المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ما الفرق بين الطلاق السني والطلاق البدعي وهل يقع الطلاق في النوع الثاني؟


كيف حالك ؟

عبدالله بن حمد
04-08-2004, 01:08 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سؤال فقهي لمن يعرف الاجابة من اقوال اهل العلم

ما الفرق بين الطلاق السني والطلاق البدعي وهل يقع الطلاق في النوع الثاني؟

أبي التياح الضبعي
04-08-2004, 01:53 PM
مازال العلماء قديماً وحديثاً يصفون الطلاق بالسنة والبدعة
أما طلاق السني هو طلاق المدخول بها وليست بحامل ولاصغيرة ولاآيسة
وأما طلاق البدعي هو طلاق المدخول بها في حيض أو نفاس أو طهر جامعها فيه ولم يتبين حملها
ويبقى قسم آخر وهو لاسنة ولابدعة كطلاق غير المدخول بها والحامل والآيسة والصغيرة
فطلاق السنة ان يوقعه في طهر لم يجامعها فيه وهي مدخول بها((لأن ابن عمر رضي الله عنهما طلق زوجته وهي حائض فسأل عمر رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر فإن شاء أمسكها وإن شاء طلقها قبل ان يجامع فتلك العدة التي امر الله تعالى ان يطلق لها النساء))وفي رواية((قبل ان يمسها))رواه البخاري ومسلم

عبدالله بن حمد
04-09-2004, 01:34 AM
جزاك الله خيرا

ولكن ماذا بخصوص الشق الثاني من السؤال؟ وهل يقع الطلاق في الطلاق البدعي؟

الذهبي
04-12-2004, 06:21 AM
أخي عبدالله ... إستمع هذه المادة الصوتية للعلامة ابن عثيمين رحمه الله

تصنيف: 12- شرح - زاد المستقنع/14-الطلاق الجزء الثاني

مواضيع المادة الصوتية:
1- تابع طلاق الموسوس .
2- إذا عزل وكيله في الطلاق فهل يقع الطلاق ؟
3- هل يصح للزوج أن يوكل زوجته في طلاق نفسه منه ؟
4- فصل في الطلاق السني والطلاق البدعي .
5- هل يقع الطلاق البدعي ؟

هنا (http://www.binothaimeen.com/sound/rpm/a0167/003.rpm)

عبدالله بن حمد
04-12-2004, 07:11 PM
جزاك الله خيرا ولكن الرابط الصوتي لا يعمل

على كل قد كتب احد الاعضاء كتابة قد حذفت ولا ادري السبب وهي نقله عن ابن قدامه كما في كتاب المغني قوله: فصل: فان طلق للبدعة وهو ان يطلقها حائضا او في طهر أصابها فيه أثم ووقع طلاقه في قول عامة أهل العلم، قال ابن المنذر وابن عبدالبر: لم يخالف في ذلك الاّ أهل البدع والضلال ....

واضيف هنا كذلك قول صاحب كتاب عون المعبود شرح سنن ابي داود قوله: قال:(لعله يقصد الخطابي) وفي الحديث بيان أن طلاق الحائض واقع ولولا أنه قد وقع لم يكن لأمره في المراجعة معنى. وقال النووي: قد أجمعت الامة على تحريم طلاق الحائض الحائل بدون رضاها فلو طلقها أثم ووقع طلاقه ويؤمر بالرجعة، وشذ بعض أهل الظاهر فقال لا يقع طلاقه والصواب الاول وبه قال العلماء كافة انتهى.

الذهبي
04-12-2004, 07:56 PM
و إياك أخي عبدالله .... قم بتنزيل الرابط إلى جهازك و :

http://members.lycos.co.uk/tamerr12/up/tamer/ta7weel.jpg


و إذا لم تفلح أدخل موقع الشيخ رحمه الله من هنا (http://www.binothaimeen.com/modules.php?name=Web_Links) و ابحث عن كلمة الطلاق و ستجد إن شاء الله ما يسرك

عبدالله بن حمد
04-13-2004, 08:15 PM
باب الطلاق يقع على الحائض وإن كان بدعيا


قال الشافعي رحمه الله بين يعني في حديث بن عمر أن الطلاق يقع على الحائض لأنه إنما يؤمر بالمراجعة من لزمه الطلاق فأما من لم يلزمه الطلاق فهو بحاله قبل الطلاق قال الشيخ قد ذكرنا حديث سالم ونافع وعبد الله بن دينار عن بن عمر.

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ نا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الأصم إملاء نا السري بن خزيمة نا حجاج بن منهال نا يزيد بن إبراهيم التستري حدثني محمد بن سيرين حدثني يونس بن جبير قال سألت بن عمر قلت رجل طلق امرأته وهي حائض فقال تعرف عبد الله بن عمر قلت نعم قال فإن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض فأتى عمر رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فأمره أن يراجعها ثم يطلقها في قبل عدتها قال قلت فيعتد بها قال نعم قال أرأيت ان عجز واستحمق رواه البخاري في الصحيح عن حجاج بن منهال إلا أنه قال قلت فيعتد بتلك التطليقة قال أرأيت ان عجز واستحمق.

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو بكر بن إسحاق أنا محمد بن أيوب أنا أبو الربيع ومسدد قالا نا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين عن يونس بن جبير قال سألت بن عمر قلت رجل طلق امرأته وهي حائض قال تعرف بن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فسأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يراجعها قلت فيعتد بتلك التطليقة قال فمه أرأيت ان عجز واستحمق رواه مسلم في الصحيح عن أبي الربيع.

أخبرنا أبو بكر بن فورك أنا عبد الله بن جعفر نا يونس بن حبيب نا أبو داود نا شعبة ح وأخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ أنا أبو عمرو عثمان بن أحمد الدقاق ببغداد أنا عبد الملك بن محمد نا بشر بن عمر نا شعبة ح وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو الفضل بن إبراهيم نا أحمد بن سلمة نا محمد بن بشار نا محمد بن جعفر نا شعبة عن قتادة قال سمعت يونس بن جبير قال سمعت بن عمر قال طلقت امرأتي وهي حائض فأتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعها فإذا طهرت فليطلقها قال فقلت لابن عمر فاحتسبت بها قال فما يمنعه أرأيت ان عجز واستحمق لفظ حديث غندر رواه البخاري في الصحيح عن سليمان بن حرب عن شعبة ورواه مسلم عن محمد بن بشار.

وأخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان نا علي بن الحسن نا حجاج بن منهال نا شعبة بن الحجاج أخبرني أنس بن سيرين قال سمعت بن عمر يقول طلقت امرأتي وهي حائض قال فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم قال فقال ليراجعها فإذا طهرت فليطلقها قال فقلت له يعني لابن عمر يحتسب بها قال فمه. رواه البخاري في الصحيح عن سليمان بن حرب عن شعبة وأخرجه مسلم من حديث غندر عن شعبة .

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو بكر أحمد بن سلمان الفقيه نا عبد الملك بن محمد الرقاشي ثنا بشر بن عمر نا شعبة عن أنس بن سيرين فذكره بنحوه غير أنه قال فليطلقها إن شاء قال فقال عمر رضي الله عنه يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفتحتسب بتلك التطليقة قال نعم.

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر أحمد بن الحسن قالا نا أبو العباس محمد بن يعقوب نا محمد بن إسحاق الصغاني أنا يعلى بن عبيد نا عبد الملك بن أبي سليمان ح وأنا أبو عبد الله أنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب نا جعفر بن محمد حدثني يحيى بن يحيى أنا خالد بن عبد الله عن عبد الملك عن أنس بن سيرين قال سألت بن عمر عن امرأته التي طلق فقال طلقتها وهي حائض فذكر ذلك لعمر رضي الله عنه فذكره للنبي صلى الله عليه وسلم فقال مره فليراجعها فإذا طهرت فليطلقها لطهرها قال فراجعتها ثم طلقتها لطهرها قلت فاعتدت بتلك التطليقة التي طلقت وهي حائض قال ما لي لا أعتد بها وإن كنت عجزت واستحمقت رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى.

أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ أنا محمد بن يعقوب أبو عبد الله نا إبراهيم بن أبي طالب نا محمد بن رافع نا عبد الرزاق أنا بن جريج أخبرني بن طاوس عن أبيه أنه سمع بن عمر سئل عن رجل طلق امرأته حائضا فقال أتعرف عبد الله بن عمر فقال نعم قال فإنه طلق امرأته حائضا فذهب عمر رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر فأمره أن يرتجعها قال لم أسمعه يزيد على ذلك لأبيه رواه مسلم في الصحيح عن إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق .

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر بن الحسن القاضي قالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب نا محمد بن إسحاق نا قبيصة نا سفيان عن منصور عن أبي وائل أن بن عمر طلق امرأته وهي حائض فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يراجعها حتى تطهر فإذا طهرت طلقها .

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي طاهر الدقاق ببغداد نا أحمد بن سلمان نا أحمد بن زهير بن حرب نا محمد بن سابق أبو جعفر إملاء من كتابه نا شيبان بن عبد الرحمن عن فراس عن عامر قال طلق بن عمر امرأته وهي حائض واحدة فانطلق عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فأمره إذا طهرت أن يراجعها ثم يستقبل الطلاق في عدتها ثم تحتسب بالتطليقة التي طلق أول مرة .

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر بن الحسن القاضي قالا نا أبو العباس الأصم نا محمد بن إسحاق أنا علي بن معبد نا أبو المليح عن ميمون بن مهران عن بن عمر أنه طلق امرأته في حيضتها قال فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرتجعها حتى تطهر فإذا طهرت فإن شاء طلق وإن شاء أمسك قبل أن يجامع.

أخبرنا أبو بكر بن فورك أنا عبد الله بن جعفر نا يونس بن حبيب نا أبو داود نا بن أبي ذئب عن نافع عن بن عمر رضي الله عنه أنه طلق امرأته وهي حائض فأتى عمر رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فجعلها واحدة قال البخاري وقال أبو معمر نا عبد الوارث أخبرناه أيوب عن سعيد بن جبير عن بن عمر رضي الله عنه قال حسبت على بتطليقة.

أخبرنا أبو علي الروذباري أنا أبو بكر بن داسه نا أبو داود نا أحمد بن صالح ثنا عبد الرزاق أنا بن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عروة يسأل بن عمر وأبو الزبير يسمع قال كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضا قال طلق عبد الله بن عمر رضي الله عنهما امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عمر رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض قال عبد الله فردها علي ولم يرها شيئا وقال إذا طهرت فليطلق أو ليمسك قال بن عمر وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن أي في قبل عدتهن رواه مسلم في الصحيح عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق قال مسلم أخطأ حيث قال عروة إنما هو مولى عزة وأخرجه مسلم من حديث حجاج بن محمد وأبي عاصم عن بن جريج وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعها فردها وهو في رواية بعضهم عن عبد الرزاق قال فقال لي راجعها فردها علي ولم يرها شيئا .

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ نا أبو العباس محمد بن يعقوب نا الربيع بن سليمان قال قال الشافعي رضي الله عنه وحديث أبي الزبير شبيه به يعني بما روى نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر بالرجعة قال الشافعي ونافع أثبت عن بن عمر من أبي الزبير والأثبت من الحديثين أولى أن يقال به إذا خالفه قال وقد وافق نافع غيره من أهل الثبت في الحديث فقيل له أحسبت تطليقة بن عمر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم تطليقة قال فمه وإن عجز يعني انها حسبت والقرآن يدل على أنها تحسب قال الله تعالى: { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} لم يخصص طلاقا دون طلاق ثم ساق الكلام إلى أن قال وقد يحتمل أن يكون لم تحسب شيئا صوابا غير خطأ كما يقال للرجل أخطأ في فعله وأخطأ في جواب أجاب به لم يصنع شيئا يعني لم يصنع شيئا صوابا .

أخبرنا أبو علي الروذباري أنا أبو بكر بن داسه ثنا أبو داود هو السجستاني قال الأحاديث كلها على خلاف ما قال أبو الزبير.

أخبرنا أبو الفوارس الحسن بن أحمد بن أبي الفوارس أخو الشيخ أبي الفتح الحافظ رحمه الله ببغداد نا أبو بكر أحمد بن جعفر بن محمد بن سلم نا أبو جعفر بن محمد بن يوسف ثنا أبو الصلت إسماعيل بن أبي أمية الذارع من حفظه ثنا حماد بن زيد نا عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك قال سمعت معاذ بن جبل رضي الله عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من طلق للبدعة ألزمناه بدعته .

أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي انا أبو الحسن الدارقطني الحافظ قال إسماعيل بن أبي أمية البصري متروك الحديث .


--------------------------------------------------------------------------------

سنن البيهقي الكبرى ج:7 ص:325 - 327

أبي التياح الضبعي
04-14-2004, 03:06 AM
قال الحافظ ابن قيم الجوزية في عون المعبود معلقاً على حديث((‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن صالح ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الرزاق ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏ابن جريج ‏ ‏أخبرني ‏ ‏أبو الزبير ‏
‏أنه سمع ‏ ‏عبد الرحمن بن أيمن ‏ ‏مولى ‏ ‏عروة ‏ ‏يسأل ‏ ‏ابن عمر ‏ ‏وأبو الزبير ‏ ‏يسمع قال كيف ‏ ‏ترى في رجل طلق امرأته حائضا قال طلق ‏ ‏عبد الله بن عمر ‏ ‏امرأته وهي حائض على عهد رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فسأل ‏ ‏عمر ‏ ‏رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقال إن ‏ ‏عبد الله بن عمر ‏ ‏طلق امرأته وهي حائض قال ‏ ‏عبد الله ‏ ‏فردها علي ولم يرها شيئا وقال إذا طهرت فليطلق أو ليمسك قال ‏ ‏ابن عمر ‏ ‏وقرأ النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏
‏يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن ‏
‏في قبل عدتهن ‏
‏قال ‏ ‏أبو داود ‏ ‏روى ‏ ‏هذا الحديث عن ‏ ‏ابن عمر ‏ ‏يونس بن جبير ‏ ‏وأنس بن سيرين ‏ ‏وسعيد بن جبير ‏ ‏وزيد بن أسلم ‏ ‏وأبو الزبير ‏ ‏ومنصور ‏ ‏عن ‏ ‏أبي وائل ‏ ‏معناهم كلهم أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أمره أن يراجعها حتى تطهر ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك ‏ ‏وكذلك ‏ ‏رواه ‏ ‏محمد بن عبد الرحمن ‏ ‏عن ‏ ‏سالم ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عمر ‏ ‏وأما رواية ‏ ‏الزهري ‏ ‏عن ‏ ‏سالم ‏ ‏ونافع ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عمر ‏ ‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أمره أن يراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك ‏ ‏وروي عن ‏ ‏عطاء الخراساني ‏ ‏عن ‏ ‏الحسن ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عمر ‏ ‏نحو رواية ‏ ‏نافع ‏ ‏والزهري ‏ ‏والأحاديث كلها على خلاف ما قال ‏ ‏أبو الزبير ))
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : وقد أخرج مسلم في صحيحه " حديث أبي الزبير هذا بحروفه " إلا أنه لم يقل " ولم يرها شيئا " بل قال : " فردها " , وقال " إذا طهرت " إلى آخره . ‏
‏وقد دل حديث ابن عمر هذا على أمور : منها : تحريم الطلاق في الحيض . ‏
‏ومنها : أنه حجة لمن قال بوقوعه , قالوا : لأن الرجعة إنما تكون بعد الطلاق , ونازعهم في ذلك آخرون . ‏
‏وقالوا : لا معنى لوقوع الطلاق , والأمر بالمراجعة , فإنه لو لم يعد الطلاق , لم يكن لأمره بالرجعة معنى , بل أمره بارتجاعها , وهو ردها إلى حالها الأولى قبل تطليقها , دليل على أن الطلاق لم يقع . ‏
‏قالوا : وقد صرح بهذا في حديث أبي الزبير المذكور آنفا . ‏
‏قالوا : وأبو الزبير ثقة في نفسه صدوق حافظ , إنما تكلم في بعض ما رواه عن جابر معنعنا لم يصرح بسماعه منه , وقد صرح في هذا الحديث بسماعه من ابن عمر , فلا وجه لرده . ‏
‏قالوا : ولا يناقض حديثه ما تقدم من قول ابن عمر فيه : " أرأيت إن عجز واستحمق " وقوله " فحسبت من طلاقها " , لأنه ليس في ذلك لفظ مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم . وقوله " ولم يرها شيئا " مرفوع صريح في عدم الوقوع . ‏
‏قالوا : وهذا مقتضى قواعد الشريعة . فإن الطلاق لما كان منقسما إلى حلال وحرام , كان قياس قواعد الشرع أن حرامه باطل غير معتد به , كالنكاح وسائر العقود التي تنقسم إلى حلال وحرام , ولا يرد على ذلك الظهار , فإنه لا يكون قط إلا حراما , لأنه منكر من القول وزور , فلو قيل لا يصح , لم يكن للظهار حكم أصلا . ‏
‏قالوا : وكما أن قواعد الشريعة أن النهي يقتضي التحريم , فكذلك يقتضي الفساد , وليس معنا ما يستدل به على فساد العقد إلا النهي عنه . ‏
‏قالوا : ولأن هذا طلاق منع منه صاحب الشرع , وحجر على العبد في اتباعه , فكما أفاد منعه وحجره عدم جواز الإيقاع أفاد عدم نفوذه , وإلا لم يكن للحجر فائدة , وإنما فائدة الحجر عدم صحة ما حجر على المكلف فيه . ‏
‏قالوا : ولأن الزوج لو أذن له رجل بطريق الوكالة أن يطلق امرأته طلاقا معينا فطلق غير ما أذن له فيه , لم ينفذ لعدم إذنه . والله سبحانه إنما أذن للعبد في الطلاق المباح , ولم يأذن له في المحرم , فكيف تصححون ما لم يأذن به , وتوقعونه , وتجعلونه من صحيح أحكام الشرع ؟ ! ‏
‏قالوا : ولأنه لو كان الطلاق نافذا في الحيض لكان الأمر بالمراجعة والتطليق بعده تكثيرا من الطلاق البغيض إلى الله , وتقليلا لما بقي من عدده الذي يتمكن من المراجعة معه . ومعلوم أنه لا مصلحة في ذلك . ‏
‏قالوا : وإن مفسدة الطلاق الواقع في الحيض , لو كان واقعا , لا يرتفع بالرجعة والطلاق بعدها , بل إنما يرتفع بالرجعة المستمرة التي تلم شعث النكاح , وترقع خرقه . فأما رجعة يعقبها طلاق , فلا تزيل مفسدة الطلاق الأول , لو كان واقعا . ‏
‏قالوا : وأيضا فما حرمه الله سبحانه من العقود , فهو مطلوب الإعدام بكل طريق حتى يجعل وجوده كعدمه في حكم الشرع , ولهذا كان ممنوعا من فعله , باطلا في حكم الشرع والباطل شرعا كالمعدوم . ومعلوم أن هذا هو مقصود الشارع مما حرمه ونهى عنه , فالحكم ببطلان ما حرمه ومنع منه أدنى إلى تحصيل هذا المطلوب وأقرب , بخلاف ما إذا صحح , فإنه يثبت له حكم الوجود . ‏
‏قالوا : ولأنه إذا صحح استوى هو والحلال في الحكم الشرعي , وهو الصحة . وإنما يفترقان في موجب ذلك من الإثم والذم ومعلوم أن الحلال المأذون فيه لا يساوي المحرم الممنوع منه البتة . ‏
‏قالوا : وأيضا فإنما حرم لئلا ينفذ ولا يصح , فإذا نفذ وصح , وترتب عليه حكم الصحيح , كان ذلك عائدا على مقتضى النهي بالإبطال . ‏
‏قالوا : وأيضا فالشارع إنما حرمه ونهى عنه لأجل المفسدة التي تنشأ من وقوعه , فإن ما نهى عنه الشرع وحرمه لا يكون قط إلا مشتملا عن مفسدة خالصة أو راجحة , فنهى عنه قصدا لإعدام تلك المفسدة . فلو حكم بصحته ونفوذه لكان ذلك تحصيلا للمفسدة التي قصد الشارع إعدامها , وإثباتا لها . ‏
‏قالوا : وأيضا فالعقد الصحيح هو الذي يترتب عليه أثره , ويحصل منه مقصوده . وهذا إنما يكون في العقود التي أذن فيها الشارع , وجعلها أسبابا لترتب آثارها عليها , فما لم يأذن فيه ولم يشرعه كيف يكون سببا لترتب آثاره عليه , ويجعل كالمشروع المأذون فيه . ‏
‏قالوا : وأيضا فالشارع إنما جعل للمكلف مباشرة الأسباب فقط , وأما أحكامها المترتبة عليها فليست إلى المكلف , وإنما هي إلى الشارع , فهو قد نصب الأسباب وجعلها مقتضيات لأحكامها , وجعل السبب مقدورا للعبد , فإذا باشره رتب عليه الشارع أحكامه . فإذا كان السبب محرما كان ممنوعا منه ولم ينصبه الشارع مقتضيا لآثار السبب المأذون فيه , والحكم ليس إلى المكلف حتى يكون إيقاعه إليه غير مأذون فيه , ولا نصبه الشارع لترتب الآثار عليه , فترتيبها عليه إنما هو بالقياس على السبب المباح المأذون فيه ! وهو قياس في غاية الفساد , إذ هو قياس أحد النقيضين على الآخر في التسوية بينهما في الحكم , ولا يخفى فساده . ‏
‏قالوا : وأيضا فصحة العقد هو عبارة عن ترتب أثره المقصود للمكلف عليه , وهذا الترتب نعمة من الشارع , أنعم بها على العبد , وجعل له طريقا إلى حصولها بمباشرة الأسباب التي أذن له فيها , فإذا كان السبب محرما منهيا عنه كانت مباشرته معصية , فكيف تكون المعصية سببا لترتب النعمة التي قصد المكلف حصولها ! ‏
‏قالوا : وقد علل من أوقع الطلاق , وأوجب الرجعة , إيجاب الرجعة بهذه العلة بعينها وقالوا : أوجبنا عليه الرجعة معاملة له بنقيض قصده , فإنه ارتكب أمرا محرما , يقصد به الخلاص من الزوجة , فعومل بنقيض قصده , فأمر برجعتها . ‏
‏قالوا : فما جعلتموه أنتم علة لإيجاب الرجعة , فهو بعينه علة لعدم وقوع الطلاق الذي قصده المكلف بارتكابه ما حرم الله عليه . ولا ريب أن دفع وقوع الطلاق أسهل من دفعه بالرجعة , فإذا اقتضت هذه العلة دفع أثر الطلاق بالرجعة , فلأن تقتضي دفع وقوعه أولى وأحرى . ‏
‏قالوا : وأيضا فلله تعالى في الطلاق المباح حكمان : أحدهما : إباحته والإذن فيه , والثاني : جعله سببا للتخلص من الزوجة . فإذا لم يكن الطلاق مأذونا فيه انتفى الحكم الأول , وهو الإباحة , فما الموجب لبقاء الحكم الثاني , وقد ارتفع سببه . ومعلوم أن بقاء الحكم بدون سببه ممتنع ولا تصح دعوى أن الطلاق المحرم سبب لما تقدم قالوا : وأيضا فليس في لفظ الشارع " يصح كذا ولا يصح " , وإنما يستفاد ذلك من إطلاقه ومنعه , فما أطلقه وأباحه فباشره المكلف حكم بصحته , بمعنى أنه وافق أمر الشارع . فصح , وما لم يأذن فيه ولم يطلقه فباشره المكلف حكم بعدم صحته , بمعنى أنه خالف أمر الشارع وحكمه . وليس معنا ما يستدل به على الصحة والفساد إلا موافقة الأمر والإذن , وعدم موافقتهما . فإن حكمتم بالصحة مع مخالفة أمر الشارع وإباحته , لم يبق طريق إلى معرفة الصحيح من الفاسد , إذ لم يأت من الشرع إخبار بأن هذا صحيح وهذا فاسد غير الإباحة والتحريم , فإذا جوزتم ثبوت الصحة مع التحريم , فبأي شيء تستدلون بعد ذلك على فساد العقد وبطلانه . قالوا : وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد " , وفي لفظ : " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " , والرد فعل بمعنى المفعول , أي فهو مردود , وعبر عن المفعول بالمصدر مبالغة , حتى كأنه نفس الرد , وهذا تصريح بإبطال كل عمل على خلاف أمره ورده , وعدم اعتباره في حكمه المقبول , ومعلوم أن المردود هو الباطل بعينه , بل كونه ردا أبلغ من كونه باطلا , إذ الباطل قد يقال لما لا تقع فيه أو لما منفعته قليلة جدا وقد يقال لما ينتفع به ثم يبطل نفعه , وأما المردود فهو الذي لم يجعله شيئا ولم يترتب عليه مقصوده أصلا . ‏
‏قالوا : فالمطلق في الحيض قد طلق طلاقا ليس عليه أمر الشارع , فيكون مردودا , فلو صح ولزم لكان مقبولا منه , وهو خلاف النص . ‏
‏قالوا : وأيضا فالشارع أباح للمكلف من الطلاق قدرا معلوما في زمن مخصوص ولم يملكه أن يتعدى القدر الذي حد له , ولا الزمن الذي عين له , فإذا تعدى ما حد له من العدد كان لغوا باطلا , فكذلك إذا تعدى ما حد له من الزمان يكون لغوا باطلا , فكيف يكون عدوانه في الوقت صحيحا معتبرا لازما , وعدوانه أنه في العدد لغوا باطلا ؟ ‏
‏قالوا : وهذا كما أن الشارع حد له عددا من النساء معينا في وقت معين , فلو تعدى ما حد له من العدد كان لغوا وباطلا . وكذلك لو تعدى ما حد له من الوقت , بأن ينكحها قبل انقضاء العدة مثلا , أو في وقت الإحرام , فإنه يكون لغوا باطلا . فقد شمل البطلان نوعي التعدي عددا أو وقتا . ‏
‏قالوا : وأيضا فالصحة إما أن تفسر بموافقة أمر الشارع , وإما أن تفسر بترتب أثر الفعل عليه , فإن فسرت بالأول لم يكن تصحيح هذا الطلاق ممكنا , وإن فسرت بالثاني وجب أيضا أن لا يكون العقد المحرم صحيحا , لأن ترتب الثمرة على العقد إنما هو بجعل الشارع العقد كذلك , ومعلوم أنه لم يعتبر العقد المحرم , ولم يجعله مثمرا لمقصوده , كما مر تقديره . ‏
‏قالوا : وأيضا فوصف العقد المحرم بالصحة , مع كونه منشئا للمفسدة ومشتملا على الوصف المقتضي لتحريمه وفساده , جمع بين النقيضين فإن الصحة إنما تنشأ عن المصلحة , والعقد المحرم لا مصلحة فيه . بل هو منشئ لمفسدة خالصة أو راجحة . فكيف تنشأ الصحة من شيء هو منشئ المفسدة . ‏
‏قالوا : وأيضا فوصف العقد المحرم بالصحة إما أن يعلم بنص من الشارع , أو من قياسه , أو من توارد عرفه في مجال حكمه بالصحة , أو من إجماع الأمة . ولا يمكن إثبات شيء من ذلك في محل النزاع , بل نصوص الشرع تقتضي رده وبطلانه , كما تقدم , وكذلك قياس الشريعة كما ذكرناه , وكذلك استقراء موارد عرف الشرع في مجال الحكم بالصحة , إنما يقتضي البطلان في العقد المحرم لا الصحة , وكذلك الإجماع , فإن الأمة لم تجمع قط , ولله الحمد , على صحة شيء حرمه الله ورسوله , لا في هذه المسألة ولا في غيرها , فالحكم بالصحة فيها إلى أي دليل يستند . ‏
‏قالوا : وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم : " مره فليراجعها " فهذا حجة لنا على عدم الوقوع , لأنه لما طلقها . والرجل من عادته إذا طلق امرأته أن يخرجها عنه , أمره بأن يراجعها ويمسكها , فإن هذا الطلاق الذي أوقعه ليس بمعتبر شرعا , ولا تخرج المرأة عن الزوجية بسببه , فهو كقوله صلى الله عليه وسلم لبشير بن سعد في قصة نحله ابنه النعمان غلاما " رده " . ‏
‏ولا يدل أمره إياه برده على أن الولد قد ملك الغلام , وأن الرد إنما يكون بعد الملك , فكذلك أمره برد المرأة ورجعتها لا يدل على أنه لا يكون إلا بعد نفوذ الطلاق , بل لما ظن ابن عمر جواز هذا الطلاق فأقدم عليه قاصدا لوقوعه , رد إليه النبي صلى الله عليه وسلم امرأته , وأمره أن يردها , ورد الشيء إلى ملك من أخرجه لا يستلزم خروجه عن ملكه شرعا , كما ترد العين المغصوبة إلى مالكها , ويقال للغاصب : ردها إليه ولا يدل ذلك على زوال ملك صاحبها عنها وكذلك إذا قيل : رد على فلان ضالته , ولما باع على أحد الغلامين الأخوين قال له النبي صلى الله عليه وسلم : " رده , رده " وهذا أمر بالرد حقيقة . ‏
‏قالوا : فقد وفينا اللفظ حقيقته التي وضع لها . ‏
‏قالوا : وأيضا فقد صرح ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وسلم ردها عليه ولم يرها شيئا " وتعلقكم على أبي الزبير مما لا متعلق فيه , فإن أبا الزبير إنما يخاف من تدليسه , وقد صرح هذا بالسماع كما تقدم , فدل على أن الأمر بمراجعتها لا يستلزم نفوذ الطلاق . ‏
‏قالوا : والذي يدل عليه أن ابن عمر قال في الرجل يطلق امرأته وهي حائض : " لا يعتد بذلك " , ذكره الإشبيلي في الأحكام من طريق محمد بن عبد السلام الخشني قال : حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه قال , في الرجل يطلق امرأته وهي حائض , قال ابن عمر : لا يعتد بذلك " , وذكره ابن حزم في كتاب المحلى بإسناده من طريق الخشني . وهذا إسناد صحيح . ‏
‏قالوا : وقد روى الدارقطني في سننه بإسناد شيعي عن أبي الزبير قال : " سألت ابن عمر عن رجل طلق امرأته ثلاثا , وهي حائض ؟ فقال لي : أتعرف عبد الله بن عمر ؟ قلت : نعم , قال : طلقت امرأتي ثلاثا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فردها رسول الله إلى السنة " , قال الدارقطني : كلهم شيعة , ولم يزد على هذا . ولكن هذا الحديث باطل قطعا , ولا تحتج به , وإنما ذكرناه للتعريف بحاله ولو كان إسناده ثقات لكان غلطا , فإن المعروف من رواية الإثبات عن ابن عمر أنه إنما طلق تطليقة واحدة , كما رواه مسلم في الصحيح من حديث يونس بن جبير , ولكن لو حاكمنا منازعينا إلى ما يقرون به من أن رواية أهل البدع مقبولة , فكم في الصحيح من رواية الشيعة الغلاة , والقدرية , والخوارج , والمرجئة , وغيرهم , لم يتمكنوا من الطعن في هذا الحديث بأن رواته شيعة , إذ مجرد كونهم شيعة لا يوجب رد حديثهم . ‏
‏وبعد ففي معارضته بحديث يونس بن جبير " أنه طلقها تطليقة " كلام ليس هذا موضعه , فإن من جعل الثلاث واحدة قال هي ثلاث في اللفظ , وهي واحدة في الحكم , على ما في حديث أبي الصهباء عن ابن عباس . والله أعلم . ‏
‏قالوا : وأما قولكم إن نافعا أثبت في ابن عمر وأولى به من أبي الزبير وأخص , فروايته أولى أن نأخذ بها , فهذا إنما يحتاج إليه عند التعارض , فكيف ولا تعارض بينهما ؟ فإن رواية أبي الزبير صريحة في أنها لم تحسب عليه , وأما نافع فرواياته ليس فيها شيء صريح قط , أن النبي صلى الله عليه وسلم حسبها عليه , بل مرة قال " فمه " أي فما يكون ؟ وهذا ليس بإخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حسبها , ومرة قال " أرأيت إن عجز واستحمق ؟ " وهذا رأي محض , ومعناه أنه ركب خطة عجز , واستحمق , أي ركب أحموقة وجهالة , فطلق في زمن لم يؤذن له في الطلاق فيه , ومعلوم أنه لو كان عند ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم حسبها عليه لم يحتج أن يقول للسائل " أرأيت إن عجز واستحمق ؟ " , فإن هذا ليس بدليل على وقوع الطلاق , فإن من عجز واستحمق يرد إلى العلم والسنة التي سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم , فكيف يظن بابن عمر أنه يكتم نصا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاعتداد بتلك الطلقة , ثم يحتج بقوله " أرأيت إن عجز واستحمق " , وقد سأله مرة رجل عن شيء فأجابه بالنص , فقال السائل : أرأيت إن كان كذا وكذا ؟ قال : " اجعل أرأيت باليمن " , ومرة قال " تحسب من طلاقها " , وهذا قول نافع , ليس قول ابن عمر , كذلك جاء مصرحا به في هذا الحديث في الصحيحين , قال عبد الله لنافع " ما فعلت التطليقة ؟ قال : واحدة أعتد بها " , وفي بعض ألفاظه : " فحسبت تطليقة " , وفي لفظ للبخاري عن سعيد بن جبير عن ابن عمر : " فحسبت علي بتطليقة " , ولكن هذه اللفظة انفرد بها سعيد بن جبير عنه , وخالف نافع وأنس بن سيرين ويونس بن جبير وسائر الرواة عن ابن عمر , فلم يذكروا " فحسبت علي " , وانفراد ابن جبير بها , كانفراد أبي الزبير بقوله " ولم يرها شيئا " , فإن تساقطت الروايتان لم يكن في سائر الألفاظ دليل على الوقوع , وإن رجح إحداهما على الأخرى فرواية أبي الزبير صريحة في الرفع , ورواية سعيد بن جبير غير صريحة في الرفع , فإنه لم يذكر فاعل الحساب , فلعل أباه حسبها عليه بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي ألزم الناس فيه بالطلاق الثلاث , وحسبه عليهم , اجتهادا منه , ومصلحة رآها للأمة , لئلا يتتابعوا في الطلاق المحرم , فإذا علموا أنه يلزمهم وينفذ عليهم أمسكوا عنه , وقد كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا يحتسب عليهم به ثلاثا في لفظ واحد فلما رأى عمر الناس قد أكثروا منه رأى إلزامهم به , والاحتساب عليهم به . ‏
‏قالوا : وبهذا تأتلف الأحاديث الواردة في هذا الباب , ويتبين وجهها , ويزول عنها التناقض والاضطراب , ويستغنى عن تكلف التأويلات المستكرهة لها , ويتبين موافقتها لقواعد الشرع وأصوله . ‏
‏قالوا : وهذا الظن بعمر رضي الله عنه أنه إذا احتسب على الناس بالطلاق الثلاث احتسب على ابنه بتطليقته التي طلقها في الحيض , وكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يرها شيئا مثل كون الطلاق الثلاث على عهده كان واحدة . وإلزام عمر الناس بذلك , كإلزامه له بهذا , وأداه اجتهاده رضي الله عنه إلى أن ذلك كان تخفيفا ورفقا بالأمة , لعلة إيقاعهم الطلاق وعدم تتابعهم فيه , فلما أكثروا منه وتتابعوا فيه ألزمهم بما التزموه , وهذا كما أداه اجتهاده في الجلد في الخمر ثمانين , وحلق الرأس فيه والنفي , والنبي صلى الله عليه وسلم إنما جلد فيه أربعين , ولم يحلق فيه رأسا , ولم يغرب , فلما رأى الناس قد أكثروا منه واستهانوا بالأربعين ضاعفها عليهم , وحلق ونفى . ولهذا نظائر كثيرة ستذكر في موضع آخر إن شاء الله . ‏
‏قالوا : وتوهم من توهم أنا خالفنا الإجماع في هذه المسألة غلط , فإن الخلاف فيها أشهر من أن يجحد , وأظهر من أن يستر . وإذا كانت المسألة من موارد النزاع فالواجب فيها امتثال ما أمر الله به ورسوله , من رد ما تنازع فيه العلماء إلى الله ورسوله , وتحكيم الله ورسوله , دون تحكيم أحد من الخلق , قال تعالى { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا } . ‏
‏فهذه بعض كلمات المانعين من الوقوع . ولو استوفينا الكلام في المسألة لاحتملت سفرا كبيرا , فلنقتصر على فوائد الحديث . ‏
‏قال الموقعون : وفيه دليل على أن الرجعة يستقل بها الزوج دون الولي ورضا المرأة , لأنه جعل ذلك إليه , دون غيره , ودلالة القرآن على هذا أظهر من هذه الدلالة . قال تعالى { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك } فجعل الأزواج أحق بالرجعة من المرأة والولي . واختلفوا في قوله " مره فليراجعها " : هل الأمر بالرجعة على الوجوب أو الاستحباب ؟ فقال الشافعي وأبو حنيفة والأوزاعي وابن أبي ليلى وسفيان الثوري وأحمد في إحدى الروايتين بل أشهرهما عنه : الأمر بالرجعة استحباب . قال بعضهم : لأن ابتداء النكاح إذا لم يكن واجبا فاستدامته كذلك , وقال مالك في الأشهر عنه , وداود وأحمد في الرواية الأخرى : الرجعة واجبة الأمر بها , ولأن الطلاق لما كان محرما في هذا الزمن كان بقاء النكاح واستدامته فيه واجبا , وبهذا يبطل قولهم إذا لم يجب ابتداء النكاح لم تجب استدامته , فإن الاستدامة ها هنا واجبة لأجل الوقت , فإنه لا يجوز فيه الطلاق . ‏
‏قالوا : ولأن الرجعة إمساك , بدليل قوله { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } فالإمساك مراجعتها في العدة , والتسريح تركها حتى تنقضي عدتها . وإذا كانت الرجعة إمساكا , فلا ريب في وجوب إمساكها في زمن الحيض , وتحريم طلاقها , فتكون واجبة . ‏
‏ثم اختلف الموجبون للرجعة في علة ذلك : فقالت طائفة : إنما أمره برجعتها ليقع الطلاق الذي أراده في زمن الإباحة , وهو الطهر الذي لم يمسها فيه , فلو لم يرتجعها لكان الطلاق الذي ترتبت عليه الأحكام هو الطلاق المحرم , والشارع لا يرتب الأحكام على طلاق محرم , فأمر برجعتها , ليطلقها طلاقا مباحا , يترتب عليه أحكام الطلاق . ‏
‏وقالت طائفة : بل أمره برجعتها عقوبة له على طلاقها في زمن الحيض , فعاقبه بنقيض قصده , وأمره بارتجاعها , عكس مقصوده . ‏
‏وقالت طائفة : بل العلة في ذلك أن تحريم الطلاق في زمن الحيض معلل بتطويل العدة فأمره برجعتها ليزول المعنى الذي حرم الطلاق في الحيض لأجله . ‏
‏وقال بعض الموجبين إن أبى رجعتها أجبر عليها . فإن امتنع ضرب وحبس , فإن أصر حكم عليه برجعتها وأشهد أنه قد ردها عليه , فتكون امرأته , يتوارثان , ويلزمه جميع حقوقها , حتى يفارقها فراقا ثانيا , قاله أصبغ وغيره من المالكية . ثم اختلفوا . ‏
‏فقال مالك : يجبر على الرجعة , إن طهرت , ما دامت في العدة , لأنه وقت للرجعة . ‏
‏وقال أشهب : إذا طهرت ثم حاضت ثم طهرت لم تجب رجعتها في هذه الحال , وإن كانت في العدة , لأنه لا يجب عليه إمساكها في هذه الحال لجواز طلاقها فيه , فلا يجب عليه رجعتها فيه , إذ لو وجبت الرجعة في هذا الوقت لحرم الطلاق فيه . وقوله صلى الله عليه وسلم " حتى تطهر , ثم تحيض , ثم تطهر , ثم إن شاء أمسك بعد ذلك وإن شاء طلق " قال البيهقي : أكثر الروايات عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يراجعها حتى تطهر , ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك " فإن كانت الرواية عن سالم ونافع وابن دينار في أمره " بأن يراجعها , حتى تطهر , ثم تحيض , ثم تطهر " , محفوظة , فقد قال الشافعي : يحتمل أن يكون إنما أراد بذلك الاستبراء , أن يستبرئها بعد الحيضة التي طلقها فيها بطهر تام , ثم حيض تام , ليكون تطليقها وهي تعلم عدتها , أبالحمل هي أم بالحيض ؟ أو ليكون تطليقها بعد علمه بالحمل , وهو غير جاهل ما صنع , أو يرغب فيمسك للحمل , أو ليكون إن كانت سألت الطلاق غير حامل أن تكف عنه حاملا . آخر كلامه . ‏
‏وأكثر الروايات في حديث ابن عمر مصرحة بأنه إنما أذن في طلاقها بعد أن تطهر من تلك الحيضة , ثم تحيض ثم تطهر , هكذا أخرجاه في الصحيحين من رواية نافع عنه , ومن رواية ابنه سالم عنه . وفي لفظ متفق عليه : " ثم يمسكها حتى تطهر , ثم تحيض عنده حيضة أخرى , ثم يمهلها حتى تطهر من حيضها " , وفي لفظ آخر متفق عليه : " مره فليراجعها حتى تحيض حيضة مستقبلة سوى حيضتها التي طلقها فيها " , ففي تعدد الحيض والطهر ثلاثة ألفاظ محفوظة متفق عليها , من رواية ابنه سالم ومولاه نافع وعبد الله بن دينار وغيرهم , والذين زادوا قد حفظوا ما لم يحفظه هؤلاء . ولو قدر التعارض فالزائدون أكثر وأثبت في ابن عمر وأخص به , فرواياتهم أولى , لأن نافعا مولاه أعلم الناس بحديثه , وسالم ابنه كذلك , وعبد الله بن دينار من أثبت الناس فيه , وأرواهم عنه , فكيف يقدم اختصار أبي الزبير , ويونس بن جبير على هؤلاء ؟ ومن العجب تعليل حديث أبي الزبير في ردها عليه من غير احتساب بالطلقة بمخالفة غيره له , ثم تقدم روايته التي سكت فيها عن تعدد الحيض والطهر على رواية نافع وابن دينار وسالم ! ‏
‏فالصواب الذي لا يشك فيه أن هذه الرواية ثابتة محفوظة , ولذلك أخرجها أصحاب الصحيحين . ‏
‏واختلف في جواز طلاقها في الطهر المتعقب للحيضة التي طلق فيها على قولين : هما روايتان عن أحمد ومالك : أشهرهما عند أصحاب مالك : المنع حتى تحيض حيضة مستقبلة سوى تلك الحيضة , ثم تطهر كما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم . والثاني يجوز طلاقها في الطهر المتعقب لتلك الحيضة وهو قول الشافعي وأبي حنيفة , وأحمد في الرواية الأخرى . ووجهه أن التحريم إنما كان لأجل الحيض , فإذا طهرت زال موجب التحريم , فجاز طلاقها في هذا الطهر كما يجوز في الطهر الذي بعده , وكما يجوز أيضا طلاقها فيه , لو لم يتقدم طلاق في الحيض , ولأن في بعض طرق حديث ابن عمر في الصحيح " ثم ليطلقها طاهرا , أو حاملا " وفي لفظ " ثم ليطلقها طاهرا من غير جماع في قبل عدتها " وفي لفظ " فإذا طهرت فليطلقها لطهرها , قال : فراجعها ثم طلقها لطهرها " وفي حديث أبي الزبير وقال " إذا طهرت فليطلق أو ليمسك " وكل هذه الألفاظ في الصحيح . ‏
‏وأما أصحاب القول الثاني فاحتجوا بما تقدم من أمره صلى الله عليه وسلم بإمساكها حتى تحيض , ثم تطهر ثم تحيض , ثم تطهر . وقد تقدم . ‏
‏قالوا : وحكمة ذلك من وجوه : ‏
‏أحدها : أنه لو طلقها عقب تلك الحيضة كان قد راجعها ليطلقها . وهذا عكس مقصود الرجعة , فإن الله سبحانه إنما شرع الرجعة لإمساك المرأة وإيوائها , ولم شعث النكاح , وقطع سبب الفرقة , ولهذا سماه إمساكا , فأمره الشارع أن يمسكها في ذلك الطهر , وأن لا يطلق فيه حتى تحيض حيضة أخرى , ثم تطهر , لتكون الرجعة للإمساك لا للطلاق . ‏
‏قالوا : وقد أكد الشارع هذا المعنى , حتى إنه أمر في بعض طرق هذا الحديث بأن يمسكها في الطهر المتعقب لتلك الحيضة , فإذا حاضت بعده وطهرت , فإن شاء طلقها قبل أن يمسها , فإنه قال " مره فليراجعها , فإذا طهرت مسها , حتى إذا طهرت أخرى , فإن شاء طلقها , وإن شاء أمسكها " ذكره ابن عبد البر , وقال : الرجعة لا تكاد تعلم صحتها إلا بالوطء , لأنه المبتغى من النكاح , ولا يحصل الوطء إلا في الطهر , فإذا وطئها حرم طلاقها فيه , حتى تحيض . ثم تطهر , فاعتبرنا مظنة الوطء ومحله , ولم يجعله محلا للطلاق . ‏
‏الثاني : أن الطلاق حرم في الحيض لتطويل العدة عليها , فلو طلقها عقب الرجعة من غير وطء لم تكن قد استفادت بالرجعة فائدة , فإن تلك الحيضة التي طلقت فيها لم تكن تحتسب عليها من العدة , وإنما تستقبل العدة من الطهر الذي يليها , أو من الحيضة الأخرى , على الاختلاف في الأقراء , فإذا طلقها عقب تلك الحيضة كانت في معنى ممن طلقت ثم راجعها , ولم يمسها حتى طلقها , فإنها تبنى على عدتها في أحد القولين , لأنها لم تنقطع بوطء , فالمعنى المقصود إعدامه من تطويل العدة موجود بعينه هنا , لم يزل بطلاقها عقب الحيضة , فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع حكم الطلاق جملة بالوطء , فاعتبر الطهر الذي هو موضع الوطء , فإذا وطئ حرم طلاقها , حتى تحيض ثم تطهر . ‏
‏ومنها : أنها ربما كانت حاملا , وهو لا يشعر , فإن الحامل قد ترى الدم بلا ريب , وهل حكمه حكم الحيض , أو دم فساد ؟ على الخلاف فيه , فأراد الشارع أن يستبرئها بعد تلك الحيضة بطهر تام , ثم بحيض تام , فحينئذ تعلم هل هي حامل أو حائل ؟ فإنه ربما يمسكها إذا علم أنها حامل منه , وربما تكف هي عن الرغبة في الطلاق إذا علمت أنها حامل , وربما يزول الشر الموجب للطلاق بظهور الحمل , فأراد الشارع تحقيق علمها بذلك , نظرا للزوجين , ومراعاة لمصلحتهما , وحسما لباب الندم وهذا من أحسن محاسن الشريعة . ‏
‏وقيل : الحكمة فيه أنه عاقبه بأمره بتأخير الطلاق جزاء له على ما فعله من إيقاعه على الوجه المحرم . ‏
‏ورد هذا بأن ابن عمر لم يكن يعلم التحريم . ‏
‏وأجيب عنه بأن هذا حكم شامل له ولغيره من الأمة , وكونه رضي الله عنه لم يكن عالما بالتحريم يفيد نفي الإثم , لا عدم ترتب هذه المصلحة على الطلاق المحرم في نفسه . ‏
‏وقيل : حكمته أن الطهر الذي بعد تلك الحيضة هو من حريم تلك الحيضة , فهما كالقرء الواحد , فلو شرع الطلاق فيه لصار كموقع طلقتين في قرء واحد , وليس هذا بطلاق السنة . ‏
‏وقيل : حكمته أنه نهى عن الطلاق في الطهر , ليطول مقامه معها , ولعله تدعوه نفسه إلى وطئها , وذهاب ما في نفسه من الكراهة لها , فيكون ذلك حرصا على ارتفاع الطلاق البغيض إلى الله , المحبوب إلى الشيطان , وحضا على بقاء النكاح , ودوام المودة والرحمة والله أعلم . ‏
‏وقوله صلى الله عليه وسلم : " ثم ليطلقها طاهرا " وفي اللفظ الآخر " فإذا طهرت فليطلقها إن شاء " هل المراد به انقطاع الدم , أو التطهر بالغسل , أو ما يقوم مقامه من التيمم ؟ على قولين , هما روايتان عن أحمد : ‏
‏إحداهما : أنه انقطاع الدم وهو قول الشافعي . ‏
‏والثانية : أنه الاغتسال , وقال أبو حنيفة , إن طهرت لأكثر الحيض حل طلاقها بانقطاع الدم , وإن طهرت لدون أكثره لم يحل طلاقها حتى تصير في حكم الطاهرات بأحد ثلاثة أشياء , إما أن تغتسل , وإما أن تتيمم عند العجز وتصلي , وإما أن يخرج عنها وقت صلاة , لأنه متى وجد أحد هذه الأشياء حكمنا بانقطاع حيضها . ‏
‏وسر المسألة أن الأحكام المترتبة على الحيض نوعان : منها ما يزول بنفس انقطاعه كصحة الغسل والصوم , ووجوب الصلاة في ذمتها . ‏
‏ومنها ما لا يزول إلا بالغسل كحل الوطء , وصحة الصلاة , وجواز اللبث في المسجد , وصحة الطواف , وقراءة القرآن على أحد الأقوال , فهل يقال الطلاق من النوع الأول , أو من الثاني ؟ ‏
‏ولمن رجح إباحته قبل الغسل أن يقول : الحائض إذا انقطع دمها صارت كالجنب , يحرم عليها ما يحرم عليه , ويصح منها ما يصح منه , ومعلوم أن المرأة الجنب لا يحرم طلاقها . ‏
‏ولمن رجح الثاني أن يجيب عن هذا بأنها لو كانت كالجنب لحل وطؤها , ويحتج بما رواه النسائي في سننه من حديث المعتمر بن سليمان قال : سمعت عبيد الله عن نافع عن عبد الله : " أنه طلق امرأته وهي حائض تطليقة , فانطلق عمر فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : مر عبد الله فليراجعها , فإذا اغتسلت من حيضتها الأخرى فلا يمسها حتى يطلقها , فإن شاء أن يمسكها فليمسكها فإنها العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء " . وهذا على شرط الصحيحين , وهو مفسر لقوله : " فإذا طهرت " فيجب حمله عليه . ‏
‏وتمام هذه المسألة : أن العدة هل تنقضي بنفس انقطاع الدم وتنقطع الرجعة , أم لا تنقطع إلا بالغسل , وفيه خلاف بين السلف والخلف , يأتي في موضعه إن شاء الله تعالى . ‏
‏وقوله صلى الله عليه وسلم : " ثم ليطلقها طاهرا قبل أن يمس " دليل على أن طلاقها في الطهر الذي مس فيه ممنوع منه وهو طلاق بدعة , وهذا متفق عليه , فلو طلق فيه . قالوا : لم يجب عليه رجعتها , قال ابن عبد البر : أجمعوا على أن الرجعة لا تجب في هذه الصورة , وليس هذا الإجماع ثابتا , وإن كان قد حكاه صاحب المغني أيضا , فإن أحد الوجهين في مذهب أحمد وجوب الرجعة في هذا الطلاق , حكاه في الرعاية , وهو القياس , لأنه طلاق محرم , فتجب الرجعة فيه , كما تجب في الطلاق في زمن الحيض . ‏
‏ولمن فرق بينهما أن يقول : زمن الطهر وقت للوطء وللطلاق , وزمن الحيض ليس وقتا لواحد منهما , فظهر الفرق بينهما , فلا يلزم من الأمر بالرجعة في غير زمن الطلاق الأمر بها في زمنه , ولكن هذا الفرق ضعيف جدا , فإن زمن الطهر متى اتصل به المسيس صار كزمن الحيض في تحريم الطلاق سواء , ولا فرق بينهما , بل الفرق المؤثر عند الناس أن المعنى الذي وجبت لأجله الرجعة إذا طلقها حائضا منتف في صورة الطلاق في الطهر الذي مسها فيه , فإنها إنما حرم طلاقها في زمن الحيض لتطويل العدة عليها , فإنها لا تحتسب ببقية الحيضة قرءا اتفاقا . ‏
‏فتحتاج إلى استئناف ثلاثة قروء كوامل , وأما الطهر فإنها تعتد بما بقي منه قرءا , ولو كان لحظة , فلا حاجة بها إلى أن يراجعها , فإن من قال الأقراء الأطهار كانت أول عدتها عنده عقب طلاقها , ومن قال هي الحيض استأنف بها بعد الطهر , وهو لو راجعها ثم أراد أن يطلقها لم يطلقها إلا في طهر , فلا فائدة في الرجعة . هذا هو الفرق المؤثر بين الصورتين . ‏
‏وبعد , ففيه إشكال لا ينتبه له إلا من به خبرة بمأخذ الشرع وأسراره , وجمعه وفرقه . ‏
‏وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يطلقها إذا شاء قبل أن يمسها , وقال : " فتلك العدة التي أمر بها الله أن تطلق لها النساء " , وهذا ظاهر في أن العدة إنما يكون استقبالها من طهر لم يمسها فيه , إن دل على أنها بالأطهار , وأما طهر قد أصابها فيه فلم يجعله النبي صلى الله عليه وسلم من العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء فكما لا تكون عدتها متصلة بالحيضة التي طلق فيها ينبغي أن لا تكون متصلة بالطهر الذي مسها فيه . لأن النبي صلى الله عليه وسلم سوى بينهما في المنع من الطلاق فيهما , وأخبر أن العدة التي أمر بها الله أن يطلق لها النساء هي من وقت الطهر الذي لم يمسها فيه , فمن أين لنا أن الطهر الذي مسها فيه هو أول العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء , وهذا مذهب أبي عبيد , وهو في الظهور والحجة كما ترى , وقال الإمام أحمد والشافعي ومالك وأصحابهم : لو بقي من الطهر لحظة حسبت لها قرءا , وإن كان قد جامع فيه , إذا قلنا : الأقراء الأطهار . ‏
‏قال المنتصرون لهذا القول : إنما حرم الطلاق في زمن الحيض دفعا لضرر تطويل العدة عليها , فلو لم تحتسب ببقية الطهر قرءا كان الطلاق في زمن الطهر أضر بها وأطول عليها . وهذا ضعيف جدا , فإنها إذ طلقت فيه قبل المسيس احتسب به , وأما إذا طلقت بعد المسيس كان حكمها حكم المطلقة في زمن الحيض , فكما لا تحتسب ببقية الحيضة لا تحتسب ببقية هذا الطهر الممسوسة فيه . ‏
‏قالوا : ولم يحرم الطلاق في الطهر لأجل التطويل الموجود في الحيض , بل إنما حرم لكونها مرتابة , فلعلها قد حملت من ذلك الوطء , فيشتد ندمه إذا تحقق الحمل , ويكثر الضرر . فإذا أراد أن يطلقها طلقها طاهرا من غير جماع , لأنهما قد تيقنا عدم الريبة , وأما إذا ظهر الحمل فقد دخل على بصيرة وأقدم على فراقها حاملا . ‏
‏قالوا : فهذا الفرق بين الطلاق في الحيض والطهر المجامع فيه . ‏
‏قالوا : وسر ذلك أن المرأة إن كانت حاملا من هذا الوطء فعدتها بوضع الحمل , وإن لم تكن قد حملت منه فهو قرء صحيح , فلا ضرر عليها في طلاقها فيه . ولمن نصر قول أبي عبيد أن يقول : الشارع إنما جعل استقبال عدة المطلقة من طهر لم يمسها فيه , ليكون المطلق على بصيرة من أمره , والمطلقة على بصيرة من عدتها أنها بالأقراء . ‏
‏فأما إذا مسها في الطهر ثم طلقها , لم يدر أحاملا أم حائلا , ولم تدر المرأة : أعدتها بالحمل أم بالأقراء , فكان الضرر عليهما في هذا الطلاق أشد من الضرر في طلاقها وهي حائض , فلا تحتسب ببقية ذلك الطهر قرءا , كما لم يحتسب الشارع به في جواز إيقاع الطلاق فيه . وهذا التفريع كله على أقوال الأئمة والجمهور . ‏
‏وأما من لم يوقع الطلاق البدعي فلا يحتاج إلى شيء من هذا . ‏
‏وقوله " ليطلقها طاهرا أو حاملا " دليل على أن الحامل طلاقها سني , قال ابن عبد البر : لا خلاف بين العلماء أن الحامل طلاقها للسنة , قال الإمام أحمد : أذهب إلى حديث سالم عن أبيه " ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا " وعن أحمد رواية أخرى , أن طلاق الحامل ليس بسني ولا بدعي , وإنما يثبت لها ذلك من جهة العدد , لا من جهة الوقت , ولفظه " الحمل " في حديث ابن عمر انفرد بها مسلم وحده في بعض طرق الحديث . ولم يذكرها البخاري . فلذلك لم يكن طلاقها سنيا ولا بدعيا , لأن الشارع لم يمنع منه . ‏
‏فإن قيل : إذا لم يكن سنيا كان طلاقها بدعيا , لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أباح طلاقها في طهر لم يمسها فيه , فإذا مسها في الطهر وحملت واستمر حملها , استمر المنع من الطلاق , فكيف يبيحه تجدد ظهور الحمل , فإذا لم يثبتوا هذه اللفظة لم يكن طلاق الحامل جائزا . ‏
‏فالجواب : أن المعنى الذي لأجله حرم الطلاق بعد المسيس معدوم عند ظهور الحمل , لأن المطلق عند ظهور الحمل قد دخل على بصيرة , فلا يخاف ظهور أمر يتجدد به الندم , وليست المرأة مرتابة لعدم اشتباه الأمر عليها , بخلاف طلاقها مع الشك في حملها . والله أعلم . ‏
‏وقوله " طاهرا أو حاملا " احتج به من قال الحامل لا تحيض , لأنه صلى الله عليه وسلم حرم الطلاق في زمن الحيض , وأباحه في وقت الطهر والحمل , فلو كانت الحامل تحيض لم يبح طلاقها حاملا إذا رأت الدم , وهو خلاف الحديث . ‏
‏ولأصحاب القول الآخر أن يجيبوا عن ذلك , بأن حيض الحامل لم يكن له تأثير في العدة بحال لا في تطويلها ولا تخفيفها , إذا عدتها بوضع الحمل , أباح الشارع طلاقها حاملا مطلقا , وغير الحامل لم يبح طلاقها إلا إذا لم تكن حائضا , لأن الحيض يؤثر في العدة , لأن عدتها بالأقراء , فالحديث دل على أن المرأة لها حالتان , أحدهما : أن تكون حائلا , فلا تطلق إلا في طهر لم يمسها فيه . والثانية : أن تكون حاملا , فيجوز طلاقها . والفرق بين الحامل وغيرها في الطلاق إما هو بسبب الحمل وعدمه , لا بسبب حيض ولا طهر ولهذا يجوز طلاق الحامل بعد المسيس , دون الحائل , وهذا جواب سديد والله أعلم . ‏
‏وقد أفردت لمسألة الحامل هل تحيض أم لا ؟ مصنفا مفردا . ‏
‏وقد احتج بالحديث من يرى أن السنة تفريق الطلقات على الأقراء , فيطلق لكل قرء طلقة , وهذا قول أبي حنيفة وسائر الكوفيين , وعن أحمد رواية كقولهم . ‏
‏قالوا : وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمره بإمساكها في الطهر المتعقب للحيض , لأنه لم يفصل بينه وبين الطلاق طهر كامل , والسنة أن يفصل بين الطلقة والطلقة قرء كامل , فإذا طهرت ثم حاضت ثم طهرت . طلقها طلقة بائنة , لحصول الفصل بين الطلقتين بطهر كامل . ‏
‏قالوا : فلهذا المعنى اعتبر الشارع الفصل بين الطلاق الأول والثاني . ‏
‏قالوا : وفي بعض حديث ابن عمر " السنة أن يستقبل الطهر , فيطلق لكل قرء " وروى النسائي في سننه عن ابن مسعود قال : " طلاق السنة أن يطلقها تطليقة وهي طاهر في غير جماع , فإذا حاضت فطهرت طلقها أخرى , فإذا حاضت وطهرت طلقها أخرى , ثم تعتد بعد ذلك بحيضة " . وهذا الاستدلال ضعيف , فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بإمساكها في الطهر الثاني , ليفرق الطلقات الثلاث على الأقراء , ولا في الحديث ما يدل على ذلك , وإنما أمره بطلاقها طاهرا قبل أن يمسها , وقد ذكرنا حكمة إمساكها في الطهر الأول . ‏
‏وأما قوله : " والسنة أن يستقبل الطهر فيطلق لكل قرء " , فهو حديث قد تكلم الناس فيه وأنكروه على عطاء الخراساني , فإنه انفرد بهذه اللفظة دون سائر الرواة , قال البيهقي : وأما الحديث الذي رواه عطاء الخراساني عن ابن عمر في هذه القصة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " السنة أن يستقبل الطهر فيطلق لكل قرء " , فإنه أتى في هذا الحديث بزيادات لم يتابع عليها , وهو ضعيف في الحديث لا يقبل منه ما ينفرد به . ‏
‏وأما حديث ابن مسعود فمع أنه موقوف عليه , فهو حديث يرويه أبو إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله , واختلف على أبي إسحاق فيه , فقال الأعمش عنه كما تقدم , وقال سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عنه : " طلاق السنة أن يطلقها طاهرا من غير جماع " , ولعل هذا حديثان , والذي يدل عليه أن الأعمش قال : سألت إبراهيم , فقال لي مثل ذلك . وبالجملة فهذا غايته أن يكون قول ابن مسعود وقد خالفه علي وغيره . وقد روي عن ابن مسعود روايتان : إحداهما : التفريق , والثانية : إفراد الطلقة , وتركها حتى تنقضي عدتها . قال : " طلاق السنة أن يطلقها وهي طاهر , ثم يدعها حتى تنقضي عدتها , أو يراجعها إن شاء " , ذكره ابن عبد البر عنه . ولأن هذا أردأ طلاق لأنه طلاق من غير حاجة إليه , وتعريض لتحريم المرأة عليه إلا بعد زوج وإصابة , والشارع لا غرض له في ذلك ولا مصلحة للمطلق , فكان بدعيا . ‏
‏والله أعلم . ‏
‏وقوله " فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء " , احتج به من يرى الأقراء هي الأطهار . ‏
‏قالوا : واللام بمعنى الوقت , كقوله تعالى { أقم الصلاة لدلوك الشمس } وقول العرب : كتب لثلاث مضين ولثلاث بقين . وفي الحديث " فليصلها حين ذكرها , ومن الغد للوقت قالوا فهذه اللام الوقتية بمعنى ( فيه ) " . ‏
‏وأجاب الآخرون عن هذا بأن اللام في قوله تعالى { فطلقوهن لعدتهن } هي اللام المذكورة في قوله صلى الله عليه وسلم " أن تطلق لها النساء " , ولا يصح أن تكون وقتية , ولا ذكر أحد من أهل العربية أن اللام تأتي بمعنى " في " أصلا . ولا يصح أن تكون بمعنى " في " , ولو صح في غير هذا الموضع , لأن الطلاق لا يكون في نفس العدة , ولا تكون عدة الطلاق ظرفا له قط , وإنما اللام هنا على بابها للاختصاص . والمعنى طلقوهن مستقبلات عدتهن , ويفسر هذا قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر : " فطلقوهن في قبل عدتهن " , أي في الوقت الذي يستقبل فيه العدة . وعلى هذا فإذا طلقها في طهرها استقبلت العدة من الحيضة التي تليه , فقد طلقها في قبل عدتها , بخلاف ما إذا طلقها حائضا , فإنها لا تعتد بتلك الحيضة , وينتظر فراغها وانقضاء الطهر الذي يليها ثم تشرع , في العدة , فلا يكون طلاقها حائضا طلاقا في قبل عدتها , وقد أفردت لهذه المسألة مصنفا مستقلا ذكرت فيه مذاهب الناس ومآخذهم , وترجيح القول الراجح والجواب عما احتج به أصحاب القول الآخر . ‏
‏وقوله " مره فليراجعها " دليل على أن الأمر بالأمر بالشيء أمر به . ‏
‏وقد اختلف الناس في ذلك , وفصل النزاع أن المأمور الأول إن كان مبلغا محضا كأمر النبي صلى الله عليه وسلم آحاد الصحابة أن يأمر الغائب عنه بأمره , فهذا أمر به من جهة الشارع قطعا , ولا يقبل ذلك نزاعا أصلا , ومنه قوله " مرها فلتصبر ولتحتسب " وقوله " مروهم بصلاة كذا في حين كذا " ونظائره , فهذا الثاني مأمور به من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم , فإذا عصاه المبلغ إليه فقد عصى أمر الرسول صلوات الله وسلامه عليه , والمأمور الأول مبلغ محض , وإن كان الأمر متوجها إلى المأمور الأول توجه التكليف , والثاني غير مكلف , لم يكن أمرا للثاني من جهة الشارع , كقوله صلى الله عليه وسلم " مروهم بالصلاة لسبع " . فهذا الأمر خطاب للأولياء بأمر الصبيان بالصلاة , فهذا فصل الخطاب في هذا الباب . والله أعلم بالصواب . ‏
‏فهذه كانت نبهنا بها على بعض فوائد حديث ابن عمر , فلا تستطلها , فإنها مشتملة على فوائد جمة , وقواعد مهمة , ومباحث , لمن قصده الظفر بالحق , وإعطاء كل ذي حق حقه , من غير ميل مع ذي مذهبه , ولا خدمة لإمامه وأصحابه , بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بل تابع للدليل حريص على الظفر بالسنة والسبيل , يدور مع الحق أنى توجهت ركائبه , ويستقر معه حيث استقرت مضاربه , ولا يعرف قدر هذا السير إلا من علت همته , وتطلعت نوازع قلبه , واستشرفت نفسه إلى الارتضاع من ثدي الرسالة , والورود من عين حوض النبوة , والخلاص من شباك الأقوال المتعارضة , والآراء المتناقضة , إلى فضاء العلم الموروث , عمن لا ينطق عن الهوى , ولا يتجاوز نطقه البيان والرشاد والهدى , وبيداء اليقين التي من حلها حشد في زمرة العلماء , وعد من ورثة الأنبياء , وما هي إلا أوقات محدودة , وأنفاس على العبد معدودة , فلينفقها فيما شاء . ‏ ‏أنت القتيل لكل من أحببته ‏ ‏فانظر لنفسك في الهوى من تصطفي ‏ ‏. ‏

عبدالله بن حمد
04-16-2004, 09:25 AM
ذكر ابن عبدالبر في التمهيد: وفيه أن الطلاق في الحيض لازم لمن أوقعه وإن كان فاعله قد فعل ما كره له إذ ترك وجه الطلاق وسنته والدليل على أن الطلاق لازم في الحيض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمر بمراجعة امرأته إذ طلقها حائضا والمراجعة لا تكون إلا بعد لزوم الطلاق ولم لم يكن الطلاق في الحيض واقعا ولا لازما ما قال له راجعها لأن من لم يطلق ولم يقع عليها طلاق لا يقال فيه راجعها لأنه محال أن يقال لرجل امرأته في عصمته لم يفارقها راجعها ألا ترى إلى قول الله عز وجل في المطلقات وبعولتهن أحق بردهن في ذلك ولم يقل هذا في الزوجات اللاتي لم يلحقهن الطلاق وعلى هذا جماعة فقهاء الأمصار وجمهور علماء المسلمين وإن كان الطلاق عند جميعهم في الحيض بدعة غير سنة فهو لازم عند جميعهم ولا مخالف في ذلك إلا أهل البدع والضلال والجهل فإنهم يقولون إن الطلاق لغير السنة غير واقع ولا لازم وروي مثل ذلك عن بعض التابعين وهو شذوذ لم يعرج عليه أهل العلم من أهل الفقه والأثر في شيء من أمصار المسلمين لما ذكرنا ولأن ابن عمر الذي عرضت له القضية احتسب بذلك الطلاق وأفتى بذلك وهو ممن لا يدفع علمه بقصة نفسه ومن جهة النظر قد علمنا أن الطلاق ليس من الأعمال التي يتقرب بها إلى الله عز وجل فلا تقع إلا على حسب سنتها وإنما هو زوال عصمة فيها حق لآدمي فكيفما أوقعه وقع فإن أوقعه لسنة هدي ولم يأثم وإن أوقعه على غير ذلك أثم ولزمه ذلك ومحال أن يلزم المطيع ولا يلزم العاصي ولو لزم المطيع الموقع له إلا على سنته ولم يلزم العاصي لكان العاصي أخف حالا من المطيع وقد احتج قوم من أهل العلم بأن الطلاق في الحيض لازم لقول الله عز وجل { ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه } يريد أنه عصى ربه وفارق امرأته وحسبك بابن عمر فقد أنكر على من ظن أنه لا يحتسب بالطلاق في الحيض

حدثنا سعيد بن نصر وعبدالوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق ومحمد بن الهيثم أبو الأحوص قالا حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن أيوب وسلمة بن علقمة عن محمد عن أبي غلاب قال سألت ابن عمر عن رجل طلق امرأته وهي حائض فقال تعرف عبدالله بن عمر فإنه طلق امرأته وهي حائض فسأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأمره أن يراجعها قلت أتحتسب بها قال فمه إن عجز واستحمق ......

أخبرنا عبدالوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو قلابة قال حدثنا بشر بن عمر قال حدثنا شعبة عن أنس بن سيرين عن ابن عمر قال طلقت امرأتي وهي حائض فأتى عمر النبي عليه السلام فقال له النبي صلى الله عليه وسلم مره فليراجعها ثم ليطلقها إن شاء فقال أنس أتعتد بتلك الطلقة قال نعم وقد سمع هذا الحديث أنس بن سيرين من ابن عمر ولم يسمعه منه محمد بن سيرين.....

حدثنا خلف بن سعيد حدثنا عبدالله بن محمد حدثنا أحمد بن خالد حدثنا علي بن عبدالعزيز وحدثناه عبدالله بن محمد بن عبدالمؤمن إجازة قال حدثنا أحمد بن إبراهيم بن جامع قال حدثنا علي بن عبدالعزيز حدثنا حجاج بن منهال قال حدثنا شعبة قال أخبرني أنس بن سيرين قال سمعت ابن عمر يقول طلق ابن عمر امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ليراجعها فإذا طهرت فليطلقها قال قلت أفتحتسب بها قال فمه ومعنى قوله هذا فمه أرأيت إن عجز أو استحمق أي فأي شيء يكون إذا لم يعتد بها إنكارا منه لقول أنس أفتعتد بها فكأنه والله أعلم قال وهل من ذلك بد أن تعتد بها أرأيت لو عجز بمعنى تعاجز عن فرض آخر من فرائض الله فلم يقمه أو استحمق فلم يأت به أكان يعذر فيه ونحو هذا من القول والمعنى والدليل على أنه قد اعتد بها ورآها لازمة له أنه كان يفتي أن من طلق امرأته ثلاثا في الحيض لم تحل له ولو جاز أن تكون الطلقة الواحدة في الحيض لا يعتد بها لكانت الثلاث أيضا لا يعتد بها وهذا ما لا إشكال فيه عند كل ذي فهم.

أخبرنا أحمد بن محمد وخلف بن أحمد قالا حدثنا أحمد بن مصرف قال حدثنا عبيد الله بن يحيى عن أبيه عن الليث بن سعد عن نافع أن عبدالله بن عمر طلق امرأته وهي حائض تطليقة واحدة فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض عنده حيضة أخرى ثم يمهلها حتى تطهر من حيضتها فإذا أراد أن يطلقها فليطلقها حين تطهر من قبل أن يجامعها فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء قال وكان عبدالله بن عمر إذا سئل عن ذلك قال لأحدهم إذا أنت طلقت امرأتك وهي حائض مرة أو مرتين فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بهذا وإن كنت طلقتها ثلاثا فقد حرمت عليك حتى تنكح زوجا غيرك وعصيت الله فيما أمرك به من طلاق امرأتك.

وروى الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج أنهم أرسلوا إلى نافع يسألونه هل حسبت تطليقة ابن عمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال نعم .

وحدثنا خلف بن قاسم حدثنا عبدالله بن محمد بن المفسر حدثنا أحمد بن علي بن سعيد القاضي المروزي حدثنا ابو السائب حدثنا ابن إدريس عن عبيدالله بن عمر ويحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر قال طلقت امرأتي وهي حائض فأتى عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له قال مره فليراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء طلقها قبل أن يجامعها وإن شاء أمسك فإنها العدة التي قال الله عز وجل قال عبيدالله فقلت لنافع ما فعل بتلك التطليقة قال اعتد بها.

فهذه الآثار كلها توضح لك ما قلنا عن ابن عمر وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم مره فليراجعها دليل على أنها طلقة لأنه لا يؤمر بالمراجعة إلا لمن لزمته الطلقة ولو لم تلزمه لقال دعه فليس هذا بشيء أو نحو هذا وقد روي عن ابن عمر في هذا خبر ظاهره على خلاف ما ذكرناه وليس كذلك لما وصفنا .

أخبرنا عبدالله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا ابو داود قال حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا عبدالرزاق قال أخبرنا ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع عبدالرحمان بن أيمن مولى عروة يسأل ابن عمر وأبو الزبير يسمع قال كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضا قال طلق عبدالله بن عمر امرأته وهي حائض قال عبدالله فردوها علي ولم يرها شيئا قال وإذا طهرت فليطلق أو ليمسك قال أبو عمر وقرأ النبي عليه السلام {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن }.

روى أبو عاصم النبيل هذا الحديث عن ابن جريج فلم يقل فيه ولم يرها شيئا قال أبو عمر قوله في هذا الحديث ولم يرها شيئا منكر عن ابن عمر لما ذكرنا عنه أنه اعتد بها ولم يقله أحد عنه غير أبي الزبير وقد رواه عنه جماعة جلة فلم يقل ذلك واحد منهم وأبو الزبير ليس بحجة فيما خالفه فيه مثله فكيف بخلاف من هو أثبت منه ولو صح لكان معناه عندي والله أعلم ولم يرها على استقامة أي ولم يرها شيئا مستقيما لأنه لم يكن طلاقه لها على سنة الله وسنة رسوله هذا أولى المعاني بهذه اللفظة إن صحت وكل من روى هذا الخبر من الحفاظ لم يذكروا ذلك وليس من خالف الجماعة الحفاظ بشيء فيما جاء به وقد احتج بعض من ذهب إلى أن الطلاق في الحيض لا يقع وأن المطلق لا يعتد بتلك التطليقة بما روي عن الشعبي أنه قال إذا طلق الرجل امرأته وهي حائض لم يعتد بها في قول ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا من الشعبي إنما معناه لا يعتد بتلك الحيضة في العدة ولم يرد لا يعتد بتلك التطليقة وقد روي عنه ذلك منصوصا رواه شريك عن جابر عن عامر في رجل طلق امرأته وهي حائض قال يقع عليه الطلاق ولا يعتد بتلك الحيضة.






--------------------------------------------------------------------------------

التمهيد ج:15 ص:58 وما بعده

عبدالله بن حمد
04-17-2004, 07:30 PM
رد ابن حجر على ابن القيم رحمهم الله تعالى:

واحتج بن القيم لترجيح ما ذهب إليه شيخه باقيسة ترجع إلى مسألة أن النهي يقتضي التحريم فكذلك يقتضي الفساد وأيضا فهو طلاق منع منه الشرع فأفاد منعه عدم جواز ايقاعه فكذلك يفيد عدم نفوذه وإلا لم يكن للمنع فائدة لأن الزوج لو وكل رجلا أن يطلق امرأته على وجه فطلقها على غير الوجه المأذون فيه لم ينفذ فكذلك لم يأذن الشارع للمكلف في الطلاق الا إذا كان مباحا فإذا طلق طلاقا محرما لم يصح وأيضا فكل ما حرمه الله من العقود مطلوب الاعدام فالحكم ببطلان ما حرمه أقرب إلى تحصيل هذا المطلوب من تصحيحه ومعلوم أن الحلال المأذون فيه ليس كالحرام الممنوع منه ثم أطال من هذا الجنس بمعارضات كثيرة لا تنهض مع التنصيص على صريح الأمر بالرجعة فإنها فرع وقوع الطلاق على تصريح صاحب القصة بأنها حسبت عليه تطليقة والقياس في معارضة النص فاسد الاعتبار والله أعلم

وقد عورض بقياس أحسن من قياسه فقال بن عبد البر ليس الطلاق من أعمال البر التي يتقرب بها وإنما هو إزالة عصمة فيها حق ادمي فكيفما اوقعه وقع سواء أجر في ذلك أم إثم ولو لزم المطيع ولم يلزم العاصي لكان العاصي أخف حالا من المطيع.

ثم قال بن القيم لم يرد التصريح بان بن عمر احتسب بتلك التطليقة الا في رواية سعيد بن جبير عنه عند البخاري وليس فيها تصريح بالرفع قال فانفراد سعيد بن جبير بذلك كانفراد أبي الزبير بقوله لم يرها شيئا فأما أن يتساقطا وأما أن ترجح رواية أبي الزبير لتصريحها بالرفع وتحمل رواية سعيد بن جبير على أن أباه هو الذي حسبها عليه بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي ألزم الناس فيه بالطلاق الثلاث بعد أن كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا يحتسب عليهم به ثلاثا إذا كان بلفظ واحد.

قلت وغفل رحمه الله عما ثبت في صحيح مسلم من رواية أنس بن سيرين على وفاق ما روى سعيد بن جبير وفي سياقه ما يشعر بأنه إنما راجعها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه سألت بن عمر عن امرأته التي طلق فقال طلقتها وهي حائض فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال مرة فليراجعها فإذا طهرت فليطلقها لطهرها قال فراجعتها ثم طلقتها لطهرها قلت فاعتددت بتلك التطليقة وهي حائض فقال مالي لا اعتد بها وأن كنت عجزت واستحمقت.

وعند مسلم أيضا من طريق بن أخي بن شهاب عن عمه عن سالم في حديث الباب وكان عبد الله بن عمر طلقها تطليقة فحسبت من طلاقها فراجعها كما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم وله من رواية الزبيدي عن بن شهاب قال بن عمر فراجعتها وحسبت لها التطليقة التي طلقتها .

وعند الشافعي عن مسلم بن خالد عن بن جريج إنهم أرسلوا إلى نافع يسألونه هل حسبت تطليقة بن عمر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقال نعم.

(فتح الباري مجلد 9 ص 354 وما بعده)

عبدالله بن حمد
04-19-2004, 06:04 PM
( قوله باب إذا طلقت الحائض تعتد بذلك الطلاق )

كذا بت الحكم بالمسألة وفيها خلاف قديم عن طاوس وعن خلاس بن عمرو وغيرهما أنه لا يقع ومن ثم نشأ سؤال من سأل بن عمر عن ذلك
4954 قوله شعبة عن أنس بن سيرين قال سمعت بن عمر قال طلق بن عمر امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال ليراجعها قلت تحتسب قال فمه.

القائل قلت هو أنس بن سيرين والمقول له بن عمر بين ذلك أحمد في روايته عن محمد بن جعفر عن شعبة وكذا أخرجه مسلم من طريق محمد بن جعفر وقد ساقه مسلم من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن بن سيرين مطولا كما سأذكره بعد ذلك.

قوله وعن قتادة عن يونس بن جبير هو معطوف على قوله عن أنس بن سيرين فهو موصول وهو من رواية شعبة عن قتادة ولقد أفرده مسلم من رواية محمد بن جعفر عن شعبة عن قتادة سمعت يونس بن جبير قوله عن بن عمر قال مرة فليراجعها هكذا اختصره ومراده أن يونس بن جبير حكى القصة نحو ما ذكرها أنس بن سيرين سوى ما بين من سياقه قوله قلت تحتسب هو بضم أوله والقائل هو يونس بن جبير قوله قال أرايته في رواية الكشميهني أرأيت أن عجز واستحمق وقد اختصره البخاري اكتفاء بسياق أنس بن سيرين وقد ساقه مسلم حيث أفرده ولفظه سمعت بن عمر يقول طلقت امرأتي وهي حائض فأتي عمر النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال ليراجعها فإذا طهرت فإن شاء فليطلقها قال قلت لابن عمر افيحسب بها قال ما يمنعه أرأيت أن عجز واستحمق.

وقال أحمد حدثنا محمد بن جعفر وعبد الله بن بكير قالا حدثنا شعبة فذكره أتم منه وفي أوله أنه سأل بن عمر عن رجل طلق امرأته وهي حائض وفيه فقال مرة فليراجعها ثم أن بدا له طلاقها طلقها في قبل عدتها وفي قبل طهرها قال قلت لابن عمر أفتحتسب طلاقها ذلك طلاقا قال نعم أرأيت أن عجز واستحمق.

وقد ساقه البخاري في آخر الباب الذي بعد هذا نحو هذا السياق من رواية همام عن قتادة بطوله وفيه قلت فهل عد ذلك طلاقا قال أرأيت أن عجز واستحمق وسيأتي في أبواب العدد في باب مراجعة الحائض من طريق محمد بن سيرين عن يونس بن جبير مختصرا وفيه قلت فتعتد بتلك التطليقة قال أرأيت أن عجز واستحمق.

وأخرجه مسلم من وجه آخر عن محمد بن سيرين مطولا ولفظه فقلت له إذا طلق الرجل امرأته وهي حائض ايعتد بتلك التطليقة قال فمه أو أن عجز واستحمق وفي رواية له فقلت افتحتسب عليه والباقي مثله.

وقوله فمه أصله فما وهو استفهام فيه اكتفاء أي فما يكون أن لم تحتسب ويحتمل أن تكون الهاء اصلية وهي كلمة تقال للزجر أي كف عن هذا الكلام فإنه لا بد من وقوع الطلاق بذلك قال بن عبد البر قول بن عمر فمه معناه فأي شيء يكون إذا لم يعتد بها إنكارا لقول السائل ايعتد بها فكأنه قال وهل من ذلك بد وقوله أرأيت أن عجز واستحمق أي أن عجز عن فرض فلم يقمه أو استحمق فلم يأت به أيكون ذلك عذرا له وقال الخطابي في الكلام حذف أي أرأيت أن عجز واستحمق ايسقط عنه الطلاق حمقه أو يبطله عجزه وحذف الجواب لدلالة الكلام عليه وقال الكرماني يحتمل أن تكون أن نافية بمعنى ما أي لم يعجز بن عمر ولا استحمق لأنه ليس بطفل ولا مجنون قال وأن كانت الرواية بفتح ألف أن فمعناه أظهر والتاء من استحمق مفتوحة قاله بن الخشاب وقال المعنى فعل فعلا يصيره أحمق عاجزا فيسقط عنه حكم الطلاق عجزه أو حمقه والسين والتاء فيه إشارة إلى أنه تكلف الحمق بما فعله من تطليق امرأته وهي حائض وقد وقع في بعض الأصول بضم التاء مبنيا للمجهول أي أن الناس استحمقوه بما فعل وهو موجه وقال المهلب معنى قوله أن عجز واستحمق يعني عجز في المراجعة التي أمر بها عن إيقاع الطلاق أو فقد عقله فلم تمكن منه الرجعة اتبقى المرأة معلقة لا ذات بعل ولا مطلقة وقد نهى الله عن ذلك فلا بد أن تحتسب بتلك التطليقة التي اوقعها على غير وجهها كما أنه لو عجز عن فرض آخر لله فلم يقمه واستحمق فلم يأت به ما كان يعذر بذلك ويسقط عنه.

قوله حدثنا أبو معمر كذا في رواية أبي ذر وهو ظاهر كلام أبي نعيم في المستخرج وللباقين وقال أبو معمر وبه جزم الإسماعيلي وسقط هذا الحديث من رواية النسفي أصلا قوله عن بن عمر قال حسبت على بتطليقة هو بضم أوله من الحساب وقد أخرجه أبو نعيم من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه مثل ما أخرجه البخاري مختصرا وزاد يعني حين طلق امرأته فسأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.

قال النووي شذ بعض أهل الظاهر فقال إذا طلق الحائض لم يقع الطلاق لأنه غير مأذون فيه فأشبه طلاق الأجنبية وحكاه الخطابي عن الخوارج والروافض وقال بن عبد البر لا يخالف في ذلك الا أهل البدع والضلال يعني الآن قال وروى مثله عن بعض التابعين وهو شذوذ وحكاه بن العربي وغيره عن بن علية يعني إبراهيم بن إسماعيل بن علية الذي قال الشافعي في حقه إبراهيم ضال جلس في باب الضوال يضل الناس وكان بمصر وله مسائل ينفرد بها وكان من فقهاء المعتزلة وقد غلط فيه من ظن أن المنقول عنه المسائل الشاذة أبوه وحاشاه فإنه من كبار أهل السنة وكأن النووي أراد ببعض الظاهرية بن حزم فإنه ممن جرد القول بذلك وانتصر له وبالغ وأجاب عن أمر بن عمر بالمراجعة بان بن عمر كان اجتنبها فأمره أن يعيدها إليه على ما كانت عليه من المعاشرة فحمل المراجعة على معناها اللغوي وتعقب بأن الحمل على الحقيقة الشرعية مقدم على اللغوية اتفاقا وأجاب عن قول بن عمر حسبت على بتطليقه بأنه لم يصرح بمن حسبها عليه ولا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعقب بأنه مثل قول الصحابي أمرنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا فإنه ينصرف إلى من له الأمر حينئذ وهو النبي صلى الله عليه وسلم كذا قال بعض الشراح وعندي أنه لا ينبغي أن يجئ فيه الخلاف الذي في قول الصحابي أمرنا بكذا فإن ذاك محله حيث يكون اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ليس صريحا وليس كذلك في قصة بن عمر هذه فإن النبي صلى الله عليه وسلم هو الأمر بالمراجعة وهو المرشد لابن عمر فيما يفعل إذا أراد طلاقها بعد ذلك وإذا أخبر بن عمر أن الذي وقع منه حسبت عليه بتطليقة كان احتمال أن يكون الذي حسبها عليه غير النبي صلى الله عليه وسلم بعيدا جدا مع احتفاف القرائن في هذه القصة بذلك وكيف يتخيل أن بن عمر يفعل في القصة شيئا برأيه وهو ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم تغيظ من صنيعه كيف لم يشاوره فيما يفعل في القصة المذكورة وقد أخرج بن وهب في مسنده عن بن أبي ذئب أن نافعا أخبره أن بن عمر طلق امرأته وهي حائض فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال مرة فليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر قال بن أبي ذئب في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهي واحدة قال بن أبي ذئب وحدثني حنظلة بن أبي سفيان أنه سمع سالما يحدث عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وأخرجه الدارقطني من طريق يزيد بن هارون عن بن أبي ذئب وبن إسحاق جميعا عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال هي واحدة وهذا نص في موضع الخلاف فيجب المصير إليه وقد أورده بعض العلماء على بن حزم فأجابه بأن قوله هي واحدة لعله ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فألزمه بأنه نقض أصله لأن الأصل لا يدفع بالاحتمال وعند الدارقطني في رواية شعبة عن أنس بن سيرين عن بن عمر في القصة فقال عمر يا رسول الله افتحتسب بتلك التطليقة قال نعم ورجاله إلى شعبة ثقات وعنده من طريق سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أن رجلا قال إني طلقت امرأتي البتة وهي حائض فقال عصيت ربك وفارقت امرأتك قال فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بن عمر أن يراجع امرأته قال أنه أمر بن عمر أن يراجعها بطلاق بقي له وأنت لم تبق ما ترتجع به امرأتك وفي هذا السياق رد على من حمل الرجعة في قصة بن عمر على المعنى اللغوي وقد وافق بن حزم على ذلك من المتأخرين بن تيمية وله كلام طويل في تقرير ذلك والانتصار له واعظم ما احتجوا به ما وقع في رواية أبي الزبير عن بن عمر عند مسلم وأبي داود والنسائي وفيه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ليراجعها فردها وقال إذا طهرت فليطلق أو يمسك لفظ مسلم وللنسائي وأبي داود فردها على زاد أبو داود ولم يرها شيئا وإسناده على شرط الصحيح فإن مسلما أخرجه من رواية حجاج بن محمد عن بن جريج وساقه على لفظه ثم أخرجه من رواية أبي عاصم عنه وقال نحو هذه القصة ثم أخرجه من رواية عبد الرزاق عن بن جريج قال مثل حديث حجاج وفيه بعض الزيادة فأشار إلى هذه الزيادة ولعله طوى ذكرها عمدا وقد أخرج أحمد الحديث عن روح بن عبادة عن بن جريج فذكرها فلا يتخيل انفراد عبد الرزاق بها

قال أبو داود روى هذا الحديث عن بن عمر جماعة واحاديثهم كلها على خلاف ما قال أبو الزبير.

وقال بن عبد البر قوله ولم يرها شيئا منكر لم يقله غير أبي الزبير وليس بحجة فيما خالفه فيه مثله فكيف بمن هو أثبت منه ولو صح فمعناه عندي والله أعلم ولم يرها شيئا مستقيما لكونها لم تقع على السنة.

وقال الخطابي قال أهل الحديث لم يرو أبو الزبير حديثا أنكر من هذا وقد يحتمل أن يكون معناه ولم يرها شيئا تحرم معه المراجعة أو لم يرها شيئا جائزا في السنة ماضيا في الاختيار وأن كان لازما له مع الكراهة.

ونقل البيهقي في المعرفة عن الشافعي أنه ذكر رواية أبي الزبير فقال نافع أثبت من أبي الزبير والاثبت من الحديثين أولي أن يؤخذ به إذا تخالفا وقد وافق نافعا غيره من أهل الثبت قال وبسط الشافعي للقول في ذلك وحمل قوله لم يرها شيئا على أنه لم يعدها شيئا صوابا غير خطأ بل يؤمر صاحبه أن لا يقيم عليه لأنه أمره بالمراجعة ولو كان طلقها طاهرا لم يؤمر بذلك فهو كما يقال للرجل إذا أخطأ في فعله أو أخطأ في جوابه لم يصنع شيئا أي لم يصنع شيئا صوابا.

قال بن عبد البر واحتج بعض من ذهب إلى أن الطلاق لا يقع بما روى عن الشعبي قال إذا طلق الرجل امرأته وهي حائض لم يعتد بها في قول بن عمر قال بن عبد البر وليس معناه ما ذهب إليه وإنما معناه لم تعتد المرأة بتلك الحيضة في العدة كما روى ذلك عنه منصوصا أنه قال يقع عليها الطلاق ولا تعتد بتلك الحيضة اه

وقد روى عبد الوهاب الثقفي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر نحوا ما نقله بن عبد البر عن الشعبي أخرجه بن حزم بإسناد صحيح والجواب عنه مثله وروى سعيد بن منصور من طريق عبد الله بن مالك عن بن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس ذلك بشيء وهذه متابعات لأبي الزبير الا أنها قابلة للتأويل وهو أولي من الغاء الصريح في قول بن عمر أنها حسبت عليه بتطليقة وهذا الجمع الذي ذكره بن عبد البر وغيره يتعين وهو أولي من تغليط بعض الثقات وأما قول بن عمر أنها حسبت عليه بتطليقة فإنه وأن لم يصرح برفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإن فيه تسليم أن بن عمر قال أنها حسبت عليه فكيف يجتمع مع هذا قوله أنه لم يعتد بها أو لم يرها شيئا على المعنى الذي ذهب إليه المخالف لأنه أن جعل الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم لزم منه أن بن عمر خالف ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القصة بخصوصها لأنه قال أنها حسبت عليه بتطليقة فيكون من حسبها عليه خالف كونه لم يرها شيئا وكيف يظن به ذلك مع اهتمامه واهتمام أبيه بسؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ليفعل ما يأمره به وأن جعل الضمير في لم يعتد بها أو لم يرها لابن عمر لزم منه التناقض في القصة الواحدة فيفتقر إلى الترجيح ولا شك أن الأخذ بما رواه الأكثر والاحفظ أولي من مقابله عند تعذر الجمع عند الجمهور والله أعلم


--------------------------------------------------------------------------------

فتح الباري ج:9 ص:351

12d8c7a34f47c2e9d3==