المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تفسير قوله تعالى (قد أفلح من تزكى)


كيف حالك ؟

قاسم علي
04-07-2013, 05:47 PM
تفسير قوله تعالى (قد أفلح من تزكى)

{قد أفلح من تزكى. وذكر اسم ربه فصلى} {أفلح} مأخوذ من الفلاح، والفلاح كلمة جامعة، وهو: الفوز بالمطلوب، والنجاة من المرهوب، هذا هو معنى الفلاح فهي كلمة جامعة لكل خير، دافعة لكل شر. وقوله: {من تزكى} مأخوذة من التزكية وهو التطهير، ومنه سميت الزكاة زكاة؛ لأنها تطهر الإنسان من الأخلاق الرذيلة، أخلاق البخل كما قال تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} [التوبة: 103]. إذن {تزكى} يعني تطهر، ظاهره وباطنه، يتزكى أولاً من الشرك بالنسبة لمعاملة الله، فيعبد الله مخلصاً له الدين، لا يرائي، ولا يسمع، ولا يطلب جاهاً، ولا رئاسة فيما يتعبد به الله عز وجل، وإنما يريد بهذا وجه الله والدار الآخرة. تزكى في اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام بحيث لا يبتدع في شريعته لا بقليل ولا كثير، لا في الاعتقاد، ولا في الأقوال ولا في الأفعال، وهذا أعني التزكي بالنسبة للرسول عليه الصلاة والسلام، وهو اتباعه من غير ابتداع لا ينطبق تماماً إلا على الطريقة السلفية طريقة أهل السنة والجماعة الذين يؤمنون بكل ما وصف الله به نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، على الطريقة السلفية الذين لا يبتدعون في العبادات القولية، ولا في العبادات الفعلية شيئاً في دين الله، تجدهم يتبعون ما جاء به الشرع، خلافاً لما يصنعه بعض المبتدعة في الأذكار المبتدعة، إما في نوعها، وإما في كيفيتها وصفتها، وإما في أدائها كما يفعله بعض أصحاب الطرق من الصوفية وغيرهم. كذلك يتزكى بالنسبة لمعاملة الخلق بحيث يطهر قلبه من الغل والحقد على إخوانه المسلمين فتجده دائماً طاهر القلب يحب لإخوانه ما يحب لنفسه لا يرضى لأحد أن يمسه سوء، بل يود أن جميع الناس سالمون من كل شر، موفقون لكل خير. فـ{من تزكى} أي من تطهر ظاهره وباطنه، فتطهر باطنه من الشرك بالله عز وجل، ومن الشك، ومن النفاق، ومن العداوة للمسلمين والبغضاء، وغير ذلك مما يجب أن يتطهر القلب منه، وتطهر ظاهره من إطلاق لسانه وجوارحه في العدوان على عبادالله عز وجل، فلا يغتاب أحداً، ولا ينم عن أحد، ولا يسب أحداً، ولا يعتدي على أحد بضرب، أو جحد مال أو غير ذلك، فالتزكي كلمة عامة تشمل التطهر من كل درن ظاهر أو باطن، فصارت التزكية لها ثلاث متعلقات: الأول: في حق الله. والثاني: في حق الرسول. والثالث: في حق عامة الناس. في حق الله تعالى يتزكى من الشرك فيعبد الله تعالى مخلصاً له الدين. في حق الرسول يتزكى من الابتداع فيعبد الله على مقتضى شريعة النبي صلى الله عليه وسلّم في العقيدة، والقول، والعمل. في معاملة الناس يتزكى من الغل والحقد والعداوة والبغضاء، وكل ما يجلب العداوة والبغضاء بين المسلمين يتجنبه، ويفعل كل ما فيه المودة والمحبة ومن ذلك: إفشاء السلام الذي قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام: «لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم: أفشوا السلام بينكم»(113)، فالسلام من أقوى الأسباب التي تجلب المحبة والمودة بين المسلمين وهذا الشيء مشاهد، لو مر بك رجل ولم يسلم عليك صار في نفسك شيء، وإذا لم تسلم عليه أنت صار في نفسه شيء، لكن لو سلمت عليه، أو سلم عليك صار هذا كالرباط بينكما يوجب المودة والمحبة، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام في السلام: «وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف»(114)، وأكثر الناس اليوم إذا سلم يسلم على من يعرف، وأما من لا يعرفه فلا يسلم عليه، وهذا غلط، لأنك إذا سلمت على من تعرف لم يكن السلام خالصاً لله، سلم على من عرفت ومن لم تعرف من المسلمين حتى تنال بذلك محبة المسلمين بعضهم لبعض، وتمام الإيمان، والنهاية دخول الجنة جعلنا الله من أهلها.

تفسير العلامة المفسر الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

12d8c7a34f47c2e9d3==