البلوشي
11-27-2013, 01:01 AM
قال ابن خلدون: ((هذا العِلم - السِّحْر - حَدث في المِلَّة بعد صدر منها ، وَعنْد ظُهور الغُلاَة من المتصوفة ، الحلاَّج ، ابن عربي ، العَفيف التِّلِمْساني ، ابْن سَبعين ، ابن الفارض
وجنوحهم إلى كشف حجاب الحس ، وظهور الخوارق على أيديهم والتصرفات في عالم العناصر ، وتدوين الكتب والاصطلاحات ومزاعمهم في تنـزل الوجود عن الواحد وترتيبه. وزعموا أن الكمال الأسمائي مظاهر أرواح والأفلاك والكواكب وأن طبائع الحروف وأسرارها سارية في الأسماء فهي سارية في الأكوان )). (المقدمة لابن خلدون صفحة:930)
يقول الإمام الأشعري : (( وكان في الصوفية رجلٌ يُعرف بـأبي شعيب: يزعم أنَّ الله يُسرُّ ويَفرح بطاعة أوليائه، ويغتمُّ، ويحزن إذا عصَوْه )) يعني: كَفَرح المخلوقين وكغَمِّهم.
يقول: ((وفي النُّساك قومٌ يزعمون أنَّ العبادة تبلغ بهم إلى منـزلةٍ تزول عنهم العبادات، وتكون الأشياء المحظورات على غيرهم من الزنا، وغيره مباحات لهم.
وفيهم من يزعم: أنَّ العبادة تبلغُ بهم إلى أنْ يروا الله سُبْحَانَهُ، ويأكلوا مِن ثمار الجنَّة، ويعانِقوا الحورَ العين في الدنيا، ويحارِبوا الشياطين.
ومنهم مَن يزعم: أنَّ العبادة تبلغ بهم إلى أن يكونوا أفضلَ مِن النَّبيِّين، والملائكة المقرَّبين )).
وكلام الإمام الأشعري ، هذا يؤكِّد ما قاله الإمام خشيش ، ويذكر عنهم قضية سقوط التكاليف وسقوط التعبدات، وأنَّ الإنسان يترقَّى، كما تقول الصوفية أنَّ الله تعالى يقول: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99]، فإذا جاء اليقين أو إذا وصلت إلى الحقيقة: سقطتْ عنك الشريعة؛ لأنَّ الصوفي عندهم يبدأ مُريداً، ثمَّ سالكاً، ثم واصلاً، والواصل: أي: الذي وصل إلى الحقيقة، وسقطت عنه التكاليف، وسقطت عنه التعبدات.
هذا قول الإمام الأشعري -وهو المتوفى سنة (324 هـ)- وهو ما يزال متقدماً بالنِّسبة لانتشار الصوفية.
العز بن عبد السلام
جاء في كتاب المعيار المُعَرّب (11/29):
سُئل الشيخ عز الدين ابن عبد السلام عن جماعة من أهل الخير والصلاح والورع يجتمعون في وقت فينشدُ لهم مُنشد:
فأجاب: ((الرقص بدعة لا يتعاطاه إلا ناقص عقل، ولا يصلح إلا للنساء ..))
وهي كذلك في فتاويه صفحة (163) وقد نقلها وأثبتها الحافظ التونسي الزبيدي رحمه الله ، في كتابِه (المرآة إظهار الضلالات).
يدّعي بعض الصوفيّة أن الإمام العز ابن عبد السلام كان يتواجد ويرقص في مجالس السماع ، ويتّخِذُون من ذلك حجّة على إباحة الرقص في مجالس الذكر عندهم . والحقيقة أن الذي ادّعوه غير صحيح ، وكل من يعرف سيرة الإمام العز ابن عبد السلام ، يدرك تماماً أن هذا الكلام كذب عليه ، وأن إلصاق هذه التهمة بهذا الإمام إنما هو للتغرير بالعامّة من الناس.
وأكبر دليل على كذب الصوفية ، أن العز رحمه الله ، قد نصَّ في أهم كتبه على تحريم ذلك فقال: ((وأما الرقص و التصفيق فَخِفَّةٌ ورعونة ، مُشْبِهَةٌ لرعونة الإناث لا يفعلها إلا راعن أو متصنع كذّاب ، كيف يتأتى الرقص المتَّزن بأوزان الغناء ، ممن طاش لُبُّه وذهب قلبه ، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "خير الناس قرني ، ثمّ الذين يلونهم ،ثم الذين يلونهم". متفق عليه، ولم يكن واحد من هؤلاء الذين يقلدونهم يفعل شيئاً من ذلك)). انتهى
(قواعد الأحكام في مصالح الأنام: 2ـ 186).
الإمام الشافعي
وأما الإمام الشافعي فقد أدرك بدايات التصوف وكان من أكثر العلماء والأئمة إنكاراً على الصوفية ، ورويت عنه أقوال كثيرة منها:
روى البيهقي في مناقب الشافعي (2 ـ208) أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا محمد جعفر بن محمد بن الحارث يقول: سمعت أبا عبد الله: الحسين بن محمد بن بحر يقول: سمعت يونس بن عبد الله الأعلى يقول: سمعت الشافعي يقول: لو أن رجلاً تصوَّف من أول النهار لم يأت عليه الظهر إلا وجدته أحمق .
أخبرنا محمد بن عبد الله قال: سمعت أبا زرعة الرازي يقول: سمعت أحمد بن محمد بن السندي يقول: سمعت الرَّبيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: ما رأيت صوفياً عاقلاً قط إلا مسلم الخوَّاص.
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت أبا عبد الله الرازي يقول: سمعت إبراهيم بن المولد يحكي عن الشافعي أنه قال: لا يكون الصوفي صوفياً حتى يكون فيه أربع خصال كسول أكول نئوم كثير الفضول.
وروى ابن الجوزي (تلبيس إبليس صفحة: 371) عن الشافعي قوله: "ما لزم أحد الصوفيين أربعين يوماً فعاد عقله أبداً.
وقال رحمه الله: ((تركت بالعراق شيئاً يقال له (التغبير) ، أحدثه الزنادقة، ويصدُّون الناس عن القرآن" روى ذلك الخلال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ((36))، وأبو نعيم في الحلية ((9ـ146)) وابن الجوزي ((244-249))
وروى أبو بكر الأثرم قال : سمعت أبا عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - يقول : " التغبير محـدث " ـ ومنه قوم يغبرون بذكر الله ، أي يهـللون ويرددون الصوت بالقراءة ونحوها ـ .
وقال أبو الحارث : سألت أبا عبد الله عن التغبير وقلت: إنه ترق عليه القلوب. فقال: " هو بدعــة " وروى غيره أنه كرهه ، ونهى عن إسماعه .
وقال يزيد بن هارون : " ما يغبر إلا فاسق ، ومتى كان التغبــير ؟ " .
وقال عبد الله بن داود : " أرى أن يضرب صاحب التغبير "
القاضي عياض
يقول : (( الشيخ أبو حامد ذو الأنباء الشنيعة ، والتصانيف الفظيعة غلا في طريق التصوف وتجرد لنصر مذهبهم وصار داعية في ذلك وألّف فيه تواليفه المشهورة . أُخذ عليه فيها مواضع وساءت به ظنون أمّه ، والله أعلم بسره . ونفذ أمر السلطان عندنا بالمغرب وفتوى الفقهاء بإحراقها والبعد عنها فامتثل ذلك )) .
(سير أعلام النبلاء: 19ـ327)
القرطبي أبو عبد الله ، صاحب التفسير
يقول الإمام القرطبي رحمه الله: فأما طريقة الصوفيّة أن يكون الشيخ منهم يوماً وليلة، وشهراً، مفكّراً، لا يفتر، فطريقةٌ بعيدة عن الصواب، غير لائقة بالبشر، ولا مستمرة على السنن.
الجامع لأحكام القرآن: (4/315).
ويقول رحمه الله: وهذا السجود المنهيّ عنه، قد اتخذه جُهَّالُ المتصوّفة، عادةً في سماعهم، وعند دخولهم على مشايخهم واستغفارهم، فيرى الواحد منهم إذا أَخذه الحال بزعمه، يسجد للأقدام لجهله، سواء أكان للقبلة أم غيرها، جهالة منه، ضَلَّ سَعْيُهم، وخاب عملهم.
الجامع لأحكام القرآن: (1/293-294).
قال ابن عطيّة: استدلَّ العُبَّادُ في تأديب أَنفسهم بالبأساء في تفريق الأَموال، والضراء في الحمل على الأَبدان بالجوع والعُري بقوله تعالى: { وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42)} .
قُلتُ- أي الإمام القُرطبي -:
هذه جهالة ممن فعلها، وجعل هذه الآية أصلاً لها، هذه عقوبة من الله لمن شاء من عباده أن يمتحنهم بها، ولا يجوز لنا أن نمتحن أَنفسنا ونكافئها قياساً عليها، فإنها المطية التي نبلغ عليها دار الكرامة، ونفوز بها من أَهوالِ يومِ القيامة، وفي التنزيل: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً} .
وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ } (267) .
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ }
فأمرَ المؤمنين بما خاطب بهِ سيد المرسلين، وكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأَصحابه يأكلون الطيبات، ويلبسون أحسنَ الثياب، ويتجمّلونَ بها، وكذلك التابعون بعدهم إلى هلمّ جراً.
ولو كان كما زعموا واستدلوا، لما كان في امتنان الله تعالى بالزّروع والجنّات وجميع الثمار والنبات والأنعام التي سخرها، وأَباح لنا أكلها وشرب ألبانها والدفء بأصوافها،إلى غير ذلك مما امتنّ به، كبير فائدة، فلو كان ما ذهبوا إليه فيه الفضل لكان أولى به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه ومن بعدهم من التابعين والعلماء.
الجامع لأحكام القرآن: (6/424-425) .
الحافظ ابن حجر
يقول الحافظ رحمه الله نقلاً عن القرطبي رحمه الله: ((وأما ما ابتدعه الصوفية في ذلك فمن قبيل ما لا يختلف في تحريمه ، لكن النفوس الشهوانية غلبت على كثير ممن ينسب إلى الخير ، حتى لقد ظهرت من كثير منهم فعلات المجانين والصبيان ، حتى رقصوا بحركات متطابقة وتقطيعات متلاحقة ، وانتهى التواقح بقوم منهم ، إلى أن جعلوها من باب القرب ، وصالح الأعمال ، وأن ذلك يثمر سني الأحوال ، وهذا على التحقيق من آثار الزندقة ، وقول أهل المخرفة ، والله المستعان)) . اهـ
قال الحافظ ابن حجر: وينبغي أن يعكس مرادهم ويقرأ سيء الأحوال.
فتح الباري (جزء2صفحة442).
أبو بكر الطرطوشي
سئل الإمام أبو بكر الطُّرْطوشي رحمه الله:
ما يقول سيدنا الفقيه في مذهب الصوفية؟
وأعلم-حرس الله مدته- أنه اجتمع جماعة من رجال،فيكثرون من ذكر الله تعالى،وذكر محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم إنهم يوقعون بالقضيب على شيءٍ من الأَديم،ويقوم بعضهم يرقص ويتواجد،حتى يقع مغشيّاً عليه،ويحضرون شيئاً يأكلونه.
هل الحضور معهم جائز أم لا؟
أفتونا مأجورين،يرحمكم الله.
الجـــــــــواب:
يرحمك الله، مذهب الصوفية بطالة وجهالة وضلالة، وما الإسلام إلا كتاب الله، وسنة رسوله، وأما الرقص والتواجد، فأَوّل مَنْ أَحثه أصحاب السامريّ، لما اتخذ لهم عجلاً جسداً له خوار, قاموا يرقصون حواليه ويتواجدون, فهو دين الكفار, وعبّاد العجل.
وأما القضيب فأوّل مَن اتخذه الزَّنادقة، ليشغلوا به المسلمين عن كتابِ الله تعالى.
وإنما كان يجلس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع أصحابه، كأنما على رؤوسهم الطير من الوقار، فينبغي للسلطان ونوّابه أن يمنعهم من الحضور في المســاجد وغيرها، ولا يحلّ لأَحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم، ولا يعينهم على باطلهم، هذا مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم من أئمة المسلمين،وبالله التوفيق.
المرجع:
كتاب الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي: (11/237-238
الإمام الذهبي
صور من إنكار الإمام الذهبي على الصوفية ، وبيان مخالفتهم لطريقة أهل الزهد والتنسك من المتقدمين ، وتمحيص ما عند المتقدمين من خلل:
قال رحمه الله في ترجمة "حاتم الأصم" من كتابه سير أعلام النبلاء: (11ـ487) بعد أن ذكر قول حاتم الأصم: ((لو أن صاحب خبر جلي إليك لكنت تتحرز منه وكلامك يعرض على الله لا تحترز. فقال الذهبي: قلت: هكذا كانت نكت العارفين وإشاراتهم لا كما أحدث المتأخرون من الفناء والمحو والجمع الذي آل بجهلتهم إلى الاتحاد وعدم السوى)).
وقال الذهبي رحمه الله في السير (22ـ368): ((قال ابن هلال: جلست عنده ـ يعني: أبا الجناب أحمد بن عمر الخوارزمي ـ في الخلوة مراراً, وشاهدت أموراً عجيبة, وسمعت من يخاطبني بأشياء حسنة.
فقال الذهبي معلقاً: قلت: لا وجود لمن خاطبك في خلوتك مع جوعك المفرط, بل هو سماع كلام في الدماغ الذي قد طاش وفاش وبقي قرعة كما يتم للمبرسم والمغمور بالحمى والجنون, فاجزم بهذا, واعبد الله بالسنن الثابتة تفلح)).
وذكر الذهبي في ترجمة "أبي حامد الغزالي" من السير: (19ـ322): قول الغزالي: (وذهبت الصوفية إلى العلوم الإلهامية دون التعليمية فيجلس فارغ القلب مجموع الهم يقول: الله .... الله.... الله... على الدوام ، فليفرغ قلبه ولا يشتغل بتلاوة ولا كتب حديث !! ، قال: فإذا بلغ هذا الحد التزم الخلوة في بيت مظلم وتدثر بكسائه فحينئذ يسمع نداء الحق !!!: (يا أيها المدثر) و (يا أيها المزمل) !!!)).
قال الذهبي معقباً: ((قلت: سيد الخلق إنما سمع: {يَا أيُّهَا المُدَّثِرِ} (المدثر: 1) من جبريل عن الله ، وهذا الأحمق لم يسمع نداء الحق أبدا !! ، بل سمع شيطاناً أو سمع شيئا لا حقيقة من طيش دماغه ، والتوفيق في الاعتصام بالسنة والإجماع) انتهى كلامه رحمه الله .
ونقل كلاما "للطرطوشي" قال فيه: ((وقال محمد بن الوليد الطرطوشي في رسالة له إلى ابن مظفر فأما ما ذكرت من أبي حامد فقد رأيته وكلمته فرأيته جليلا من أهل العلم واجتمع فيه العقل والفهم ومارس العلوم طول عمره وكان على ذلك معظم زمانه ثم بدا له عن طريق العلماء ودخل في غمار العمال ثم تصوف وهجر العلوم وأهلها ودخل في علوم الخواطر وأرباب القلوب ووساوس الشيطان ثم شابها بآراء الفلاسفة ورموز الحلاج وجعل يطعن على الفقهاء والمتكلمين ولقد كاد أن ينسلخ من الدين فلما عمل " الإحياء " عمد يتكلم في علوم الأحوال ومرامز الصوفية أنيس بها ولا خبير بمعرفتها فسقط على أم رأسه وشحن كتابه بالموضوعات)).
قال الذهبي: ((قلت أما " الإحياء " ففيه من الأحاديث الباطلة جملة وفيه خير كثير لولا ما فيه من آداب ورسوم وزهد من طرائق الحكماء و منحرفي الصوفية نسأل الله علما نافعا تدري ما العلم النافع هو ما نزل به القرآن وفسره الرسول صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا ولم يأت نهي عنه قال عليه السلام من رغب عن سنتي فليس مني فعليك يا أخي بتدبر " كتاب الله " و بإدمان النظر في " الصحيحين " و " سنن النسائي " و " رياض " النواوي و " أذكاره " تفلح وتنجح ، وإياك وآراء عباد الفلاسفة ، ووظائف أهل الرياضات ، وجوع الرهبان ، وخطاب طيش رؤوس أصحاب الخلوات فكل الخير في متابعة الحنيفية السمحة ، فواغوثاه بالله اللهم اهدنا إلى صراطك المستقيم)).
وقال في ترجمة "سعيد بن عبد العزيز الحيري" (14ـ62) لما ذكر قول أبي نعيم الحافظ فيه من قوله: ((تخرج به جماعة من الأعلام كإبراهيم بن المولد وكان ملازماً للشرع متبعاً له.
قال الذهبي: قلت: يعني أنه كان سليماً من تخبيطات الصوفية وبدعهم)).
وقال الذهبي في ترجمة "ابن الأعرابي" (15ـ407ـ412) في التمييز بين التصوف المحدث ، والتنسك والتعبد الشرعي: ((قلت: إي والله دققوا وعمقوا وخاضوا في أسرار عظيمة ما معهم على دعواهم فيها سوى ظن وخيال ولا وجود لتلك الأحوال من الفناء والمحو والصحو والسكر إلا مجرد خطرات ووساوس ما تفوه بعباراتهم صديق ، ولا صاحب ، ولا إمام من التابعين ، فان طالبتهم بدعاويهم مقتوك ، وقالوا: محجوب ، وإن سلمت لهم قيادك تخبط ما معك من الإيمان ، وهبط بك الحال على الحيرة والمحال ، ورمقت العباد بعين المقت ، وأهل القرآن والحديث بعين البعد ، رجاء مساكين محجوبون ، فلا حول ولا قوة إلا بالله ، فإنما التصوف والتأله والسلوك والسير والمحبة ما جاء عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من الرضا عن الله ولزوم تقوى الله والجهاد في سبيل الله والتأدب بآداب الشريعة من التلاوة بترتيل وتدبر والقيام بخشية وخشوع وصوم وقت وإفطار وقت وبذل المعروف وكثرة الإيثار وتعليم العوام والتواضع للمؤمنين والتعزز على الكافرين ومع هذا فالله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ، والعالم إذا عري من التصوف والتأله فهو فارغ كما أن الصوفي إذا عري من علم السنة زل عن سواء السبيل) .
قال الذهبي رحمه الله عن سيد الصوفية "ابن عربي الطائي" (23 ـ 48): ((وكان ذكياً كثير العلم كتب الإنشاء لبعض الأمراء بالمغرب ثم تزهد وتفرد وتعبد وتوحد وسافر وتجرد واهتم وأنجد وعمل الخلوات ، وعلِق شيئا كثيرا في تصوف أهل الوحدة ، ومن أردإ تواليفه كتاب ((الفصوص)) فإن كان لا كفر فيه فما في الدنيا كفر!!! نسأل الله العفو والنجاة . فواغوثاه بالله ، وقد عظمه جماعة وتكلفوا لما صدر منه ببعيد الاحتمالات)). انتهى .
وقال الذهبي في ترجمة"الحكيم الترمذي" (13ـ442): ((كذا تُكلم في السُلمي من أجل تأليفه كتاب حقائق التفسير فياليته لم يؤلفه ، فنعوذ بالله من الإشارات الحلاجية ، والشطحات البسطامية ، وتصوف الاتحادية ، فواحزناه على غربة الإسلام والسنة)).
ابن الحاج
الإمام ابن الحاج المالكي ، أحد العلماء الذين أكثر النقل عنهم الحافظ ابن حجر في كتابه فتح الباري ، من أشهر كتبه كتاب المدخل ، والذي رد فيه كثير من بدع الصوفية.
قال رحمه الله في كتابه (المدخل: 3ـ99) وهو يتكلم عن الصوفية وبدعة الغناء والرقص.
((وقد ذكر أن بعض الناس عمل فتوى في سنة إحدى وستين وستمائة ومشى بها على الأربع مذاهب و لفظها: " ما تقول السادة الفقهاء أئمة الدين و علماء المسلمين وفقهم الله لطاعته وأعانهم على مرضاته في جماعة من المسلمين وردوا إلى بلد فقصدوا إلى المسجد وشرعوا يصفقون ويغنون ويرقصون تارة بالكف وتارة بالدفوف والشبابة فهل يجوز ذلك في المساجد شرعاً أفتونا مأجورين يرحمكم الله تعالى"
فقالت الشافعية: السماع لهو مكروه يشبه الباطل من قال به ترد شهادته و الله اعلم .
وقال المالكية: يجب على ولاة الأمور زجرهم و إخراجهم من المساجد حتى يتوبوا و يرجعوا والله أعلم .
وقالت الحنابلة: فاعل ذلك لا يصلى خلفه ولا تقبل شهادته ولا يقبل حكمة وإن كان حاكما وإن عقد النكاح على يده فهو فاسد والله أعلم .
وقالت الحنفية: الحصر التي يرقص عليها لا يصلى عليها حتى تغسل والأرض التي يرقص عليها لا يصلى عليها حتى يحفر ترابها ويرمى ، والله اعلم)).
الإمام المفسر أبو حيان الأندلسي
قال الإمام أبو حيّان الأندلسي في كتابه (التفسير الكبير المسمّى بالبحر المحيط) وفي ذيله أيضاً المسمّى (النهر المادّ) الجزء: 3 صـفحة: 448 ، في تفسير سورة النساء عند قوله تعالى: {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم }: ((و مِنْ بعضِ اعتقادِ النصارى استنبطَ مَنْ تستّر بالإسلام ظاهراً وانتمى إلى الصوفية حُلولَ الله تعالى في الصور الجميلة ، ومن ذهب من ملاحدتهم إلى القول بالاتحاد والوحدة ، كالحلاج والشوذي وابن أحلى وابن عربي المقيم بدمشق وابن الفارض ، وأتباع هؤلاء كابن سبعين وتلميذه التستري وابن المطرّف المقيم بمرسية والصفّار المقتول بغرناطة وابن لباج وابن الحسن المقيم بلوزقة ، وممن رأيناه يُرمى بهذا المذهب الملعون العفيف التلمساني وله في ذلك أشعار كثيرة ، وابن عيّاش المالقي الأسود القطيع المقيم بدمشق ، وعبد الواحد بن المؤخر المقيم بصعيد مصر والأيكي العجمي الذي كان تولى المشيخة بخانقاه سعيد السعداء بالقاهرة من ديار مصر وأبو يعقوب بن مبشّر تلميذ التستري المقيم بحارة زويلة بالقاهرة ، والشريف عبد العزيز المنوني وتلميذه عبد الغفّار القوصي ؛ وإنما سردت أسماء هؤلاء نصحاً لدين الله ، يعلم الله ذلك ، وشفقة على ضعفاء المسلمين ليحذروهم فهم شرٌّ من الفلاسفة الذين يكذّبون الله ورسوله ويقولون بقدم العالم ، وينكرون البعث ؛ وقد أُولِعَ جهلة ممن ينتمي للتصوف بتعظيم هؤلاء ، وادّعائهم أنهم صفوة الله وأولياؤه، والردّ على النصارى والحلولية والقائلين بالوحدة هو من علم أصول الدين)). ا.هـ
وقال أبو حيان في تفسيره (البحر المحيط: 4ـ145) عند تفسير قوله تعالى {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو} : ((ولقد يظهر من هؤلاء المنتسبة إلى الصوف أشياء من ادعاء علم المغيبات و الاطلاع على علم عواقب أتباعهم وأنهم معهم في الجنة يخبرون على رؤوس المنابر ولا ينكر ذلك أحد هذا مع خلوهم من العلوم يوهمون أنهم يعلمن الغيب. !!!!!)).
وقال في (2ـ93): ((فلو عاش قتادة إلى هذا العصر وسمع ما أحدث هؤلاء المنسوبون إلى الصوف من الدعاوى والكلام المبهرج الذي لا يرجع إلى كتاب الله ولا إلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم و التجري على الإخبار الكاذب عن المغيبات لقضي من ذلك العجب)).
وقال رحمه الله تعالى في تفسير سورة "الأعراف": ((وقد ظهر في هذا الزمان العجيب ناس يتسمون بالمشايخ ، يلبسون ثياب شهرة عند العامة بالصلاح ، ويتركون الاكتساب ، ويرتبون أذكاراً لم ترد في الشريعة ، يجهرون بها في المساجد ، ويجمعون لهم خدّاماً يجلبون الناس إليهم لاستخدامهم ، ونتش أموالهم ، ويذيعون عنهم كرامات ، ويرون الوصول إلى الله تعالى بأمور يقررونها في خلوات ، وأذكارٍ لم يأت بها كتاب منـزل ، ولا نبي مرسل ، ويتعاظمون على الناس بالانفراد على سجادة ، ونصب أيديهم للتقبيل ، وقلة الكلام ، وإطراق الرؤوس ، وتعيين خادم يقول: الشيخ مشغول في الخلوة . ورسم الشيخ. قال الشيخ . الشيخ له نظر إليك . الشيخ كان البارحة يذكرك . إلى نحو هذه الألفاظ التي يحشدون العامة ، ويجلبون بها عقول الجهلة ، هذا إن سلم الشيخ من الاعتقاد الذي غلب على متصوفة هذا الزمان: من الحلول ، والقول بوحدة الوجود ، فإذ ذاك: يكون منسلخاً عن شريعة الإسلام بالكلية ، والعجب لمثل هؤلاء كيف ترتب لهم الرواتب ، وتبنى لهم الرُّبط ، وتوقف عليهم الأوقاف ، وتخدمهم الناس مع عدولهم عن سائر الفضائل)).
القاضي ابن العربي
قال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي رحمه الله:
(( وكذلك نقطع بتكفير كل من كَذّب ، وأنكر قاعدة من قواعد الشرع ... ثم قال: وأجمع فقهاء بغداد أيام المقتدر من الماليكة وقاضي قضاتها أبو عمرو المالكي على قتل الحلاّج وصلبه لدعواه الإلهية ، والقول بالحلول ، وقوله: أنا مع الحق. مع تمسّكه في الظاهر بالشريعة ، ولم يقبلوا توبته )) . انتهى.
وقال رحمه الله: ((شيخُنا أبو حامد ـ يعني الغزالي ـ: بَلَعَ الفلاسفةَ، وأراد أن يتقيَّأهم فما استطاع))
(سير أعلام النبلاء: 19/327).
العلامة محمود شكري الألوسي
العلامة محمود الألوسي مفتي بغداد الذي كشف أن الصوفية أصحاب كذب وتدجيل، عندهم تقية كتقية الروافض، فيقول كم في تفسيره 11/72-73 في تفسير آية {لهو الحديث} :
(( وأشنع من ذلك ما يفعله أبالسة المتصوفة ومردتهم، ثم إنهم -قبحهم الله تعالى- إذا اعترض علهم بما اشتمل عليه نشيدهم من الباطل يقولون: نعني بالخمر: المحبة الإلهية، أو بالسكر: غلبتها، أو بميّة وليل وسعدى مثلاً: المحبوب الأعظم وهو الله عز وجل!
وفي ذلك من سوء الأدب ما فيه {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه } .
وفي صفحة ((75)) قال: (( ومن السماع المحرم سماع متصوفة زماننا؛ وإن خلا عن رقص، فإنَّ مفاسده أكثر من أن تحصى، وكثير ما ينشدون من الأشعار من أشنعِ ما يتلى، ومع هذا يعتقدونه قُربة، ويزعمون أنَّ أكثرهم رغبة فيه أشدهم رغبة أو رهبة، قاتلهم الله أنى يؤفكون )) .
برهان الدين البقاعي المتوفي سنة 885هـ:
ألف هذا الإمام كتاباً فذاً فريداً سماه (تنبيه الغبي بتكفير عمر بن الفارض وابن عربي) قال في خطبة هذا الكتاب عن ابن عربي:
"وكان كفره في كتابه الفصوص أظهر منه في غيره، أحببت أن أذكر منه ما كان ظاهراً، حتى يعلم حاله، فيهجر مقاله، ويعتقد انحلاله، وكفره وضلاله، وأنه إلى الهاوية مآله ومآبه، امتثالاً لما رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)). "
أبو زرعة الرازي
قال البرذعي : سئل أبو زرعة عن المحاسبي وكتبه ، فقال للسائل : إياك وهذه الكتب ، هذه كتب بدع وضلالات ، عليك بالأثر فإنك تجد فيه ما يغنيك عن هذه الكتب. قيل له : في هذه الكتب عبرة ، فقال : من لم يكن له في كتاب الله عبرة فليس له في هذه عبرة ، بلغكم أن مالك بن أنس أو سفيان الثوري أو الأوزاعي أو الأئمة صنفوا كتباً في الخطرات والوساوس وهذه الأشياء ، هؤلاء قوم قد خالفوا أهل العلم ....... ثم قال: ما أسرع الناس إلى البدع.
"تهذيب التهذيب" (2ـ135)
قال الذهبي مُعلقاً على كلام أبي زرعة في ميزان الاعتدال (1ـ431):
(( وأين مثل الحارث؟ فكيف لو رأى أبو زرعة تصانيف المتأخرين كالقوت لأبي طالب، وأين مثل القوت! كيف لو رأى بهجة الأسرار لابن جهضم ، وحقائق التفسير للسلمي لطار لُبُّه.
كيف لو رأى تصانيف أبي حامد الطوسي في ذلك على كثرة ما في الإحياء من الموضوعات؟!! (يعني كتاب أبو حامد الغزالي الطوسي الإحياء)
كيف لو رأى الغنية للشيخ عبد القادر!كيف لو رأى فصوص الحكم والفتوحات المكية؟!
بلى لما كان لسان الحارث لسان القوم في ذلك العصر كان معاصره ألف إمام في الحديث، فيهم مثل أحمد بن حنبل وابن راهويه، ولما صار أئمة الحديث مثل ابن الدخميس، وابن حانه كان قطب العارفين كصاحب الفصوص وابن سفيان. نسأل الله العفو والمسامحة آمين.))
الإمام أحمد بن حنبل
وأما الإمام أحمد بن حنبل فقد كان لهم بالمرصاد فقد قال عندما بدأ الحارث المحاسبي يتكلم في هذه الخطرات: ((ما تكلم فيها الصحابة ولا التابعون". وحذر من مجالسة الحارث المحاسبي وقال لصاحب له: "لا أرى لك أن تجالسهم)).
وذكر أبو بكر الخلال في كتاب السنة عن أحمد بن حنبل أنه قال: ((حذروا من الحارث أشد التحذير!! الحارث أصل البلبلة ـ يعني في حوادث كلام جهم ـ ذاك جالسه فلان وفلان وأخرجهم إلى رأي جهم ما زال مأوى أصحاب الكلام. حارث بمنـزلة الأسد المرابط انظر أي يوم يثب على الناس!!" (تلبيس إبليس 166-167).
وهذا الكلام من الإمام أحمد يكشف فيه القناع أيضاً عن أن الحارث المحاسبي الذي تسربل ظاهراً بالزهد والورع والكلام في محاسبة النفس على الخطرات والوساوس كان هو المأوى والملاذ لأتباع جهم بن صفوان المنحرفين في مسائل الأسماء والصفات والنافين لها، وهكذا كان التصوف دائماً هو الظاهر الخادع للحركات والأفكار الباطنية.
ولذلك وقف الإمام أحمد لهؤلاء الأشرار الظاهرين منهم والمتخفين بالزهد والورع وأمر بهجر الحارث المحاسبي وشدد النكير عليه فاختفى الحارث إلى أن مات. (تلبيس إبليس 167).
وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: ((قبور أهل السنة من أهل الكبائر روضة ، وقبور أهل البدعة من الزهاد حفرة ، فسّـاق أهل السنــة أوليـاء الله ، وزهــاد أهل البدع أعداء الله)).اهـ طبقات الحنابلة (1/184) الفروع (2/149)
الإمام أبو الفرج ابن الجوزي
وأما الإمام أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي البغدادي المتوفي سنة 597هـ فقد كتب كتاباً فريداً سماه (تلبيس إبليس) خص الصوفية بمعظم فصوله وبين تلبيس الشيطان عليه وكان مما ذكره هذه الصفحات:
"وكان أصل تلبيسه عليهم أنه صدهم عن العلم وأراهم أن المقصود العمل فلما أطفأ مصباح العلم عندهم تخبطوا في الظلمات. فمنهم من أراه أن المقصود من ذلك ترك الدنيا في الجملة فرفضوا ما يصلح أبدانهم. وشبهوا المال بالعقارب، ونسوا أنه خلق للمصالح وبالغوا في الحمل على النفوس حتى إنه كان فيهم من لا يضطجع. وهؤلاء كانت مقاصدهم حسنة غير أنهم على غير الجادة. وفيهم من كان لقلة علمه يعمل بما يقع إليه من الأحاديث الموضوعة وهو لا يدري. ثم جاء أقوام يتكلمون لهم في الجوع والفقر الوساوس والحظوات وصنفوا في ذلك مثل الحارث المحاسبي. وجاء آخرون فهذبوا مذهب التصوف وأفردوه بصفات ميزوه بها من الاختصاص بالمرقعة والسماع والوجد والرقص والتصفيف وتميزوا بزيادة النظافة والطهارة. ثم مازال الأمر ينمى والأشياخ يضعون لهم أوضاعاً ويتكلمون بواقعاتهم. ويتفق بعدهم عن العلماء لا بل رؤيتهم ما هم فيه أو في العلوم حتى سموه العلم الباطن وجعلوا علم الشريعة العلم الظاهر.
ومنهم من خرج به الجوع إلى الخيالات الفاسدة فادعى عشق الحق والهيمان فيه كأنهم تخايلوا شخصاً مستحسن الصورة فهاموا به، وهؤلاء بين الكفر والبدعة، ثم تشعبت بأقوام منهم الطرق، ففسدت عقائدهم، فمن هؤلاء من قال بالحلول ومنهم من قال بالاتحاد. وما زال إبليس يخبطهم بفنون البدع حتى جعلوا لأنفسهم سنناً، وجاء أبو عبد الرحمن السلمي فصنف لهم كتاب السنن، وجمع لهم حقائق التفسير، فذكر عنهم فيه العجب في تفسيرهم القرآن بما يقع لهم من غير إسناد ذلك إلى أصل من أصول العلم. وإنما حملوه على مذاهبهم. والعجب من ورعهم في الطعام وانبساطهم في القرآن. وقد أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: قال لي محمد بن يوسف القطان النيسابوري، قال: كان أبو عبد الرحمن السلمي غير ثقة، ولم يكن سمع من الأصم إلا شيئاً يسيراً فلما مات الحاكم أبو عبد الله بن البيع حدث عن الأصم بتاريخ يحيى بن معين وبأشياء كثيرة سواه. وكان يضع للصوفية الأحاديث.
قال المصنف: وصنف لهم أبو نصر السراج كتاباً سماه لمع الصوفية ذكر فيه من الاعتقاد القبيح والكلام المرذول ما سنذكر منه جملة إن شاء الله تعالى. وصنف لهم أبو طالب المكي قوت القلوب فذكر فيه الأحاديث الباطلة ومالا يستند فيه إلى أصل من صلوات الأيام والليالي وغير ذلك من الموضوع وذكر فيه الاعتقاد الفاسد. وردد فيه قول - قال بعض المكاشفين- وهذا كلام فارغ وذكر فيه عن بعض الصوفية أن الله عز وجل يتجلى في الدنيا لأوليائه. أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: قال أبو طاهر محمد بن العلاف. قال: دخل أبو طالب المكي إلى البصرة بعد وفاة أبي الحسين بن سالم فانتمى إلى مقالته وقدم بغداد فاجتمع الناس عليه في مجلس الوعاظ فخلط كلامه فحفظ عنه أنه قال: ليس على المخلوق أضر من الخالق. فبدعة الناس وهجروه فامتنع من الكلام على الناس بعد ذلك، قال الخطيب: وصنف أبو طالب المكي كتاباً سماه قوت القلوب على لسان الصوفية وذكر فيه أشياء منكرة مستشبعة في الصفات.
قال المصنف: وجاء أبو نعيم الأصبهاني فصنف لهم كتاب الحلية. وذكر في حدود التصوف أشياء منكرة قبيحة ولم يستح أن يذكر في الصوفية أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً وسادات الصحابة رضي الله عنهم. فذكر عنهم فيه العجب وذكر منهم شريحاً القاضي والحسن البصري وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل وكذلك ذكر السلمي في طبقات الصوفية وإبراهيم بن أدهم ومعروفاً الكرخي وجعلهم من الصوفية بأن أشار إلى أنهم من الزهاد.
فالتصوف مذهب معروف يزيد على الزهد ويدل على الفرق بينهما أن الزهد لم يذمه أحد وقد ذموا التصوف على ما سيأتي ذكره وصنف لهم عبد الكريم بن هوازن القشيري كتاب الرسالة فذكر فيها العجائب من الكلام في الفناء والبقاء، والقبض، والبسط، والوقت، والحال والوجد والوجود، والجمع، والتفرقة، والصحو، والسكر، والذوق، والشرب، والمحو، والإثبات، والتجلي، والمحاضرة، والمكاشفة، واللوائح، والطوالع، واللوامع، والتكوين، والتمكين والشريعة، والحقيقة، إلى غير ذلك من التخليط الذي ليس بشيء وتفسيره أعجب منه، وجاء محمد بن طاهر المقدسي فصنف لهم صفة التصوف فذكر فيه أشياء يستحي العاقل من ذكرها سنذكر منها ما يصلح ذكره في مواضعه إن شاء الله تعالى.
وكان شيخنا أبو الفضل بن ناصر الحافظ يقول: كان ابن طاهر يذهب مذهب الإباحة، قال: وصنف كتاباً في جواز النظر إلى المراد أورد فيه حكاية عن يحيى بن معين، قال: رأيت جارية بمصر مليحة صلى الله عليها. فقيل له تصلي عليها، فقال صلى الله عليها وعلى كل مليح، قال شيخنا ابن ناصر: وليس ابن طاهر بمن يحتج به، وجاء أبو حامد الغزالي فصنف لهم كتاب الإحياء على طريقة القوم وملأه بالأحاديث الباطلة وهو لا يعلم بطلانها، وتكلم في علم المكاشفة وخرج عن قانون الفقه. وقال: إن المراد بالكوكب والشمس والقمر اللواتي رآهن إبراهيم صلوات الله عليه أنوار هي حجب الله عز وجل ولم يرد هذه المعروفات. وهذا من جنس كلام الباطنية. وقال في كتابه المفصح بالأحوال: إن الصوفية في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء ويسمعون منهم أصواتاً ويقتبسون منهم فوائد، ثم يترقى الحال من مشاهدة الصورة إلى درجات يضيق عنها نطاق النطق.
قال المصنف: وكان السبب في تصنيف هؤلاء مثل هذه الأشياء قلة علمهم بالسنن والإسلام والآثار وإقبالهم على ما استحسنوه من طريقة القوم. وإنما استحسنوها لأنه قد ثبت في النفوس مدح الزهد وما رأوا حالة أحسن من حالة هؤلاء القوم في الصورة ولا كلاما أرق من كلامهم. وفي سير السلف نوع خشونة، ثم إن ميل الناس إلى هؤلاء القوم شديد لما ذكرنا من أنها طريقة ظاهرها النظافة والتعبد وفي ضمنها الراحة والسماع والطباع تميل إليها. وقد كان أوائل الصوفية ينفرون من السلاطين والأمراء فصاروا أصدقاء (أي بعد أن صار التصوف حرفة وتكسباً صاحبوا الأمراء والسلاطين).
وجمهور هذه التصانيف التي صنفت لهم لا تستند إلى أصل وإنما هي واقعات تلقفها بعضهم عن بعض ودونوها وقد سموها بالعلم الباطن. والحديث بإسناد إلى أبي يعقوب إسحق بن حية قال سمعت أحمد بن حنبل وقد سئل عن الوساوس والخطرات. فقال: ما تكلم فيها الصحابة ولا التابعون.
قال المصنف: وقد روينا في أول كتابنا هذا عن ذي النون نحو هذا، وروينا عن أحمد بن حنبل أن سمع كلام الحارث المحاسبي. فقال لصاحب له. لا أرى لك أن تجالسهم. وعن سعيد بن عمرو البردعي، قال شهدت أبا زرعة، وسئل عن الحارث المحاسبي وكتبه، فقال للسائل: إياك وهذه الكتب. هذه الكتب كتب بدع وضلالات، عليك بالأثر فإنك تجد فيه ما يغنيك عن هذه الكتب. وقيل له. في هذه الكتب عبرة. قال: من لم يكن له في كتاب الله عز وجل عبرة فليس له في هذه الكتب عبرة. بلغكم أن مالك بن أنس، وسفيان الثوري، والأوزاعي، والأئمة المتقدمة، صنفوا هذه الكتب في الخطرات والوساوس وهذه الأشياء هؤلاء قوم خالفوا أهل العلم يأتوننا مرة بالحارث المحاسبي ومرة بعبد الرحيم الدبيلي ومرة بحاتم الأصم ومرة بشقيق، ثم قال: ما أسرع الناس إلى البدع.
أخبرنا محمد بن عبد الباقي ثنا أبو محمد رزق الله بن عبد الوهاب التميمي عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: أول من تكلم في بلدته في ترتيب الأحوال ومقامات أهل الولاية ذو النون المصري فأنكر عليه ذلك عبد الله بن عبد الحكم وكان رئيس مصر وكان يذهب مذهب مالك وهجره لذلك علماء مصر لما شاع خبره أنه أحدث علماً لم يتكلم فيه السلف حتى رموه بالزندقة. قال السلمي: وأخرج أبو سليمان الداراني من دمشق. وقالوا إنه يزعم أنه يرى الملائكة وأنهم يكلمونه، وشهد قوم على أحمد بن أبي الحواري: إنه يفضل الأولياء على الأنبياء فهرب من دمشق إلى مكة، وأنكر أهل بسطام على أبي يزيد البسطامي ما كان يقول حتى إنه ذكر للحسين بن عيسى أنه يقول: لي معراج كما كان للنبي صلى الله عليه وسلم معراج فأخرجوه من بسطام، وأقام بمكة سنتين ثم رجع إلى جرجان فأقام بها إلى أن مات الحسين بن عيسى ثم رجع إلى بسطام، قال السلمي: وحكى رجل عن سهلي بن عبد الله التستري أنه يقول: إن الملائكة والجن والشياطين يحضرونه وإنه يتكلم عليهم فأنكر ذلك عليه العوام حتى نسبوه إلى القبائح فخرج إلى البصرة فمات بها، قال السلمي: وتكلم الحارث المحاسبي في شيء من الكلام والصفات فهجره أحمد بن حنبل فاختفى إلى أن مات.
قال المصنف: وقد ذكر أبو بكر الخلال في كتاب السنة عن أحمد بن حنبل أنه قال: حذروا من الحارث أشد التحذير، الحارث أصل البلية يعني في حوادث كلام جهم ذاك جالسه فلان وفلان وأخرجهم إلى رأي جهم ما زال مأوى أصحاب الكلام، حارث بمنزلة الأسد المرابط انظر أي يوم يثب على الناس" (تلبيس إبليس 167/163).
وقال في كتابه تلبيس إبليس، بعد أن ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في السماع والرقص والوجد: (( قال الفقهاء من أصحابنا لا تقبل شهادة المغني والرقاص والله الموفق)) .
وجنوحهم إلى كشف حجاب الحس ، وظهور الخوارق على أيديهم والتصرفات في عالم العناصر ، وتدوين الكتب والاصطلاحات ومزاعمهم في تنـزل الوجود عن الواحد وترتيبه. وزعموا أن الكمال الأسمائي مظاهر أرواح والأفلاك والكواكب وأن طبائع الحروف وأسرارها سارية في الأسماء فهي سارية في الأكوان )). (المقدمة لابن خلدون صفحة:930)
يقول الإمام الأشعري : (( وكان في الصوفية رجلٌ يُعرف بـأبي شعيب: يزعم أنَّ الله يُسرُّ ويَفرح بطاعة أوليائه، ويغتمُّ، ويحزن إذا عصَوْه )) يعني: كَفَرح المخلوقين وكغَمِّهم.
يقول: ((وفي النُّساك قومٌ يزعمون أنَّ العبادة تبلغ بهم إلى منـزلةٍ تزول عنهم العبادات، وتكون الأشياء المحظورات على غيرهم من الزنا، وغيره مباحات لهم.
وفيهم من يزعم: أنَّ العبادة تبلغُ بهم إلى أنْ يروا الله سُبْحَانَهُ، ويأكلوا مِن ثمار الجنَّة، ويعانِقوا الحورَ العين في الدنيا، ويحارِبوا الشياطين.
ومنهم مَن يزعم: أنَّ العبادة تبلغ بهم إلى أن يكونوا أفضلَ مِن النَّبيِّين، والملائكة المقرَّبين )).
وكلام الإمام الأشعري ، هذا يؤكِّد ما قاله الإمام خشيش ، ويذكر عنهم قضية سقوط التكاليف وسقوط التعبدات، وأنَّ الإنسان يترقَّى، كما تقول الصوفية أنَّ الله تعالى يقول: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99]، فإذا جاء اليقين أو إذا وصلت إلى الحقيقة: سقطتْ عنك الشريعة؛ لأنَّ الصوفي عندهم يبدأ مُريداً، ثمَّ سالكاً، ثم واصلاً، والواصل: أي: الذي وصل إلى الحقيقة، وسقطت عنه التكاليف، وسقطت عنه التعبدات.
هذا قول الإمام الأشعري -وهو المتوفى سنة (324 هـ)- وهو ما يزال متقدماً بالنِّسبة لانتشار الصوفية.
العز بن عبد السلام
جاء في كتاب المعيار المُعَرّب (11/29):
سُئل الشيخ عز الدين ابن عبد السلام عن جماعة من أهل الخير والصلاح والورع يجتمعون في وقت فينشدُ لهم مُنشد:
فأجاب: ((الرقص بدعة لا يتعاطاه إلا ناقص عقل، ولا يصلح إلا للنساء ..))
وهي كذلك في فتاويه صفحة (163) وقد نقلها وأثبتها الحافظ التونسي الزبيدي رحمه الله ، في كتابِه (المرآة إظهار الضلالات).
يدّعي بعض الصوفيّة أن الإمام العز ابن عبد السلام كان يتواجد ويرقص في مجالس السماع ، ويتّخِذُون من ذلك حجّة على إباحة الرقص في مجالس الذكر عندهم . والحقيقة أن الذي ادّعوه غير صحيح ، وكل من يعرف سيرة الإمام العز ابن عبد السلام ، يدرك تماماً أن هذا الكلام كذب عليه ، وأن إلصاق هذه التهمة بهذا الإمام إنما هو للتغرير بالعامّة من الناس.
وأكبر دليل على كذب الصوفية ، أن العز رحمه الله ، قد نصَّ في أهم كتبه على تحريم ذلك فقال: ((وأما الرقص و التصفيق فَخِفَّةٌ ورعونة ، مُشْبِهَةٌ لرعونة الإناث لا يفعلها إلا راعن أو متصنع كذّاب ، كيف يتأتى الرقص المتَّزن بأوزان الغناء ، ممن طاش لُبُّه وذهب قلبه ، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "خير الناس قرني ، ثمّ الذين يلونهم ،ثم الذين يلونهم". متفق عليه، ولم يكن واحد من هؤلاء الذين يقلدونهم يفعل شيئاً من ذلك)). انتهى
(قواعد الأحكام في مصالح الأنام: 2ـ 186).
الإمام الشافعي
وأما الإمام الشافعي فقد أدرك بدايات التصوف وكان من أكثر العلماء والأئمة إنكاراً على الصوفية ، ورويت عنه أقوال كثيرة منها:
روى البيهقي في مناقب الشافعي (2 ـ208) أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا محمد جعفر بن محمد بن الحارث يقول: سمعت أبا عبد الله: الحسين بن محمد بن بحر يقول: سمعت يونس بن عبد الله الأعلى يقول: سمعت الشافعي يقول: لو أن رجلاً تصوَّف من أول النهار لم يأت عليه الظهر إلا وجدته أحمق .
أخبرنا محمد بن عبد الله قال: سمعت أبا زرعة الرازي يقول: سمعت أحمد بن محمد بن السندي يقول: سمعت الرَّبيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: ما رأيت صوفياً عاقلاً قط إلا مسلم الخوَّاص.
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت أبا عبد الله الرازي يقول: سمعت إبراهيم بن المولد يحكي عن الشافعي أنه قال: لا يكون الصوفي صوفياً حتى يكون فيه أربع خصال كسول أكول نئوم كثير الفضول.
وروى ابن الجوزي (تلبيس إبليس صفحة: 371) عن الشافعي قوله: "ما لزم أحد الصوفيين أربعين يوماً فعاد عقله أبداً.
وقال رحمه الله: ((تركت بالعراق شيئاً يقال له (التغبير) ، أحدثه الزنادقة، ويصدُّون الناس عن القرآن" روى ذلك الخلال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ((36))، وأبو نعيم في الحلية ((9ـ146)) وابن الجوزي ((244-249))
وروى أبو بكر الأثرم قال : سمعت أبا عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - يقول : " التغبير محـدث " ـ ومنه قوم يغبرون بذكر الله ، أي يهـللون ويرددون الصوت بالقراءة ونحوها ـ .
وقال أبو الحارث : سألت أبا عبد الله عن التغبير وقلت: إنه ترق عليه القلوب. فقال: " هو بدعــة " وروى غيره أنه كرهه ، ونهى عن إسماعه .
وقال يزيد بن هارون : " ما يغبر إلا فاسق ، ومتى كان التغبــير ؟ " .
وقال عبد الله بن داود : " أرى أن يضرب صاحب التغبير "
القاضي عياض
يقول : (( الشيخ أبو حامد ذو الأنباء الشنيعة ، والتصانيف الفظيعة غلا في طريق التصوف وتجرد لنصر مذهبهم وصار داعية في ذلك وألّف فيه تواليفه المشهورة . أُخذ عليه فيها مواضع وساءت به ظنون أمّه ، والله أعلم بسره . ونفذ أمر السلطان عندنا بالمغرب وفتوى الفقهاء بإحراقها والبعد عنها فامتثل ذلك )) .
(سير أعلام النبلاء: 19ـ327)
القرطبي أبو عبد الله ، صاحب التفسير
يقول الإمام القرطبي رحمه الله: فأما طريقة الصوفيّة أن يكون الشيخ منهم يوماً وليلة، وشهراً، مفكّراً، لا يفتر، فطريقةٌ بعيدة عن الصواب، غير لائقة بالبشر، ولا مستمرة على السنن.
الجامع لأحكام القرآن: (4/315).
ويقول رحمه الله: وهذا السجود المنهيّ عنه، قد اتخذه جُهَّالُ المتصوّفة، عادةً في سماعهم، وعند دخولهم على مشايخهم واستغفارهم، فيرى الواحد منهم إذا أَخذه الحال بزعمه، يسجد للأقدام لجهله، سواء أكان للقبلة أم غيرها، جهالة منه، ضَلَّ سَعْيُهم، وخاب عملهم.
الجامع لأحكام القرآن: (1/293-294).
قال ابن عطيّة: استدلَّ العُبَّادُ في تأديب أَنفسهم بالبأساء في تفريق الأَموال، والضراء في الحمل على الأَبدان بالجوع والعُري بقوله تعالى: { وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42)} .
قُلتُ- أي الإمام القُرطبي -:
هذه جهالة ممن فعلها، وجعل هذه الآية أصلاً لها، هذه عقوبة من الله لمن شاء من عباده أن يمتحنهم بها، ولا يجوز لنا أن نمتحن أَنفسنا ونكافئها قياساً عليها، فإنها المطية التي نبلغ عليها دار الكرامة، ونفوز بها من أَهوالِ يومِ القيامة، وفي التنزيل: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً} .
وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ } (267) .
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ }
فأمرَ المؤمنين بما خاطب بهِ سيد المرسلين، وكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأَصحابه يأكلون الطيبات، ويلبسون أحسنَ الثياب، ويتجمّلونَ بها، وكذلك التابعون بعدهم إلى هلمّ جراً.
ولو كان كما زعموا واستدلوا، لما كان في امتنان الله تعالى بالزّروع والجنّات وجميع الثمار والنبات والأنعام التي سخرها، وأَباح لنا أكلها وشرب ألبانها والدفء بأصوافها،إلى غير ذلك مما امتنّ به، كبير فائدة، فلو كان ما ذهبوا إليه فيه الفضل لكان أولى به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه ومن بعدهم من التابعين والعلماء.
الجامع لأحكام القرآن: (6/424-425) .
الحافظ ابن حجر
يقول الحافظ رحمه الله نقلاً عن القرطبي رحمه الله: ((وأما ما ابتدعه الصوفية في ذلك فمن قبيل ما لا يختلف في تحريمه ، لكن النفوس الشهوانية غلبت على كثير ممن ينسب إلى الخير ، حتى لقد ظهرت من كثير منهم فعلات المجانين والصبيان ، حتى رقصوا بحركات متطابقة وتقطيعات متلاحقة ، وانتهى التواقح بقوم منهم ، إلى أن جعلوها من باب القرب ، وصالح الأعمال ، وأن ذلك يثمر سني الأحوال ، وهذا على التحقيق من آثار الزندقة ، وقول أهل المخرفة ، والله المستعان)) . اهـ
قال الحافظ ابن حجر: وينبغي أن يعكس مرادهم ويقرأ سيء الأحوال.
فتح الباري (جزء2صفحة442).
أبو بكر الطرطوشي
سئل الإمام أبو بكر الطُّرْطوشي رحمه الله:
ما يقول سيدنا الفقيه في مذهب الصوفية؟
وأعلم-حرس الله مدته- أنه اجتمع جماعة من رجال،فيكثرون من ذكر الله تعالى،وذكر محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم إنهم يوقعون بالقضيب على شيءٍ من الأَديم،ويقوم بعضهم يرقص ويتواجد،حتى يقع مغشيّاً عليه،ويحضرون شيئاً يأكلونه.
هل الحضور معهم جائز أم لا؟
أفتونا مأجورين،يرحمكم الله.
الجـــــــــواب:
يرحمك الله، مذهب الصوفية بطالة وجهالة وضلالة، وما الإسلام إلا كتاب الله، وسنة رسوله، وأما الرقص والتواجد، فأَوّل مَنْ أَحثه أصحاب السامريّ، لما اتخذ لهم عجلاً جسداً له خوار, قاموا يرقصون حواليه ويتواجدون, فهو دين الكفار, وعبّاد العجل.
وأما القضيب فأوّل مَن اتخذه الزَّنادقة، ليشغلوا به المسلمين عن كتابِ الله تعالى.
وإنما كان يجلس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع أصحابه، كأنما على رؤوسهم الطير من الوقار، فينبغي للسلطان ونوّابه أن يمنعهم من الحضور في المســاجد وغيرها، ولا يحلّ لأَحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم، ولا يعينهم على باطلهم، هذا مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم من أئمة المسلمين،وبالله التوفيق.
المرجع:
كتاب الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي: (11/237-238
الإمام الذهبي
صور من إنكار الإمام الذهبي على الصوفية ، وبيان مخالفتهم لطريقة أهل الزهد والتنسك من المتقدمين ، وتمحيص ما عند المتقدمين من خلل:
قال رحمه الله في ترجمة "حاتم الأصم" من كتابه سير أعلام النبلاء: (11ـ487) بعد أن ذكر قول حاتم الأصم: ((لو أن صاحب خبر جلي إليك لكنت تتحرز منه وكلامك يعرض على الله لا تحترز. فقال الذهبي: قلت: هكذا كانت نكت العارفين وإشاراتهم لا كما أحدث المتأخرون من الفناء والمحو والجمع الذي آل بجهلتهم إلى الاتحاد وعدم السوى)).
وقال الذهبي رحمه الله في السير (22ـ368): ((قال ابن هلال: جلست عنده ـ يعني: أبا الجناب أحمد بن عمر الخوارزمي ـ في الخلوة مراراً, وشاهدت أموراً عجيبة, وسمعت من يخاطبني بأشياء حسنة.
فقال الذهبي معلقاً: قلت: لا وجود لمن خاطبك في خلوتك مع جوعك المفرط, بل هو سماع كلام في الدماغ الذي قد طاش وفاش وبقي قرعة كما يتم للمبرسم والمغمور بالحمى والجنون, فاجزم بهذا, واعبد الله بالسنن الثابتة تفلح)).
وذكر الذهبي في ترجمة "أبي حامد الغزالي" من السير: (19ـ322): قول الغزالي: (وذهبت الصوفية إلى العلوم الإلهامية دون التعليمية فيجلس فارغ القلب مجموع الهم يقول: الله .... الله.... الله... على الدوام ، فليفرغ قلبه ولا يشتغل بتلاوة ولا كتب حديث !! ، قال: فإذا بلغ هذا الحد التزم الخلوة في بيت مظلم وتدثر بكسائه فحينئذ يسمع نداء الحق !!!: (يا أيها المدثر) و (يا أيها المزمل) !!!)).
قال الذهبي معقباً: ((قلت: سيد الخلق إنما سمع: {يَا أيُّهَا المُدَّثِرِ} (المدثر: 1) من جبريل عن الله ، وهذا الأحمق لم يسمع نداء الحق أبدا !! ، بل سمع شيطاناً أو سمع شيئا لا حقيقة من طيش دماغه ، والتوفيق في الاعتصام بالسنة والإجماع) انتهى كلامه رحمه الله .
ونقل كلاما "للطرطوشي" قال فيه: ((وقال محمد بن الوليد الطرطوشي في رسالة له إلى ابن مظفر فأما ما ذكرت من أبي حامد فقد رأيته وكلمته فرأيته جليلا من أهل العلم واجتمع فيه العقل والفهم ومارس العلوم طول عمره وكان على ذلك معظم زمانه ثم بدا له عن طريق العلماء ودخل في غمار العمال ثم تصوف وهجر العلوم وأهلها ودخل في علوم الخواطر وأرباب القلوب ووساوس الشيطان ثم شابها بآراء الفلاسفة ورموز الحلاج وجعل يطعن على الفقهاء والمتكلمين ولقد كاد أن ينسلخ من الدين فلما عمل " الإحياء " عمد يتكلم في علوم الأحوال ومرامز الصوفية أنيس بها ولا خبير بمعرفتها فسقط على أم رأسه وشحن كتابه بالموضوعات)).
قال الذهبي: ((قلت أما " الإحياء " ففيه من الأحاديث الباطلة جملة وفيه خير كثير لولا ما فيه من آداب ورسوم وزهد من طرائق الحكماء و منحرفي الصوفية نسأل الله علما نافعا تدري ما العلم النافع هو ما نزل به القرآن وفسره الرسول صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا ولم يأت نهي عنه قال عليه السلام من رغب عن سنتي فليس مني فعليك يا أخي بتدبر " كتاب الله " و بإدمان النظر في " الصحيحين " و " سنن النسائي " و " رياض " النواوي و " أذكاره " تفلح وتنجح ، وإياك وآراء عباد الفلاسفة ، ووظائف أهل الرياضات ، وجوع الرهبان ، وخطاب طيش رؤوس أصحاب الخلوات فكل الخير في متابعة الحنيفية السمحة ، فواغوثاه بالله اللهم اهدنا إلى صراطك المستقيم)).
وقال في ترجمة "سعيد بن عبد العزيز الحيري" (14ـ62) لما ذكر قول أبي نعيم الحافظ فيه من قوله: ((تخرج به جماعة من الأعلام كإبراهيم بن المولد وكان ملازماً للشرع متبعاً له.
قال الذهبي: قلت: يعني أنه كان سليماً من تخبيطات الصوفية وبدعهم)).
وقال الذهبي في ترجمة "ابن الأعرابي" (15ـ407ـ412) في التمييز بين التصوف المحدث ، والتنسك والتعبد الشرعي: ((قلت: إي والله دققوا وعمقوا وخاضوا في أسرار عظيمة ما معهم على دعواهم فيها سوى ظن وخيال ولا وجود لتلك الأحوال من الفناء والمحو والصحو والسكر إلا مجرد خطرات ووساوس ما تفوه بعباراتهم صديق ، ولا صاحب ، ولا إمام من التابعين ، فان طالبتهم بدعاويهم مقتوك ، وقالوا: محجوب ، وإن سلمت لهم قيادك تخبط ما معك من الإيمان ، وهبط بك الحال على الحيرة والمحال ، ورمقت العباد بعين المقت ، وأهل القرآن والحديث بعين البعد ، رجاء مساكين محجوبون ، فلا حول ولا قوة إلا بالله ، فإنما التصوف والتأله والسلوك والسير والمحبة ما جاء عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من الرضا عن الله ولزوم تقوى الله والجهاد في سبيل الله والتأدب بآداب الشريعة من التلاوة بترتيل وتدبر والقيام بخشية وخشوع وصوم وقت وإفطار وقت وبذل المعروف وكثرة الإيثار وتعليم العوام والتواضع للمؤمنين والتعزز على الكافرين ومع هذا فالله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ، والعالم إذا عري من التصوف والتأله فهو فارغ كما أن الصوفي إذا عري من علم السنة زل عن سواء السبيل) .
قال الذهبي رحمه الله عن سيد الصوفية "ابن عربي الطائي" (23 ـ 48): ((وكان ذكياً كثير العلم كتب الإنشاء لبعض الأمراء بالمغرب ثم تزهد وتفرد وتعبد وتوحد وسافر وتجرد واهتم وأنجد وعمل الخلوات ، وعلِق شيئا كثيرا في تصوف أهل الوحدة ، ومن أردإ تواليفه كتاب ((الفصوص)) فإن كان لا كفر فيه فما في الدنيا كفر!!! نسأل الله العفو والنجاة . فواغوثاه بالله ، وقد عظمه جماعة وتكلفوا لما صدر منه ببعيد الاحتمالات)). انتهى .
وقال الذهبي في ترجمة"الحكيم الترمذي" (13ـ442): ((كذا تُكلم في السُلمي من أجل تأليفه كتاب حقائق التفسير فياليته لم يؤلفه ، فنعوذ بالله من الإشارات الحلاجية ، والشطحات البسطامية ، وتصوف الاتحادية ، فواحزناه على غربة الإسلام والسنة)).
ابن الحاج
الإمام ابن الحاج المالكي ، أحد العلماء الذين أكثر النقل عنهم الحافظ ابن حجر في كتابه فتح الباري ، من أشهر كتبه كتاب المدخل ، والذي رد فيه كثير من بدع الصوفية.
قال رحمه الله في كتابه (المدخل: 3ـ99) وهو يتكلم عن الصوفية وبدعة الغناء والرقص.
((وقد ذكر أن بعض الناس عمل فتوى في سنة إحدى وستين وستمائة ومشى بها على الأربع مذاهب و لفظها: " ما تقول السادة الفقهاء أئمة الدين و علماء المسلمين وفقهم الله لطاعته وأعانهم على مرضاته في جماعة من المسلمين وردوا إلى بلد فقصدوا إلى المسجد وشرعوا يصفقون ويغنون ويرقصون تارة بالكف وتارة بالدفوف والشبابة فهل يجوز ذلك في المساجد شرعاً أفتونا مأجورين يرحمكم الله تعالى"
فقالت الشافعية: السماع لهو مكروه يشبه الباطل من قال به ترد شهادته و الله اعلم .
وقال المالكية: يجب على ولاة الأمور زجرهم و إخراجهم من المساجد حتى يتوبوا و يرجعوا والله أعلم .
وقالت الحنابلة: فاعل ذلك لا يصلى خلفه ولا تقبل شهادته ولا يقبل حكمة وإن كان حاكما وإن عقد النكاح على يده فهو فاسد والله أعلم .
وقالت الحنفية: الحصر التي يرقص عليها لا يصلى عليها حتى تغسل والأرض التي يرقص عليها لا يصلى عليها حتى يحفر ترابها ويرمى ، والله اعلم)).
الإمام المفسر أبو حيان الأندلسي
قال الإمام أبو حيّان الأندلسي في كتابه (التفسير الكبير المسمّى بالبحر المحيط) وفي ذيله أيضاً المسمّى (النهر المادّ) الجزء: 3 صـفحة: 448 ، في تفسير سورة النساء عند قوله تعالى: {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم }: ((و مِنْ بعضِ اعتقادِ النصارى استنبطَ مَنْ تستّر بالإسلام ظاهراً وانتمى إلى الصوفية حُلولَ الله تعالى في الصور الجميلة ، ومن ذهب من ملاحدتهم إلى القول بالاتحاد والوحدة ، كالحلاج والشوذي وابن أحلى وابن عربي المقيم بدمشق وابن الفارض ، وأتباع هؤلاء كابن سبعين وتلميذه التستري وابن المطرّف المقيم بمرسية والصفّار المقتول بغرناطة وابن لباج وابن الحسن المقيم بلوزقة ، وممن رأيناه يُرمى بهذا المذهب الملعون العفيف التلمساني وله في ذلك أشعار كثيرة ، وابن عيّاش المالقي الأسود القطيع المقيم بدمشق ، وعبد الواحد بن المؤخر المقيم بصعيد مصر والأيكي العجمي الذي كان تولى المشيخة بخانقاه سعيد السعداء بالقاهرة من ديار مصر وأبو يعقوب بن مبشّر تلميذ التستري المقيم بحارة زويلة بالقاهرة ، والشريف عبد العزيز المنوني وتلميذه عبد الغفّار القوصي ؛ وإنما سردت أسماء هؤلاء نصحاً لدين الله ، يعلم الله ذلك ، وشفقة على ضعفاء المسلمين ليحذروهم فهم شرٌّ من الفلاسفة الذين يكذّبون الله ورسوله ويقولون بقدم العالم ، وينكرون البعث ؛ وقد أُولِعَ جهلة ممن ينتمي للتصوف بتعظيم هؤلاء ، وادّعائهم أنهم صفوة الله وأولياؤه، والردّ على النصارى والحلولية والقائلين بالوحدة هو من علم أصول الدين)). ا.هـ
وقال أبو حيان في تفسيره (البحر المحيط: 4ـ145) عند تفسير قوله تعالى {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو} : ((ولقد يظهر من هؤلاء المنتسبة إلى الصوف أشياء من ادعاء علم المغيبات و الاطلاع على علم عواقب أتباعهم وأنهم معهم في الجنة يخبرون على رؤوس المنابر ولا ينكر ذلك أحد هذا مع خلوهم من العلوم يوهمون أنهم يعلمن الغيب. !!!!!)).
وقال في (2ـ93): ((فلو عاش قتادة إلى هذا العصر وسمع ما أحدث هؤلاء المنسوبون إلى الصوف من الدعاوى والكلام المبهرج الذي لا يرجع إلى كتاب الله ولا إلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم و التجري على الإخبار الكاذب عن المغيبات لقضي من ذلك العجب)).
وقال رحمه الله تعالى في تفسير سورة "الأعراف": ((وقد ظهر في هذا الزمان العجيب ناس يتسمون بالمشايخ ، يلبسون ثياب شهرة عند العامة بالصلاح ، ويتركون الاكتساب ، ويرتبون أذكاراً لم ترد في الشريعة ، يجهرون بها في المساجد ، ويجمعون لهم خدّاماً يجلبون الناس إليهم لاستخدامهم ، ونتش أموالهم ، ويذيعون عنهم كرامات ، ويرون الوصول إلى الله تعالى بأمور يقررونها في خلوات ، وأذكارٍ لم يأت بها كتاب منـزل ، ولا نبي مرسل ، ويتعاظمون على الناس بالانفراد على سجادة ، ونصب أيديهم للتقبيل ، وقلة الكلام ، وإطراق الرؤوس ، وتعيين خادم يقول: الشيخ مشغول في الخلوة . ورسم الشيخ. قال الشيخ . الشيخ له نظر إليك . الشيخ كان البارحة يذكرك . إلى نحو هذه الألفاظ التي يحشدون العامة ، ويجلبون بها عقول الجهلة ، هذا إن سلم الشيخ من الاعتقاد الذي غلب على متصوفة هذا الزمان: من الحلول ، والقول بوحدة الوجود ، فإذ ذاك: يكون منسلخاً عن شريعة الإسلام بالكلية ، والعجب لمثل هؤلاء كيف ترتب لهم الرواتب ، وتبنى لهم الرُّبط ، وتوقف عليهم الأوقاف ، وتخدمهم الناس مع عدولهم عن سائر الفضائل)).
القاضي ابن العربي
قال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي رحمه الله:
(( وكذلك نقطع بتكفير كل من كَذّب ، وأنكر قاعدة من قواعد الشرع ... ثم قال: وأجمع فقهاء بغداد أيام المقتدر من الماليكة وقاضي قضاتها أبو عمرو المالكي على قتل الحلاّج وصلبه لدعواه الإلهية ، والقول بالحلول ، وقوله: أنا مع الحق. مع تمسّكه في الظاهر بالشريعة ، ولم يقبلوا توبته )) . انتهى.
وقال رحمه الله: ((شيخُنا أبو حامد ـ يعني الغزالي ـ: بَلَعَ الفلاسفةَ، وأراد أن يتقيَّأهم فما استطاع))
(سير أعلام النبلاء: 19/327).
العلامة محمود شكري الألوسي
العلامة محمود الألوسي مفتي بغداد الذي كشف أن الصوفية أصحاب كذب وتدجيل، عندهم تقية كتقية الروافض، فيقول كم في تفسيره 11/72-73 في تفسير آية {لهو الحديث} :
(( وأشنع من ذلك ما يفعله أبالسة المتصوفة ومردتهم، ثم إنهم -قبحهم الله تعالى- إذا اعترض علهم بما اشتمل عليه نشيدهم من الباطل يقولون: نعني بالخمر: المحبة الإلهية، أو بالسكر: غلبتها، أو بميّة وليل وسعدى مثلاً: المحبوب الأعظم وهو الله عز وجل!
وفي ذلك من سوء الأدب ما فيه {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه } .
وفي صفحة ((75)) قال: (( ومن السماع المحرم سماع متصوفة زماننا؛ وإن خلا عن رقص، فإنَّ مفاسده أكثر من أن تحصى، وكثير ما ينشدون من الأشعار من أشنعِ ما يتلى، ومع هذا يعتقدونه قُربة، ويزعمون أنَّ أكثرهم رغبة فيه أشدهم رغبة أو رهبة، قاتلهم الله أنى يؤفكون )) .
برهان الدين البقاعي المتوفي سنة 885هـ:
ألف هذا الإمام كتاباً فذاً فريداً سماه (تنبيه الغبي بتكفير عمر بن الفارض وابن عربي) قال في خطبة هذا الكتاب عن ابن عربي:
"وكان كفره في كتابه الفصوص أظهر منه في غيره، أحببت أن أذكر منه ما كان ظاهراً، حتى يعلم حاله، فيهجر مقاله، ويعتقد انحلاله، وكفره وضلاله، وأنه إلى الهاوية مآله ومآبه، امتثالاً لما رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)). "
أبو زرعة الرازي
قال البرذعي : سئل أبو زرعة عن المحاسبي وكتبه ، فقال للسائل : إياك وهذه الكتب ، هذه كتب بدع وضلالات ، عليك بالأثر فإنك تجد فيه ما يغنيك عن هذه الكتب. قيل له : في هذه الكتب عبرة ، فقال : من لم يكن له في كتاب الله عبرة فليس له في هذه عبرة ، بلغكم أن مالك بن أنس أو سفيان الثوري أو الأوزاعي أو الأئمة صنفوا كتباً في الخطرات والوساوس وهذه الأشياء ، هؤلاء قوم قد خالفوا أهل العلم ....... ثم قال: ما أسرع الناس إلى البدع.
"تهذيب التهذيب" (2ـ135)
قال الذهبي مُعلقاً على كلام أبي زرعة في ميزان الاعتدال (1ـ431):
(( وأين مثل الحارث؟ فكيف لو رأى أبو زرعة تصانيف المتأخرين كالقوت لأبي طالب، وأين مثل القوت! كيف لو رأى بهجة الأسرار لابن جهضم ، وحقائق التفسير للسلمي لطار لُبُّه.
كيف لو رأى تصانيف أبي حامد الطوسي في ذلك على كثرة ما في الإحياء من الموضوعات؟!! (يعني كتاب أبو حامد الغزالي الطوسي الإحياء)
كيف لو رأى الغنية للشيخ عبد القادر!كيف لو رأى فصوص الحكم والفتوحات المكية؟!
بلى لما كان لسان الحارث لسان القوم في ذلك العصر كان معاصره ألف إمام في الحديث، فيهم مثل أحمد بن حنبل وابن راهويه، ولما صار أئمة الحديث مثل ابن الدخميس، وابن حانه كان قطب العارفين كصاحب الفصوص وابن سفيان. نسأل الله العفو والمسامحة آمين.))
الإمام أحمد بن حنبل
وأما الإمام أحمد بن حنبل فقد كان لهم بالمرصاد فقد قال عندما بدأ الحارث المحاسبي يتكلم في هذه الخطرات: ((ما تكلم فيها الصحابة ولا التابعون". وحذر من مجالسة الحارث المحاسبي وقال لصاحب له: "لا أرى لك أن تجالسهم)).
وذكر أبو بكر الخلال في كتاب السنة عن أحمد بن حنبل أنه قال: ((حذروا من الحارث أشد التحذير!! الحارث أصل البلبلة ـ يعني في حوادث كلام جهم ـ ذاك جالسه فلان وفلان وأخرجهم إلى رأي جهم ما زال مأوى أصحاب الكلام. حارث بمنـزلة الأسد المرابط انظر أي يوم يثب على الناس!!" (تلبيس إبليس 166-167).
وهذا الكلام من الإمام أحمد يكشف فيه القناع أيضاً عن أن الحارث المحاسبي الذي تسربل ظاهراً بالزهد والورع والكلام في محاسبة النفس على الخطرات والوساوس كان هو المأوى والملاذ لأتباع جهم بن صفوان المنحرفين في مسائل الأسماء والصفات والنافين لها، وهكذا كان التصوف دائماً هو الظاهر الخادع للحركات والأفكار الباطنية.
ولذلك وقف الإمام أحمد لهؤلاء الأشرار الظاهرين منهم والمتخفين بالزهد والورع وأمر بهجر الحارث المحاسبي وشدد النكير عليه فاختفى الحارث إلى أن مات. (تلبيس إبليس 167).
وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: ((قبور أهل السنة من أهل الكبائر روضة ، وقبور أهل البدعة من الزهاد حفرة ، فسّـاق أهل السنــة أوليـاء الله ، وزهــاد أهل البدع أعداء الله)).اهـ طبقات الحنابلة (1/184) الفروع (2/149)
الإمام أبو الفرج ابن الجوزي
وأما الإمام أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي البغدادي المتوفي سنة 597هـ فقد كتب كتاباً فريداً سماه (تلبيس إبليس) خص الصوفية بمعظم فصوله وبين تلبيس الشيطان عليه وكان مما ذكره هذه الصفحات:
"وكان أصل تلبيسه عليهم أنه صدهم عن العلم وأراهم أن المقصود العمل فلما أطفأ مصباح العلم عندهم تخبطوا في الظلمات. فمنهم من أراه أن المقصود من ذلك ترك الدنيا في الجملة فرفضوا ما يصلح أبدانهم. وشبهوا المال بالعقارب، ونسوا أنه خلق للمصالح وبالغوا في الحمل على النفوس حتى إنه كان فيهم من لا يضطجع. وهؤلاء كانت مقاصدهم حسنة غير أنهم على غير الجادة. وفيهم من كان لقلة علمه يعمل بما يقع إليه من الأحاديث الموضوعة وهو لا يدري. ثم جاء أقوام يتكلمون لهم في الجوع والفقر الوساوس والحظوات وصنفوا في ذلك مثل الحارث المحاسبي. وجاء آخرون فهذبوا مذهب التصوف وأفردوه بصفات ميزوه بها من الاختصاص بالمرقعة والسماع والوجد والرقص والتصفيف وتميزوا بزيادة النظافة والطهارة. ثم مازال الأمر ينمى والأشياخ يضعون لهم أوضاعاً ويتكلمون بواقعاتهم. ويتفق بعدهم عن العلماء لا بل رؤيتهم ما هم فيه أو في العلوم حتى سموه العلم الباطن وجعلوا علم الشريعة العلم الظاهر.
ومنهم من خرج به الجوع إلى الخيالات الفاسدة فادعى عشق الحق والهيمان فيه كأنهم تخايلوا شخصاً مستحسن الصورة فهاموا به، وهؤلاء بين الكفر والبدعة، ثم تشعبت بأقوام منهم الطرق، ففسدت عقائدهم، فمن هؤلاء من قال بالحلول ومنهم من قال بالاتحاد. وما زال إبليس يخبطهم بفنون البدع حتى جعلوا لأنفسهم سنناً، وجاء أبو عبد الرحمن السلمي فصنف لهم كتاب السنن، وجمع لهم حقائق التفسير، فذكر عنهم فيه العجب في تفسيرهم القرآن بما يقع لهم من غير إسناد ذلك إلى أصل من أصول العلم. وإنما حملوه على مذاهبهم. والعجب من ورعهم في الطعام وانبساطهم في القرآن. وقد أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: قال لي محمد بن يوسف القطان النيسابوري، قال: كان أبو عبد الرحمن السلمي غير ثقة، ولم يكن سمع من الأصم إلا شيئاً يسيراً فلما مات الحاكم أبو عبد الله بن البيع حدث عن الأصم بتاريخ يحيى بن معين وبأشياء كثيرة سواه. وكان يضع للصوفية الأحاديث.
قال المصنف: وصنف لهم أبو نصر السراج كتاباً سماه لمع الصوفية ذكر فيه من الاعتقاد القبيح والكلام المرذول ما سنذكر منه جملة إن شاء الله تعالى. وصنف لهم أبو طالب المكي قوت القلوب فذكر فيه الأحاديث الباطلة ومالا يستند فيه إلى أصل من صلوات الأيام والليالي وغير ذلك من الموضوع وذكر فيه الاعتقاد الفاسد. وردد فيه قول - قال بعض المكاشفين- وهذا كلام فارغ وذكر فيه عن بعض الصوفية أن الله عز وجل يتجلى في الدنيا لأوليائه. أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: قال أبو طاهر محمد بن العلاف. قال: دخل أبو طالب المكي إلى البصرة بعد وفاة أبي الحسين بن سالم فانتمى إلى مقالته وقدم بغداد فاجتمع الناس عليه في مجلس الوعاظ فخلط كلامه فحفظ عنه أنه قال: ليس على المخلوق أضر من الخالق. فبدعة الناس وهجروه فامتنع من الكلام على الناس بعد ذلك، قال الخطيب: وصنف أبو طالب المكي كتاباً سماه قوت القلوب على لسان الصوفية وذكر فيه أشياء منكرة مستشبعة في الصفات.
قال المصنف: وجاء أبو نعيم الأصبهاني فصنف لهم كتاب الحلية. وذكر في حدود التصوف أشياء منكرة قبيحة ولم يستح أن يذكر في الصوفية أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً وسادات الصحابة رضي الله عنهم. فذكر عنهم فيه العجب وذكر منهم شريحاً القاضي والحسن البصري وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل وكذلك ذكر السلمي في طبقات الصوفية وإبراهيم بن أدهم ومعروفاً الكرخي وجعلهم من الصوفية بأن أشار إلى أنهم من الزهاد.
فالتصوف مذهب معروف يزيد على الزهد ويدل على الفرق بينهما أن الزهد لم يذمه أحد وقد ذموا التصوف على ما سيأتي ذكره وصنف لهم عبد الكريم بن هوازن القشيري كتاب الرسالة فذكر فيها العجائب من الكلام في الفناء والبقاء، والقبض، والبسط، والوقت، والحال والوجد والوجود، والجمع، والتفرقة، والصحو، والسكر، والذوق، والشرب، والمحو، والإثبات، والتجلي، والمحاضرة، والمكاشفة، واللوائح، والطوالع، واللوامع، والتكوين، والتمكين والشريعة، والحقيقة، إلى غير ذلك من التخليط الذي ليس بشيء وتفسيره أعجب منه، وجاء محمد بن طاهر المقدسي فصنف لهم صفة التصوف فذكر فيه أشياء يستحي العاقل من ذكرها سنذكر منها ما يصلح ذكره في مواضعه إن شاء الله تعالى.
وكان شيخنا أبو الفضل بن ناصر الحافظ يقول: كان ابن طاهر يذهب مذهب الإباحة، قال: وصنف كتاباً في جواز النظر إلى المراد أورد فيه حكاية عن يحيى بن معين، قال: رأيت جارية بمصر مليحة صلى الله عليها. فقيل له تصلي عليها، فقال صلى الله عليها وعلى كل مليح، قال شيخنا ابن ناصر: وليس ابن طاهر بمن يحتج به، وجاء أبو حامد الغزالي فصنف لهم كتاب الإحياء على طريقة القوم وملأه بالأحاديث الباطلة وهو لا يعلم بطلانها، وتكلم في علم المكاشفة وخرج عن قانون الفقه. وقال: إن المراد بالكوكب والشمس والقمر اللواتي رآهن إبراهيم صلوات الله عليه أنوار هي حجب الله عز وجل ولم يرد هذه المعروفات. وهذا من جنس كلام الباطنية. وقال في كتابه المفصح بالأحوال: إن الصوفية في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء ويسمعون منهم أصواتاً ويقتبسون منهم فوائد، ثم يترقى الحال من مشاهدة الصورة إلى درجات يضيق عنها نطاق النطق.
قال المصنف: وكان السبب في تصنيف هؤلاء مثل هذه الأشياء قلة علمهم بالسنن والإسلام والآثار وإقبالهم على ما استحسنوه من طريقة القوم. وإنما استحسنوها لأنه قد ثبت في النفوس مدح الزهد وما رأوا حالة أحسن من حالة هؤلاء القوم في الصورة ولا كلاما أرق من كلامهم. وفي سير السلف نوع خشونة، ثم إن ميل الناس إلى هؤلاء القوم شديد لما ذكرنا من أنها طريقة ظاهرها النظافة والتعبد وفي ضمنها الراحة والسماع والطباع تميل إليها. وقد كان أوائل الصوفية ينفرون من السلاطين والأمراء فصاروا أصدقاء (أي بعد أن صار التصوف حرفة وتكسباً صاحبوا الأمراء والسلاطين).
وجمهور هذه التصانيف التي صنفت لهم لا تستند إلى أصل وإنما هي واقعات تلقفها بعضهم عن بعض ودونوها وقد سموها بالعلم الباطن. والحديث بإسناد إلى أبي يعقوب إسحق بن حية قال سمعت أحمد بن حنبل وقد سئل عن الوساوس والخطرات. فقال: ما تكلم فيها الصحابة ولا التابعون.
قال المصنف: وقد روينا في أول كتابنا هذا عن ذي النون نحو هذا، وروينا عن أحمد بن حنبل أن سمع كلام الحارث المحاسبي. فقال لصاحب له. لا أرى لك أن تجالسهم. وعن سعيد بن عمرو البردعي، قال شهدت أبا زرعة، وسئل عن الحارث المحاسبي وكتبه، فقال للسائل: إياك وهذه الكتب. هذه الكتب كتب بدع وضلالات، عليك بالأثر فإنك تجد فيه ما يغنيك عن هذه الكتب. وقيل له. في هذه الكتب عبرة. قال: من لم يكن له في كتاب الله عز وجل عبرة فليس له في هذه الكتب عبرة. بلغكم أن مالك بن أنس، وسفيان الثوري، والأوزاعي، والأئمة المتقدمة، صنفوا هذه الكتب في الخطرات والوساوس وهذه الأشياء هؤلاء قوم خالفوا أهل العلم يأتوننا مرة بالحارث المحاسبي ومرة بعبد الرحيم الدبيلي ومرة بحاتم الأصم ومرة بشقيق، ثم قال: ما أسرع الناس إلى البدع.
أخبرنا محمد بن عبد الباقي ثنا أبو محمد رزق الله بن عبد الوهاب التميمي عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: أول من تكلم في بلدته في ترتيب الأحوال ومقامات أهل الولاية ذو النون المصري فأنكر عليه ذلك عبد الله بن عبد الحكم وكان رئيس مصر وكان يذهب مذهب مالك وهجره لذلك علماء مصر لما شاع خبره أنه أحدث علماً لم يتكلم فيه السلف حتى رموه بالزندقة. قال السلمي: وأخرج أبو سليمان الداراني من دمشق. وقالوا إنه يزعم أنه يرى الملائكة وأنهم يكلمونه، وشهد قوم على أحمد بن أبي الحواري: إنه يفضل الأولياء على الأنبياء فهرب من دمشق إلى مكة، وأنكر أهل بسطام على أبي يزيد البسطامي ما كان يقول حتى إنه ذكر للحسين بن عيسى أنه يقول: لي معراج كما كان للنبي صلى الله عليه وسلم معراج فأخرجوه من بسطام، وأقام بمكة سنتين ثم رجع إلى جرجان فأقام بها إلى أن مات الحسين بن عيسى ثم رجع إلى بسطام، قال السلمي: وحكى رجل عن سهلي بن عبد الله التستري أنه يقول: إن الملائكة والجن والشياطين يحضرونه وإنه يتكلم عليهم فأنكر ذلك عليه العوام حتى نسبوه إلى القبائح فخرج إلى البصرة فمات بها، قال السلمي: وتكلم الحارث المحاسبي في شيء من الكلام والصفات فهجره أحمد بن حنبل فاختفى إلى أن مات.
قال المصنف: وقد ذكر أبو بكر الخلال في كتاب السنة عن أحمد بن حنبل أنه قال: حذروا من الحارث أشد التحذير، الحارث أصل البلية يعني في حوادث كلام جهم ذاك جالسه فلان وفلان وأخرجهم إلى رأي جهم ما زال مأوى أصحاب الكلام، حارث بمنزلة الأسد المرابط انظر أي يوم يثب على الناس" (تلبيس إبليس 167/163).
وقال في كتابه تلبيس إبليس، بعد أن ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في السماع والرقص والوجد: (( قال الفقهاء من أصحابنا لا تقبل شهادة المغني والرقاص والله الموفق)) .