المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : "مقال" شهر الله الحرام محرم - سماحة مفتي العام الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ


كيف حالك ؟

ماجد الدوسري
11-05-2013, 08:36 AM
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه، وعلى آله، وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد:
إن شهر الله المحرّم شهرٌ عظيم مبارك، وهو أول شهور السنة الهجرية، وأحد الأشهر الحُرمِ التي قال الله فيها: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) [التوبة: 36].

وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ" [أخرجه البخاري في " صحيحه " (4662)، ومسلم في " صحيحه " (1679)].
وقوله تعالى: (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)، خَصَّ اللَّه تَعَالَى الْأَرْبَعَة الْأَشْهُر الْحُرُم بِالذِّكْرِ, وَنَهَى عَنْ الظُّلْم فِيهَا تَشْرِيفًا لَهَا وَإِنْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ فِي كُلّ الزَّمَان. [الجامع لأحكام القرآن (4/473)] .

مَا الْحِكْمَة فِي تَسْمِيَة الْمُحَرَّم شَهْر اللَّه وَالشُّهُور كُلّهَا لِلَّهِ؟!
لعل الحكمة في ذلك، إِنَّهُ لَمَّا كَانَ مِنْ الْأَشْهُر الْحُرُم الَّتِي حَرَّمَ اللَّه فِيهَا الْقِتَال، وَكَانَ أَوَّل شُهُور السَّنَة أُضِيفَ إِلَيْهِ إِضَافَة تَخْصِيص وَلَمْ يَصِحّ إِضَافَة شَهْر مِنْ الشُّهُور إِلَى اللَّه –تَعَالَى-، إِلَّا شَهْر اللَّه الْمُحَرَّم. والله أعلم .

قال السيوطي –رحمه الله-: (قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْفَضْل الْعِرَاقِيّ فِي شَرْح التِّرْمِذِيّ: مَا الْحِكْمَة فِي تَسْمِيَة الْمُحَرَّم شَهْر اللَّه وَالشُّهُور كُلّهَا لِلَّهِ؟! يَحْتَمِل أَنْ يُقَال: إِنَّهُ لَمَّا كَانَ مِنْ الْأَشْهُر الْحُرُم الَّتِي حَرَّمَ اللَّه فِيهَا الْقِتَال, وَكَانَ أَوَّل شُهُور السَّنَة أُضِيفَ إِلَيْهِ إِضَافَة تَخْصِيص وَلَمْ يَصِحّ إِضَافَة شَهْر مِنْ الشُّهُور إِلَى اللَّه –تَعَالَى- عَنْ النَّبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَّا شَهْر اللَّه الْمُحَرَّم). أ.هـ [" شرح سنن النسائي" (1613)].

الآثار الواردة في فضل شهر محرم:

1. عن أبي بكرة - رضي الله-عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، والسنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم: ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان" [رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري (10/7) كتاب الأضاحي، حديث رقم (5550)، ورواه مسلم في صحيحه (3/1305) كتاب القسامة، حديث رقم (1679)].
2. عن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله: "أفضل الصيام بعد رمضان، شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة، صلاة الليل" [رواه الإمام أحمد في مسنده (2/ 303). ورواه مسلم في صحيحه (3/821) كتاب الصيام، حديث رقم (1163)].
3. عن عائشة-رضي الله عنها- قالت: (كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية ،فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه) [رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري (4/244) كتاب الصوم، حديث رقم (2002)، واللفظ له. ورواه مسلم في صحيحه (2/792) كتاب الصيام، حديث رقم (1125)].
4. عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: قدِم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: "ما هذا؟". قالوا: هذا يوم صالح. هذا يوم نجي الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال: "فأنا أحق بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه" [رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري (4/244) كتاب الصوم، حديث رقم (2004)، واللفظ له. ورواه مسلم في صحيحه (2/795) كتاب الصيام ،حديث رقم (1130)].
5. عن أبي موسى-رضي الله عنه- قال:كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيداً، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فصوموه أنتم" [رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري (4/244) كتاب الصوم،حديث رقم (2005)،ورواه مسلم في صحيحه (2/796) كتاب الصيام ،حديث رقم (1131)].
6. عن حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية بن أبي سفيان – رضي الله عنهما – يوم عاشوراء، عام حجّ، على المنبر يقول: (يا أهل المدينة ! أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب الله عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر"[رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري (4/244) كتاب الصوم،حديث رقم (2003)،ورواه مسلم في صحيحه (2/795) كتاب الصيام ،حديث رقم (1129)].
7. عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: (ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضَّلة على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء، وهذا الشهر – يعني شهر رمضان) [رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري (4/245) كتاب الصوم،حديث رقم (2006)، ورواه مسلم في صحيحه (2/797) كتاب الصيام ،حديث رقم (1132)].
8. عن الرُّبّيع بنت معوذ – رضي الله عنها – قالت: أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: (من أصبح مفطراً فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائماً فليصم)، قالت: فكنا نصومه بعد ونصوّم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار. [رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري(4/200)كتاب الصوم،حديث رقم (1690)،ورواه مسلم في صحيحه(2/798، 799)كتاب الصيام،حديث رقم(1136)].
9. عن سلمة بن الأكوع – رضي الله عنه – قال: (أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلاً من أسلم أن أذن في الناس أن من أكل فليصم بقية يومه، ومن لم يكن أكل فليصم ،فإن اليوم يوم عاشوراء). [رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري (4/245) كتاب الصوم،حديث رقم (2007) واللفظ له ،ورواه مسلم في صحيحه (2/798) كتاب الصيام ،حديث رقم (1135)].
10. عن أبي قتادة-رضي الله عنه- :عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث من كل شهر، ورمضان إلى رمضان، فهذا صيام الدهر كله، صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفّر السنة التي قبله، والسنة التي بعده، وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفِّر السنة التي قبله" [رواه أحمد في مسنده (5/ 296،297). ورواه مسلم في صحيحه (3/818، 819) كتاب الصيام، حديث رقم (1163)].
11. ما رواه عبد بن عمر – رضي الله عنهما – أن أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء، وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صامه والمسلمون، قبل أن يفترض رمضان، فلما افترض رمضان قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن عاشوراء يوم من أيام الله، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه" [رواه الإمام أحمد في مسنده (2/ 57). ورواه مسلم في صحيحه (2/792، 793) كتاب الصيام، حديث رقم (1136). ورواه أبو داود في سننه (3/ 817، 818) كتاب الصوم، حديث رقم (3443)].
12. عن جابر بن سمرة - رضي الله عنهما- قال: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرنا بصيام يوم عاشوراء، ويحثنا عليه، ويتعاهدنا عنده، فلما فرض رمضان ،لم يأمرنا، ولم ينهنا، ولم يتعاهدنا عنده)، [رواه الإمام أحمد في مسنده (5/ 96). ورواه مسلم في صحيحه (2/794، 795) كتاب الصيام، حديث رقم (1138)].
13. عن ابن عمر-رضي الله عنهما- قال: (صام النبي -صلى الله عليه وسلم- عاشوراء وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك، وكان عبد الله لا يصومه إلا أن يوافق صومه)، [رواه الإمام أحمد في مسنده (2/ 4). ورواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري (4/102) كتاب الصوم، حديث رقم (1892)].
14. ما روي عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه قال: (حين صام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم عاشوراء وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله ! إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فإذا كان العام المقبل، إن شاء الله، صمنا اليوم التاسع". قال: فلم يأت العام المقبل حتى تُوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وفي رواية: "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع"، [رواه الإمام أحمد في مسنده (1/ 236). ورواه مسلم في صحيحه (2/797، 798) كتاب الصيام، حديث رقم (1134)].
15. عن الحكم بن الأعرج قال: انتهيت إلى ابن عباس – رضي الله عنهما – وهو متوسد رداءه عند زمزم، فقلت له: أخبرني عن صوم عاشوراء؟ فقال: إذا رأيت هلال المحرم فاعدد، وأصبح يوم التاسع صائماً. قلت: هكذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصومه؟ قال: (نعم)، [رواه أحمد في مسنده (5/ 439). ورواه مسلم في صحيحه (3/797) كتاب الصيام، حديث (1133)].
16. عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم يوم عاشوراء يوم العاشر)، [- رواه الترمذي في سننه (2/128) أبواب الصوم، حديث رقم (752)، وقال: حديث ابن عباس حديث حسن صحيح].
17. عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا فيه اليهود، وصوموا قبله يوماً أو بعده يوماً"، [رواه أحمد في مسنده (1/ 241). .ورواه ابن خزيمة في صحيحه (3/ 290، 291) ،حديث(2095)].

قال الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله -: (فإن اشتبه عليه أول الشهر صام ثلاثة أيام، وإنما يفعل ذلك ليتيقن صوم التاسع والعاشر)، [المغني:3/174].
وقال ابن قيم -رحمه الله-: (فمن تأمل مجموع روايات ابن عباس، تبَّين له زوال الإشكال، وسعة علم ابن عباس – رضي الله عنهما -، فإنه لم يجعل عاشوراء هو اليوم التاسع ،بل قال للسائل:" صم اليوم التاسع "، واكتفى بمعرفة السائل أن يوم عاشوراء هو اليوم العاشر الذي يعده الناس كلهم يوم عاشوراء، فأرشد السائل إلى صيام التاسع معه، وأخبر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصومه كذلك، فإما أن يكون فعل ذلك هو الأولى، وإما أن يكون حمل فعله على الأمر به، وعزمه عليه في المستقبل، ويدل على ذلك أنه هو الذي روى: " صوموا يوماً قبله ويوماً بعده " وهو الذي روى: " أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصوم يوم عاشوراء يوم العاشر". وكل هذه الآثار عنه، يصدق بعضها بعضاً، ويؤيد بعضها بعضاً. فمراتب صومه ثلاث: أكملها: أن يُصام قبله يوم وبعده يوم، ويلي ذلك أن يُصام التاسع والعاشر، وعليه أكثر الأحاديث، ويلي ذلك إفراد العاشر وحده بالصوم، وأما إفراد التاسع فمن نقص فهم الآثار، وعدم تتبع ألفاظها وطرقها، وهو بعيد من اللغة والشرع، والله الموفق للصواب) .أ.هـ [زاد المعاد :2/75،76].

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا

12d8c7a34f47c2e9d3==