المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فائدة لما يقوم الإمام البخاري-رحمه الله- بتقطيع الأحاديث


كيف حالك ؟

البلوشي
01-04-2014, 02:21 PM
فائدة لما يقوم الإمام البخاري-رحمه الله- بتقطيع الأحاديث

يقوم الإمام البخاري-رحمه الله- بتقطيع الأحاديث على الكتب والأبواب لفَائِدَتَيْنِ :
إِحْدَاهُمَا: أَنَّ الإمام الْبُخَارِيّ-رحمه الله- يَذْهَب إِلَى جَوَاز تَقْطِيع الْحَدِيث، إِذَا كَانَ مَا يَفْصِلهُ مِنْهُ لَا يَتَعَلَّق بِمَا قَبْله وَلَا بِمَا بَعْده تَعَلُّقًا يُفْضِي إِلَى فَسَاد الْمَعْنَى.
فَصَنِيعه كَذَلِكَ يُوهِم مَنْ لَا يَحْفَظ الْحَدِيث أَنَّ الْمُخْتَصَر غَيْر التَّامّ ، لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ اِبْتِدَاء الْمُخْتَصَر مِنْ أَثْنَاء التَّامّ كَمَا وَقَعَ فِي قوله e:((أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ يَكْفُرْنَ قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ قَالَ: يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ))، فَإِنَّ أَوَّله هُنَا قَوْله e:" أُرِيت النَّار " إِلَى آخِر مَا ذُكِرَ مِنْهُ، وَأَوَّل التَّامّ عَنْ اِبْن عَبَّاس tقَالَ: ((خَسَفَتْ الشَّمْس عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه eفَذَكَرَ قِصَّة صَلَاة الْخُسُوف ثُمَّ خُطْبَة النَّبِيّ e))، وَفِيهَا الْقَدْر الْمَذْكُور هُنَا ، فَمَنْ أَرَادَ عَدَّ الْأَحَادِيث الَّتِي اِشْتَمَلَ عَلَيْهَا الْكِتَاب يَظُنّ أَنَّ هَذَا الْحَدِيث حَدِيثَانِ أَوْ أَكْثَر لِاخْتِلَافِ الِابْتِدَاء ، وَقَدْ وَقَعَ فِي ذَلِكَ مَنْ حَكَى أَنَّ عِدَّته بِغَيْرِ تَكْرَار أَرْبَعَة آلَاف أَوْ نَحْوهَا كَابْنِ الصَّلَاح وَالشَّيْخ مُحْيِي الدِّين-رحمهم الله- وَمَنْ بَعْدهمَا، وَلَيْسَ الْأَمْر كَذَلِكَ بَلْ عِدَّته عَلَى التَّحْرِير أَلْفَا حَدِيث وَخَمْسمِائَةِ حَدِيث وَثَلَاثَة عَشَرَ حَدِيثًا كَمَا بُيَّنْ ذَلِكَ مُفَصَّلًا فِي الْمُقَدِّمَة .
الْفَائِدَة الثَّانِيَة: تَقَرَّرَ أَنَّ الإمام الْبُخَارِيّ-رحمه الله- لَا يُعِيد الْحَدِيث إِلَّا لِفَائِدَةٍ:
ـ تَارَة تَكُون فِي الْمَتْن.
ـ وَتَارَة فِي الْإِسْنَاد.
ـ وَتَارَة فِيهِمَا.
فِي الْمَتْن: لَا يُعِيدهُ بِصُورَتِهِ بَلْ يَتَصَرَّف فِيهِ، فَإِنْ كَثُرَتْ طُرُقه أَوْرَدَ لِكُلِّ بَاب طَرِيقًا ، وَإِنْ قَلَّتْ اِخْتَصَرَ الْمَتْن أَوْ الْإِسْنَاد .
وَقَدْ صَنَعَ ذَلِكَ فِي هَذَا الْحَدِيث، فَإِنَّهُ أَوْرَدَهُ هُنَا عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْلَمَة - وَهُوَ الْقَعْنَبِيّ - مُخْتَصَرًا مُقْتَصَرًا عَلَى مَقْصُود التَّرْجَمَة ((بَاب كُفْرَانِ الْعَشِيرِ وَكُفْرٍ دُونَ كُفْرٍ)) مِنْ أَنَّ الْكُفْر يُطْلَق عَلَى بَعْض الْمَعَاصِي ، ثُمَّ أَوْرَدَهُ فِي "الصَّلَاة" فِي بَاب (مَنْ صَلَّى وَقُدَّامه نَار) بِهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِهِ ، لَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يُغَايِر اِقْتَصَرَ عَلَى مَقْصُود التَّرْجَمَة مِنْهُ فَقَطْ، ثُمَّ أَوْرَدَهُ فِي صَلَاة الْكُسُوف بِهَذَا الْإِسْنَاد فَسَاقَهُ تَامًّا ، ثُمَّ أَوْرَدَهُ فِي بَدْء الْخَلْق فِي ذِكْر الشَّمْس وَالْقَمَر عَنْ شَيْخ غَيْر الْقَعْنَبِيّ مُقْتَصَرًا عَلَى مَوْضِع الْحَاجَة ، ثُمَّ أَوْرَدَهُ فِي عِشْرَة النِّسَاء عَنْ شَيْخ غَيْرهمَا عَنْ مَالِك أَيْضًا . وَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَة يُحْمَل جَمِيع تَصَرُّفه ، فَلَا يُوجَد فِي كِتَابه حَدِيث عَلَى صُورَة وَاحِدَة فِي مَوْضِعَيْنِ فَصَاعِدًا إِلَّا نَادِرًا وَاَللَّه الْمُوَفِّق ([1]).
ـــــــــــــ

[1])) نقلاً بواسطة(الفتح) (1/47) بتصرف.

12d8c7a34f47c2e9d3==