المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ما يتوهم أنه ريــاء وليس هو ريــاء.


كيف حالك ؟

ابن سعد العامري
06-27-2014, 06:10 PM
ما يُتوهم أنّه ريــاء وليس هو ريــاء .
لا شك أن الرياءهوالشرك الأصغر،وهو من أكبر الكبائروهو محبطٌ لماقارنه من العمل،وهوالمعنيّ بقوله تعالى: ((فمن كان يرجو لقاء ربّه فليعمل عملا صالحاً ولا يشرك بعبادة ربّه أحداً )) [الكهف:110] وقد جاء فيه من الوعيد في القرآن الكريم وفي السنّة المطهّرة والتحذير منه ما هو معلوم ،ولكن ليس كل مدح وثناء وتزكية يقع على وجه الذمّ وإنّما هناك فروق نبّه عليها العلماء بين مايمدح من ذلك ومايذمّ.قال ابن رجب في"جامع العلوم والحكم"ص27:((فأمّاإذا عمل العمل لله خالصاًثمّ ألقى الله له الثناء الحسن في قلوب المؤمنين بذلك ففرح بفضل الله ورحمته واستبشر بذلك لم يضرّه ذلك،وفي هذا المعنى جاءحديث أبي ذرّـ رضي الله عنه ـ عن النبيّ صلى الله عليه وسلّم أنه سُئل عن الرجل يعمل العمل لله من الخير ويحمده الناس عليه فقال: ((تلك عاجل بشرى المـؤمن ))خرّجه مسلم وابن ماجه وبوّب له النوويّ في رياض الصالحين وهو ماجُعل عنواناً لهذا البحث،وقال الشيخ السعديّ رحمه الله في شرحه له في كتابه "بهجة قلوب الأبرار"ص195: (( وأمّا البِشارة في الدنياالتي يعجّلها الله للمؤمنين نموذجاًوتعجيلاًلفضله وتعرّفاً لهم بذلك وتنشيطاً لهم على الأعمال؛فأعمّها:توفيقه لهم للخير، وعصمته لهم من الشرّ، كما قال صلّى الله عليه وسلّم ((أمّا أهل السعادة فييسّرون لعمل أهل السعادة ))...إلى أن قال:ومن ذلك ما ذكره النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في هذا الحديث؛إذا عمل العبد عملاًمن أعمال الخير،وخصوصاً الآثار الصالحة والمشاريع الخيرية العامّة النفع،وترتّب على ذلك محبّة النّاس له،وثناؤهم عليه،ودعاؤهم له كان هذا من البشرى أنّ هذا العمل من الأعمال المقبولة التي جعل الله فيها خيراً وبركةً،ومن البشرى في الحياة الدنيا:محبّة المؤمنين للعبد لقوله تعالى : ((إنّ الذين ءامنوا وعملوا الصلحت سيجعل لهم الرحمن وُدّاً ))[مريم:96]...ومن ذلك الثناء الحسن،فإنّ كثرة ثناء المؤمنين على العبد شهادة منهم له،والمؤمنون شهداء الله في أرضه إلخ كلامه النافع.وقال محمّد عبد العزيز الخولي في"الأدب النبويّ"ط.الاستقامة،مصـرص254الحديث رقم102 (مايكره من التمادح)عن أبي موسى رضي الله عنه قال:سمع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجلاً يُثني على رجلٍ ويُطريه في المِدحة ـ وفي رواية:في المدح وفي أخرى :في مدحه ـ فقال:((أهلكتم أوقطعتم ظهر الرجل ))رواه البخاريّ ومسلم...الشرح:المدح على الشيء قديكون من إشارات الاستحسان ودواعي التشجيع والإجادة واستحثاث الهمم إلى جلائل الأعمال والإشادة بذكر المُجِـدّ العامل،وحفز العزائم على الدّأَب والسعي لتحصيل المحامد وابتناء المكارم،كما أنّ السكوتَ عنه غَمْطٌ من شأْن أولي الهمم وتثبيطٌ لهم،وفَتٌّ في عضدهم،وإماتةٌ لما عساه يكون عندهم من[ملكات ومواهب]يدفعها التنشيط ويقبُِرهاالغمص والزِراية،كل هذا خير ما دام القصد[هو]ماذُكر...إلى أن قال:فإذا سلِم المدح من تلك الآفات،كماتقدّم،لم يكن به بأس ولقدكان أبو بكر رضي الله عنه إذا أُثنِي عليه يقول ((اللهمّ اغفرلي مالايعلمون،ولا تؤاخذني بما يقولون،واجعلني خيراً ممّايظنّون ))اهـ كلامه.قال ابن رجب،رحمه الله:وخرّج الترمذيّ وابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أنّ رجلاً قال يا رسول الله،الرجل يعمل العملَ فيُسِرُّه، فإذا اطُّلِع عليه أعجبه،فقال: ((له أجران:أجر السرّ وأجر العلانية ))اهـ عن ابن رجب مختصراً . وقال الشيخ السعديّ،رحمه الله في تفسير قوله تعالى: ((لا تحسبنّ الذين يفرحون بما أتَوا ويحبّون أن يُحمدوا بما لم يفعلوا ))الآية118من سورة آل عمران،قال:"ودلّت الآية بمفهومهاعلى أنّ من أحبّ أن يُحمدويُثنى عليه بما فعله من الخيرواتّباع الحقّ إذا لم يكن قصده بذلك الريـاء والسمعة؛أنّه غير مذموم،بل هذا من الأمور المطلوبةالتي أخبر الله أنّه يجزي بها المحسنين في الأعمال والأقوال،وأنّه جازى بها خواصّ خلقه وسألوها منه،كما قال إبراهيم عليه السلام: ((واجعل لي لسان صدقٍ في الآخرين ))[الشعراء:84]وقال : ((سلام على نوح في العالمين *إنّا كذلك نجزي المحسنين ))[الصّافّات:80،79]،وقال عن عباد الرحمن:((واجعلنا للمتّقين إماماً ))[الفرقان:74]،[وقال عن نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم: ((ورفعنا لك ذكرك ))[الشرح:4]وقال: ((وإنّه لذكرٌلك ولقومك وسوف تُسئلون))[الزخرف:44]ففي الجلالين:(وإنه لذكر)لشرف(لك ولقومك)لنزوله بلغتهم(وسوف تُسئلون)عن القيام بحقّه اهـ] وهي من نعم الباري على عبده ومننه التي تحتاج إلى الشكر اهـ ص146 تفسير ابن سعدي رحمه الله.وقال النواوي،رحمه الله في شرح الأربعين ص6: ((وكما أنّ الريـاء[يكون]في العمل؛يكون[كذلك]في ترك العمل،قال الفضيل بن عياض :"ترك العمل من أجل النّاس ريـاء،والعمل من أجل النّاس شرك،والإخلاص أن يعافيَك الله منهما"ومعنى كلامه رحمه الله تعالى؛أنّ من عزم على عبادة[عمليّة أوقولية]وتركها مخافةَ أن يراها الناس؛فهو مُـراءٍ لأنّه ترك العمل لأجل الناس،أمّا لو تركها ليصليها[إن كانت صلاة مثلاً]في الخلوة فهذا مستحبّ،إلاّ أن تكون فريضة أوزكاة واجبة أويكون عالماً يُقتدى به؛فالجهر بالعبادة في ذلك أفضل،ومن ذلك ما جاء عن أحد السلف:"إذا جاءك الشيطان وأنت في صلاة وأخبرك أنّك تُـرائي؛فزِدهـا طولاً فإنّ ذلك شديدٌ عليه" أوكما قال. وكماأنّ الرياء محبطٌ للعمل؛كذلك التسميع،وهوأن يعمل لله تعالى في الخلوة ثمّ يُحدّث الناس بما عمل،قال صلّى الله عليه وسلم: ((من سمّع سمّع الله به،ومن راءى راءى الله به ـ وفي لفظ:ومن يرائي يرائي الله به)) متّفق عليه.قال العلماء: فإن كان عالماً يُقتدى به وذكر ذلك للسامعين ليعملوا به فلا بأس . وقال الحافظ جلال الدين السيوطيّ في"الصواعق على النواعق":((خطب معاويةرضي الله عنه بدمشق فقال:"أيّها النّاس اعقلواعنّي فإنّكنم لاتجدون أحداًبعدي أعلم بأمرالدنياوالآخرةمنّي"،وقال:جاءرجلٌ إلى عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه فأثنى عليه وكان قدبلغه عنه قبل ذلك شيء،فقال له:"أنافوق مافي نفسك"،قال النوويّ في الأذكار:"هذامن باب تعريف العالم بحاله ليقبل قوله إذاكان مشيراًبمصلحةأومعلّماًأوساعياًفي الخيرونحوذلك وهومحبوب،وأمّاللافتخاروإظهارالارتفاع وشبه ذلك فمذمومٌ"اهـ.[قلت:وقول يوسف عليه السلام: ((قال اجعلني على خزائنِ الأرضِ إنّي حفيظٌ عليمٌ))،هو من هذا الباب،قال العلاّمة ابن كثير في تفسيره:"مدح نفسه،ويجوزللرّجل ذلك إذا جُهل أمره للحاجة" اهـ ومثل ذلك تعداد عثمان رضي الله عنه لمناقبه لمّا بغى عليه أهل الفتن والشغب (انظرهافي كتاب السنّة لابن أبي عاصم وغيره) وعلى الجملةفإنّ التحدّث بنعمةالله جائزٌبل مرغّبٌ فيه ومنه ذكر نسب الرجل ومنزلته وفضله وعلمه ومناقبه ومنه باب فضائل الأناسيّ والبقاع والمواسم والأيام والليالي بل وحتّى البرهة من الزمن كالساعةونحوها قال الشاعر: هوالجَـدّ،حتّى تفضُل العينُ أختها؛**وحتّى يكونُ اليومُ،لليوم،سيّـدا. وإنمايعرف الفضل لأهله أهلُه،قال تعالى: ((وأمّابنعمةربّك فحدّث))[الضحى:11]،وقال صلّى الله عليه وسلّم: ((إنّ الله يحبّ أن يرى أثر نعمته على عبده )) رواه الترمذيّ، والصادق يقول للمحسن أحسنت وللمسيء أسأت،ولا يبخس ُ النّاس أشياءهم،والاختيال والعُجب محرّمٌ إلاّ في الغزوكما في حديث أبي دجانة سِماك بن خَرَشة رضي الله عنه،والردّعلى أهل الأهواء منه،وقال النبيّ عليه الصلاة والسلام: ((أناسيّدولدآدم ولافخر))الحديث،وقال: ((أناأفصح العرب بيدأني من قريشٍ ونشأت في بني سعد بن بكر))،وسمع قصائد المدح وكافأعليها وهذا من أبين الأمور وإنما رقمناه ذكرى،قال تعالى: ((أهم يقسمون رحمتَ ربّك نحن قسمنابينهم معيشتهم في الحيوةالدنياورفعنابعضهم فوق بعض درجـت لّيتّخذبعضهم بعضاًسخريّاًورحمت ربّك خيرٌ ممّايجمعون))[الزخرف:32]،والله أعلم ،وصلّى الله على نبينا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم.

12d8c7a34f47c2e9d3==