المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كلام نفيس على حديث:"لولا أن قومك حديثوا عهد بشرك " للشيخ الألباني رحمه الله تعالي.


كيف حالك ؟

قاسم علي
12-12-2015, 12:28 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال الشيخ محمد ناصرالدين الألباني رحمه الله تعالي عند تعليقه على هذا الحديث:
" يا عائشة لولا أن قومك حديثوا عهد بشرك و ليس عندي من النفقة ما يقوي على بنائه لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله و لهدمت الكعبة فألزقتها بالأرض ثم لبنيتها على أساس إبراهيم و جعلت لها بابين بابا شرقيا يدخل الناس منه و بابا غربيا يخرجون منه و ألزقتها بالأرض و زدت فيها ستة أذرع من الحجر .
( و في رواية : و لأدخلت فيها الحجر ) فإن قريشا اقتصرتها حيث بنت الكعبة , فإن بدا لقومك من بعدي أن يبنوه فهلمي لأريك ما تركوه منه , فأراها قريبا من سبعة أذرع " .
و في رواية عنها قالت :
" سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجدر ( أي الحجر ) , أمن البيت هو ?
قال : نعم , قلت : فلم لم يدخلوه في البيت ? قال : إن قومك قصرت بهم النفقة,قلت : فما شأن بابه مرتفعا ? قال : فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاءوا و يمنعوا من شاءوا , ( و في رواية : تعززا أن لا يدخلها إلا من أرادوا , فكان الرجل إذا أراد أن يدخلها يدعونه يرتقي حتى إذا كاد أن يدخل دفعوه فسقط ) و لولا أن قومك حديث عهدهم في الجاهلية , فأخاف أن تنكر قلوبهم , لنظرت أن أدخل الجدر في البيت و أن ألزق بابه بالأرض .
فلما ملك ابن الزبير هدمها و جعل لها بابين .
( و في رواية فذلك الذي حمل ابن الزبير على هدمه , قال يزيد بن رومان : و قد شهدت ابن الزبير حين هدمه و بناه و أدخل فيه الحجر , و قد رأيت أساس إبراهيم عليه السلام حجارة متلاحمة كأسنمة الإبل متلاحكة ) ".
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 69 :
( عن عائشة رضي الله عنها ) :
رواه البخاري ( 1 / 44 , 491 , 3 / 197 , 4 / 412 ) , و مسلم ( 4 / 99 - 100 )
و أبو نعيم في " المستخرج " ( ق 174 / 2 ) , و النسائي ( 2 / 34 - 35 ) ,والترمذي ( 1 / 166 ) و صححه , و الدارمي ( 1 / 53 - 54 ) و ابن ماجه ( 2955 )و مالك ( 1 / 363 ) , و الأزرقي في " أخبار مكة " ( ص 114 - 115 , 218 - 219 ) و أحمد ( 6 / 57 , 67 , 92 , 102 , 113 , 136 , 176 , 179 , 239 , 247 , 253,262 ) من طرق عنها .
من فقه الحديث:
يدل هذا الحديث على أمرين :
الأول : أن القيام بالإصلاح إذا ترتب عليه مفسدة أكبر منه وجب تأجيله , و منه أخذ الفقهاء قاعدتهم المشهورة " دفع المفسدة , قبل جلب المصلحة " .

الثاني : أن الكعبة المشرفة بحاجة الآن إلى الإصلاحات التي تضمنها الحديث لزوال السبب الذي من أجله ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك , و هو أن تنفر قلوب من كان حديث عهد بشرك في عهده صلى الله عليه وسلم , و قد نقل ابن بطال عن بعض العلماء"أن النفرة التي خشيها صلى الله عليه وسلم,أن ينسبوه إلى الانفراد بالفخر دونهم " .

و يمكن حصر تلك الإصلاحات فيما يلي :
1 - توسيع الكعبة و بناؤها على أساس إبراهيم عليه الصلاة و السلام , و ذلك بضم نحو ستة أذرع من الحجر .
2 - تسوية أرضها بأرض الحرم .
3 - فتح باب آخر لها من الجهة الغربية .
4 - جعل البابين منخفضين مع الأرض لتنظيم و تيسير الدخول إليها و الخروج منها
لكل من شاء .

و لقد كان عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قد قام بتحقيق هذا الإصلاح بكامله إبان حكمه في مكة , و لكن السياسة الجائرة أعادت الكعبة بعده إلى وضعها السابق ! و هاك تفصيل ذلك كما رواه مسلم , و أبو نعيم , بسندهما الصحيح عن عطاء قال :
" لما احترق البيت زمن يزيد بن معاوية حين غزاها أهل الشام , فكان من أمره ما كان , تركه ابن الزبير حتى قدم الناس الموسم , يريد أن يجرئهم أو يحربهم على أهل الشام ,فلما صدر الناس قال : يا أيها الناس , أشيروا على في الكعبة أنقضها ثم أبني بناءها , أو أصلح ما وهي منها ? قال ابن عباس : فإني قد فرق لي رأي فيها : أرى أن تصلح ما وهي منها , و تدع بيتا أسلم الناس عليه , و أحجارا أسلم الناس عليها , و بعث عليها النبي صلى الله عليه وسلم , فقال ابن الزبير : لو كان أحدكم احترق بيته ما رضي حتى يجده , فكيف بيت ربكم ?! إني مستخير ربي ثلاثا ثم عازم على أمري , فلما مضى الثلاث أجمع رأيه على أن ينقضها , فتحاماه الناس ,أن ينزل بأول الناس يصعد فيه أمر من السماء ! حتى صعده رجل فألقى منه حجارة ,فلما لم يره الناس أصابه شيء , تتابعوا فنقضوه حتى بلغوا به الأرض , فجعل ابن الزبير أعمدة فستر عليها الستور حتى ارتفع بناؤه .
و قال ابن الزبير : إني سمعت عائشة تقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( فذكر الحديث بالزيادة الأولى ثم قال ) : فأنا اليوم أجد ما أنفق و لست أخاف الناس , فزاد فيه خمس أذرع من الحجر حتى أبدى أسا نظر الناس إليه , فبنى عليه البناء و كان طول الكعبة ثماني عشرة ذراعا , فلما زاد فيه استقصره فزاد في طوله عشر أذرع , و جعل له بابين أحدهما يدخل منه , و الآخر يخرج منه , فلما قتل ابن الزبير كتب الحجاج إلى عبد الملك بن مروان يخبره بذلك , و يخبره أن ابن الزبير قد وضع البناء على أس نظر إليه العدول من أهل مكة , فكتب إليه عبد الملك : إنا لسنا من تلطيخ ابن الزبير في شيء , أما ما زاد في طوله فأقره و أما ما زاد فيه من الحجر فرده إلى بنائه , و سد الباب الذي فتحه , فنقضه ,و أعاده إلى بنائه " .

ذلك ما فعله الحجاج الظالم بأمر عبد الملك الخاطئ , و ما أظن أنه يبرر له خطأه
ندمه فيما بعد .
فقد روى مسلم و أبو نعيم أيضا عن عبد الله بن عبيد قال :
" وفد الحارث بن عبد الله على عبد الملك بن مروان في خلافته , فقال عبد الملك :
ما أظن أبا حبيب ( يعني : ابن الزبير ) سمع من عائشة ما كان يزعم أنه سمعه منها
قال الحارث : بلى أنا سمعته منها , قال : سمعتها تقول ماذا ? قال : قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قلت : فذكر الحديث ) قال عبد الملك للحارث :أنت سمعتها تقول هذا ? قال : نعم , قال : فنكث ساعة بعصاه ثم قال : وددت أني تركته و ما تحمل " .
و في رواية لهما عن أبي قزعة :
" أن عبد الملك بن مروان بينما هو يطوف بالبيت إذ قال : قاتل الله ابن الزبير حيث يكذب على أم المؤمنين يقول : سمعتها تقول : ( فذكر الحديث ) .
فقال الحارث بن عبد الله بن ربيعة : لا تقل هذا يا أمير المؤمنين , فأنا سمعت أم المؤمنين تحدث هذا , قال : لو كنت سمعته قبل أن أهدمه لتركته على ما بنى ابن الزبير " .

أقول : كان عليه أن يتثبت قبل الهدم فيسأل عن ذلك أهل العلم , إن كان يجوز له الطعن في عبد الله بن الزبير , و اتهامه بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
و قد تبين لعبد الملك صدقه رضي الله عنه بمتابعة الحارث إياه , كما تابعه جماعة كثيرة عن عائشة رضي الله عنها , و قد جمعت رواياتهم بعضها إلى بعض في هذا الحديث , فالحديث مستفيض عن عائشة , و لذلك فإني أخشى أن يكون عبد الملك على علم سابق بالحديث قبل أن يهدم البيت , و لكنه تظاهر بأنه لم يسمع به إلا من طريق ابن الزبير , فلما جابهه الحارث بن عبد الله بأنه سمعه من عائشة أيضا أظهر الندم على ما فعل ,ولات حين مندم .
هذا , و قد بلغنا أن هناك فكرة أو مشروعا لتوسيع المطاف حول الكعبة و نقل مقام إبراهيم عليه الصلاة و السلام إلى مكان آخر , فأقترح بهذه المناسبة على المسؤولين أن يبادروا إلى توسيع الكعبة قبل كل شيء و إعادة بنائها على أساس إبراهيم عليه السلام تحقيقا للرغبة النبوية الكريمة المتجلية في هذا الحديث ,و إنقاذا للناس من مشاكل الزحام على باب الكعبة الذي يشاهد في كل عام , و من سيطرة الحارس على الباب الذي يمنع من الدخول من شاء و يسمح لمن شاء , من أجل دريهمات معدودات !" إ.هـ كلامه رحمه الله تعالي.
(المرجع:سلسلة الأحاديث الصحيحة المجلد الأول الحديث 43).
ولا تنسونا من الدعآء بارك الله فيكم.
والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً وحسبنا الله ونعم الوكيل .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

12d8c7a34f47c2e9d3==