هادي بن علي
01-12-2014, 11:31 PM
أولا : عقيدة الامامة
الإمامة عند الشيعة هي الأصل الذي تدور عليه أحاديثهم وترجع إليه عقائدهم، وتلمس أثره في فقههم وأصولهم، وتفاسيرهم وسائر علومهم.ولقد اهتم الشيعة بأمرها في القديم والحديث
مفهوم الإمامة [الإمامة، في اللغة: التقدم، تقول: أمّ القوم، وأمّ بهم تقدمهم وهي الإمامة، والإمام كل من ائتم به قوم كانوا على الصراط المستقيم، أو كانوا ضالين، ويطلق الإمام على الخليفة، وعلى العالم المقتدى به، وعلى من يؤتم به في الصلاة (انظر: اللسان، والقاموس، والمصباح، مادة: أمّ، وراجع في تعريف الإمامة عند أهل السنة: الأحكام السلطانية للماوردي: ص5، مقدمة ابن خلدون: 2/516-518).]
مفهوم الامامة عند الشيعة الرافضة
يعتقد الشيعة الرافضة الاثنا عشرية أن الإمامة ركن عظيم من أركان الإسلام, وأصل أصيل من أصول الإيمان, لا يتم إيمان المرء إلا باعتقادها, ولا يقبل منه عمل إلا بتحقيقها, وأول من تحدث عن مفهوم الإمامة بالصورة الموجودة عند الشيعة الرافضة هوابن سبأ, الذي بدأ يشيع القول بأن ""الإمامة هي وصاية من النبي""
ومحصورة بالوصي, وإذا تولاها سواه يجب البراءة منه وتكفيره, فقد اعترفت كتب الشيعة بأن ابن سبأ كان أول من أشهر القول بفرض إمامة علي, وأظهر البراءة من أعدائه, وكاشف مخالفيه, وكفرهم, لأنه كان يهودي الأصل, يرى أن يوشع بن نون وصي موسى, فلما أسلم أظهر هذه المقالة في علي ابن أبي طالب, وهذا ما تعارف عليه شيوخ الشيعة الرافضة,
فابن بابويه القمي يسجل عقائد الشيعة في القرن الرابع ويقول" بأنهم يعتقدون بأن لكل نبي وصيًا أوصى إليه بأمر الله تعالى", كما ذكر المجلسي في أخباره: أن عليًا هو آخر الأوصياء
و قال شيخهم مقداد الحلي –ت821هـ-:" بأن مستحق الإمامة عندهم لابد أن يكون شخصًا معهودًا من الله تعالى ورسوله لا أي شخص"
ويقرر محمد حسين آل كاشف الغطاء أحد مراجع الشيعة الاثنى عشرية في هذا العصر: أن الإمامة منصب إلهي كالنبوة, فكما أن الله سبحانه يختار ما يشاء من عباده للنبوة والرسالة ويؤيد بالمعجزة التي هي كنص من الله عليه.. فكذلك يختار للإمامة من يشاء ويأمر نبيه بالنص عليه, وأن ينصبه إمامًا للناس من بعده( ). فأنت ترى أن مفهوم الإمامة عندهم كمفهوم النبوة, فكما يصطفي الله سبحانه من خلقه أنبياء, يختار سبحانه أئمة, وينص عليهم, ويعلم الخلق بهم, ويقيم بهم الحجة, ويؤيدهم بالمعجزات, وينزل عليهم الكتب, ويوحي إليهم, ولا يقولون أو يفعلون إلا بأمر الله ووحيه.. أي أن الإمامة هي النبوة, والإمام هو النبي, والتغيير في الاسم فقط, ولذلك قال المجلسي:" إن استنباط الفرق بن النبي والإمام من تلك الأخبار لا يخلو من إشكال", ثم قال: "ولا نعرف جهة لعدم اتصافهم بالنبوة إلا رعاية خاتم الإنبياء, ولا يصل عقولنا فرق بين النبوة والإمامة",
منزلة الإمامة عند الرافضة
وحكم من جحدها:
في الكافي روايات تجعل الإمامة أعظم أركان الإسلام, روى الكليني بسنده عن أبي جعفر قال:" بني الإسلام على خمس: على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية, ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية, فأخذ الناس بأربع وتركوا هذا –يعني الولاية"
فأنت ترى أنهم أسقطوا الشهادتين من أركان الإسلام, ووضعوا مكانهما الولاية, وعدوها من أعظم الأركان, كما يدل عليهقولهم: ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية, وكما يدل عليه حديثهم الآخر, وقد ذكر فيهنص الرواية السابقة وزاد: قلت «الراوي»: وأي شيء من ذلك أفضل؟, فقال: الولاية أفضل( ).
ويقول المجلسي: "ولا ريب في أن الولاية والاعتقاد بإمامة الأئمة عليهم السلام والإذعان لهم من جملة أصول الدين, وأفضل من جميع الأعمال البدنية لأنها مفتاحهن
ويقول المظفر –وهو من علمائهم المعاصرين-: نعتقد أن الإمامة أصل من أصول الدين, ولا يتم الإيمان إلا بالاعتقاد بها, ولا يجوز فيها تقليد الآباء والأهل والمربين, مهما عظموا, بل يجب النظر فيها, كما يجب النظر في التوحيد والنبوة
.
يقول ابن بابويه القمي في رسالته الاعتقادات: واعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام أنه كمن جحد نبوة جميع الأنبياء, واعتقادنا فيما أقر بأمير المؤمنين وأنكر واحدًا من بعده من الأئمة أنه بمنزلة من أقر بجميع الأنبياء, وأنكر نبوة
حمد
ويقول يوسف البحراني في موسوعته الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة: وليت شعري أي فرق بين من كفر بالله سبحانه وتعالى ورسوله, وبين من كفر بالأئمة عليهم السلام مع ثبوت كون الإمامة من أصول الدين
ويقول المجلسي: اعلم أن إطلاق لفظ الشرك والكفر على من لم يعتقد إمامة أمير المؤمنين والأئمة من ولده عليهم السلام وفضل عليهم غيرهم, يدل أنهم مخلدون في النار
وقال ابن المطهر الحلي: الإمامة لطف عام, والنبوة لطف خاص لإمكان خلو الزمان من نبي حي بخلاف الإمام, وإنكار اللطف العام شر من إنكار اللطف الخاص
فهو يجعل من لم يؤمن بأئمتهم أشد كفرًا من اليهود والنصارى, وقد بنى على ذلك أن الزمن لا يخلو من إمام, وهو إشارة إلى عقيدتهم بالإيمان بوجود إمامهم المنتظر الغائب, والذي أنكره طوائف من الشيعة, وقرر المحققون من علماء النسب والتاريخ أنه لم يولد أصلاً, ولكن شيخ الشيعة الرافضة يرى أن إنكاره أعظم من الكفر, وينقل شيخهم المفيد اتفاقهم على هذا المذهب في تكفير أمة الإسلام فيقول: اتفقت الإمامية على أن من أنكر إمامة أحد من الأئمة وجحد ما أوجبه الله تعالى له من فرض الطاعة, فهو كافر ضال مستحق للخلود في النار
قال شيخهم نعمة الله الجزائري: "الإمامة العامّة التي هي فوق درجة النّبوّة والرّسالة.." [زهر الرّبيع: ص12.].
وقال هادي الطّهراني – أحد مراجعهم وآياتهم في هذا العصر -: "الإمام أجلّ من النّبوّة، فإنّها مرتبة ثالثة شرّف الله تعالى بها إبراهيم بعد النّبوّة والخلة.." [ودايع النّبوّة: ص114.].
وبهذا الضلال يهذي شيوخهم، قال أحد مراجعهم في هذا العصر: "إن أعظم ما بعث الله تعالى نبيه من الدين إنما هو أمر الإمامة" [هادي الطهراني/ ودايع النبوة: ص115، وانظر في هذا المعنى: محمد حسين آل كاشف الغطا/ راسالة عين الميزان: ص4.].
هذه منزلة إمامة الاثني عشر عندهم، ولا ندري أين سند هذه المنزلة المزعومة، وكتاب الإسلام العظيم – كتاب الله – تذكر فيه مرات، وتؤكد كرات أركان الإسلام: الشهادتان، والصلاة، والصوم، والزكاة، والحج ولا ذكر فيه لشأن ولاية أئمتهم؟!..
أما الاثنا عشرية فقد استقر قولهم – فيما بعد – بحصر الإمامة في اثني عشر إمامًا، و"لم يكن في العترة النبوية بني هاشم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعليّ رضي الله عنهم من يقول بإمامة الاثني عشر.." [منهاج السنة: 2/111.] وإنما عرف الاعتقاد باثني عشر إمامًا بعد وفاة الحسن العسكري.
وتجد في بعض الروايات عند الاثني عشرية ملامح من الحيرة والتردد في عدد الأئمة، مما يدل على أن تلك الروايات موضوعة قبل وفاة الحسن العسكري، وأنه قبل ذلك لم تعرف عقيدة الإيمان بالاثني عشر الذين تنتسب إليهم الاثنا عشرية، أو أنها موضوعة قبل تحدد هذه العقيدة عند الجعفرية، ولا شك أن تلك الروايات نقد واضح للاتجاه الاثني عشري.
فقد جاء في روايات الكافي أن عليًا يسر بالولاية إلى من شاء . وقال شارح الكافي: إلى من شاء من الأئمة المعصومين [المازندراني/ شرح جامع: 9/123.]، ولا تحدد هذه الرواية العدد، ولا تعين الشخص، فكأن الأمر غير مستقر في تلك الفترة التي وضع فيها الخبر، بينما تجد روايات عندهم تجعل الأئمة سبعة وتقول: "سابعنا قائمنا" [رجال الكشي: ص373.]. وهذا ما استقر عليه الأمر عندالإسماعيلية.
ولكن لما زاد عدد الأئمة أكثر
عند الموسوية أوالقطعية والتي سميت بالاثني عشرية صار هذا النص الآنف الذكر مبعث شك في عقيدة الإمامة لدى أتباع هذه الطائفة وحاول مؤسسوا المذهب التخلص منه، ونفي شك الأتباع بالرواية التالية: "عن داود الرقي قال: قلت لأبي الحسن الرضا رضي الله عنه: جعلت فداك إنه والله ما يلج في صدري من أمرك شيء إلا حديثًا سمعته من ذريح يرويه عن أبي جعفر رضي الله عنه. قال لي: وما هو؟ قال: سمعته يقول: سابعنا قائمنا قال: صدقت وصدق ذريح وصدق أبو جعفر رضي الله عنه، فازددت والله شكًا، ثم قال: يا داود بن أبي خالد، أما والله لولا أن موسى قال للعالم: ستجدني إن شاء الله صابرًا ما سأله عن شيء، وكذلك أبو جعفر عليه السلام لولا أن قال: إن شاء الله لكان كما قال، قال: فقطعت عليه" [رجال الكشي: ص373-374.].
وكل فرقة من هذه الفرق تدعي أنها على الحق، وأن الخبر في تعيين أئمتها متواتر، وتبطل ما ذهبت إليه الفرق الشيعية الأخرى، وهذا دليل على أنهم ليسوا على شيء؛ إذ لو تواتر خبر إحدى فرقهم لم يقع الاختلاف قط بينهم... فإن هذه مزاعم افتروها على أهل البيت على وفق مصلحة الوقت، فكل طائفة تقرر إمامًا تدعو إليه ليأخذوا بهذه الذريعة الخمس والنذور والتحف والهدايا من أتباعهم باسم إمامهم المزعوم ويتعيشوا بها، ومتأخروهم قد قلدوا أوائلهم بلا دليل، وسقطوا في ورطة الضلال، {إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءهُمْ ضَالِّينَ، فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ} [الصافات، آية: 69-70.] [مختصر التحفة: ص200.].
ومن العجب أن بعض شيوخهم حكم بوضع كتاب سليم بن قيس لأنه اشتمل على أن الأئمة ثلاثة عشر ولم يحكم بمثل ذلك على الكافي الذي ورد فيه مثل ذلك، والمصادر الأخرى التي شاركته في هذا الاتجاه.
ولقد كان أول كتاب ظهر للشيعة وهو كتاب سليم بن قيس قرر أن عدد الأئمة ثلاثة عشر، وكان هذا من أسباب القدح فيه
عند طائفة من شيوخ الاثني عشرية.
كما أنك ترى الكافي أصح كتبهم الأربعة قد احتوى على جملة من أحاديثهم تقول بأن الأئمة ثلاثة عشر. فقد روى الكليني بسنده عن أبي جعفر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني واثني عشر إمامًا من ولدي وأنت يا علي زرّ الأرض – يعني أوتادها وجبالها – بنا أوتد الله الأرض أن تسيخ بأهلها، فإذا ذهب الاثنا عشر من ولدي ساخت الأرض بأهلها ولم ينظروا [أصول الكافي: 1/534.].
فهذا النص أفاد أن أئمتهم – بدون علي – اثنا عشر ومع علي يصبحون ثلاثة عشر. وهذا ينسف بنيان الاثني عشرية.. ولهذا يظهر أن شيخهم الطوسي في الغيبة تصرف في النص وغير فيه فأورده بهذا اللفظ: "إني وأحد عشر من ولدي" [الغيبة: ص92.].
كذلك روت كتب الشيعة الاثني عشرية عن أبي جعفر عن جابر قال: "دخلت على فاطمة وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها فعددت اثني عشر آخرهم القائم، ثلاثة منهم محمد وثلاثة منهم علي" [أصول الكافي: 1/532، ابن بابويه/ إكمال الدين: ص264، المفيد/ الإرشاد: ص393، الطوسي/ الغيبة: ص92.].
فانظر كيف اعتبروا أئمتهم اثني عشر كلهم من أولاد فاطمة، فإذن علي ليس من أئمتهم لأنه زوج فاطمة لا ولدها، أو يكون مجموع أئمتهم ثلاثة عشر.
ومما يدل أيضًا على أنهم لم يعتبروا عليًا من أئمتهم قوله: ثلاثة منهم علي، فإن المسمى بعلي من الأئمة
عند الاثني عشرية أربعة: أمير المؤمنين علي، وعلي بن الحسين، وعلي الرضا، وعلي الهادي.
ولذلك فإن ابن بابويه غير في النص فيما يبدو – في كتابه الخصال – حيث جاء النص عنده بدون لفظة "من ولدها"، ولكن لم يفطن لباقي النص وهو قوله: "ثلاثة منهم علي" فأثبته كما جاء في المصادر الاثني عشرية الأخرى [انظر: ابن بابويه/ الخصال: ص477-478.]؛ ولكنه في كتابه عيون أخبار الرضا غير النص في الموضعين بما يتفق ومذهبه أو غيّره غيره [انظر: ابن بابويه/ عيون أخبار الرضا: 2/52.].
وهم يهدمون هذا الأصل بأيديهم و من أصح كتبهم(نهج البلاغة) لا ذكر فيه للأئمّة الاثني عشر بأسمائهم وأعيانهم؛ بل جاء فيه ما ينقض مبدأ حصر الأئمّة، حيث قال صاحب نهج البلاغة: ".. إنّه لا بدّ للنّاس من أمير برّ أو فاجر.. يقاتل به العدو، وتأمن السّبل، ويؤخذ به للضّعيف من القوي حتى يستريح بر، ويستراح من فاجر" [نهج البلاغة: ص82.].
فلم يحدد الأئمة بعدد معين. فأين تذهب الشيعة، وهي تزعم أنها تصدق بكل حرف في النهج؟!
الإمامة عند الشيعة هي الأصل الذي تدور عليه أحاديثهم وترجع إليه عقائدهم، وتلمس أثره في فقههم وأصولهم، وتفاسيرهم وسائر علومهم.ولقد اهتم الشيعة بأمرها في القديم والحديث
مفهوم الإمامة [الإمامة، في اللغة: التقدم، تقول: أمّ القوم، وأمّ بهم تقدمهم وهي الإمامة، والإمام كل من ائتم به قوم كانوا على الصراط المستقيم، أو كانوا ضالين، ويطلق الإمام على الخليفة، وعلى العالم المقتدى به، وعلى من يؤتم به في الصلاة (انظر: اللسان، والقاموس، والمصباح، مادة: أمّ، وراجع في تعريف الإمامة عند أهل السنة: الأحكام السلطانية للماوردي: ص5، مقدمة ابن خلدون: 2/516-518).]
مفهوم الامامة عند الشيعة الرافضة
يعتقد الشيعة الرافضة الاثنا عشرية أن الإمامة ركن عظيم من أركان الإسلام, وأصل أصيل من أصول الإيمان, لا يتم إيمان المرء إلا باعتقادها, ولا يقبل منه عمل إلا بتحقيقها, وأول من تحدث عن مفهوم الإمامة بالصورة الموجودة عند الشيعة الرافضة هوابن سبأ, الذي بدأ يشيع القول بأن ""الإمامة هي وصاية من النبي""
ومحصورة بالوصي, وإذا تولاها سواه يجب البراءة منه وتكفيره, فقد اعترفت كتب الشيعة بأن ابن سبأ كان أول من أشهر القول بفرض إمامة علي, وأظهر البراءة من أعدائه, وكاشف مخالفيه, وكفرهم, لأنه كان يهودي الأصل, يرى أن يوشع بن نون وصي موسى, فلما أسلم أظهر هذه المقالة في علي ابن أبي طالب, وهذا ما تعارف عليه شيوخ الشيعة الرافضة,
فابن بابويه القمي يسجل عقائد الشيعة في القرن الرابع ويقول" بأنهم يعتقدون بأن لكل نبي وصيًا أوصى إليه بأمر الله تعالى", كما ذكر المجلسي في أخباره: أن عليًا هو آخر الأوصياء
و قال شيخهم مقداد الحلي –ت821هـ-:" بأن مستحق الإمامة عندهم لابد أن يكون شخصًا معهودًا من الله تعالى ورسوله لا أي شخص"
ويقرر محمد حسين آل كاشف الغطاء أحد مراجع الشيعة الاثنى عشرية في هذا العصر: أن الإمامة منصب إلهي كالنبوة, فكما أن الله سبحانه يختار ما يشاء من عباده للنبوة والرسالة ويؤيد بالمعجزة التي هي كنص من الله عليه.. فكذلك يختار للإمامة من يشاء ويأمر نبيه بالنص عليه, وأن ينصبه إمامًا للناس من بعده( ). فأنت ترى أن مفهوم الإمامة عندهم كمفهوم النبوة, فكما يصطفي الله سبحانه من خلقه أنبياء, يختار سبحانه أئمة, وينص عليهم, ويعلم الخلق بهم, ويقيم بهم الحجة, ويؤيدهم بالمعجزات, وينزل عليهم الكتب, ويوحي إليهم, ولا يقولون أو يفعلون إلا بأمر الله ووحيه.. أي أن الإمامة هي النبوة, والإمام هو النبي, والتغيير في الاسم فقط, ولذلك قال المجلسي:" إن استنباط الفرق بن النبي والإمام من تلك الأخبار لا يخلو من إشكال", ثم قال: "ولا نعرف جهة لعدم اتصافهم بالنبوة إلا رعاية خاتم الإنبياء, ولا يصل عقولنا فرق بين النبوة والإمامة",
منزلة الإمامة عند الرافضة
وحكم من جحدها:
في الكافي روايات تجعل الإمامة أعظم أركان الإسلام, روى الكليني بسنده عن أبي جعفر قال:" بني الإسلام على خمس: على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية, ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية, فأخذ الناس بأربع وتركوا هذا –يعني الولاية"
فأنت ترى أنهم أسقطوا الشهادتين من أركان الإسلام, ووضعوا مكانهما الولاية, وعدوها من أعظم الأركان, كما يدل عليهقولهم: ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية, وكما يدل عليه حديثهم الآخر, وقد ذكر فيهنص الرواية السابقة وزاد: قلت «الراوي»: وأي شيء من ذلك أفضل؟, فقال: الولاية أفضل( ).
ويقول المجلسي: "ولا ريب في أن الولاية والاعتقاد بإمامة الأئمة عليهم السلام والإذعان لهم من جملة أصول الدين, وأفضل من جميع الأعمال البدنية لأنها مفتاحهن
ويقول المظفر –وهو من علمائهم المعاصرين-: نعتقد أن الإمامة أصل من أصول الدين, ولا يتم الإيمان إلا بالاعتقاد بها, ولا يجوز فيها تقليد الآباء والأهل والمربين, مهما عظموا, بل يجب النظر فيها, كما يجب النظر في التوحيد والنبوة
.
يقول ابن بابويه القمي في رسالته الاعتقادات: واعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام أنه كمن جحد نبوة جميع الأنبياء, واعتقادنا فيما أقر بأمير المؤمنين وأنكر واحدًا من بعده من الأئمة أنه بمنزلة من أقر بجميع الأنبياء, وأنكر نبوة
حمد
ويقول يوسف البحراني في موسوعته الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة: وليت شعري أي فرق بين من كفر بالله سبحانه وتعالى ورسوله, وبين من كفر بالأئمة عليهم السلام مع ثبوت كون الإمامة من أصول الدين
ويقول المجلسي: اعلم أن إطلاق لفظ الشرك والكفر على من لم يعتقد إمامة أمير المؤمنين والأئمة من ولده عليهم السلام وفضل عليهم غيرهم, يدل أنهم مخلدون في النار
وقال ابن المطهر الحلي: الإمامة لطف عام, والنبوة لطف خاص لإمكان خلو الزمان من نبي حي بخلاف الإمام, وإنكار اللطف العام شر من إنكار اللطف الخاص
فهو يجعل من لم يؤمن بأئمتهم أشد كفرًا من اليهود والنصارى, وقد بنى على ذلك أن الزمن لا يخلو من إمام, وهو إشارة إلى عقيدتهم بالإيمان بوجود إمامهم المنتظر الغائب, والذي أنكره طوائف من الشيعة, وقرر المحققون من علماء النسب والتاريخ أنه لم يولد أصلاً, ولكن شيخ الشيعة الرافضة يرى أن إنكاره أعظم من الكفر, وينقل شيخهم المفيد اتفاقهم على هذا المذهب في تكفير أمة الإسلام فيقول: اتفقت الإمامية على أن من أنكر إمامة أحد من الأئمة وجحد ما أوجبه الله تعالى له من فرض الطاعة, فهو كافر ضال مستحق للخلود في النار
قال شيخهم نعمة الله الجزائري: "الإمامة العامّة التي هي فوق درجة النّبوّة والرّسالة.." [زهر الرّبيع: ص12.].
وقال هادي الطّهراني – أحد مراجعهم وآياتهم في هذا العصر -: "الإمام أجلّ من النّبوّة، فإنّها مرتبة ثالثة شرّف الله تعالى بها إبراهيم بعد النّبوّة والخلة.." [ودايع النّبوّة: ص114.].
وبهذا الضلال يهذي شيوخهم، قال أحد مراجعهم في هذا العصر: "إن أعظم ما بعث الله تعالى نبيه من الدين إنما هو أمر الإمامة" [هادي الطهراني/ ودايع النبوة: ص115، وانظر في هذا المعنى: محمد حسين آل كاشف الغطا/ راسالة عين الميزان: ص4.].
هذه منزلة إمامة الاثني عشر عندهم، ولا ندري أين سند هذه المنزلة المزعومة، وكتاب الإسلام العظيم – كتاب الله – تذكر فيه مرات، وتؤكد كرات أركان الإسلام: الشهادتان، والصلاة، والصوم، والزكاة، والحج ولا ذكر فيه لشأن ولاية أئمتهم؟!..
أما الاثنا عشرية فقد استقر قولهم – فيما بعد – بحصر الإمامة في اثني عشر إمامًا، و"لم يكن في العترة النبوية بني هاشم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعليّ رضي الله عنهم من يقول بإمامة الاثني عشر.." [منهاج السنة: 2/111.] وإنما عرف الاعتقاد باثني عشر إمامًا بعد وفاة الحسن العسكري.
وتجد في بعض الروايات عند الاثني عشرية ملامح من الحيرة والتردد في عدد الأئمة، مما يدل على أن تلك الروايات موضوعة قبل وفاة الحسن العسكري، وأنه قبل ذلك لم تعرف عقيدة الإيمان بالاثني عشر الذين تنتسب إليهم الاثنا عشرية، أو أنها موضوعة قبل تحدد هذه العقيدة عند الجعفرية، ولا شك أن تلك الروايات نقد واضح للاتجاه الاثني عشري.
فقد جاء في روايات الكافي أن عليًا يسر بالولاية إلى من شاء . وقال شارح الكافي: إلى من شاء من الأئمة المعصومين [المازندراني/ شرح جامع: 9/123.]، ولا تحدد هذه الرواية العدد، ولا تعين الشخص، فكأن الأمر غير مستقر في تلك الفترة التي وضع فيها الخبر، بينما تجد روايات عندهم تجعل الأئمة سبعة وتقول: "سابعنا قائمنا" [رجال الكشي: ص373.]. وهذا ما استقر عليه الأمر عندالإسماعيلية.
ولكن لما زاد عدد الأئمة أكثر
عند الموسوية أوالقطعية والتي سميت بالاثني عشرية صار هذا النص الآنف الذكر مبعث شك في عقيدة الإمامة لدى أتباع هذه الطائفة وحاول مؤسسوا المذهب التخلص منه، ونفي شك الأتباع بالرواية التالية: "عن داود الرقي قال: قلت لأبي الحسن الرضا رضي الله عنه: جعلت فداك إنه والله ما يلج في صدري من أمرك شيء إلا حديثًا سمعته من ذريح يرويه عن أبي جعفر رضي الله عنه. قال لي: وما هو؟ قال: سمعته يقول: سابعنا قائمنا قال: صدقت وصدق ذريح وصدق أبو جعفر رضي الله عنه، فازددت والله شكًا، ثم قال: يا داود بن أبي خالد، أما والله لولا أن موسى قال للعالم: ستجدني إن شاء الله صابرًا ما سأله عن شيء، وكذلك أبو جعفر عليه السلام لولا أن قال: إن شاء الله لكان كما قال، قال: فقطعت عليه" [رجال الكشي: ص373-374.].
وكل فرقة من هذه الفرق تدعي أنها على الحق، وأن الخبر في تعيين أئمتها متواتر، وتبطل ما ذهبت إليه الفرق الشيعية الأخرى، وهذا دليل على أنهم ليسوا على شيء؛ إذ لو تواتر خبر إحدى فرقهم لم يقع الاختلاف قط بينهم... فإن هذه مزاعم افتروها على أهل البيت على وفق مصلحة الوقت، فكل طائفة تقرر إمامًا تدعو إليه ليأخذوا بهذه الذريعة الخمس والنذور والتحف والهدايا من أتباعهم باسم إمامهم المزعوم ويتعيشوا بها، ومتأخروهم قد قلدوا أوائلهم بلا دليل، وسقطوا في ورطة الضلال، {إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءهُمْ ضَالِّينَ، فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ} [الصافات، آية: 69-70.] [مختصر التحفة: ص200.].
ومن العجب أن بعض شيوخهم حكم بوضع كتاب سليم بن قيس لأنه اشتمل على أن الأئمة ثلاثة عشر ولم يحكم بمثل ذلك على الكافي الذي ورد فيه مثل ذلك، والمصادر الأخرى التي شاركته في هذا الاتجاه.
ولقد كان أول كتاب ظهر للشيعة وهو كتاب سليم بن قيس قرر أن عدد الأئمة ثلاثة عشر، وكان هذا من أسباب القدح فيه
عند طائفة من شيوخ الاثني عشرية.
كما أنك ترى الكافي أصح كتبهم الأربعة قد احتوى على جملة من أحاديثهم تقول بأن الأئمة ثلاثة عشر. فقد روى الكليني بسنده عن أبي جعفر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني واثني عشر إمامًا من ولدي وأنت يا علي زرّ الأرض – يعني أوتادها وجبالها – بنا أوتد الله الأرض أن تسيخ بأهلها، فإذا ذهب الاثنا عشر من ولدي ساخت الأرض بأهلها ولم ينظروا [أصول الكافي: 1/534.].
فهذا النص أفاد أن أئمتهم – بدون علي – اثنا عشر ومع علي يصبحون ثلاثة عشر. وهذا ينسف بنيان الاثني عشرية.. ولهذا يظهر أن شيخهم الطوسي في الغيبة تصرف في النص وغير فيه فأورده بهذا اللفظ: "إني وأحد عشر من ولدي" [الغيبة: ص92.].
كذلك روت كتب الشيعة الاثني عشرية عن أبي جعفر عن جابر قال: "دخلت على فاطمة وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها فعددت اثني عشر آخرهم القائم، ثلاثة منهم محمد وثلاثة منهم علي" [أصول الكافي: 1/532، ابن بابويه/ إكمال الدين: ص264، المفيد/ الإرشاد: ص393، الطوسي/ الغيبة: ص92.].
فانظر كيف اعتبروا أئمتهم اثني عشر كلهم من أولاد فاطمة، فإذن علي ليس من أئمتهم لأنه زوج فاطمة لا ولدها، أو يكون مجموع أئمتهم ثلاثة عشر.
ومما يدل أيضًا على أنهم لم يعتبروا عليًا من أئمتهم قوله: ثلاثة منهم علي، فإن المسمى بعلي من الأئمة
عند الاثني عشرية أربعة: أمير المؤمنين علي، وعلي بن الحسين، وعلي الرضا، وعلي الهادي.
ولذلك فإن ابن بابويه غير في النص فيما يبدو – في كتابه الخصال – حيث جاء النص عنده بدون لفظة "من ولدها"، ولكن لم يفطن لباقي النص وهو قوله: "ثلاثة منهم علي" فأثبته كما جاء في المصادر الاثني عشرية الأخرى [انظر: ابن بابويه/ الخصال: ص477-478.]؛ ولكنه في كتابه عيون أخبار الرضا غير النص في الموضعين بما يتفق ومذهبه أو غيّره غيره [انظر: ابن بابويه/ عيون أخبار الرضا: 2/52.].
وهم يهدمون هذا الأصل بأيديهم و من أصح كتبهم(نهج البلاغة) لا ذكر فيه للأئمّة الاثني عشر بأسمائهم وأعيانهم؛ بل جاء فيه ما ينقض مبدأ حصر الأئمّة، حيث قال صاحب نهج البلاغة: ".. إنّه لا بدّ للنّاس من أمير برّ أو فاجر.. يقاتل به العدو، وتأمن السّبل، ويؤخذ به للضّعيف من القوي حتى يستريح بر، ويستراح من فاجر" [نهج البلاغة: ص82.].
فلم يحدد الأئمة بعدد معين. فأين تذهب الشيعة، وهي تزعم أنها تصدق بكل حرف في النهج؟!