المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحث على تعلّم أحكام الشريعة في الوصية والوقف


كيف حالك ؟

قاسم علي
03-10-2013, 05:13 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهدِهِ الله فلا مُضِلّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان، وسلَّم تسليمًا كثيرًا .

أما بعد:

فيا أيها الناس، اتَّقوا الله تعالى واشكروه على ما أنعم به عليكم من نعمة الدين والدنيا، فلقد أرسل الله إليكم رسولاً يتلو عليكم آيات الله ويزكّيكم ويعلّمكم الكتاب والحكمة فبقي فيكم دين الله متلوًّا في كتاب الله غير مبدّل ولا مغيّر ومأثورًا فيما صح من سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأفاض عليكم المال لتستعينوا به على طاعته ولتتمتّعوا به في حدود ما أباح الله لكم، فالمال فيه قيام دينكم ودنياكم فاعرفوا حق الله عليكم فيه وابذلوه في مستحقِّه ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا﴾ [المزمل: 20] .

أيها الناس، إن كل نعمة أنعمها الله على العبد فلا بُدَّ أن يقوم بشكرها، فإذا أنعم الله على الإنسان بالعلم فلا بُدَّ أن يقوم بشكر هذا العلم ولا بُدَّ أن يظهر أثر العلم عليه في نفسه وفي غيره، أما أثر العلم في نفسه: فأن يكون قائمًا بعبادة الله متخلّقًا بالأخلاق الفاضلة التي يتميَّز بها ذوو العلم من غيرهم، وأما في عباد الله: فإن الواجب عليه أن ينشر علمه في عباد الله العلم المبني على كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، العلم المبني على تَعَقُّلٍ وتمهُّل ونظر في الأدلة من جميع الجوانب ونظر في قواعد الشرع العامة الأصيلة؛ حتى يكون علمه مبنيًّا على أساس صحيح وحينئذٍ يدعو بعلْمه إلى الله على بصيرة فينال بذلك خيرًا؛ فإن الإنسان «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له» .

أما نعمة الله على الإنسان بالمال: فيجب عليه أن يقوم بشكر هذه النعمة وأن يكتسب المال من الوجوه الحلال التي أحَلّ الله له؛ لِيَسْلمَ بذلك من شرِّه ولِتنزل له البركة فيما اكتسب؛ فإن قليلاً من حلال خير من كثير من حرام .

ومن شكر نعمة الله عليه في المال: أن يبذله فيما يرضي الله - عزَّ وجل - وينفع به عباد الله؛ فإن المال في الحقيقة ما قدّمه الإنسان ذخرًا له عند ربه ليس له من المال ما جَمَعَه فاقتسمه الوارث بعده، وإنما المال ما قدّمه لنفسه؛ لأن ما اكتسبه ولم يقدّمه لنفسه يكون لِمَن بعده كما قال الله عزَّ وجل: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ﴾ [الأنعام: 94]، فكل ما خوَّل اللهُ العبد من عقار وأساس وأعيان وأموال فسيدعها وراء ظهره غنيًّا عنها، سوف ينتقل عن الدنيا وسوف تنتقلون جميعًا أغنياء عمّا خلفتم فقراء إلى ما قدّتم، وفي الصحيح عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أيّكم مال وارثه أحب إليه من ماله ؟ قالوا: يا رسول الله، ما منّا أحد إلا ماله أحب إليه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فإن ماله ما قدّم ومال وارثه ما أخّر» فتنبَّهوا لهذه النقطة العظيمة؛ حيث قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - ذلك، إن المال الذي تخلّفه من بعدك ليس مالاً لك وإنما هو مال لورثتك والمال الذي هو مالك ما قدّمته لله عزَّ وجل، وفي الترمذي عن عائشة - رضي الله عنها - «أنهم ذبحوا شاة فتصدّقوا بها سوى كتِفها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بقيت كلها غير كتِفها» .

أيها المسلمون، إن طرق الخير التي يُنفق فيها المال كثيرة، فمن ذلك: أن يتصدّق الإنسان بالمال على الفقراء صدقة منجَّزة والأقارب أحق من غيرهم ليتصرف فيها المتصدَّق عليه تصرّف المالك في ملكه وذلك من أفضل الأعمال وأربح التجارة، لَمّا نزل قوله الله تعالى: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: 92]، جاء أبو طلحة - رضي الله عنه - وكان له حديقة قبْلتها مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - تُسمى: بيرحاء، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدخلها ويشرب من ماء فيها طيّب، فقال: «يا رسول الله، إن الله أنزل هذه الآية وإن أحب مالي إليَّ بيرحاء وإنها صدقة لله أرجو برَّها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله» فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بَخٍ بَخٍ، ذاك مال رابح، ذلك مال رابح وقد سمعت ما قلت وأنا أرى أن تجعلها في الأقربين» فقسَمَها أبو طلحة في أقاربه وبني عمّه .

ومن إنفاق المال في طرق الخير: أن يصرفه الإنسان في بناء المساجد والمشاركة فيها، فقد صحَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «مَن بنى لله مسجدًا يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتًا في الجنة» فالمساجد يصلي فيها المسلمون ويأوي إليها المحتاجون ويُذكر فيها اسم الله بتلاوة كتابه وسنّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - والفقه في دينه وفي كل ذلك أجر لبانيها والمشارك فيها، وإن إنفاق الأثلاث أو الأخماس أو الأربعاء في مثل هذه المشاريع خير من إنفاقها في الأضاحي والعَشَاء الذي كان الناس يعتادونه من قبل لِمَا يحصل في هذه الأضاحي والعَشَاء من الاختلافات بين الورثة والناس اليوم ليست في حاجة إليها بخلاف الناس بالأمس؛ ولذلك فإننا ننصح مَن كان يريد أن يُسبِّلَ ثلثًا أو خُمُسًا أو ربعًا أن يجعله في مثل هذه المشاريع في المساجد ونحوها؛ لأن ذلك أكثر أجرًا؛ فإن أجره مستمر في الليل والنهار في طول السنة بخلاف الأضاحي والعَشَاء؛ فإنها في وقت معيّن من السنة ومع ذلك فلا تَسْلم من أضرار بين الناس إما بين الأقارب أو بينهم وبين غيرهم .

ومن إنفاق المال في طرق الخير: أن يُنفقه الإنسان في طبع الكتب النافعة والنشرات الهادفة؛ لينتفع المسلمون بها .

ومن إنفاق المال في طرق الخير: أن ينفقه في المصالح العامة كإصلاح الطرق وتأمين المياه؛ فإن الصحابة - رضي الله عنهم - حين قدِموا المدينة كان فيها بئر تسمى: بئر رومة، لا يحصّلون الماء منها إلا بثمن فاشتراها عثمان رضي الله عنه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن حفَرَ رومة فله الجنة» فحفرها عثمان رضي الله عنه .

ومن إنفاق المال في طرق الخير: تحبيسه وإنفاق غلّته فيما يقرّب إلى الله - عزَّ وجل - وهو: الوقفُ و السَّبيل، ففي الصحيحين أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أصاب أرضًا بخيبر لم يُصب مالاً أنفس عنده منه، فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستشيره فيها ويستأمره، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «إن شئت حبّست أصلها وتصدّقت بها» وفي صحيح البخاري في رواية له: «تصدّق بأصله، لا يباع ولا يوهب ولا يورث ولكن ينفق ثمره» وللنسائي: «احبس أصلها وسبِّل ثمرتها» فتصدّق به عمر في سبيل الله، وفي الرقاب، وفي المساكين، وفي والضيف، وفي ابن السبيل وفي ذي القربى، ولم يكن في وقف عمر أضاحي ولا عشاء في رمضان ولكنّه للمساكين عمومًا في كل وقت وفي سبيل الله، وفي الرقاب، والضيف، وابن السبيل وذي القربى، فإذا سبَّل الإنسان مُلْكَه صار وقفًا محبوسًا لا يُباع ولا يوهب ولا يورث وإنما يُصرف فيما جعله الواقف فيه ما لم يكن إثْمًا، والمقصود في الوقف أمران عظيمان:

أولهما: التقرّب إلى الله - عزَّ وجل - وابتغاء الأجر والثواب منه ببذل غلّة الوقف فيما يرضيه .

وثانيهما: نفع الموقوف عليهم والإحسان إليهم، وإذا كان المقصود به التقرّب فإنه لا يجوز الوقف إذا كان فيه معصية لله ورسوله؛ إذْ لا يُتقرّب إلى الله إلا بطاعته؛ وعلى هذا فلا يجوز للإنسان أن يوقِف على بعض أولاده بالتعيين دون بعض؛ لأن الله أمر بالعدل ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى﴾ [النحل: 90]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اتَّقوا الله واعدلوا بين أولادكم» والوقف على بعض الأولاد دون بعض منافٍ للعدل إلا أن يكون التخصيص بصفة استحقاق توجد في أحدهم دون الآخر، مثل: أن يوقِف على الفقير من أولاده أو على طالب العلم منهم فإن هذا لا بأس به فإذا وقّفه على الفقير منهم فلا حظ للغني فيه حال غناه، وإذا وقّفه على طالب العلم فلا حظ فيه لغير طالب العلم حال تخلّيه عن الطلب .

ولا يجوز للإنسان أن يوقف شيئًا من ماله وعليه دين لا وفاء له من غير ما وقّفه حتى يوفي دينه، فإذا قُدِّر أن شخصًا عليه مائة ألف وله عقار يساوي مائة ألف وليس عنده غيره فإنه لا يجوز له أن يوقفه؛ لأن الدَّين يجب قضاؤه وأما الوقف فهو تطوّع ولا يجوز أن يزاحم التطوعُ شيئًا واجبًا؛ ولأن ذلك إضرار بغريمه ووفاء الدَّين أهم .

ولا يجوز أن يوصي بوقف شيء بعد موته على بعض ورثته دون بعض؛ لأن الله قسّم المال بين الورثة وقال: ﴿فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ﴾ وفي الآية الثانية: ﴿وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ﴾ [النساء: 11-12]، وبيَّن أن ذلك من حدوده وتوعّد مَن تعدَّى حدوده وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله أعطى كل ذي حق حقّه فلا وصية لوارث» فإذا قال الإنسان: أوصيت بداري وقفًا على ذرّيتي وله ورثة غير الذّريّة كالأب والأم والزوجة كان ذلك خروجًا عن فريضة الله وإخلالاً بوصية الله وتعدِّيًا لحدود الله ومعصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم .

أيها المسلمون، إذا كان المقصود بالوقف هو التقرب إلى الله - عزَّ وجل - ونفع الموقوف عليهم فالذي ينبغي للإنسان أن ينظر ما هو أقرب إلى الله وأنفع لعباده ولْينظر في النتائج المترتّبة على وقْفه ولْيتجنب ما يكون سببًا للعداوة والقطيعة، ولْيعلم أن إنفاق المال في حال الحياة والصحة خير وأفضل وأعظم أجرًا لاسيما إذا كان في صالح مستمر كبناء المساجد وإصلاح الطرق وتأمين المياه وطبع الكتب النافعة أو شرائها وتوزيعها على مَن ينتفع بها والإعانة في زواج فقير يحصّنه ويحصّن زوجته وربما يولد بينهما صالح ينفع المسلمين فيكون ذلك مصلحة وأجرًا لِمَن أعانه على زواجه، ولو قُدِّر أنه وُلد بينهما ولدٌ فاسد لم يضرّ المعين شيئًا؛ لأنه لم يعنه من أجل طلب مثل هذا الولد، وفي صحيح مسلم: «أن رجلاً قال: «يا رسول الله، أيُّ الصدقة أفضل» ؟ وفي لفظ: «أعظم أجرًا» قال: «أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل البقاء ولا تُمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان» وصدَقَ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن الصدقة في حال الصحّة أفضل؛ لأنها صدقة من شخص يخاف الفقر ويأمل طول البقاء، فهو شحيح بالمال بخلاف مَن جعل تنفيذ المال بعد يأسه من الحياة وانتقال المال للوارث، وقد تصدّق الله على عباده بثلث أموالهم يوصون بها بعد موتهم لأقاربهم غير الوارثين أو الفقراء أو لبناء المساجد أو غيرها من طرق الخير وهذا أعلى ما يكون؛ أي: أنه لا تجوز الزيادة على الثلث.

أيها المسلمون، اتَّقوا الله - عزَّ وجل - واعرفوا حدوده ولا تعدّوا حدود الله فتكونوا من الظالمين .

اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من الذين ينفقون في سبيلك، اللهم اجعلنا من الذين ينفقون في سبيلك، ينفقون فيما يرضيك، واجعلنا مِمّن يكسب المال من طريق حلال ويتمتّع به على وجه حلال؛ إنك على كل شيء قدير .

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية

الحمدُ لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا .

أما بعد:

أيها الإخوة، فإنني أريد أن أُنَبّه حول موضوع الخطبة الأولى على أمرين هامّين، أحدهما: أن كثيرًا من الناس يظنّون أن الوصية بالثلث أفضل من الوصية بِما دونه وهذا خطأ؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الثلثُ والثلث كثير» ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما: «لو أن الناس غضّوا من الثلث إلى الربع» لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الثلث والثلث كثير» وأوصى أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - بخُمس ماله وقال: أرضى بِما رضي الله لنفسه؛ فإن الله قال: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى﴾ [الأنفال: 41] .

أيها المسلمون، إن الأفضل لكم أن تغضّوا من الثلث إلى ما دونه؛ لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الثلث والثلث كثير» يدل على أن الأفضل ما دونه؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث نفسه: «إنك أن تَذَر ورثتك أغنياء خير من أن تَذَرهم عالة يتكفّفون الناس» وهو يخاطب صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص وقد كان له مال كثير .

أما الأمر الثاني: فإن بعض الناس يوصي لبعض أولاده دون بعض وذلك فيما يأتي: يكون للإنسان أولاد متعدّدون يبلغ بعضهم سن الزواج فيزوّجه في حياته والبعض الآخر لا يبلغ سن الزواج فيأتي الأب ويوصي بالمهر لِمَن لم يدرك الزواج في حياته فيقول: أوصيت بكذا وكذا لفلان أحد أولاده، يعطي إياه مهرًا لزواجه وهذا حرام عليه ولا يَحِل له والوصية غير نافذة، فيجوز للورثة أن يمنعوها ويردّوها؛ لأنها وصية جائرة، وصيةٌ فيها تعدٍّ لحدود الله؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا وصية لوارث» وهذا الابن إن بلغ سن الزواج في حياة أبيه فإنه يجب عليه أن يزوّجه إن كان قادرًا كما زوّج أخاه الأول وإن لم يبلغ سن الزواج فإنه غير مسؤول عنه، والواجب: أن يُقسم ماله على حسب فريضة الله عزَّ وجل، فانتبهوا لهذه المسألة التي يظن بعض الناس أنها جائزة وتحمله الشفقة على ولده الصغير فيوصي له بالمهر بعد وفاته وهذا حرام عليه كما بيَّنت لكم .

فاتَّقوا الله - عباد الله - واعرفوا حدود الله قبل أن تقعوا فيما يُخالف حدود الله، واعبدوا الله على بصيرة، وعاملوا عباد الله على بصيرة، ولا تغترّوا فتفعلوا الشيء ثم إذا فعلتموه ذهبتم إلى العلماء تسألونهم بعد أن يفوت الأوان، والإنسان العاقل هو الذي لا يُقْدم على الشيء حتى يعرف حكمه ثم يبني عمله على ما عرفه من حكم الله .

أسأل الله أن يجعلني وإياكم مِمّن يعبد الله على بصيرة، وأن يرزقنا علمًا نافعًا وعملاً صالِحًا متقبّلاً ورزقنا طيِّبًا واسعًا، اللهم أرِنا الحق حقًّا وارزقنا اتِّباعه، وأرِنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه .

«واعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة في دين الله بدعة، وكل بدعة ضلالة» «فعليكم بالجماعة؛ فإن يد الله على الجماعة، ومَن شذَّ شذَّ في النار» وأكْثروا - أيها المسلمون - من الصلاة والسلام على نبيّكم؛ فإن الله أمركم بذلك في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، ومَن صلّى على النبي - صلى الله عليه وسلم - مرَّة واحدة صلى الله عليه بها عشرًا .

اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، اللهم توفَّنا على ملّته، اللهم أسْقنا من حوضه، اللهم أدخلنا في شفاعته، اللهم اجمعنا به في جنّات النَّعِيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيِّين، والصديقين، والشهداء والصالحين .

اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين، وعن زوجاته أمهات المؤمنين، وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم ارضَ عنّا معهم وأصْلح أحوالنا كما أصْلحت أحوالهم يا رب العالمين .

اللهم اجعلنا من المؤمنين الصالحين، اللهم اجعلنا أذلة على المؤمنين أعزّة على الكافرين، اللهم اجعلنا رحماء بيننا أشداء على الكفار أعدائك وأعدائنا يا رب العالمين .

اللهم مَن تولاهم منَّا فاهدِهِ إلى الحق وألقِ في قلوبهم عداوتهم حتى يتحقّق له الإيمان يا رب العالمين .

اللهم أصْلح ولاة أمور المسلمين، اللهم أصْلح بطانة ولاة أمور المسلمين، اللهم أصْلح رعايا المسلمين، اللهم أصْلح شباب المسلمين وشيوخهم وذكورهم وإناثهم يا رب العالمين، ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [الحشر: 10] .

عباد الله، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [النحل: 90-91]، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نِعَمِهِ يزدْكم، ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ [العنكبوت: 45] .

-------------

منقول من موقع الشيخ ابن عثيمين رحمه الله

12d8c7a34f47c2e9d3==