المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشيخ أبوعبدالعزيز عثمان الأعميري المغربي يقصف رؤوس المرجئة و الجهمية


كيف حالك ؟

عامي
01-01-2013, 09:53 AM
الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له ، والصلاة والسلام على إمام المرسلين وقدوة الموحدين وعلى آله وصحبه أجمعين .

وبعد :

الشيخ أبوعبدالعزيز عثمان الأعميري من بلاد المغرب له عدة كتابات في الرد على محمد المغراوي و هي بعنوان :’’ صدق البيان في من هم أهل الإفك والبهتان ‘‘ و ’’ حجة الراوي على قطبية المغراوي ‘‘ و "دفع تلبيسات محمد المغراوي عن الشيخ مقبل" قد أثنى عليه و على كتابه في المغراوي جمع من علماء أهل السنة منهم فضلية الشيخ مقبل الوادعي رحمه لله و غيره حيث قالت الشيخة الفاضلة أم سلمة زوج الإمام مقبل رحمه الله في كتابها ( رحلة الوداع ) ص25: ((وجاء جمع من آل جرمان ، و محمد الحاشدي ، و عبد الله ماطر ، و أحمد مانع ، و ممن جاء أيضا الشيخ محمد المغراوي ، و قد نصحه الشيخ أبو عبد الرحمن –حفظه الله – بان يكتب رسالة يتراجع فيها عن جميع ما نُقل عنه ، و إن كان شيء ذُكر بترا فيذكر الكلام الذي بُتر منه ، ثم يرسل بنسخة إلى الشيخ ربيع و بنسخة إليه ، و على هذا كان الفراق .
و هناك رسالة لأبي عبد العزيز عثمان بن سيد أحمد المغربي أبان فيها أخطاء المغراوي ، واطلع عليها الشيخ –حفظه الله - ، و اشترط على المغراوي أن يتراجع عن جميع ما ذٌكر عنه في تلك الرسالة أو يرد على ما أخطأوا فيه .)).

و في المقابل قد أثنى عليه زعيم المرجئة الجهمية في هذا الزمان ربيع بن هادي المدخلي و أتباعه و بالغوا في تزكياتهم العطرة لأنه رد على المغراوي و أما الآن فقد إختلف الحال فهم يشنون عليه هجوما شرسا و طعون مسمومة بسبب نصرته للسنة و أهلها و مخالفته إياهم و ردوده عليهم في مسائل الإيمان و جنس العمل و العذر بالجهل و غيرها من المسائل التي خالف فيها هؤلاء أهل السنة فمن تلك الثناءات لهؤلاء الجهمية نذكرها للتوثيق :

السائل : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الشيخ : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
السائل : الشيخ ربيع ، حياك الله .
الشيخ : أهلا .
السائل : معك شباب من المغرب .
الشيخ : أيوة .
السائل : بعض الشباب قرأوا كتاب المغراوي الأخير ، ولُبِّس عليهم ، ونريدك - بارك الله فيك - أن تبين لنا .
الشيخ : اقرأوا ما كتبه أبو عبد العزيز ، له مقالات تُنشَر في الأنترنت ، اقرأوها .
السائل : أبو عبد العزيز من طانطان ؟
الشيخ : أيوة ، مقالات جيدة جدا ، تبين ضلال المغراوي وكذبه وهيونه .
السائل : بماذا تنصحون الشباب في المغرب ، بارك الله فيك ؟
الشيخ : أنصح الشباب باتباع الكتاب والسنة ، والبعد عن التعصب لأهل الباطل ، المغراوي من أهل الباطل ، ومن دعاة الفتن ، والشَّغَب .
السائل : وبعض الشباب يا شيخ ، يريدون أن يُلَبِّسوا على بعض الشباب الذين عرفوا الحق ، يقولون لهم يـ...
الشيخ : المغراوي الآن يتلاعب بأصول أهل السنة ويُميعها ، ويُقَرِّب الشباب من البدع ، ويحارب علماء السلف السلفيين ، هو أسوأ من عدنان . فليحذروه ، وعليهم بالكتاب والسنة ومنهج السلف ، وقمعه وقمع أتباعه أهل الباطل .

و قال أيضا في الثناء على أبو عبد العزيز الأعميري : {: وتعودوا لتحمل الصدمات هذه و المشاكل و اصمدوا أمثال الجبال بارك الله فيكم و لا يهزمكم مثل هذا الكلام، استمروا فيما أنتم فيه، فقدتم شخصا واحداً، لا حول و لا قوة إلا بالله، استمروا في ما أنتم فيه، أكدوا على (الشيخ) عبد العزيز، أبو عبد العزيز و الأخ علي و من ترون من العقلاء اللي يصلحون لحمل راية الدعوة السلفية و امشوا في سبيلكم بارك الله فيكم.}

و هذا ثناء أسامة العتيبي الفلسطيني :
فضلية الشيخ هل تعرف الأخ أبوعبد العزيز عثمان الأعميري الذي كشف حال المغروي وقد أثنى الشيخ ربيع والشيخ مقبل على ردوده على المغراوي؟ هل يرجع إليه ويؤخذ عنه عندنا في المغرب؟

الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
ما علمت على أخينا الفاضل أبي عبدالعزيز عثمان الأعميري إلا خيراً، وهو من السلفيين الأفاضل، وأنصح إخواني السلفيين هناك بالاستفادة منه، والتعاون معه على البر والتقوى، والتواصي بالحق .
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد


و الآن بعد تلك التزكيات لهؤلاء المرجئة الجهمية نذكر لكم بعضا من طعونهم في هذا الشيخ الذي كان ذنبه الوحيد أن بين الحق في مسائل هي من أصول الدين فمن أقوالهم :

تحذيره من كتاب الشيخ الألباني رحمه الله التوحيد أولا يا دعاة الإسلام بدعوى أنه يقرر عقيدة الإرجاء.
قد عٌلم مما سبق أن العميري يطعن في الشيخ الألباني رحمه الله ويتهمه بالإرجاء لذلك حذر من كتابه الماتع التوحيد أولا يا دعاة الإسلام ولا أدري من سبقه إلى هذا التحذير وقد شهد على هذا التحذير بعض الإخوة ممن عاينوا التحذير حيث دخل عليهم العميري ووجد أخا يقرأ الكتاب فقال له أترك عنك هذا الكتاب فقال له الأخ مستنكرا لماذا؟ فأجابه أن الكتاب فيه تقرير لمذهب المرجئة مع أن الشيخ رحمه الله قرر في هذه الرسالة مذهب أهل السنة والجماعة

تعصبه الشديد لفالح الحربي وقوله من ينشر ردود العلماء على فالح الحربي صاحب فتنة .
لما ظهرت فتنة فالح الحربي ومهاجمته لأصول أهل السنة وانبرى للرد عليه وعلى منهجه الخطير العلماء وعلى رأسهم العلامة ربيع بن هادي حفظه الله فاجأنا أبو عبد العزيز بالدفاع عن فالح وأن الردود على فالح مجرد أقلام مسعورة هكذا كان يقول والحمد لله لم يعبأ الإخوة لكلامه إلا من تعصب له ولفالح الحربي وفي ذلك الوقت نشرنا الردود على فالح الحربي فكان العميري يحاربنا وينشر التزاكي لفالح الحربي ويقول من ينشر الردود على فالح صاحب فتنة إلى غير ذلك من أقواله الجائرة
وتعجبنا لهذا الدفاع المستميت من العميري لفالح فوجدنا أنه هو من
أثر عليه وعلى منهجه وسيره ولما أخبرنا الشيخ ربيع حفظه الله بهذه الأمور التي صدرت من العميري قال لنا هذا هو منهج فالح ولعله تأثر به عند زيارته له وإلى الآن لم يظهر من العميري أي رد على فالح أو تبرأ منه أو من منهجه فنحن عند العميري أصحاب فتنة لأننا متبعون للعلماء في ردودهم على فالح الحربي مع أنه لايعرف للعميري أي رد على خصوم الدعوة السلفية ما عدا المغراوي فقد كتب عليه ولم يحل إلى من ساعده على ذلك من إخواننا الذين قاموا بتفريغ أشرطة المغراوي وإخراج ما فيها من التكفير بل نسب جهود الإخوة إلى نفسه وهذا من غشه وخيانته ومن غشنا فليس منا والله المستعان .

قال في الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله تعالى أخاف على هذا الرجل هومريض نحن صابرون عليه وقد أكثر من الردود على السلفيين.

قال في العلامة محمد بن هادي المدخلي حفظه الله رجل مٌخذل ولا يعتمد عليه في المواقف .

خوضه في مسألة جنس العمل وتخبطه في مسائل الإيمان


قلت : فتلك شكاة عازب عنك عارها..... فليس بدعا من القول ما قال به الأعميري فقد سبقه إلى ذلك علماء أهل السنة .

و قالوا أيضأ أنه :تكفيري حدادي مبتدع ضال رويبضة يطعن في العلماء ابن باز ، الوادعي ،الألباني و يكفر الحكام خارجي .....و غيرها من الطعون و بدون اطالة بعد ما نقلت لكم النزر اليسير جدا من طعونهم في هذا الرجل و إلا فقد ألفوا فيه المؤلفات تلو الأخرى في التحذير من مذهب أهل السنة في مسائل التوحيد و العذر بالجهل و في محاولة التنفير منه وإسقاطه و الذي لا أشك فيه على أنه شوكة في حلوق المرجئة و الجهمية في بلاد المغرب نصر الله به هذا الدين لذلك إشتد حنقهم عليه.... إليكم بعضا من كتابتاته و لقائاته التي فضح فيها هؤلاء:

تحذير البرية من مخططات المؤسسة السرية

الكذّاب أسامة عطايا العتيبي الفلسطيـني نموذجا



الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له ، والصلاة والسلام على إمام المرسلين وقدوة الموحدين وعلى آله وصحبه أجمعين .

وبعد : فقد اطلعت على كلام لكذاب أفَّــاك أشر ، ملأ الحقد قلبه ، وأكل الغل أحشاءه ، فصب جام غضبه على أئمة التوحيد في قالب غاية في المكر والدهاء {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } ، {َإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ }. .

فبئس ما قال ، وساء ما صنع وقدّم ، قال : ( فإنكار وجود هذا الخلاف ـ عذر عباد القبور المنتسبين للملَّة بالجهل ـ هو إنكار لأمر محسوس موجود، ولا يقوله إلا أهل السفسطة والجهالة، وحقيق بهؤلاء أن يدسوا رؤوسهم في التراب لظهور كذبهم وضلالهم وافترائهم .. )

لقد أتيت يا هذا قبيحا ، واخترت منكرا مكروها ، فقد جاء في الدر الثمين والمورد المعين للفقيه المالكي ميارة ، قال : ( وقد سئل فقهاء بجاية وغيرهم من الأئمة في أول هذا القرن أو قبله بيسير عن شخص ينطق بكلمتي الشهادة ويصلي ويصوم ويحج ويفعل كذا وكذا لكن إنما يأتي بمجرد الأقوال والأعمال فقط على حسب ما يرى الناس يقولون ويعملون حتى إنه لينطق بكلمتي الشهادة و لا يفهم لهما معنى ولا يدرك معنى الإله ولا معنى الرسول وبالجملة فلا يدري من كلمتي الشهادة ما أثبت ولا ما نفي وربما توهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم نظير الإله لما رآه لازم الذكر معه في كلمتي الشهادة وفي كثير من المواضع فهل ينتفع هذا الشخص بما صدر منه من صورة القول والفعل ويصدق عليه حقيقة الإيمان فيما بينه وبين ربه أم لا ؟ فأجابوا كلهم بأن مثل هذا لا يضرب له في الإسلام بنصيب وإن صدر منه من صور أقوال الإيمان وأفعاله ما وقع . قلت ـ القائل هو ميارة ـ وهذا الذي أفتوا به في حق هذا الشخص ومن كان على حالته جلي في غاية الجلاء لا يمكن أن يختلف فيه اثنان . )

قال العلامة الشيخ سليمان بن عبدالله بن عبد الوهاب ـ تيسير العزيز الحميد ـ مقرراً وقائلا بما قال به فقهاء المالكية : ( وكثير منهم قد عطلوا المساجد وعمروا القبور والمشاهد، فإذا قصد أحدهم القبر الذي يعظمه، أخذ في دعاء صاحبه باكيًا خاشعًا ذليلاً خاضعًا، بحيث لا يحصل له ذلك في الجمعة والجماعات وقيام الليل وإدبار الصلوات، فيسألونهم مغفرة الذنوب، وتفريج الكروب والنجاة من النار، وأن يحطوا عنهم الأوزار، فكيف يظن عاقل ـ فضلاً عن عالم ـ أن التلفظ بـ: " لا إله إلا اللّه " مع هذه الأمور تنفعهم ؟! وهم إنما قالوها بألسنتهم وخالفوها باعتقادهم وأعمالهم ؟! ولا ريب أنه لو قالها أحد من المشركين ونطق أيضًا بشهادة أن محمدا رسول اللّه ولم يعرف معنى الإله ولا معنى الرسول، وصلى وصام وحج، ولا يدري ما ذلك إلا أنه رأى الناس يفعلونه فتابعهم ولم يفعل شيئًا من الشرك، فإنه لا يشك أحد في عدم إسلامه.

وقد أفتى بذلك فقهاء المغرب كلهم في أول القرن الحادي عشر أو قبله في شخص كان كذلك كما ذكره صاحب " الدر الثمين في شرح المرشد المعين [ميارة]" من المالكية، ثم قال شارحه: وهذا الذي أفتوا به جلي في غاية الجلاء، لا يمكن أن يختلف فيه اثنان انتهى. ولاريب أن عباد القبور أشد من هذا ؟ لأنهم اعتقدوا الإلهية في أرباب متفرقين ). قلت : هذا كلامهم عن جاهل لا يعرف معنى " لا إله إلا الله " ولم يفعل شيئا من الشرك ، وحكموا أنه لا يضرب له بنصيب في الإسلام ، فكيف لو سئلوا عن عباد القبور المنتسبين للملَّة ؟

وممن أنكر وردَّ هذا الخلاف المدعى في زماننا العلامة صالح الفوزان :

السائل : أحسن الله إليكم صاحب الفضيلة، هذا سائل يقول : ما قولكم في من يزعم من المعاصرين أن تكفير المعين من عباد القبور مسألة خلافية، ويزعم أنهم غير كفار أصليين؟

الشيخ : هذا قول فاسد نتيجته الجهل بهذا … وأنا أقول و أكرر: لا يجوز لأحد أن يتكلم في هذه المسائل الخطرة إلا بعد أن يتعلم ويتبصر ويدرس العقائد دراسة صحيحة على أهل العلم، ثم بعد ذلك إذا اضطره الحال إلى الكلام تكلم، فإن لم يُضطر إلى هذا فلا يتكلم، هذا الذي أقوله وأكرره أن هذا الأمر خطير جداً، والذي يفعل الشرك يُحكم عليه بالردة ، والذي يفعل الكفر يُحكم عليه بالكفر في ما يظهر لنا ، ونطبق عليه أحكام الكفار، فإذا مات لم ندفنه في مقابر المسلمين ولا يرثه أقاربه المسلمون، نُطبق عليه أحكام الكفار بموجب فعله وقوله … نحن ما لنا إلا الظواهر، نحكم على الظاهر، وأما في ما بينه وبين الله فالله أبصر به وأعلم، إن كان معذوراً … فهذا أمره إلى الله، نحن لا نحكم على القلوب وإنما نحكم على ما يظهر لنا، فمن أظهر الكفر والشرك حكمنا عليه بالكفر والشرك وطبقنا عليه أحكام الشرك وأحكام الكفر سواءً كان معيناً أو غير معين

وقال السائل : أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ يقول السائل : هل مسألة العذر بالجهل مسألة خلافية ؟

الشيخ الفوزان حفظه الله: لا صارت مسألة خلافية عند المتأخرين هذولة.

و الجهل على قسمين : جهل يمكن زواله هذا لا يعذر فيه بالجهل يعني يسأل أهل العلم يطلب العلم يتعلم يقرأ هذا يمكن زواله و لا يعذر إذا بقي عليه ، أما جهل لا يمكن زواله ما عنده أحد و لا يستمع شيئا و لا يدري عاش منقطعا و لم يسمع بشيء هذا ما يمكن زواله هذا يعذر به و يكون من أصحاب الفترة ما يُحكم بإسلامه لكن يكون من أصحاب الفترة يُفوَّضُ أمره إلى الله " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا "

قال الشيخ صالح آل الشيخ : ( لا نتوانى عن إطلاق الشرك عليه، ولا إطلاق الكفر عليه؛ لأنه ما دام أنه مشرك بالله جل وعلا، فعل الشرك، فإنه يطلق عليه أنه مشرك كافر، لكن الشرك الذي يُطلق عليه لا تستباح به أمواله ولا يستباح به دمه، بل ذلك موقوف على البيان، موقوف على الدعوة، لابد من البيان والدعوة قبل الاستباحة، لكن الحكم عليه، يُحكم عليه بأنه مشرك وتُرتَّب عليه أحكام الكفار في الدنيا، ولكن لا يشهد عليه بأحكام الكفار في الآخرة؛ يعني بأنه من أهل النار حتى نعلم أنه رد الحجة الرسالية بعد بيانها له بعد أن أقامها عليه أهل العلم، أو أنه قاتل تحت راية الكفر ).

وقال : (..هنا إذا لم تقم الحجة هل يكفر عبدة القبور أم لا ؟ الجواب : نعم، من قام به الشرك فهو مشرك الشرك الأكبر من قام به فهو مشرك، وإنما إقامة الحجة شرط في وجوب العداء ، كما أن اليهود والنصارى نسميهم كفار، هم كفار ولو لم يسمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم أصلا، كذلك أهل الأوثان والقبور ونحو ذلك من قام به الشرك فهو مشرك، وترتَّب عليه أحكام المشركين في الدنيا، أما إذا كان لم تقم عليه الحجة فهو ليس مقطوعا له بالنار إذا مات، وإنما موقوف أمره حتى تقام عليه الحجة بين يدي الله جل وعلا فإذن فرق بين شرطنا لإقامة الحجة، وبين الامتناع من الحكم بالشرك، من قام به الشرك الأكبر فهو مشرك ترتب عليه آثار ذلك الدنيوية، أنه لا يستغفر له ولا تؤكل ذبيحته ولا يضحى له ونحو ذلك من الأحكام، وأما الحكم عليه بالكفر الظاهر والباطن فهذا موقوف حتى تقام عليه الحجة، فإن لم تقم عليه الحجة فأمره إلى الله جل وعلا…)

ولقد ضرب أئمة الدعوة الإسلامية الإصلاحية التجديدية النجدية بحظ وافر في بيان هذا الأمر وحكوا الإجماع على كفر عباد القبور المنتسبين للملَّة ، ومن أراد البحث عن دينه فليرجع إلى مؤلفاتهم ومحرراتهم في الاعتقاد وردودهم على حملة هذه الشبهة ، ومن أجلِّ تلك الكتب " الدرر السنية في الأجوبة النجدية "

واستمر الأمر على الوفاق والإجماع والاجتماع حتى ذر وظهر قرن الفتن " المتأخرين هذولة " " فاختلقوا هذا الخلاف الذي يحكيه هذا النَّكرة " وهو قول فاسد " !!!

فجاء هذا الخسيس الخامل والوضيع الغامل راكبا متن الخديعة والخيانة فطعن في هذه الدعوة المباركة وفي حملتها وزعم أنهم ( أهل السفسطة والجهالة، وحقيق بهؤلاء أن يدسوا رؤوسهم في التراب لظهور كذبهم وضلالهم وافترائهم .. ) فهم من يحكي الإجماع ويزيف الخلاف وهم المرجع في ذلك ، مستندهم الكتاب والسنة والفهم والعقل عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وكل من جاء من بعدهم وفي زمانهم عيال عليهم في ذلك ، فنشر الناس علمهم وفقههم ، فشربوا وسقوا وزرعوا ، وأما من يردُّ ذلك ويطعن في بذله ونشره وناشره ، فإنما يطعن فيهم ويسفههم ويجهلهم …. ويكذبهم ويضللهم كهذا المدفوع ومن وراءه ، ففضح الله أمرهم وكشف مسلكهم فله الحمد وله المنة . فلم يكن لهم من وسيلة وذريعة يبلغون بها مرادهم ومرامهم غير الطعن والتحذير من فلان وعلان بحجة أنهم خوارج تكفيريون ، وأن ما ينشرونه ويبثونه ويدعون إليه من دروس وشروح هؤلاء العلماء وفتاويهم لايلتفت إليها و لا يعرج عليها !!! أرأيتم كيف يكون المكر والكيد للإسلام وأهله ، ولم يكن أمرهم بفضل الله خافيا على العلماء قال العلامة صالح الفوزان : ( وأقول بهذه المناسبة : لما كانت حقيقة الخوارج أنهم يكفرون من المسلمين من ارتكب كبيرة دون الشرك . فإنه قد وجد في هذا الزمان من يطلق هذا اللقب ؛ لقب الخوارج على من حكم بالكفر على من يستحقه من أهل الردة ونواقض الإسلام كعباد القبور وأصحاب المبادئ الهدامة كالبعثية والعلمانية وغيرها ؛ ويقولون : أنتم تكفرون المسلمين فأنتم خوارج ؛ لأن هؤلاء لا يعرفون حقيقة الإسلام ولا يعرفون نواقضه ، ولا يعرفون حقيقة مذهب الخوارج ؛ بأنه الحكم بالكفر على من لا يستحقه من المسلمين ، وأن الحكم بالكفر على من يستحقه بأن ارتكب ناقضا من نواقض الإسلام هو مذهب أهل السنة والجماعة ).

فهذا كلام العلامة الفوزان كالشمس في رابعة النهار وأن الحكم بالكفر على من يستحقه من أهل الردة ونواقض الإسلام كعباد القبور هو مذهب أهل السنة والجماعة ، فعلى أي مذهب يكون هذا الرذيل الساقط ؟ . ألا تستحي أيها المجرم حين ترمي أئمة الإسلام بالسفسطة والجهالة وترى أنه من الواجب والحق أن يدسوا روؤسهم في التراب لظهور كذبهم وضلالهم وافترائهم،فأي حرب على العقيدة وعلى حملتها أشد من هذا ؟!

وصدق ونصح ـ حفظه الله تعالى ـ فهؤلاء لا يعرفون حقيقة الإسلام ولا يعرفون نواقضه ، ولا يعرفون حقيقة مذهب الخوارج ، قال إمام الدعوة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : ( ولو أن رجلا قال : شروط الصلاة تسعة ، ثم سردها كلها فإذا رأى رجلا يصلي عريانا بلا حاجة ؛ أو على غير وضوء ؛ أو لغير القبلة لم يدر أن صلاته فاسدة ؛ لم يكن قد عرف الشروط ولوسردها بلسانه ؛ ولو قال : الأركان أربعة عشر ثم سردها كلها ثم رأى من لا يقرأ الفاتحة ومن لا يركع ، ومن لا يجلس للتشهد ، ولم يفطن أن صلاته باطلة ، لم يكن قد عرف الأركان ولو سردها ، فالله الله في التفطن لهذه المسألة ) . فما يغني عنهم وما ينفعهم دراستهم لمؤلفات الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب في العقيدة وحفظهم إيّاها ، والقوم لايميزون بين المسلم والمشرك . فالله الله في التفطن لهذه المسألة .

قال الشيخ عبداللطيف رادا على المفترين الأفاكين الكذابين : ( فإن كان تكفير المشرك ومن قام الدليل على كفره هو مذهب الخوارج ولا يكفر أحد عند أهل السنة ، فهذا ردٌّ على الله وعلى رسله وعلى أهل العلم والإيمان قاطبة . ويكفي هذا رداً وفضيحة لهذا المعترض ، الذي لم يميز ولم يفرق بين دين المرسلين ، ومذهب الخارجين والمارقين ) .

وهل أنكروا على هذا الخبيث قوله المنكر ؟ وقد يقول بعض من لايزال يحسن الظن بهذه النبتة الخبيثة إنهم لا يقصدون العلماء ، فجوابنا : إن الذي يحكي الإجماع وينقله هم العلماء ولا أحد سواهم ، والكلام كلامهم والقول قولهم ، والكلام إنما ينسب لمن قاله مبتدئا لا لمن قاله مبلغا مؤديا . وإلا فمن الذي ينقل عن غير العلماء حرفا ، ومن الذي يعتد بقوله غير العلماء ؟ لكنه المكر والكبر والكذب ، فتحذيرهم من الشباب لا لذواتهم وأعيانهم وإنما لهذه العقيدة السلفية الناصعة التي يذبون عنها وينصرونها وينشرونها ، ويرشدون الناس ويدلونهم على حملتها .

ومما جاء عنه حفظه الله فضيلة الشيخ وفقكم الله- ما حكم من يقول: إن الرجل لو تقصد وتعمد السجود بين يدي الصنم طمعاً في الدنيا وصرح بلسانه أنه يقصد عبادته ، فإنه يحكم بكفره لكن لا يقطع بكفره في الباطن.

الشيخ: لكن ما لكن ! الذي يسجد للصنم كافر ، ولا علينا من الخرابيط هذه ! الذي يسجد للصنم ، الذي يذبح لغير الله، الذي ينذر لغير الله مشرك ، نحن نبني على الظاهر، القلوب عند علام الغيوب، لكن نحن نبني على الظاهر فمن فعل الشرك فهو مشرك، ولا نقول إن كان قصده ما أدري وايش هو ! هذه كلها سواليف باطلة، هذا من مذهب المرجئة دب إلينا، الواجب أن نحذر منه نعم، وإلا ما يبقى هناك نواقض للإسلام، كلها يصير فيها شك ، كلها تميع ولا يصير لها قيمة بالطريقة هذه .

ومما قاله ـ حفظه الله تعالى ـ : ( ولاحظ كيف أن الله قال : " يؤمنون بالجبت والطاغوت " مع أن الأمر موافقة في الظاهر فقط ، وسماه إيمانا فدل على أن الموافقة للكفار على ما هم عليه من غير إكراه إيمان بما هم عليه ، ولولم يعتقد بقلبه ، وهناك أناس الآن يقولون : إن الإنسان لايكفر ولوقال الكفر حتى يعتقده بقلبه ، فلو قال كلام الكفر من غير إكراه وفعل أفعال الكفار ، وسب الله ورسوله ، وفعل ما فعل ، فإنه لا يكفر عند هؤلاء حتى يعلم ما في قلبه ، وهذا مذهب غلاة المرجئة ، نسأل الله العافية والسلامة ) .

وقال وفقه الله كما في التعليقات المختصرة على العقيدة الطحاوية : ( أما القول الحق فهو مذهب أهل السنة والجماعة : أن صاحب الكبيرة دون الشرك مؤمن وليس بكافر ، لكنه ناقص الإيمان لا كامل الإيمان كما تقوله المرجئة ، فهذا يجب معرفته ، ويجب أن ترسخه في عقلك ، فأهل الشر زاد شرهم في هذا الوقت ، وصاروا يظهرون مذهب الإرجاء ليروجوه على الناس ، وليستروا على أنفسهم ما هم فيه من الضلال ، فهذا معرفته من أوجب الواجبات على طالب العلم اليوم ) .

و قال في التعليق المختصر على القصيدة النونية : ( يقول المرجئة : ما دام أنك تؤمن بربوبية الله ، وتصدق الرسول بقلبك ، فلو سجدت للصنم ، أو ذبحت للقبور ، فلست بكافر ، والذين يدعون الأولياء والصالحين ، ويستغيثون بهم ليسوا كفاراً ما داموا يصدقون بقلوبهم ؛ فهذه الأعمال ليست كفراً ؛ لأن الكفر هو التكذيب بالقلب ، هذا مذهب الإرجاء وما يترتب عليه من الضلال والشر ، وهو بذرة خبيثة ) وقال في المختصر نفسه : ( … وهناك فرقة خامسة ظهرت الآن وهم الذين يقولون : إن الأعمال شرط في كمال الإيمان الواجب أو الكمال المستحب )

و لعل قائلا يقول كيف يدرج اسم العلامة الفوزان في بهتانه ؟ أقول : هذا جانب من الخطة ، فيوهمون الغافل المسكين أن الفوزان معهم وأن هؤلاء الذين ينشرون كلامه وفتاويه لا يفهمون كلامه ـ حفظه الله ـ حتى إذا ابتلع الطعم وراج عليه مخططهم الجهنمي حكموا على الفوزان بأنه خارجي تكفيري ، وهذا أحدهم المدعو : الطالبي عبد الله نزيل مدينة أكادير ممن يتردد بين المشرق والمغرب يقول عن فتاوى الشيخ الفوزان : أنها متضاربة ، فهي كما ترى مقدمة وتوطئة منهم وخطوة كما يقال في الطريق لإسقاط حملة العقيدة ، ( قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر ) وليس هذا ضربا من الخيال كما يهذي بذلك هذا المفتون أسامة العتيبي ، فلقد كادوا للشيخ من قبل ولايزالون فقد ذكر سلطان العيد في رسالته الموسومة ب: ( النصيحة لعامة الإخوان وإيضاح الكذب والبهتان ) عن أحد هؤلاء قائلا : " اتصل بي هذا الرجل أول أيام هذه الفتنة ، يحرضني على الشيخ الفوزان ، وقد غضب منه وحنق عليه ! ….. واتصل خالد هذا على غيري من السلفيين يحرضهم على الشيخ الفوزان … وممن اتصل بهم أخونا الفاضل أبوعبد العزيز سليمان اليعيش وقد دون شهادته بذلك . "

أرأيتم كيف يسلك هذا الطريق في التحريض والمكر ، فيلبسون لكل حالة لبوسها فمن كان من العلماء فلا يستطيعون الجهر والإعلان بتضليله ، لكنهم يبدأون بتنفير الناس عنه ، ومحاصرة دروسه ومحاضراته ويطعنون في من يحتفي بمؤلفاته وينشرها ، وما هذه الهجمة الشرسة إلا من ذلك المخطط السري الذي دبر بليل ! ومن كان دونهم جاهروا بالتحذير منه ، ونالوا من عرضه وألصقوا به ما شاءوا من تهم والقاعدة عندهم : إما أن تكون منا و إما أن تسكت ومالنا بك شغل وإن أبيت و امتنعت فأنت خارجي تكفيري .

وكما أسلفت من قبل فقد نبه العلماء على هذه المؤسسة السرية وحذروا منها ،"وهذه الظاهر أنها مؤسسة تشتغل ، الظاهر أنها مؤسسة تشتغل لإفساد عقيدة السلف في هذه البلاد ، مؤسسة سرية تشتغل فالواجب يا إخوان ، وإن سموا فلان أو فلان هذه أسماء مستعارة . نعم ، الظاهر وراها أناس يشتغلون في الخفاء ، نعم …"اهـ والكلام لفضيلة الشيخ صالح الفوزان .

وليس الافساد قاصرا على السعودية وحدها دون من سواها ، بل يتعدى الضرر وينتشر ولعله يبلغ ما بلغ الليل والنهار، وهذا أمر واقع ماله من دافع ، والله المستعان . وأما طعنهم وقدحهم في أئمة الدعوة ومؤلفاتهم فمعلوم مشهور ، فيحذِّرون من الرجوع إليها ويتهمونهم في النقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله . كل هذا وهم حريصون على نشر باطلهم ، ومقاومة من يتصدى لهم بالظلم والكذب والفجور .

فالواجب على المسلمين عموما وعلى طلبة العلم والمشايخ خصوصا التصدي لهذه الهجمة الشرسة والممنهجة على العقيدة السلفية وحملتها ، فلابد من دفع شرهم وكفِّهم ، وتحذير الأمة منهم ، مع دعوتهم وبيان الحق لهم ، كما لايجوز بحال من الأحوال السكوت عنهم .

قال الكذاب الأشر أسامة العتيبي وأصرح في درسي بما أعتقده من عدم العذر بالجهل في مسائل الشرك الأكبر كالاستغاثة بالله، ومن بلغته الحجة فقد انقطع عنه العذر ولو زعم أنه لم يفهم أو بقيت عنده شبهة، كما أعتقد كفر تارك العمل، كما أعتقد كفر تارك الصلاة )

أما قوله : " في درسي " فجوابه :

تصدر للتدريس كلُّ مـهـوّس بـلـيـدٍ تـسـمَّى بالـفـقـيـه المدرِّس

فـحقّ لأهـل الـعِلم أن يـتـمـثلـوا ببيتٍ قديـم شاع في كلِّ مـجـلـس

لقد هزلت -حتى بدا من هزالها - كلاها وحتى سـامـهـا كـلُّ مـفـلـس

وقوله : " بما أعتقده من عدم العذر بالجهل في مسائل الشرك الأكبر كالاستغاثة بالله " أما الاستغاثة بالله فليست من الشرك الأكبر بل من التوحيد الأعظم والإيمان الأفخم والإحسان الأرفع ، ولعلك تقصد : الاستغاثة بغير الله لكنها العجلة والطيش وعدم التأني وهذا دأبك وديدنك ، والشيء من معدنه لا يستغرب .

وقوله : " ولوزعم أنه لم يفهم " وأقول فهم الحجة نوعان : الأول أن يدرك ويفهم معناها بأن تكون بلسان المخاطب فهذا لابد منه " وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم " يتكلم بلسانهم وبلغتهم هذا أمر لابد منه .

والثاني : فهم الحجة بمعنى الاستجابة ورجحان هذه الحجة على غيرها وقطع جميع الشبه فهذا لا يشترط كما بيّن ذلك العلماء . قال العلامة حمد بن ناصر بن معمر رحمه الله : ( وليس المراد بقيام الحجة أن يفهمها الإنسان فهما جليا كما يفهمها من هداه الله ووفقه ، وانقاد لأمره ، فإن الكفار قد قامت عليهم الحجة مع إخباره بأنه جعل على قلوبهم أكنة أن يفقهوه . )

وقوله : " كما أعتقد كفر تارك العمل " أقول : ومنذ متى تعتقد ذلك ، وأين تعلمته ؟ وهل يوافقونك على ذلك ؟ أنت إلى الأمس القريب تعتقد ـ أيها المدرس ـ أن الإيمان لا يكون إلا بالقلب وأن الكفر لايكون إلا بالقلب ، وهي عقيدة المرجئة من الجهمية ونحوهم كما صرح بذلك العلامة عبدالعزيز الراجحي ، ولعل الفتوى لا تزال معلقة هناك بالموقع ! ولم لا تشكر لأولئك الذين تعلمت منهم هذه العقيدة الصحيحة بدل سبهم وشتمهم فقد أكرموك وجعلوا لك مكانا في مواقعهم وبذلوا لك العلم النافع فكان جزاؤهم جزاء سنمار ! وهل بذلت النصح للذين تلقوا عنك تلك العقيدة الفاسدة ؟

وقوله : ( فعلى قول هؤلاء نقول: ما هو موقف أهل العلم فيمن خالف الصواب وخالف الإجماع أو النص لشبهة ؟ )

سؤالك الغير بريء هذا كما يقال قد سبق أن طرحه عليَّ الرويبضة ممن هو على شاكلتك فكان الجواب هو ما قالته اللجنة الدائمة : ( ولذا يعلم أنه لا يجوز لطائفة الموحدين الذين يعتقدون كفر عباد القبور أن يكفروا إخوانهم الموحدين الذين توقفوا في كفرهم حتى تقام عليهم الحجة؛ لأن توقفهم عن تكفيرهم لهم له شبهة، وهي اعتقادهم أنه لا بد من إقامة الحجة على أولئك القبوريين، مثل تكفيرهم بخلاف من لا شبهة في كفره كاليهود والنصارى … ) فقال : وفيهم علماء ، قلت : ولو، فهي شبهة ، فقال : وإلى متى ؟ فقلت : حتى تزول الشبهة ، ثم قال : نعم ، لقد اطلعت على الفتوى ، وسكت على مضض ، ومراده كمرادك تماما أننا نكفر الموحدين الذين توقفوا في كفر عباد القبور المنتسبين للملة لشبهة راجت عليهم وأننا في شق والعلماء في شق أخر ، فخبتما ورجعتما خائبين ذليلين حقيرين ( وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ) . لتوجهوا بعدها سهام الحقد والغل للعلماء أنفسهم ، فرميتهم بالسفسطة والضلال والكذب والإفتراء ….. موهما من لايدرك حقيقتكم أنكم إنما تحذرون من هؤلاء الذين وصفتهم زورا وبهتانا بالخوارج ، وهيهات فقد كشف مكركم وحقدكم و…..

وأما العتيبي فقد تعسَّر عليه فهم كلام الإمام ابن باز رحمه الله ، فقال : وتأمل قول الشيخ ابن باز رحمه الله:"ولذا يُعلَم أنه لا يجوز لطائفة الموحدين الذين يعتقدون كفر عباد القبور أن يكفروا إخوانهم الموحدين الذين توقفوا في كفرهم حتى تقام عليهم الحجة. " فالحدادي يظن أن عبارة "حتى تقام عليهم الحجة" أي تقام على الذين يعذرون بالجهل

والسلفيون يعلمون أن قول الشيخ رحمه الله "حتى تقام عليهم الحجة " أي أنهم ما كفروا المستغيثين بغير الله بمجرد فعلهم ذلك الشرك الأكبر دون إقامة الحجة، بل قالوا: لا نكفرهم حتى تقام عليهم الحجة، فإذا أقيمت عليهم الحجة فحينئذ نكفرهم .

والعتيبي آية في البلادة وفي عقله أَفَنٌ ، ولا ريب أن من أعرض عن الحق واشتغل بالباطل انطمست بصيرته حتى يصير السبب الذي يهتدي به المهتدون سببا لضلالهم ( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) وقال تعالى : ( ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعم ) أي : لأفهمهم ، قال العلامة ابن باز رحمه الله : ( فالمقصود أن الموحد المؤمن الذي توقف عن تكفير بعض عباد القبور لا يقال إنه كافر؛ لأنه لم يكفر الكافر، ولكن يتوقف في تكفيره حتى يبين له وتزول الشبهة أن هؤلاء الذين يعبدون القبور ويستغيثون بالأموات كفار ) وقال رحمه الله : ( فإذا كان الموحد الذين عرف الدين وعرف الحق توقف عن تكفير بعض هؤلاء الذين يعبدون القبور فإنه لا يُكَفَّر حتى يبين له الحجة وتزول الشبهة التي من أجلها توقف ) وقال رحمه الله : ( والمقصود هو أنه لا يكفر الموحد الذي توقف عن تكفير عباد الأوثان حتى تقوم عليه الحجة هو، وحتى يبين له أسباب كفرهم، وحتى تتضح له أسباب كفرهم هذا المقصود ؛ لأنه قد يتوقف يحسب أنهم ليسوا بكفار، فإذا بين له ذلك واتضح له ذلك صار مثل من لم يكفر اليهود والنصارى ) ولعلك ترجع إلى فتوى الشيخ وتتأملها جيدا ، عسى الله أن يوفقك لفهمها والعمل بها .

قال العتيبي وهو يتحدث إلى بعض الشباب : ( قرأت مقالك وهو جيد لكنه لا يصلح في هذا الوقت بالذات فيما يتعلق بي وبمنابر النور للهجمة المكثفة عليّ من بعض السفهاء لتشويه سمعتي عند الشيخ ربيع وغيره ) .

قلت : قال الله تعالى : ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) وقال جل شأنه : ( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين ألا لله الدين الخالص ) وقال الله تعالى : ( قل الله أعبد مخلصا له ديني ، فاعبدوا ما شئتم من دونه ) وقال جل جلاله : ( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورا ) هي الأعمال التي كانت على غير السنة ، أو أريد بها غير وجه الله . وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل : يقاتل رياء ، ويقاتل شجاعة ، ويقاتل حمية ، أي ذلك في سبيل الله ؟ فقال : من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله . وقد تنوعت وتعددت معاني الإخلاص فقيل : هو تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين وقيل : هو استواء الأعمال في الظاهر والباطن ، وقيل : الإخلاص نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق ، ومن تزين للناس بما ليس فيه سقط من عين الله .

أقول : فالواجب على العبد أن يعتقد أن كل من دان بغير التوحيد فهو كافر ، وأنه لا مسلم إلا الموحد ، وأن الله جل وعلا لا يعذب أحدا إلا بعد بلوغ الحجة الرسالية فهذا من حيث أحكام الثواب والعقاب ـ الأحكام الجزائية ـ وأما أحكام الدنيا فهي جارية على ظاهر الأمر ، فكل من أظهر الشرك ودان به فهو مشرك معاندا كان أو معرضا أو جاهلا .

قال العلامة ابن القيم رحمه الله : ( فلا يدخل الجنة نفس مشركة ، وإنما يدخلها أهل التوحيد ، فإن التوحيد هو مفتاح بابها فمن لم يكن معه مفتاح لم يفتح له بابها ) .

قال الشيخ عبد اللطيف بن حسن آل الشيخ رحمه الله : ( مع أن العلامة ابن القيم رحمه الله جزم بكفر المقلدين لشيوخهم في المسائل المكفرة إذا تمكنوا من طلب الحق ومعرفته، وتأهلوا لذلك. فأعرضوا ولم يلتفتوا. ومن لم يتمكن ولم يتأهل لمعرفة ما جاءت به الرسل فهو عنده من جنس أهل الفترة ممن لم تبلغه دعوة رسول من الرسل. وكلا النوعين لا يحكم بإسلامهم ولا يدخلون في مسمى المسلمين ، حتى عند من لم يكفر بعضهم وسيأتيك كلامه. وأما الشرك فهو يصدق عليهم، واسمه يتناولهم وأي إسلام يبقى مع مناقضة أصله ؟ ) .

فلعل العتيبي يتحفنا بحجج من الكتاب والسنة بفهم الأسلاف تدل على إسلام عباد القبور المنتسبين للملة ، وأنهم معذورون بجهلهم ، ودون ذلك خرط القتاد .

وأحب أن أختم بكلمة عظيمة كتلخيص لما سبق للعلامة المجدد الثاني الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ قال : ( من عبد الرحمن بن حسن إلى من يراه من أئمة المسلمين وعامتهم سلمهم الله تعالى وهداهم آمين ، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

وبعد : فالواجب علينا وعليكم التناصح في دين الله تعالى …. إلى أن قال : وكذلك يجب على ولي الأمر أن لا يقدم من نسب عنه طعن أو قدح في شيء من دين الله و رسوله ، أو تشبيه على المسلمين في عقائدهم ودينهم ، مثل من ينهى عن تكفير المشركين ويجعلهم من خير أمة أخرجت للناس لأنهم يدَّعون الإسلام ويتكلمون بالشهادتين ، وهذا الجنس ضرره على الإسلام خصوصا على العوام ضرر عظيم ، يخشى منه الفتنة ، وأكثر الناس لا علم له بالحجج التي تنفي شبه المشبهين وزيغ الزائغين ، بل تجده والعياذ بالله سلس القياد لكل من قاده أو دعاه ؛ كما قال فيهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه : لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركن وثيق ، أقرب شبها بهم الأنعام السارحة .

فإذا تيسر لكم الإهتمام والقيام بهذا الأصل ، فينظر بعد هذا في أحوال الناس في الصلوات الخمس المفروضات ….. إلى آخر كلامه . ) " المطلب الحميد في بيان مقاصد التوحيد " .

فهذا الجنس ضرره على الإسلام والمسلمين عظيم ، فالله نسأل أن يكفي الإسلام والمسلمين كيدهم ومكرهم وشرهم ، وأن يجعل تدبيرهم تدميرهم ، وأن يجعل الدائرة عليهم ، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين .
أبو عبد العزيز عثمان الأعميري





كشفُ التلبيس عن من تردّى في شبهة داود بن جرجيس
و زعم أن عباد القبور المنتسبين للملة من أهل الإسلام و التقديس


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
وبعد : فقد وُجد من يزعم لعباد الأوثان المنتسبين للملة الإسلامَ ، ويرى أنهم من خير أمة أُخرجت للناس ، كونهم يصلون ويصومون وينتهون عن المحرمات التي هي دون الشرك ، وأن شركهم وتنديدهم وصرفهم العبادة لغير الله لا ينقض إسلامهم ، و السبب هو جهلهم ، فعقدُ الإسلام باقٍ على أصله لا يَبطل أبدا .

فعمدوا إلى نصوص الوحيين فحرّفوها وأخرجوها عن المراد منها ، وشاقّوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم و السلف في بيانها وتفسيرها.
فلما انقطعوا ذهبوا يبحثون ـ زعموا ـ عما يؤيد باطلهم من أقوال العلماء ، فعمدوا إلى بتر أقوالهم على مذهب ( ويل للمصلين ) ، فلم أجد وصفا أبلغ ولا أوفى بالمراد مما وصفهم به العلامة الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن آل الشيخ رحمة الله عليه حين قال : ( فقد بلغنا وسمعنا من فريق ممن يدعي العلم والدين وممن هو بزعمه مؤتم بالشيخ محمد بن عبد الوهاب أن من أشرك بالله وعبد الأوثان لا يطلق عليه الكفر والشرك بعينه وذلك أن بعض من شافهني منهم بذلك سمع من بعض الإخوان أنه أطلق الشرك والكفر على رجل دعا النبي صلى الله عليه وسلم واستغاث به فقال له الرجل لا تطلق عليه الكفر حتى تعرفه وكان هذا وأجناسه لا يعبأون بمخالطة المشركين في الأسفار وفي ديارهم بل يطلبون العلم على من هو أكفر الناس من علماء المشركين، وكانوا قد لفقوا لهم شبهات على دعواهم يأتي بعضها في أثناء الرسالة – إن شاء الله تعالى- وقد غروا بها بعض الرعاع من أتباعهم ومن لا معرفة عنده ومن لا يعرف حالهم ولا فرق عنده ولا فهم ، متحيزون عن الإخوان بأجسامهم وعن المشايخ بقلوبهم ومداهنون لهم ، وقد استوحشوا واستوحش منهم بما أظهروه من الشبه وبما ظهر عليهم من الكآبة بمخالطة الفسقة والمشركين، وعند التحقيق لا يكفرون المشرك إلا بالعموم وفيما بينهم يتورعون عن ذلك، ثم دبت بدعتهم وشبهتهم حتى راجت على من هو من خواص الإخوان وذلك والله أعلم بسبب ترك كتب الأصول وعدم الاعتناء بها وعدم الخوف من الزيغ.
رغبوا عن رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب – قدس الله روحه - ورسائل بنيه فإنها كفيلة بتبيين جميع هذه الشبه جداً كما سيمر ومن له أدنى معرفة إذا رأى حال الناس اليوم ونظر إلى اعتقاد المشايخ المذكورين تحير جداً ولا حول ولا قوة إلا بالله وذلك أن بعض من أشرنا إليه بحثته عن هذه المسألة فقال نقول لأهل هذه القباب الذين يعبدونها ومن فيها فعلك هذا شرك وليس هو بمشرك، فانظر ترى واحمد ربك واسأله العافية، فإن هذا الجواب من بعض أجوبة العراقي التي يرد عليها الشيخ عبد اللطيف وذكر الذي حدثني عن هذا أنه سأله بعض الطلبة عن ذلك وعن مستدلهم فقال نكفر النوع ولا نعين الشخص إلا بعد التعريف، ومستندنا ما رأيناه في بعض رسائل الشيخ محمد – قدس الله روحه - على أنه امتنع من تكفير من عبد قبة الكواز وعبد القادر من الجهال لعدم من ينبه، فانظر ترى العجب ثم اسأل الله العافية وأن يعافيك من الحور بعد الكور، وما أشبههم بالحكاية المشهورة عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله- أنه ذات يوم يقرر على أصل الدين ويبين ما فيه ورجل من جلسائه لا يسأل ولا يتعجب ولا يبحث حتى جاء بعض الكلمات التي فيها ما فيها فقال الرجل ما هذه كيف ذلك؟ فقال الشيخ: قاتلك الله ذهب حديثنا منذ اليوم لم تفهم ولم تسأل عنه فلما جاءت هذه السقطة عرفتها، أنت مثل الذباب لا يقع إلا على القذر أو كما قال ) .
كما حذر العلماء من هذا الصنف من الناس وخافوا على العامة منهم ؛ قال العلامة المجدد الثاني الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ : ( من عبد الرحمن بن حسن إلى من يراه من أئمة المسلمين وعامتهم سلمهم الله تعالى وهداهم آمين ، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
وبعد : فالواجب علينا وعليكم التناصح في دين الله تعالى .... إلى أن قال : وكذلك يجب على ولي الأمر أن لا يقدم من نسب عنه طعن أو قدح في شيء من دين الله و رسوله ،أو تشبيه على المسلمين في عقائدهم ودينهم ، مثل من ينهى عن تكفير المشركين ويجعلهم من خير أمة أخرجت للناس لأنهم يدَّعون الإسلام ويتكلمون بالشهادتين ، وهذا الجنس ضرره على الإسلام خصوصا على العوام ضرر عظيم ، يخشى منه الفتنة ، وأكثر الناس لا علم له بالحجج التي تنفي شبه المشبهين وزيغ الزائغين ، بل تجده والعياذ بالله سلس القياد لكل من قاده أو دعاه ؛ كما قال فيهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه : لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركن وثيق ، أقرب شبها بهم الأنعام السارحة .فإذا تيسر لكم الاهتمام والقيام بهذا الأصل ، فينظر بعد هذا في أحوال الناس في الصلوات الخمس المفروضات...إلى آخر كلامه )
فالشيخ عبد الرحمن يرى رحمة الله عليه أن هذا الجنس ضررُه على الإسلام والمسلمين عظيمٌ ، فقد شبّهوا على الناس في دينهم وعقائدهم كونهم يزعمون الإسلام للمشركين ويجعلونهم من خير أمة أخرجت للناس .
وقد رأيت وريقات لبعض هؤلاء حشد فيها حسب ظنه ما يراه يخدم مذهبه الرديء فجمع أحيانا أقوالا مبتورة لجلّة من العلماء ، وأحيانا أخرى لم يعِ ولم يدرك المسكين مرادهم ومقصدهم ، فخُيل إليه أنه ظفر ببغيته .
كما قام بنشر كلمة لمحمد بن عبد الوهاب العقيل المدرس بالجامعة الإسلامية بعد تفريغها يزعم فيها الإسلام لعباد القبور المنتسبين للملة ، فأسس لكلمته ببدعٍ من القول لم يُسبق إليه ، حيث سوّى بين ما فرّق الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بينه ، فجعل الخطأ والنسيان والإكراه والتأويل والجهل شيئا واحدا ، فهذا هو مستند كلمته وأصلها التي تقوم عليه ، ولم يلحظ أن بينها فروقا ، أقصد هذه العوارض . فجمع من النصوص ما خاله ينصر جهله وباطله !
فكان مما قال : ( وقد أجمع العلماء على أن الخطأ رافع للحرج وعلى أن التأويل رافع للحرج وعلى أن النسيان رافع للحرج وعلى أن الجهل كذلك رافع للحرج ، لأن العلة واحدة وهي عدم التعمد في الفعل أو الترك لأن الذي يؤاخذ لابد أن يكون عالما متعمدا ، أما الجاهل فلا يؤاخذ ) وقال أيضا : ( لا فرق بين الخطأ والجهل في العذر بالجهل ) ثم ذكر آية البقرة : ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ) فقال : ( فأصبح محل إجماع على أن الأمر الذي فعلته بجهل أوفعلته بخطأ لا تؤاخذ عليه ، هذا بإجماع المسلمين ) .
أقول :لقد عرف العلماء النسيان بأنه : عدم تذكر الشيء وقت الحاجة إليه أو هي حال تجعله لا يتذكر التكليف الذي كلفه الشارع إياه ، و لا يعد عذرا فيما يتعلق بحقوق العباد ، و أما ما يتعلق بحق الله تعالى فإن الإثم والعقوبة الأخروية ينتفيان ، لأن مناطه القصد وهو منتف .

وأما الخطأ فعرفوه : بأنه وقوع الفعل أو القول على خلاف إرادة الفاعل أو القائل أو هو فعل أو قول يصدر عن الإنسان بغير قصده بسبب ترك التثبت عند مباشرة أمر مقصود سواه .
كقول الذي قال : ( اللهم أنت عبدي وأنا ربك ، أخطأ من شدة الفرح )
قال ابن رجب رحمه الله : ( والأظهر والله أعلم أن الناسي والمخطىء إنما عفي عنهما ، لأن الإثم مرتب على المقاصد والنيات ، والناسي و المخطىء لا قصد لهما ،فلا إثم عليهما ، وأما رفع الأحكام عنهما فليس مرادا من هذه النصوص ،فيحتاج في ثبوتها ونفيها إلى دليل آخر .)
وأما الجهل فعرفه العلامة عبدالله العلوي الشنقيطي في المراقي بقوله : والجهل جا في المذهب المحمود هو انتفاء العلم بالمقصود
وقال ابن مكي : وإن أردت أن تحد الجهلا من بعد حد العلم كان سهلا
وهوانتفاء العلم بالمقصود فاحفظ فهذا أوجز الحدود
أرى أنه ليس بنا حاجة للإغراق والاستطراد في ذكر بقية عوارض الأهلية ، فمن رامها فليطلبها من مصادرها ، وإنما الذي يهمنا ويعنينا هو ذلك الفرق الذي فات صاحب الكلمة ، فالناسي والمخطىء لا قصد لهما كما نص على ذلك العلامة ابن رجب وغيره ، فلا إثم عليهما بينما الجاهل قد وجد منه القصد مع الجهل بالحكم الشرعي ، وهذا الفرق في غاية الأهمية وهو مقتضى حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( إنما الأعمال بالنيات )
فعبّاد القبور قد وجدت منهم النية و القصد في صرف العبادة لغير الله جل وعلا .
فالنية هي القصد والعزم على فعل الشيء ، فكل عازم على فعل فهو ناويه ، بل و لا يتصور أن يعمل المكلف عملا ليس له فيه قصد و نية ، فالنية لازمة لأفعال الإنسان المقصودة ، ولو أراد تعطيل أفعاله الإختيارية عن النية والقصد لعجز عن ذلك ، ومن قال غير ذلك فهو من جنس المجانين الذين رفع عنهم القلم .
قال الإمام المفسر الطبري رحمه الله في قوله تعالى: ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ) وهذا تعليم من الله عز وجل عباده المؤمنين دعاءه كيف يدعونه وما يقولون في دعائهم إياه ، ومعناه : قولوا ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا شيئا فرضت علينا عمله فلم نعمله أو أخطأنا في فعل شيء نهيتنا عن فعله ففعلناه على غير قصد منا إلى معصيتك ولكن على جهالة منا به وخطأ . وساق بسنده عن ابن زيد في قوله تعالى :( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ) إن نسينا شيئا مما افترضته علينا أو أخطأنا شيئا مما حرمته علينا ...
فأما الذي يكون من العبد على وجه التضييع منه والتفريط فهو ترك منه لما أمر بفعله ؛ فذلك الذي يرغب العبد إلى الله عز وجل في تركه مؤاخذته به وهو النسيان الذي عاقب الله عز وجل به آدم صلى الله عليه وسلم ، فأخرجه من الجنة فقال في ذلك ( ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما ) وهو النسيان الذي قال الله جل ثناؤه ( فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا ) .
فرغبة العبد إلى الله عز وجل بقوله : (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ) فيما كان من نسيان منه لما أمر بفعله على هذا الوجه الذي وصفنا مالم يكن تركه ما ترك من ذلك تفريطا منه فيه وتضييعا كفرا بالله ـ عز وجل ـ فإن ذلك إذا كان كفرا بالله ، فإن الرغبة إلى الله في تركه المؤاخذة به غير جائزة ، لأن الله ـ عز وجل ـ قد أخبر عباده أنه لا يغفر لهم بالشرك به ، فمسئلته فعل ما قد أعلمهم أنه لا يفعله خطأ . وإنما تكون مسألته المغفرة فيما كان من مثل : نسيانه القرآن بعد حفظه بتشاغله عنه وعن قراءته ومثل نسيانه صلاة أو صياما .....
وكذلك الخطأ وجهان أحدهما : من وجه ما نهى عنه العبد فيأتيه بقصد منه وإرادة فذلك خطأ منه وهو به مأخوذ ..... وهذا الوجه الذي يرغب العبد إلى ربه في صفح ما كان منه من إثم عنه إلا ما كان من ذلك كفرا ) .
فهذا الإمام ابن جرير ينص صراحة على استثناء الكفر والشرك بالله وهو يفسر الآية الكريمة التي تعسف العقيل ومن على مشربه في الاحتجاج بها : ( فإن ذلك إذا كان كفرا بالله ، فإن الرغبة إلى الله في تركه المؤاخذة به غير جائزة ، لأن الله ـ عز وجل ـ قد أخبر عباده أنه لا يغفر لهم بالشرك به ، فمسئلته فعل ما قد أعلمهم أنه لا يفعله خطأ . وإنما تكون مسألته المغفرة فيما كان من مثل : نسيانه القرآن بعد حفظه بتشاغله عنه وعن قراءته ومثل نسيانه صلاة أو صياما ..... ) .
قال شيخ الإسلام رحمه الله وهو يشرح حديث " إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت بها أنفسها مالم تكلم به أو تعمل به " : ( والعفو عن حديث النفس إنما وقع لأمة محمد المؤمنين بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، فعلم أن هذا العفو هو فيما يكون من الأمور التي لا تقدح في الإيمان ، فأما ما نافى الإيمان فذلك لا يتناوله الحديث ؛ لأنه إذا نافى الإيمان لم يكن صاحبه من أمة محمد في الحقيقة ويكون بمنـزلة المنافقين ، فلا يجب أن يعفى عن ما في نفسه من كلامه أو عمله وهذا فرق بيّن يدل عليه الحديث وبه تأتلف الأدلة الشرعية ؛ وهذا كما عفا الله لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان كما دل عليه الكتاب والسنة . فمن صح إيمانه عفى له عن الخطـأ والنسيان وحديث النفس كما يخرجون من النار بخلاف من ليس معه الإيمان فإن هذا لم تدل النصوص على ترك مؤاخذته بما في نفسه وخطأه ونسيانه . )
وهذا ابن تيمية رحمه الله يؤكد مرة أخرى أن العفو عن الخطأ والنسيان إنما يتناول أمة محمد صلى الله عليه وسلم ،أما من تلبس بقادح من قوادح الإيمان فالرخصة لا تتناوله ، وليس هو من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ( وهذا فرق بيّن يدل عليه الحديث وبه تأتلف الأدلة الشرعية ) !!!

ولذلك لم يعتبر أهل العلم والإيمان الجهل مانعا من تكفير من أشرك بالله جل وعلا ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( والمرتد من أشرك بالله تعالى ، وكان مبغضاً للرسول صلى الله عليه وسلم و لما جاء به ، أو ترك إنكار كل منكر بقلبه، أو توهم أن أحدا من الصحابة أو التابعين أوتابعيهم قاتل مع الكفار، أو أجاز ذلك أو أنكر مجمعاً عليه إجماعاً قطعياً، أو جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم، ومن شك في صفة من صفات الله ومثله لا يجهلها فمرتد، وإن كان مثله يجهلها فليس بمرتد، ولهذا لم يكفّر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الشاك في قدرة الله على إعادته ؛ لأنه لا يكون إلا بعد الرسالة ، ومنه قول عائشة رضي الله عنها : يا رسول الله مهما يكتم الناس يعلمه الله ، قال : نعم . )
فتأمل قول هذا الحبر : ( ومن شك في صفة من صفات الله ومثله لا يجهلها فمرتد، وإن كان مثله يجهلها فليس بمرتد ) حيث اعتبر الجهل مانعا من التكفير في الصفات ، دون من أشرك بالله تعالى ومن جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ...، وهذا هو الفيصل بين المسائل الظاهرة والمسائل الخفية عند أهل العلم حين جعلوا عارض الجهل مانعا من الكفر في الخفي دون الظاهر . وأما ورثة شبهة داود بن جرجيس ومجددوها فلا فرق عندهم ويكذبون على أهل العلم وبخاصة على شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم . فداود ابن جرجيس ألف كتابا سماه (صلح الإخوان ) نقل فيه عن ابن تيمية وابن القيم وغيرهما ما ظن المسكين أنه حجة له ، فكان ديدنه البتر والكيد والكذب .
وقد مثل الشيخ رحمه الله للأمور التي تخفى بحديث الرجل الشاك في قدرة الله على إعادته وهؤلاء يستدلون به في الأمور الظاهرة ، فيزعمون زورا وبهتانا الإسلام للمشركين فشتان ما بين فقه السلف وفقه الخلف !
وكم لهم من مثل هذا الفهم المخالف ، فلا يستطيعون الإتيان بنص واحد من كتاب الله جل وعلا و لا من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم بفهم الأسلاف يثبت الإسلام لعباد القبور المنتسبين للملة !!!
وأما الأحكام الجزائية والخلود في النيران فلا يكون إلا بعد بلوغ الحجة الرسالية ، قال الله جل وعلا : ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) وقال : ( رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُل ِ)
وأما اسم الشرك ووصفهم بالمشركين فثابت لعباد القبور وإن رغمت أنوف المجادلين عنهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( وقد فرق الله بين ما قبل الرسالة وما بعدها في أسماء وأحكام ، وجمع بينهما في أسماء وأحكام ، وذلك حجة على الطائفتين على من قال : إن الأفعال ليس فيها حسن وقبيح ، ومن قال : إنهم يستحقون العذاب على القولين .
أما الأول فإنه سماهم ظالمين وطاغين ومفسدين ؛ لقوله : ( إذهب إلى فرعون إنه طغى ) وقوله : ( وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين ؛ قوم فرعون ألا يتقون ) وقوله : ( إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا ، يستضعف طائفة منهم ، يذبح أبناءهم ويستحيى نساءهم ؛ إنه كان من المفسدين ) فأخبر أنه كان ظالما وطاغيا ومفسدا هو وقومه ، وهذه أسماء ذم الأفعال ؛ والذم إنما يكون في الأفعال السيئة القبيحة ، فدل ذلك على أن الأفعال تكون قبيحة مذمومة قبل مجيء الرسول إليهم ، لا يستحقون العذاب إلا بعد إتيان الرسول إليهم لقوله : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) .
وكذلك أخبر عن هود أنه قال لقومه : ( اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ؛ إن أنتم إلا مفترون ) فجعلهم مفترين قبل أن يحكم بحكم يخالفونه ، لكونهم جعلوا مع الله إلها آخر ؛ فاسم المشرك ثبت قبل الرسالة فإنه يشرك بربه ويعدل به ؛ ويجعل معه آلهة أخرى ويجعل له أندادا قبل الرسول ، ويثبت أن هذه الأسماء مقدم عليها وكذلك اسم الجهل والجاهلية ؛ يقال : جاهلية وجاهلا قبل مجيء الرسول ،وأما التعذيب فلا .
والتولي عن الطاعة ؛ كقوله : ( فلا صدق و لا صلى ولكن كذب وتولى ) فهذا لا يكون إلا بعد الرسول مثل قوله عن فرعون : ( فكذب وعصى ) كان هذا بعد مجيء الرسول إليه كما قال تعالى : ( فأراه الآية الكبرى ، فكذب وعصى ) وقال : ( فعصى فرعون الرسول ) .
فهذا هو كلام شيخ الإسلام المفترى عليه ، وقد صرح رحمه الله بما لا يدع مجالا للشك أن اسم المشرك ثبت قبل بلوغ الحجة الرسالية ، فمن لم يكن على التوحيد لا يطلق عليه اسم المسلم . فالإسلام والشرك نقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان ، فإن حلّ أحدهما ارتفع الآخر ، لا كما يقوله المتهوكة عن عباد القبور : لا نقول عنهم موحدين ؛ لكنهم مسلمون !!! فاحمد ربّك واسأله العافية .
قال شيخ الإسلام في الفتاوى : ( فلا ينجون من عذاب اللّه إلا من أخلص للّه دينه وعبادته، ودعاه مخلصًا له الدين، ومن لم يشرك به ولم يعبده فهو معطل عن عبادته وعبادة غيره؛ كفرعون وأمثاله، فهو أسوأ حالا من المشرك، فلابد من عبادة الله وحده، وهذا واجب على كل أحد، فلا يسقط عن أحد البتة، وهو الإسلام العام الذى لا يقبل الله دينا غيره‏.‏
ولكن لا يعذب الله أحداً حتى يبعث إليه رسولا، وكما أنه لا يعذبه فلا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة مؤمنة، ولا يدخلها مشرك ولا مستكبر عن عبادة ربه، فمن لم تبلغه الدعوة فى الدنيا امتحن فى الآخرة، ولا يدخل النار إلا من اتبع الشيطان، فمن لا ذنب له لا يدخل النار، ولا يعذب اللّه بالنار أحداً إلا بعد أن يبعث إليه رسولا، فمن لم تبلغه دعوة رسول إليه كالصغير والمجنون، والميت في الفترة المحضة، فهذا يمتحن في الآخرة كما جاءت بذلك الآثار‏ ).
قال العلامة الشيخ سليمان بن عبدالله بن عبد الوهاب : ( وكثير منهم قد عطلوا المساجد وعمروا القبور والمشاهد، فإذا قصد أحدهم القبر الذي يعظمه، أخذ في دعاء صاحبه باكيًا خاشعًا ذليلاً خاضعًا، بحيث لا يحصل له ذلك في الجمعة والجماعات وقيام الليل وإدبار الصلوات، فيسألونهم مغفرة الذنوب، وتفريج الكروب والنجاة من النار، وأن يحطوا عنهم الأوزار، فكيف يظن عاقل ـ فضلاً عن عالم ـ أن التلفظ بـ: " لا إله إلا اللّه " مع هذه الأمور تنفعهم ؟! وهم إنما قالوها بألسنتهم وخالفوها باعتقادهم وأعمالهم؟! ولا ريب أنه لو قالها أحد من المشركين ونطق أيضًا بشهادة أن محمدا رسول اللّه ولم يعرف معنى الإله ولا معنى الرسول، وصلى وصام وحج، ولا يدري ما ذلك إلا أنه رأى الناس يفعلونه فتابعهم ولم يفعل شيئًا من الشرك، فإنه لا يشك أحد في عدم إسلامه.
وقد أفتى بذلك فقهاء المغرب كلهم في أول القرن الحادي عشر أو قبله في شخص كان كذلك كما ذكره صاحب " الدر الثمين في شرح المرشد المعين [ميارة]" من المالكية، ثم قال شارحه: وهذا الذي أفتوا به جلي في غاية الجلاء، لا يمكن أن يختلف فيه اثنان انتهى. ولا ريب أن عباد القبور أشد من هذ ا؟ لأنهم اعتقدوا الإلهية في أرباب متفرقين ).
أما كلام ميارة كما جاء في الدر الثمين : ( وقد سئل فقهاء بجاية وغيرهم من الأئمة في أول هذا القرن أو قبله بيسير عن شخص ينطق بكلمتي الشهادة ويصلي ويصوم ويحج ويفعل كذا وكذا لكن إنما يأتي بمجرد الأقوال والأعمال فقط على حسب ما يرى الناس يقولون ويعملون حتى إنه لينطق بكلمتي الشهادة و لا يفهم لهما معنى ولا يدرك معنى الإله ولا معنى الرسول وبالجملة فلا يدري من كلمتي الشهادة ما أثبت ولا ما نفي وربما توهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم نظير الإله لما رآه لازم الذكر معه في كلمتي الشهادة وفي كثير من المواضع فهل ينتفع هذا الشخص بما صدر منه من صورة القول والفعل ويصدق عليه حقيقة الإيمان فيما بينه وبين ربه أم لا ؟ فأجابوا كلهم بأن مثل هذا لا يضرب له في الإسلام بنصيب وإن صدر منه من صور أقوال الإيمان وأفعاله ما وقع . قلت ـ القائل هو ميارة ـ وهذا الذي أفتوا به في حق هذا الشخص ومن كان على حالته جلي في غاية الجلاء لا يمكن أن يختلف فيه اثنان . )
هذا كلامهم عن جاهل لا يعرف معنى " لا إله إلا الله " ولم يتلبس بناقض من نواقض الإسلام ، وحكمهم فيه أنه لا يضرب له بنصيب في الإسلام ، فكيف لو سئلوا عن عباد القبور المنتسبين للملة ؟ وفرقة الدفاع عن المشركين مروجو شبهة داود بن جرجيس تزعم أنهم مسلمون !!! سبحانك هذا بهتان عظيم .
وما من أحد إلا ويدعي الإسلام ، ولكل قول حقيقة ؛ وقد عرف الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب : ( وأصل دين الإسلام وقاعدته أمران: الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له والتحريض على ذلك والموالاة فيه وتكفير من تركه. الثاني: الإنذار عن الشرك في عبادة الله والتغليظ في ذلك والمعاداة فيه وتكفير من فعله والمخالف في ذلك أنواع
فأشدهم مخالفة من خالف في الجميع ومنهم من عبد الله وحده ولم ينكر الشرك ومنهم من أشرك ولم ينكر التوحيد ومنهم من أنكر الشرك ولم يعاد أهله ومنهم من عاداهم ولم يكفرهم ومنهم من لم يحب التوحيد ولم يبغضه ومنهم من أنكره ولم يعاد أهله ومنهم من عاداهم ولم يكفرهم ومنهم من كفرهم وزعم أنه مسبة للصالحين ومنهم من لم يبغض الشرك ولم يحبه ومنهم من لم يعرف الشرك ولم ينكره ومنهم وهو أشد الأنواع خطرا من عمل بالتوحيد ولم يعرف قدره فلم يبغض من تركه ولم يكفرهم ومنهم من ترك الشرك وكرهه وأنكره ولم يعرف قدره فلم يعاد أهله ولم يكفرهم وكل هؤلاء قد خالفوا ما جاءت به الأنبياء من دين الله ) ثم قال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ فيقال لهذا المسكين: تفطن في نفسك هل أنت داخل في هذه الأنواع فإن كنت فيها فما أسلمت حتى يثبت لك الإسلام ! .
ثم يضيف شيخ الإسلام رحمه الله في الصارم المسلول : ( وبالجملة فمن فعل أو قال كفرا فهو كافر إذ لا يريد أحد الكفر إلا ما شاء الله )
وقوله في الأخنائية : ( وكذلك من دعا غير الله وحج إلى غير الله هو أيضا مشرك ، والذي فعله كفر ، لكن قد لا يكون عالما بأن هذا شرك محرم . كما أن كثيرا من الناس دخلوا في الإسلام من التتار وغيرهم وعندهم أصنام لهم صغار من لبد وغيره وهم يتقربون إليها ويعظمونها ولا يعلمون أن ذلك محرم في دين الإسلام ويتقربون إلى النار أيضا ولا يعلمون أن ذلك محرم ، فكثير من أنواع الشرك قد يخفى على بعض من دخل في الإسلام ولا يعلم أنه شرك فهذا ضال وعمله الذي أشرك فيه باطل ، لكن لا يستحق العقوبة حتى تقوم عليه الحجة ) .
قال الشيخ عبد اللطيف بن حسن آل الشيخ رحمه الله : ( مع أن العلامة ابن القيم رحمه الله جزم بكفر المقلدين لشيوخهم في المسائل المكفرة إذا تمكنوا من طلب الحق ومعرفته، وتأهلوا لذلك. فأعرضوا ولم يلتفتوا. ومن لم يتمكن ولم يتأهل لمعرفة ما جاءت به الرسل فهو عنده من جنس أهل الفترة ممن لم تبلغه دعوة رسول من الرسل. وكلا النوعين لا يحكم بإسلامهم ولا يدخلون في مسمى المسلمين ، حتى عند من لم يكفر بعضهم وسيأتيك كلامه. وأما الشرك فهو يصدق عليهم، واسمه يتناولهم وأي إسلام يبقى مع مناقضة أصله ؟ ) .
فالعلامة عبد اللطيف يصرح بأن : ( كلا النوعين لا يحكم بإسلامهم ولا يدخلون في مسمى المسلمين )
وفرقة الدفاع عن المشركين لاحجة لهم و لابرهان ، اللهم إلا السبّ والشتم والتهويل ، نعوذ بالله من الحور بعد الكور ! وأهل التوحيد يطالبونكم ولو ببينة واحدة من كتاب الله جل جلاله أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم بفهم السلف ، ـ لا بفهمكم السقيم العليل ـ تثبتون بها إسلام عباد القبور المنتسبين للملة ، وهيهات هيهات فقد حيل بين العير والنزوان .
وقال الشيخ عبد اللطيف رحمه الله : ( فجنس هؤلاء المشركين وأمثالهم ممن يعبد الأولياء والصالحين ، نحكم بأنهم مشركون ، ونرى كفرهم إذا قامت عليهم الحجة الرسالية ، وما عدا هذا من الذنوب التي دونه في الرتبة والمفسدة ، لا نكفر بها ، ولا نحكم على أحد من أهل القبلة الذين باينوا عباد الأوثان والأصنام والقبور بمجرد ذنب ارتكبوه وعظيم جرم اجترحوه ).
ومما قاله رحمه الله وهو يرد على ابن جرجيس شبهته : ( ولهذا صرح في هذه الرسالة بأنه ينصح عن تكفير هذا الضرب من الناس ـ عباد القبور ـ ، ويزعم أن لهم نيات صالحة ومقاصد صحيحة ، فظهر أنه رأس من دعا إلى المنكر ، وسعى في هدم المعروف ومحو آثاره ؛ وأي معروف يبقى مع دعاء غير الله ؟! وأي منكر يزجر عنه وينهى لو كانوا يعلمون ! قال تعالى : ( قل هل نبئكم بالأخسرين أعمالا ، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ) وأصل الإسلام وقاعدته : أن لا يعبد إلا الله ، وأن لا يعبد إلا بما شرع ؛ وهذا وأمثاله من أجهل الناس بهذا الأصل ، وأضلهم عن هذا السبيل ، بل هم من أعظم الناس صدّا عنه وردّا له ، وعيبا له ، والمخلص الداعي إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له عندهم خارجي مبتدع كما صرح به في رسالته الأولى ، وزعم أن هذا دين الخوارج ..)
وهؤلاء السَّبابة لا يفوتون فرصة إلا واهتبلوها فصرحوا بأن أهل التوحيد خوارج حدادية وأنهم خبثاء وأنهم ..... ، فهنيئا لكم بموافقة ابن جرجيس في الاعتذار للمشركين عباد الأوثان والقبور المنتسبين للملة ، وبمشاقة ومعاداة أهل التوحيد ، والذي يحيرني ولا أكاد أجد له جوابا ما الذي دعا هؤلاء المفتونين للمنافحة والاستماتة دون عبدة القبور ؟! .

وعلى هذا المسلك الرشيد سارت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء مبينة ومجلية الأمر بما لا يدع في النفس ريبة : السؤال الثاني من الفتوى رقم ( 4400 ) ( السؤال : هناك من يقول: كل من يتقيد برسالة محمد صلى الله عليه وسلم واستقبل القبلة بالصلاة ولو سجد لشيخه لم يكفر ولم يسمه مشركا، حتى قال: إن محمد بن عبد الوهاب الذي تكلم في المشركين في خلودهم في النار إذا لم يتوبوا قد أخطأ وغلط، وقال: إن المشركين في هذه الأمة يعذبهم ثم يخرجهم إلى الجنة، وقال: إن أمة محمد لم يخلد فيهم أحد في النار.
الجواب : كل من آمن برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وسائر ما جاء به في الشريعة إذا سجد بعد ذلك لغير الله من ولي وصاحب قبر أو شيخ طريق يعتبر كافرا مرتدا عن الإسلام مشركا مع الله غيره في العبادة، ولو نطق بالشهادتين وقت سجوده؛ لإتيانه بما ينقض قوله من سجوده لغير الله. لكنه قد يعذر لجهله فلا تنزل به العقوبة حتى يعلم وتقام عليه الحجة ويمهل ثلاثة أيام؛ إعذارا إليه ليراجع نفسه، عسى أن يتوب، فإن أصر على سجوده لغير الله بعد البيان قتل لردته؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من بدل دينه فاقتلوه . فالبيان وإقامة الحجة للإعذار إليه قبل إنزال العقوبة به، لا ليسمى كافرا بعد البيان، فإنه يسمى: كافرا بما حدث منه من سجود لغير الله أو نذره قربة أو ذبحه شاة مثلا لغير الله، وقد دل الكتاب والسنة على أن من مات على الشرك لا يغفر له ويخلد في النار؛ لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } وقوله: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ } وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم."اهـ
وللجنة الدائمة فتوى من السؤال الثالث رقم : 4150
السؤال : ما حكم قراءة التيجانية والقادرية ؟ وما حكم من دام على أحدهما حتى الموت ، وهل لنا أن نصلي وراءه أو الصلاة عليه بعد الموت ، أفيدونا أفادكم الله .
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه ... وبعد
الجواب : أوراد التيجانية والقادرية لا تخلو من البدع الشركية والخرافات كالاستغاثة بغير الله والأذكار التي لم ترد في كتاب الله تعالى ولا في السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا يجوز لك أن تتعبد بها ، ولا تجوز الصلاة وراء من ثبت أنه كان يتعبد بها ، ولا الصلاة على جنازته إذا مات بناء منه على الظاهر من حاله ، أما ما يختم له به فإلى الله تعالى فإنه هو الذي يعلم السر وأخفى .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
قال الشيخ عبداللطيف في منهاج التأسيس : ( وكم هلك بسبب قصور العلم وعدم معرفة الحدود والحقائق من أمة، وكم وقع بذلك من غلط وريب وغمة. مثال ذلك: أن الإسلام والشرك نقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان. والجهل بالحقيقتين أو إحداهما أوقع كثيراً من الناس في الشرك وعبادة الصالحين، لعدم معرفة الحقائق وتصورها )
وقد وجد من هؤلاء الضلال البلهاء من يقصر هذه النصوص على المشركين الأولين ويحصرها فيهم دون غيرهم ممن صرف العبادة لغير الله ، ويرى أن هؤلاء يقولون : لا إله إلا الله محمد رسول الله ؛ ويصلون ويصومون و ...
وله سلف في مسلكه هذا ، فقد اعترض من هو على شاكلته ؛ واستشكل تنـزيل آيات الكتاب على مشركي زمانه ، وتلك جادة مطروقة وسنة سيئة يركبها أهل الباطل المجادلين زورا وبهتانا عن عباد القبور ، فقيض الله لهم من يكشف حقيقتهم فيفضحهم على رؤوس الأشهاد ويجعلهم عبرة ونكالا لغيرهم ، خزيا وذلا ومهانة ( وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ ) .
قال العلامة الشيخ عبد اللطيف رادا هذه الفرية الشنعاء : ( فيقال لهذا المغرور : إن من منع تنزيل القرآن وما دل عليه من الأحكام على الأشخاص والحوادث التي تدخل تحت العموم اللفظي ، فهو من أضل الخلق وأجهلهم بما عليه أهل الإسلام وعلماؤهم ، قرنا بعد قرن وجيلا بعد جيل . ومن أعظم الناس تعطيلا للقرآن وهجراً له ، وعزلا عن الاستدلال به في مورد النـزاع ، وقد قال تعالى : ( فإن تنازعتم في شئ فردوه الى الله والرسول ) والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه ، وإلى الرسول الرد إلى سنته . وقـد قال تعالى : ( وما اختلفتم فيه من شئ فحكمه إلى الله ) وقال تعالى : ( لأنذركم به ومن بلغ ) فنصوصه وأحكامه عامة ، لا خاصة بخصوص السبب .
وما المانع من تكفير من فعل ما فعلت اليهود من الصد عن سبيل الله والكفر به ، مع معرفته ؟ .
وهذا الرجل لا يبدي قولة في اعتراضه وتلبيسه إلا وهي أكبر من أختها في الجهالة والضلالة . ولو كنت تعرف الكتاب العزيز وما دل عليه من الحدود والأحكام والاعتبار لأحجمت عن هذه العبارات التي لا يقولها إلا أفلس الخلق من العلم والإيمان .
يا خاسرا هانت عليه نفســـه ** إذ باعها بالغبن مـن أعدائـه
لو كنت تعلم قـدر مـا قد بعته ** لفسخت هذا البيع قبل وفائـه
أو كنت كفؤا للرشـاد وللهدى ** أبصرت لكن لست من أكفائه
قال ابن القيم : وقوله تعالى : ( قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ، وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) والقرآن مملوء من أمثال هذه الآية، ولكن أكثر الناس لا يشعر بدخول الواقع تحته ويظنه في قوم قد خلوا ولم يعقبوا وارثاً، وهذا هو الذي يحول بين المرء وبين فهم القرآن، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية. وهذا لأنه إذا لم يعرف الشرك وما عابه القرآن وذمه وقع فيه وأقره وهو لا يعرف أنه الذي كان عليه أهل الجاهلية، فتنتقض بذلك عرى الإسلام، ويعود المعروف منكراً والمنكر معروفاً، والبدعة سنة والسنة بدعة، ويكفر الرجل بمحض الإيمان وتجريد التوحيد، ويبدع بتجريد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ومفارقة الأهواء والبدع، ومن له بصيرة وقلب حي يرى ذلك عياناً. فالله المستعان ) .
فأنت ترى أن المشرك الجاهل لم يستثن ، وأن له قصدا وإرادة في عمل الشرك وفعله ، إلا العذاب فذاك موقوف على بلوغ الحجة الرسالية ؛ وأنه هو مقتضى عدل الله جل جلاله وحكمه ، فالنار لا يدخلها المشرك إلا بعد الإعذار إليه بالحجة الرسالية ، و من انقطع عن الرسالات في الدنيا بعث له في عرصات يوم القيامة من يمتحنه ويختبره ، وأما الجنة فلا يدخلها إلا نفس مسلمة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة ) ، ومما أحدثوه وابتدعوه تفريقهم بين المسلم والموحد فعباد القبور عندهم مسلمون غير موحدين ! تحكما وقولا على الله بغير علم . والذي عليه أهل الإسلام أن : الإسلام هو الاستسلام لله تعالى والانقياد له بفعل التوحيد وترك الشرك
قال العلامة الشيخ سليمان بن عبدالله آل الشيخ رحمه الله :( وحاصله أنهم إذا أجابوا إلى الإسلام الذي هو التوحيد ) وقال أيضا : ( وفيه أن لله تعالى حقوقا في الإسلام من لم يأت بها لم يكن مسلما كإخلاص العبادة له والكفر بما يعبد من دونه )
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى : ( وهذا التوحيد ـ توحيد العبادة ـ : هو الفارق بين الموحدين والمشركين، وعليه يقع الجزاء والثواب في الأولى والآخرة، فمن لم يأت به كان من المشركين ) .
فلا مسلم إلا الموحد ومن زعم غير ذلك فعليه بالحجة والبرهان ، ولن يكون ذلك حتى يلج الجمل في سم الخياط ، فالجنة لا يدخلها إلا الموحد وهم قد فرقوا بين الموحد والمسلم ، فأثبتوا الإسلام لعباد القبور المنتسبين للملة ونفوا عنهم التوحيد فصاروا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ، قال العلامة ابن القيم : ( فلا يدخل الجنة نفس مشركة ، وإنما يدخلها أهل التوحيد ، فإن التوحيد هو مفتاح بابها فمن لم يكن معه مفتاح لم يفتح له بابها ) . فالواجب على العبد أن يعتقد أن كل من دان بغير التوحيد فهو كافر ، وأنه لا مسلم إلا الموحد ، وأن الله جل وعلا لا يعذب أحدا إلا بعد بلوغ الحجة الرسالية فهذا من حيث أحكام الثواب والعقاب ـ الأحكام الجزائية ـ وأما أحكام الدنيا فهي جارية على ظاهر الأمر ، فكل من أظهر الشرك ودان به فهو مشرك معاندا كان أو معرضا أو جاهلا .
قال العلامة ابن القيم رحمه الله إن العذاب يستحق بسببين :

أحدهما: الإعراض عن الحجة وعدم إرادتها والعمل بها وبموجبها

الثاني :العناد لها بعد قيامها وترك إرادة موجبها فالأول كفر إعراض والثاني كفر عناد وأما كفر الجهل مع عدم قيام الحجة وعدم التمكن من معرفتها فهذا الذي نفى الله التعذيب عنه حتى تقوم حجة الرسل.
فجاء رحمه الله في هذا المقطع بهذا التقسيم البديع الأول : كفر الأعراض والثاني : كفر العناد والثالث : كفر الجهل وهو الذي نفى الله العذاب عن أهله حتى تقوم الحجة الرسالية .
وهؤلاء أرادوا إسقاط كفر الجهل ، وزعموا الإسلام لأصحابه !!!
وله كلام آخر يؤيد ما سبق قال رحمه الله : ( قال سبحانه وتعالى :" ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين ، وإنهم ليصدونهم عن السبيل ، ويحسبون أنهم مهتدون " فأخبر سبحانه أن من ابتلاه بقرينه من الشياطين وضلاله به إنما كان بسبب إعراضه وعشوه عن ذكره الذي أنزله على رسوله ، فكان عقوبة هذا الإعراض أن قيض له شيطانا يقارنه ، فيصده عن ربه وطريق فلاحه ، وهو يحسب أنه مهتد حتى إذا وافى ربه يوم القيامة مع قرينه ؛ وعاين هلاكه وإفلاسه قال : " ياليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين " وكل من أعرض عن الإهتداء بالوحي الذي الذي هو ذكر الله فلا بد أن يقول هذا يوم القيامة .
فإن قيل : فهل لهذا عذر في ضلاله ؟ إذ كان يحسب أنه على هدى ؛ كما قال تعالى : " ويحسبون أنهم مهتدون " .
قيل : لا عذر لهذا ولأمثاله من الضُّلال الذين منشأ ضلالهم الإعراض عن الوحي الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو ظن أنه مهتد ، فإنه مفرط بإعراضه عن اتباع داعي الهدى ، فإذا ضل فإنما أتي من تفريطه وإعراضه وهذا بخلاف من كان ضلاله لعدم بلوغ الرسالة ، وعجزه عن الوصول إليها ، فذاك له حكم آخر ، والوعيد في القرآن إنما يتناول الأول .
قلت : الحكم الآخر هو ما ذكره رحمه الله ضمن كتابه الفذ " طريق الهجرتين " : ( أنهم يمتحنون في عرصات القيامة ، ويرسل إليهم هناك رسول وإلى كل من لم تبلغه الدعوة ، فمن أطاع الرسول دخل الجنة ومن عصاه دخل النار وعلى هذا فيكون بعضهم في الجنة وبعضهم في النار، وبهذا يتألف شمل الأدلة كلها وتتوافق الأحاديث ، ويكون معلوم الله الذي أحال عليه النبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول : " الله أعلم بما كانوا عاملين " يظهر حينئذ ويقع الثواب والعقاب عليه حال كونه معلوما علما خارجيا لا علما مجردا ، ويكون النبي صلى عليه وسلم قد رد جوابهم إلى علم الله فيهم ، والله يرد ثوابهم وعقابهم إلى معلومه منهم ، فالخبر عنهم مردود إلى علمه ، ومصيره مردود إلى معلومه ) .
وهو رحمه الله من قال : ( فالمعرض عن التوحيد مشرك شاء أم أبى ) .
وهذا الجهل إما أن يكون أهله عاطلين عن الشرائع ، فلم يسمعوا عنها قط كأهل الفترات، والمجانين ومن جاء الإسلام وهو لا يعقل شيئا ويلحق بهم من بلغه الإسلام مشوها ومحرفا ؛ فقد سئل العلامة عبد العزيز ابن باز رحمه الله :
سؤال : من بلغته الدعوة الإسلامية مشوهة ؟ الجواب : حكمه حكم أهل الفترة اهـ.
وأهل الفترة الذين لم تبلغهم الرسالة والقرآن وماتوا على الجاهلية لا يسمون مسلمين بالإجماع .
قال العقيل : ( فإن العذر بالجهل ، قد قال الله عز وجل " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " يقول الأصفهاني رحمه الله : لو لم يرسل الله عزوجل الرسل ما وجب على أحد شيء أصلا ؛ ما وجب على أحد شيء أبدا ؛ ما وجبت علينا الصلاة إلا بالرسل والصيام والزكاة وهكذا بقية شعائر الإسلام ما وجبت علينا إلا بالرسل، قال الله عزوجل : " رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما " قامت حجة الله على خلقه بإرسال الرسل ، فكل من بلغته الرسالة فقد قامت عليه الحجة ومن لم تبلغه الرسالة لم تقم عليه الحجة ومن بلغه شيء قامت عليه الحجة بقدر ما بلغه من الرسالة ، هذه قضية مفهومة جدا ، لكن هؤلاء التكفيرين أرادوا أن يكفروا الناس وأخذوا ينمون هذه القضية ؛ عدم العذر بالجهل ! عدم العذر بالجهل ! )
هذا كما مر معنا من قبل أنّ هؤلاء يريدون إقحام كل نص من الوحي يسوغون به باطلهم ، أن عباد القبور المنتسبين للملة مسلمون ، قال الإمام ابن جرير الطبري : وقوله: ( " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " يقول تعالى ذكره وما كنا مهلكي قوم إلا بعد الإعذار إليهم بالرسل وإقامة الحجة عليهم بالآيات التي تقطع عذرهم كما حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة قوله " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " أن الله تبارك وتعالى ليس يعذب أحدا حتى يسبق إليه من الله خبر أو يأتيه من الله بينة وليس معذبا أحدا إلا بذنبه . حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة عن أبي هريرة قال : إذا كان يوم القيامة جمع الله تبارك وتعالى نسم الذين ماتوا في الفترة والمعتوه والأصم والأبكم والشيوخ الذين جاء الإسلام وقد خرفوا ثم أرسل رسولا أن ادخلوا النار فيقولون كيف ولم يأتنا رسول وايم الله لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما ثم يرسل إليهم فيطيعه من كان يريد أن يطيعه قبل ، قال أبوهريرة : اقرؤا إن شئتم " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " حدثنا القاسم قال ثنا الحسين قال ثنا أبو سفيان معمر عن همام عن أبي هريرة نحوه .
فليس في الآية الكريمة إلا بيان كمال عدل وحكم الله جل جلاله ، وأنه المنـزه سبحانه عن الظلم والجور ؛ فلا يعذب إلا من بلغته الحجة الرسالية ثم عاند وردها سواء في الدنيا أو في الآخرة كما قال قتادة رحمه الله : " فليس يعذب أحدا حتى يسبق إليه من الله خبر أويأتيه من الله بينة وليس معذبا أحدا إلا بذنبه "
وأما قوله تعالى : " رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما " قال ابن كثير رحمه الله تعالى : ( أي يبشرون من أطاع الله واتبع رضوانه بالخيرات وينذرون من خالف أمره وكذب رسله بالعقاب والعذاب وقوله " لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما " أي أنه تعالى أنزل كتبه وأرسل رسله بالبشارة والنذارة ، وبيّن ما يحبه ويرضاه مما يكرهه ويأباه لئلا يبقى لمعتذر عذر كما قال تعالى : ( ولولا أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى ) وكذا قوله : ( ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم ) الآية ، وقد ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا أحد أغير من الله ؛ من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ؛ ولا أحد أحب إليه المدح من الله عز وجل ؛ من أجل ذلك مدح نفسه ؛ و لا أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك بعث النبيين مبشرين ومنذرين " وفي لفظ آخر " من أجل ذلك أرسل رسله وأنزل كتبه " .
فليس في الآيتين إلا نفي العذاب قبل بلوغ الحجة الرسالية ، وليس فيهما أدنى إشارة إلى إسلام عباد القبور المنتسبين للملة !!! .
وأما قوله : ( لكن هؤلاء التكفيرين أرادوا أن يكفروا الناس وأخذوا ينمون هذه القضية عدم العذر بالجهل ! عدم العذر بالجهل ! ) .
أقول : سبحان الله ! ما أشبه الليلة بالبارحة فالذين حاربوا دعوة التوحيد إبان ظهورها في عهد الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومن جاء من بعده من أبنائه وتلامذته وأحفاده ، كلهم يستدلون بمثل ما يستدل به هؤلاء المشبهة حذو الكلمة بالكلمة والحرف بالحرف ، ويخلصون إلى أن من قال أن عباد القبور لا علاقة لهم بالإسلام ، أنه تكفيري حدادي وخارجي ووو...
كما قال أحمد بازمول : ( إذا رأيت شخص يؤصل فيك هذا الأصل فاعلم انه حدادي تكفيري خبيث )
كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا !!!
قال الشيخ عبداللطيف رادا على هؤلاء المفترين الأفاكين الكذابين : ( وأما الخوارج فلم يفصلوا ولم يفقهوا مراد الله ورسوله ، فكفروا بكل ذنب ارتكبه المسلم . فمن جعل التكفير بالشرك الأكبر من هذا الباب فقد طعن على الرسل وعلى الأمة ولم يميز بين دينهم ومذهب الخوارج ، وقد نبذ نصوص التنـزيل واتبع غير سبيل المؤمنين )
وقال أيضا : (فإن كان تكفير المشرك ومن قام الدليل على كفره هو مذهب الخوارج ولا يكفر أحد عند أهل السنة. فهذا رد على الله وعلى رسله وعلى أهل العلم والإيمان قاطبة .ويكفي هذا رداً وفضيحة لهذا المعترض ، الذي لم يميز ولم يفرق بين دين المرسلين ، ومذهب الخارجين والمارقين .

وإن اعترف المعترض بالتفصيل وسلم للرسل واتباعهم تكفير المشركين العادلين برب العالمين . فيقال له : هذا الذي اعترضت به على الشيخ ـ وأقول : واعترضتم به على أهل التوحيد ـ ، أهو تكفير بالذنوب التي دون الشرك أم النزاع في تكفير من دعا الصالحين وسألهم وتوكل عليهم ، وجعلهم واسطة بينه وبين الله في حاجاته وملماته الدينية والدنيوية ؟ فإن اعترف بأن النزاع في هـذا فقد خصم وهزم ، ونادى على نفسه بالخطأ والكذب ، ونسبة الشيخ إلى ما قد نزهه الله عنه ويرد عليه لو أنكر ، لعلم أن النزاع والخصومة بين الشيخ رحمه الله وبين أعدائه إنما هي في دعاء غير الله وعبادة سواه ، والاعتماد والتوكل على الشركاء والأنداد التي هي من الإفك الذي افتراه الضالون وانتحله المبطلون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .
إذا عرفت هذا تبين لك ما قدمناه من إفك هذا المفتري وضلاله ، وتحامله على شيخ الاسلام ، وأن ما قرره الشيخ مباين لمذهب الخوارج موافق لمذهب أهل الاسلام من أهل العلم والدين . وأن من زعم أن قول الشيخ هو قول الخوارج فقد تضمن زعمه وبهته تجهيل أئمة الدين ، وعلماء المسلمين ، ممن نهى عن الشرك بالله رب العالمين . وأنهم لم يفرقوا بين مذهب الخوارج ودين الرسل ، بل لازمه أن ما تضمنه الكتاب العزيز والسنة النبوية من تكفير من دعا مع الله آلهة أخرى هو مذهب الخوارج . فنعوذ بالله من الجهل المعمي ، والهوى المردي )
ومما قاله رحمه الله : ( إذا عرفت هذا فمخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما تصدق وتتحقق فيمن خالفه في الحكم على من عبد الأولياء والصالحين بأنه مسلم ، وأن ماله ودمه معصوم ، مع الشرك بالله وعبادة الأوثان ، ومسبة ورثة دينه وأهل الدعوة إلى سبيله ، ونسبتهم وتسميتهم خوارج ضلال ، وأن من عبد القباب ، وأشرك برب الأرباب ، هم أمة محمد الذين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم . وخالفت رسول الله فيما سودت به الأوراق من المسبه والشقاق . والله لم يتعبدنا بالسب ، ولم يجعله شرعاً وديناً ينسب إليه وإلى رسله ، وإنما هو حرفة الجاهلين المفلسين من العلم والإيمان ، كالنساء والصبيان . وأما أنت فهو حاصل ردك ، وغاية قدح زندك ) .
وقال كذلك : ( وأما إن كان المكفر لأحد من هذه الأمة يستند في تكفيره له إلى نص وبرهان من كتاب الله وسنة رسوله ، وقد رأى كفرا بواحا، كالشرك بالله، وعبادة ما سواه، والاستهزاء به تعالى أو بآياته أو رسله أو تكذيبهم أو كراهة ما أنزل الله من الهدى ودين الحق أو جحود الحق أو جحد صفات الله تعالى ونعوت جلاله ونحو ذلك
فالمكفر بهذا وأمثاله مصيب مأجور مطيع لله ورسوله قال الله تعالى: ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْه الضَّلالَةُ)
فمن لم يكن من أهل عبادة الله تعالى وإثبات صفات كماله ونعوت جلاله مؤمنا بما جاءت به رسله مجتنبا لكل طاغوت يدعو إلى خلاف ما جاءت به الرسل فهو ممن حقت عليه الضلالة وليس ممن هدى الله للإيمان به وبما جاءت به الرسل عنه. والتكفير بترك هذه الأصول وعدم الإيمان بها من أعظم دعائم الدين يعرفه كل من كانت له نهمة في معرفة دين الإسلام وغالب ما في القرآن إنما هو في إثبات ربوبيته تعالى وصفات كماله ونعوت جلاله ووجوب عبادته وحده لا شريك له وما أعد لأوليائه الذين أجابوا رسله في الدار الآخرة وما أعد لأعدائه الذين كفروا به وبرسله واتخذوا من دونه الآلهة والأرباب وهذا بين بحمد الله ).
ومما قال كذلك : ( وقد غلط كثير من المشركين في هذه الأعصار وظنوا أن من كفّر من تلفظ بالشهادتين فهو من الخوارج وليس كذلك؛ بل التلفظ بالشهادتين لا يكون مانعا من التكفير إلا لمن عرف معناهما وعمل بمقتضاهما وأخلص العبادة لله ولم يشرك به سواه فهذا تنفعه الشهادتان.
وأما من قالهما ولم يحصل منه انقياد لمقتضاهما بل أشرك بالله واتخذ الوسائط والشفعاء من دون الله وطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله, وقرَّب لهم القرابين وفعل لهم ما يفعله أهل الجاهلية من المشركين فهذا لا تنفعه الشهادتان بل هو كاذب في شهادته كما قال تعالى:( إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ).
ومعنى شهادة أن لا إله إلا الله هو: عبادة الله وترك عبادة ما سواه فمن استكبر عن عبادته ولم يعبده فليس ممن يشهد أن لا إله إلا الله ومن عبده وعبد معه غيره فليس هو ممن يشهد أن لا إله إلا الله ).
وقال أيضا : ( ومن كفَّر المشركين ومقتهم وأخلص دينه لله فلم يعبد سواه فهو أفضل الأئمة وأحقهم بالإمامة لأن التكفير بالشرك والتعطيل هو أهم ما يجب من الكفر بالطاغوت ) .
ومن درر كلامه وغواليه رحمه الله : ( هذا الجاهل يظن أن من أشرك بالله واتخذ معه الأنداد والآلهة ودعاهم مع الله لتفريج الكربات وإغاثة اللهفات يحكم عليه والحال هذه بأنه من المسلمين ؛ لأنه يتلفظ بالشهادتين ومناقضتهما لا تضره ولا توجب عنده كفره فمن كفَّره فهو من الغلاة الذين أسقطوا حرمة "لا إله إلا الله", وهذا القول مخالف لكتاب الله وسنة رسوله وإجماع الأمة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (من جعل بينه وبين الله وسائط، يدعوهم، ويسالهم، ويتوكل عليهم كفر إجماعا) انتهى.
ومجرد التلفظ من غير التزام لما دلت عليه كلمة الشهادة لا يجدي شيئا والمنافقون يقولونها وهم في الدرك الأسفل من النار.
نعم ؛ إذا قالها المشرك ولم يتبين منه ما يخالفها فهو ممن يُكفّ عنه بمجرد القول ويحكم بإسلامه وأما إذا تبين منه وتكرر عدم التزام ما دلت عليه من الإيمان بالله وتوحيده ،والكفر بما يعبد من دونه فهذا لا يحكم له بالإسلام ولا كرامة له ونصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة تدل على هذا.
فمن تسمى بالإسلام حقيقة وأحب محمدا واقتدى به في الطريقة وأحب أصحابه الكرام ومن تبعهم من علماء الشريعة يجزم ولا يتوقف بكفر من سوى بالله غيره ودعا معه سواه من الأنداد والآلهة ولكن هذا الصحاف يغلط في مسمى الإسلام ولا يعرف حقيقته وكلامه يحتمل أنه قصد الخوارج الذين يكفرون بما دون الشرك من الذنوب وحينئذ يكون له وجه ولكنه احتمال بعيد والظاهر الأول.
وقد ابتلي بهذه الشبهة وضل بها كثير من الناس وظنوا أن مجرد التكلم بالشهادتين مانع من الكفر وقد قال تعالى: ( وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ).
وقال تعالى:( وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ ). وقال تعالى:( لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ ).
فالتكفير بدعاء غير الله هو نص كتاب الله وفي الحديث : "من مات وهو يدعو لله ندا دخل النار".
وفي الحديث أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها" وفي رواية: " إلا بحق الإسلام"
وأعظم حق الإسلام وأصله الأصيل هو: عبادة الله وحده والكفر بما يعبد من دونه ، وهذا هو الذي دلت عليه كلمة الإخلاص، فمن قالها وعبد غير الله ، أو استكبر عن عبادة الله فهو مكذب لنفسه ، شاهد عليها بالكفر والإشراك .
وهذا العلامة صالح الفوزان ـ حفظه الله تعالى ـ يرد باطلكم وبهتانكم : ( وأقول بهذه المناسبة : لما كانت حقيقة الخوارج أنهم يكفرون من المسلمين من ارتكب كبيرة دون الشرك . فإنه قد وجد في هذا الزمان من يطلق هذا اللقب ؛ لقب الخوارج على من حكم بالكفر على من يستحقه من أهل الردة ونواقض الإسلام كعباد القبور وأصحاب المبادئ الهدامة كالبعثية والعلمانية وغيرها ؛ ويقولون : أنتم تكفرون المسلمين فأنتم خوارج ؛ لأن هؤلاء لا يعرفون حقيقة الإسلام ولا يعرفون نواقضه ، ولا يعرفون حقيقة مذهب الخوارج ؛ بأنه الحكم بالكفر على من لا يستحقه من المسلمين ، وأن الحكم بالكفر على من يستحقه بأن ارتكب ناقضا من نواقض الإسلام هو مذهب أهل السنة والجماعة ).
فهؤلاء لا يعرفون حقيقة الإسلام ولا يعرفون نواقضه ، ولا يعرفون حقيقة مذهب الخوارج ، وأن الحكم على عباد القبور بالكفر والشرك هو مذهب أهل السنة والجماعة أهل التوحيد وهو فرد في بابه لا يقبل المشاركة .
وهذا كما قال إمام الدعوة الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : ( ولو أن رجلا قال : شروط الصلاة تسعة ، ثم سردها كلها فإذا رجلا يصلي عريانا بلا حاجة ؛ أو على غير وضوء ؛ أو لغير القبلة لم يدر أن صلاته فاسدة ؛ لم يكن قد عرف الشروط ولو سردها بلسانه ؛ ولو قال : الأركان أربعة عشر ثم سردها كلها ثم رأى من لا يقرأ الفاتحة ومن لا يركع ، ومن لا يجلس للتشهد ، ولم يفطن أن صلاته باطلة ، لم يكن قد عرف الأركان ولو سردها ، فالله الله في التفطن لهذه المسألة ) .
قال الشيخ صالح آل الشيخ : ( قال الشيخ رحمه الله: من أجل هذه المسألة تفرق الناس إلى مسلم وكافر وهذا يعني أن من أشرك بالله جل وعلا صالحا أو غير صالح فإنه كافر بالله، كافر، لا نتوانى عن إطلاق الشرك عليه، ولا إطلاق الكفر عليه؛ لأنه ما دام أنه مشرك بالله جل وعلا، فعل الشرك، فإنه يطلق عليه أنه مشرك كافر، لكن الشرك الذي يُطلق عليه لا تستباح به أمواله ولا يستباح به دمه، بل ذلك موقوف على البيان، موقوف على الدعوة، لابد من البيان والدعوة قبل الاستباحة، لكن الحكم عليه، يُحكم عليه بأنه مشرك وتُرتَّب عليه أحكام الكفار في الدنيا، ولكن لا يشهد عليه بأحكام الكفار في الآخرة؛ يعني بأنه من أهل النار حتى نعلم أنه رد الحجة الرسالية بعد بيانها له بعد أن أقامها عليه أهل العلم، أو أنه قاتل تحت راية الكفر ) .
كما سئل عن معنى قولهم قامت الحجة ببعثة النبي ؟
نعم الحجة ببعثة النبي قامت على العالمين، على العالمين جميعا " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ " ، والنبي بُعث للناس أجمعين، قد قال عليه الصلاة والسلام " لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا أدخله الله النار" وسمعتُ من كلام العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني أنه قال في شرح هذا الحديث ـ سمعتُ منه مشافهة ـ أنه قال: (لا يسمع بي أحد من هذه الأمة) هذا كقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من رآني في المنام فقد رآني) ، ذلك أنه يعني في تفسير حديث المنام أنه من رآه على صورته التي خلقه الله جل وعلا عليها، وقوله في الحديث (لا يسمع بي) يعني بي على ما بعثني الله جل وعلا عليه، فإذا كان هناك سماع محرّف، سماع ليس فيه وصف لما جاء به النبي جل وعلا على ما جاء به النبي فهو من جنس رؤية النبي ( على غير صورته، فلا يكفي ذلك في معرفة الحق. وهذا من الشيخ كلام نفيس فيما أحسب؛ لأنه لابد أن يكون في إيضاح الحجة وإقامتها أن يكون الدين واضحا، لا يكفي أن يسمع ببعض الحجة ولا يفهم يعني ولا تقام عليه بدلائلها، لا يكفي أن يسمع شيئا والتشويشات عليه، بل لا بد أن يسمع اليهود والنصارى ونحوهم أن يسمعوا ببعثة النبي على ما بعث به، فإذا كان منهم من سمع هذا الكلام، من سمع عن النبي سماعا، لكن ما عرف دينه ما عرف ما جاء به حقا كما يبلغه أهل العلم، إذا ما عرف القرآن وما أقيمت عليه الحجة من وجه آخر، هذا لا يقال أنه أقيمت عليه الحجة الرسالية، لكن هذا إنما نعني به طائفة من الذين ربما ما سمعوا بالنبي أو سمعوا به سماعا محرفا هذا قد ينجيهم، ويُبعث لهم يوم القيامة رسول من أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار، إذا كان لم يسمعوا بالإسلام الذي بعث الله جل وعلا به نبيه محمدا كذلك المشركون في هذه الأمة إذا سمعوا شيئا مثلا في بعض البلاد يسمعون شيئا من أخبار أهل السنة، مثلا جماعة أنصار السنة في البلاد التي فيها شرك، يسمعون شيئا من أخبارها لكن ما أقيمت عليهم الحجة بمعني بينت لهم الدلائل فهل السماع يكفي، هذه مسألة اختلف فيها أهل العلم، وأئمة الدعوة قالوا إن السماع بدعوة محمد بن عبد الوهاب لا يكفي إلا في الجزيرة ؛ لأنها ظهرت ـ يعني في وقتهم ـ الدعوة ومشت في الفتوح وبينت للناس في ذلك في جميع بلاد الجزيرة، وأما في غيرها فإذا كان لم يُسمع بالدعوة فلا بد من إقامة الحجة، هنا إذا لم تقم الحجة هل يكفر عبدة القبور أم لا ؟ الجواب : نعم ، من قام به الشرك فهو مشرك، الشرك الأكبر من قام به فهو مشرك، وإنما إقامة الحجة شرط في وجوب العداء، كما أن اليهود والنصارى نسميهم كفار، هم كفار ولو لم يسمعوا بالنبي أصلا، كذلك أهل الأوثان والقبور ونحو ذلك من قام به الشرك فهو مشرك، وترتَّب عليه أحكام المشركين في الدنيا، أما إذا كان لم تقم عليه الحجة فهو ليس مقطوعا له بالنار إذا مات، وإنما موقوف أمره حتى تقام عليه الحجة بين يدي الله جل وعلا.
فإذن فرق بين شرطنا لإقامة الحجة، وبين الامتناع من الحكم بالشرك، من قام به الشرك الأكبر فهو مشرك ترتب عليه آثار ذلك الدنيوية ، أنه لا يستغفر له ولا تؤكل ذبيحته ولا يضحى له ونحو ذلك من الأحكام، وأما الحكم عليه بالكفر الظاهر والباطن فهذا موقوف حتى تقام عليه الحجة، فإن لم تقم عليه الحجة فأمره إلى الله جل وعلا.
هذا تحقيق كلام أهل العلم في هذه المسألة وهي مسألة مشهورة دقيقة موسومة بمسألة العذر بالجهل ) .
قال العلامة عبدالله بن عبدالرحمن أبا بطين رحمه الله : ( نقول في تكفير المعين : ظاهر الآيات والأحاديث وكلام جمهور العلماء تدل على كفر من أشرك بالله فعبد معه غيره ، ولم تفرق الآيات بين المعين وغيره قال تعالى : " إن الله لا يغفر أن يشرك به " وقال تعالى : " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " وهذا عام في كل واحد من المشركين .
وجميع العلماء في كتب الفقه ؛ يذكرون حكم المرتد ، وأول ما يذكرون من أنواع الكفر والردة الشرك فقالوا : إن من أشرك بالله كفر ولم يستثنوا الجاهل ، ومن زعم لله صاحبة أو ولدا كفر ، ولم يستثنوا الجاهل ، ومن قذف عائشة كفر ، ومن استهزأ بالله أورسله أو كتبه كفر إجماعا لقوله تعالى : " لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم " ويذكرون أنواعا كثيرة مجمعا على كفر صاحبها ، ولم يفرقوا بين المعين وغيره .
ثم يقولون : فمن ارتد عن الإسلام قتل بعد الاستتابة ، فحكموا بردته قبل الحكم باستتابته ، فالاستتابة بعد الحكم بالردة ، والاستتابة إنما تكون لمعين ، ويذكرون في هذا الباب حكم من جحد وجوب واحدة من العبادات الخمس ، أو استحل شيئا من المحرمات كالخمر و الخنزير ونحو ذلك أو شك فيه كفر إذا كان مثله لا يجهله .
ولم يقولوا ذلك في الشرك ونحوه مما ذكرنا بعضه ؛ بل أطلقوا كفره ولم يقيدوه بالجهل ، ولا فرقوا بين المعين وغيره .
وكما ذكرنا : أن الاستتابة إنما تكون لمعين ، وهل يجوز لمسلم أن يشك في كفر من قال إن لله صاحبة أو ولدا ؟ أو أن جبرئيل غلط في الرسالة ؟ أو ينكر البعث بعد الموت ؟ أو ينكر أحدا من الأنبياء ؟ وهل يفرق مسلم بين المعين وغيره في ذلك ونحوه ؟ وقد قال صلى الله عليه وسلم : " من بدل دينه فاقتلوه " وهذا يعم المعين وغيره .
وأعظم أنواع تبديل الدين : الشرك بالله بعبادة غيره لقوله تعالى : " إن الله لا يغفر أن يشرك به " ولقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل : أي الذنب أعظم ؟ أي : عند الله ، قال : " أن تجعل لله ندا وهو خلقك " .
بعد ذلك قال العقيل : ( تعرفون الزنا ؟! نعوذ بالله من الزنا ، إنسان دخل بيته ووجد امرأة في فراشه فوطئها ؛ فإذا هي ليست زوجته ؛ ما حكمه ؟ زنى أو ما زنى ؟ زنى ، لكن جهله رفع عنه الحد في الدنيا والإثم في الآخرة ، ما الذي رفع عنه الحد عنه ؟ الجهل ، جهله ؛ ظن أنها زوجته ! ) .
ليس الأمر كما ظن العقيل ، وليس المثال الذي أورده من قبيل الجهل بل هو الخطأ ؛ وأهل العلم حين يمثلون للجهل يقولون : رجل أسلم حديثا ولم يعش في بيئة مسلمة ثم زنى ، و لا علم لديه بأن الإسلام حرم الزنا ، وقامت البينة على زناه ، فهذا لا يؤاخذ لجهله بالحكم الشرعي مع قصده وإرادته للزنا ، بخلاف مثال العقيل فإنه مثال للخطأ ، فالرجل الذي واقع المرأة التي وجدت على فراشه ، ظنها زوجته فلا قصد ولا إرادة لديه للزنا ، وهذا ليس بمستغرب منه فقد سوى بينهما من قبل ، ما هذا ضلال في التمثيل وضلال في التأصيل ! .
وكذلك المثال الذي بعده في الرجل الذي تزوج أخته من الرضاعة ، هو أيضا من قبيل الخطأ وليس سببه الجهل ، فالجهل أن يقصد الزواج بإحدى محارمه مدركا لذلك مع جهله بالحكم الشرعي أن الله حرم نكاح المحارم ، ومثال العقيل يزعم أنه أخبر أنها أخت له بعد زواجهما فانتفى القصد حين العقد ، فهل يدرك العقيل ومن روج لشريطه هذه الفروق ؟
ثم ذكر العقيل بعد ذلك : حديث الذي أوصى أهله أن يحرقوه ، وقول عائشة رضى الله عنها : هل يعلم الله كل شيء ؟
سبحان الله ! ما أجرأكم على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كذبتم عليهم ونسبتم إليهم الردة عن الإسلام ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم عذر المرتدين ، فذكرتم عائشة ومعاذا وحاطبا رضي الله عنهم ، ولعل القائمة لم تنته بعد !
وقد سبق الجواب عن هذه الشبهة من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وأن هذا من قبيل الأمر الخفي ، وهذا الرجل ومن على مذهبه لهم فهم خاص يستقلون به دون سلف الأمة وأئمتها . ولابأس من إعادة كلام ابن تيمة تارة أخرى لما في ذلك من ترسيخ علم السلف ودفع الشبه قال رحمه الله : ( ومن شك في صفة من صفات الله ومثله لا يجهلها فمرتد، وإن كان مثله يجهلها فليس بمرتد، ولهذا لم يكفّر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الشاك في قدرة الله على إعادته ؛ لأنه لا يكون إلا بعد الرسالة ، ومنه قول عائشة رضي الله عنها : يا رسول الله مهما يكتم الناس يعلمه الله ، قال : نعم ) .
وقال العقيل : ( وكقصة حاطب بن أبي بلتعة وفعل تلك الفعلة وراسل أهل مكة عذره النبي صلى الله عليه وسلم ... )
والذي يظهر ويتبادر من قول العقيل : ( عذره النبي صلى الله عليه وسلم ) أن حاطبا رضي الله عنه ارتد عن الإسلام ـ وحاشاه ـ وأن النبي صلى الله عليه وسلم سمع هذا المنكر وهي الردة عن دين الإسلام وعذر حاطبا سبحانك هذا بهتان عظيم ، لكنه المذهب المردي الذي انتحلوه أفضى بهم إلى التخبط والتخليط والاضطراب ، وأي ضلالة هذه التي تنسب إلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الردة عن دين الإسلام زورا وبهتانا ، كما نسبوا الفرية نفسها إلى معاذ رضي الله عنه في سجوده للنبي صلى الله عليه وسلم ـ إن صح الخبر ـ ولم يميزوا كما عليه أهل العلم بين سجود العبادة لغير الله وهو كفر صريح وسجود التحية الذي هو كبيرة من كبائر الذنوب ، وكم لهم من هذا البهتان ، وقد قيل قديما : يكفيك من شر سماعه ، والله المستعان ! وقد رد هذه الشبهة العلامة الشيخ عبد اللطيف حيث قال : ( وتأمل قصة حاطب بن أبي بلتعة وما فيها من الفوائد، فإنه هاجر إلى الله ورسوله، وجاهد في سبيله، لكن حدث منه أنه كتب بسرِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين من أهل مكة يخبرهم بشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسيره لجهادهم ليتخذ بذلك يدا عندهم يحمي أهله وماله بمكة ، فنَزل الوحي بخبره ، وكان قد أعطى الكتاب ظعينة جعلته في شعرها، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا والزبير في طلب الظعينة، وأخبر أنهما يجدانها في روضة خاخ فكان ذلك، فتهدداها حتى أخرجت الكتاب من ضفائرها ، فأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فدعا حاطب بن أبي بلتعة فقال له: ما هذا ؟ فقال: يا رسول الله إني لم أكفر بعد إيمان، ولم أفعل هذا رغبة عن الإسلام ، وإنما أردت أن تكون لي عند القوم يد أحمي بها أهلي ومالي، فقال صلى الله عليه وسلم : صدقكم خلوا سبيله واستأذن عمر في قتله فقال : دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال: وما يدريك أن الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ، وأنزل الله في ذلك صدر سورة الممتحنة فقال: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ ) فدخل حاطب في المخاطبة باسم الإيمان ووصفه به، وتناوله النهي بعمومه وله خصوص السبب الدال على إرادته ، مع أن في الآية الكريمة ما يشعر أن فعل حاطب نوع موالاة، وأنه أبلغ إليهم بالمودة، فإن فاعل ذلك قد ضل سواء السبيل؛ لكن قوله : " صدقكم خلوا سبيله " ظاهر في أنه لا يكفر بذلك إذا كان مؤمنا بالله ورسوله غير شاك ولا مرتاب، وإنما فعل ذلك لغرض دنيوي. ولو كفر لما قيل: " خلوا سبيله ". لا يقال قوله صلى الله عليه وسلم لعمر: " وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " هو المانع من تكفيره، لأنا نقول: لو كفر لما بقي من حسناته ما يمنعه من لحاق الكفر وأحكامه.فإن الكفر يهدم ما قبله لقوله تعالى: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ) وقوله تعالى: ( وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) والكفر محبط للحسنات والإيمان بالإجماع؛ فلا يظن هذا. وأما قوله ( وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ) وقوله : ( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) فقد فسرته السنة وقيدته وخصته بالموالاة المطلقة العامة. وأصل الموالاة هو الحب والنصرة والصداقة، ودون ذلك مراتب متعددة، ولكل ذنب حظه وقسطه من الوعيد والذم، وهذا عند السلف الراسخين في العلم من الصحابة والتابعين معروف في هذا الباب وغيره. وإنما أشكل الأمر، وخفيت المعاني، والتبست الأحكام على خلوف من العجم والمولدين الذين لا دراية لهم بهذا الشأن، ولا ممارسة لهم بمعاني السنة والقرآن، ولهذا قال الحسن رضي الله عنه: من العجمة أتوا. وقال عمرو بن العلاء لعمرو بن عبيد لما ناظره في مسألة خلود أهل الكبائر في النار: واحتج ابن عبيد أن هذا وعد، والله لا يخلف وعده، يشير إلى ما في القرآن من الوعيد على بعض الكبائر والذنوب بالنار والخلود، فقال له ابن العلاء: من العجمة أوتيت، هذا وعيد لا وعد، وأنشد قول الشاعر: وإني وإن أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
وقال بعض الأئمة فيما نقل البخاري، أو غيره:إن من سعادة الأعجمي والأعرابي إذا أسلما أن يوفقا لصاحب سنة، وإن من شقاوتهما أن يمتحنا وييسرا لصاحب هوى وبدعة
وصدق رحمه الله : ( وإنما أشكل الأمر، وخفيت المعاني، والتبست الأحكام على خلوف من العجم والمولدين الذين لا دراية لهم بهذا الشأن، ولا ممارسة لهم بمعاني السنة والقرآن ) .
ثم قال العقيل بعدها : ( فهذه المسألة لها نظائر مثل : الأعمال شرط كمال أو شرط صحة ؟ هذه أختها ! لا نقول شرط كمال ولا شرط صحة ، نقول الأعمال من الإيمان لكن لا نشدد على سلفي قال : شرط كمال أو شرط صحة ، فهذا له سلف وهذا له سلف )
ليس الأمر كما يرى العقيل فالإيمان قول وعمل واعتقاد يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، وهذه أركانه لا يتم إلا بها مجتمعة ، وكل واحد منها يقابله ناقض من نواقض الإسلام قولا وفعلا واعتقادا ، والذي يرى أن الأعمال شرط صحة فله سلف كما قال العقيل ، ولكنهم الخوارج الحرورية ؛ وكذلك من يرى الأعمال شرط كمال فله سلف وأقبح بهم من سلف ؛وهم المرجئة المفرِّطة!
وهذا سؤال وجه لفضيلة الشيخ صالح الفوزان ـ حفظه الله ـ السائل : أثابكم الله هذا سائل يقول ما حكم الشخص الذي يقول أن الأعمال شرط كمال في الإيمان ؟ هل يوصف بأنه من المرجئة ؟
الشيخ :نعم هذا هو الإرجاء ، الذي يقول أن الأعمال ليست من الإيمان و إنما هي شرط ، شرط كمال هذا غلط ، الأعمال أساس في الإيمان ، أساس في الإيمان ، لا إيمان بدون عمل ، كما أنه لا عمل بدون إيمان ، فليست مجرد شرط ، يقول شرط كمال بعد ماهو شرط وجوب ؟!!! لا هذا غلط ، هذا غلط كبير ."اهـ .
وهو كذلك من أجاب عن سؤال من يزعم أن الأعمال شرط كمال : فضيلة الشيخ وفقكم الله ، هل جميع الأعمال تدخل في مسمى الإيمان ؟ وما الرأي في من يقول : إن العمل شرط لكمال الإيمان؟
الشيخ : هذا قول المرجئة ، هذا من أقوال المرجئة ، الأعمال من حقيقة الإيمان وليست شرطاً فقط ، بل هي من حقيقة الإيمان ، فالأعمال إيمان ، الأعمال سمّاها الله إيماناً ، نعم."اهـ
والعقيل يرى أن من قال بقول الخوارج فهو سلفي ، ومن قال بقول المرجئة فهو سلفي قال العقيل : (لكن لا نشدد على سلفي قال : شرط كمال أو شرط صحة ، فهذا له سلف وهذا له سلف ) .فما هذا التناقض ! وما هذا التخبط ؟ ، لقد صيرت الخوارج سلفيين ، وبهذا تكون قد هدمت شريطك هذا من أساسه ، وأطلعت الناس على عقلك فضلا عن حصيلتك العلمية ، فإذا كان الخوارج سلفيين ـ ومن جملة الخوارج عندك الذين يكفِّرون عباد القبور ـ ، فما الغاية من هذا الشريط ، وعلى من ترد ؟ فأصبحت : ( كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا ) وفي ذلك آية وعبرة لنصرة التوحيد وأهله : ( يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ) .
قالت اللجنة الدائمة : (هذه المقالة المذكورة هي : مقالة المرجئة الذين يُخْرِجُون الأعمال عن مسمى الإيمان ، ويقولون : الإيمان هو التصديق بالقلب ، أو التصديق بالقلب والنطق باللسان فقط ، وأما الأعمال فإنها عندهم شرط كمال فيه فقط ، وليست منه ، فمن صدَّق بقلبه ونطق بلسانه فهو مؤمن كامل الإيمان عندهم ، ولو فعل ما فعل من ترك الواجبات وفعل المحرمات ، ويستـحق دخول الجنة ولو لم يعمل خيراً قط ، ولزم على ذلك الضلال لوازم باطلة ، منها : حصر الكفر بكفر التكذيب والاستـحلال القلبي ) .
وهؤلاء المرجئة الجدد ـ الفرقة الخامسة كما يسميهم العلامة الفوزان ـ لهم باع كبير في المكر والخديعة ، فيقولون الإيمان : قول وعمل واعتقاد يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، وهذا هو معتقد أهل السنة وأدلته أشهر من أن تذكر ، وبراهينه وحججه بالمكان الذي لا يخفى . فيجعلون هذا الأصل ترسا يتترسون وراءه ، فيعمدون إلى أحاديث الشفاعة والبطاقة و ما في معناهما فيحرفونها عن مرادها ومدلولها فقالوا عند قوله صلى الله عليه وسلم : ( لم يعملوا خيرا قط ) : ( إن التوحيد والإيمان بالقلب واللسان يؤهلان الموحد للخروج من النار ، انظر كيف بين توقف الشفاعة على الشهادة لله بالتوحيد وعلى الإخلاص الذي هو عمل القلب وعلى التصديق بالقلب فاكتفى بالايمان في القلب والنطق باللسان المؤكد لما في القلب ولم يذكر العمل في هذا المقام المهم ولا رأى توقف الشفاعة عليه وهذا بناء منه على أحاديث الشفاعة وخاصة قوله صلى الله عليه وسلم : ( لم يعملوا خيرا قط ) وهذا تناقض شنيع يدل على جهل عريض كيف تقولون أن الإيمان : قول وعمل واعتقاد ثم بعدها تقررون بناءا على فهمكم السقيم أن الإيمان يكون قولا واعتقادا وتسقطون العمل ، فهذا هو معتقد مرجئة الفقهاء وهو قول باطل !
قال الإمام أبوبكر بن خزيمة : " هذه اللفظة ( لم يعملوا خيرا قط ) من الجنس الذي يقول العرب : ينفي الاسم عن الشيء لنقصه عن الكمال والتمام ، فمعنى هذه اللفظة على هذا الأصل ، لم يعملوا خيرا قط ، على التمام والكمال لا على ما أوجب عليه وأمر به ، وقد بينت هذا المعنى في مواضع من كتبي " .
ومما قاله العلامة صالح الفوزان : ( هذا من الاستدلال بالمتشابه ، هذه طريقة أهل الزيغ الذين قال الله سبحانه وتعالى عنهم : ( فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ) فيأخذون الأدلة المتشابهة ويتركون المحكمة التي تفسرها وتبينها ... فلابد من رد المتشابه إلى المحكم ، فيقال : من ترك العمل لعذر شرعي ولم يتمكن منه حتى مات فهذا معذور ، وعليه تحمل هذه الأحاديث ، لأن هذا الرجل نطق بالشهادتين معتقدا لهما مخلصا لله عزوجل ، ثم مات في الحال أو لم يتمكن من العمل ، لكنه نطق بالشهادتين مع الاخلاص لله والتوحيد كما قال صلى الله عليه وسلم : ( من قال : لا إله إلا الله ؛ وكفر بما يعبد من دون الله فقد حرم دمه وماله ) وقال : ( فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله ، يبتغي بذلك وجه الله ) هذا لم يتمكن من العمل مع أنه نطق بالشهادتين واعتقد معناهما وأخلص لله عز وجل ، لكنه لم يبق أمامه فرصة للعمل حتى مات ، فهذا هو الذي يدخل الجنة بالشهادتين ، وعليه يحمل حديث البطاقة وغيرهما مما جاء بمعناه ، والذين يُخرجون من النار ولم يعملوا خيرا قط ؛ لأنهم لم يتمكنوا من العمل مع أنهم نطقوا بالشهادتين ودخلوا في الإسلام ، هذا هو الجمع بين الأحاديث .
وأما اللجنة الدائمة فقالت : وأما ما جاء في الحديث أن قوما يدخلون الجنة لم يعملوا خيرا قط فليس هو عاما لكل من ترك العمل وهو يقدر عليه ، إنما هو خاص بأولئك لعذر منعهم من العمل ، أو لغير ذلك من المعاني التي تلائم النصوص المحكمة وما أجمع عليه السلف الصالح في هذا الباب.
وهذا بيِّن في غاية الجلاء ، فلينتبه لهؤلاء الذين يحرفون وينحرفون بالنصوص عن فهم السلف ؛ ولا يخدعوكم بقولهم أن الإيمان قول وعمل واعتقاد يزيد وينقص وهم يفهمون أحاديث الشفاعة والبطاقة وما في معناها بفهم المرجئة !!! ، فلم عدلتم عن سبيل أهل العلم لمعاني هذه النصوص واستبدلتم به فهما سقيما محدثا ، أين سلفكم ؟! .
وقد حذرت اللجنة الدائمة من هذا الشر فقالت : ( هذا واللجنة الدائمة إذ تبيِّن ذلك فإنها تنهى وتـحذر من الجدال في أصول العقيدة ، لما يترتب على ذلك من المحاذير العظيمة ، وتوصي بالرجوع في ذلك إلى كتب السلف الصالح وأئمة الدين، المبنية على الكتاب والسنة وأقوال السلف ، وتـحذر من الرجوع إلى المخالفة لذلك ، وإلى الكتب الحديثة الصادرة عن أناس متعالمين ( قلت : و ما في معناها كالشريط ) ، لم يأخذوا العلم عن أهله ومصادره الأصيلة . وقد اقتـحموا القول في هذا الأصل العظيم من أصول الاعتقاد ، وتبنوا مذهب المرجئة ونسبوه ظلماً إلى أهل السنة والجماعة ، ولبَّسوا بذلك على الناس ، وعززوه عدواناً بالنقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - وغيره من أئمة السلف بالنقول المبتورة ، وبمتشابه القول وعدم رده إلى المُحْكم من كلامهم . وإنا ننصحهم أن يتقوا الله في أنفسهم وأن يثوبوا إلى رشدهم ولا يصدعوا الصف بهذا المذهب الضال ، واللجنة - أيضاً - تـحذر المسلمين من الاغترار والوقوع في شراك المخالفين لما عليه جماعة المسلمين أهل السنة والجماعة ) .
فهذ نزر يسير مما جاء في كلمة العقيل ، وقد رأيت ما فيها من التجني والقول على الله بغير علم وهو مرتع وخيم يفضي بصاحبه إلى ما لا تحمد عقباه ، فلعلها فرصة ليراجع حاله قبل انصرام عمره وحلول أجله . كما بوسعه الاستفادة من شيخه العلامة عبد المحسن العباد فقد كان يرى إسلام عباد القبور المنتسبين للملة من قبل ، فتبين له خطأ ذلك القول فرجع عنه ـ جزاه الله خيرا ـ فقال في رسالة مباركة عنوانها " الإيضاح والتبيين في حكم الاستغاثة بالأموات والغائبين " : وأما دعاء أصحابها والاستغاثة بهم وسؤالهم قضاء الحاجات وكشف الكربات وكذا دعاء الغائبين من الجن والإنس والملائكة فهو شرك مخرج من الملّة، ومن كانت هذه حاله فإنه لا يجوز أن يصلَّى وراءه، ومن مات وهو كذلك فإنه لا يُغسَّل ولا يُصلَّى عليه ولا يُدفن في مقابر المسلمين ومآله إلى دخول النار والخلود فيها؛ كما قال الله الله عز وجل : ( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ) وهذا حكم من قامت عليه الحجة، أما من لم تقم عليه وعاش في بلاد لا يعرف الإسلام إلا أنه الغلو في الصالحين والاستغاثة بهم ودعاؤهم مغتراً بأشباه العلماء الذين يزينون للناس هذا الباطل ويسكتون على شركهم وعبادتهم غير الله فهذا ظاهره الكفر ويُعامَل في الدنيا معاملة من قامت عليه الحجة فلا يُصلَّى وراءه ولا يُصلَّى عليه إذا مات ولا يُدعى له ولا يُحج عنه، وأمره في الآخرة إلى الله لكونه من جنس أهل الفترات الذين لم تبلغهم الرسالات وهم يمتحنون يوم القيامة، وبعد الامتحان ينتهون إلى الجنة أو إلى النار، وقد أورد ابن كثير في تفسيره لقول الله عز وجل ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ) جملة من الأحاديث في ذلك، وقال: (( إن أحاديث هذا الباب منها ما هو صحيح كما قد نص على ذلك غير واحد من أئمة العلماء،ومنها ما هو حسن، ومنها ما هو ضعيف يقوى بالصحيح والحسن، وإذا كانت أحاديث الباب الواحد متعاضدة على هذا النمط أفادت الحجة عند الناظر فيها )).
ثم قال بعدها : ( ويتضح مما تقدم أن هناك فرقاً بين كفر من قامت عليه الحجة ومآل أصحابه إلى النار والخلود فيها، وبين كفر من لم تقم على أصحابه الحجة ككفر أهل الفترات ومن في حكمهم ممن نشأوا على الغلو في الصالحين والاستغاثة بهم لا يعرفون الإسلام إلا أنه هذا العمل مقتدين بأشباه العلماء الذين أضلوهم، فإن هؤلاء أمرهم إلى الله يُمتحنون يوم القيامة ويكون مآل بعضهم بعد الامتحان إلى الجنة ومآل بعضهم إلى النار ) .
ومما قاله ـ وفقه الله ـ : ( وما جاء في هذه الرسالة من التفصيل بين من قامت عليه الحجة ومن لم تقم عليه هو المعتمد، وأي كلام مسموع أو مقروء جاء عني يُفهم منه خلاف ذلك لا يُعوَّل عليه، وإنما التعويل على ما جاء في هذه الرسالة من التفصيل.
وهذا التفصيل الذي ذكرته قريب مما قاله شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ) .
فهل الشيخ عبد المحسن تأثر بالحدادية والخوارج فكفَّر المسلمين ، كما تزعمون وتفترون ؟
وليس الأمر مقتصرا على هؤلاء العلماء الذين ذكرت أقوالهم ، فعلماء المذاهب مطبقون على أن عباد القبور المنتسبين للملة ليسوا بمسلمين وقد حكى العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ رحمه الله في مواطن كثيرة من كتابه تيسير العزيز الحميد الإجماع على ذلك ـ وأنتم تخرقونه ـ ، وقد ضرب أئمة الدعوة رحمهم الله في ذلك بسهم وافر فألفوا المؤلفات النافعة والردود القيمة في الرد على شبهة ابن جرجيس ومن سلك مسلكه كهؤلاء الخلوف المجادلين عن عباد القبور ، ومن أجلِّ وأرفع تلك الأسفار الكريمة كتاب " الدرر السنية في الأجوبة النجدية " فقد حوى دررا من العلم ويواقيت من الفقه تروي الغليل ويتداوى بها العليل ، بيد أن هؤلاء المجادلين عن عباد القبور منهم من يزهِّد فيها ، بل ويتهم علماء هذه الدعوة المباركة في نقلهم وفهمهم عن ابن تيمية وابن القيم رحمة الله عليهما !
ولنعد لصاحب الوريقات ففي مطوية له عنونها ب : " العذر بالجهل عند علماء التوحيد " ناقلا عن ابن القيم رحمه الله : قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ حيث قال في الطرق الحكمية : فأما أهل البدع الموافقون لأهل الإسلام ولكنهم مخالفون في بعض الأصول كالرافضة والقدرية والجهمية وغلاة المرجئة ونحوهم فهؤلاء أقسام : أحدها : الجاهل المقلد الذي لا بصيرة له فهذا لا يكفر ولا يفسق ولا ترد شهادته إذا لم يكن قادرا على تعلم الهدى وحكمه حكم المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعف عنهم وكان الله عفوا غفورا .ا.هـ من الطرق الحكمية ثم استنبط بعدها فقها عجيبا غريبا فقال : ( فهذا ابن القيم لم يكفر جهال الرافضة ، مع وقوعهم في الشرك ، لمانع الجهل )
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الصارم المسلول :( أما من اقترن بسبه دعوى أن عليا إله أو أنه كان هو النبي و إنما غلط جبرائيل في الرسالة فهذا لا شك في كفره بل لا شك في كفر من توقف في تكفيره .
و كذلك من زعم منهم أن القرآن نقص منه آيات أو كُتمت أو زعم أن له تأويلات باطنة تُسقط الأعمال المشروعة و نحو ذلك و هؤلاء يسمون القرامطة و الباطنية و منهم التناسخية و هؤلاء لا خلاف في كفرهم .
و أما من سبهم سبا لا يقدح في عدالتهم و لا في دينهم ـ مثل وصف بعضهم بالبخل أو الجبن أو قلة العلم أو عدم الزهد و نحو ذلك ـ فهذا هو الذي يستحق التأديب و التعزير و لا نحكم بكفره بمجرد ذلك و على هذا يحمل كلام من لم يكفرهم من أهل العلم .
و أما من لعن و قبح مطلقا فهذا محل الخلاف فيهم لتردد الأمر بين لعن الغيظ و لعن الاعتقاد .
و أما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله عليه الصلاة و السلام إلا نفرا قليلا يبلغون بضعة عشر نفسا أو أنهم فسقوا عامتهم فهذا لا ريب أيضا في كفره لأنه كذب لما نصه القرآن في غير موضع : من الرضى عنهم و الثناء عليهم بل من يشك في كفر مثل هذا فإن كفره متعين فإن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب و السنة كفار أو فساق و أن هذه الآية التي هي ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) و خيرها هو القرن الأول كان عامتهم كفارا أو فساقا ومضمونها أن هذه الأمة شر الأمم و أن سابقي هذه الأمة هم شرارهم و كفر هذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام ، و لهذا تجد عامة من ظهر عليه شيء من هذه الأقوال فإنه يتبين أنه زنديق و عامة الزنادقة إنما يستترون بمذهبهم و قد ظهرت لله فيهم مثلات و تواتر النقل بأن وجوههم تمسخ خنازير في المحيا و الممات و جمع العلماء ما بلغهم في ذلك ممن صنف فيه الحافظ الصالح أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي كتابه في النهي عن سب الأصحاب و ما جاء فيه من الإثم و العقاب .
و بالجملة فمن أصناف السابة من لا ريب في كفره و منهم من لا يحكم بكفره و منهم من تردد فيه و ليس هذا موضع الاستقصاء في ذلك و إنما ذكرنا هذه المسائل لأنها من تمام الكلام في المسألة التي قصدنا لها ) .
فهذا ابن تيمية رحمة الله عليه يفصِّل ويجعل الرافضة أنواعا ثلاثة : صنف لا ريب في كفره ، وصنف لايحكم بكفره ، وثالث متردَّد فيه .
وقال رحمه الله في مجموع الفتاوى : ( فأول من ابتدع الرفض كان منافقا زنديقا يقال له " عبد الله بن سبأ " فأراد بذلك إفساد دين المسلمين كما فعل " بولص " صاحب الرسائل التي بأيدي النصارى حيث ابتدع لهم بدعا أفسد بها دينهم وكان يهوديا فأظهر النصرانية نفاقا فقصد إفسادها وكذلك كان " ابن سبأ " يهوديا فقصد ذلك وسعى في الفتنة لقصد إفساد الملة فلم يتمكن من ذلك ، لكن حصل بين المؤمنين تحريش وفتنة قتل فيها عثمان رضي الله عنه وجرى ما جرى من الفتنة ولم يجمع الله ـ ولله الحمد ـ هذه الأمة على ضلالة ; بل لا يزال فيها طائفة قائمة بالحق لا يضرها من خالفها ولا من خذلها حتى تقوم الساعة ، كما شهدت بذلك النصوص المستفيضة في الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ولما أحدثت البدع الشيعية في خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ردها وكانت " ثلاثة طوائف " غالية، وسبابة ، ومفضلة فأما " الغالية " فإنه حرقهم بالنار فإنه خرج ذات يوم من باب كندة فسجد له أقوام فقال : ما هذا ؟ فقالوا : أنت هو الله . فاستتابهم ثلاثا فلم يرجعوا فأمر في الثالث بأخاديد فخدت وأضرم فيها النار ثم قذفهم فيها وقال : لما رأيت الأمر أمرا منكرا أججت ناري ودعوت قنبرا
وفي صحيح البخاري أن عليا أتى بزنادقتهم فحرقهم وبلغ ذلك ابن عباس فقال : أما أنا فلو كنت لم أحرقهم ، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يعذب بعذاب الله ، ولضربت أعناقهم ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من بدل دينه فاقتلوه ) .
وأما " السبابة " فإنه لما بلغه من سب أبابكر وعمر ، طلب قتله فهرب منه إلى قرقيسيا ؛ وكلمه فيه ، وكان علي يداري أمراءه لأنه لم يكن متمكنا ولم يكن يطيعونه في كل ما يأمرهم به .
وأما " المفضلة "فقال : لا أوتى بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفترين ، وروي عنه من أكثر من ثمانين وجها أنه قال : خير هذه الأمة بعد نبيها أبوبكر ثم عمر ، وفي صحيح البخاري عن محمد بن الحنفية أنه قال لأبيه : يا أبت ! من خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : يا بني ، أو ما تعرف ؟! قال : لا ، قال : أبوبكر ؛ قال : ثم من ؟ قال : عمر ، وفي الترمذي وغيره أن عليا روى هذا التفصيل عن النبي صلى الله عليه وسلم ) .
وهنا كذلك يجعلهم أنواعا ثلاثة : الأولى الغالية : وهم الذين غلوا في دينهم ، ولا ريب في كفرهم .
والثانية : السبابة وهم من وقع التردد في كفرهم من عدمه لتردد سبهم ولعنهم بين الإعتقاد والغيظ .
والثالثة : وهم المفضلة وكان حكم الخلفية الراشد علي رضي الله عنه فيهم حدُّ المفتري .
فهذا هو تفصيل أهل العلم والإيمان في الرافضة ، لا هذيان المتعالمين الضالين ، القائلين على الله الكذب ، ولو أمسك من لا يعلم لأرتفع الخلاف أو اضمحل ، والله المستعان .
فما أعظم التَّقول على أهل العلم :" فهذا ابن القيم لم يكفر جهال الرافضة ، مع وقوعهم في الشرك لمانع الجهل ".
قال الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ رحمه الله معلقا على كلام ابن تيمية في الصارم : ( فهذا حكم الرافضة في الأصل ، وأما الآن ، فحالهم أقبح و أشنع ، لأنهم أضافوا إلى ذلك الغلو في الأولياء ، والصالحين من أهل البيت ، وغيرهم ، واعتقدوا فيهم النفع والضر في الشدة والرخاء ، ويرون ذلك قربة تقربهم إلى الله ، ودين يدينون به ، فمن توقف في كفرهم والحالة هذه ، وارتاب فيه ، فهو جاهل بحقيقة ما جاءت به الرسل ، ونزلت به الكتب ، فليراجع دينه قبل حلول رمسه . ) وكلام الشيخ محمد بن عبد اللطيف فيه زيادة علم و بيان ، فالتقسيم الذي ذكره ابن تيمية لم يعد اليوم موجودا ولا ممكنا فقد صار الروافض كلهم عامتهم وخاصتهم ، مشركين قبوريين ، لا صلة لهم بالإسلام .
قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين: ( وأما الشرك فهو نوعان : أكبر، وأصغر.
فالأكبر لا يغفره الله إلا بالتوبة منه، وهو أن يتخذ من دون الله نداً يحبه كما يحب الله، وهو الشرك الذي تضمن تسوية آلهة المشركين برب العالمين ، ولهذا قالوا لآلهتهم في النار مع إقرارهم بأن الله وحده خالق كل شيء ، وربه ومليكه ، وأن آلهتهم لا تخلق ولا ترزق ، ولا تحيي ولا تميت ، وإنما كانت هذه التسوية في المحبة والتعظيم والعبادة كما هو حال أكثر مشركي العالم ، بل كلهم يحبون معبوداتهم ويعظمونها ويوالونها من دون الله وكثير منهم ـ بل أكثرهم ـ بل أكثرهم يحبون آلهتهم أعظم من محبة الله ويستبشرون بذكرهم أعظم من استبشارهم إذا ذكر الله وحده ويغضبون لمنتقص معبوديهم وآلهتهم من المشايخ أعظم مما يغضبون إذا انتقص أحد رب العالمين ، وإذا انتهكت حرمة من حرمات آلهتهم ومعبوداتهم غضبوا غضب الليث إذا حرد وإذا انتهكت حرمات الله لم يغضبوا لها ، بل إذا قام المنتهك لها بإطعامهم شيئا رضوا عنه ، ولم تتنكر له قلوبهم وقد شاهدنا هذا نحن وغيرنا منهم جهرة.
وترى أحدهم قد اتخذ ذكر إلهه ومعبوده من دون الله على لسانه ديدنا له إن قام وإن قعد وإن عثر وإن مرض وإن استوحش فذكر إلهه ومعبوده من دون الله هو الغالب على قلبه ولسانه وهو لا ينكر ذلك، ويزعم أنه باب حاجته إلى الله وشفيعه عنده، ووسيلته إليه . وهكذا كان عباد الأصنام سواء ، وهذا القدر هو الذي قام بقلوبهم وتوارثه المشركون بحسب اختلاف آلهتهم، فأولئك كانت آلهتهم من الحجر، وغيرهم اتخذوها من البشر.
قال الله تعالى حاكياًَ عن أسلاف هؤلاء المشركين : ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) ثم شهد عليهم بالكفر والكذب وأخبر أنه لا يهديهم فقال : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ )
فهذه حال من اتخذ من دون الله ولياً يزعم أنه يقربه إلى الله تعالى ، وما أعز من يتخلص من هذا ، بل ما أعز من لا يعادي من أنكره ! والذي قام بقلوب هؤلاء المشركين وسلفهم أن آلهتهم تشفع لهم عند الله وهذا عين الشرك، وقد أنكر الله عليهم ذلك في كتابه وأبطله، وأخبر أن الشفاعة كلها له ، وأنه لا يشفع عنده أحد إلا لمن أذن الله أن يشفع فيه ، ورضي قوله وعمله ، وهم أهل التوحيد الذين لم يتخذوا من دون الله شفعاء ، فإنه سبحانه يأذن لمن شاء في الشفاعة لهم ، حيث لم يتخذهم شفعاء من دونه ، فيكون أسعد الناس بشفاعة من يأذن الله له صاحب التوحيد الذي لم يتخذ شفيعا من دون الله ربه ومولاه .

والشفاعة التي أثبتها الله ورسوله : هي الشفاعة الصادرة عن إذنه لمن وحَّده ، والتي نفاها الله : هي الشفاعة الشركية التي في قلوب المشركين ، المتخذين من دون الله شفعاء ، فيعاملون بنقيض قصدهم من شفعائهم ، فيفوز بها الموحدون .
وتأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة وقد سأله من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله ؟ قال : " أسعد الناس بشفاعتي من قال : لا إله إلا الله خالصا من قلبه " كيف جعل أعظم الأسباب التي تنال بها شفاعته تجريد التوحيد ؛ عكس ما عند المشركون : أن الشفاعة تنال باتخاذهم أولياءهم شفعاء ، وعبادتهم وموالاتهم من دون الله ؛ فقلب النبي صلى الله عليه وسلم ما في زعمهم الكاذب ، وأخبر أن سبب الشفاعة : هو تجريد التوحيد ، فحينئذ يأذن الله للشافع أن يشفع .
ومن جهل المشرك اعتقاده أن من اتخذه وليا أو شفيعا أنه يشفع له ، وينفعه عند الله ، كما يكون خواص الملوك والولاة تنفع شفاعتهم من والاهم ، ولم يعلموا أن الله لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه ، ولا يأذن في الشفاعة إلا لمن رضي قوله وعمله ، كما قال تعالى في الفصل الأول : ( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ) وفي الفصل الثاني : ( وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى ) وبقي فصل ثالث وهو أنه لا يرضى من القول والعمل إلا التوحيد واتباع الرسول ، وعن هاتين الكلمتين يسأل الأولين والآخرين ، كما قال أبو العالية : " كلمتان يسأل عنهما الأولون والآخرون : ماذا كنتم تعبدون ؟ وماذا أجبتم المرسلين ؟
فهذه ثلاثة أصول تقطع شجرة الشرك من قلب من وعاها وعقلها : لا شفاعة إلا بإذنه ، ولا يأذن إلا لمن رضي قوله وعمله ، ولا يرضى من القول والعمل إلا توحيده واتباع رسوله ، فالله تعالى لا يغفر شرك العادلين به غيره ، كما قال تعالى : ( ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ) وأصح القولين : أنهم يعدلون به غيره في العبادة والموالاة والمحبة ، كما في الآية الأخرى ( تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) وكما في آية البقرة : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ) .
وترى المشرك يكذب حاله وعمله قوله ، فإنه يقول : لا نحبهم كحب الله ، ولا نسويهم بالله ، ثم يغضب لهم ولحرماتهم إذا انتهكت أعظم مما يغضب لله ، ويستبشر بذكرهم ، ويتبشش به ، سيما إذا ذكر عنهم ما ليس فيهم من إغاثة اللهفات وكشف الكربات ، وقضاء الحاجات ، وأنهم الباب بين الله وبين عباده ، فإنك ترى المشرك يفرح ويسرُّ ويحن قلبه ، وتهيج منه لواعج التعظيم والخضوع لهم والموالاة ، وإذا ذكرت له الله وحده وجردت توحيده لحقته وحشة ، وضيق ، وحرج ورماك بنقص الإلهية التي له ، وربما عاداك .
رأينا والله منهم هذا عيانا ، ورمونا بعداوتهم ، وبغوا لنا الغوائل ، والله مخزيهم في الدنيا والآخرة ولم تكن حجتهم إلا أن قالوا كما قال إخوانهم : عاب آلهتنا ، فقال هؤلاء : تنقصتم مشايخنا ، وأبواب حوائجنا إلى الله ، وهكذا قال النصارى للنبي صلى الله عليه وسلم لما قال لهم : " إن المسيح عبد الله " قالوا : تنقصت المسيح وعبته ، وهكذا قال أشباه المشركين لمن منع اتخاذ القبور أوثانا تعبد ، ومساجد تقصد وأمر بزيارتها على الوجه الذي أذن الله فيه ورسوله وقالوا : تنقصت أصحابها .
فانظر إلى هذا التشابه بين قلوبهم ، حتى كأنهم تواصوا به : ( مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا ) وقد قطع الله تعالى كل الأسباب التي تعلق بها المشركون جميعا ، قطعا يعلم من تأمله وعرفه : أن من اتخذ من دون الله وليا أو شفيعا فهو : ( كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ ) فقال تعالى : ( قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ) فالمشرك إنما يتخذ معبوده لما يعتقد أنه يحصل له به من النفع ، والنفع لا يكون إلا ممن فيه خصلة من هذه الأربع : إما مالك لما يريده عابده منه ، فإن لم يكن مالكا كان شريكا للمالك ، فإن لم يكن شريكا له كان معينا له وظهيرا ، فإن لم يكن معينا ولا ظهيرا كان شفيعا عنده .
فنفى سبحانه المراتب الأربع نفيا مترتبا ، متنقلا من الأعلى إلى ما دونه ، فنفى المِلكَ ، والشركة ، والمظاهرة ، والشفاعة التي يظنها المشرك ، وأثبت شفاعة لا نصيب فيها لمشرك ، وهي الشفاعة بإذنه .
فكفى بهذه الآية نورا ، وبرهانا ونجاة ، وتجريدا للتوحيد ، وقطعا لأصول الشرك وموادِّه لمن عقلها ، والقرآن مملوء من أمثالها ونظائرها ، ولكن أكثر الناس لا يشعرون بدخول الواقع تحته وتضمنه له ، ويظنونه في نوع و في قوم قد خلوا من قبل ولم يعقبوا وارثاً، وهذا هو الذي يحول بين القلب وبين فهم القرآن .
ولعمر الله إن كان أولئك قد خلوا ، فقد ورثهم من هو مثلهم ، أو شر منهم ، أو دونهم ، وتناول القرآن لهم كتناوله لأولئك ، ولكن الأمر كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:" إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية " .
وهذا لأنه إذا لم يعرف الجاهلية و الشرك وما عابه القرآن وذمه وقع فيه وأقره ودعا إليه وصوبه وحسنه وهو لا يعرف أنه هو الذي كان عليه أهل الجاهلية أو نظيره ، أو شر منه ، أو دونه ، فتنتقض بذلك عرى الإسلام ويعود المعروف منكراً، والمنكر معروفاً، والبدعة سنة، والسنة بدعة، ويكفر الرجل بمحض الإيمان، وتجريد التوحيد، ويبدع بتجريد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ومفارقة الأهواء والبدع، ومن له بصيرة وقلب حي يرى ذلك عياناً، فالله المستعان ) .
فهذا هو ابن القيم المفترى عليه ، وقصدا جعلت لك سطورا تحت كلامه لعلك ترى أنه لا يعتبر عباد القبور مسلمين ، لا كما تزعمون وتفترون أنهم مسلمون معذورون بجهلهم ، بل مشركين كعباد الأصنام سواء بسواء ، وأن ما قام بقلوبهم من نجاسة الشرك هو ما ورثوه عن أسلافهم الذين نزلت النصوص بوصفهم ووسمهم بالشرك ، والعلامة ابن القيم رحمه الله قد عرفهم و اكتوى بمكرهم وعدواتهم ، فبغوا له الغوائل ، والله مخزيهم في الدنيا والآخرة ، فأخبر رحمه الله أنكم لم تفقهوا القرآن ، وحيل بين قلوبكم وبين فهمه ولم تعلموا أن تناوله للمشركين الأولين كتناوله للمشركين عباد القبور المنتسبين للملة فالتبس عليكم الأمر، فأشربت قلوبكم هذه الشبهة
وقال رحمه الله في زاد المعاد : ( ولم يكن أحد من أرباب هذه الطواغيت يعتقد أنها تخلق وترزق ، وتميت وتحيي ، وإنما كانوا يفعلون عندها وبها ما يفعله إخوانهم من المشركين اليوم عند طواغيتهم ، فاتبع هؤلاء سنن من كان قبلهم ، وسلكوا سبيلهم حذو القَّذة بالقَّذة ، وأخذوا مأخذهم شبرا بشبر ، وذراعا بذراع ، وغلب الشرك على أكثر النفوس لظهور الجهل وخفاء العلم ، فصار المعروف منكرا ، والمنكر معروفا ، والسنة بدعة ، والبدعة سنة ، ونشأ في ذلك الصغير ، وهرم عليه الكبير ، وطمست الأعلام ، واشتدت غربة الاسلام ، وقل العلماء ، وغلب السفهاء ، وتفاقم الأمر ، واشتد البأس ، وظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ، ولكن لا تزال طائفة من العصابة المحمدية بالحق قائمين ، ولأهل الشرك والبدع مجاهدين إلى أن يرث الله سبحانه الأرض ومن عليها ، وهوخير الوارثين ).
فقوله رحمه الله : " إخوانهم من المشركين اليوم " فعباد القبور المنتسبين للملة اليوم هم ورثة عباد الأصنام والأوثان ، وإخوانهم في الشرك والوثنية ، بل عباد القبور اليوم أشد شركا وتنديدا .
واستمر على كذبه وافترائه فقال عن العلامة الشيخ عبد اللطيف في كتاب " منهاج التأسيس والتقديس " حيث قال : ( والشيخ محمد رحمه الله من أعظم الناس توقفا وإحجاماً عن إطلاق الكفر، حتى أنه لم يجزم بتكفيره الجاهل الذي يدعو غير الله من أهل القبور أو غيرهم إذا لم يتيسر له من ينصحه ويبلغه الحجة التي يكفر تاركها، قال في بعض رسائله : وإذا كنا لا نقاتل من يعبد قبة الكواز حتى نتقدم بدعوته إلى إخلاص الدين لله، فكيف نكفر من لم يهاجر إلينا وإن كان مؤمناً موحداً؟ وقال: وقد سئل عن مثل هؤلاء الجهال فقرر أن من قامت عليه الحجة وتأهل لمعرفتها يكفر بعبادة القبور ) هكذا نقل عن الشيخ عبد اللطيف رحمه الله ، هذا النقل المبتور موهما السذج أن الشيخ رحمة الله عليه يرى أن المشركين عباد القبور مسلمون ، وهذه خيانة وجناية على العلم وأهله ، وافتراء على الشيخ رحمه الله ، وتدليس على طالب الحق . وترويج للباطل باسم الحق وأهله !
وواصل العلامة عبد اللطيف كلامه في منهاج التأسيس والتقديس ـ الذي نقل منه المفتري ما خاله يخدم بهتانه وكذبه ـ رادا على إمام هذه الشبهة في زمانه ، داود ابن جرجيس : ( وقد سبق من كلامه ما فيه الكفاية، مع أن العلامة ابن القيم رحمه الله جزم بكفر المقلدين لشيوخهم في المسائل المكفرة إذا تمكنوا من طلب الحق ومعرفته، وتأهلوا لذلك فأعرضوا ولم يلتفتوا ومن لم يتمكن ولم يتأهل لمعرفة ما جاءت به الرسل فهو عنده من جنس أهل الفترة ممن لم تبلغه دعوة رسول من الرسل ، وكلا النوعين لا يحكم بإسلامهم ولا يدخلون في مسمى المسلمين ، حتى عند من لم يكفر بعضهم وسيأتيك كلامه ، وأما الشرك فهو يصدق عليهم ، واسمه يتناولهم وأي إسلام يبقى مع مناقضة أصله ؟ وقاعدته الكبرى: شهادة أن لا إله إلا الله ) . والذي عليه أئمة الدعوة أن من تلبس بالشرك فهو مشرك اسما ووصفا ، فلا نتوان في إطلاق اسم الشرك عليه ، وأما الكفر بمعنى استباحة الأموال والدماء فهذا موقوف على بلوغ الحجة الرسالية بضوابط أهل العلم المعروفة ، والسؤال الذ يفرض نفسه لماذا كتم صاحب الوريقات كلام العلامة عبد اللطيف : ( وكلا النوعين لا يحكم بإسلامهم ولا يدخلون في مسمى المسلمين ) أهذا ما عندكم ، أهذه بضاعتكم ؟ ( إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ ) .
ونقل عن الشيخ عبد اللطيف من كتاب مصباح الظلام : ( فمن بلغته دعوة الرسل إلى توحيد الله، ووجوب الإسلام له، وفقه أن الرسل جاءت بهذا لم يكن له عذر في مخالفتهم وترك عبادة الله، وهذا هو الذي يُجزم بتكفيره إذا عبد غير الله، وجعل معه الأنداد والآلهة، والشيخ وغيره من المسلمين لا يتوقفون في هذا، وشيخنا رحمه الله قد قرَّر هذا وبينه وفاقاً لعلماء الأمة واقتداءً بهم، ولم يكفِّر إلاَّ بعد قيام الحجة وظهور الدليل، حتى إنه رحمه الله توقف فيء تكفير الجاهل من عُبَّاد القبور إذا لم يتيسَّر له من ينبِّهه، وهذا هو المراد بقول الشيخ ابن تيمية رحمه الله تعالى: " حتى يتبين لهم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا حصل البيان الذي يفهمه المخاطب ويعقله فقد تبيَّن له " ).
فالمسكين ضاق عطنه عن فهم كلام العلماء ، وظن أن المشرك عابد الأوثان الذي لم تقم عليه الحجة الرسالية مسلم ، وهذه هي شبهتكم ، فاعتقدتم أن كل من اتصف بالشرك مقطوع بخلوده في النيران ، وأهل العلم يقولون : أن من تلبس بالشرك فهو مشرك ، وهذا حكم الظاهر الحكم الدنيوي ، وأما الحكم الآخروي فموكول إلى علم الله وحكمه ، بل الواجب على العبد أن يعتقد أن كل من دان بغير التوحيد فهو كافر ، وأن الله جل وعلا لايعذب إلا من قامت عليه الحجة بالرسل .
قال العلامة عبد اللطيف في المصباح : ( واعلم أن هذا المعترض لم يتصور حقيقة الإسلام والتوحيد؛ بل ظن أنه مجرَّد قول بلا معرفة ولا اعتقاد ، وإلاَّ فالتصريح بالشهادتين والإتيان بهما ظاهراً هو نفس التصريح بالعداوة والبغضاء، وما أحسن ما قيل:
وكم من عائب قولاً صحيحاً وآفته من الفهم السقيم
ولأجل عدم تصوره أنكر هذا، وردّ إلحاق المشركين في هذه الأزمان بالمشركين الأولين، ومنع إعطاء النظير حكم نظيره، وإجراء الحكم مع علته، واعتقد أن من عبد الصالحين ودعاهم وتوكل عليهم وقرَّب لهم القرابين مسلم من هذه الأمة، لأنه يشهد أن لا إله إلاَّ الله ويبني المساجد ويصلي، وأن ذلك يكفي في الحكم بالإسلام ولو فعل ما فعل من الشركيات ) .
وقال رحمه الله في المصباح : ( فمن عبد غير الله، وعدل بربه، وسوّى بينه وبين غيره في خالص حقه: صدق عليه أنه مشرك ضال غير مسلم، وإن عمَّر المدارس، ونصَّب القضاة، وشيَّد المنار، ودعا بداعي الفلاح، لأنه لا يلتزمه، وبَذْل الأموال، والمنافسة على صورة العمل ، مع ترك حقيقته لا تقتضي الإسلام؛ ولأهل الكتاب في عمارة البيع والكنائس والصوامع اجتهاد عظيم، ومحبة شديدة.
وقد قال تعالى: ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ ) قال الله تعالى:(أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)
وقد أجمع العلماء: أن الإيمان الذي دلَّت عليه شهادة أن لا إله إلا الله شرط في كل عمل، فالاحتجاج بهذه الأفعال ـ أعني بناء المساجد والمدارس ونصب القضاة ـ لا يصدر إلاَّ عن جاهل أو ملبِّس ) .
وقال أيضا : ( وكل من عقل عن الله يعلم علماً ضروريًّا أن المقصود من الشهادتين ما دلَّتا عليه من الحقيقة والمعنى، وما اشتملتا عليه من العلم والعمل، وأما مجرَّد اللفظ من غير علم بمعناهما و لا اعتقاد لحقيقتهما فهذا لا يفيد العبد شيئاً، ولا يخلِّصه من شعب الشرك وفروعه.
قال الله تعالى : ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ) وقال: ( إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ).
فالإيمان بمعناهما والانقياد له لا يتصور ولا يتحقق إلاَّ بعد العلم، والحكم على الشيء فرع عن تصوره ؛ فإذا لم يعلم ولم يتصور فهو كالهاذي وكالنائم وأمثالهما ممن لا يعقل ما يقول، بل لو حصل له العلم وفاته الصدق لم يكن شاهداً بل هو كاذب، وإن أتى بهما صورة.
قال الله تعالى: ( إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ )
فكذبهم في قيلهم، ورد شهادتهم وشهد على كذبهم ؛ وأكَّد الحكم "بإنَّ" المؤكدة ولام التعليق ، فهل يقول عاقل: إنهم يشهدون بكلمتي الإخلاص، ويعترفون بها ؟ ، وهل هذا القول إلاَّ رد لكتاب الله وخروج عن سبيل المؤمنين ؟ فإنهم مجمعون على اعتبار ما دلَّت عليه الشهادتان من المعنى المراد ، وأنه هو المقصود ) .
ورد رحمه الله عليكم حين عطلتم القرآن وعزلتموه عن الاستدلال على شرك وتنديد عباد القبور: ( فيقال لهذا المغرور: إن من منع تنزيل القرآن، وما دلَّ عليه من الأحكام على الأشخاص والحوادث التي تدخل تحت العموم اللفظي، فهو من أضلَّ الخلق وأجهلهم بما عليه أهل الإسلام وعلماؤهم، قرناً بعد قرن، وجيلاً بعد جيل، ومن أعظم الناس تعطيلاً للقرآن وهجراً له، وعزلاً عن الاستدلال به في موارد النزاع.
وقد قال تعالى: ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ )
والرد إلى الله: هو الرد إلى كتابه، وإلى الرسول رد إلى سنَّته. وقد قال تعالى: ( وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ).
وقال تعالى: ( لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ) فنصوصه وأحكامه عامة، لا خاصة بخصوص السبب ).
وقال في المصباح : ( وقد نصَّ العلماء على أن الشخص لا يدخل في الإسلام إلاَّ بعبادة الله وحده لا شريك له، والبراءة مما عبد من دونه، والكفر بالطواغيت ، مع التزام بقية الأركان والعمل بها ) . فيقال لفرقة الدفاع والمنافحة عن المشركين متى كان عباد القبور المنتسبين زورا وبهتانا للملة مسلمين ؟ .
وقال أيضا : ( فسبحان من اقتضت حكمته ، وجود ورثة وأتباع لأعدائه وأعداء رسله، كما اقتضت وجود أوليائه وأتباع رسله، ومضت إرادته تعالى ومشيئته بوجود الضدَّين واجتماع الجنسين، إلى أن يأتي أمر الله وهم في خصومة يختصمون في ربهم، وسيحكم بينهم بعدله ويزيد أولياءه من رحمته وفضله )
وقال رحمه الله في المصباح : ( والمشركون وعبَّاد القبور عند أهل السنَّة والجماعة معدودون من أهل الشرك والردَّة ، والفقهاء فرَّقوا بين القسمين في الأبواب والأحكام ، فذكروا أهل الشرك والردَّة في باب الردَّة ، وذكروا أهل الأهواء في باب قتال أهل البغي كالخوارج والقدريَّة ونحوهم، وهذا يعرفه صغار الطلاب، وقد خفي على ثور المدار والدولاب، فلبَّس على العامة والجهال، وأدخل أهل الشرك في أهل البدع، وسوَّى بينهم في الأحكام، خلافاً لكتاب الله وسنَّة نبيه وما عليه علماء أهل الإسلام، فسحقاً له سحقاً، وبعداً له بعداً، حيث جادل بالباطل والمحال.
ويقال أيضاً : قد صرَّح أبو العباس أن عدم التكفير قد يقال فيما يخفى على بعض الناس، وأما ما يعلم من الدين بالضرورة كشهادة أن لا إله إلا الله؛ وشهادة أنَّ محمداً رسول الله، فهذا لا يتوقف أحد في كفر من أنكر لفظه أو معناه، ولم ينقد لما دلَّت عليه الشهادتان، وهذا متفق عليه في الجملة، فجعله من المسائل التي خاض فيها أهل البدع والأهواء خروج عن محل النزاع، وخرقٌ لما صح وثبت من الاتفاق والإجماع، ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور ) .
ومن جميل قوله : ( والمعترض أحمق ! يظن أن العلم مع من لم يكفَّر المشركين، وعبَّاد القبور، ومن جعلهم من جملة أهل البدع، واحتجَّ بكلام أهل العلم في أهل البدع على أهل الشرك والتسوية بين الله وبين غيره في خالص حقه، فلا جرم سود الأوراق، وأكثر النقل، وشقشق في عبارته ولبَّس في مقالته ، وتزين بثوب ضلالته وجهالته، ولم يتحاش من كشف سوأته وإظهار خزيته، والحمد لله الذي أظهر دينه وأعلى كلمته، وصدق وعده ونصر عبده ) .
وقد عرَّج العقيل على مسألة الذبائح ، لكنه لم يسهب فيها كما فعل الهاجري في دورة اكادير ، قال الهاجري وهو يفكك حديث صاحب الحوض : ( هذه فيه تنبيه لمسألة عظيمة ، أن لا يكون هناك تكلف في الأحكام ، تكلف وتنطع ، هل كان كذا وما نوع كذا ... الأمر على أصله ، يعني أن هذا يقينا عندنا لا تخبرنا ، اتركنا على اليقين الأصلي الذي لا يزول بالشك العارض ، اتركنا على ذلك ، وهذا الرد منه على من كان معه ... هذه تربية ، هذه الرواية فيها ضعف ، أحيانا بعض المسائل نستفيد منها .
لكن الشاهد من قوله : " لا تخبره " يأتي بعض الناس يتكلم ، مسلم في السوق ذابح ذبيحته ؛ هل أنت مشرك ؟ هل أنت على التوحيد ؟ .
هذا مسلم على أصله حتى تعلم يقينا أنه وقع في الشرك ، أما غير ذلك فلا ! نزلت في بيكين الأصل فيهم أنهم وثنيون ؛ فلا يحتاج أن أسأل لأن هذه بلد وثنية ، نزلت في لندن الأصل فيهم أنهم نصارى ؛ أهل كتاب فلا تسأل إلا إذا علمت أن ذلك المذبوح بضرب أو بخنق أو غير ذلك وإلا يبقى الأمر على أصله " وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ " نزلت في أغادير الأصل أنها بلاد إسلامية ، تأكل إلا إذا علمت يقينا أن هذا الرجل على غير التوحيد والسنة ، تبقى الأمور على الأصل ما دمت في بلاد الإسلام .... كما قال ابن عمر في أسواق المسلمين لما تكلموا على الأنفحة أو الجبن يأتي من بلاد بعضها بلاد الشرك ، وهذه الأنفحة من معدة أو كرش ذلك المذبوح الذي لا نعلم من ذبحه ؟
فكونها تجعل ثم تسحق ثم تحول إلى جبنة ، فهذه الجبنة مبنية على تلك الأنفحة ، فقال لهم ابن عمر : " ما وجدناه في بلاد المسلمين اشتريناه "، لا تضحكون ! هذه حقيقة هناك الأن من يحرم على الناس مأكلها ومشربها ، غلط ... ) .
أقول : الذي يحلل ويحرم هو الله جل جلاله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، والشريعة الغراء قد ضبطت وقننت المسائل بما لا يدع مجالا لمتقول أن يستدرك عليها ، فحمَّلت العلماء مسوؤلية عظيمة ، وأناطت بهم أمانة لا قبل لغيرهم بحملها ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ ) ، فمن نازعهم فيها كان من القائلين على الله بغير علم ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) .
ومسألة الذبائح هذه لم تكن بمعزل عن متناول علمائنا حتى يحشر المتطفل فيها نفسه .
قوله : ( هذه فيه تنبيه لمسألة عظيمة ، أن لا يكون هناك تكلف في الأحكام ، تكلف وتنطع ، هل كان كذا وما نوع كذا ... الأمر على أصله ، يعني أن هذا يقينا عندنا لا تخبرنا ، اتركنا على اليقين الأصلي الذي لا يزول بالشك العارض ... )
أقول : لقد فاتك أن هناك فروقا بين باب الطهارة وباب الصيد والذبائح ، فسويت بين المتباينات والمختلفات ، ولو جئت بكل نصوص كتاب الطهارة ، ـ فضلا عن حديث صاحب الحوض ـ لتحتج بها لكتاب الذبائح لكنت بمعزل عن مسلك أهل العلم ، وكان أمرك معيبا عند الفقهاء ، تماما كما فعل العقيل من قبل حين سوى بين عوارض الأهلية ، الخطأ والنسيان والجهل و..، من حيث الإرادة والقصد !
وهذا العلم ـ علم الفروق ـ من الأهمية بمكان ، والجهل به يوقع ( المفتي ) في الوهم والتسرع فيما يصدره من أحكام وفتاوى ... ، قال ابن القيم رحمه الله : ( أما أحكامه الأمرية الشرعية فكلها هكذا ، تجدها مشتملة على التسوية بين المتماثلين ، وإلحاق النظير بنظيره ، واعتبار الشيء بمثله ، والتفريق بين المختلفين ، وعدم تسوية أحدهما بالآخر... وقد فطر الله سبحانه عباده على أن حكم النظير حكم نظيره ، وحكم الشيء حكم مثله ، وعلى إنكار التفريق بين المتماثلين،وعلى إنكار الجمع بين المختلفين ،والعقل والميزان الذي أنزله الله سبحانه شرعا وقدرا يأبى ذلك).
قال أبو عبدالله القاسم البرزلي : ( وقد يطرأ من يظن أنه بلغ رتبة الاجتهاد ، فينظر المسائل بعضها ببعض ويخرج ، وليس بصيراً بالفروق )
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في جامع العلوم والحكم : ( ومن هذا أيضًا ما أصله الإباحة كطهارة الماء والثوب والأرض إذا لم يتيقن زوال أصله فيجوز استعماله ، وما أصله الحظر كالأبضاع ولحوم الحيوان فلا تحل إلا بيقين حله من التذكية والعقد فإن تردد في شيء من ذلك لظهور سبب آخر رجع إلى الأصل فيبنى عليه فيبني فيما أصله الحرمة على التحريم ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل الصيد الذي يجد فيه الصائد أثر سهم غير سهمه أو كلب غير كلبه أو يجده قد وقع في ماء وعلل بأنه لا يدري هل مات من السبب المبيح له أو من غيره فيرجع فيما أصله الحل إلى الحل فلا ينجس الماء والأرض والثوب بمجرد ظن النجاسة ) .
قال النووي رحمه الله في شرحه على صحيح مسلم : ( قوله صلى الله عليه وسلم : " وإن وجدت مع كلبك كلبا غيره وقد قَتَل ، فلا تأكل فإنك لا تدري أيهما قتله " فيه بيان قاعدة مهمة ، وهي أنه إذا حصل الشك في الذكاة المبيحة للحيوان ، لم يحل لأن الأصل تحريمه ، وهذا لا خلاف فيه ) .
قال العلامة ابن سعدي رحمه الله : وَالْأَصْـلُ فِي مِيـاهِنَــا الطَّهَــارَهْ ... وَالْأَرْضِ وَالثِّيـابِ وَالْـحِـجــارَهْ.
والْأَصْـلُ فِي الأَبْضاعِ وَاللُّحُـومِ ... وَالنَّفْـسِ وَالْأَمْــوالِ لِلْمَعْـصُــومِ
تَـحْريمُـهـا حَتَّـى يَجِــيءَ الحِــلُّ ... فَـافْـهَـمْ هَـداكَ اللـهُ مَا يُمَلُّ
فقال شارحا هذه الأبيات : ( وكذلك اللحوم الأصل فيها التحريم ، حتى يتيقن الحل ، ولهذا إذا اجتمع في الذبيحة سببان : مبيح ومُحرِّم ، غُلِّب التحريم ، فلا يحل المذبوح والمصيد ، فلو رماه أو ذبحه بآلة مسمومة ، أو رماه فوقع في ماء ، أو وطئه شيء يقتل مثله غالبا فلا يحل ) . فأهل العلم الأصل عندهم في الذبائح التحريم ، وأنها لا تحل إلا بيقين ، بخلاف المياه الأصل فيها الطهارة ، فهذا هو اليقين الأصلي ، لا كما زعم الهاجري !
وقوله : " نزلت في أغادير الأصل أنها بلاد إسلامية ، تأكل إلا إذا علمت يقينا أن هذا الرجل على غير التوحيد والسنة ، تبقى الأمور على الأصل ما دمت في بلاد الإسلام " قلت : ومسألتنا هذه ، مسألة الذبائح في بلاد غلب على أهلها الشرك ، صدرت بخصوصها فتوى عن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ، جاء فيها : ( السؤال الأول : ما حكم الذبائح التي تباع في الأسواق من البلاد التي لا يسلم أهلها من الشرك ، مع دعواهم الإسلام ؛ لغلبة الجهل والطرق البدعية عليهم كالتيجانية ؟
الجواب : إذا كان الأمر كما ذكر في السؤال ، من أن الذابح يدعي الإسلام ، وعرف عنه أنه من جماعة تبيح الاستعانة بغير الله فيما لا يقدر على دفعه إلا الله ، وتستعين بالأموات من الأنبياء ، ومن تعتقد فيه الولاية مثلا ؛ فذبيحته كذبيحة المشركين الوثنيين عباد اللات والعزى ومناة وود وسواع ويغوث ويعوق ونسرا ، لا يحل للمسلم الحقيقي أكلها ؛ لأنها ميتة ، بل حاله أنه من حال هؤلاء ؛ لأنه مرتد عن الإسلام الذي يزعمه ، من أجل لجئه إلى غير الله ، فيما لا يقدر عليه إلا الله ، من توفيق ضال ، وشفاء مريض ، وأمثال ذلك ، مما تنتسب فيه الآثار إلى ما وراء الأسباب المادية ، من أسرار الأموات وبركاتهم ، ومن في حكم الأموات ، من الغائبين الذين يناديهم الجهلة ؛ لاعتقادهم فيهم البركة ، وأن لهم من الخواص ما يمكنهم من سماع دعاء من استغاث بهم ، لكشف ضر أو جلب نفع ، وإن كان الداعي في أقصى المشرق ، والمدعو في أقصى المغرب . وعلى من يعيش في بلادهم من أهل السنة ، أن ينصحوهم ، ويرشدوهم إلى التوحيد الخالص ، فإن استجابوا فالحمد لله ، وإن لم يستجيبوا بعد البيان فلا عذر لهم .
أما إن لم يعرف حال الذابح ، لكن غلب على من يدعي الإسلام في بلاده أنهم ممن يستغيثون بالأموات ، ويضرعون إليهم ، فيحكم لذبيحته بحكم الغالب ؛ فلا يحل أكلها.
وهذا الأصل الذي ذكرته اللجنة الدائمة في بلاد غلب على أهلها الشرك ،هي قاعدة مقررة في أصول الفقه ، قال الشاطبي رحمه الله في الموافقات : ( أن قضايا الأعيان جزئية ، والقواعد المطردة كليات ، ولا تنهض الجزئيات أن تنقض الكليات ، ولذلك تبقى أحكام الكليات جارية فى الجزئيات ؛ وإن لم يظهر فيها معنى الكليات على الخصوص ) .
وعلى هذه القاعدة أقام الشيخ عبد الله الدويش رحمه الله رده على سلمان العودة فقال كتابه " النقض الرشيد في الرد على مدعي التشديد " قال سلمان : ( ومن صور التكليف العقدي التفصيلية ما يحدث أحياناً من مبالغة البعض في السؤال عن عقائد الناس وشكهم في الآخرين واتهامهم في عقيدتهم بكل سهولة وبدون أي دليل حتى يقول البعض الأصل في هؤلاء الشك والإتهام حتى تثبت براءتهم وحتى تجد البعض لا يصلون خلف إنسان حتى يسألوا : عن عقيدته ويختبروه وما أدري ما موقف هؤلاء من الحديث الصحيح الذي فيه أنّ إعرابياً أخبر النبي صلى الله عليه و سلم برؤية الهلال فسأله النبي صلى الله عليه وسلم أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله قال : نعم قال: يا فلان فأذن في الناس بالصوم ، هكذا هدى الأنبياء وقد خاب قوم لم يسعهم ما وسع رسول الله صلى الله عليه و سلم وإن زعموا أنهم أتباعه وحراس عقيدته .. إلخ ) .
والجواب أن يقال: هذا كلام من لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فإنّ هذا قليل ، فقلّ أن يوجد من يفعل ذلك فإن وجد فإن من يُسأل عنهم مشتهر في بلادهم الاعتقاد في أهل القبور وطلب الحوائج منهم والذبح لهم والنذر لهم ولا يخفى أن هذا شرك أكبر وهذا لا ينكره عاقل. فإذا كان الإنسان إذا ولد وجد أهله على ذلك أتراه لا يعتقد معتقدهم ويسير سيرهم بلى والله ، إلا إن وفق لمن يعلمه التوحيد فيفعله والشرك فيجتنبه فيسلم من ذلك .
ولكن هذا نادر ولا أقول أن جميع أهل هذه البلاد مشركون ولكن الأغلب كذلك فارجع النظر تعرف مصداق ذلك هذا فيما يتعلق بتوحيد الألوهية . وأما توحيد الأسماء والصفات فغالبهم لا يسلم من بدعة . وأحسنهم اعتقاداً الذي على مذهب الأشاعرة ! والسني فيهم قليل .
وأسألك بالله أيها الكاتب هل قرينة الحال تقتضي أن أكثر من يأتي يتعلم التوحيد ويسأل عن ضده أو الأمر بعكس ذلك ، بلى والله إن الأمر بعكس ذلك ، وإذا كان العلماء قد اختلفوا في صحة إمامة الفاسق الذي عرفت صحة عقيدته فكيف بهؤلاء وأنا أنقل لك بعض كلام العلماء على وجه الاختصار .
قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله في الاختيارات :ولا تصح الصلاة خلف أهل الأهواء والبدع والفسقة مع القدرة خلف غيرهم .اهـ
فإذا كان الغالب على هؤلاء القادمين التلبس بشرك أو بدعة أو معصية والسالم قليل فلا يناسب تخطئة من يسأل عن حالهم وهكذا كان علماؤنا وسلفنا الصالح كما يعرفه من استقرأ أحوالهم وإنما ينطبق اللوم على من ترك صلاة الجماعة أو توقف في حق شخص صحيح العقيدة سالم من الفسق . أما من تحرى واجتنب من أصر على الفسق أو الغالب عليه فساد العقيدة فهذا لا لوم عليه . بل هو ساع فيما يصحح صلاته على قول من لا يصحح الصلاة . أو تكميلها على قول من يصححها.
وأما استدلاله بحديث الأعرابي ففيه نظر فإن النبي صلى الله عليه و سلم لم يعلم منه ما يوجب رد قوله فلما أتى بالشهادتين قبل خبره لأنه لم يظهر منه ما ينافي ذلك وفي ذلك الوقت كان من أسلم خلع الشرك وتبرأ منه لعلمهم بمعنى لا إله إلا الله كما في قصة أبي طالب وأما أهل هذه الأزمان فإنهم لا يعرفون معناها بل يقولونها وهم متلبسون بالشرك كما لا يخفى . أين هذا من هذا ؟!
وأيضاً الصحابة ما وقعوا في البدع ولا حدثت في وقت النبي صلى الله عليه وسلم ، وأما أهل الأمصار فهم متلبسون بالبدع والسالم قليل فأين أحدهما من الآخر . ولهذا فرّق العلماء بين الصحابة ومن بعدهم فكيف بهذه الأزمان فقالوا الصحابة عدول وقبلوا رواياتهم وأما من بعدهم ففصلوا فيهم وبينوا مراتبهم ولم يقبلوهم مطلقاً . كما لا يخفى على من نظر في كتب الجرح والتعديل وأسماء الرواة . ثم اقتدى بهم علماؤنا المحققون أئمة هذه الدعوة فصاروا لا يولون المناصب الدينية إلا من سلمت عقيدته نصحاً للأمة ولئلا يؤدي التساهل في ذلك إلى توليه أهل البدع والمتلبسين ببعض الشركيات والمجاهرين بالمعاصي فاستقام أمر الدين فلما ضعف هذا الأمر أو كاد يذهب صار يولى من ليس أهلاً لذلك فترى أكثرهم يشرب الدخان ويحلق لحيته ويتلذذ بسماع الآلات المطربة أو أعظم من ذلك من نشأ بين من يعبدون أهل القبور ولم يعرف منه مباينة لهم فإن استمر هذا الضعف فسوف ترى ما هو أعظم من ذلك إلا إن رجع العلماء والقادة إلى طريقة سلفهم الصالح فكيف يلام من اقتدى بهم في هذا الأمر خصوصاً في هذه الأزمان التي اشتدت فيها غربة الإسلام " .
وقوله رحمه الله : ( وأسألك بالله أيها الكاتب هل قرينة الحال تقتضي أن أكثر من يأتي يتعلم التوحيد ويسأل عن ضده أو الأمر بعكس ذلك بلى والله إن الأمر بعكس ذلك )
قلت : فإن كان أكثر الذين يذهبون إلى بلاد التوحيد ـ والعلماء متوافرون ـ لا يسألون عنه ولا يرفعون به رأسا ، فكيف بمن أخلد إلى الأرض وبقي على ما كان عليه !!!.
ومن فتاوى اللجنة الدائمة : ( س: أكثر عليَّ إخواني السنغاليون في كنغو بأن أسألك عن التالي: ذبيحة التيجانيين و الصلاة خلفهم
ج: أولاً: ذبيحة التيجانيين لا تحل؛ لأنهم أهل بدع واعتقادات شركية. ثانيًا: الصلاة خلفهم لا تصح.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.)
ومما جاء عن العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم في فتاويه بخصوص رجل ينتسب للملة هل تحل ذبيحته ؟ : ( يشترط في القصاب فاضل الدين أَن يكون مسلمًا، صحيح المعتقد ينكر الخرافات كعبادة القبور وغيرها مما يعبد من دون الله، وينكر جميع المعتقدات والبدع الكفرية: كمعتقد القاديانية، والرافضة الوثنية، وغيرها. ولا يكتفى في حل ذبيحته بمجرد الانتساب إلى الإسلام والنطق بالشهادتين وفعل الصلاة وغيرها من أَركان الإسلام مع عدم الشروط التي ذكرناها، فإن كثيرًا من الناس ينتسبون إلى الإسلام وينطقون بالشهادتين ويؤدون أَركان الإسلام الظاهرة ولا يكتفى بذلك في الحكم بإسلامهم ولا تحل ذكاتهم لشركهم بالله في العبادة بدعاء الأَنبياء والصالحين والاستغاثة بهم وغير ذلك من أَسباب الردة عن الإسلام. وهذا التفريق بين المنتسبين إلى الإسلام أَمر معلوم بالأَدلة من الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأَئمتها.
ثم ما ذكرنا من الأمور المطلوبة في هذا القصاب يعتبر في ثبوتها نقل عدل ثقة يعلم حقيقة ذلك من هذا الرجل، وينقله الثقة عن هذا العدل حتى يصل إلى من يثبت لديه ذلك حكمًا ممن يعتمد على ثبوته عنده شرعًا. والله أَعلم. قاله الفقير إلى عفو الله محمد بن ابراهيم ).
وقال رحمه الله : ( ثم عند ذكر الذكاة وما يشترط لها من شروط نعرف أن الذي عند جميع الدول سواء البلاد المجاورة والذين ينتسبون إلى الإسلام أو البلاد الآخرى قليل منهم الذي يستعمل الذكاة الشرعية ؛ بل لأكثرهم في الذكاة لهم أعمال اخر : منهم يضرب الرأس بالفرد ، ومنهم من يذبحه بالكهرب ، ومنهم ، ومنهم . وفيه كتيب لعالم مصري وقع في أيدينا من سنوات وهو معني بالمسألة هذه وكاتب من قدر عليه من الدول وبصفة مستفيد ذكر نحو أربعة عشر قسم منهم جاء منه مكاتبة ، والذي جاء منهم أكثرهم بصفة لا تحل . فهذه العلب التي تباع لا يحل أكلها ، ولوقدر أن فيه أقلية يذبحون الذبح الشرعي فيجتنب مخافة الوقوع فيما ذكاته ليست ذكاة شرعية ، وكثير من الناس كالبهيمة أو شر من البهيمة لا يهمه إلا ما وضع في بطنه أو لبس على ظهره أو وطي بفرجه ، ما عنده عقيدة في الفرق بين المسلم والكافر .
المقصود أنا نتوقى هذه العلب فانها حرام ، ويمكن أن يكون شيء ينتقي فيه هذا ولكنه يلتبس هذا بهذا . (تقرير )
ومما قاله رحمه الله ضمن فتاويه بخصوص : ( حديث عائشة " ان قوماً يأتوننا باللحم "
فأجـاب : ليس دليلاً ، هذا في صيود من تحل ذبيحتهم لكن شك هل راعوا شروطها أم لا ؟ كالاعراب أن ذلك حلال ليس بحرام . أما إذا كانوا أعراباً وصلوا من الجهل وخفة الدين مثل ما كان سابقاً صيد الصلب وهم لا يتقيدون بالدين ولا يعملون به وليسوا أهل عفة ففي فتاوى بعض أئمة الدعوة مسائل في تحريم ذبائح من كان كذلك حتى الشيخ ابن محمود له فيه مسألة في تحريمها وأنها لا تحل . وانما قلت حتى هو ؛ لأن بعض الناس المنتسبين صغار الطلبة ذاك الوقت يقولون من شأنه أنه لا يكفر ويتساهل ، وهذه الفتوى تدل على ما عنده والظاهر ان التسمية المذكورة للندب لأنه معلوم أن التسمية التي يترتب عليها الحل وعدمه هي وقت الذبح . )
قلت : قال الشيخ محمد بن إبراهيم بن محمود : إن الأعراب كانوا يأتوننا باللحم ، لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا ؟ فأولئك الأعراب قد دخلوا في الإسلام ، والتزموا أحكامه على عهده صلى الله عليه وسلم ، ولم ينقل ما يوجب ردتهم ، كما نقل عن هؤلاء ، فلا حجة فيه ؛ وأما أعراب هذا الزمان فقد خرج كثير منهم من الإسلام ، ونبذوا أحكامه كما يعرف ذلك من عرفه من أحوالهم .
وقوله : ( كما قال ابن عمر في أسواق المسلمين لما تكلموا على الأنفحة أو الجبن يأتي من بلاد بعضها بلاد الشرك ، وهذه الأنفحة من معدة أو كرش ذلك المذبوح الذي لا نعلم من ذبحه ؟ فكونها تجعل ثم تسحق ثم تحول إلى جبنة ، فهذه الجبنة مبنية على تلك الأنفحة ، فقال لهم ابن عمر : " ما وجدناه في بلاد المسلمين اشتريناه " )
أقول : هذا أيضا من التلبيس والتهويل ، وإظهار الباطل بصورة الحق ، ومن الذي أثار مسألة الأجبان ؟ أم هو جواب الحكيم الذي يدرك ما قد يحتاجه السائل ! فأما الأنفحة فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى : ( وأما لبن الميتة وإنفحتها ، ففيه قولان مشهوران للعلماء : أحدهما: أن ذلك طاهر، كقول أبي حنيفة وغيره وهو إحدى الروايتين عن أحمد.
والثاني: أنه نجس كقول مالك والشافعي والرواية الأخرى عن أحمد.
وعلى هذا النزاع انبنى نزاعهم في جبن المجوس فإن ذبائح المجوس حرام عند جماهير السلف والخلف، وقد قيل: إن ذلك مجمع عليه بين الصحابة فإذا صنعوا جبناً ـ والجبن يصنع بالإنفحة ـ كان فيه هذان القولان.
والأظهر أن جبنهم حلال، وأن إنفحة الميتة ولبنها طاهر، وذلك لأن الصحابة لما فتحوا بلاد العراق أكلوا جبن المجوس، وكان هذا ظاهراً شائعاً بينهم وما ينقل عن بعضهم من كراهة ذلك ففيه نظر، فإنه من نقل بعض الحجازيين، وفيه نظر ، وأهل العراق كانوا أعلم بهذا، فإن المجوس كانوا ببلادهم ولم يكونوا بأرض الحجاز. ويدل على ذلك أن سلمان الفارسي كان نائب عمر بن الخطاب على المدائن، وكان يدعو الفرس إلى الإسلام، وقد ثبت عنه: أنه سئل عن شيء من السمن والجبن والفراء ؟ فقال: الحلال ما أحل الله في كتابه والحرام ما حرم الله في كتابه وما سكت عنه فهو مما عفى عنه. وقد رواه أبو داود مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
ومعلوم أنه لم يكن السؤال عن جبن المسلمين وأهل الكتاب، فإن هذا أمر بيّن، وإنما كان السؤال عن جبن المجوس: فدل ذلك على أن سلمان كان يفتي بحلها، وإذا كان روي ذلك عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ انقطع النزاع بقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأيضاً فاللبن والإنفحة لم يموتا، وإنما نجسهما من نجسهما لكونهما في وعاء نجس فيكون مائعاً في وعاء نجس، فالتنجيس مبني على مقدمتين على أن المائع لاقى وعاء نجساً، وعلى أنه إذا كان كذلك صار نجساً. فيقال أولاً: لا نسلم أن المائع ينجس بملاقاة النجاسة، وقد تقدم أن السنة دلت على طهارته لا على نجاسته.
ويقال ثانياً: إن الملاقاة في الباطن لا حكم لها كما قال الله ـ تعالى ـ : " في بطونه من بين فرث ودم لبناً خالصاً سائغاً للشاربين "، ولهذا يجوز حمل الصبي الصغير في الصلاة مع ما في بطنه، والله أعلم ) .
وقال أيضا في مجموع الفتاوى : ( وأما الجبن المعمول بإنفحتهم ففيه قولان مشهوران للعلماء كسائر إنفحة الميتة وكإنفحة ذبيحة المجوس وذبيحة
الفرنج الذين يقال عنهم لا يذكّون الذبائح . فمذهب أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين أنه يَحلّ هذا الجبن ، لأن إنفحة الميتة طاهرة على هذا
القول ، لأن الإنفحة لا تموت بموت البهيمة ، وملاقاة الوعاء النجس في الباطن لا ينجس . ومذهب مالك والشافعي وأحمد في الرواية الأخرى أن هذا الجبن نجس لأن الإنفحة عند هؤلاء نجسة لأن لبن الميتة وإنفحتها عندهم نجس . ومن لا تؤكل ذبيحته فذبيحته كالميتة . وكل من أصحاب القولين يحتج بآثار ينقلها عن الصحابة ، فأصحاب القول الأول نقلوا أنهم أكلوا جبن المجوس ، وأصحاب القول الثاني نقلوا أنهم أكلوا ما كانوا يظنون أنه من جبن النصارى . فهذه مسألة اجتهاد للمقلد أن يقلد من يفتي بأحد القولين ) .
وبهذا يعلم أن الفقهاء رحمهم الله على مذهبين في توجيه أكل الصحابة للأجبان ، طائفة ترى أن : هذا الجبن حلال ، لأن أنفحة الميتة طاهرة ، فلا تحلها الحياة ، فهي لا تموت بموت البهيمة كالحافر والقرن والظفر والشعر... وطائفة ترى أنهم ـ أي الصحابة ـ كانوا يظنون أنه من جبن النصارى . فعلى القولين ، لا حجة في تناول الصحابة للأجبان ، فإما ان تكون مما ذكاه أهل الكتاب ، وقد علم حلُّ ذبائحهم لأهل الإسلام أو تكون مما لا تحله الحياة فلا مدخل للتذكية في حلها ، وعليه فما وجه حشرها في باب الذبائح التي يغلب على أهلها الشرك ؟
قال الهاجري : ( لا تستعجل بجلوس الناس حولك ، والله فتنة لك ! يا مسكين ، تتخبط ، وتضطرب في مسائل ، ربما تأخذك العزة بالإثم ، وتتمسك بها ، ومن معك يغتروا بك ! جعلت لك فريقا مستقلا وحدك ، والكل يرى أنه ابن جلا .....
أقول : لا لوم ولا تثريب على من أحال الأمة على علمائها ونشر علمهم ، واعتنى بذلك ، فهذا هو المسلك الرشيد لربط الأمة بعلمائها ، وفي ذلك من الخير ما لا يعلمه إلا الله جل جلاله ، وأهل الفضل يدركون ذلك ، ويشكرون لكل ذي فضل فضله ، وأما من تنكب سبيلهم ، واستقل بفهمه دونهم ، وأصدر الفتاوى المخالفة لهم القائمة على الجمع بين المتباينات والتفريق بين المتماثلات فهو من تخبط واضطرب في المسائل واغتر بمن حوله ، وجعل له فريقا مستقلا ... ، ألم يكن من الأجدر بك إحالة السائلين على اللجنة الدائمة للإفتاء ! أليست هي الجهة المختصة بذلك ؟ ألم يصدر ولي الأمر في بلادكم ـ أعزه الله بطاعته ـ قصر الفتوى عليهم دون غيرهم ، وهو الصواب حيث صارت الفتوى حمى مستباح لكل من هب ودب . فلم هذه المنازعة والمشاقة ، وياليت الأمر كان صوابا ، لشكر الناس صنيعكم ، ولكنه الخلط والخبط و التجني على العقيدة ، والشهادة بالزور لعباد القبور المنتسبين للملة بالإسلام ، وعزل الأمة عن علمائها وما خفي كان أعظم ، قال تعالى : ( قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ) .


الرد على شبه المنافحين عن عباد القبور و الانتصار للموحدين

http://datawhid.com/anasheed_show-126.html

هذا ما يسر الله جمعه و الحمد لله في البدء و الإنتهاء و صلى الله على نبينا محمد و الله أعلم

12d8c7a34f47c2e9d3==