هادي بن علي
12-25-2013, 08:55 PM
الحركات الإسلامية والفشل السياسي
أ- عنوان هذا المقال هو عنوان مقال للأستاذ سليمان الضحيّان في جريدة الوطن بتاريخ 10/9/1422 وفقه الله فيه لوضع يد القارئ على أهم مصادر الفتن والجراح التي تعاقبت على المسلمين منذ عشرات السنين: وهي الحركات والجماعات والأحزاب الموصوفة ـ زوراً ـ بالإسلامية، قال:
1) بأنّ (هذه الحركات والأحزاب ـ بدءاً بالإخوان المسلمين وانتهاءً بتنظيم القاعدة ـ جعلتْ من هذه الأمة حقل تجارب للوصول إلى السلطة باسم الإسلام).
2) أنها (تبدأ ضعيفة متسترة حتى إذا التفّ حولها عدد من الشباب المندفع تسوقه العاطفة والحماس سَعَتْ بتهوّر إلى تغيير المجمتع، سلاحها: فهمها للحاكمية والجاهلية والجهاد [والولاء والبراء]، ثم ما تلبث أن تخرج من المعركة مثخنة من الجراح، مخلفة وراءها أعداداً من الشباب بين قتيل وأسير وطريد).
3) أنها تقترف هذه الآثام (في سبيل أحلام وشعارات يلوّح بها قادة التنظيم).
4) أن هذه المآسي (تستمر [وتتكرّر]، وهذه التجارب الكارثية تنتقل من بلد مسلم إلى آخر).
5) وهو يعزو (هذه الحالة المرَضِية المستعصية للفقر المدقع في الفقه السياسي).
ب- انتُدب أحد ممثلي هذه الأحزاب (المنعزلة عن جماعة المسلمين باسمها ومنهاجها وأميرها): منير الغضبان من (الإخوان المسلمين) في سوريا (ومقيم بالمملكة المباركة منذ بضعة عقود) للدفاع عن حزبه، فكتب في جريدة الوطن بتاريخ 2/11/1422يقول:
1) بأن (الحركات الإسلامية المعتدلة لم تكفّر أحداً).
2) أنه (لم يسمع حتى هذه اللحظة عن عالم أو مسؤول في الحركات الإسلامية المعتدلة قام بتكفير فردٍ أو مجموعة من أبناء هذه الأمة ينتمون للإسلام).
3) ذكر من أئمة الحركات والأحزاب المعتدلة (المودودي وسيد قطب ومحمد قطب)، فتبيّن أنه إنما يدافع عن حزب (الإخوان المسلمين) الذي ينتمي إليه.
ومنير الغضبان (هداني الله وإياه لأقرب مما نحن عليه رشداً) معروف بتعصبه لحزبه الإخواني إلى درجة تأليفه كتاب التحالف السياسي في الإسلام (أثناء فتنة حماة) يَرُدُّ به إنكار علماء السنة على حزبه تحالفه مع حزب البعث العراقي، والاشتراكيين العرب، والوحدويّين الاشتراكيّين، والقوميين، واستدل بحديث بَتَرَ منه ما ينقض غزله: "ألا إنه لا حلف في الإسلام"، وأقنع (إخوانيٌّ عالميٌّ) الإدارة العامة للدعوة في الخارج (السعودية) بتعيين (منير) داعياً في الأردن (وكان لا يُردُّ له طلب)، وأصرَّ منير على الارتباط بمؤسسة إخوانية، وعلى منهاج الحزب، وبعد بضعة أشهر خيَّرتُه بين منهاج النبوة وترك العمل في الأردن؛ فاختار الثانية، و(اقتنعَتْ) إدارة الدعوة برأي القيادة نقله إلى العراق للعمل في مراكز الإخوان (التدريبية) للذين ألقوا بأفرادهم وقياداتهم في أحضان البعث العراقي الذي كان أذكى من كثير من المسلمين فمنعهم من الخطابة والدروس في المساجد والمدارس؛ فاستمتع صدّام بكل الحزب الإخواني، واستمتع الحزب ببعض ما عند صدّام.
ج- أوافق سليمان الضحيّان في كل مقدّمته؛ فالأحزاب مرضٌ مؤكّد العدوى مثل الجرب والجذام، والتحزّب باسم الإسلام (انخزال عن جماعة المسلمين) في لفظ الشيخ بكر أبو زيد، واقرأ إن شئت كتابه الفريد: (حكم الانتماء إلى الفرق والجماعات والأحزاب الإسلامية) فهو خير ما كُتب في بابه (وأنصح وزارات التربية والتعليم في العالَمين العربي والإسلامي بنشره في مؤسساتها)، شفى الله الشيخَ بكراً وعافاه وسلّطه على هلكة الباطل.
والتفرّق (باسم التجمع الإسلامي) معصية كبيرة بنصوص الوحي، وأكثر الفتن التي ابتُلي بها المسلمون منذ عهد عثمان رضي الله عنه نبتت منها: (الخوارج، الرافضة، القرامطة.. إلخ) وفي القرن الأخير كان حزب (الإخوان) بمختلف أسمائه ومظلاته حاضنَ كل الحركات السياسية التي عناها الكاتب بمقاله: التحرير، التكفير والهجرة، الجهاد، القاعدة ... إلخ.
ولكني أخالفه في تشخيص المرض وفي علاجه.
فأساس المرض: (الفقر المدقع في الفقه) الشرعي اليقيني، (أما السياسة غير الشرعية التي تلهث وراءها الحركات والفِرَق والأحزاب الموصوفة بالإسلامية فأمر ظنيٌّ هيِّن، لكلٍّ فيه رأيه).
وعلاجه: (أن يكون الفقهاء في الدين ـ كبار العلماء بخاصة ـ على مستوى المسئولية فتنطلق أصواتهم عاليةً أمام الملأ) لبيان شرع الله ودينه الحق؛ فلا يظنّ الحركيون أو يظن الناس بهم أنهم على الهدى، وأن يكون القائمون على وسائل ومؤسسات الإعلام والتربية والدّعوة والأمن (على مستوى المسئولية) فيوقفوا عملية اغتصاب الحركيّين لمنابر الإعلام والتربية والدعوة.
د- هذا رأي سليمان الضحيّان ورأيي في فساد مناهج الحركيّين والحزبيّين، ونحن ـ بفضل الله ـ أحرارٌ من عبودية مناهجهم وقيود انتمائهم وبيعتهم المبتدعة، ولكن بعض قادتهم يشاطرنا الرأي:
1) يقول الأستاذ فتحي يكن أحد قادة الحركة الأمّ (أمّ المهالك): (منذ رُبع قرن [الآن نصف قرن] والحركة الإسلامية الحديثة [جماعة الإخوان] تعيش مِحَناً ضارية تقدِّم فيها [منها ومن غيرها] الشهيد تلو الشهيد)، والقطع بالشهادة لمن لم يشهد له الوحي بدعةٌ منكرة، ودليل جهل وانحراف (... دون أن يكون لها من ذلك مردود ... بالرغم من كل هذا لا يزال أسلوبها [وغيرها] نفس الأسلوب) ويراه: (ضرباً من الانتحار جريمة من الانتحار لا يجوز السكوت عليها)، (مشكلات الدعوة والداعية، مقدمة الطبعة الثانية).
2) ويقول إخوانيٌّ آخر انفصل عن الحركة الأم [أم المهالك] بحركة سُمِّي أفرادها بالسروريين نسبة إلى المؤسس (محمد سرور زين العابدين المهاجر من أرض الشام المباركة إلى أوروبا النصرانية بل العلمانية) في كتابه (قل هو من عند أنفسكم) شهادةً على فتنة الإخوان في حماة: (لقد وزّعوا المناصب على [قادتهم]؛ فهذا وزير للداخلية، وذاك للدفاع، والثالث للتربية والتعليم، والرابع للخارجية، والخامس لقيادة الجيش ... وأصبح الجميع يتصرفون مع غيرهم على أساس المناصب الجديدة ... انقشع الغبار عن هزيمة محزنة ألَمَّت بهذه الحكومة [الوهميّة] وبغيرها من الدعاة والجماعات ... وأعقبت الهزيمة خلافات واتهامات وانشقاقات، وهذه عاقبة كل من يخالف سنن الله الثابتة ... ومن يتابع الأمور لا يد حرصاً من أي طرفٍ على وضع الحق في نصابه وتقويم الاعوجاج، وإنما التنافس على الزعامة وحطام الدنيا هو سبب هذه الخلافات الجديدة منها والقديمة)؛ بل نشرتْ إحدى المجلات العالمية خارطة الحزب لسوريا (بعد النصر الخيالي) باسمها الجديد: (دولة الإخوان المسلمين) خيانةً للإسلام الذي امتطاه الحزب لأغراضه في العقود الماضية كلها، وخيانةً للحلف الشيطاني (بلغة تشرشل عند تحالفه مع روسيا الشيوعية ضد ألمانيا) بين البعث والاشتراكية والقومية والإخوان.
3) ويقول أيمن الظواهري الذي رَضَع من ثدي حزب الإخوان، وبعد الفطام اختار شق المواجهة في الحزب (ويُعرف الآن باسم القطبيين نسبة إلى سيّد قطب) على شقِّ المسايرة (ويُعرف الآن باسم البنّائين نسبة إلى حسن البنا ـ رحمهما الله ـ) وهو ما يُسميه منير الغضبان بالمعتدلين؛ ولكن الظواهري يبين أنهما وجهان لعملة واحدة: (القيادة الظاهرة في تركيبة الإخوان كان يمثلها المرشد العام أمام الناس والنظام، وأما القيادة الحقيقية فقد كانت في يد مجموعة النظام الخاص) جريدة الشرق الأوسط العدد 8405 في 2/12/2001م عن مذكرات الظواهري. أي أنهم يتلونون حسب مصلحة الحزب.
4) ويؤكد ذلك ابنٌ آخر للحزب من الرضاعة (محمد سرور زين العابدين في كتابه: قل هو من عند أنفسكم، عن فتنة الإخوان في حماة): (كانوا [القادة] ينتقدون الشباب الذين فجّروا هذه المعركة ويصفونهم بالطيش والتهور [فلما] أصبحوا يظنون أن النصر قد اقترب غيروا لهجتهم وادّعوا بأنهم أصحاب الحق وأهل الجهاد وجميع الشهداء منهم).
وفي فتنة احتلال العراق للكويت كان المرشد العام في مصر يشجب، والقادة المتخفّون في السعودية وسوريا يسكتون، والقادة المعلنون في الأردن وفلسطين خاصة وغيرها عامة يُؤيّدون الاحتلال بالخطب والقنوت والكذب.
هـ- أوافق منير الغضبان ـ مرة واحدة ـ في أنه (لم يسمع عن عالم في الحركات الإسلامية قام بتكفير فرد أو مجموعة من أبناء هذه الأمة ...)؛ لأسباب:
1) أني لا أحسبه يكذب ويتحرّى الكذب، وإنما أغشي بصره وختم على سمعه وقلبه التعصب لحزبه ، (فعين الرضا [وأذن الرضا] عن كل عيب كليلة).
2) أنه لا يوجد عالم واحد بشرع الله في جميع الحركات والجماعات والأحزاب والفِرَق، وإلا لما قبل أن يتحزب ويتفرق عن الجماعة الواحدة التي لا تتعدّد، وسماها الله: (المسلمين)، وألزمها منهاجاً واحداً (الكتاب والسنة)، وأمرها بالتأسّي بواحدٍ من البشر يُوحى إليه (صلى الله عليه وسلم)، ونهاها عن التفرق شيعاً {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون:53].
3) ظني أنه لا يعرف أحكام التكفير ولا حدوده ولا ألفاظه.
و- اختلف العلماء منذ عهد الصحابة رضي الله عنهم في تقسيم الكفر والتكفير إلى اعتقادي وعملي، وأكبر وأصغر، ولكنهم اتفقوا على أن (الردة) تعني أمراً واحداً، واختار (سيّد قطب) تجاوز الله عنا وعنه تكفير المسلمين جميعاً أفرادهم وجماعاتهم، حكامهم ومحكوميهم، بلفظ واحد لا يحيد عنه أبداً: وهو (الردة) أي: الخروج من الملة و(النكوص عن دين الله بعد أن كانوا فيه)، (ولو توجهوا إلى الله في ألوهيته وحده ودانوا لشرع الله في الوضوء والصلاة والصوم وسائر الشعائر)، ولو (تسمّوا بأسماء المسلمين وزعموا أنهم مسلمون)، ولو (ردّدوا على المآذن في مشارق الأرض ومغاربها كلمات لا إله إلا الله)، وجعل من أسباب حكمه الجائر المخالف لشرع الله وفِقه جميع أئمة المسلمين: (اتباع البشر في نظام الحياة والتقاليد والعادات والأعياد والأزياء والأخلاق)، ولعل منير الغضبان قد قرأ وأقرأ الشباب هذه النصوص مراراً لا تُحصى (بعين الرضا، و بعين التعصّب) فلَمْ يرَ فيها (تكفيراً لفرد ولا لمجموعة تنتمي إلى الإسلام).
1) ولكني أطلب منه (ومن كل قارئ) أن يعيد قراءتها (بعين العدل) في (معالم في الطريق) ص101-103، وفي (العدالة الاجتماعية) بعد محاولة تعديلها ص185 و216، وفي (ظلال القرآن) ص1057 و1492 و2009 و2033 و2114و2122، وهذه ثلة وغيرها كثير.
2) ومحمد قطب يقوم بنشر هذا التكفير (والحكم بالخروج من الملة لكل بشر) منذ موت أخيه سيد قبل أربعين سنة مُصرّاً على رفض تغيير كلمة منه، مع أن سيّداً عندما أدرك قليلاً من أخطائه (دعوى التخييل في كلمات الله) وَعَدَ بإعادة (النظر فيها في الطبعة القادمة) ولم يفعل.
3) والمودودي يختار (هدم القصور) على (هدم القبور) ردّاً على من طلب منه التحذير من أوثان المزارات والمشاهد والمقامات في الباكستان وما جاورها (من أتباعه في القارة الهندية).
4) وهل يجوز لمنير (أنار الله قلوبهم جميعاً بنور منهاج النبوة وأعاذهم من ظلمات المناهج المحدَثة المبتدعة) هل يجوز له وأمثاله من الحزبيّين أن يتعصبوا لرموزهم فيصفوهم بالاعتدال والبراءة من التكفير بعد كل هذا؟
ز- يتساءل منير ـ في دفاعه عن حزبه ـ: (ما هي الأحزاب الفكرية والعقائدية التي وصلت إلى السلطة في وطننا العربي والإسلامي لنرى بها البديل عن الحركات الإسلامية؟) ويخطئ مرّتين أو ثلاث:
1) من قال له بأنّ ما يسمّيه الحزب العقائدي أو الحزب الإسلامي أو الحركة الإسلامية يجب أو يجوز أن يكون هدف أيّ منها (الوصول إلى السلطة)؟ نعم، هذا هو واقع حزب الإخوان (أو الجماعة الإسلامية أو حماس أو جمعية المركز الإسلامي) وواقع حزب التحرير وحزب الجهاد ... إلخ ولكنه انحراف عن شرع الله، فليس في الكتاب ولا في السنة أن الله خلق عباده أو أرسل رسله للوصول إلى السلطة، بل ليُعبد الله وحدَه ولا يُعبَد غيره، ولتكون كلمة الله هي العليا، وليكون الدّين كله لله، ثم تكون الولاية ويكون التمكين تبعاً لذلك.
وسليمان الضحيّان لم يصف نفسه بالإسلامي ولا يطالب الإسلاميين بالنجاح في الوصول إلى السلطة ولكنه ينهاهم عن المحاولة وتكرارها مع الفشل، كما أنّ الله نهى شارب الخمر أن يقرب الصلاة، وفي الحديث الصحيح نهى آكل الثوم والبصل أن يقرب المسجد، والمقصود بالنهي في الحالتين ليس الصلاة، بل ما يفسدها أو يؤذي المصلين.
2) الأحزاب والجماعات والحركات والطريق والطوائف والفِرق التي تحاول ركوب الإسلام لأغراضها الدنيوية: سلطةً أو جاهاً أو مالاً، لا تكون (بتعدُّدها وخروجها عن الجماعة وخروجها عن منهاج النبوة إلى منهاج مؤسس الحزب أو مُفكّره) لا تكون أهلاً (شرعاً) للوصول إلى السلطة ولو وصلت إليها (قدراً وفتنةً).
3) لو ألقى ألقى منيرٌ سمعه وهو شهيد، ولو أعتق نفسه مما أوجب الله عليه الانعتاق من قيوده وحدوده الحزبية ومن عصبيّته الجاهلية، ولو استردّ قلبه من عبودية الفكر الحزبي وبيعته المبتدعة؛ لوَجَد جواب سؤاله أمامه في البلد والدولة المباركة التي عوّدها الله الإحسان وتعوّدت من غيرها الجحود؛ منذ عشرات السنين وهو يعيش في ظل حزب التوحيد والسنة الواحد الذي أظهره الله ثلاث مرّات في ثلاثة قرون يجدّد الله به الدين في كلّ مرة ويصحّح به المعتقد وينشر به السنة ويمحو به الشرك وما دونه من البدع في الدين، وهو وحده (بفضل الله) الذي أُسِّس من أول يوم ـ بعد القرون المفضلة ـ على منهاج النبوة في الدين والدعوة إليه والصبر على الأذى فيه، مع الدفاع عنه والجهاد في سبيله باللسان ثم بالسنان، ولم يُسَمِّ نفسه حزباً ولا حركة، ولا اتخذ منهاجاً غر الكتاب والسنة، ولا انتمى إلى بشرٍ غير محمد صلى الله عليه وسلم المعصوم من ربه، ولا وصف نفسه بالإسلامي ولا الإسلامية (إذ الأصل لا يحتاج إلى سِمَة خاصة تميِّزه، إنما الذي يحتاج إلى اسم [أو وَصْف] معيّن هو الخارج عن هذا الأصل من تلكم الجماعات [والفِرَق والأحزاب] التي انشقّت من الأصل: جماعة المسلمين) (المبحث السادس من حكم الانتماء إلى الفرق والجماعات والأحزاب للشيخ د. بكر أبو زيد شفاه الله ونصر به منهاج النبوة)، وميّزه الله وحده في هذا العصر بالولاية على أكثر أرض الله قداسة وبركة، حيث فشلت الفِرَق والأحزاب الإسلامية المبتدعة بكل المعايير والموازين رغم دعاياتها، وتلوّنها، وتبدّل مبادئها وولائها، وتنازلاتها وتفانيها في محاولات الوصول إلى السلطة والجاه والمال.
ح- فشل حزب الإخوان المسلمين الأشنع والأسوأ هو فشلٌ في الدين بتجنّب قادته ومنهاجه اتباع سيد المرسلين (مثَلُه في ذلك مثلُ الأحزاب والفِرَق التي انبثقت عنه) وهو ما لم يذكره سليمان ولا منير، وكان الأَوْلَى بالاهتمام، ولكنّ حزب الإخوان (وما نسل عنه) فشل فشلاً ذريعاً في تحقيق أهدافه الدنيوية (الغايات لا الوسائل) حيث نجح من خالفوه:
1) ركبوا شعار جلاء الإنكليز عن مصر، فنجح جمال عبد الناصر وفشلوا.
2) ركبوا شعار استعادة قناة السويس من استغلال الأوربي؛ فنجح جمال عبد الناصر وفشلوا.
3) ركبوا شعار تحرير فلسطين؛ فنجح أنور السادات في تحرير سيناء بالسلاح ثم بالمفاوضات وفشلوا.
4) ركبوا شعار جهاد قوات التحالف الغربي (نصراً لظلم وأوثان البعث العراقي) متسلحين بخرافات (هرمكدون) و(نوسترادامُس) و(الجَفْر) والتحليلات والإشاعات الخيالية، فنجح الخليجيون، وأزال الله طغيان البعث العراقي وقادته ومؤيّديه عن الخليج عن العراق وفشلوا.
5) ركبوا شعار تحرير سوريا من البعث السوري (مستعينين بالبعث العراقي (بزعيمه الفكري النصراني ميشيل عفلق وزعيمه الفعلي ـ وهو الأشر ـ صدام حسين) واختاروا اسم الدولة الحزبية القادمة وأسسوا الإذاعة في العراق ومراكز التدريب وصدرت البلاغات وسُمّي وزراء الحكومة الحزبية القادمة؛ فنجح حافظ الأسد وفشلوا.
اللهم اهدهم الصراط المستقيم وجميع المسلمين والضالين عن شرعك.
الطائف ـ 25/10/1423
أ- عنوان هذا المقال هو عنوان مقال للأستاذ سليمان الضحيّان في جريدة الوطن بتاريخ 10/9/1422 وفقه الله فيه لوضع يد القارئ على أهم مصادر الفتن والجراح التي تعاقبت على المسلمين منذ عشرات السنين: وهي الحركات والجماعات والأحزاب الموصوفة ـ زوراً ـ بالإسلامية، قال:
1) بأنّ (هذه الحركات والأحزاب ـ بدءاً بالإخوان المسلمين وانتهاءً بتنظيم القاعدة ـ جعلتْ من هذه الأمة حقل تجارب للوصول إلى السلطة باسم الإسلام).
2) أنها (تبدأ ضعيفة متسترة حتى إذا التفّ حولها عدد من الشباب المندفع تسوقه العاطفة والحماس سَعَتْ بتهوّر إلى تغيير المجمتع، سلاحها: فهمها للحاكمية والجاهلية والجهاد [والولاء والبراء]، ثم ما تلبث أن تخرج من المعركة مثخنة من الجراح، مخلفة وراءها أعداداً من الشباب بين قتيل وأسير وطريد).
3) أنها تقترف هذه الآثام (في سبيل أحلام وشعارات يلوّح بها قادة التنظيم).
4) أن هذه المآسي (تستمر [وتتكرّر]، وهذه التجارب الكارثية تنتقل من بلد مسلم إلى آخر).
5) وهو يعزو (هذه الحالة المرَضِية المستعصية للفقر المدقع في الفقه السياسي).
ب- انتُدب أحد ممثلي هذه الأحزاب (المنعزلة عن جماعة المسلمين باسمها ومنهاجها وأميرها): منير الغضبان من (الإخوان المسلمين) في سوريا (ومقيم بالمملكة المباركة منذ بضعة عقود) للدفاع عن حزبه، فكتب في جريدة الوطن بتاريخ 2/11/1422يقول:
1) بأن (الحركات الإسلامية المعتدلة لم تكفّر أحداً).
2) أنه (لم يسمع حتى هذه اللحظة عن عالم أو مسؤول في الحركات الإسلامية المعتدلة قام بتكفير فردٍ أو مجموعة من أبناء هذه الأمة ينتمون للإسلام).
3) ذكر من أئمة الحركات والأحزاب المعتدلة (المودودي وسيد قطب ومحمد قطب)، فتبيّن أنه إنما يدافع عن حزب (الإخوان المسلمين) الذي ينتمي إليه.
ومنير الغضبان (هداني الله وإياه لأقرب مما نحن عليه رشداً) معروف بتعصبه لحزبه الإخواني إلى درجة تأليفه كتاب التحالف السياسي في الإسلام (أثناء فتنة حماة) يَرُدُّ به إنكار علماء السنة على حزبه تحالفه مع حزب البعث العراقي، والاشتراكيين العرب، والوحدويّين الاشتراكيّين، والقوميين، واستدل بحديث بَتَرَ منه ما ينقض غزله: "ألا إنه لا حلف في الإسلام"، وأقنع (إخوانيٌّ عالميٌّ) الإدارة العامة للدعوة في الخارج (السعودية) بتعيين (منير) داعياً في الأردن (وكان لا يُردُّ له طلب)، وأصرَّ منير على الارتباط بمؤسسة إخوانية، وعلى منهاج الحزب، وبعد بضعة أشهر خيَّرتُه بين منهاج النبوة وترك العمل في الأردن؛ فاختار الثانية، و(اقتنعَتْ) إدارة الدعوة برأي القيادة نقله إلى العراق للعمل في مراكز الإخوان (التدريبية) للذين ألقوا بأفرادهم وقياداتهم في أحضان البعث العراقي الذي كان أذكى من كثير من المسلمين فمنعهم من الخطابة والدروس في المساجد والمدارس؛ فاستمتع صدّام بكل الحزب الإخواني، واستمتع الحزب ببعض ما عند صدّام.
ج- أوافق سليمان الضحيّان في كل مقدّمته؛ فالأحزاب مرضٌ مؤكّد العدوى مثل الجرب والجذام، والتحزّب باسم الإسلام (انخزال عن جماعة المسلمين) في لفظ الشيخ بكر أبو زيد، واقرأ إن شئت كتابه الفريد: (حكم الانتماء إلى الفرق والجماعات والأحزاب الإسلامية) فهو خير ما كُتب في بابه (وأنصح وزارات التربية والتعليم في العالَمين العربي والإسلامي بنشره في مؤسساتها)، شفى الله الشيخَ بكراً وعافاه وسلّطه على هلكة الباطل.
والتفرّق (باسم التجمع الإسلامي) معصية كبيرة بنصوص الوحي، وأكثر الفتن التي ابتُلي بها المسلمون منذ عهد عثمان رضي الله عنه نبتت منها: (الخوارج، الرافضة، القرامطة.. إلخ) وفي القرن الأخير كان حزب (الإخوان) بمختلف أسمائه ومظلاته حاضنَ كل الحركات السياسية التي عناها الكاتب بمقاله: التحرير، التكفير والهجرة، الجهاد، القاعدة ... إلخ.
ولكني أخالفه في تشخيص المرض وفي علاجه.
فأساس المرض: (الفقر المدقع في الفقه) الشرعي اليقيني، (أما السياسة غير الشرعية التي تلهث وراءها الحركات والفِرَق والأحزاب الموصوفة بالإسلامية فأمر ظنيٌّ هيِّن، لكلٍّ فيه رأيه).
وعلاجه: (أن يكون الفقهاء في الدين ـ كبار العلماء بخاصة ـ على مستوى المسئولية فتنطلق أصواتهم عاليةً أمام الملأ) لبيان شرع الله ودينه الحق؛ فلا يظنّ الحركيون أو يظن الناس بهم أنهم على الهدى، وأن يكون القائمون على وسائل ومؤسسات الإعلام والتربية والدّعوة والأمن (على مستوى المسئولية) فيوقفوا عملية اغتصاب الحركيّين لمنابر الإعلام والتربية والدعوة.
د- هذا رأي سليمان الضحيّان ورأيي في فساد مناهج الحركيّين والحزبيّين، ونحن ـ بفضل الله ـ أحرارٌ من عبودية مناهجهم وقيود انتمائهم وبيعتهم المبتدعة، ولكن بعض قادتهم يشاطرنا الرأي:
1) يقول الأستاذ فتحي يكن أحد قادة الحركة الأمّ (أمّ المهالك): (منذ رُبع قرن [الآن نصف قرن] والحركة الإسلامية الحديثة [جماعة الإخوان] تعيش مِحَناً ضارية تقدِّم فيها [منها ومن غيرها] الشهيد تلو الشهيد)، والقطع بالشهادة لمن لم يشهد له الوحي بدعةٌ منكرة، ودليل جهل وانحراف (... دون أن يكون لها من ذلك مردود ... بالرغم من كل هذا لا يزال أسلوبها [وغيرها] نفس الأسلوب) ويراه: (ضرباً من الانتحار جريمة من الانتحار لا يجوز السكوت عليها)، (مشكلات الدعوة والداعية، مقدمة الطبعة الثانية).
2) ويقول إخوانيٌّ آخر انفصل عن الحركة الأم [أم المهالك] بحركة سُمِّي أفرادها بالسروريين نسبة إلى المؤسس (محمد سرور زين العابدين المهاجر من أرض الشام المباركة إلى أوروبا النصرانية بل العلمانية) في كتابه (قل هو من عند أنفسكم) شهادةً على فتنة الإخوان في حماة: (لقد وزّعوا المناصب على [قادتهم]؛ فهذا وزير للداخلية، وذاك للدفاع، والثالث للتربية والتعليم، والرابع للخارجية، والخامس لقيادة الجيش ... وأصبح الجميع يتصرفون مع غيرهم على أساس المناصب الجديدة ... انقشع الغبار عن هزيمة محزنة ألَمَّت بهذه الحكومة [الوهميّة] وبغيرها من الدعاة والجماعات ... وأعقبت الهزيمة خلافات واتهامات وانشقاقات، وهذه عاقبة كل من يخالف سنن الله الثابتة ... ومن يتابع الأمور لا يد حرصاً من أي طرفٍ على وضع الحق في نصابه وتقويم الاعوجاج، وإنما التنافس على الزعامة وحطام الدنيا هو سبب هذه الخلافات الجديدة منها والقديمة)؛ بل نشرتْ إحدى المجلات العالمية خارطة الحزب لسوريا (بعد النصر الخيالي) باسمها الجديد: (دولة الإخوان المسلمين) خيانةً للإسلام الذي امتطاه الحزب لأغراضه في العقود الماضية كلها، وخيانةً للحلف الشيطاني (بلغة تشرشل عند تحالفه مع روسيا الشيوعية ضد ألمانيا) بين البعث والاشتراكية والقومية والإخوان.
3) ويقول أيمن الظواهري الذي رَضَع من ثدي حزب الإخوان، وبعد الفطام اختار شق المواجهة في الحزب (ويُعرف الآن باسم القطبيين نسبة إلى سيّد قطب) على شقِّ المسايرة (ويُعرف الآن باسم البنّائين نسبة إلى حسن البنا ـ رحمهما الله ـ) وهو ما يُسميه منير الغضبان بالمعتدلين؛ ولكن الظواهري يبين أنهما وجهان لعملة واحدة: (القيادة الظاهرة في تركيبة الإخوان كان يمثلها المرشد العام أمام الناس والنظام، وأما القيادة الحقيقية فقد كانت في يد مجموعة النظام الخاص) جريدة الشرق الأوسط العدد 8405 في 2/12/2001م عن مذكرات الظواهري. أي أنهم يتلونون حسب مصلحة الحزب.
4) ويؤكد ذلك ابنٌ آخر للحزب من الرضاعة (محمد سرور زين العابدين في كتابه: قل هو من عند أنفسكم، عن فتنة الإخوان في حماة): (كانوا [القادة] ينتقدون الشباب الذين فجّروا هذه المعركة ويصفونهم بالطيش والتهور [فلما] أصبحوا يظنون أن النصر قد اقترب غيروا لهجتهم وادّعوا بأنهم أصحاب الحق وأهل الجهاد وجميع الشهداء منهم).
وفي فتنة احتلال العراق للكويت كان المرشد العام في مصر يشجب، والقادة المتخفّون في السعودية وسوريا يسكتون، والقادة المعلنون في الأردن وفلسطين خاصة وغيرها عامة يُؤيّدون الاحتلال بالخطب والقنوت والكذب.
هـ- أوافق منير الغضبان ـ مرة واحدة ـ في أنه (لم يسمع عن عالم في الحركات الإسلامية قام بتكفير فرد أو مجموعة من أبناء هذه الأمة ...)؛ لأسباب:
1) أني لا أحسبه يكذب ويتحرّى الكذب، وإنما أغشي بصره وختم على سمعه وقلبه التعصب لحزبه ، (فعين الرضا [وأذن الرضا] عن كل عيب كليلة).
2) أنه لا يوجد عالم واحد بشرع الله في جميع الحركات والجماعات والأحزاب والفِرَق، وإلا لما قبل أن يتحزب ويتفرق عن الجماعة الواحدة التي لا تتعدّد، وسماها الله: (المسلمين)، وألزمها منهاجاً واحداً (الكتاب والسنة)، وأمرها بالتأسّي بواحدٍ من البشر يُوحى إليه (صلى الله عليه وسلم)، ونهاها عن التفرق شيعاً {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون:53].
3) ظني أنه لا يعرف أحكام التكفير ولا حدوده ولا ألفاظه.
و- اختلف العلماء منذ عهد الصحابة رضي الله عنهم في تقسيم الكفر والتكفير إلى اعتقادي وعملي، وأكبر وأصغر، ولكنهم اتفقوا على أن (الردة) تعني أمراً واحداً، واختار (سيّد قطب) تجاوز الله عنا وعنه تكفير المسلمين جميعاً أفرادهم وجماعاتهم، حكامهم ومحكوميهم، بلفظ واحد لا يحيد عنه أبداً: وهو (الردة) أي: الخروج من الملة و(النكوص عن دين الله بعد أن كانوا فيه)، (ولو توجهوا إلى الله في ألوهيته وحده ودانوا لشرع الله في الوضوء والصلاة والصوم وسائر الشعائر)، ولو (تسمّوا بأسماء المسلمين وزعموا أنهم مسلمون)، ولو (ردّدوا على المآذن في مشارق الأرض ومغاربها كلمات لا إله إلا الله)، وجعل من أسباب حكمه الجائر المخالف لشرع الله وفِقه جميع أئمة المسلمين: (اتباع البشر في نظام الحياة والتقاليد والعادات والأعياد والأزياء والأخلاق)، ولعل منير الغضبان قد قرأ وأقرأ الشباب هذه النصوص مراراً لا تُحصى (بعين الرضا، و بعين التعصّب) فلَمْ يرَ فيها (تكفيراً لفرد ولا لمجموعة تنتمي إلى الإسلام).
1) ولكني أطلب منه (ومن كل قارئ) أن يعيد قراءتها (بعين العدل) في (معالم في الطريق) ص101-103، وفي (العدالة الاجتماعية) بعد محاولة تعديلها ص185 و216، وفي (ظلال القرآن) ص1057 و1492 و2009 و2033 و2114و2122، وهذه ثلة وغيرها كثير.
2) ومحمد قطب يقوم بنشر هذا التكفير (والحكم بالخروج من الملة لكل بشر) منذ موت أخيه سيد قبل أربعين سنة مُصرّاً على رفض تغيير كلمة منه، مع أن سيّداً عندما أدرك قليلاً من أخطائه (دعوى التخييل في كلمات الله) وَعَدَ بإعادة (النظر فيها في الطبعة القادمة) ولم يفعل.
3) والمودودي يختار (هدم القصور) على (هدم القبور) ردّاً على من طلب منه التحذير من أوثان المزارات والمشاهد والمقامات في الباكستان وما جاورها (من أتباعه في القارة الهندية).
4) وهل يجوز لمنير (أنار الله قلوبهم جميعاً بنور منهاج النبوة وأعاذهم من ظلمات المناهج المحدَثة المبتدعة) هل يجوز له وأمثاله من الحزبيّين أن يتعصبوا لرموزهم فيصفوهم بالاعتدال والبراءة من التكفير بعد كل هذا؟
ز- يتساءل منير ـ في دفاعه عن حزبه ـ: (ما هي الأحزاب الفكرية والعقائدية التي وصلت إلى السلطة في وطننا العربي والإسلامي لنرى بها البديل عن الحركات الإسلامية؟) ويخطئ مرّتين أو ثلاث:
1) من قال له بأنّ ما يسمّيه الحزب العقائدي أو الحزب الإسلامي أو الحركة الإسلامية يجب أو يجوز أن يكون هدف أيّ منها (الوصول إلى السلطة)؟ نعم، هذا هو واقع حزب الإخوان (أو الجماعة الإسلامية أو حماس أو جمعية المركز الإسلامي) وواقع حزب التحرير وحزب الجهاد ... إلخ ولكنه انحراف عن شرع الله، فليس في الكتاب ولا في السنة أن الله خلق عباده أو أرسل رسله للوصول إلى السلطة، بل ليُعبد الله وحدَه ولا يُعبَد غيره، ولتكون كلمة الله هي العليا، وليكون الدّين كله لله، ثم تكون الولاية ويكون التمكين تبعاً لذلك.
وسليمان الضحيّان لم يصف نفسه بالإسلامي ولا يطالب الإسلاميين بالنجاح في الوصول إلى السلطة ولكنه ينهاهم عن المحاولة وتكرارها مع الفشل، كما أنّ الله نهى شارب الخمر أن يقرب الصلاة، وفي الحديث الصحيح نهى آكل الثوم والبصل أن يقرب المسجد، والمقصود بالنهي في الحالتين ليس الصلاة، بل ما يفسدها أو يؤذي المصلين.
2) الأحزاب والجماعات والحركات والطريق والطوائف والفِرق التي تحاول ركوب الإسلام لأغراضها الدنيوية: سلطةً أو جاهاً أو مالاً، لا تكون (بتعدُّدها وخروجها عن الجماعة وخروجها عن منهاج النبوة إلى منهاج مؤسس الحزب أو مُفكّره) لا تكون أهلاً (شرعاً) للوصول إلى السلطة ولو وصلت إليها (قدراً وفتنةً).
3) لو ألقى ألقى منيرٌ سمعه وهو شهيد، ولو أعتق نفسه مما أوجب الله عليه الانعتاق من قيوده وحدوده الحزبية ومن عصبيّته الجاهلية، ولو استردّ قلبه من عبودية الفكر الحزبي وبيعته المبتدعة؛ لوَجَد جواب سؤاله أمامه في البلد والدولة المباركة التي عوّدها الله الإحسان وتعوّدت من غيرها الجحود؛ منذ عشرات السنين وهو يعيش في ظل حزب التوحيد والسنة الواحد الذي أظهره الله ثلاث مرّات في ثلاثة قرون يجدّد الله به الدين في كلّ مرة ويصحّح به المعتقد وينشر به السنة ويمحو به الشرك وما دونه من البدع في الدين، وهو وحده (بفضل الله) الذي أُسِّس من أول يوم ـ بعد القرون المفضلة ـ على منهاج النبوة في الدين والدعوة إليه والصبر على الأذى فيه، مع الدفاع عنه والجهاد في سبيله باللسان ثم بالسنان، ولم يُسَمِّ نفسه حزباً ولا حركة، ولا اتخذ منهاجاً غر الكتاب والسنة، ولا انتمى إلى بشرٍ غير محمد صلى الله عليه وسلم المعصوم من ربه، ولا وصف نفسه بالإسلامي ولا الإسلامية (إذ الأصل لا يحتاج إلى سِمَة خاصة تميِّزه، إنما الذي يحتاج إلى اسم [أو وَصْف] معيّن هو الخارج عن هذا الأصل من تلكم الجماعات [والفِرَق والأحزاب] التي انشقّت من الأصل: جماعة المسلمين) (المبحث السادس من حكم الانتماء إلى الفرق والجماعات والأحزاب للشيخ د. بكر أبو زيد شفاه الله ونصر به منهاج النبوة)، وميّزه الله وحده في هذا العصر بالولاية على أكثر أرض الله قداسة وبركة، حيث فشلت الفِرَق والأحزاب الإسلامية المبتدعة بكل المعايير والموازين رغم دعاياتها، وتلوّنها، وتبدّل مبادئها وولائها، وتنازلاتها وتفانيها في محاولات الوصول إلى السلطة والجاه والمال.
ح- فشل حزب الإخوان المسلمين الأشنع والأسوأ هو فشلٌ في الدين بتجنّب قادته ومنهاجه اتباع سيد المرسلين (مثَلُه في ذلك مثلُ الأحزاب والفِرَق التي انبثقت عنه) وهو ما لم يذكره سليمان ولا منير، وكان الأَوْلَى بالاهتمام، ولكنّ حزب الإخوان (وما نسل عنه) فشل فشلاً ذريعاً في تحقيق أهدافه الدنيوية (الغايات لا الوسائل) حيث نجح من خالفوه:
1) ركبوا شعار جلاء الإنكليز عن مصر، فنجح جمال عبد الناصر وفشلوا.
2) ركبوا شعار استعادة قناة السويس من استغلال الأوربي؛ فنجح جمال عبد الناصر وفشلوا.
3) ركبوا شعار تحرير فلسطين؛ فنجح أنور السادات في تحرير سيناء بالسلاح ثم بالمفاوضات وفشلوا.
4) ركبوا شعار جهاد قوات التحالف الغربي (نصراً لظلم وأوثان البعث العراقي) متسلحين بخرافات (هرمكدون) و(نوسترادامُس) و(الجَفْر) والتحليلات والإشاعات الخيالية، فنجح الخليجيون، وأزال الله طغيان البعث العراقي وقادته ومؤيّديه عن الخليج عن العراق وفشلوا.
5) ركبوا شعار تحرير سوريا من البعث السوري (مستعينين بالبعث العراقي (بزعيمه الفكري النصراني ميشيل عفلق وزعيمه الفعلي ـ وهو الأشر ـ صدام حسين) واختاروا اسم الدولة الحزبية القادمة وأسسوا الإذاعة في العراق ومراكز التدريب وصدرت البلاغات وسُمّي وزراء الحكومة الحزبية القادمة؛ فنجح حافظ الأسد وفشلوا.
اللهم اهدهم الصراط المستقيم وجميع المسلمين والضالين عن شرعك.
الطائف ـ 25/10/1423