المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العلامة صالح الفوزان و الإمام ابي حنيفة النعمان رحمه الله


كيف حالك ؟

عامي
02-16-2013, 01:03 AM
[تقديم معالي الشيخ العلامة الدكتور صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان]
تقديم معالي الشيخ العلامة الدكتور
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين، نبيا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
فإن من حكمة الله - تعالى - وسنته في خلقه: أنه يبتلي أهل الحق بخصومهم من أهل الباطل، ليظهر الجهاد في سبيل الله، والموالاة في الله والمعاداة فيه.
وليظهر المؤمن الصادق من المنافق الكاذب {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} [محمد: 4] {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} [الفرقان: 31] {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} [الفرقان: 20] .
والحق منصور وممتحن فلا ... تعجب فهذي سنة الرحمن
وفي وقتنا هذا: ظهر كثير من هؤلاء الذين يبتلى بهم المسلمون، ومن هؤلاء: شخص يدعى " حسن بن فرحان المالكي " من جنوب المملكة، صار ينتقد أهل السنة، ويؤيد أهل البدعة.
وظهرت له في ذلك كتابات جمعها في كتاب له سماه " قراءة في كتب العقائد، المذهب الحنبلي نموذجا "، شحنه بالافتراءات على أهل السنة وكتبهم.

فقيض الله من المشايخ من أبطل شبهاته، وكشف زيفه، وفضح كذبه. ومن هؤلاء: فضيلة الشيخ عبد العزيز بن فيصل الراجحي في كتابه " قمع الدجاجلة، الطاعنين في معتقد أئمة الإسلام الحنابلة ".
فجاء كتابه هذا وافيا بالمقصود من الرد على هذا المبطل، وعلى من يقف وراءه ممن {لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} [الأنفال: 60] ، فجزاه الله خيرا وأثابه، وصلى الله وسلم على نبيا محمد وآله وصحبه.
كتبه
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء
(التوقيع)
في 15 / 8 / 1423 هـ

جاء في الكتاب الذي قدمه الشيخ ما يلي :

قال الشيخ عبد العزيز بن فيصل الراجحي : [فصل في زعم المالكي غلو بعض الحنابلة المعاصرين في ذم أبي حنيفة]
فصل
في زعم المالكي غلو بعض الحنابلة المعاصرين في ذم أبي حنيفة قال المالكي ص (14) : (لكن المشكلة أن الغلو أيضا له وجود قوي نشعر به، ويكفي أن هناك كتبا وأبحاثا معاصرة، لا زالت على ذم أبي حنيفة وتبديعه وتضليله) اهـ.
والجواب: أنا لا نريد من المالكي دليلا على صدق كلامه، إلا كتابا واحدا فقط، لحنبلي معاصر في ذم أبي حنيفة! من تلك الكتب! والبحوث! المعاصرة التي زعمها!
ولا ينس أن يكون صاحب الكتاب حنبليا! لكونهم المنتقدين لا سواهم، فليتنبه! ونحن بالانتظار!)

و قال : ( [فصل في زعم المالكي أن تكفير الحنابلة لأبي حنيفة فيه خير]
فصل
في زعم المالكي أن تكفير الحنابلة لأبي حنيفة فيه خير، لإظهاره حال من
ينسب إليهم الصلاح، ومقياس الحق عندهم! والرد عليه قال المالكي ص (108) : (على آية حال، لا يخلو شر من خير في الغالب، وعلى هذا فلا يخلو تكفير هؤلاء لأبي حنيفة من فوائد عظيمة، لعل أبرزها: معرفة طغيان العواطف على العلم، عند بعض السلف، الذين نصفهم بالصلاح، ونصم مخالفيهم بالضلالة! !) اهـ.
والجواب: أن التكفير والتبديع - كما تقدم - له ضوابطه الشرعية، ولا يكون بالعواطف أو الأهواء، وهذا طعن آخر في السلف رحمهم الله.
ونتيجة المالكي هذه، بناها على مقدمات كاذبة، بينا كذبها، فهي نتيجة فاسدة.
ثم قال المالكي ص (158) : (فهذه الكتب تصلح لدراسة وقياس الإنصاف والظلم عند سلفنا، وقياس فهمهم للحجة من عدمها، مع قياس العلم والجهل، والصدق والكذب عند المتقدمين، فهي شاهد على ذلك العصر) اهـ.

(1/145)

والجواب: أن من جعل كتب ومصنفات كبار أئمة الإسلام، ومدار أئمته الأعلام: كتبا مليئة بعدم الإنصاف! والظلم! وعدم فهم حجة المخالف! وتظهر قدر علمهم، وجهلهم، وعدم صدقهم، وظهور كذبهم! : لهو الظالم الباغي، فإن أولئك هم ريحانة الإسلام، وعلماؤه العظام، بهم استقامت الشريعة، وعرف الحلال والحرام.
وهي - بلا شك - دليل علمهم، وإنصافهم، ودقة فهمهم وصدقهم، ولو كانوا غير ذلك، لسقطت السنة، فهم حملتها، ورواتها، وحافظوها.

(1/146)

[فصل في إبطال المالكي تكفير الأئمة لفرق الضلالة كالرافضة والمعتزلة وغيرهم]
فصل
في إبطال المالكي: تكفير الأئمة لفرق الضلالة، كالرافضة، والمعتزلة
وغيرهم، ببطلان تكفيرهم لأبي حنيفة الذي زعمه! والرد عليه قال المالكي ص (108) : (كما أن ظلمنا في تكفير أبي حنيفة وأصحابه رحمهم الله، يجعلنا نتوقف في ظلمنا فرقا أخرى، كالشيعة، والمعتزلة، والصوفية، والأشاعرة، وغيرهم. لأنه إن سلمنا بأن تكفيرنا لأبي حنيفة كان خاطئا، فما الذي يمنع من أن تكفيرنا لهؤلاء، كان خاطئا أيضا؟ !) اهـ.
والجواب من وجوه: أحدها: أن السلف، رحمهم الله، لم يظلموا أبا حنيفة، وقد تقدم رد هذا، فنتيجته هذه، مبنية على مقدمته تلك الفاسدة.
مع أن أبا حنيفة ليس معصوما، حتى نطعن في غيره من أئمة الإسلام، إذا جرحوه أو تكلموا فيه، بل الأقرب صحة كلامهم، وإمضاء قولهم، لو تعارض الأمران، إما عدالة أبي حنيفة، أو صوابهم.
الوجه الثاني: أن كلام السلف في الرافضة والمعتزلة والصوفية والأشاعرة: ليس مبنيا على الظنون والأهواء، بل بنوه على الأدلة الواضحة، والحجج الظاهرة.

(1/147)

فحال الرافضة: فصله شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله (ت 728 هـ) في " منهاج السنة "، وبين ضلالهم، وقبيح أقوالهم، وفساد اعتقادهم، بالحجة والدليل.
وأما المعتزلة والأشاعرة: فبين حالهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وبين موقف السلف الصالح منهم، في كثير من مؤلفاته منها:
. "درء تعارض العقل والنقل"،
. و "بيان تلبيس الجهمية"،
و" الحموية"،
. و" التسعينية"،
و"النبوات"،
و"الإيمان"، وغيرها كثير.
وكذلك الصوفية في كتابيه:
. "الاستقامة "،
. و "الفرقان بين أولياء الشيطان وأولياء الرحمن "، وغيرهما.
وقد بين حالهم، وحكمهم بالدليل، وروى أقوال السلف فيهم جماعة من أئمة الدين وحفاظه، في كتب كثيرة.
فمقصود هذا المخذول (المالكي) من زعمه ظلم الحنابلة - ويقصد بهم السلف -: تبرئة أهل البدع والضلال، كالرافضة، والمعتزلة، والصوفية، والأشاعرة.

(1/148)

أما زعم المالكي: أن الرافضة والمعتزلة والصوفية والأشاعرة كفار، ففيه تفصيل:. فإن كان - هو - يكفرهم، فليبد حجته! !
. وإن كان يقصد تكفيرنا - نحن - لهم، مع عدم تكفيره - هو - لهم: فليذكر لنا أسباب تكفيرنا لهم التي لم يرضها، وليبين لنا بطلانها.
أما نحن: فحالهم عندنا على تفصيل يطول ذكره، مختصره: أن المعتزلة والرافضة كفار، قد أجمع السلف المتقدمون، والأئمة المرضيون على كفرهم، بل كفر من قال بآحاد مسائلهم، كخلق القرآن ونحوها.
أما الأشاعرة: فمبتدعة.
وأما الصوفية: فغلاتهم من القائلين بالحلول والاتحاد ونحوه، فلا شك في كفر من لم يكفرهم، بَلْهَ عنهم هم، وكذلك عباد القبور، ودعاة الموتى.
أما من دونهم من أصحاب الأذكار والأوراد البدعية والرقص والضرب بالدف، والموالد ونحوها: فهم مبتدعة ليسوا بكفار.

(1/149)

[فصل في طلب المالكي الاتغاظ بما حصل من السلف من تسرع في التكفير]
فصل
في طلب المالكي الاتغاط بما حصل من السلف من تسرع في التكفير!
والرد عليه ثم قال المالكي ص (108) : (والعاقل من اتعظ بهذه عن تلك، فلا يتسرع في التكفير قبل معرفة حجج الخصم، وارتفاع موانع تكفيره، ومعرفة شبهه واعتذاراته من قوله، لا من نقل خصمه) اهـ.
وجوابه: أن السلف رحمهم الله لم يكفروا، إلا من ارتكب مكفرا، واستوفى شروط التكفير، وهم أتقى وأورع وأعظم من أن يكونوا متسرعين فيمن كفروه.
فإن وقف المالكي على أحد كفروه بقول لم يقله: فليبد لنا حجته!
أما قوله: "من قوله لا من نقل خصمه ": ففيه تفصيل:. فإن كان الخصم الناقل ثقة عدلا قُبِل، وبأي دليل شرعي، أو عقلي يرده؟ ! وقد قبلت أقوالهم في نقل الوحي، ألا تقبل فيما سواه؟ !
. وإن لم يكن عدلا ثقة: لم يقبل، كان خصما أو لم يكن، إلا بعد التثبت والتبين.

(1/150)

[فصل في طعن المالكي فيما رواه عبد الله بن الإمام أحمد في السنة]
فصل
في طعن المالكي فيما رواه عبد الله بن الإمام أحمد في " السنة " والرد عليه قال المالكي (108) : (فبعض ما نقله عبد الله بن أحمد هنا، لا يقره الأحناف، بل ينكر الحنفية أن يكون أبو حنيفة يقول بذلك أو يعتقده) اهـ.
وجوابه من وجوه: أحدها: أن عبد الله بن الإمام أحمد لم يقل في أبي حنيفة شيئا، وإنما روى بأسانيده ما بلغه عن أئمة السلف كمالك والأوزاعي والثوري وابن المبارك وغيرهم، وهم أئمة عدول ثقات.
الثاني: أن كلام بعض أئمة السلف، الذين روى أقوالهم عبد الله بن أحمد في أبي حنيفة: هم معاصرون لأبي حنيفة، وأدرى به ممن جاء بعده، وتمذهب بمذهبه، فهم رحمهم الله مُحَكَّمون لا مَحْكومون، ومقدمون لا متقدمون.
الثالث: أن الإنكار المجرد ليس بحجة، وقد تكاثر وتتابع كلام السلف في أبي حنيفة، فلا ينكر ولا يرد، إلا بحجة ودليل.)
و قال أيضا: ( [فصل في تكذيب المالكي من رمى أبا حنيفة برد الأحاديث واعتذار المالكي عنه رحمه الله]
فصل
في تكذيب المالكي من رمى أبا حنيفة برد الأحاديث،
واعتذار المالكي عنه رحمه الله، بأن له وأصحابه منهجا متشددا في قبول
الأحاديث! ! والرد عليه قال المالكي في الحاشية ص (108) : (مثل قولهم: إن مذهب أبي حنيفة رد أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؟ ! فهذا ظلم وكذب، فأبو حنيفة لا يرد أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هكذا ردا بالهوى، وإنما له ولأصحابه منهج متشدد في قبول الأحاديث وردها، يختلف عن منهج المحدثين) اهـ.
والجواب: أن هذا الجاهل، ينفي عن أبي حنيفة ما يثبته - هو - له، فنفى وكذب من قال: إن أبا حنيفة رد أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم أثبت ذلك لأبي حنيفة!
إلا أنه جعل ذلك، لمنهج أبي حنيفة المتشدد في قبول الحديث! ! فرد أبي حنيفة لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده ثابت، وإنما الاختلاف: في سبب الرد لا وجوده.
ثم إذا كان الأمر كما سبق، فمن أين علم المالكي أن السلف جعلوا رد أبي حنيفة للأحاديث للهوى، لا إلى منهجه المتشدد في قبولها؟ !

(1/152)

أما زعم المالكي، أن منهج أبي حنيفة، منهج متشدد في قبول الحديث، وقوله في حاشية ص (108) : (وإنما له ولأصحابه منهج متشدد في قبول الأحاديث وردها، يختلف عن منهج المحدثين، فلا يجوز اتهامه برد أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما يجوز تخطئته في المنهج نفسه.
وكذلك الحنابلة عندما قبلوا ذلك، وظنوه صحيحا، وفق منهجهم المتساهل) اهـ: فجوابه من وجوه: أحدها: أن هذه مغالطة باردة، فمعلوم تساهل الأحناف في قبول الأحاديث، فاحتجاجهم بالرأي غالب عليهم، حتى أصبحوا لا يعرفون إلا به، فهم أهل الرأي، وغيرهم أهل الأثر.
وأبو حنيفة نفسه - مع إمامته في الفقه رحمه الله - إلا أنه لم يكن صاحب حديث. بل أحاديثه القليلة التي رواها، ضعف لأجلها وردت! لذا لم يخرج له الشيخان شيئا قط، بل حتى أهل السنن الأربع لم يرووا له شيئا، عدا حديث واحد عند النسائي، اختلف فيه، هل المذكور في سنده أبو حنيفة النعمان بن ثابت أو غيره؟
ولا يكاد يسلم لأبي حنيفة حديث رواه، فإن سلم منه هو، لم يسلم من ضعف غيره! فأين المنهج المتشدد؟ ! وممن أخذه؟ !
الثاني: أن عناية الحنابلة رحمهم الله بالحديث، أعظم من أن يحتج لها، وحسب إمامهم حفظه ألف ألف حديث، وأنه عمدة أهل الفن ومرجعهم، في معرفة أحوال الرجال، وتعديلهم وتجريحهم، ومعرفة العلل

(1/153)

وغيرها، وأنه شيخ الشيوخ، وإمام الأئمة، المجمع على عدالته وتقدمه وإتقانه.
الثالث: أن من عاب أبا حنيفة برد الأحاديث: جماعات من أئمة السلف، قدمنا بعضهم، كالحافظ أبي بكر عبد الله بن أبي شيبة (ت 235 هـ) في "مصنفه "، وليسوا بحنابلة، فلم علق المالكي رمي أبي حنيفة برد الأحاديث بالحنابلة؟ ! وجعل سبب ذلك ومرجعه: منهجهم المتساهل في قبول الحديث! ! بخلاف منهج أبي حنيفة وأصحابه المتشدد في قبولها؟ ! !

(1/154)

[فصل في رمي المالكي الأئمة بتصحيح الروايات لتشويه الخصم وعدم سماعهم حجته]
فصل
في رمي المالكي الأئمة بتصحيح الروايات لتشويه الخصم! وعدم سماعهم
حجته! وتكفيرهم له بغير مكفر! والرد عليه قال المالكي (158) : (فمعنى هذا: أن عندنا خللا في النقل، فنصحح الروايات في تشويه الخصم، ولا نتفهم حجة الطرف الآخر، ولا نسمع له، ونكفر بأشياء ليست مكفرة، أو نكفر بإلزامات لا يجوز التكفير بها، فلازم القول ليس بقول) اهـ.
وجوابه من وجوه: أحدها: أن عبد الله بن الإمام أحمد، ليس خصما لأبي حنيفة، بل وما أدرك شيئا من حياته ليكون خصما له، فإن كان ثم خصومة، فما سببها؟ وما الدليل؟
الثاني: أن غالب ما نقله عبد الله بن الإمام أحمد، من أقوال أئمة السلف، هو من باب الإخبار، أن أبا حنيفة يقول بكذا وكذا، وأنه كذا وكذا، وليس فيه مناظرة وجدال أو حكم، حتى نتفهم حجة الآخر ونسمع له!
الثالث: مطالبة المالكي بالمكفرات التي كفرنا بها، وليست بمكفرات! لنجعلها مجالا للنقاش والجدال؟ !

(1/155)

فلماذا لم يذكر لنا الأمور التي كفرنا بها، وليست مكفرة، لئلا يحكم علينا بلا دليل ولا بينة! وحتى تبين له حجتنا، ونسمعه إياها! !
الرابع: قوله: " أو نكفر بإلزامات لا يجوز التكفير بها، فلازم القول ليس بقول ": غير مسلم له، وهذه المسألة، فيها خلاف طويل، وتدل على جهل المالكي بأصول الحوار والمناظرة! فإنه لا يستدل على الخصم إلا بأحد أمرين:
. أمر يلتزمه، أو يقول به.
. أو أمر لا يقول به وينكره، إلا أن مناظره يقرر صحته قبل الاستدلال به، ثم يحتج به.)

[فصل في زعم المالكي أن تكفير الحنابلة لأبي حنيفة فيه خير]
فصل
في زعم المالكي أن تكفير الحنابلة لأبي حنيفة فيه خير، لإظهاره حال من
ينسب إليهم الصلاح، ومقياس الحق عندهم! والرد عليه قال المالكي ص (108) : (على آية حال، لا يخلو شر من خير في الغالب، وعلى هذا فلا يخلو تكفير هؤلاء لأبي حنيفة من فوائد عظيمة، لعل أبرزها: معرفة طغيان العواطف على العلم، عند بعض السلف، الذين نصفهم بالصلاح، ونصم مخالفيهم بالضلالة! !) اهـ.
والجواب: أن التكفير والتبديع - كما تقدم - له ضوابطه الشرعية، ولا يكون بالعواطف أو الأهواء، وهذا طعن آخر في السلف رحمهم الله.
ونتيجة المالكي هذه، بناها على مقدمات كاذبة، بينا كذبها، فهي نتيجة فاسدة.
ثم قال المالكي ص (158) : (فهذه الكتب تصلح لدراسة وقياس الإنصاف والظلم عند سلفنا، وقياس فهمهم للحجة من عدمها، مع قياس العلم والجهل، والصدق والكذب عند المتقدمين، فهي شاهد على ذلك العصر) اهـ.

(1/145)

والجواب: أن من جعل كتب ومصنفات كبار أئمة الإسلام، ومدار أئمته الأعلام: كتبا مليئة بعدم الإنصاف! والظلم! وعدم فهم حجة المخالف! وتظهر قدر علمهم، وجهلهم، وعدم صدقهم، وظهور كذبهم! : لهو الظالم الباغي، فإن أولئك هم ريحانة الإسلام، وعلماؤه العظام، بهم استقامت الشريعة، وعرف الحلال والحرام.
وهي - بلا شك - دليل علمهم، وإنصافهم، ودقة فهمهم وصدقهم، ولو كانوا غير ذلك، لسقطت السنة، فهم حملتها، ورواتها، وحافظوها.)

و قال أيضا : ( [فصل في إبطال المالكي تكفير الأئمة لفرق الضلالة كالرافضة والمعتزلة وغيرهم]
فصل
في إبطال المالكي: تكفير الأئمة لفرق الضلالة، كالرافضة، والمعتزلة
وغيرهم، ببطلان تكفيرهم لأبي حنيفة الذي زعمه! والرد عليه قال المالكي ص (108) : (كما أن ظلمنا في تكفير أبي حنيفة وأصحابه رحمهم الله، يجعلنا نتوقف في ظلمنا فرقا أخرى، كالشيعة، والمعتزلة، والصوفية، والأشاعرة، وغيرهم. لأنه إن سلمنا بأن تكفيرنا لأبي حنيفة كان خاطئا، فما الذي يمنع من أن تكفيرنا لهؤلاء، كان خاطئا أيضا؟ !) اهـ.
والجواب من وجوه: أحدها: أن السلف، رحمهم الله، لم يظلموا أبا حنيفة، وقد تقدم رد هذا، فنتيجته هذه، مبنية على مقدمته تلك الفاسدة.
مع أن أبا حنيفة ليس معصوما، حتى نطعن في غيره من أئمة الإسلام، إذا جرحوه أو تكلموا فيه، بل الأقرب صحة كلامهم، وإمضاء قولهم، لو تعارض الأمران، إما عدالة أبي حنيفة، أو صوابهم.
الوجه الثاني: أن كلام السلف في الرافضة والمعتزلة والصوفية والأشاعرة: ليس مبنيا على الظنون والأهواء، بل بنوه على الأدلة الواضحة، والحجج الظاهرة.

(1/147)

فحال الرافضة: فصله شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله (ت 728 هـ) في " منهاج السنة "، وبين ضلالهم، وقبيح أقوالهم، وفساد اعتقادهم، بالحجة والدليل.
وأما المعتزلة والأشاعرة: فبين حالهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وبين موقف السلف الصالح منهم، في كثير من مؤلفاته منها:
. "درء تعارض العقل والنقل"،
. و "بيان تلبيس الجهمية"،
و" الحموية"،
. و" التسعينية"،
و"النبوات"،
و"الإيمان"، وغيرها كثير.
وكذلك الصوفية في كتابيه:
. "الاستقامة "،
. و "الفرقان بين أولياء الشيطان وأولياء الرحمن "، وغيرهما.
وقد بين حالهم، وحكمهم بالدليل، وروى أقوال السلف فيهم جماعة من أئمة الدين وحفاظه، في كتب كثيرة.
فمقصود هذا المخذول (المالكي) من زعمه ظلم الحنابلة - ويقصد بهم السلف -: تبرئة أهل البدع والضلال، كالرافضة، والمعتزلة، والصوفية، والأشاعرة.

(1/148)

أما زعم المالكي: أن الرافضة والمعتزلة والصوفية والأشاعرة كفار، ففيه تفصيل:. فإن كان - هو - يكفرهم، فليبد حجته! !
. وإن كان يقصد تكفيرنا - نحن - لهم، مع عدم تكفيره - هو - لهم: فليذكر لنا أسباب تكفيرنا لهم التي لم يرضها، وليبين لنا بطلانها.
أما نحن: فحالهم عندنا على تفصيل يطول ذكره، مختصره: أن المعتزلة والرافضة كفار، قد أجمع السلف المتقدمون، والأئمة المرضيون على كفرهم، بل كفر من قال بآحاد مسائلهم، كخلق القرآن ونحوها.
أما الأشاعرة: فمبتدعة.
وأما الصوفية: فغلاتهم من القائلين بالحلول والاتحاد ونحوه، فلا شك في كفر من لم يكفرهم، بَلْهَ عنهم هم، وكذلك عباد القبور، ودعاة الموتى.
أما من دونهم من أصحاب الأذكار والأوراد البدعية والرقص والضرب بالدف، والموالد ونحوها: فهم مبتدعة ليسوا بكفار.

(1/149)

[فصل في طلب المالكي الاتغاظ بما حصل من السلف من تسرع في التكفير]
فصل
في طلب المالكي الاتغاط بما حصل من السلف من تسرع في التكفير!
والرد عليه ثم قال المالكي ص (108) : (والعاقل من اتعظ بهذه عن تلك، فلا يتسرع في التكفير قبل معرفة حجج الخصم، وارتفاع موانع تكفيره، ومعرفة شبهه واعتذاراته من قوله، لا من نقل خصمه) اهـ.
وجوابه: أن السلف رحمهم الله لم يكفروا، إلا من ارتكب مكفرا، واستوفى شروط التكفير، وهم أتقى وأورع وأعظم من أن يكونوا متسرعين فيمن كفروه.
فإن وقف المالكي على أحد كفروه بقول لم يقله: فليبد لنا حجته!
أما قوله: "من قوله لا من نقل خصمه ": ففيه تفصيل:. فإن كان الخصم الناقل ثقة عدلا قُبِل، وبأي دليل شرعي، أو عقلي يرده؟ ! وقد قبلت أقوالهم في نقل الوحي، ألا تقبل فيما سواه؟ !
. وإن لم يكن عدلا ثقة: لم يقبل، كان خصما أو لم يكن، إلا بعد التثبت والتبين.

(1/150)

[فصل في طعن المالكي فيما رواه عبد الله بن الإمام أحمد في السنة]
فصل
في طعن المالكي فيما رواه عبد الله بن الإمام أحمد في " السنة " والرد عليه قال المالكي (108) : (فبعض ما نقله عبد الله بن أحمد هنا، لا يقره الأحناف، بل ينكر الحنفية أن يكون أبو حنيفة يقول بذلك أو يعتقده) اهـ.
وجوابه من وجوه: أحدها: أن عبد الله بن الإمام أحمد لم يقل في أبي حنيفة شيئا، وإنما روى بأسانيده ما بلغه عن أئمة السلف كمالك والأوزاعي والثوري وابن المبارك وغيرهم، وهم أئمة عدول ثقات.
الثاني: أن كلام بعض أئمة السلف، الذين روى أقوالهم عبد الله بن أحمد في أبي حنيفة: هم معاصرون لأبي حنيفة، وأدرى به ممن جاء بعده، وتمذهب بمذهبه، فهم رحمهم الله مُحَكَّمون لا مَحْكومون، ومقدمون لا متقدمون.
الثالث: أن الإنكار المجرد ليس بحجة، وقد تكاثر وتتابع كلام السلف في أبي حنيفة، فلا ينكر ولا يرد، إلا بحجة ودليل.)
و قال ايضا :
( [فصل في رميه الحنابلة بالتناقض حين قالوا إن أبا حنيفة لم يؤت الرفق في دينه بزعمه]
فصل
في رميه الحنابلة بالتناقض، حين قالوا: إن أبا حنيفة
لم يؤت الرفق في دينه بزعمه، وهم يكفرونه وهذا أبعد عن الرفق، والرد عليه قال المالكي ص (136) : (وتراهم يذمون رجلا مثل أبي حنيفة، لزعمهم أنه لم يؤت الرفق في دينه، ثم يكفرونه، وهذا أبلغ في البعد عن الرفق) اهـ.
والجواب من وجوه: أحدها: أن من ذم أبا حنيفة رحمه الله، ذمه لأمور رجع عن أكثرها، فربما بلغه رجوعه فأمسك، وربما لم يبلغه، وغالب هؤلاء من أئمة السلف المتقدمين على الإمام أحمد، وليسوا من أصحابه.
أما تكفير أبي حنيفة رحمه الله فلم يكفره أحد من الحنابلة قط، وإنما رووا أقوال بعض الأئمة فيه بأسانيدهم.
وهذا لا تبعة عليهم فيه، ولم ينفردوا به، وقد قدمنا تفصيله في فصل سابق والحمد لله.
الثاني: أن من يعنيه المالكي بنفي الرفق عن أبي حنيفة رحمه الله: هو سوار بن عبد الله رحمه الله (1) ولم يكن حنبليا.
_________
(1) السنة لعبد الله بن أحمد (1/ 190) (259) .(1/300))

12d8c7a34f47c2e9d3==