المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العلامة الراجحي:(طريقة أهل الزيغ التشكيك كلام الشافعي في نقله الإجماع )(هدية للمدخلي)


كيف حالك ؟

عامي
12-27-2012, 08:26 PM
الحمد لله وحده و بعد :

قال ربيع المدخلي في مقاله ( متعالم مغرور يرمي جمهور أهل السنة وأئمتهم بالإرجاء (الحلقة الثانية) ) :

التعليق الحادي عشر- عرّف أبو الحسن ابن البناء في كتابه "الرد على المبتدعة" (ص206) الإيمان بأنه التصديق في اللغة، وهو في الشريعة: التصديق وجميع الطاعات والواجبات والنوافل مع اجتناب المعاصي.
ثم قال: "وهو قول باللسان، ومعرفة بالقلب، وعمل بالجوارح".

علّق عليه عادل بقوله:
"نقل الإجماع غير واحد من أهل السنة على أن للإيمان ثلاثة أركان، وأنه لا يقبل إيمان أحد إلا إذا استكمل هذه الأركان الثلاثة، وممن نقل ذلك:
1- قال الإمام الشافعي –رحمه الله-: وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ممن أدركناهم يقولون: إن الإيمان قول وعمل ونية ، لا يُجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر"، اللالكائي (1593)، و"الإيمان" لابن تيمية (ص197)".

أقول:
1- صحيح أن للإيمان ثلاثة أركان: الاعتقاد بالقلب والقول باللسان والعمل بالجوارح، وأركان العمل بالجوارح أربعة: الصلاة والزكاة والصيام والحج، وكثير من أهل السنة لا يكفرون إلا بترك الصلاة فقط، ولا يكفرون بباقي الأركان، فعلى ما نقله عادل من الإجماع من أنه لا يقبل إيمان أحد إلا إذا استكمل هذه الأركان الثلاثة يكون من لا يكفر بترك الزكاة والصيام والحج، -وهي أركان عظيمة للإيمان- من المرجئة.
2- من نقل هذا الإجماع - المنسوب إلى الشافعي- غير الشافعي؟ فهاته، وإلا فهذه الدعوى من الأباطيل التي لا أصل لها.
3- لا يثبت هذا النقل عن الإمام الشافعي، ولا يوجد في كتبه لا "الأم" ولا غيرها، وقد صرّح محقق كتاب اللالكائي بأنه لم يجده في "الأم" للشافعي، والأمر كذلك.
4- ومما يبطل هذه الدعوى ما نقله ابن أبي حاتم عن الإمام الشافعي في "آداب الشافعي ومناقبه" (ص192).
حيث قال –رحمه الله-: "حدثنا أبي قال سمعت حرملة بن يحيى قال اجتمع حفص الفرد ومصلاق([22]) الإباضي([23]) عند الشافعي في دار الجروي يعني بمصر فاختصما في الإيمان فاحتج مصلاق في الزيادة والنقصان، واحتج حفص الفرد في أن الإيمان قول، فعلا حفص الفرد على مصلاق وقوي عليه، وضعف مصلاق، فحمي الشافعي وتقلّد المسألة على أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، فطحن حفصاً الفرد وقطعه".

وقال أبو نعيم في "الحلية" (9/114-115):
" حدثنا محمد بن عبد الرحمن حدثني أبو أحمد حاتم بن عبدالله الجهازي قال سمعت الربيع بن سليمان يقول سمعت الشافعي يقول: الإيمان قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ثم تلا هذه الآية : (ويزداد الذين آمنوا إيمانا ...الآية
حدثنا عبدالله بن محمد بن يعقوب ثنا أبو حاتم قال: سمعت الربيع يحكي عن الشافعي قال ما أعلم في الرد على المرجئة شيئا أقوى من قول الله تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة)".
وقال –رحمه الله-: " حدثنا أبو محمد بن حيان ثنا عبدالله بن محمد بن يعقوب ثنا أبو حاتم قال: سمعت حرملة بن يحيى يقول اجتمع حفص الفرد ومصلان الأباضي عند الشافعي في دار الجروي وأنا حاضر واختصم حفص الفرد ومصلان في الإيمان فاحتج على مصلان وقوي عليه وضعف مصلان فحمى الشافعي وتقلد المسألة على أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص فطحن حفصا الفرد وقطعه".
وأورده البيهقي من هذا الوجه في "مناقب الشافعي" (1/387).

وقال ابن عبد البر –رحمه الله- في "الانتقاء" (ص81):
"وذكر أبو القاسم عبيدالله بن عمر البغدادي الشافعي الذي استجلبه الحكم المستنصر بالله أمير المؤمنين وأسكنه الزهراء حدثنا محمد بن علي قال: نا الربيع قال سمعت الشافعي يقول: الإيمان قول وعمل واعتقاد بالقلب ألا ترى قول الله عز وجل: (وما كان الله ليضيع إيمانكم)، يعني صلاتكم إلى بيت المقدس، فسمى الصلاة إيمانا وهي قول وعمل وعقد، قال الربيع: وسمعت الشافعي يقول الإيمان يزيد وينقص".

وقال البيهقي –رحمه الله- في "مناقب الشافعي" (1/385):
" أخبرنا أبو عبد الله: محمد بن عبد الله الحافظ، قال: حدثني الزبير بن عبد الواحد الحافظ، بأسداباذ، قال: حدثني يوسف بن عبد الأحد، قال: حدثنا الربيع بن سليمان، قال: سمعت الشافعي -رضي الله عنه- يقول: الإيمان قول وعمل، ويزيد وينقص".

وقال الحافظ ابن حجر –رحمه الله- في "فتح الباري" (1/46-47):
"وقال الحاكم في مناقب الشافعي : حدثنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع قال : سمعت الشافعي يقول : الإيمان قول وعمل ، ويزيد وينقص . وأخرجه أبو نعيم في ترجمة الشافعي من الحلية من وجه آخر عن الربيع وزاد : يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية . ثم تلا (ويزداد الذين آمنوا إيمانا) الآية" .

أقول: يرى القارئ الكريم عدداً من الأسانيد مدارها على صاحبي الشافعي: الربيع بن سليمان وحرملة بن يحيى يخبران عن الإمام الشافعي بأنه يقول: " الإيمان قول وعمل يزيد وينقص" ، ولم ينقلا عنه الإجماع المزعوم، وهذا القول هو قول أهل السنة جميعاً في مشارق الأرض ومغاربها، لا يزيدون على هذا النص المنقول هنا عن الشافعي بهذه الأسانيد.
قال الإمام محمد بن إسماعيل البخاري –رحمه الله-:
" لقيت أكثر من ألف رجل من أهل العلم أهل الحجاز ومكة والمدينة والكوفة والبصرة وواسط وبغداد والشام ومصر لقيتهم كرات قرنا بعد قرن ثم قرنا بعد قرن أدركتهم وهم متوافرون منذ أكثر من ست وأربعين سنة أهل الشام ومصر والجزيرة مرتين والبصرة أربع مرات في سنين ذوي عدد بالحجاز ستة أعوام ولا أحصي كم دخلت الكوفة وبغداد مع محدثي أهل خراسان منهم: المكي بن إبراهيم ويحيي بن يحيي وعلي بن الحسن بن شقيق وقتيبة بن سعيد وشهاب بن معمر".
ثم ذكر عدداً من العلماء من مختلف البلدان، منهم الإمام أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبو معمر وأبو خيثمة وأبو عبيد القاسم بن سلام.
ثم قال : "واكتفينا بتسميه هؤلاء كي يكون مختصرا وأن لا يطول ذلك فما رأيت واحدا منهم يختلف في هذه الأشياء أن الدين قول وعمل، وذلك لقول الله: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة)" ، انظر "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" للالكائي (1/194-195).
وقال ابن أبي حاتم: " سالت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار وما يعتقدان من ذلك فقالا أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازا وعراقا وشاما ويمنا فكان من مذهبهم الإيمان قول وعمل يزيد وينقص" ، انظر "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" للالكائي (1/198).
أقول: فهؤلاء الأئمة: البخاري وأبو حاتم وأبو زرعة ينقلون تعريف الإيمان عن أئمة الإسلام في جميع أمصار المسلمين أنهم يقولون: "الإيمان قول وعمل"، كما نقل ذلك البخاري عن أكثر من ألف عالم، وكما نقل عنهم أبو حاتم وأبو زرعة .
أنهم يقولون: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص .
ولم يحكِ أحد منهم الإجماع الذي نسب إلى الإمام الشافعي.
من أنه يقول: "وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ممن أدركناهم يقولون: إن الإيمان قول وعمل ونية ، لا يُجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر"، اللالكائي (1593)، و"الإيمان" لابن تيمية (ص197)".
فهل أئمة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها تمالؤا على كتمان هذا الإجماع؟
وهل يرى عادل وطائفته أن هؤلاء الأئمة في جميع الأمصار مرجئة؟
إن منهجهم ليقتضي ذلك.
لا سيما وعادل يخرج جماهير أهل السنة من أهل السنة؛ لأنهم لا يُكفِّرون تارك الصلاة، وقد مرّ بك هذا؛ ولأن طائفته لا يكفي عندها هذا التعريف للإيمان.
إذ لا بد أن يقول المسلم: إن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص وينقص حتى لا يبقى منه شيء، فإذا قال: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص وينقص حتى لا يبقى منه إلا مثقال ذرة - كما دلَّ على ذلك سنة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، فهو عندهم مرجئ .
نعوذ بالله من هذا الغلو المدمر والمصادم لسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

5- أن الصحابة لم يُعرِّفوا الإيمان، وإنما عرَّفه أهل السنة بعد ظهور المرجئة في عهد التابعين؛ لأن أول من قال بالإرجاء طلق بن حبيب العنـزي المتوفى ما بين التسعين إلى المائة، وقيل: ذر بن عبد الله بن زرارة الهمداني الذي مات قبل المائة، وهذا مما يوهن دعوى هذا الإجماع، الذي لو صحَّ لصار أكثر أهل السنة مرجئة، ولكان الخوارج أولى بالحق وبالصحابة.
ومما يؤكد هذا قول ابن القيم -رحمه الله- في "شرحه لمختصر سنن أبي داود بحاشية عون المعبود" للعظيم آبادي (12/456):
"والذي صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذمهم من طوائف أهل البدع هم : (الخوارج)، فإنه قد ثبت فيهم الحديث من وجوه كلها صحاح، لأن مقالتهم حدثت في زمن الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وكلمه رئيسهم .
وأما الإرجاء، والرفض، والقدر ، والتجهم، والحلول وغيرها من البدع فإنها حدثت بعد انقراض عصر الصحابة . وبدعة القدر : أدركت آخر عصر الصحابة، فأنكرها من كان منهم حيَّا: كعبدالله بن عمر، وابن عباس، وأمثالهما –رضي الله عنهم-.وأكثر ما يجيء من ذمهم فإنّما هو موقوف على الصحابة من قولهم فيه.
ثم حدثت بدعة الإرجاء بعد انقراض عصر الصحابة، فتكلم فيها كبار التابعين الذين أدركوها كما حكيناه عنهم ، ثم حدثت بدعة التجهم بعد انقراض عصر التابعين. واستفحل أمرها واستطار شرها في زمن الأئمة كالإمام أحمد وذويه ". اهـ

هل البدع


ومما يُبطل نقل الإجماع قول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- الذي نقله عادل في (ص207) من تعليقه على كتاب "الرد على المبتدعة":
"مذهب الصحابة وجماهير السلف من التابعين لهم بإحسان وعلماء المسلمين: أن الإيمان قول وعمل، أي: قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح".
فنسب شيخ الإسلام هذا المذهب إلى الصحابة وجماهير السلف، ولم ينسبه إلى كل السلف، ونحن نعتقد أن الصحابة والتابعين لهم بإحسان يؤمنون كل الإيمان أن العمل من الإيمان، ولذا قاتل الصحابة مانعي الزكاة مع أهل الردة لأنهم امتنعوا عن أداء الزكاة، فقال أبو بكر -رضي الله عنه-: "وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا"، أخرجه البخاري في "صحيحه" حديث (1456)، ومسلم حديث (20).
وعلى هذا أهل السنة جميعاً، لكن أعتقد أن الصحابة ما عرّفوا الإيمان بأي تعريف، لأن أسباب تعريفه من الإرجاء وغيره لم تظهر إلا بعد عصرهم، كما سلف بيان ذلك.
وأن التابعين ومن بعدهم ما عرّفوه إلا بقولهم: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، كما نُقل ذلك عن أئمة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، وأنهم ما قالوا: لا يجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر، وأنه لا يقبل إيمان أحد إلا إذا استكمل الثلاثة.
وتأمل التعريف الذي نسبه شيخ الإسلام إلى من ذكرهم من أن الإيمان قول وعمل؛ قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح، ولم ينقل عنهم بقية هذا التعريف المنسوب إلى الشافعي -رحمه الله-.

كيف يقولون هذا، وهم ينقلون عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحاديث الشفاعة، وفيها: أنه يخرج من النار من في قلبه مثقال دينار من إيمان، ومن في قلبه مثقال نصف دينار من إيمان، ومن في قلبه مثقال ذرة من إيمان، ومن في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان.
ويخرج الله من النار قوماً لم يعملوا خيراً قط.
ويخرج أناساً من النار ويدخلهم الجنة من غير عمل عملوه ولا خير قدّموه.
ويقول الله: " وعزتي وكبريائي وعظمتي وجبريائي لأخرجن من قال لا إله إلا الله".
فهل هؤلاء أتوا بكل الأركان واستكملوا الإيمان؟
وهل يجرؤ أحد يخشى الله ويوقر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يخالف أقواله الثابتة ثبوت الجبال؟
وهذه النصوص هي أسلحة أهل السنة في الرد على الخوارج الذين يُكفِّرون بالذنوب، ويحكمون على مرتكبيها بنار الخلود.

وفي النهاية نقول:
1- إنه قد تبيّن بالدراسة الجادة أن دعوى إجماع الصحابة والتابعين على تكفير تارك الصلاة تهاوناً وكسلاً لم تثبت.
وأن تعريف الإيمان المنسوب إلى الشافعي –رحمه الله- لم يثبت، وكيف يثبت وهو يتعارض مع قول الله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )، ومع أحاديث الشفاعة وأحاديث مكانة التوحيد وفضائله؟
وهل أئمة الإسلام وعلماؤه في مشارق الأرض ومغاربها لم يعلموا هذا التعريف، أو أنهم تواطئوا على عدم نقله؟، حاشاهم وحاشاهم.
2- إن تارك الصلاة إن كان مستحلاً لتركها فهو كافر، إلا إذا كان يجهل وجوبها كالحديث العهد بالإسلام، أو يعيش في بادية بعيدة عن أمصار المسلمين وقُراهم فيُبيَّن له أهميتها ووجوبها، فإن عاند واستمر في تركها فهو كافر.
وإن كان تركها كسلاً وتهاوناً مع اعتقاده بوجوبها، فهذا يُدعى إلى الصلاة، فإن أبى أن يصلي هذه الصلاة حتى خرج وقتها، فالذي ندين الله به أنه فاسق مجرم يجب قتله إذا أصرَّ على تركها، ونبغضه في الله، ونحذر منه ومن شره، ونطلق عليه الكفر؛ لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة".
ولولا أحاديث الشفاعة وحديث صاحب البطاقة الذي لقي الله وليس عنده عمل ولكن عنده لا إله إلا الله فغفر له وأدخله الجنة.
وحديث الرجل الذي أمر أهله أن يحرقوه ويذروه في البر والبحر.
وأحاديث "من قال: "لا إله إلا الله"، وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله"، رواه مسلم في "الإيمان" حديث (23).
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة"، رواه مسلم في "الإيمان" حديث (26).
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: " فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ"، أخرجه البخاري في "صحيحه" حديث (425، 1186)، ومسلم حديث (33).
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: " أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ"، أخرجه البخاري في "صحيحه" حديث (99).
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: " أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة"، رواه مسلم حديث (27).
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: " من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله حرم الله عليه النار"، رواه مسلم حديث (29).

لولا هذه الأحاديث العظيمة وقول الله: ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) لكفرنا تارك الصلاة الكفر الأكبر الذي يخرج صاحبه من الإسلام.
وإذا كان هذا واقعنا فنرى أنه لا يرمينا وأسلافنا بالإرجاء إلا ظالم لم يرفع رأسه بهذه الأحاديث النبوية.
ونرى أن مذهبه يقتضي رمي رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وأهل السنة والحديث بالإرجاء.
فإن قالوا: ما رأيكم في من يكفر تارك الصلاة من السلف؟
فنقول: إنهم على رؤوسنا نحبهم ونجلهم، ولهم أجر المجتهدين.
ولأنهم يحترمون إخوانهم من أهل السنة ممن لا يُكفرون تارك الصلاة، ولا يصفونهم بالإرجاء، كما سلف في التعليق الخامس.
لأنهم يرون أن عندهم من الأدلة والبراهين ما يمنع من رميهم بالإرجاء، بل ما يحملهم على احترامهم وتقديرهم.
فإذا قيل: إن فلانا رمى بالإرجاء من لا يكفر تارك الصلاة.
فجوابه: إن هذا من زلات العلماء التي حذّر السلف من اتباعها وتقليد صاحبها، ومن قلّده فقد خالف منهج السلف يجب التحذير والحذر منه؛ لأنه متبع لهواه ومن المتبعين للشواذ والغرائب من الأقوال التي يذم من تتبعها.
ومما ينبغي التفطن له أن الذي يكفر بترك الصلاة من أهل السنة لا يكفر بما عداها من أركان الإسلام كالزكاة والصوم والحج وما بعدها من الأعمال الصالحة.
والذي لا يكفر إلا بالأركان الأربعة لا يكفر بما وراءها من الأعمال الصالحة وغيرها؛ لأنه إذا كان لا يكفر بثلاثة من أركان الإسلام فلأن لا يكفر بغيرها من باب أولى.
والذي لا يكفر إلا بترك الصلاة ومنع أداء الزكاة لا يكفر من ترك الصوم والحج، فعدم تكفيره لما وراءها من الأعمال من باب أولى.
وإذن فأهل السنة مجمعون على عدم التكفير بما وراء الأركان الأربعة من الأعمال، فالذي يُكفِّر بما وراءها مخالف لإجماعهم، وسالك طريق الخوارج في التكفير بارتكاب الكبائر مطلقاً.
وهذا يدين من يكفرون تارك جنس العمل ومرادهم بذلك ترك العمل، وهو قول جديد ابتدعوه لحرب أهل السنة والشغب عليهم.
فلشدة فتنتهم وشغبهم على أهل السنة زادوا هذا الأصل، ولم يكتفوا بتكفير تارك الصلاة الذي يغنيهم عن التكفير بما بعده؛ لأن الذي يُكفِّر بترك الصلاة من السلف لا يعتد بأعمال هذا التارك مهما كانت.
ومن شدة هوى هؤلاء المعاصرين المحاربين لأهل السنة يرى المتابع لهم أنهم لا يرفعون رأساً بأحاديث الشفاعة التي نصَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أنه يخرج من النار من في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال ذرة من إيمان ويخرج من النار قوم لم يعملوا خيراً قط، ، وقول الله: " وعزتي وكبريائي وعظمتي وجبريائي لأخرجن من قال: لا إله إلا الله" ، أي من النار .
ذكرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد الشفاعة في من يخرج من النار من العاملين الذين كانوا يصلون ويصومون ويحجون.
ولا يرفعون رأساً بأحاديث فضل "لا إله إلا الله، محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
بخلاف من يُكفِّر تارك الصلاة من السلف، فإنهم إذا وقف أحدهم أمامها استسلم لها، وصدع بمضمونها كما قدّمنا ذلك عن الإمام أحمد والبربهاري وابن بطة وابن البناء وابن تيمية وابن القيم وغيرهم-رحمهم الله-.
وما منع إخوانهم من أهل السنة من تكفير تارك الصلاة إلا قول الله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )، وأحاديث فضائل التوحيد وأحاديث الشفاعة لا منهج المرجئة الباطل، الذي يقذفهم به عادل الذي لا يعرف قدرهم، ولا يقيم وزناً لعقائدهم ومناهجهم الصحيحة، ولا يُقدِّر جهودهم في التمسك بالكتاب والسنة والدعوة إليهما والذب عنهما.
والموالاة والمعاداة من أجلهما، ومواجهة أهل البدع من المرجئة والخوارج والروافض والصوفية على اختلاف طرقها.
ومواجهة هذه الفِرَق بالحجج والبراهين من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
مع التحذير منهم والأمر بهجرانهم، وفي الوقت نفسه الصبر على ما يواجهونه من ألوان الأذى ومن عداوات وتشويهات هذه الفِرَق الضالة.
اللهم إنا نعوذ بك من الهوى.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه
ربيع بن هادي عمير المدخلي
17/11/1433هـ)

و هذه ردود قديمة للعلامة عبد العزيز الراجحي حفظه الله تفند تخبطات و تخليطات المرجئ ربيع المدخلي :

السؤال : يفسر بعض نابتة العصر ممن تكلم في الإجماع الذي حكاه الإمام الشافعي - رحمه الله - وهو قوله : كان الإجماع من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ومن أدركناهم يقولون : الإيمان قول وعمل ونية لا يجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر ، وقد نقله عنه شيخ الإسلام في كتابه " الإيمان " .

فمرة يقولون عن هذا : إنه غير صحيح .

ومرة يقولون : لا يجزئ . أي : لا يكون كاملاً .

ومرة يقولون : العمل المراد في كلام الشافعي عمل القلب .

ويقولون : إن الإيمان الذي لابد منه الاعتقاد والقول ، أما العمل ففرع ، فلو عاش الإنسان دهره كله تاركًا للفرائض ، فلا صلاة ولا صوم ولا زكاة ولا حج ، وفاعلاً لما يستطيع من زنا وشرب وخمر وارتكاب الفواحش خلا الشرك ، فإنه مؤمن معرض للوعيد ما دام أنه يعتقد ويقول بلسانه ، فآمل شرح قول الشافعي وتوضيحه !؟

لسؤال : هل الإيمان قول وعمل واعتقاد ، أم قول واعتقاد ، وما حكم الذي يقول : إن الإيمان اعتقاد وقول فقط ؟

الجواب : هذا السؤال يحتاج إلى كلام طويل ، والخلاصة : أن الإيمان عند أهل الحق قول القلب ، وقول اللسان ، وتصديق القلب ، وعمل القلب ، وعمل الجوارح .

ومرجئة الفقهاء - وهم طائفة من أهل السنة - يقولون : الإيمان قول باللسان ، وتصديق بالقلب ، وأما الأعمال فليست من الإيمان ، لكنها مطلوبة .

وأما المرجئة المحضة فيقولون : ليست مطلوبة ، فأهل السنة من الأحناف وغيرهم من مرجئة الفقهاء يقولون : الأعمال ليست من الإيمان ، لكنها مطلوبة ، والواجبات واجبات ، والمحرمات محرمات ، لكن لا نسميها إيمانًا ، فالإنسان عليه واجبان : واجب الإيمان ، وواجب العمل .

أما المرجئة المحضة فقالوا : لا تؤثر الأعمال في الإيمان ولا تضر ، وهذا هو الفرق بينهما ، والصواب : أن الإيمان قول باللسان ، وقول بالقلب ، وهو التصديق ، وعمل القلب ، وعمل الجوارح ، وكلها داخلة في مسمى الإيمان ، والنصوص الدالة على هذا كثيرة .

دروس في العقيدة 6

السؤال : هل العمل شرط لصحة الإيمان أم لا ؟

الجواب : نعم ، فالإيمان لا يكفي فيه الاعتراف والتصديق بالقلب فقط ، بل لابد فيه من شرط الانقياد ، والانقياد يكون بالعمل ، وإلا صار كإيمان فرعون ، فإيمانه إيمان بلا عمل ؛ كما أن العمل لا يصح بدون تصديق القلب ، وإلا كان كإيمان المنافقين ، فالمنافقون يعملون وليس عندهم إيمان وتصديق بالقلب ، فهم يصلون ويصومون ويتصدقون ، لكن ليس عندهم إيمان ، فالإسلام لابد له من إيمان يصححه ، والإيمان لا بد له من أعمال يتحقق بها .

ومن يدعي الإيمان ولا يعمل ؛ فهو كفرعون الذي قال الله تعالى عنه : ( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ) . [ النمل : 14 ] ، وقال له موسى : ( لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ ) . [ الإسراء : 102 ] فهو عالم معترف ، لكن لم يعمل ، فلابد من أن تكون الجوارح منقادة بالعمل ، فمن شروط ( لا إله إلا الله ) : الانقياد ، والانقياد يكون بالعمل .

دروس في العقيدة 8

السؤال : هل العمل شرط في صحة الإيمان أو في كماله ؟

الجواب : لابد من العمل وانقياد الجوارح في الإيمان ، فمن زعم أنه مؤمن مصدق ولم يعمل فليس بمؤمن ؛ لأنه إذا لم يعمل ولم ينقد بجوارحه صار إيمانه كإيمان فرعون ، ففرعون كان مصدقًا ، ولهذا أخبر الله تعالى عن موسى أنه قال له : ( لَقَدْ عَلِمْتَ ) . [ الإسراء : 102 ] . أي : بأن دينه حق ، فلابد للإيمان من انقياد الجوارح ومن عمل يتحقق به هذا الإيمان ، وإلا كان كإيمان فرعون ، كما أن الإسلام لابد له من إيمان يصح به وإلا كان كإسلام المنافقين ، فالمنافقون يعملون بجوارحهم وعندهم عمل ، لكن ليس عندهم إيمان باطن يصح به هذا الإسلام ، فعندهم إسلام في الظاهر لكن ليس عندهم إيمان يصححون به إسلامهم .

فلابد للإيمان من عمل يتحقق به ، ولابد للإسلام والعمل من إيمان يصح به ، فمن صدق ولم يعمل فليس بمؤمن ؛ لأن إيمانه كإيمان فرعون ، ومن عمل بجوارحه ولكنه لم يصدق في الباطن فليس بمؤمن ؛ لأن إسلامه ليس معه إيمان يصححه .

دروس في العقيدة 12

السؤال : ظهرت شبهة متأخرة وأيدت بالأدلة ، وهي : أنه لا يخرج من الإسلام إلا من كفر كفرًا اعتقاديًا قلبيًا ، وأن الكفر لابد فيه من الاعتقاد ، وأنه محصور في التكذيب والاستكبار ، وأن الإنسان لو سجد للصنم لأجل مال فإنه لا يكفر ، وكذلك إذا سب الله ورسوله فإنه لا يكفر حتى يعتقد ، وأن الآية التي نزلت في حكم السب مخصوصة بالمنافقين ويقولون : إن السب علامة على الكفر لا أنه كفر ، فهل هذا القول هو قول لأهل السنة ؟

الجواب : هذا القول قول فاسد ، فهو مخالف لمعتقد أهل السنة والجماعة ، وقد سبق أن الصحابة - رضوان الله عليهم - أجمعوا على قتال بني حنيفة ؛ لأنهم قالوا : إن مسيلمة نبي . وقد كانوا يؤذنون ويصلون ويصومون ، وكذلك قول الله تعالى في الذين تكلموا بكلمة الكفر : ( يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ ) . [ التوبة : 74 ] ، وهي كلمة قالوها ، وكذلك الذين في غزوة تبوك تكلموا بكلمة قالوها على وجه المزاح ، وجاءوا يعتذرون إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأنزل الله هذه الآية : ( قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) . [ التوبة : 65 - 66 ] . فأثبت لهم الكفر بعد إيمانهم ، فجاء هؤلاء يعتذرون إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وقالوا : يا رسول الله ! ما نعتقد القول به ، وإنما نحن نمزح ونتحدث حديث الركب ، ولكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يعذرهم ، فكان لا يزيد على تلاوة هذه الآية : ( أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) [ التوبة : 65 - 66 ] ، فلو كان الإنسان لا يكفر إلا بعقيدة القلب لما كفر الله تعالى هؤلاء . بل أجمع أهل السنة على كفر من سب الله وسب الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا مجمع عليه من قبل أهل السنة والجماعة ، وهناك كتاب لشيخ الإسلام - رحمه الله - في هذا سماه : " الصارم المسلول على شاتم الرسول " .

فهذا كلام ليس بصحيح ، فالكفر يكون بالتكذيب والجحود ، ويكون بالإباء والاستكبار ، ويكون بالإعراض عن دين الله ، ويكون بالشك ، ويكون بالقول ، ويكون بالفعل ، ويكون بالعقيدة . والاعتقاد لابد منه ؛ لأن الإنسان إذا سجد للصنم فلابد من أن يكون في اعتقاده أنه ما سجد له إلا تعظيمًا له ، ولو قال : إنه يحترمه مع أنه لا يعبده ، فهذا كفر ، فلابد من أن يكون هناك قصد ، ولا يحصل السجود للصنم من دون قصد .

ولهذا فإن بعض الصوفية يسجد لشيخه ، فإذا سألته قال : هذا ليس سجودًا ، وإنما هو وضع الرأس أمام الشيخ احترامًا له وتواضعًا . فمادام أنه قصد السجود للشيخ فهو كافر حتى ولو لم يعتقد ، وكذلك يكفر - أيضًا - من سجد للصنم أو للنجم ووضع الرأس أمامه احترامًا وتواضعًا ، فالمهم أن يكون هناك قصد ، فلو داس المصحف بقدميه وقال : أنا ما قصدت شيئًا ، أو ليس عندي اعتقاد أن أستهين بالمصحف ، لكن أنا أقصد أن أضعه على قدمي ؛ فهذا يكفر ولو لم يعتقد ، لأن هذا العمل يكفر صاحبه ، فلو قال : أنا أعتقد أن القرآن كلام الله ، ولا أعتقد أنه ليس من كلام الله ، ثم بال على المصحف فإنه يكفر بهذا الأمر ما دام قد قصده ، بخلاف لو كان خلفه مصحف ثم رجع القهقرى وهو لا يدرك ثم وطئ المصحف وهو لا يدري ، فهذا لا يكفر ؛ لأن هذا ليس له قصد .

فالمقصود أنه إذا قصد الفعل فلا يشترط الاعتقاد ، وكلام هؤلاء كلام فاسد ، وهذا الذي ظهر من هؤلاء لا عبرة به ، وليسوا أهلاً لأن يؤخذ بقولهم ، وإنما يؤخذ بما دلت عليه النصوص من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وبما أجمع عليه وأقره أهل العلم المعروفون بالرسوخ في العلم قبل مجيء هؤلاء الذين لا علم عندهم ولا بصيرة ، فلا يؤخذ بأقوال هؤلاء .

دروس في العقيدة 13

السؤال : هناك دليل يتمسك به القائلون بعدم كفر تارك الصلاة ، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الطويل : ( ... ثم يخرج من النار قوم لم يعملوا خيرًا قط ) !؟

الجواب : ليس في هذا دليل ؛ لأن معنى : ( لم يعملوا خيرًا قط ) أي : لم يعملوا زيادة على التوحيد والإيمان ، والصلاة شرط في صحة الإيمان ، فإذا تركها فليس بمؤمن ، فهؤلاء القوم ليس عندهم إلا التوحيد والإيمان ، ولا يتم الإيمان والتوحيد إلا بالصلاة ، فمن تركها فلا يكون عنده شيء من التوحيد والإيمان .

دروس في العقيدة 14

السؤال : يقول : ما معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( وذلك أضعف الإيمان ) في قوله : ( من رأى منكم منكرًا ) !؟

الجواب : إنكار المنكر على درجات فيبدأ بالتغيير باليد ثم باللسان ثم بالقلب ، والقلب أضعف الإيمان الذي يتعلق بدرجات الإنكار ، وليس المراد أنه إذا لم ينكر بقلبه يخرج من الإسلام لا ؛ لأنه لو فرضنا إن إنسانًا لم ينكر بقلبه شرب الخمر ، يكون حكمه حكم شارب الخمر ، وشارب الخمر ليس بكافر ، بل معه أصل الإيمان إذا لم يستحله ، لكن المراد أضعف الإيمان الذي يتعلق بدرجات إنكار المنكر ، لكن ليس المراد أنه إذا لم ينكر المنكر أنه يكون كافرًا ولا يكون خارجًا من الإيمان لا ، إذا لم يستحله ، بل يكون عاصيًا حكمه حكم فاعل المنكر ، فضعيف الإيمان معه أصل الإيمان .

فتاوى متنوعة 3

السؤال : هل هناك فرق بين الإسلام والإيمان ؟

الجواب : نعم ، فالإسلام هو الأعمال الظاهرة ، والإيمان هو الأعمال الباطنة ، وهذا إذا اجتمعا كما في حديث جبريل ؛ فإنه فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة والإيمان بالأعمال الباطنة .

أما إذا أطلق أحدهما فإنه يدخل فيه الآخر ، فإذا جاء الإسلام وحده فتدخل فيه الأعمال الباطنة والأعمال الظاهرة ، كما في قوله - عز وجل - : ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلامُ ) . [ آل عمران : 19 ] .

وإذا جاء الإيمان وحده يدخل فيه الإسلام ، كما في قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( الإيمان بضع وسبعون شعبة ) . فإذا اجتمعا افترقا ، وإذا افترقا اجتمعا ، مثل لفظ الفقير والمسكين .

فتاوى متنوعة 24

السؤال : كيف نرد على من استدل بحديث الجارية على أن الإيمان مجرد التصديق !؟

الجواب : لقد طعنوا - كما سبق - في هذه الجارية ، فقالوا : إن الجارية أعجمية لا تفهم ، وطعنوا في النبي فقالوا : إن الرسول سأل سؤالاً فاحشًا ! فالإيمان قول وعمل ، وليس فيه أن الجارية لم تكن تعمل شيئًا ، إنما اختبرها النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومعلوم أن التصديق يقتضي العمل ، وليس في الحديث أن الجارية لم تكن تصلي ولا تصوم ، وإنما سألها عما هو دليل على الإيمان ثم ذهبت .

شرح الاقتصاد في الاعتقاد 3

السؤال : هناك من استدل بحديث : ( لم يعلموا خيرًا قط ) على جواز دخول الجنة والبراءة من النار بدون أدنى عمل ، فما توجيهكم - حفظكم الله - !؟

الجواب : هذا باطل ، لأن الله تعالى قال : ( إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ) . [ النساء : 48 ] ، والنصوص ترد هذا ، وتضم بعضها إلى بعض ، فالكافر لا يخرج من النار ، والجنة عليه حرام .

أما حديث : ( لم يعملوا خيرًا قط ) ، يعني : زيادة على التوحيد والإيمان ، ومن شرط التوحيد : الصلاة ، ويدخل في هذا من وحد الله ثم مات في الحال ولم يتمكن من العمل ، كمن قتل شهيدًا في الحال بعدما أسلم ، لكن هذا عام .
المقصود : أن النصوص يضم بعضها إلى بعض ، فلا ينبغي للإنسان أن ينظر إلى النصوص بعين عوراء ، فيأخذ بعض النصوص ويغمض عينيه عن البعض الآخر ، فإن طريقة أهل البدع عدم ضم النصوص بعضها إلى بعض ، فالنصوص دلت على أن الجنة حرام على الكافر ، وأنه لا يخرج من النار أبد الآباد ، قال تعالى : ( كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ) . [ البقرة : 167 ] ، وقال تعالى : ( لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا ) . [ النبأ : 23 ] ، وقال تعالى : ( وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ ) . [ المائدة : 37 ] .

السؤال : هل تشمل الشفاعة تارك الصلاة ليخرج من النار !؟

الجواب : هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم فإن كان جاحدًا بوجوبها ، فإنه كافر بالإجماع ، ولا شك في كفره ، وإن لم يجحد بوجوبها ففيه خلاف بين أهل العلم ، والصواب الذي أجمع عليه الصحابة ، ونقل عليه الإجماع عبد الله بن شقيق العقيلي وإسحاق بن راهويه والإمام ابن حزم وغيرهم ، والذي عليه المحققون والجمهور أنه لا تناله الشفاعة ، ولو أقر بوجوبها .

وذهب بعض المتأخرين من الفقهاء وغيرهم إلى أن كفره كفر أصغر إذا لم يجحد بوجوبها ، ويقال : إن معه شعبة من شعب الإيمان وهي التصديق ، فيكون كفره كفر أصغر ، فعلى هذا تناله الشفاعة ، لكن هذا ضعيف والصواب هو القول الأول ، وهو أنه كافر كفر أكبر مخرج من الملة ؛ لما ثبت في صحيح البخاري عن بريدة بن الحصيب أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال : ( من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله ) ، والذي يحبط عمله هو الكافر ، وبقية الصلوات مثل صلاة العصر ، قال - عليه الصلاة والسلام - : ( بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة ) . رواه الإمام مسلم في " صحيحه " عن جابر بن عبد الله ، وقال - عليه الصلاة والسلام - : ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ) ، فجعل الصلاة حدًا فاصلاً بين المؤمن والكافر .

شرح الاقتصاد في الاعتقاد 10

السؤال : هناك من يقول : إن الأعمال شرط لصحة الإيمان ، ويصف من يقول : إن العمل شرط كمال في الإيمان بأنه مرجئ ، وهناك من يقول : إنه شرط كمال ويصف هؤلاء بأنهم خوارج ! نرجو توضيع المسألة !؟

الجواب : الأعمال داخلة في مسمى الإيمان ، فالذي يقول : إن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان هذا من المرجئة - كما سبق - ، فالمرجئة المحضة الذين هم الجهمية يرون أن الأعمال غير مطلوبة ، ومرجئة الفقهاء يرون أنها ليست داخلة في مسمى الإيمان .

وأهل السنة يقولون : الإيمان مكون من هذه الأمور : قول باللسان وتصديق بالقلب وعمل بالقلب وعمل بالجوارح ، كل هذه أركان الإيمان ، وداخلة في مسمى الإيمان ، فالذي يقول : إن العمل خارج أو قال : إنه شرط كمال هذا من المرجئة .

والخوارج والمعتزلة يرون أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان مثل أهل السنة ، لكن يقولون : إنه إذا نقص شيء من العمل انتهى الإيمان ، وإذا فعل معصية انتهى الإيمان وخرج إلى الكفر ودخل فيه وخلد في النار ، وأهل السنة يقولون : لا ، إذا فعل معصية يضعف إيمانه ولا يخرج من الإيمان ولا يكفر ولا يخلد في النار .

السؤال : ما رأيكم في تعريف الإيمان بأنه لغة : التصديق ، وهل صحيح أن شيخ الإسلام اعترض على ذلك !؟ نرجو إيضاح هذا .

الجواب : نعم ، الإيمان في اللغة أصله التصديق ، وأما في الشرع فكما سمعت : قول باللسان وتصديق بالقلب وعمل بالقلب وعمل بالجوارح . الأحناف المرجئة الفقهاء استدلوا بالمعنى اللغوي قالوا : إن الإيمان هو التصديق ، قال الله تعالى عن إخوة يوسف : ( وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا ) . [ يوسف : 17 ] . أي : مصدق ، فقالوا : إن الإيمان هو التصديق ، فقالوا : هو التصديق بالقلب فقط ، استدلوا بالمعنى اللغوي ، لكن أهل السنة قالوا : جاء الشرع ببيان مسمى الإيمان .

السؤال : ذكرتم أن من قال : إن رجلاً يدخل الجنة بلا عمل هذا من أهل الزيغ ومن أهل البدع ، فمن المقصود بقائل هذه المقولة !؟

الجواب : ليس هو المقصود ، فالمقصود : ليس هناك من يدخل الجنة بدون عمل يعني : بدون توحيد ، لا أحد يدخل الجنة إلا بالتوحيد ، وليس المقصود أشخاصًا معينين ، فنحن لا نتكلم في أشخاص ، فالله تعالى قال : ( ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) . [ النحل : 32 ] ، فلا أحد يدخل الجنة إلا بالتوحيد ، والتوحيد لابد فيه من صلاة ، فمن لم يصل فليس بموحد ، فلا يدخل الجنة ؛ لأن الصلاة شرط في صحة التوحيد ، كما لو توضأ ثم أحدث بطل وضوءه ، فكذلك إذا قال : لا إله إلا الله ولم يصل بطلت كلمة التوحيد ، فمن شرطها الصلاة ، ولا يمكن لأحد أن يدخل الجنة بدون عمل إلا من نطق بالشهادتين ثم مات ولم يتمكن من العمل .

السؤال : قال شيخ الإسلام في " الفتاوى " : ( إن جماهير المرجئة على أن عمل القلب من الإيمان ) ، وفضيلتكم نفيتم أن المرجئة يرون أن عمل القلب من الإيمان !؟

الجواب : نعم ، بعض المرجئة مختلف في هذا ، بعضهم أدخل أعمال القلوب وبعضهم لم يدخلها ، أما أعمال الجوارح فهم لم يدخلوها .

شرح الاقتصاد في الاعتقاد 12

السؤال : ما معنى الإرجاء !؟

الجواب : الإرجاء : هو القول بأن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان ، والإيمان : هو تصديق بالقلب والأعمال ليست داخلة في مسمى الإيمان ، والمرجئة طائفتان : الجهمية الذين يقولون : إن الأعمال غير مطلوبة ، والثانية : مرجئة الفقهاء الذين يقولون : الأعمال مطلوبة لكن ليست من الإيمان ، وكل منهما خطأ ، لكن قول الجهمية كفر وضلال ، نسأل الله العافية .

شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث 5

السؤال : الخلاف بين أهل السنة وبين مرجئة الفقهاء هل هو خلاف لفظي أم حقيقي يترتب عليه أشياء في مسألة الإيمان !؟

الجواب : ليس لفظيًا من جميع الوجوه ، وشارح " الطحاوية " يقول : إنه لفظي ، والصواب أنه ليس لفظيًا من جميع الوجوه ، صحيح أنه لا يترتب عليه فساد في الاعتقاد لكن له آثار تترتب عليه ، ومن آثاره :

أن جمهور أهل السنة وافقوا الكتاب والسنة في اللفظ والمعنى ، ومرجئة الفقهاء وافقوا الكتاب والسنة في المعنى وخالفوهما في اللفظ ، ولا يجوز للإنسان أن يخالف النصوص لا في اللفظ ولا في المعنى ، بل الواجب على المسلم أن يتأدب وأن يوافق النصوص في اللفظ والمعنى .

ومن الآثار التي ترتبت على الخلاف : فتح الباب للمرجئة المحضة ، فمرجئة الفقهاء في اختلافهم مع جمهور أهل السنة فتحوا الباب للمرجئة المحضة ، فلما قال مرجئة الفقهاء : إن الأعمال ليست داخلة في مسمى الإيمان فتحوا الباب للمرجئة المحضة وهم الجهمية فقالوا : الأعمال ليست مطلوبة ، فالواجبات ليست واجبات والمحرمات ليست محرمات .

ومن آثار الخلاف : أنهم فتحوا الباب للفسقة والعصاة ، فلما قال مرجئة الفقهاء : إن الأعمال ليست داخلة في مسمى الإيمان سيأتي السكير العربيد فيقول : أنا مؤمن كامل الإيمان كإيمان أبي بكر وعمر ، فإذا قيل له : أبو بكر وعمر عنده أعمال عظيمة ، قال : الأعمال شيء آخر ، لكن تصديقي وتصديق أبي بكر واحد ، الإيمان هو التصديق ، فالذي فتح هذا الباب للفسقة هم مرجئة الفقهاء .

ومن ثمرة الخلاف مسألة الاستثناء في الإيمان ، وهو أن يقول : أنا مؤمن إن شاء الله ، فمرجئة الفقهاء يمنعون الاستثناء ويقولون : لا تقل إن شاء الله ، ومن قال : إن شاء الله فهو شاك في إيمانه ؛ لأن الإيمان تصديق القلب وأنت تعلم أنك مصدق فهل تشك أنك مصدق ؟ لا تشك ، كما أنك لا تشك بأنك قرأت الفاتحة ، أو أنك تحب الرسول وتبغض اليهود فلا تشك في تصديقك .

أما جمهور أهل السنة فيقولون : المسألة فيها تفصيل : إن قصد الشك في أصل إيمانه فهذا ممنوع ، وأما إن قصد أن الإيمان شعب متعددة وأنها تدخل فيه الأعمال كلها والأقوال ، ولا يذكر الإنسان نفسه ، ولا يجزم بأنه أدى ما عليه ، بل يتهم نفسه ويزري على نفسه فلا بأس ، فإنه في هذه الحالة يستثني ويقول : أنا مؤمن إن شاء الله ، فيكون الاستثناء راجع إلى الأعمال ، وكذلك أيضًا إذا أراد عدم علمه بالعاقبة فله أن يقول : أنا مؤمن إن شاء الله ، وكذلك إذا أراد التبرك بذكر اسم الله فيقول : أنا مؤمن إن شاء الله .

فجمهور أهل السنة يجيزون الاستثناء باعتبار ويمنعونه باعتبار ، أما مرجئة الفقهاء فيمنعوه ، وبهذا يتبين أن الخلاف ليس لفظيًا كما يقول شارح " الطحاوية " ، وإنما له آثار تترتب عليه ، وإن لم يترتب عليه فساد في العقيدة .

السؤال : ما نسب إلى الإمام أبي حنيفة في قوله : في الإيمان ، هل رجع عنه أم لا !؟

الجواب : لم يرجع عنه فأبو حنيفة له روايتان :

الرواية الأولى : أن الإيمان - وهو الذي عليه جمهور أصحابه - شيئان : قول باللسان وتصديق بالقلب فقط وأما الأعمال فليست من الإيمان .

والرواية الثانية : أن الإيمان تصديق بالقلب فقط ، وأما الإقرار باللسان فهو ركن زائد مطلوب ولكن ليس من الإيمان ، وهذه الرواية الثانية توافق مذهب الأشاعرة والماتريدية . وأول من قال بالإرجاء حماد بن أبي سليمان شيخ الإمام أبي حنيفة .

السؤال : كيف نوفق بين أحاديث الشفاعة لأهل الكبائر والأحاديث المكفرة لتارك بعض الواجبات كالصلاة وغيرها !؟

الجواب : لا يوجد منافاة فالأحاديث التي فيها تكفير تارك الصلاة معناها : أن ترك الصلاة ليس معصية بل هو كفر ، والشفاعة تكون لمن فعل المعاصي دون الكفر ، أما من فعل الكفر فليس له شفاعة ، من سب الله أو سب الرسول - عليه الصلاة والسلام - ومات على ذلك ، أو استهزأ بالله ، أو بكتابه ، أو برسله ، ليس له شفاعة إذا مات على ذلك .

ومن اعتقد شريكًا لله في الربوبية أو الألوهية أو الأسماء والصفات ، أو اعتقد أنه يستحق أحد العبادة غير الله سبحانه وتعالى هذا لا شفاعة له إذا مات على ذلك ، ومن أنكر أمرًا معلومًا من الدين بالضرورة ، ومن أنكر ملكًا من الملائكة أو نبيًا من الأنبياء ، أو قال : إن رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - خاصة بالعرب ، أو قال إن بعده نبي ، أو أنكر البعث أو الجنة أو النار هذا لا شفاعة له ، أو أنكر أمرًا معلومًا من الدين بالضرورة وجوبه ، كأن أنكر وجوب الصلاة أو وجوب الزكاة ، أو وجوب الحج ، أو أنكر أمرًا محرمًا معلومًا من الدين بالضرورة ، كأن أنكر تحريم الزنا ، أو تحريم الربا ، أو تحريم الخمر ، أو تحريم عقوق الوالدين فهذا كافر .
وكذلك من ترك الصلاة فقد فعل الكفر فلا شفاعة له ، لكن من مات على المعاصي التي دون الكفر فله شفاعة إذا مات على التوحيد والإيمان .

السؤال : يقول السائل فيه : حفظكم وأثابكم يا شيخ ، ما ردكم على من قال : إن العمل ليس ركنًا في الإيمان واحتج بحديث : ( يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان ) ولم يذكر العمل !؟

الجواب : ( يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان ) إذا مات على التوحيد والإيمان لابد أنه عمل ، والصلاة شرط في صحة الإيمان ، ومن ترك الصلاة فليس بمؤمن ، وعلى هذا من ترك الصلاة وهو قادر فلا يكون مؤمنًا لأنه لابد من العمل مع النطق بالشهادتين ، ولابد من عمل القلوب وعمل الجوارح ، والأحاديث فيها تقييد : ( من قال : لا إله إلا الله خالصًا من قلبه ) ، وفي بعضها : ( مخلصًا ) ، وفي بعضها : ( غير شاك ) ، وفي بعضها : ( من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله ) .

السؤال : بعض الناس إذا أنكرت عليه في معصية من المعاصي يقول : الإيمان بالقلب فكيف نرد عليه ، وهل يعتبر قائل هذه العبارة من المرجئة !؟ وجزاكم الله خيرًا .

الجواب : هذه كلمة حق أريد بها باطل ، فإذا قال : الإيمان في القلب نقول : والكفر في القلب - أيضًا - ، والنفاق في القلب ، فإذا وجد الإيمان في القلب انبعثت الجوارح على العمل ، والواجب على الإنسان أن لا يقول هذا بل يقول : جزاك الله خيرًا ، وأنا إن شاء الله سوف أعمل ويقبل الحق ولا يعارض ويقول : الإيمان بالقلب ، وفي الحديث : ( إن في الجسد مضغة فإذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ) .

فإذا وقر الإيمان في القلب انبعثت الجوارح على العمل ، والمعصية دليل على ضعف الإيمان في القلب فإذا ضعف الإيمان في القلب جاءت المعاصي ، وإذا قوي الإيمان وقوي الإخلاص وقوي الصدق في القلب أحرق الشبهات والشهوات جميعًا .

شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث 10

السؤال : سمعت شيخًا يقول : إمام أهل الحديث في العصر الحاضر الشيخ الألباني - رحمه الله - ، ونحن نعلم أن عنده إرجاء في العقيدة ، فما رأيكم في قوله !؟

الجواب : الإمام الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله - ، إمام في الحديث ، وله يد طولى ، وله باع في الحديث ، خدم كتب السنة في المؤلفات الكثيرة - رحمه الله - ، ولا أسأل أنا عنه ، فهو إمام في الحديث ، وله خبرة عظيمة .

ولكنه ليس بمعصوم ، بل هو كغيره يخطئ ويصيب ، وله بعض الآراء الفقهية المرجوحة والصواب فيها خلاف ما رآه ، وقد ألف المؤلفات الكثيرة في الحديث ، وخدم السنة وهذا لا ينكر ، ولكن آراؤه الفقهية ليست كنشاطه في علم الحديث ، وكل أحد يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما قال الإمام مالك ، وما منا إلا رجل مردود عليه ، فنسأل الله أن يغفر له وأن يرحمه وأن يتغمده برحمته .

شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث 15

السؤال : ما حكم من قال : إن الإيمان هو التصديق ، وعلى ماذا يحمل قول الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن الإيمان والتصديق كما قال في " الدرر السنية " !؟

الجواب : الإيمان تصديق وعمل فلابد من هذين الأمرين ؛ لأن أصل التصديق في القلب تصديق وإقرار وعمل ، والشيخ ما قال : إن الإيمان هو التصديق وإن العمل خارج من التصديق ، فهذا قول المرجئة الذين يقولون : الإيمان هو التصديق بالقلب ، والعمل ليس داخلاً في مسمى الإيمان .

ضم كلام الشيخ بعضه من بعض حتى يتبين لك الحق ، لا تكن مثل من يقرأ ( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ) . [ الماعون : 4 ] ويسكت ولا يقرأ : ( الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ ) . [ الماعون : 5 ] .

اقرأ كلام الشيخ من أوله إلى آخره واجمع بين كلامه تجد الحق ، وكلام العلماء يضم بعضه إلى بعض ، وكلام الله يضم بعضه إلى بعض ، وكلام الرسول يضم بعضه إلى بعض ، فلا يأخذ الإنسان ببعض النصوص ويترك البعض الآخر .

السؤال : ما قولكم في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( وليس وراء ذلك من الإيمان مثقال حبة من خردل ) ، في حديث من لم ينكر المنكر بقلبه !؟

الجواب : ليس المراد أنه يكون كافرًا ؛ لأن من لم ينكر المنكر بقلبه يكون عاصيًا . فإذا جلس الإنسان مع قوم يشربون الخمر يجب عليه أن ينكر باللسان إن عجز عن الإنكار باليد ، فإن عجز فإنه ينكر بالقلب . والإنكار بالقلب معناه : أن يقوم ويتركهم ، فإن جلس معهم فليس عنده من الإيمان حبة خردل يتعلق بإنكار المنكر ، ويكون حكمه نفس حكم من شرب الخمر في الإثم ، ومن جلس مع قوم يكفرون بالله واستطاع أن ينكر ولم ينكر وجلس وسكت ، فحكمه في الإثم يكون نفس حكمهم ؛ لأنه رضي بالكفر وأقر به ، ومن جلس مع قوم يتعاملون بالربا ولم ينكر عليهم فيكون حكمه حكم المرابي ، قال تعالى : ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ) . [ النساء : 140 ] .

شرح كتاب السنة للبربهاري 5

السؤال : هل الصواب أن نقول : إن العمل شرط لصحة الإيمان ، أو العمل ركن في الإيمان ؟ الجواب : العمل جزء من الإيمان ، الإيمان : تصديق القلب وإقراره ، وقول اللسان ، وعمل الجوارح ، وعمل القلب ، وكلها داخلة في مسمى الإيمان .

شرح كتاب السنة للبربهاري 15

السؤال : ما رأيكم فيمن يتكلم في عقيدة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله - ، ويطعن في إيمانه ، ويتهمه بالإرجاء !؟

الجواب : الشيخ محمد ناصر الدين الألباني من أهل السنة والجماعة ، وهؤلاء الذين يطعنون فيه من المغرضين ، والشيخ محمد ناصر الدين الألباني محدث له مؤلفات كثيرة في الحديث ، وأما آراؤه الفقهية فقد يغلط كغيره ، وقد يغلط في بعض المسائل ، لكنه في الجملة من أهل السنة والجماعة ، وإن كان يغلط في بعض المسائل فيما يتعلق بالإيمان أو غيره ، فإنه ليس معصومًا ، وكل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

السؤال : ما الفرق بين الإيمان والاعتقاد ؟

الجواب : الإيمان هو تصديق القلب وإقراره وعمله ، والتصديق والاعتقاد والإقرار ألفاظ متقاربة ، فالتصديق يعني : يعتقد صدق الله وصدق رسوله - صلى الله عليه وسلم - .

شرح الإيمان الأوسط 2

السؤال : كيف نحمل الحديث الذي رواه الإمام البخاري : ( ويخرج الله أقوامًا من النار لم يعملوا خيرًا قط فيدخلهم الجنة ) . هل معناه : أنهم دخلوا الجنة بمجرد وجود أصل الإيمان في قلوبهم ، كما في الحديث الآخر الذي رواه البخاري : ( من كان في قلبه وزن ذرة من إيمان فأخرجه من النار ) !؟ وجزيتم خيرًا .

الجواب : معنى : ( ما عمل خيرًا قط ) يعني : زيادة على التوحيد والإيمان ، ولهذا جاء في اللفظ الآخر : ( إلا أنهم يقولون : لا إله إلا الله ) . إلا أنهم موحدون ، فأخرجهم الله بالتوحيد والإيمان ، وليس عندهم زيادة عن التوحيد والإيمان .

ولا يمكن أن يفهم معنى ذلك : أن الله أخرجهم وهم على الشرك ؛ لأن الجنة حرام على المشرك بنص القرآن ، قال الله تعالى : ( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ) . [ المائدة : 72 ] ، فالنصوص تضم بعضها إلى بعض ، ويصدق بعضها بعضًا ، ولا يجوز أن يصدم بعضها ببعض .

السؤال : سأل رجل : هل أنت مؤمن !؟ فأجاب : أسأل الله أن أكون كذلك . فهل يصح قوله هذا !؟

الجواب : بعض السلف يقال له : أنت مؤمن !؟ فيقول : أنا مؤمن بالله ورسوله وملائكته وكتبه . فهذا لا بأس ، وإذا قال : أنا مؤمن إن شاء الله ، وقصد أن الاستثناء راجع إلى الأعمال فلا بأس .

السؤال : ما المراجع في معرفة عقيدة الإرجاء قديمًا وحديثًا - أثابكم الله - !؟

الجواب : عقيدة الإرجاء ذكرها العلماء وردوا عليها في كتب السنة ، ومنها كتابا : الإيمان الكبير والصغير ، ففيهما عقيدة الإرجاء والإفاضة فيها ، وكذلك كتب العقائد أفاضوا فيها وبينوها ، وكذلك - أيضًا - المرجئة في كتبهم ومؤلفاتهم الخاصة .

شرح الإيمان الأوسط 3

السؤال : هل مرجئة الفقهاء يقولون بعدم كفر تارك الصلاة بناء على مذهبهم !؟

الجواب : مرجئة الفقهاء يرون أن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان ؛ لأنهم يرون أن الكفر والإيمان لا يكونان إلا بالقلب ، وأما تسمية الصلاة كفرًا في قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ) . فتسمية مجازية عندهم .

وهناك بعض أهل السنة يرون أن ترك الصلاة ليس كفرًا مع عدم جحد وجوبها ، والقائلون بهذا القول ليسوا من المرجئة ، لكن الصواب الذي تدل عليه النصوص أن تارك الصلاة كافر ولو لم يجحد وجوبها ، وهو الذي أجمع عليه الصحابة كما نقله عنهم عبد الله بن شقيق العقيلي ، وابن حزم ، وإسحاق بن راهويه وغيرهم . لكن هناك طوائف من أهل السنة المتأخرين يرون أن تارك الصلاة يكون قد كفر كفرًا أصغر إذا لم يجحد وجوبها ، وهو مذهب المتأخرين من الشافعية والمالكية والأحناف والحنابلة .

والرواية الثانية عن الإمام أحمد التي عليها المحققون وهو وجه للشافعية ومن المالكية عبد الملك بن حبيب المالكي أن ترك الصلاة كفر أكبر .

والمقصود : أن المرجئة يرون أن تارك الصلاة إذا جحد وجوبها يكون كافرًا ، وإذا لم يجحد وجوبها فلا يكون كافرًا كفرًا أكبر ، وإنما يكون كافرًا كفرًا أصغر . إذًا : فالذين يقولون : إن ترك الصلاة ليس بكفر قسمان : القسم الأول : المرجئة . القسم الثاني : بعض أهل السنة .

السؤال : يقال : إن الإمام أبا حنيفة - رحمه الله - يرى أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص ، فما صحة ذلك !؟

الجواب : الإمام أبو حنيفة له روايتان :

الرواية الأولى : أن الإيمان هو تصديق القلب فقط ولا يزيد ولا ينقص .

الرواية الثانية التي عليها جماهير أصحابه : أن الإيمان شيئان : إقرار باللسان ، وتصديق بالقلب ، ولا يزيد ولا ينقص . وجميع المرجئة تقول به ، ومنهم مرجئة الفقهاء من الماتريدية والأشاعرة والكرامية والجهمية ؛ كلهم يقولون : إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص ، لا يقول بالزيادة والنقصان في الإيمان إلا جمهور أهل السنة .

السؤال : ما الفرق بين معرفة القلب وتصديقه ؟

الجواب : يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : إنه يعسر التفريق بين معرفة القلب والتصديق المجرد ، إذا كان التصديق مجردًا ليس معه عمل فلا فرق بينه وبين المعرفة ، أما إذا كان التصديق مقترنًا بالعمل فهناك فرق .

شرح الإيمان الأوسط 5

السؤال : ما الفرق بين من حقق الإيمان بفعل الطاعات وترك المعاصي ، وبين الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب لتحقيقهم التوحيد !؟

الجواب : الفرق بينهم أن المؤمن كامل الإيمان الذي أدى الواجب وترك المحرمات ، لكن الذي يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب قد زاد على هذا فحقق التوحيد وخلصه ونقاه وصفاه وترك الأمور المكروهة ، وفعل المندوب ، وترك الأمور التي هي خلاف الأولى ، كما في قصة الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب قال عنهم النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( هم الذين لا يسترقون ) . أي : لا يطلبون من يرقيهم .

والرقية هي القراءة على المريض ، وذلك جائز ، وقد يفعله كاملو الإيمان وليس فيه مانع ، وليس بمعصية ، لكن الذي حقق الإيمان فلا يطلب أحدًا يرقيه حتى لا يميل قلبه إليه ، وإنما يعتمد على الله ، فلا يطلب الكي أو التطبب مع أنه جائز وليس بحرام ، فالذي يسترقي لا نقول إنه ناقص الإيمان أو ضعيف الإيمان ، بل نقول : إنه ما حقق الإيمان ، وقد حققه الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ، وهم لا يسترقون ولا يتطيرون كأهل الشرك ، فهم تركوا الشرك والطيرة ، وتركوا الأمور المكروهة ، وتركوا الأمور التي هي خلاف الأولى كالاسترقاء .

وإن كان الذين يسترقون ويكتوون ليسوا فساقًا ولا ضعفاء الإيمان ، بل هم كاملو الإيمان ، لكن ما وصلوا إلى درجة من حقق التوحيد ودخل الجنة بلا حساب ولا عذاب .

شرح الإيمان الأوسط 10

السؤال : ما رأيكم فيمن يقول : إن خلافنا مع مرجئة الفقهاء خلاف حقيقي من وجوه عدة ، من جهة مخالفتهم للنصوص الصريحة ، وإجماع السلف على أن الأعمال من الإيمان ، ومن جهة حكمهم على أهل الكبائر وعدم تكفيرهم لبعض من تلبس بالكفر العملي ، ومن جهة ما يثمر عن ذلك من الولاء والبراء ، وأن الفاسق والفاجر والمؤمن في الإيمان سواء ، فالمحبة لهم سواء ، والراجح أنهم فتحوا بابًا للفسقة والفجرة أن يفعلوا ما شاءوا ، ويقولون : إن إيماننا كامل !؟

الجواب : نعم ، سبق أن خلافهم ليس خلافًا لفظيًا ، ولكنه خلاف له آثار تترتب عليه ، أما أهل السنة فقد تأدبوا مع النصوص فقالوا : إن العمل داخل في مسمى الإيمان ، ومرجئة الفقهاء خالفوا النصوص في اللفظ وإن وافقوها في المعنى .

ومنها فتح الباب للفسقة ، وفتح الباب للمرجئة .

أما حكم أهل الكبائر فمرجئة الفقهاء من أهل السنة يرون أن صاحب الكبيرة يستحق الوعيد ، ويقام عليه الحد في الدنيا ، إذا كانت الكبيرة عليها حد ، أما المرجئة المحضة الجهمية ، فهم الذين يرون أن صاحب الكبيرة ليس عليه شيء . وهم يرون أنه مؤمن كامل الإيمان ؛ لأن التفاضل بين الناس بالأعمال ليس التفاضل بينهم بالإيمان ، فالإيمان عندهم واحد وأهله في أصله سواء .

أما عدم تكفيرهم لبعض من تلبس بالكفر العملي ، فهم يفصلون في هذا ؛ لأنهم يرون أن الإيمان هو التصديق بالقلب ، والكفر إنما يكون بالجحود ، والجحود يكون بالقلب ، فهم يرون أن الأعمال الكفرية دليل على الجحود ، ودليل على ما في القلب ، والصواب أن الأعمال الكفرية هي كفر ، فمن سجد للصنم كفر على الصحيح ، ومن سب الله أو سب الرسول أو سب دين الإسلام فهذا كفر ، وليس هو دليل على الكفر ، فهم يقولون : إن هذا دليل على الكفر ودليل على ما في قلبه .

والصواب أن الكفر يكون بالجحود ، كأن يجحد فرضية الصلاة وفرضية الزكاة أو فرضية الحج ، أو ينكر البعث ، أو الجنة أو النار ، أو يجحد صفة وصف الله بها نفسه ، أو خبرًا أخبر الله به ، بعد قيام الحجة ، ويكون - أيضًا - بالقول كما لو سب الله ، أو سب الرسول أو سب دين الإسلام ، أو استهزأ بالله ، أو بكتابه ، أو برسوله ، أو بدينه ، كما قال الله تعالى في الذين استهزءوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وبالقراء من أصحابة في غزوة تبوك ، فأنزل الله فيهم هذه الآية : ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) . [ التوبة : 65 – 66 ] .

فأثبت لهم الكفر بعد الإيمان ، ويكون الكفر في العمل - أيضًا - ، كما لو سجد للصنم ، فالسجود للصنم كفر عمل ، ويكون الكفر - أيضًا - بالإعراض عن دين الله ، لا يتعلمه ولا يعبد الله .

فالكفر يكون بالقلب ، ويكون باللسان ، ويكون بالعمل ، ويكون بالرفض والترك والإعراض عن دين الله ، أما المرجئة فإنهم يرون أن الكفر لا يكون إلا بالقلب ، وأن السجود للصنم أو السب إنما هو دليل على ما في القلب ، والصواب أنه كفر مستقل بنفسه ، فالسجود للصنم كفر بنفسه ، والسب والاستهزاء لله ولكتابه ولرسول دينه كفر بنفسه ، وكذلك - أيضًا - الإعراض عن دين الله ، فمن لا يتعلم الدين ولا يعبد الله كفر ، قال تعالى : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ ) . [ الأحقاف : 3 ] ، ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ ) . [ السجدة : 22 ] .

كذلك يرى مرجئة الفقهاء أن الناس قسمان : ولي لله ، وعدو لله ، فالمؤمن سواء كان عاصيًا أو مطيعًا فهو ولي لله ، والكافر عدو لله ، وأما جمهور أهل السنة فيرون الناس ثلاثة أقسام : ولي لله كامل الولاية وهو المؤمن التقي ، الذي أدى الواجبات ، وانتهى عن المحرمات ، وعدو شر العداوة وهو الكافر ، وهناك قسم ثالث ، ولي لله من وجه وعدو لله من وجه ، وهو المؤمن العاصي ، فهو ولي لله في إيمانه وطاعته ، وعدو لله في معصيته وفسقه ، فيوالى من وجه ، ويعادى من وجه ، ويحب من وجه ، ويبغض من وجه .

أما مرجئة الفقهاء فهم فتحوا بابًا للفسقة أن يقولوا : نفعل ما نشاء ، وإيماننا كامل لا يتأثر ، فهم يرون أن المفاضلة بين الناس في أعمال البر وأن الإيمان ليس فيه تفاضل .

السؤال : رجل ترك جميع الأعمال ؛ فهل هذا مسلم ، وبعضهم يحتج على إسلامه بحديث : ( يخرج من النار من لم يعمل خيرًا قط ) !؟

الجواب : لا يتحقق الإيمان إلا بالعمل ، فالإنسان لابد له من التصديق ، وهذا التصديق والإيمان لابد له من عمل يتحقق به ، وإلا صار كإيمان إبليس وفرعون ، إبليس مصدق ، وفرعون مصدق ، ليس عندهما انقياد بالعمل ، إبليس لما أمره الله بالسجود لآدم رفض وعارض أمر الله ، وقال : أنا خير منه ، أنا أفضل منه ، ولا يمكن أن يسجد الفاضل للمفضول : ( أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) . [ الأعراف : 12 ] .

وفرعون - كذلك - رفض أمر الله وأمر رسوله ، ولم يؤمن بنبيه ، فمن يدعي الإيمان والتصديق ويرفض العمل فيكون كفره بالاستكبار ، ولابد لهذا الإيمان والتصديق الذي في القلب من عمل يتحقق به ، أما إذا رفض العمل فقد استكبر عن عبادة الله ، ويكون كفره بالاستكبار والعياذ بالله ، ويقال له : أي فرق بين إيمانك وإيمان إبليس وفرعون !؟

كما أن الذي يعمل ، يصلي ويصوم ويتصدق ويحج ، لابد لهذا العمل من إيمان يصححه ، وإلا صار كإسلام المنافقين ، فالمنافقون كانوا يصلون ويجاهدون مع النبي - صلى الله عليه وسلم - لكن أعمالهم ليس لها إيمان يصححها ، قال الله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ) . [ البقرة : 8 ] . وقال : ( إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ) . [ المنافقون : 1 ] .

فلابد للإيمان بالتصديق في القلب من عمل يتحقق به ، وانقياد لأمر الله وأمر رسوله ، وإلا صار كإيمان إبليس وفرعون ، ولابد للعمل من صلاة وصيام وزكاة وحج ، لابد من إيمان يصححها ، وإلا صار كإسلام المنافقين .

السؤال : في الحديث : ( الحياء شعبة من الإيمان ) . فلو أن رجلاً كان تاركًا لجميع الأعمال تركًا كليًا ولكن عنده حياء ، فهل هذا معناه أنه يسمى مؤمنًا !؟

الجواب : الذي يترك الأعمال ليس عنده حياء ، وكونه يدعي الحياء كذب ، فالذي يستحي من الله ورسوله هو المؤمن المصدق الذي يعمل ، فيمتثل أمر الله وليس منافقًا ، أما من كان يرفض أمر الله وأمر رسوله فليس عنده حياء ، وفي الحديث الصحيح : ( إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت ) معنى هذا ليس عنده حياء .

السؤال : ذكرتم أن جمهور أهل السنة يقولون : إن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان ، فلماذا لم تقولوا : إن هذا قول كل أهل السنة !؟

الجواب : لأن الإمام أبا حنيفة وأصحابه ، والعباد من أهل الكوفة ، يسمون مرجئة الفقهاء وهم من أهل السنة .

السؤال : هل هناك فرق بين الإثبات أو النفي لمطلق الإيمان ، وبين الإثبات أو النفي للإيمان المطلق !؟ وإن كان هناك فرق فما أثره !؟

الجواب : مذهب أهل السنة والجماعة عدم إطلاق الإيمان نفيًا أو إثباتًا للعاصي والفاسق ومرتكب الكبيرة ، بل لابد من التقييد في النفي وفي الإثبات ، فلا يقال عن الفاسق والعاصي ومرتكب الكبيرة : مؤمن بإطلاق ، ولا يقال : ليس بمؤمن بإطلاق ، لابد من التقييد في النفي ، ولابد من التقييد في الإثبات .

ففي الإثبات تقول : مؤمن ناقص الإيمان أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته ؛ لأنك إذا قلت : ( مؤمن ) وسكت ، وافقت المرجئة ، والمرجئة يقولون عن العاصي : إنه مؤمن ، وفي الإثبات لابد أن تقيد ، وفي النفي لابد أن تقيد ، فتقول : ليس بصادق الإيمان ، ليس بمؤمن حقًا ؛ لأنك إذا قلت : ( ليس بمؤمن ) وسكت ، وافقت الخوارج والمعتزلة ، وفي الحديث : ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربه وهو مؤمن ، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن ) ، هذا نفي الإيمان الكامل ، لكن الزاني والسارق عنده أصل الإيمان ، والشارب والمنتهب عنده أصل الإيمان ، والنصوص في هذا كثيرة : ( لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه ) ، ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه ) ، هذا من ينافي كمال الإيمان .

السؤال : ما الفرق بين كتاب الإيمان لأبي عبيد القاسم بن سلام وكتاب الإيمان لابن أبي شيبة !؟ ثم هل لشيخ الإسلام ابن تيمية قول حول رأي فقهاء الأحناف !؟

الجواب : كتاب الإيمان لابن أبي شيبة نصوص وآثار ، فهو أوسع في التفصيل .
وأما شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - فقد نقل نقولاً عن العلماء بأن مرجئة الفقهاء وإن كان خلافهم لفظيًا في كون مرتكب الكبيرة لا ينفى عنه الإيمان وأن مرتكب الكبيرة عليه الوعيد ، نقل نقولاً عن بعض العلماء بأنهم أشد من فتنة الأزارقة الخوارج ، نظرًا لما يترتب عليه معتقدهم من الآثار التي سبق الكلام عليها .

السؤال : ما الفرق بين قول القلب وعمله ، وقول اللسان وعمله !؟

الجواب : قول القلب التصديق والإقرار ، وعمل القلب النية والإخلاص ، والصدق والمحبة ، وقول اللسان النطق ، وقد يسمى قول اللسان عملاً .

السؤال : هل هناك فرق بين هاتين الكلمتين : يكمل ويستقيم يعني الإيمان !؟

الجواب : قد يقال : يستقيم الإنسان على طاعة الله ، هنا يقول : يكمل إيمانه ، من كمل إيمانه صار مستقيمًا ، يعني : كأن الاستقامة نتيجة لكمال الإيمان ، من كمل إيمانه استقام على طاعة الله ، واستقام دينه ، ومن استقام دينه فقد كمل إيمانه ، يعني : قد يقال : إن إحداهما نتيجة للأخرى .

شرح كتاب الإيمان لأبي عبيد 2

السؤال : لا شك في أن الإيمان عند أهل السنة قول وعمل واعتقاد يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي ، فما الدليل من الكتاب والسنة على هذا التقسيم !؟

الجواب : الأدلة في ذلك كثيرة ، منها قوله تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ . الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ . أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ) . [ الأنفال : 2 - 4 ] .

فجعل هذه الأمور كلها من الإيمان ، وبعضها من أعمال القلوب ، وبعضها من أعمال الجوارح ، ومنها قوله تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) . [ الحجرات : 15 ] ، وفي الحديث : ( الإيمان بضع وسبعون شعبة ، فأعلاها قول : لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ) . وفي حديث وفد عبد القيس : ( آمركم بالإيمان بالله ، أتدرون ما الإيمان بالله ؟ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وأن تؤدوا خمس ما غنمتم ) . فكل هذه الأدلة تدل على أن أعمال القلوب ، وأعمال الجوارح ، وأقوال الألسنة كلها داخلة في مسمى الإيمان .

السؤال : هل صحيح أن السلف كان ذمهم في أكثر مصنفاتهم منصبًا على مرجئة الفقهاء ، وأما المرجئة الخلص فكانوا يصرحون بوصفهم بالجهمية ، ولهذا كان تقرير أن الأعمال تدخل في مسمى الإيمان في مصنفاتهم أكثر من تقرير الرد على من يقول : إن الإيمان هو المعرفة !؟

الجواب : لاشك في أن السلف صنفوا في هذا وفي هذا ، ومن ذلك رسالة الإمام أبي عبيد في بيان مذهب الجهمية ، لكن لفظ المرجئة إذا أطلق ينصرف في الغالب إلى المرجئة المحضة ، ولهذا فإن مرجئة الفقهاء أنفسهم يسمون الجهمية مرجئة ، ولا يسمون أنفسهم مرجئة .

والمقصود أن السلف ردوا على هؤلاء وهؤلاء ، ولاشك في أن مذهب الجهمية مذهب خبيث وخطير ، ولهذا بين العلماء مذهب الجهمية ، والجهم يتزعم عقائد فاسدة ، فالجهم بن صفوان اشتهر بأربع عقائد : عقيدة نفي الصفات ، وعقيدة الإرجاء ، وهو القول بأن الأعمال ليست من الإيمان وليست مطلوبة ، وعقيدة الجبر ، وهو اعتقاد أن الإنسان مجبور على أفعاله ، وعقيدة اعتقاد فناء الجنة والنار ، فهذه أربع عقائد اشتهر بها الجهم لخبثه ، والعلماء والأئمة صنفوا في مذهب الجهم وبيان بطلان هذه العقائد الخبيثة ، ومنها الإرجاء ، فبينوا هذا وحكموا على الجهم بالكفر ، وشنعوا على الجهمية .

السؤال : ما معنى قول شيخ الإسلام : من كان عقده الإيمان ولا يعمل بأحكام الإيمان فهو كافر كفرًا لا يثبت معه توحيد !؟

الجواب : عقده الإيمان يعني اعتقاده ، فهو يعتقد الإيمان ، ولا يعمل بأحكام الإسلام ، أي : لا يؤدي الواجبات ولا ينتهي عن المحرمات ، فمن قال : أنا مصدق ولكنه يرفض العمل فهو كافر ، ولا يفيده الإيمان ؛ لأنه مستكبر عن عبادة الله ، كما أن إبليس كان كفره بالإباء والاستكبار ، كما قال تعالى : ( إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ) . [ البقرة : 34 ] .

وفرعون كان كفره بالإباء والاستكبار ، واليهود كفرهم بالإباء والاستكبار ، وأبو طالب عم النبي - صلى الله عليه وسلم - كان كفره بالإباء والاستكبار ، وهو القائل : ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينًا لكن حملته العصبية ومنعته من أن يشهد على قومه وعلى آبائه وأجداده بالكفر ، فكان يستكبر عن عبادة الله واتباع رسوله .

فالمقصود أن معنى ذلك : أن من ادعى أنه مؤمن بقلبه ولكنه استكبر وأبى الالتزام بشرع الله ولم يعمل الواجبات وينتهي عن المحرمات ؛ فإن كفره يكون بالإباء والاستكبار ؛ لأن هذا الإيمان الذي في قلبه أو الذي اعتقده لابد له من عمل يتحقق به ، فإذا رفض العمل فإنه يكون مستكبرًا ، وتكون دعواه الإيمان دعوى باللسان لا تفيده .

وذلك أنه لا يمكن أن يكون الإيمان تامًا في القلب بدون أن يعمل الإنسان ، فهذا ليس بصحيح ، فإذا كان الإيمان تامًا فلابد من أن يعمل ، فليس هناك من يؤمن بالله ورسوله ، ويعتقد أن الجنة حق وأن النار حق ، ويصدق بالبعث والوقوف بين يدي الله ، ويصدق بأن الصلاة فيها فضل عظيم وأجر كبير ، وأنها تكفر الذنوب ثم يبقى طول عمره لا يصلي ، ويقول : أنا مصدق لكن لن أصلي ، وأعلم أن الصلاة جاء الوعيد الشديد على تركها ولكن لن أصلي .

فهذا لا يكون مؤمنًا أبدًا ، ولو كان في قلبه إيمان صادق لبعثه على العمل ، فكيف يترك الصلاة طول عمره وهو يعلم ما أعد الله للمصلي من الثواب ، ويعلم ما أعد الله على ترك الصلاة من العقاب ، ويعلم الفضل والأجر الكبير الذي رتب على أداء الصلاة ، والفضل العظيم الذي رتب على أجر الوضوء .

وسواء قال : إن الأعمال الظاهرة من لوازم الإيمان ، أو جزء من الإيمان فالمقصود أنه لابد من العمل .

السؤال : خرج بعض المعاصرين بأقوال جديدة في الإيمان ، وقال : إن العمل شرط كمال في الإيمان وليس شرط صحة ، فما صحة ذلك !؟

الجواب : لا أعلم لهذا القول أصلاً ، وذلك أن جمهور أهل السنة يقولون : الإيمان قول باللسان ، وتصديق بالقلب ، وعمل بالقلب ، وعمل بالجوارح ، والإيمان عمل ونية يزيد بالطاعة وينقص بالمعاصي ، فالعمل جزء من الإيمان ، والإيمان مكون من هذه الأشياء ، من تصديق القلب وقول اللسان وعمل الجوارح وعمل القلب ، فكل هذه أجزاء الإيمان ، فلابد من أن يقر المرء باللسان ويصدق بالقلب ويعمل بقلبه ويعمل بجوارحه .

والمرجئة يقولون : الأعمال ليست من الإيمان ، ولكنها دليل على الإيمان ، أو هي من مقتضى الإيمان أو هي ثمرة الإيمان .

أما القول بأن العمل شرط كمال أو شرط صحة فلا أعلم له أصلاً من قول المرجئة ولا من قول أهل السنة ، فليس العمل شرط كمال ولا شرط صحة ، وإنما هو جزء من الإيمان ، والقول بأنه شرط كمال أو صحة لا يوافق مذهب المرجئة ، ولا مذهب جمهور أهل السنة ، بل قد يقال : إنه يوافق مذهب المرجئة من جهة أنهم أخرجوا الأعمال عن مسمى الإيمان في الجملة ، فهو أقرب ما يكون إلى مذهب المرجئة ، فالذي يقول : إن العمل شرط كمال أو شرط صحة نقول له : هذا مذهب المرجئة التي أخرجت الأعمال عن مسمى الإيمان ، فإما أن تقول : العمل داخل في مسمى الإيمان أو جزء من الإيمان ، وإما أن تقول : العمل ليس من الإيمان ، فإن قلت : العمل ليس من الإيمان فأنت من المرجئة ، سواء أقلت : شرط كمال ، أم قلت : شرط صحة ، أم قلت : هو دليل على الإيمان ، أم قلت : هو مقتضى الإيمان ، أم قلت : هو ثمرة الإيمان ، فكل من أخرج العمل من الإيمان فهو من المرجئة ، ولكني لا أعلم أن المرجئة جعلوا الأعمال شرط كمال للإيمان .

السؤال : كيف نوفق بين حديث البطاقة مع قول أهل السنة بأن العمل من الإيمان !؟

الجواب : لا منافاة بينها ، فحديث البطاقة ليس فيه أنه أخرج الأعمال من الإيمان ، لكن الذي فيه أنه يؤتى برجل يوم القيامة ويوقف بين يدي الله ، ويخرج له تسعة وتسعون سجلاً كل سجل مد البصر ، وكلها سيئات ، فيقر بكل ما فيها ، فيقال له : هل لك من حسنة ؟ فيقول : لا . فلا يذكر شيئًا ، فيقول الله له : بلى إنك لا تظلم ، إن لك عندنا حسنة . فتخرج له بطاقة فيهما شهادة أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدًا رسول الله ، فتوضع البطاقة في كفة والسجلات في كفة فتطيش السجلات وتثقل البطاقة ، فيغفر الله له .

قال العلماء : إن كل مؤمن له مثل هذه الشهادة ، ومع ذلك فإن بعض المؤمنين يعذب في النار ، وهذا لم يعذب ، قال العلماء : إن هذا الشخص قال هذه الكلمة عن صدق وإخلاص وتوبة نصوح فأحرقت جميع السيئات وقضت عليها ، فيكون قد قالها عند الموت ، أو قالها عن توبة فأحرقت هذه السيئات وقضت عليها .

السؤال : ما الفرق بين مطلق الإيمان والإيمان المطلق !؟

الجواب : مطلق الإيمان يراد به أصل الإيمان ، والإيمان المطلق كمال الإيمان ، فالعاصي يثبت له مطلق الإيمان ، ولا يثبت له الإيمان المطلق ، بل يقال : هو مؤمن ناقص الإيمان .

السؤال : يتكلم العلماء عن الإعراض عن دين الله ، فهل هو مختلف عن ترك العمل أم هو نفسه !؟

الجواب : الإعراض عن دين الله هو أن يعرض عن دين الله فلا يتعلمه ولا يعبد الله ، فهو كافر ، كما قال تعالى : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ ) . [ الأحقاف : 3 ] .

السؤال : قد يقال : في العهد المكي كان الصحابة يتعلمون القرآن ، ومنهم من هاجر إلى الحبشة ، وهذه الأعمال من الإيمان ، وعليه فإنه لا يسلم للمصنف أن الإيمان في مكة كان مجرد الإقرار ، فهل لهذا القول حظ من النظر !؟

الجواب : حتى لو هاجروا إلى الحبشة ، لم يكن في العهد المكي صلاة ولا زكاة ولا صيام ولا حج ولا حدود ولا غيرها ، والشرائع ما شرعت إلا في المدينة ، إلا الصلاة فإنها فرضت قبل الهجرة بسنة أو سنتين أو ثلاث .

فمقصود المؤلف : أن الواجب علينا أولاً التوحيد ، ففي مكة أوجب الله التوحيد ، أما الشرائع فلم تفرض إلا في المدينة بعد الهجرة .

السؤال : هل من سب الله والرسول - صلى الله عليه وسلم - مرتد عند مرجئة الفقهاء !؟

الجواب : المرجئة يرون أن الكفر لا يكون إلا بالجحود ، ويقولون : الجحود دليل على الكفر ، أما جمهور أهل السنة وأهل الحق فإنهم يرون أن نفس السب كفر ، ونفس الاستهزاء كفر ، أما أولئك فيقولون : ليس ذلك كفرًا ، لكنه دليل على الكفر ودليل على ما في قلب المرء ، ولو سجد للصنم فإنهم يقولون : السجود ليس بكفر ، لكنه دليل على ما في قلبه وعلى أنه جحد حق الله فكان كافرًا ، ولذلك سب الله ، فهو دليل على ما في قلبه من الجحود .

وأما أهل السنة فيقولون : نفس السجود للصنم كفر مستقل ، ونفس الاستهزاء كفر مستقل ؛ لأن الكفر يكون بالقلب ، ويكون باللسان ، ويكون بالجوارح ، ويكون بالاستكبار والرفض والإعراض عن دين الله .

شرح الإيمان لأبي عبيد 4

السؤال : أرجو بيان معنى قول شيخ الإسلام - رحمه الله - : هناك قولان متطرفان : قول من يقول : الإسلام مجرد كلمة والأعمال الظاهرة ليست داخلة في مسمى الإيمان ، وقول من يقول : مسمى الإسلام والإيمان واحد !؟

الجواب : بعض الناس يقول : الإسلام مجرد الكلمة ، يعني النطق بالشهادتين ، وهذا مروي عن الزهري ، وهو أنه قال : الإسلام هو الكلمة والإيمان العمل ، وليس مقصوده أنه لا يجب إلا الشهادتان .

والقول الثاني : أن الإسلام والإيمان مترادفان ، وهذا مروي عن بعض أهل السنة ، وهو مذهب الخوارج والمعتزلة ، ومذهب الإمام البخاري في " صحيحه " .

والقول الثالث : قول جمهور أهل السنة ، وهو الصواب ، وهو أن الإسلام والإيمان إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا ، فإذا أطلق الإسلام وحده دخل فيه الإيمان وإذا أطلق الإيمان وحده دخل فيه الإسلام ، وإذا اجتمعا فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة والإيمان بالأعمال الباطنة ، كما في حديث جبريل لما سأل عن الإسلام ففسره بأركان الإسلام الخمسة ، ولما سأله عن الإيمان فسره بأركان الإيمان الباطنة الستة ، وهذا هو الراجح من الأقوال .


السؤال : لا يخفى عليكم ما ابتلي به أهل هذا العصر من تصدر كثير ممن لم ترسخ قدمه في العلم وخوضهم في مسائل الإيمان ، وكثير منهم لا يعرف بالدارسة في العقيدة وتلقيها من العلماء الذين عرفوا بذلك ، حتى إن بعضهم أخذ يجمع بين المتناقضات ، فتجده يقول : إن الإيمان قول وعمل واعتقاد ، ثم يقول : لا كفر إلا كفر التكذيب والجحود ، وبعضهم يستحوذ على المبتدئين من طلاب العلم بعبارة لابن نصر المروزي قالها في رده على الخوارج والمعتزلة المكفرين لأهل الكبائر .

حيث قال : إن الإيمان أصل وهو الاعتقاد والقول ، وفرع وهو العمل ، وتارك الأصل يكفر ، أما تارك الفرع لا يكفر !؟

الجواب : هذه طريقة أهل الزيغ وأهل الانحراف - نسأل الله السلامة والعافية - ، حيث يشبهون ويأخذون بعض النصوص ويتركون البعض الآخر ، ويتأولونها على غير تأويلها حتى تنطلي شبههم على العوام وعلى الجهال وعلى المبتدئين فيظنون أنهم على الحق وهم مبطلون ، وهذه سلسلة معروفة من أهل الزيغ والضلال ، نسأل الله السلامة والعافية .

ولا شك في أن هذا تناقض ، فهو يقول : الإيمان قول وعمل واعتقاد ، ثم يقول : إن المطلوب أصل الإيمان ، والتناقض والاضطراب في أقوالهم واضح ؛ لأنهم أهل زيغ لم يقصدوا الحق ، نسأل الله السلامة والعافية .

أما من قصد الحق فإنه يعمل بالنصوص ويضم بعضها إلى بعض ولا يحرف ولا يؤول تأويلاً باطلاً . وكلام ابن نصر لا إشكال فيه ، فهو واضح موافق لأهل السنة والجماعة .

وأصل الدين وأساس الملة هو الإيمان بالله ورسوله ، والشهادة لله تعالى بالوحدانية ولنبيه بالرسالة ، ولابد لتحقيق الإيمان من عمل ، وإلا صار كإيمان إبليس وفرعون ، فمن ادعى أنه مؤمن وأنه موحد فلابد لهذه الدعوى من دليل يثبتها ، وهو العمل ، وأما مجرد النطق باللسان ففاعله لا فرق بينه وبين إيمان إبليس وفرعون .

السؤال : ما حكم من يقول : دعوى أن الإيمان يستلزم العمل دعوى لا أصل لها ، وهل هذا هو قول المرجئة أم لا !؟

الجواب : نعم هذا هو قول المرجئة ، فهم يقولون : إن الأعمال ثمرة الإيمان ومقتضى الإيمان ومن لوازم الإيمان ، وأما أهل السنة والجماعة فيقولون : العمل جزء من الإيمان ، لا ثمرة له ؛ لأن الثمرة خارجة عن الشيء ، وكذلك اللازم غير الملزوم ، والثمرة غير الشيء ، وكذلك من قال : إنه شرط كمال ، أو شرط صحة ، إذ الشرط غير المشروط وخارج عنه .

فمن قال : إن الأعمال شرط كمال ، أو شرط صحة ، أو ثمرة الإيمان ، أو مقتضى الإيمان ، أو لازم الإيمان ؛ فقوله مثل قول المرجئة ؛ لأن اللازم غير الملزوم ، والثمرة غير الشيء ، والشرط غير المشروط ، والمقتضى غير المقتضي .

السؤال : إذا نطق رجل بالشهادتين ولم يعمل أي عمل ؛ فهل هو مسلم أم كافر !؟

الجواب : هذا فيه تفصيل ، فإذا نطق بالشهادتين ثم توفي والله يعلم من قلبه أنه ملتزم فهذا يكفيه ، وهذا هو الواجب عليه عند الله ؛ لأنه لم يتمكن من العمل ، فقد مات قبل أن يأتي وقت الصلاة .

وأما من نطق بالشهادتين ثم رفض العمل - كأن جاء وقت الصلاة وتركها - فالصواب أنه يكفر إذا تركها حتى خرج الوقت متعمدًا وليس له عذر .

وإن نطق بالشهادتين ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله ، ثم دخل وقت الصلاة فقيل له : صل ، فقال : الصلاة غير واجبة فقد كفر بجحوده ونقض توحيده ، وإن قال إنها واجبة ، ولكن لن أصلي ، وترك حتى خرج الوقت وليس له عذر فالصواب أنه يكفر كفرًا أكبر ، وقال بعض المتأخرين من الفقهاء : إنه يكفر كفرًا أصغر ، والصواب الذي تدل عليه النصوص أنه يكفر كفرًا أكبر ؛ لما ثبت في " صحيح البخاري " من حديث بريدة بن الحصيب أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال : ( من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله ) ، والذي يحبط عمله هو الكافر .

السؤال : أرجو التوضيح الدقيق بين الأعمال عند أهل السنة والأعمال عند الخوارج !؟

الجواب : الخوارج يرون أن الأعمال كلها داخلة في مسمى الإيمان ، لكن يقولون : إذا ترك واجبًا أو فعل كبيرة ذهب الإيمان كله ؛ لأن الإيمان لا يتجزأ ، فهم يقولون : الإيمان يشمل الأعمال كلها كما يقول أهل السنة من أن الإيمان قول وتصديق وعمل ، ولكن إذا ترك واجبًا أو فعل كبيرة ذهب الإيمان كله ، وأما أهل السنة فإنهم يقولون : الإيمان هو التصديق والأعمال ، وإذا ترك واجبًا أو فعل كبيرة فلا يكفر ، ولا يذهب الإيمان ، بل يضعف الإيمان وينقص .

السؤال : هل معنى قول المؤلف : ( وأقر بما جاء من عند الله لزمه اسم الإيمان بالدخول فيه لا بالاستكمال عند الله ) . هل معناه : أن الشخص إذا أقر بهذا الدين كله لكنه ترك بعض الأعمال يبقى مؤمنًا !؟

الجواب : إذا أقر والتزم بذلك فقد لزمه الدخول في كل الإيمان ، ولكنه لا يستكمل الإيمان حتى يؤدي الواجبات وينتهي عن المحرمات ، هذا هو المراد ، فالمراد أنه يطلق عليه اسم الإيمان ، ولكن لا يطلق عليه الإيمان الكامل حتى يؤدي الواجبات وينتهي عن المحرمات ، فإن أدى الواجبات وانتهى عن المحرمات فهذا هو المؤمن الكامل الإيمان ، وإن قصر في بعض الواجبات وارتكب بعض المحرمات فهذا يطلق عليه أنه ناقص الإيمان ، وإن فعل من أمور الردة شيئًا يصير به مرتدًا أو كافرًا انتقض إيمانه ، نعوذ بالله ، كما لو سب الله ، أو سب الرسول ، أو سجد للصنم ، أو دعا غير الله ، أو ذبح لغير الله ، أو نذر لغير الله ، نسأل الله السلامة والعافية .

السؤال : كل الأدلة التي سمعناها من الكتاب والسنة تدل على زيادة الإيمان ، فما هي الأدلة على نقصانه !؟

الجواب : كل شيء يزيد فهو ينقص ، وليس هناك شيء يزيد إلا وهو ينقص ، وإذا كان الإيمان يزيد بالطاعة فإنه ينقص بالمعصية ، وهذا معروف .

السؤال : إن الأعمال من الإيمان ، وتدخل في مسمى الإيمان ، ولكن بعض الأعمال شرط في صحة الإيمان ، كالصلاة مثلاً ، أو أعمال القلوب كالاعتقادات ، وبعض الأعمال شرط في كمال الإيمان ، كالزكاة وبر الوالدين .

فهل نقول : إذا تركها قل إيمانه ، وإذا استكملها كمل إيمانه !؟

الجواب : نعم ، وهذا واضح ، فمثلاً : لو شهد أن لا إله إلا الله ولم يشهد أن محمدًا رسول الله لم يصح إيمانه ، ولو شهد أن محمدًا رسول الله ولم يشهد أن لا إله إلا الله لم يصح إيمانه ، وكذلك من صلى بغير وضوء لا تصح صلاته ؛ لأن الوضوء شرط في صحة الصلاة ، والشهادة لله تعالى بالوحدانية لا تصح إلا بالشهادة لنبيه بالرسالة ، والشهادة للنبي - صلى الله عليه وسلم - بالرسالة لا تصح إلا بالشهادة لله بالوحدانية ، وكذلك الصلاة ، فالصواب : أنها شرط في صحة الإيمان ، لا يصح الإيمان إلا بها ، وأما الواجبات الأخرى التي ليست شرطًا فإنه يضعف الإيمان بتركها وينقص .

السؤال : من المعلوم : أن الإسلام والإيمان إذا لم يذكرا جميعًا دخل كل واحد منهما في الآخر ، ودل أحدهما على الآخر ، فإذا اجتمعا فهل تكون الأعمال من مسمى الإيمان !؟

الجواب : تكون الأعمال من مسمى الإيمان .

شرح الإيمان لأبي عبيد 6

السؤال : يعتبر العلامة المحدث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله - ممن جدد علم الحديث ونشر السنة ، وكان شوكة في حلوق أهل البدع ، ولكنه - رحمه الله - أخطأ وغلط في مسألة الإيمان ، حيث وافق المرجئة حينما قال : إن العمل شرط كمال وليس ركنه جزءً من أجزاء الإيمان .

فهل من قال هذا الكلام صحيح !؟ وهل يتابع الشيخ ، ويقال : إنه حجتي عند الله ؛ فإن طلاب الشيخ إذا ناقشناهم قالوا هذا الكلام ، وزعموا : أن الشيخ أعرف بمذهب السلف !؟

الجواب : الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله - محدث ، وله اليد الطولى في الحديث ، فقد خدم السنة خدمة عظيمة ، نسأل الله أن يغفر له ويرحمه .

لكنه ليس بمعصوم ، فإذا كان قال : إن العمل خارج من مسمى الإيمان ؛ فقد وافق أبا حنيفة وأصحابه ، وأبو حنيفة إمام من الأئمة ، وسبق : أن الخلاف بينه وبين أهل السنة خلاف لفظي لا يترتب عليه فساد في العقيدة ، إنما الخلاف الذي يترتب عليه فساد في العقيدة خلاف الجهمية المرجئة المحضة .

أما مرجئة الفقهاء فإنهم من أهل السنة وإن كانوا خالفوا في هذه المسألة ، وهم من أهل العلم والدين كما قال المؤلف أبو عبيد - رحمه الله - ، ولكنهم غلطوا وأخطأوا في أمر يكون فيه اشتباه ، لكن المصيبة في مذهب الجهمية .
فالمقصود : أن الشيخ الألباني ومن هو أكبر منه غلط في هذا ، ومن غلط يترحم عليه ويدعى له بالمغفرة ، ولا يتبع في الغلط ، وكل إمام من الإئمة يقول : إذا صح الحديث فهو مذهبي . ويقول : إذا قلت قولاً يخالف قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخذوا بقول رسول الله واضربوا بقولي عرض الحائط ، قال هذا أبو حنيفة والشافعي وأحمد ومالك ، وكلهم يغلطون وكلهم يخطئون ، وليس هناك أحد لا يخطئ .

فإذا غلط العالم أو الكبير ؛ فإنه يترحم عليه ويدعى له ويلتمس له العذر ، والخطأ مردود عليه ولا يتبع فيه ، وإنما يتبع القول الصواب والقول الصحيح الذي دل عليه كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، والحق أحق أن يتبع .

ويجب على طلابه - إذا كان الشيخ قد قال هذا الكلام - ألا يتبعوه في هذا ، وأن يقبلوا الحق ، والسلف والأئمة العلماء كانوا يرجعون عن الخطأ ، فهذا عمر بن الخطاب الخليفة الراشد - رضي الله عنه - جاءه الإخوة الأشقاء في مسألة المشتركة ، وهي : زوج وأم وإخوة لأم وإخوة أشقاء ، فقسم الميراث على ما في كتاب الله ، وأعطى الزوج النصف والأم السدس ، والباقي للإخوة للأم ، ولم يعط الإخوة الأشقاء شيئًا ، ثم حدثت هذه المسألة بعد مدة نحو سنتين ، فجاءوا فأشرك الإخوة الأشقاء مع الإخوة لأم ، فقالوا له : يا أمير المؤمنين ! إنك قضيت فيما مضى ولم تشرك الإخوة ، فقال : تلك على ما قضينا وهذه على ما نقضي . أي : تبين له الحق فرجع إليه .

والإمام أحمد - رحمه الله - قد يكون له في المسألة سبع روايات ، حيث يتبين له الحق فيقول بهذا القول ، والإمام الشافعي له قولان : قول جديد وقول قديم ، قول قديم في العراق ، والقول الجديد في مصر ، وما زال العلماء يرجعون عن الخطأ وعن القول الذي يتبين لهم أنه خطأ في الفروع وفي الأصول .

وليس هناك أحد معصوم إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فهو معصوم فيما يبلغ عن الله ، ومعصوم من الشرك ومن الكبائر ، أما غيره فليس هناك أحد معصوم ، لا الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ولا من هو أكبر منه .

وكان الصحابة يرد بعضهم على بعض ، وقد يغلطون في بعض المسائل ، فهذه فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيدة نساء أهل الجنة غلطت ، وذلك حين جاءت إلى أبي بكر بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - وقالت : أعطني ميراثي من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال لها : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( نحن - معاشر الأنبياء - لا نورث ، ما تركناه صدقة ) ، وروى هذا الحديث عدد من الصحابة ، ولكنها لم تقنع - رضي الله عنها - ، وولت وهجرت أبا بكر حتى توفيت بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - بستة أشهر ، فهي غلطت ، والصواب مع أبي بكر ، وليست معصومة وهي سيدة نساء أهل الجنة .

وعائشة - رضي الله عنها - لما حصل الخلاف بين علي - رضي الله عنه - والخلاف بينه وبين معاوية جاءت ومعها طلحة والزبير تطالب بدم عثمان ، وخطب عمار بن ياسر الناس وقال : ( إنها أم المؤمنين أمكم ، وهي زوجة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا والآخرة ، وإن الله ابتلاكم بها ) ، فهي غلطت وأخطأت ، والحق مع علي - رضي الله عنه - ، فليس هناك أحد لا يغلط ولا يخطئ ، فإذا غلط الشيخ ناصر الدين الألباني في هذه المسألة ، أو غلط من هو أكبر منه فالحجة في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وما أجمع عليه الصحابة والتابعون والأئمة .

السؤال : ما معنى قول شيخ الإسلام : فإن المرجئة لا تنازع في أن الإيمان الذي في القلب يدعو إلى فعل الطاعة ويقتضي ذلك ، والطاعة من ثمراته ونتائجه ، لكنها تنازع هل يستلزم الطاعة !؟

الجواب : يعني أن المرجئة لا ينازعون في أن التصديق الذي في القلب يقتضي العمل ويدعو إلى العمل ، لكنهم ينازعون في كون العمل جزءً من الإيمان .

السؤال : من قال : إن الألباني يخرج العمل عن مسمى الإيمان فقد افترى على الشيخ ؛ لأنه ذكر في كتابه : " الذب عن مسند الإمام أحمد " أنه يبرأ إلى الله من كل من ينسب إليه هذا القول ، وقال : إنه قال بخلافه ، أي أن العمل من مسمى الإيمان ، فما قولكم في هذا !؟

الجواب : نحن لا نقول : إنه قال بهذا أو ما قال بهذا ، فإذا ثبت أنه قال : إن العمل ليس من الإيمان فقد غلط ، وإن ثبت أنه قال : إن العمل من الإيمان فقد أصاب ، ولا يهمنا الشخص ، بل يهمنا الحق ، فندور مع الحق حيث دار ، وعندنا كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - نعمل بهما ، سواء قال به فلان أو لم يقل به فلان ، فالحق لا يعرف بالرجال ، وإنما الرجال يعرفون بالحق والواجب على المسلم اتباع الحق واتباع الدليل ، سواء قال به الشيخ الألباني أو لم يقل به ، أو قال به غيره ممن هو أكبر منه ، فإذا كان لم يقل بهذا فالحمد لله ، وهذا هو الذي نريد ، وإن كان قال : إن العمل ليس من الإيمان فقد غلط ، ونسأل الله لنا وله المغفرة والرحمة .

السؤال : هل يستقيم المعنى لو قلنا : إن الإيمان هو عمل القلب وعمل اللسان وعمل الجوارح ، فعمل القلب اعتقاده ، وعمل اللسان نطقه وإقراره ، وعمل الجوارح الأداء !؟

الجواب : هذا قاله الإمام أبو عبيد ، واستدل على أن قول اللسان يسمى عملاً ، وقال : إن اعتقاد القلب يسمى عملاً ، وقول اللسان يسمى عملاً ، وأعمال الجوارح تسمى عملاً ، استدل على هذا باللغة وبالنصوص .

السؤال : هل اليقين يزيد كما يزيد الإيمان !؟

الجواب : إذا زاد اليقين زاد الإيمان ، فاليقين من الإيمان ، فزيادة اليقين زيادة في الإيمان ، فقوله : ( لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) . [ البقرة : 260 ] . يعني : ليزداد إيماني .
أما المرجئة فيقولون في قوله تعالى : ( لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا ) . [ الفتح : 4 ] . أي : ليزدادوا يقينًا ، لكن المؤلف - رحمه الله - رد عليهم بقوله : اليقين من الإيمان ، فإذا زاد اليقين زاد الإيمان ، وإذا نقص اليقين نقص الإيمان ؛ لأن اليقين من الإيمان .

السؤال : لماذا ذهب المرجئة إلى القول بعدم زيادة الإيمان ونقصانه ، وهل يلزم من القول بزيادة الإيمان ونقصانه أن تدخل الأعمال في مسمى الإيمان !؟

الجواب : نعم ؛ لأن الإيمان هو التصديق ، والتصديق شيء واحد لا يزيد ولا ينقص ، لكن لو كان معه عمل لزاد ونقص بزيادة العمل ونقصه ، أما مجرد التصديق فهو شيء واحد لا يزيد ولا ينقص .

شرح الإيمان لأبي عبيد 9

السؤال : ذكر المؤلف - رحمه الله - : أن مرتكب الكبيرة والعصاة من المسلمين ننفي عنهم حقيقة الإيمان وإخلاصهم ، أي : مع بقاء أصل الإيمان .

فالسؤال : ما الفرق بين الأصل والحقيقة ، أليست الحقيقة هي الأصل ، قال الله تعالى بعد سرد صفات المؤمنين ( أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ) . [ الأنفال : 4 ] !؟
الجواب : الأصل اسم الإيمان ، والحقيقة الكمال ( أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ) . [ الأنفال : 4 ] ، فيقال للعاصي : ليس بمؤمن حقًا ، فالحقيقة : هي الكمال ، والأصل : هو أصل الاسم وثباته .

السؤال : المعاصي تنفي كمال الإيمان ويبقى أصله ، فما هو أصل الإيمان ، وهل هذا الأصل من جنس ما يكون به كمال الإيمان !؟

الجواب : لا ، أصله يعني : اسم الإيمان ، وكون أحكام الإيمان تجري عليه ، فإنه يخاطب بيا أيها الذين آمنوا ! ويقال : إنه مؤمن ، ويدخل في عموم المؤمنين ، ويخاطب بالأوامر والنواهي ، هذا أصل الإيمان ، وأما حقيقته فهو كماله ، فينفى عنه كماله .

السؤال : أشكل علي أن الأحناف لا يدخلون الأعمال في مسمى الإيمان مع أنهم من أشد الناس في التكفير بالأعمال كالسجود للصنم ، بل حتى من قدم بيضة لكافر في عيده !؟

الجواب : نعم ، حتى إنهم أوصلوها إلى أربعمائة مكفر ، وحتى قالوا : إن من قال : مسيجد على وجه التصغير كفر .

وهم يرون أن المعاصي معاصٍ ، والكبائر كبائر ، والكفر كفر ، وهذا غير مسألة دخول الأعمال في مسمى الإيمان ، فلا منافاة ، يقولون : الأعمال لا تدخل في مسمى الإيمان ، والكفر كفر ، والشرك شرك ، لكن هذا الكفر الذي يرونه يرون أنه مخرج عن الملة ، يعني : المكفرات التي ذكروها أنها تخرج من الملة ، يرون أنها تنافي الإيمان من أصله .

السؤال : متى بدأ القول بأن الإيمان بالقول والقلب فقط أمن عهد أبي حنيفة أم هذا القول من قبل عهده !؟

الجواب : أول من قال بذلك هو حماد بن أبي سليمان شيخ الإمام أبي حنيفة ، فعباد أهل الكوفة هم أول من قال بذلك .

شرح الإيمان لأبي عبيد 11

السؤال : أشكل علي قول : ( لا نكفره بذنب ولا نخرجه من الإسلام بعمل ) أليس سب الله ذنب والسجود للصنم عمل ، فلماذا لا نكفره خاصة !؟

الجواب : إذا ذكر الذنب المراد به دون الشرك ، فقوله : ( لا نكفره بذنب ) يعني : دون الشرك ، ( ولا نخرجه من الإسلام بعمل يعمله ) ؛ فمن زنا ، أو سرق ، أو ترك بعض الواجبات ، أو فعل بعض المحرمات لا نخرجه من الإسلام ، ما لم يفعل شركًا أو يفعل ناقضًا من نواقض العبادة .

إذًا : الذنب إذا أطلق فالمراد به ما دون الشرك .

السؤال : هل النية بمعنى الاعتقاد أم النية هي عمل ، نرجو التفصيل ؛ لأن تعريف الإيمان عند أهل السنة : يقولون : قول وعمل واعتقاد ، ويقولون : قول وعمل ونية !؟

الجواب : القول هو التصديق والإقرار ، وعمل القلب هو النية والإخلاص .

السؤال : المعتزلة اشترطوا في تعريف الإيمان اجتناب الكبائر ، والإباضية اشترطوا فعل جميع الطاعات ، فهل هذا مذهب أهل السنة !؟

الجواب : نعم هو مذهب أهل السنة ، هم وافقوا أهل السنة في الإيمان أنه جميع الطاعات ، ولكن خالفوهم في من فعل كبيرة ومعصية وترك واجبًا ، فالمعتزلة والإباضية والخوارج قالوا : إذا قصر في واجب أو فعل كبيرة ذهب عنه الإيمان بالكلية ، وأهل السنة يقولون : ينقص إيمانه ولا يذهب عنه الإيمان إلا إذا فعل شركًا في العبادة أو ناقضًا من نواقض الإسلام .

شرح الإيمان لأبي عبيد 14

الجواب : كلام الشافعي واضح في نقله الإجماع عن الصحابة والتابعين والأئمة أن الإيمان قول باللسان وتصديق بالقلب وعمل بالقلب وعمل بالجوارح ، وما نقله الإمام أبو عبيد من الآثار والنصوص من كتاب الله وسنة رسوله وأقوال العلماء وأقوال السلف وأقوال الصحابة واضح ، ولكن طريقة أهل الزيغ - والعياذ بالله - التشكيك ، فهم يريدون ألا تثبت الآثار والنصوص ، فمرة يطعنون في النصوص ، ومرة يطعنون في الآثار ، ومرة يطعنون في أقوال العلماء ، ومرة يطعنون في كتب أهل السنة ، حتى إن بعض أهل الزيغ يقول : رسالة الإمام أحمد في الصلاة غير ثابتة ، ورسالته في الرد على الزنادقة غير ثابتة ، وما روي عن فلان عن فلان في كذا ليس بثابت .

فهم لا يريدون أن تثبت حتى ينطلي زيغهم وانحرافهم على الناس ، فتجدهم يشككون في كتب أهل العلم ، وفي نسبتها إليهم ، وكذلك في أقوال أهل العلم ، وفي الإجماع ، ويطعنون في الآثار وفي النصوص حتى ينطلي زيغهم وانحرافهم على الناس .

وقول الإمام الشافعي - رحمه الله - واضح ، وقد مر بنا كثيرٌ من كلام الإمام أبي عبيد - رحمه الله - في ذلك ، فقد ذكر من النصوص ومن الآثار ومن كلام أهل العلم الكثير ، فكيف يطعن فيها كلها !؟ هب أنه لم يثبت واحد أو اثنان أو ثلاثة أو أربعة أو عشرة ، فكيف ترد هذه النصوص الكثيرة !؟

والنصوص الكثيرة لا يستطيع أحد أن يردها ، ولو فرضنا أنه رد النصوص من السنة فكيف يرد نصوص القرآن الواضحة القطعية !؟



شرح الإيمان لأبي عبيد 6

الحازمي
05-18-2013, 12:37 AM
يرفع في وجوه المرجئة

12d8c7a34f47c2e9d3==