المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفهم الصحيح للواقع


كيف حالك ؟

البلوشي
04-06-2013, 07:38 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الفهم الصحيح للواقع

كلمة مفرغ للشيخ صالح آل الشيخ

... لقول ابن عباس رضي الله عنهما: قد صارت عامة مؤاخاة الناس على الدنيا. مثل ما ذكرنا فهم الصحابة رضوان الله عليهم لحال الناس، قد عبر الشيخ رحمه الله إمام هذه الدعوة في المسائل وذلك بقوله: وفيه فهم الصحابي للواقع. ويعني بالواقع يعني واقع الناس وصلتهم بالشرع؛ لأن ابن عباس حكم على الناس بأن عامة مؤاخاتهم أصبحت على أمر الدنيا، ومعرفة العالم ومعرفة الفقيه لحال الناس من حيث ارتباطهم وصلاتهم ومن حيث علاقة بعضهم ببعض، هذا لابد منه لأنه لا سبيل لإصلاحهم إلا بذلك، كيف يؤثر في أناس لا يعرف طريقتهم؟ ولهذا بين الله جل وعلا لنبيه طريقة المشركين وحالتهم وعلائقهم وصلاتهم وقال جل وعلا بعد أن بين ما بين ?وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ المُجْرِمِينَ?[الأنعام:55]، فمن مقاصد الشرع أن تستبين سبيل أهل الباطل بأنواعهم؛ وذلك لأن استبانة سبيل الناس هذا ينفع الداعية في بيان دعوته وكيف يدعو.
لهذا نستفيد فائدة مهمة وهي أن فهم الواقع الذي فهمه الصحابي رضي الله عنه وهو ابن عباس كغيره من الصحابة الذين عانوا العلم والفقه ونشروا الدعوة وبينوا الكتاب والسنة للناس، كانوا يعلمون أحوال الناس وما هم عليه من إقبالهم على الدين ومن مخالفتهم له، فيكون كمالهم مؤثرا لأجل معرفتهم بحال الناس، ابن عباس لما رأى أن عامة مؤاخاة الناس صارت على الدنيا قال هذا الكلام وهو قوله: من أحب في الله وأبغض في الله ووالى في الله وعادى في الله فإنما تُنال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرا صلاته وصومه حتى يكون كذلك، وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا. يعني أن سبب قوله (من أحب في الله وأبغض في الله) هو أنه رأى أن الناس صارت مؤاخاتهم صارت لأمر الدنيا ونبه بهذه القاعدة العامة العظيمة التي أخذها من عموم الأدلة من الكتاب والسنة.
بالمناسبة فإن فهم الواقع هذا الذي ذكره الشيخ هو الذي يعتني به العلماء الفقهاء في كتبهم وهو فهم الواقع المؤثر في الأحكام فهم الواقع المؤثر في الأحكام الشرعية؛ لأن الواقع يعني الحال قسمان:
* قسم مؤثر في الحكام الشرعية.
* وقسم غير مؤثر في الأحكام الشرعية.
فما كان منه مؤثرا في الأحكام الشرعية يعني تبنى الأحكام الشرعية عليه فهذا لابد للعالم من معرفته قبل أن يحكم.
وأما القسم الذي لا يؤثر في الأحكام الشرعية فإن هذا إن عرفه أو لم يعرفه فإنه ليس بمحل القيام؛ لأنه غير مؤثر في الحكم الشرعي.
والعالم إنما يهتم بما يؤثر في الأحكام الشرعية، وما لا يؤثر فهو مزيد تفصيل ما يتهم به الاهتمام المؤثر في الأحكام الشرعية.
ولهذا تكلم الفقهاء وأصحاب القواعد الفقهية أنّ الأحكام تدور مع عللها، وأن الفتوى تختلف باختلاف الزمان والأحوال، وهذا لاشك جميعا مبني على المعرفة بحال الناس، كذلك القاعدة المشهورة عندهم أن الحكم على الشيء فرع على تصوره، والتصور قد يكون الحكم على واقع، والتصور لابد أن يكون لذلك الواقع لكن لذلك الواقع المؤثر في الحكم الشرعي، أما الواقع غير المؤثر في الحكم الشرعي فإن معرفته ليست مشترطة في العالم؛ لأن العالم يجب عليه أن يعلم ما يؤثر في الأحكام، أما ما لا يؤثر في الأحكام فلا يجب عليه، قد يكون ذلك من زيادة الثقافة، قد يكون من زيادة العلم قد يكون من النافلة، هذا وجه آخر؛ لكن الوجوب لا يجب على العالم أن يتعلم أو يعلم قبل حكمه وقبل كلامه إلا ما يؤثر من الواقع في كلامهم، فإذا تكلم بكلام مبناه على واقع أخطأ في تصوره فيكون مخطئا؛ لأنه ما فهم الواقع الذي ينبني عليه هذا الحكم الشرعي.
مثلا لو أتى يحكم على شخص بأنه يستوجب الحد، رجل زنى وأتوا به فقالوا له: أيها العالم أو الشيخ أو القاضي إنه زنى. لا يقول العالم أو القاضي: اذهبوا به فاجلدوه أو اذهبوا به فارجموه، لابد من واقع هذا المعين حتى يصدر الحكم عن فهم لواقعهم، فيسأل أولا هل هو محصن أو غير محصن؟ هل عالم بالتحريم أو غير عالم؟ هل يعذر بالجهالة أم لا يعذر؟ يعني لابد أن يستفصل منه حتى لا يقع في ذلك.
كذلك يأخذ العلماء في مسائل كثيرة لأنهم يشترطون للحكم معرفة الحال، طبعا الأحكام عند المفتي أو الأحكام عند القاضي لابد من معرفة الحال، وهذا هو معرفة الواقع.
ومن جانب آخر شاع في الزمن الأخير في هذه السنين الأخيرة الكلام عن فقه الواقع وما يتعلق به هذا يراد به زيادة عن الكلام الذي ذكرناه؛ لأن فقه الواقع عند من أطلقه من طلبة العلم يريد به ما ذكر وزيادة عليه فقه الواقع السياسي في الأمة أو في العالم.
وما تقرر قد كتب فيه أن فقه الواقع السياسي هذا غير مشترط في العالم أن يفقه الواقع؛ بمعنى أن يفهم ما يدور في السياسة لأن السياسة أمر لا يعرف ولا يدرس فرعه، وإنما الذي يتعاطى الأخبار في ذلك غايته أن يعلم ما يجب، أما أن يفقه حقيقة ما يجري هذا في الواقع غير ممكن، ولهذا تجد أن كثيرون ممن تصدوا لمثل هذا يصيبون بعضا ويخطئون بعضا، فقد يكون الخطأ أكثر من الصواب، وذلك لأنه [بناء على الحدس] والظن، فإذن هو علم بالخبر وليس فقها.
ولهذا نقول إن الأحوال السياسية تُعلم، أما تفقه هذا صعب المنال حتى الساسة الفحول لا يفقهون حقيقتها، يمكننا أن نفقه من الواقع السياسي ما فقهنا الله جل وعلا به وهو الأصول الثابتة لعلاقة المؤمن بأعدائه، هذه أصول ثابتة نفقهها جيدا، مثل معرفة أعداء المسلمين قال الله جل وعلا ?وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللهِ نَصِيرًا?[النساء:45] بين الله جل وعلا لنا أن المشركين جميعا أعداء لنا وأن اليهود أعداء لنا وأن النصارى أعداء لنا وأن المنافقون أعداء لنا، فهذا الأصل العام فقهه يكون بفقه الكتاب والسنة وليس بفقه شيء زائد عليه، فيكون المؤمن يأخذ حذره بالفقه المستنبط من الكتاب والسنة؛ لأن هذا الفقه الخاص المسمى فقه الواقع هذا لا يدركه علم -وليس فقها- لا يدرك معرفة إلا الخواص جدا، ومعلوم أن من القواعد الشرعية التي قررها الشاطبي وغيره في كتاب الموافقات وقررها غيره: أن الشريعة -شريعة الإسلام- أمية. يعني في تشريعاتها وفيما يطلبه الشارع من أهلها راعى فيها حال الأكثرين وهم الأميون، كما قال النبي صَلَّى الله عليه وسلم «نحن أمة أمية» وإذا علقت الأحكام بما لا يدركه إلا الخواص كان هذا قدحا في الشريعة؛ لأن الأحكام التي يحتاجها الناس جميعا هذا لا يعلق بها معرفة الخواص، ومعلوم أن حال المسلم بأعدائه هذا يحتاجه كل واحد، ولهذا بينه الله جل وعلا في القرآن مفصلا جدا.
فإذن القدر الواجب من ذلك -الذي يسمى الفقه الواقع السياسي- القدر الواجب منه الذي يجب على كل مسلم أن يعلم من ذلك الواقع: الواقع الذي أخبر الله جل وعلا به في كتابه أو أخبر به النبي صَلَّى الله عليه وسلم في سنته، وما هو أبعد من ذلك فإن هذا قد يكون من فروض الكفايات وقد يكون من المستحبات وقد لا يكون ممدوحا في بعض الحالات إذا كان معه التفريط في أصول شرعية؛ لأن هذه المسألة حادثة.
وأول من أطلقها حسب علمي أول من أطلقها في هذا العصر هو سيد قطب في تفسيره في كتابه في ضلال القرآن في سورة يوسف فإنه عند قوله تعالى -فيما أذكر ربما أكون نسيت- عند قوله تعالى ?قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ?[يوسف:55] قسم الفقه إلى قسمين:
* فقه الأوراق.
* وفقه الحركة.
وقال: إن فقه الحركة مبني على فقه الواقع، ولابد للحركة -يعني للجماعة الإسلامية المنظمة- أن تعتني بفقه الواقع لأن مبنى حركتها على معرفتها لفقه الواقع. وقدّم معرفة فقه الواقع على ما سماع بفقه الأوراق؛ وذلك أنه قال: إن فقه الأوراق -وهو فقه الكتاب والسنة- أنه يحتاج إليه إذا قامت الدولة المسلمة، أما إذا كانت الدولة المسلمة أو الجماعة المسلمة ليس لها سلطة سياسية تحكم فإنه كيف يُعتنى بفقه الأوراق قبل أن تقوم ويكون العناية بفقه الأوراق في فراغ -على حسب تعبيره- في فراغ ليس منزلا على واقع معين. ثم ركز على الاهتمام بفقه الواقع.
هذا حسب علمي هو أول من وزع هذا التوزيع وذكره، ومسألة فقه الواقع إنما اشتهرت في الزمن الأخير يعني في الثلاثين الأخيرة وانتشرت بين الدعاة وبين الشباب...
المقصود أن الفكرة هذه أول من طرقها هو سيد قطب طرقه لها كان مبنيا على نظرة، وهذه النظرة غير صائبة في أصلها وهي أن الأوراق -يعني فقه الكتاب والسنة- لا يحتاج إليه إلا إذا قامت الدولة المسلمة، هذا غلط حتى في البلاد التي ليس بها دولة مسلمة، فإن الدعوة التي لا تقوم على فقه الكتاب والسنة فإنها لا تمت إلى الإسلام بصلة؛ بل هي دعوة مبتدعة إذا كانت لا تهتم بفقه الكتاب والسنة، فبماذا يهتم الناس إذا لم يهتموا في دعوتهم بالكتاب والسنة؟
نعم قد سيد قطب في ما ذكر هو الإغراق في فهم فقه الأوراق كما ذكر هو عن بعض من يستفتى في مسائل عظيمة جرت على المجتمعات الإسلامية، يقول: لم تكن من سمة المجتمع الإسلامي وكل ما ولدها خليط من أهل الأفكار الغربية وتطبيقها على المجتمعات الإسلامية ثم ولد هذا المولود المشوه فسأل الإسلام عن حكمه. هذا الكلام ليس بالكلام في فقه الأوراق وإطلاقه لم يكن صائبا، فقه الأوراق يحتاجه كل داعية، ولهذا ترى دعوات كثيرة قائمة اليوم في المجتمع الإسلامي لا تهتم بتربية أفرادها على الفقه -فقه الكتاب والسنة-، وهذا يسبب ضررا من جهة أن الشباب أو أفراد الدعوات أو أفراد سواء كانوا في دعوات مخصوصة أو في دعوات غير منظمة هؤلاء كيف يدعون الناس؟ كيف يلتزم هو إذا ما فقه الكتاب والسنة؟ لهذا تجد في خارج هذه البلاد كما يذكر من ذهب تجد غرابة كبيرة في أن منهم من يتصدر للدعوة ويكون عنده ضعف في العلم شديد ويكون بعض صغار العلم يعرف مسائل في عبادته في صلاته بل في أمر عقيدته أعظم من ذلك، وقد يكون ذلك رئيس جماعة أو مسؤول في فئة نحو ذلك.
المقصود أن هذا الإطلاق ليس بصواب بل يجب أن ينظر إلى هذه المسألة نظر إنصاف ونظرا شرعيا؛ وذلك بنحو ما فصلت وهو أن الواقع قسمان:
* واقع مؤثر في الأحكام.
* وواقع غير مؤثر في الأحكام.
الواقع المؤثر في الأحكام هذا يجب على العالم كذلك على الداعية رعايته، أما الواقع الذي لا يؤثر في الأحكام فهذا لا يجب على العالم أن يعرفه ولا على الداعية أن يعلمه، إنما هذا إذا كان في الأمة حاجة لذلك فقد يكون في بعض الأحوال فرض كفاية قد يكون في بعض الأحيان مستحبا قد يكون مباحا وقد يكون مذموما في بعض الأحوال كما فصلت لك سابقا.
إذن هذه المسألة جرها ذكر الشيخ ذكر الشيخ رحمه الله لكلام ابن عباس وقوله في المسائل: وفيه ذم الصحابي للواقع.
الشيخ رحمه الله إذا تأملت دعوته كيف دعا الناس تجد أنه عالم بواقع الناس؛ واقع الناس وأحوالهم والارتباطات التي في وقته يعلمها، وبهذا تجده رحمه الله تعالى رحمة واسعة بدأ الناس بما يصلحهم، ما ابتدأهم بشيء بعيد عن واقعهم بل نقلهم خطوة فخطوة حتى كتب الله جل وعلا له انتشار الدعوة وقوتها.
دعوة الشيخ محتاجة منكم إلى دراسة عظيمة؛ لأنها دعوة سلفية نجحت في هذه البلاد، [ونود] أن يتفرس الدعاة فيها وفي أسباب نجاحها وفي نظر الشيخ كيف كان واهتماماته وما كان عليه من النظر العام وأصول الدعوة وما ينبغي في ذلك؛ لأن كل مخلص في دعوته يحب أن تنجح الدعوة الصحيحة التي يدعو إليها، وهذا يحتاج إلى أن ندرس الدعوة السالفة الناجح منها وغير الناجح لعل الله جل وعلا أن يكتب النجاح لكل مخلص في دعوته.
أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا من المخلصين في قولهم وفي عملهم، المقتصدين المنصفين المعتدلين، وأسأله تبارك وتعالى أن يربطنا بالعلم النافع والعمل الصالح يمتنا على الإسلام غير مضللين ولا مبدلين.
نكتفي بهذا القدر، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

12d8c7a34f47c2e9d3==