) (6).
4) صعوبة العمل في المخطوطات :
قال د. صلاح الدين المنجد :(لأن العمل بالمخطوطات ،بصورة عامة ، مرهق صعب) (7).
5) نوعية المفهرس : لقد ذكر كثير من المتخصصين في الفهرسة أن فهرسة المخطوطات تحتاج نوعا خاصا من المفهرسين .
قال د. عبد التواب شرف الدين : ( تلك هي البيانات التفصيلية التي ينبغي أن يتضمنها فهرس المخطوطات ومبرراتها وهي بيانات تتطلب نوعا معينا من المفهرسين الذين يجمعون بين العلم والدراية بطرق التأليف العربية الأولى وبأنواع الخطوط والورق والمداد وغير ذلك من ألوان المعارف والذين تتوافر لهم كل أدوات البحث اللازم لعملهم ولا يطالبون بما يطالب به
غيرهم من معدلات الإنتاج لأن العبرة هنا ليست بعدد المخطوطات التي تفهرس إنما بنوعية الفهرسة ومدى دقتها وكفايتها . ) (8).
وقال د. صلاح الدين المنجد: ( لكن فهرسة المخطوطات علم قائم بنفسه ،لا يستطيع أن يقوم به إلا من أُوتي شروطا خاصة)(9).
6) قال د. يوسف زيدان : ( لفهرسة المخطوطات مشكلاتها الجمة التي أدت بالباحثين في ميدان التراث إلى الانصراف عن هذا الدرب الوعر , الذي هو واحد من أكثر الأعمال مشقة وأقلها مجدا ... ثانيا : مشكلات فنية .... ويلحق بهذا النوع الأخير من المشكلات مشكلات يمكن وصفها بأنها نفسية ، إذ لا يلقى المفهرسون تقديرا ، كهذا الذي قد يجده المحققون والدارسون... مع أن الفهرسة هي الأصل والمنطلق) (10).
هذا ما أحببت جمعه ، وأسأل الله أن يوفقنا جميعا لكل خير ، وأن يجعل خير أعمالنا خواتيمها ، وخير أيامنا يوم نلقاه فيه ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، والحمد لله رب العالمين .
كتبه الباحث
مليحان بن مرهج الفايد السلفي
يوم الجمعة : 10 / ربيع الآخر / 1423 هـ
الموافق : 21 / 6 / 2002
ــــــــــــــــــــــ
1) المخطوط العربي للدكتور عبد الستار الحلوجي،ص 253 – 255 .
2) الفهرسة الوصفية / الدار الدولية للاستثمارات الثقافية / ص 181 – 182 .
3) انظر طريقة العمل في المخطوط المجهول في بحثي المسمى دراسة في المخطوط المجهول .
4) ندوة قضايا المخطوطات (2) فن فهرسة المخطوطات مدخل وقضايا / تنسيق وتحرير / فيصل الحفيان / ص 190 – 191 .
5) الفهرسة الوصفية ص 183 .
6) ندوة قضايا المخطوطات (2) فن فهرسة المخطوطات ص 27 .
7) قواعد فهرسة المخطوطات العربية / دار الكتاب الجديد / ص 53 .
8) الفهرسة الوصفية ص 183 .
9) قواعد فهرسة المخطوطات العربية ص 10 .
10) ندوة قضايا المخطوطات (2) ص 117 – 118 .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي فرق في الأجر والثواب بين مدعي العلم ومن له من الطلاب ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أئمة الهدى ومصابيح الظلام وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الحساب .
وبعد ،،،
فهذه وريقات بينت فيها الفرق بين مفهرس المخطوطات ومفهرس الكتاب المطبوع ، وعززت ذلك ببعض النقولات عن علماء هذا الفن والمتخصصين فيه .
وكان سبب جمع هذه المادة أني سمعت بعض الاخوة الأفاضل هون أمر فهرسة المخطوطات حتى جعلها كفهرسة الكتاب المطبوع .
وهذا والله ناتج عن عدم تصور فهرسة المخطوطات التصور الصحيح ، وقد قيل الحكم على الشيء فرع عن تصوره .
والله أسأل التوفيق للجميع في القول والعمل ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،والحمد لله رب العالمين .
الـتـمـهـيــــــــد
1 التمهيد
لا جدال في أن تراثنا المخطوط هو أغلى وأنفس ما تقتنيه مكتباتنا ، وذلك يرجع إلى عدة أسباب أهمها :
1- أن الكتاب المطبوع مهما ندر أو غلا ثمنه يمكن أن يعوض وأن تحل نسخة منه محل نسخة أخرى وتغني عنها . وليس الحال كذلك بالنسبة للمخطوطات ، فكل نسخة من نسخ الكتاب الواحد – مهما تعددت – لها قيمتها الذاتية لأنها كثيرا ما تختلف عن غيرها من النسخ في نصها ، ولأنها – بالضرورة – تتميز عن تلك النسخ بخطها ومدادها وحجمها وتاريخ نسخها ونوع ورقها ، وبما قد تحمله من التمليكات والسماعات والمقابلات وغيرها من مظاهر التوثيق .
2- أن تراثنا المخطوط أضخم تراث مخطوط عرفته البشرية ، لأنه يمتد بطول حقبة من الزمان تربو على أحد عشر قرنا تبدأ منذ عرف العرب الكتب وتستمر حتى دخول الطباعة إلى عالمنا العربي مع نهاية القرن الثامن عشر للميلاد ( أوائل القرن الثالث عشر للهجرة ) ... وإذا كان القرآن الكريم هو الذي حافظ على هذه اللغة وعصمها من التحريف والتبديل وأمدها بمقومات البقاء والاستمرار على مدى تلك القرون المتعاقبة ، فإن تأخر ظهور الطباعة في عالمنا العربي قد أطال عمر عصر المخطوطات وأعطى له امتدادا في العصور الحديثة يضاف إلى هذا العمق التاريخي البعيد .
3- أن هذا التراث يمثل حضارة من أرقى الحضارات التي عرفها التاريخ ، حضارة استطاعت أن تستوعب حضارات الأمم القديمة وأن تهضمها وتتمثلها وتضيف إليها وتثريها وتخرجها لنا في صورة رائعة كانت أساس النهضة الأوربية فلقد أتى على العرب حين من الدهر كانوا فيه أساتذة العالم في كل مجالات العلم والمعرفة ، وعلى مدى أكثر من ثلاثة قرون تبدأ من القرن الثامن الميلادي كان العرب يحملون لواء الحضارة ومشاعل الهداية ، كانت لغتهم الوعاء الذي احتفظ بتراثهم الفكري والحضاري مضافا إليه تراث الأمم القديمة بعد أن ترجموه وأضافوا إليه كل ما فتح الله به عليهم من صور الابتكار والإبداع . ولولا الحضارة الإسلامية التي صيغت بلسان عربي لتأخر عصر النهضة الأوربية بضعة قرون ... ولقد أحدثت الغزوات الخارجية والفتن الداخلية جراحات غائرة في جسد تراثنا المخطوط ما زالت آثارها واضحة للعيان حتى الآن ، فقد مزق هذا التراث شر ممزق ، وضاع منه ما ضاع ، وأتلف منه ما أتلف ، وسرق منه ما سرق ، وما تبقى منه في المكتبات إلى الآن هو في كثير من الأحيان أشلاء متناثرة ، فالكتاب الواحد تتوزع نسخه بين المكتبات وقد لا تتجمع أجزاء النسخة الواحدة في مكتبة واحدة ، فيوجد جزء هنا وجزء هناك ولهذا قد نجد من الكتاب الواحد في المكان الواحد أجزاء مسلسلة ولكنها لا تكمل بعضها لأن كل جزء منها ينتمي إلى نسخة غير النسخة التي ينتمي إليها الجزء الآخر . وهذا يلقي على المكتبات مسؤلية كبيرة في فهرسة ما لديها من أصول هذا التراث فهرسة علمية دقيقة تعرف به وتيسر استخدام الباحثين له (1).
الفـروق بين فهرسـة الكتـاب المطبـوع والكتـاب المخـطـوط
1 الفروق بين فهرسة الكتاب المطبوع والكتاب المخطوط
لقد ذكر المتخصصون في فن الفهرسة بوجه عام ، فروقا كثيرة بين فهرسة المطبوع والمخطوط ، سأذكر – إن شاء الله - منها ما كان واضحا جليا ، وقبل ذكر تلك الفروق أُذكر بأمرين مهمين في نظري :
الأول : يجب التعامل مع المخطوط بحذر حفاظا عليه ، لا كما نلحظ عند بعضهم أنه يتعامل معه كأنه يتعامل مع ورق الجرائد.
الثاني : أن كثيرا من المخطوطات مصابة بأوبئة كثيرة ، زيادة على ذلك آثار تعقيم المخطوطات ، والتي قد يستخدم بعض المراكز فيها مادة ( الباراديكلوروبانزول ) وهي مادة لها أضرار خطيرة جدا ، فينبغي على المفهرس أن يكون حذرا ، باذلا لأسباب السلامة في ذلك .
ــ الفـروق مع إجمال في بعضـها
1) مرحلة تجهيز المخطوط للفهرسة ، وهي التأكد من عدة أشياء :
أ – أن يكون المخطوط مرتبا فإن لم يكن كذلك رتبه المفهرس ، وأصعب أنواع الترتيب أن يكون لمخطوط ليس له تعقيبة ، وغير مطبوع ، فما بالك لو كان مجموعا فيه أكثر من كتاب .!!
ب – أن يكون المخطوط مرقم فإن لم يكن كذلك رقمه ورقة ورقة ، فما بالك لو كان فيه قصاصات ألحقت بالكتاب كشروح أو حواشي ، أو كان المخطوط متهالك فإنه حينئذ يحتاج إلى معاملة خاصة .
2) صفة فهرسة المخطوطات : فإن مفهرس المخطوطات يقوم بوصف المخطوط وصفا دقيقا جدا ، فهو يذكر عنوان المخطوط المثبت على المخطوط ، وما كان له من عناوين أخرى تبينت له خلال توثيق العنوان ، ويذكر اسم المؤلف واسم الشهرة وسنة وفاته ويشير إلى الخلاف في ذلك إن وجد ، وذلك حين توثيق المؤلف ، ويتأكد من نسبة هذا الكتاب إليه ، ويذكر سنة تأليف الكتاب إن وجده في المخطوط أو تبين له من خلال عملية التوثيق ، ويذكر سنة نسخ المخطوط إن وُجِدَت ، وقد يجد سنة النسخ قد رمز لها بحروف معينة أشار لها بعض علماء هذا الفن ، ويذكر عدد أوراقه ، وقياسها ، وعدد الأسطر ، ويذكر نوع الخط ، وهل هو منقوط أو مشكول ، والألوان التي كتب بها المخطوط ، ويذكر الجماليات الموجودة فيها من حيث الزخرفة ، والتأطير ، والتذهيب وغير ذلك ، ويذكر إن كانت مقابلة أو مصححه ، ويذكر ما يوجد على المخطوط كله سواء في أوله أو آخره أو على الهوامش من قيود تملك أو وقف أو أختام أو شراء أو بيع أو بلاغ أو حواشي أو تعليقات أو فوائد ... الخ ، ويذكر أول المخطوط وآخره ، ثم بعد ذلك يبدأ عملية التوثيق المشار إليها آنفا ، فيوثق العنوان والمؤلف وسنة وفاة المؤلف ، مما يتطلب منه أحيانا إلى الرجوع إلى الكثير من المراجع ، وهذا خاص فيما لو ذكر في إحدى هذه الثلاث خلاف ، أو كان المُؤلِف ومؤلفه مغمورين ، ثم يذكر نسخ الكتاب في بعض مكتبات العالم عن طريق فهارس تلك المكتبات ، وما يشوب ذلك من مشقة بسبب اختلاف عناوين المخطوط .
قال د. عبد التواب شرف الدين : ( إذ كانت وظيفة المفهرس أن يعطي المواصفات الدقيقة لكل كتاب بل لكل طبعة من طبعاته بحيث يمكن تمييزها عن غيرها من الطبعات , فإن مفهرس المخطوطات تقع عليه مسئولية مضاعفة من هذه الناحية ذلك أن لكل مخطوطة قيمتها وخصائصها التي تميزها عن غيرها من مخطوطات الكتاب الواحد كنوع الورق وحجمه وعدده ونوع الخط والمداد واسم الناسخ وتاريخ النسخ وما قد يكون مثبتا عليها .... يضاف إلى ذلك أن المخطوطات غالبا ما تكون من مكتبات بعيدة عن الباحث وليس من السهل عليه أن يبلغها ليفحصها بنفسه ومن ثم لابد أن يقدم له الفهرس الذي بين يديه بيانات تفصيلية تساعده في التعرف على ما يحتاجه بكفاية ودقة ، لهذين السببين تتطلب فهرسة المخطوطات تفاصيل لا نحتاجها في فهرسة الكتاب المطبوع الذي تنتج منه آلاف النسخ المتشابهة والمتطابقة في وقت واحد) (2) .
3) مدة فهرسة المخطوط وكمية الإنتاج اليومي : ينبغي ألا يُستعجل في فهرسة المخطوط ، فإن ذلك سيكون على حساب إتقان المفهرس لعمله ، فبعض المخطوطات لا يمكن فهرستها في يوم أو يومين ، وقد تزيد هذه المُدة إذا كان المخطوط مجهول المؤلف والعنوان أو أحدهما(3) أو غير مرتب الأوراق ...الخ
قال د. محمود محمد الضاحي : ( ولم يعد خافيا الآن الفرق بين فهرسة الكتاب المطبوع وفهرسة الكتاب المخطوط ، ففهرسة الكتاب المطبوع تخضع لمواصفات وضوابط قياسية معينة ثابتة ، وكأنها القوالب لا تتغير من كتاب إلى كتاب ، مثل : عنوان الكتاب ، وموضوعه , واسم مؤلفه , وعدد صفحاته , ومكان وزمان الطبع . والهدف الأساسي لفهرسة الكتاب المطبوع : وصف النسخة التي بين يدي المفهرس بوضوح يؤدي إلى جعل أي فرد آخر لديه نسخة أخرى من الطبعة نفسها يقرر بما لا يدع مجالا للشك أنها هي نفسها .
ولا يحتاج مفهرس الكتاب المطبوع إلى أكثر من خمس عشرة دقيقة للفراغ من فهرسة الكتاب الذي بين يديه , وبخاصة أن لجانا كثيرة قد هيأت لذلك المفهرس أدواته لفهرسة ذلك الكتاب المطبوع , بما وضعت له من قواعد وبيانات ( وخانات ) ما عليه إلا أن يملأها .
أما فهرسة الكتاب المخطوط , فشيء آخر تماما , إنها ميدان رحب واسع – وقد يستغرق فهرسة كتاب واحد مخطوط يوما أو بعض يوم – ومع أن هيئات كثيرة بمعاونة أفراد أهل اختصاص وخبرة قد أعدوا للمفهرس أدواته , وهيأوا له أسباب الفهرسة وموادها وحدودها , فلا يزال الأمر في فهرسة الكتاب المخطوط أخطر من تحرير بطاقة تتضمن ذكر عنوان المخطوط , واسم مؤلفه ....) (4).
وقال د. عبد التواب شرف الدين : (... ولا يطالبون بما يطالب به غيرهم من معدلات
الإنتاج لأن العبرة هنا ليست بعدد المخطوطات التي تفهرس إنما بنوعية الفهرسة ومدى دقتها وكفايتها . ) (5)
قال د. عبد الستار الحلوجي : ( الكتاب المطبوع تتفق جميع نسخ الطبعة الواحدة في ملامحها المادية ، وأما المخطوطات فكل نسخة لها ذاتيتها وخصائصها الفردية ) (6).
4) صعوبة العمل في المخطوطات :
قال د. صلاح الدين المنجد :(لأن العمل بالمخطوطات ،بصورة عامة ، مرهق صعب) (7).
5) نوعية المفهرس : لقد ذكر كثير من المتخصصين في الفهرسة أن فهرسة المخطوطات تحتاج نوعا خاصا من المفهرسين .
قال د. عبد التواب شرف الدين : ( تلك هي البيانات التفصيلية التي ينبغي أن يتضمنها فهرس المخطوطات ومبرراتها وهي بيانات تتطلب نوعا معينا من المفهرسين الذين يجمعون بين العلم والدراية بطرق التأليف العربية الأولى وبأنواع الخطوط والورق والمداد وغير ذلك من ألوان المعارف والذين تتوافر لهم كل أدوات البحث اللازم لعملهم ولا يطالبون بما يطالب به
غيرهم من معدلات الإنتاج لأن العبرة هنا ليست بعدد المخطوطات التي تفهرس إنما بنوعية الفهرسة ومدى دقتها وكفايتها . ) (8).
وقال د. صلاح الدين المنجد: ( لكن فهرسة المخطوطات علم قائم بنفسه ،لا يستطيع أن يقوم به إلا من أُوتي شروطا خاصة)(9).
6) قال د. يوسف زيدان : ( لفهرسة المخطوطات مشكلاتها الجمة التي أدت بالباحثين في ميدان التراث إلى الانصراف عن هذا الدرب الوعر , الذي هو واحد من أكثر الأعمال مشقة وأقلها مجدا ... ثانيا : مشكلات فنية .... ويلحق بهذا النوع الأخير من المشكلات مشكلات يمكن وصفها بأنها نفسية ، إذ لا يلقى المفهرسون تقديرا ، كهذا الذي قد يجده المحققون والدارسون... مع أن الفهرسة هي الأصل والمنطلق) (10).
هذا ما أحببت جمعه ، وأسأل الله أن يوفقنا جميعا لكل خير ، وأن يجعل خير أعمالنا خواتيمها ، وخير أيامنا يوم نلقاه فيه ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، والحمد لله رب العالمين .
كتبه الباحث
مليحان بن مرهج الفايد السلفي
يوم الجمعة : 10 / ربيع الآخر / 1423 هـ
الموافق : 21 / 6 / 2002
ــــــــــــــــــــــ
1) المخطوط العربي للدكتور عبد الستار الحلوجي،ص 253 – 255 .
2) الفهرسة الوصفية / الدار الدولية للاستثمارات الثقافية / ص 181 – 182 .
3) انظر طريقة العمل في المخطوط المجهول في بحثي المسمى دراسة في المخطوط المجهول .
4) ندوة قضايا المخطوطات (2) فن فهرسة المخطوطات مدخل وقضايا / تنسيق وتحرير / فيصل الحفيان / ص 190 – 191 .
5) الفهرسة الوصفية ص 183 .
6) ندوة قضايا المخطوطات (2) فن فهرسة المخطوطات ص 27 .
7) قواعد فهرسة المخطوطات العربية / دار الكتاب الجديد / ص 53 .
8) الفهرسة الوصفية ص 183 .
9) قواعد فهرسة المخطوطات العربية ص 10 .
10) ندوة قضايا المخطوطات (2) ص 117 – 118 .