المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وجوب الصيام وفوائده


كيف حالك ؟

البلوشي
10-03-2006, 02:56 PM
بسم الله لرحمن الرحيم
وجوب الصيام وفوائده

قال الله تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ إلى قوله : وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة : 183 - 185] .
يخبر تعالى بمنته على عباده المؤمنين بفرضه عليهم الصيام كما فرضه على الأمم السابقة ، لأنه من الشرائع الكبار التي هي مصلحة للخلق في كل زمان ، وفي هذا حث للأمة أن ينافسوا الأمم في المسارعة إليه وتكميله ، وبيان عموم مصلحته ، وثمراته التي لا تستغني عنها جميع الأمم ; ثم ذكر حكمته بقوله : لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ، فإن الصيام من أكبر أسباب التقوى ؛ لأن فيه امتثال أمر الله واجتناب نهيه .
فالصيام هو الطريق الأعظم للوصول إلى هذه الغاية التي فيها سعادة العبد في دينه ودنياه وآخرته ، فالصائم يتقرب إلى الله بترك المشتهيات ؛ تقديما لمحبة ربه على محبة نفسه ، ولهذا اختصه الله من بين الأعمال حيث أضافه إلى نفسه في الحديث الصحيح ، وهو من أعظم أصول التقوى ، فإن الإسلام والإيمان لا يتم بدونه .
وفيه من حصول زيادة الإيمان ، والتمرن على الصبر والمشقات المقربة إلى رب العالمين ، وأنه سبب لكثرة الطاعات من صلاة وقراءة وذكر وصدقة وغيرها ما يحقق التقوى ، وفيه من ردع النفس عن الأمور المحرمة من أقوال وأفعال ما هو من أصول التقوى .
ومنها : أن في الصيام من مراقبة الله بترك ما تهوى نفسه مع قدرته عليه - لعلمه باطلاع ربه عليه - ما ليس في غيره ، ولا ريب أن هذا من أعظم عون على التقوى .
ومنها : أن الصيام يضيق مجاري الشيطان فإنه يجري من ابن آدم مجرى الدم ، فبالصيام يضعف نفوذه ، وتقل معاصي العبد .
ومنها : أن الغني إذا ذاق ألم الجوع أوجب له ذلك ، وحمله على مواساة الفقراء المعدمين ، وهذا كله من خصال التقوى .
ولما ذكر أنه فرض عليهم الصيام أخبر أنها أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ أي : قليلة سهلة ، ومن سهولتها أنها في شهر معين يشترك فيه جميع المسلمين ; ولا ريب أن الاشتراك هذا من المهونات المسهلات ، ومن ألطاف المولى ومعونته للصائمين ، ثم سهل تسهيلا آخر فقال : فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وذلك للمشقة - غالبا - رخص الله لهما في الفطر .
ولما كان لا بد من تحصيل العبد لمصلحة الصيام أمرهما أن يقضياه في أيام أخر ، إذا زال المرض ، وانقضى السفر ، وحصلت الراحة .
وفي قوله : فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ دليل على أنه يقضي عدد أيام رمضان كاملا كان أو ناقصا ، وعلى أنه يجوز أن يقضي أياما قصيرة باردة عن أيام طويلة حارة كالعكس .
وبهذا أجبنا عن سؤال ورد علينا : أنه يوجد مسلمون في بعض البلاد التي يكون في بعض الأوقات ليلها نحو أربع ساعات أو تنقص ، فيوافق ذلك رمضان ، فهل لهم رخصة في الإطعام إذا كانوا يعجزون عن تتميمها ؟
فأجبنا : إن العاجز منهم في هذا الوقت يؤخره إلى وقت آخر ، يقصر فيه النهار ، ويتمكن فيه من الصيام كما أمر الله بذلك المريض ، بل هذا أولى ، وأن الذي يقدر على الصيام في هذه الأيام الطوال يلزمه ولا يحل له تأخيره إذا كان صحيحا مقيما ، هذا حاصل الجواب .
وقوله : وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ قيل : هذا في أول الأمر وفي ابتداء فرض الصيام لما كانوا غير معتادين للصيام ، وكان ابتداء فرضه حتما فيه مشقة عليهم ، درجهم الرب الحكيم بأسهل ما يكون ، وخير المطيق للصوم بين أن يصوم ، وهو الأفضل الأكمل ، أو يطعم ويجزيه ، ثم لما تمرنوا على الصيام ، وكان ضروريا على المطيقين فرضه عليهم حتما .
وقيل إن قوله : وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ أي : يتكلفون الصيام ، ويشق عليهم مشقة لا تحتمل كالكبير والمريض الميئوس من برئه ، فدية طعام مسكين عن كل يوم يفطره .
وقوله : شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ أي : الصوم المفروض عليكم هو شهر رمضان ، الشهر العظيم الذي حصل لكم من الله فيه الفضل العظيم ، وهو إنزال القرآن الذي فيه هدايتكم لجميع مصالحكم الدينية والدنيوية ، وفيه بيان الحق وتوضيحه ، والفرقان بين الحق والباطل ، والهدى والضلال ، وأهل السعادة من أهل الشقاوة ، فحقيق بشهر هذا فضله ، وهذا إحسان الله العظيم فيه عليكم أن يكون معظما محترما ، موسما للعباد مفروضا فيه الصيام .
فلما قرر فرضيته ، وبين حكمته في ذلك وفي تخصيصه قال : فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ أي : من حضر الشهر وهو قادر تحتم عليه صيامه ، وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ : أعاد ذلك تأكيدا له ، ولئلا يظن أنه أيضا منسوخ مع ما نسخ من التخيير للقادر .
يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ أي : يريد الله أن ييسر ويسهل عليكم الطرق الموصلة إلى رضوانه أعظم تيسير ليسهل سلوكها ، ويعين عليها بكل وسيلة ؛ ليرغب فيها العباد ، وهذا أصل عظيم من أصول الشريعة ، بل كلها تدور على هذا الأصل ، فإن جميع الأوامر لا تشق على المكلفين ، وإذا حصل بعض المشاق والعجز خفف الشارع من الواجبات بحسب ما يناسب ذلك ، فيدخل في هذا جميع التخفيفات في جواز الفطر ، وتخفيفات السفر ، والأعذار لترك الجمعة والجماعة .
وقوله : وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وذلك لئلا يتوهم متوهم أن صيام رمضان يحصل المقصود ببعضه دفع هذا الوهم بقوله : وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وأمر بشكره على إتمامه ؛ لأن من أكبر منن الله على عبده توفيقه لإتمامه وتكميله وتبيين أحكامه للعبيد ، وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ هداية التعليم وهداية التوفيق والإرشاد .
منقول من كتاب تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير الأحكام
للإمام العلامة المفسرعبدالرحمن السعدي رحمه الله

الاثري83
10-05-2006, 01:32 PM
جزاك الله خيرا وبارك الله فيك.

12d8c7a34f47c2e9d3==