المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ}


كيف حالك ؟

قاسم علي
03-10-2013, 04:07 PM
تفسير {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} للعلامة ابن عثيمين رحمه الله


قال الله تعالى: { {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} } [آل عمران: 104 ـ 105] :

قوله تعالى: { {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} } اللام في قوله: { {وَلْتَكُنْ} } لام الأمر، ودليل ذلك جزم الفعل بها { {وَلْتَكُنْ} } ولام الأمر تجزم الفعل المضارع { {أُمَةٌ} } طائفة يدعون إلى الخير، والأمة في القرآن الكريم وردت على معان متعددة، منها الطائفة، ومنها الزمن، ومنها الإمامة، ومنها الملة، فمثالها في الطائفة هذه الآية { {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَةٌ} }، ومثالها في الملة قوله: {{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ}} [الزخرف: 22] ، أي على ملة، ومثالها في الإمامة {{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً}} [النحل: 120] ومثالها في الزمن: {{وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ}} [يوسف: 45] ، أي بعد زمن.

{ {مِنْكُمْ} } (مِنْ) يحتمل أن تكون للتبعيض، ويحتمل أن تكون لبيان الجنس، فعلى الأول يكون المعنى: وليكن بعضكم يدعو إلى الخير، وعلى الثاني: ولتكونوا جميعاً دعاة إلى الخير؛ لأننا إذا جعلناها لبيان الجنس صار المعنى أن كل الأمة يجب أن تكون من هذا الطراز، يعني: ولتكونوا أمة تدعون إلى الخير، وإذا جعلناها للتبعيض صار المعنى: وليكن بعضكم يدعو إلى الخير.

قال: { {يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} } كل من تتوجه الدعوة إليه، أي إنسان تتوجه الدعوة إليه فليدعوه حتى الجن، ولهذا كان المفعول محذوفاً من أجل العموم { {الْخَيْرِ} } كل ما جاء به الشرع فهو خير، ويشمل ما كان خيراً في الدين وما كان خيراً في الدنيا، أما ما كان خيراً في الدين فأمره ظاهر {{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ *}} [الزلزلة: 7] وأما ما كان من أمر الدنيا فلأن ما كان من مصالح الدنيا التي لا تعارض الدين فهو من الأمور الخيرية المطلوبة، فيكون الخير هنا يشمل خير الدين وخير الدنيا، فمثلاً يدعون إلى فعل الطاعات، صَلِّ، زكِّ، صُم، حُج، بر والديك، صِلْ أرحامك، انصح في البيع والشراء، بيِّن، وما أشبه ذلك، كل هذا دعوة إلى الخير. لا تزنِ، لا تسرق، لا تشرب الخمر، لا تقتل النفس بغير حق، لا تعق والديك، لا تقطع أرحامك، لا تغش الناس، هذا أيضاً دعوة إلى الخير؛ لأن النهي طلب كفٍّ فهو في الحقيقة دعوة إلى الخير؛ لأن ترك الشر خير.

{ {وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ} }:

جعل الأمر بالمعروف بعد الدعوة؛ لأن الدعوة سابقة على الأمر، فأنت تدعو أولاً ثم تأمر ثانياً ثم تغير ثالثاً، وهذا يلتبس على كثير من الطلبة، يظنون أن الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتغيير المنكر شيء واحد، والأمر ليس كذلك، فالدعوة إلى الخير عامة. الخطيب إذا خطب الناس في الجمعة وأمر ونهى، يقال: داع إلى الخير، الرجل إذا قال: يا أخي صلِّ، اتق الله يا أخي، لا تغش الناس، اتق الله، فهذا أمر بمعروف ونهي عن منكر. ولي الأمر إذا رأى آلة عزف وكسرها هذا تغيير منكر، ولكلٍّ درجات. وكلمة (يأمرون) تدل على أنهم يتكلمون مع الناس على وجه الاستعلاء لا على وجه العلو، يعني على وجه أنني آمر، والآمر بالخير أعلى مرتبة من المأمور.

وقوله: { {بِالْمَعْرُوفِ} } المعروف كل ما عرفه الشرع وأقره من العبادات فعلاً؛ لأنه قال: { {وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} }، جمع بينهما، فصار المراد بالمعروف كل ما عرفه الشرع وأقره من العبادات المأمور بها، فالأمر بالتوحيد أمر بالمعروف، والأمر باتباع السلف في العقيدة أمر بمعروف، والأمر بالصلاة أمر بمعروف، والأمر ببر الوالدين أمر بالمعروف، وهلم جرا.

ثالثاً : { {وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} }:

النهي طلب الكف على وجه الاستعلاء، يعني يطلبون من الناس أن يكفوا عن المنكر، والمنكر ما أنكره الشرع من الأعمال والأخلاق، فالزنا، والسرقة، وشرب الخمر، وقتل النفس، والعدوان على الناس بأخذ أموالهم وانتهاك أعراضهم، كل هذه منكرات، فهم ينهون عن المنكر.

{ {لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} }:

(أولئك) المشار إليه الأمة الداعية إلى الخير، الآمرة بالمعروف، الناهية عن المنكر، وهي مبتدأ، و «هم» ضمير فصل لا محل له من الإعراب، والمفلحون خبر المبتدأ، فلو قال قائل: لماذا لا تجعلون «هم» مبتدأ ثانياً، و «المفلحون» خبر المبتدأ الثاني، والجملة خبر المبتدأ الأول؟ قلنا: لا نقول ذلك، لأننا لو قلنا ذلك لفاتتنا فوائد ضمير الفصل، ويدل لهذا قوله تعالى: {{لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ *}} [الشعراء: 40] ووجه الدلالة أنه لم يجعل ضمير الفصل مبتدأ، فلو جعل مبتدأ لقال (إن كانوا هم الغالبون) حتى تكون الغالبون خبر لـ«هم». و{ {الْمُفْلِحُونَ} } هم الناجون من الكربات، الحاصلون على المطلوبات، فالفلاح هو النجاة من المكروبات أو من المكروهات والحصول على المطلوبات، ففيه أمران:

1 ـ سلامة.

2 ـ وكسب.

ولهذا تعتبر كلمة الفلاح من أجمع الكلمات، فالمفلح هو الفائز بمطلوبه، الناجي من مرهوبه.

منقول من تفسيرالشيخ رحمه الله

12d8c7a34f47c2e9d3==