قاسم علي
08-24-2013, 06:14 PM
ذمّ الخوارج في تفسير القرطبي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الخوارج وترك السنن والتعلّق بظاهر القرآن
قال الخطابي قوله أوتيت الكتاب ومثله معه يحتمل وجهين من التأويل:
أحدهما أن معناه أنه أوتي من الوحي المتلو مثل ماأعطي من الظاهر المتلو
والثاني أنه أوتي الكتاب وحيا يتلى وأوتي من البيان مثله أي أذن له أن يبين ما في الكتاب فيعم ويخص ويزيد عليه ويشرع ما في الكتاب فيكون في وجوب العمل به ولزوم قبوله كالظاهر المتلو من القرآن وقوله يوشك رجل شبعان... الحديث يحذر بهذا القول من مخالفة السنن التي سنها مما ليس له في القرآن ذكر على ما ذهبت إليه الخوارج والروافض فإنهم تعلقوا بظاهر القرآن وتركوا السنن التي قد تضمنت بيان الكتاب قال فتحيروا وضلوا (تفسير القرطبي 1/3
الخروج على ولاة الأمور وعدم الصبر على جورهم وسفك الدماء وإثارة الفتنة هو مذهب الخوارج
قوله تعالى لا ينال عهدي الظالمين اختلف في المراد بالعهد.
فروى أبو صالح عن ابن عباس أنه النبوة وقاله السدي مجاهد الإمامة قتادة الإيمان عطاء الرحمة الضحاك دين الله تعالى.
وقيل عهده أمره ويطلق العهد على الأمر قال الله تعالى إن الله عهد إلينا أي أمرنا وقال ألم أعهد إليكم يا نبي آدم يعني ألم أقدم إليكم الأمر به وإذا كان عهد الله هو أوامره فقوله لا ينال عهدي الظالمين أي لا يجوز أن يكونوا بمحل من يقبل منهم أوامر الله ولا يقيمون عليها على ما يأتي بيانه بعد هذا آنفا إن شاء الله تعالى.
وروى معمر عن قتادة في قوله تعالى لا ينال عهدي الظالمين قال لا ينال عهد الله في الآخرة الظالمين فأما في الدنيا فقد ناله الظالم فآمن به وأكل وعاش وأبصر قال الزجاج وهذا قول حسن أي لا ينال أماني الظالمين أي لا أومنهم من عذابي وقال سعيد بن جبير الظالم هنا المشرك وقرأ ابن مسعود وطلحة بن مصرف لا ينال عهدي الظالمون برفع الظالمون الباقون بالنصب وأسكن حمزة وحفص وابن محيصن الياء في عهدي وفتحها الباقون.
الحادية والعشرون استدل جماعة من العلماء بهذه الآية على أن الإمام يكون من أهل العدل والإحسان والفضل مع القوة على القيام بذلك وهو الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم إلا ينازعوا الأمر أهله على ما تقدم من القول فيه فأما أهل الفسوق والجور والظلم فليسوا له بأهل لقوله تعالى لا ينال عهدي الظالمين ولهذا خرج ابن الزبير والحسين ابن علي رضي الله عنه وخرج خيار أهل العراق وعلماؤهم على الحجاج وأخرج أهل المدينة بني أمية وقاموا عليهم
فكانت الحرة التي أوقعها بهم بن عقبة.
والذي عليه الأكثر من العلماء أن الصبر على طاعة الإمام الجائر أولى من الخروج عليه لأن في منازعته والخروج عليه استبدال الأمن بالخوف وإراقة الدماء وانطلاق أيدي السفهاء وشن الغارات على المسلمين والفساد في الأرض والأول مذهب طائفة من المعتزلة وهو مذهب الخوارج فاعلمه. (2/108_109)
يجب قتال الخوارج وسائر أهل الزيغ والضلال حتى يفيئوا إلى الحق:
روى أشهب عن مالك أن المراد بقوله وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم أهل الحديبية امروا بقتال من قاتلهم.
والصحيح أنه خطاب لجميع المسلمين أمر كل واحد أن يقاتل من قاتله إذ لا يمكن سواه ألا تراه كيف بينها في سورة براءة بقوله قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وذلك أن المقصود أولا كان أهل مكة فتعينت البداءة بهم فلما فتح الله مكة كان القتال لمن يلي ممن كان يؤذي حتى تعم الدعوة وتبلغ الكلمة جميع الآفاق ولا يبقى أحد من الكفرة وذلك باق متماد إلى يوم القيامة ممتد إلى غاية هي قوله عليه السلام الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر والمغنم وقيل غايته نزول عيسى بن مريم عليه السلام وهو موافق للحديث الذي قبله لأن نزوله من أشراط الساعة.
الثالثة قوله تعالى ولا تعتدوا قيل في تأويله ما قدمناه فهي محكمة فأما المرتدون فليس إلا القتل أو التوبة وكذلك أهل الزيغ والضلال ليس إلا السيف أو التوبة ومن أسر الإعتقاد بالباطل ثم ظهر عليه فهو كالزنديق يقتل ولا يستتاب وأما الخوارج على أئمة العدل فيجب قتالهم حتى يرجعوا إلى الحق وقال قوم المعنى لا تعتدوا في القتال لغير وجه الله كالحمية و كسب الذكر بل قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم يعني دينا وإظهارا للكلمة وقيل لا تعتدوا أي لا تقاتلوا من لم يقاتل فعلى هذا تكون الآية منسوخة بالأمر بالقتال لجميع الكفار والله أعلم (2/350)
الخوارج وزيغ والقلوب واتباع المتشابه من النصوص إبتغاء الفتنة:
قوله تعالى أما الذين في قلوبهم زيغ الذين رفع بالإبتداء والخبر فيتبعون ما تشابه منه والزيغ الميل ومنه زاغت الشمس وزاغت الشمس الأبصار ويقال زاغ يزيغ إذا ترك القصد منه قوله تعالى فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم وهذة الآية تعم كل طائفة من كافر وزنديق وجاهل وصاحب بدعة وإن كانت الإشارة بها في ذلك الوقت إلى نصارى نجران وقال قتادة في تفسير قوله تعالى فأما الذين في قلوبهم زيغ إن لم يكونوا الحرورية وأنواع الخوارج فلا أدرى من هم قلت قد مر هذا التفسير عن أبي أمامة مرفوعا وحسبك (4/13)
النهي عن مجالسة الخوارج واتخاذهم بطانة
وروي عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لايألونكم خبالا قال هم الخوارج (4/179)
لا يعتد بخلاف الخوارج لمروقهم من الدين ولمخالفتهم السنن الثابتة:
وروى أبو داؤد أيضا عن إبن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كره أن يجمع بين العمة والخالة وبين العمتين والخالتين الرواية لا يجمع برفع العين على الخبر على المشروعية فيتضمن النهي عن ذلك وهذا الحديث مجمع على العمل به في تحريم الجمع بين من ذكر فيه بالنكاح وأجاز الخوارج الجمع بين الأختين وبين المرأة وعمتها وخالتها ولا يعتد بخلافهم لأنهم مرقوا من الدين وخرجوا منه ولأنهم مخالفون للسنة الثابتة (5/125)
كلمة حق أريد بها باطل وما أكثر كلمات الخوارج من هذا الصنف:
(فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) ...وفي هذه الآية دليل على إثبات التحكيم وليس كما تقول الخوارج إنه ليس التحكيم لأحد سوى الله تعالى وهذه كلمة حق ولكن يريدون بها الباطل (5/179)
الخوارج وتكفير مرتكب الكبيرة:
قال العلماء في قوله تعالى ومن يشاقق الرسول دليل على صحة القول بالإجماع وفي قوله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به رد على الخوارج حيث زعموا أن مرتكب الكبيرة كافر (5/386)
قاصمة ظهر الخوارج:
التفصيل في حكم من حكم بغير ما أنزل الله.
قوله تعالى ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون و الظالمون و الفاسقون نزلت كلها في الكفار ثبت ذلك في صحيح مسلم من حديث البراء وقد تقدم.
وعلى هذا المعظم.
فأما المسلم فلا يكفر وإن ارتكب كبيرة.
وقيل فيه إضمار أي ومن لم يحكم بما أنزل الله ردا للقرآن وجحدا لقول الرسول عليه الصلاة والسلام فهو كافر قاله ابن عباس ومجاهد فالآية عامة على هذا.
قال ابن مسعود والحسن هي عامة في كل من لم يحكم بما أنزل الله من المسلمين واليهود والكفار أي معتقدا ذلك ومستحلا له فأما من فعل ذلك وهو معتقد أنه راكب محرم فهو من فساق المسلمين وأمره إلى الله تعالى إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.
وقال ابن عباس في رواية ومن لم يحكم بما أنزل الله فقد فعل فعلا يضاهي أفعال الكفار.
وقيل أي ومن لم يحكم بجميع ما أنزل الله فهو كافر فأما من حكم بالتوحيد ولم يحكم ببعض الشرائع فلا يدخل في هذه الآية والصحيح الأول إلا أن الشعبي قال هي في اليهود خاصة واختاره النحاس قال ويدل على ذلك ثلاثة أشياء منها أن اليهود قد ذكروا قبل هذا في قولهك للذين هادوا فعاد الضمير عليهم ومنها أن سياق الكلام يدل على ذلك ألا ترى أن بعده وكتبنا عليهم فهذا الضمير لليهود بإجماع وأيضا فإن اليهود هم الذين أنكروا الرجم والقصاص فإن قال قائل من إذا كانت للمجازاة فهي عامة إلا أن يقع دليل على تخصيصها قيل له من هنا بمعنى الذي مع ما ذكرناه من الأدلة والتقدير واليهود الذين لم يحكموا بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون فهذا من أحسن ما قيل في هذا ويروى أن حذيفة سئل عن هذه الآيات أهي في بني اسرائيل قال نعم هي فيهم ولتسلكن سبيلهم حذو النعل بالنعل وقيل الكافرون للمسلمين و الظالمون لليهود و الفاسقون للنصارى وهذا اختيار أبي بكر بن العربي قال لأنه ظاهر الآيات وهو اختيار ابن عباس وجابر بن زيد وابن أبي زائدة وأبن شبرمة والشعبي أيضا قال طاوس وغيره ليس بكفر ينقل عن الملة ولكنه كفر دون كفر وهذا يختلف:
إن حكم بما عنده على أنه من عند الله فهو تبديل له يوجب الكفر.
وإن حكم به هوى ومعصية فهو ذنب تدركه المغفرة على أصل أهل السنة في الغفران للمذنبين.
قال القشيري ومذهب الخوارج أن من ارتشى وحكم بغير حكم الله فهو كافر...(6/190-191)
الخوارج وغلق باب التوبة في وجه أهل المعاصي:
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا طلوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض وعن صفوان بن عسال المرادي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن بالمغرب بابا مفتوحا للتوبة مسيرة سبعين سنة لا يغلق حتى تطلع الشمس من نحوه أخرجه الدارقطني والدارمي والترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح.
وقال سفيان قبل الشام خلقه الله يوم خلق السماوات والأرض مفتوحا يعني للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس منه قال حديث حسن صحيح.
قلت وكذب بهذا كله الخوارج والمعتزلة (7/145)
الخوارج وإنكار الشفاعة لأصحاب الكبائر من أمّة محمّد صلى الله عليه وسلّم:
...إذا ثبت أن المقام المحمود هو أمر الشفاعة الذي يتدافعه الأنبياء عليهم السلام حتى ينتهي الأمر إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيشفع هذه الشفاعة لأهل الموقف ليعجل حسابهم ويراحوا من هول موقفهم وهي الخاصة به صلى الله عليه وسلم ولأجل ذلك قال أنا سيد ولد آدم ولا فخر.
قال النقاش لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث شفاعات العامة وشفاعة في السبق إلى الجنة وشفاعة في أهل الكبائر.
ابن عطية والمشهور أنهما شفاعتان فقط العامة وشفاعة في إخراج المذنبين من النار وهذه الشفاعة الثانية لايتدافعها الأنبياء بل يشفعون ويشفع العلماء.
وقال القاضي أبو الفضل عياض شفاعات رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة خمس شفاعات: العامة والثانية في إدخال قوم الجنة دون نجاسة الثالثة في قوم من موحدي أمته استوجبوا النار بذنوبهم فيشفع فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن شاء الله أن يشفع ويدخلون الجنة وهذه الشفاعة هي التي أنكرتها المبتدعة الخوارج والمعتزلة فمنعتها على أصولهم الفاسدة وهي الاستحقاق العقلي المبني على التحسين والتقبيح (10/310)
الخوارج من الأخسرين أعمالا في الآخرة:
قوله تعالى قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الآية فيه دلالة على أن من الناس من يعمل العمل وهو يظن أنه محسن وقد حبط سعيه والذي يوجب إحباط السعي إما فساد الاعتقاد أو المراءاة والمراد هنا الكفر.
روى البخاري عن مصعب قال بي قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا أهم الحرورية قال لا هم اليهود والنصارى أما اليهود فكذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم وأما النصارى فكفروا بالجنة فقالوا لا طعام فيها ولا شراب والحرورية الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه وكان سعد يسميهم الفاسقين ... وقال علي هم الخوارج أهل حروراء...(11/65-66)
تحريف التأويل وتزيين سوء الأعمال في أعين الخوارج:
قوله تعالى أفمن زين له سوء عمله من في موضع رفع بالابتداء وخبره محذوف قال ينوي والذي يدل عليه قوله تعالى فلا تذهب نفسك عليهم حسرات فالمعنى أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا ذهبت نفسك عليهم حسرات قال وهذا كلام ... وفي أفمن زين له سوء عمله أربعة أقوال أحدها أنهم اليهود والنصارى والمجوس قاله أبو قلابة ويكون سوء عمله معاندة الرسول عليه الصلاة والسلام الثاني أنهم الخوارج رواه عمر بن القاسم فيكون سوء عمله تحريف التأويل. (14/324-325)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الخوارج وترك السنن والتعلّق بظاهر القرآن
قال الخطابي قوله أوتيت الكتاب ومثله معه يحتمل وجهين من التأويل:
أحدهما أن معناه أنه أوتي من الوحي المتلو مثل ماأعطي من الظاهر المتلو
والثاني أنه أوتي الكتاب وحيا يتلى وأوتي من البيان مثله أي أذن له أن يبين ما في الكتاب فيعم ويخص ويزيد عليه ويشرع ما في الكتاب فيكون في وجوب العمل به ولزوم قبوله كالظاهر المتلو من القرآن وقوله يوشك رجل شبعان... الحديث يحذر بهذا القول من مخالفة السنن التي سنها مما ليس له في القرآن ذكر على ما ذهبت إليه الخوارج والروافض فإنهم تعلقوا بظاهر القرآن وتركوا السنن التي قد تضمنت بيان الكتاب قال فتحيروا وضلوا (تفسير القرطبي 1/3
الخروج على ولاة الأمور وعدم الصبر على جورهم وسفك الدماء وإثارة الفتنة هو مذهب الخوارج
قوله تعالى لا ينال عهدي الظالمين اختلف في المراد بالعهد.
فروى أبو صالح عن ابن عباس أنه النبوة وقاله السدي مجاهد الإمامة قتادة الإيمان عطاء الرحمة الضحاك دين الله تعالى.
وقيل عهده أمره ويطلق العهد على الأمر قال الله تعالى إن الله عهد إلينا أي أمرنا وقال ألم أعهد إليكم يا نبي آدم يعني ألم أقدم إليكم الأمر به وإذا كان عهد الله هو أوامره فقوله لا ينال عهدي الظالمين أي لا يجوز أن يكونوا بمحل من يقبل منهم أوامر الله ولا يقيمون عليها على ما يأتي بيانه بعد هذا آنفا إن شاء الله تعالى.
وروى معمر عن قتادة في قوله تعالى لا ينال عهدي الظالمين قال لا ينال عهد الله في الآخرة الظالمين فأما في الدنيا فقد ناله الظالم فآمن به وأكل وعاش وأبصر قال الزجاج وهذا قول حسن أي لا ينال أماني الظالمين أي لا أومنهم من عذابي وقال سعيد بن جبير الظالم هنا المشرك وقرأ ابن مسعود وطلحة بن مصرف لا ينال عهدي الظالمون برفع الظالمون الباقون بالنصب وأسكن حمزة وحفص وابن محيصن الياء في عهدي وفتحها الباقون.
الحادية والعشرون استدل جماعة من العلماء بهذه الآية على أن الإمام يكون من أهل العدل والإحسان والفضل مع القوة على القيام بذلك وهو الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم إلا ينازعوا الأمر أهله على ما تقدم من القول فيه فأما أهل الفسوق والجور والظلم فليسوا له بأهل لقوله تعالى لا ينال عهدي الظالمين ولهذا خرج ابن الزبير والحسين ابن علي رضي الله عنه وخرج خيار أهل العراق وعلماؤهم على الحجاج وأخرج أهل المدينة بني أمية وقاموا عليهم
فكانت الحرة التي أوقعها بهم بن عقبة.
والذي عليه الأكثر من العلماء أن الصبر على طاعة الإمام الجائر أولى من الخروج عليه لأن في منازعته والخروج عليه استبدال الأمن بالخوف وإراقة الدماء وانطلاق أيدي السفهاء وشن الغارات على المسلمين والفساد في الأرض والأول مذهب طائفة من المعتزلة وهو مذهب الخوارج فاعلمه. (2/108_109)
يجب قتال الخوارج وسائر أهل الزيغ والضلال حتى يفيئوا إلى الحق:
روى أشهب عن مالك أن المراد بقوله وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم أهل الحديبية امروا بقتال من قاتلهم.
والصحيح أنه خطاب لجميع المسلمين أمر كل واحد أن يقاتل من قاتله إذ لا يمكن سواه ألا تراه كيف بينها في سورة براءة بقوله قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وذلك أن المقصود أولا كان أهل مكة فتعينت البداءة بهم فلما فتح الله مكة كان القتال لمن يلي ممن كان يؤذي حتى تعم الدعوة وتبلغ الكلمة جميع الآفاق ولا يبقى أحد من الكفرة وذلك باق متماد إلى يوم القيامة ممتد إلى غاية هي قوله عليه السلام الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر والمغنم وقيل غايته نزول عيسى بن مريم عليه السلام وهو موافق للحديث الذي قبله لأن نزوله من أشراط الساعة.
الثالثة قوله تعالى ولا تعتدوا قيل في تأويله ما قدمناه فهي محكمة فأما المرتدون فليس إلا القتل أو التوبة وكذلك أهل الزيغ والضلال ليس إلا السيف أو التوبة ومن أسر الإعتقاد بالباطل ثم ظهر عليه فهو كالزنديق يقتل ولا يستتاب وأما الخوارج على أئمة العدل فيجب قتالهم حتى يرجعوا إلى الحق وقال قوم المعنى لا تعتدوا في القتال لغير وجه الله كالحمية و كسب الذكر بل قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم يعني دينا وإظهارا للكلمة وقيل لا تعتدوا أي لا تقاتلوا من لم يقاتل فعلى هذا تكون الآية منسوخة بالأمر بالقتال لجميع الكفار والله أعلم (2/350)
الخوارج وزيغ والقلوب واتباع المتشابه من النصوص إبتغاء الفتنة:
قوله تعالى أما الذين في قلوبهم زيغ الذين رفع بالإبتداء والخبر فيتبعون ما تشابه منه والزيغ الميل ومنه زاغت الشمس وزاغت الشمس الأبصار ويقال زاغ يزيغ إذا ترك القصد منه قوله تعالى فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم وهذة الآية تعم كل طائفة من كافر وزنديق وجاهل وصاحب بدعة وإن كانت الإشارة بها في ذلك الوقت إلى نصارى نجران وقال قتادة في تفسير قوله تعالى فأما الذين في قلوبهم زيغ إن لم يكونوا الحرورية وأنواع الخوارج فلا أدرى من هم قلت قد مر هذا التفسير عن أبي أمامة مرفوعا وحسبك (4/13)
النهي عن مجالسة الخوارج واتخاذهم بطانة
وروي عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لايألونكم خبالا قال هم الخوارج (4/179)
لا يعتد بخلاف الخوارج لمروقهم من الدين ولمخالفتهم السنن الثابتة:
وروى أبو داؤد أيضا عن إبن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كره أن يجمع بين العمة والخالة وبين العمتين والخالتين الرواية لا يجمع برفع العين على الخبر على المشروعية فيتضمن النهي عن ذلك وهذا الحديث مجمع على العمل به في تحريم الجمع بين من ذكر فيه بالنكاح وأجاز الخوارج الجمع بين الأختين وبين المرأة وعمتها وخالتها ولا يعتد بخلافهم لأنهم مرقوا من الدين وخرجوا منه ولأنهم مخالفون للسنة الثابتة (5/125)
كلمة حق أريد بها باطل وما أكثر كلمات الخوارج من هذا الصنف:
(فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) ...وفي هذه الآية دليل على إثبات التحكيم وليس كما تقول الخوارج إنه ليس التحكيم لأحد سوى الله تعالى وهذه كلمة حق ولكن يريدون بها الباطل (5/179)
الخوارج وتكفير مرتكب الكبيرة:
قال العلماء في قوله تعالى ومن يشاقق الرسول دليل على صحة القول بالإجماع وفي قوله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به رد على الخوارج حيث زعموا أن مرتكب الكبيرة كافر (5/386)
قاصمة ظهر الخوارج:
التفصيل في حكم من حكم بغير ما أنزل الله.
قوله تعالى ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون و الظالمون و الفاسقون نزلت كلها في الكفار ثبت ذلك في صحيح مسلم من حديث البراء وقد تقدم.
وعلى هذا المعظم.
فأما المسلم فلا يكفر وإن ارتكب كبيرة.
وقيل فيه إضمار أي ومن لم يحكم بما أنزل الله ردا للقرآن وجحدا لقول الرسول عليه الصلاة والسلام فهو كافر قاله ابن عباس ومجاهد فالآية عامة على هذا.
قال ابن مسعود والحسن هي عامة في كل من لم يحكم بما أنزل الله من المسلمين واليهود والكفار أي معتقدا ذلك ومستحلا له فأما من فعل ذلك وهو معتقد أنه راكب محرم فهو من فساق المسلمين وأمره إلى الله تعالى إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.
وقال ابن عباس في رواية ومن لم يحكم بما أنزل الله فقد فعل فعلا يضاهي أفعال الكفار.
وقيل أي ومن لم يحكم بجميع ما أنزل الله فهو كافر فأما من حكم بالتوحيد ولم يحكم ببعض الشرائع فلا يدخل في هذه الآية والصحيح الأول إلا أن الشعبي قال هي في اليهود خاصة واختاره النحاس قال ويدل على ذلك ثلاثة أشياء منها أن اليهود قد ذكروا قبل هذا في قولهك للذين هادوا فعاد الضمير عليهم ومنها أن سياق الكلام يدل على ذلك ألا ترى أن بعده وكتبنا عليهم فهذا الضمير لليهود بإجماع وأيضا فإن اليهود هم الذين أنكروا الرجم والقصاص فإن قال قائل من إذا كانت للمجازاة فهي عامة إلا أن يقع دليل على تخصيصها قيل له من هنا بمعنى الذي مع ما ذكرناه من الأدلة والتقدير واليهود الذين لم يحكموا بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون فهذا من أحسن ما قيل في هذا ويروى أن حذيفة سئل عن هذه الآيات أهي في بني اسرائيل قال نعم هي فيهم ولتسلكن سبيلهم حذو النعل بالنعل وقيل الكافرون للمسلمين و الظالمون لليهود و الفاسقون للنصارى وهذا اختيار أبي بكر بن العربي قال لأنه ظاهر الآيات وهو اختيار ابن عباس وجابر بن زيد وابن أبي زائدة وأبن شبرمة والشعبي أيضا قال طاوس وغيره ليس بكفر ينقل عن الملة ولكنه كفر دون كفر وهذا يختلف:
إن حكم بما عنده على أنه من عند الله فهو تبديل له يوجب الكفر.
وإن حكم به هوى ومعصية فهو ذنب تدركه المغفرة على أصل أهل السنة في الغفران للمذنبين.
قال القشيري ومذهب الخوارج أن من ارتشى وحكم بغير حكم الله فهو كافر...(6/190-191)
الخوارج وغلق باب التوبة في وجه أهل المعاصي:
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا طلوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض وعن صفوان بن عسال المرادي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن بالمغرب بابا مفتوحا للتوبة مسيرة سبعين سنة لا يغلق حتى تطلع الشمس من نحوه أخرجه الدارقطني والدارمي والترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح.
وقال سفيان قبل الشام خلقه الله يوم خلق السماوات والأرض مفتوحا يعني للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس منه قال حديث حسن صحيح.
قلت وكذب بهذا كله الخوارج والمعتزلة (7/145)
الخوارج وإنكار الشفاعة لأصحاب الكبائر من أمّة محمّد صلى الله عليه وسلّم:
...إذا ثبت أن المقام المحمود هو أمر الشفاعة الذي يتدافعه الأنبياء عليهم السلام حتى ينتهي الأمر إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيشفع هذه الشفاعة لأهل الموقف ليعجل حسابهم ويراحوا من هول موقفهم وهي الخاصة به صلى الله عليه وسلم ولأجل ذلك قال أنا سيد ولد آدم ولا فخر.
قال النقاش لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث شفاعات العامة وشفاعة في السبق إلى الجنة وشفاعة في أهل الكبائر.
ابن عطية والمشهور أنهما شفاعتان فقط العامة وشفاعة في إخراج المذنبين من النار وهذه الشفاعة الثانية لايتدافعها الأنبياء بل يشفعون ويشفع العلماء.
وقال القاضي أبو الفضل عياض شفاعات رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة خمس شفاعات: العامة والثانية في إدخال قوم الجنة دون نجاسة الثالثة في قوم من موحدي أمته استوجبوا النار بذنوبهم فيشفع فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن شاء الله أن يشفع ويدخلون الجنة وهذه الشفاعة هي التي أنكرتها المبتدعة الخوارج والمعتزلة فمنعتها على أصولهم الفاسدة وهي الاستحقاق العقلي المبني على التحسين والتقبيح (10/310)
الخوارج من الأخسرين أعمالا في الآخرة:
قوله تعالى قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الآية فيه دلالة على أن من الناس من يعمل العمل وهو يظن أنه محسن وقد حبط سعيه والذي يوجب إحباط السعي إما فساد الاعتقاد أو المراءاة والمراد هنا الكفر.
روى البخاري عن مصعب قال بي قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا أهم الحرورية قال لا هم اليهود والنصارى أما اليهود فكذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم وأما النصارى فكفروا بالجنة فقالوا لا طعام فيها ولا شراب والحرورية الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه وكان سعد يسميهم الفاسقين ... وقال علي هم الخوارج أهل حروراء...(11/65-66)
تحريف التأويل وتزيين سوء الأعمال في أعين الخوارج:
قوله تعالى أفمن زين له سوء عمله من في موضع رفع بالابتداء وخبره محذوف قال ينوي والذي يدل عليه قوله تعالى فلا تذهب نفسك عليهم حسرات فالمعنى أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا ذهبت نفسك عليهم حسرات قال وهذا كلام ... وفي أفمن زين له سوء عمله أربعة أقوال أحدها أنهم اليهود والنصارى والمجوس قاله أبو قلابة ويكون سوء عمله معاندة الرسول عليه الصلاة والسلام الثاني أنهم الخوارج رواه عمر بن القاسم فيكون سوء عمله تحريف التأويل. (14/324-325)