قاسم الشهرستاني
11-28-2012, 06:52 PM
الكمأة (الترفاس)
الأسماء الأخرى الشائعة
الكمي – نبات الرعد - بنت الرعد- الفقع – كنز الصحراء – ترفاز وترفاس والبعض يحرفها إلي تلفاس وتلفاز
5873
5874
روى البخاري في صحيحه كتاب الطب ( باب المن شفاء للعين ):
" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ سَمِعْتُ عَمْرُو بْنَ حُرَيْثٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: الْكَمْأَةُ مِنْ الْمَنِّ وَمَاؤُهَا شفاء للعينِ ".
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (1/180):
" [ الكمأة ] بفتح الكاف وسكون الميم بعدها همزة مفتوحة، قال الخطابي: وفي العامة من لا يهمزه، واحدة الكمء بفتح ثم سكون ثم همزة مثل تمرة وتمر، وعكس ابن الأعرابي فقال: الكمأة الجمع والكمء على غير قياس، قال: ولم يقع في كلامهم نظير هذا سوى خبأة وخبء. وقيل: الكمأة قد تطلق على الواحد وعلى الجمع، وقد جمعوها على أكمؤ، قال الشاعر: ,ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا ...
و[ الكمأة ] نبات لا ورق لها ولا ساق، توجد في الأرض من غير أن تزرع. قيل: سميت بذلك لاستتارها، يقال كمأ الشهادة إذا كتمها. ومادة الكمأة من جوهر أرضي بخاري يحتقن نحو سطح الأرض ببرد الشتاء وينميه مطر الربيع فيتولد ويندفع متجسدا، ولذلك كان بعض العرب يسميها جدري الأرض تشبيها لها بالجدري مادة وصورة، لأن مادته رطوبة دموية تندفع غاليا عند الترعرع وفي ابتداء استيلاء الحرارة ونماء القوة ومشابهتها له في الصورة ظاهر.
وأخرج الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: الكمأة جدري الأرض، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الكمأة من المن" الحديث.
5875
وللطبري من طريق ابن المنكدر عن جابر قال: "كثرت الكمأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فامتنع قوم من أكلها وقالوا: هي جدري الأرض، فبلغه ذلك, فقال: إن الكمأة ليست من جدري الأرض، ألا إن الكمأة من المن".
والعرب تسمي الكمأة أيضا بنت الرعد لأنها تكثر بكثرته ثم تنفطر عنها الأرض. وهي كثيرة بأرض العرب، وتوجد بالشام ومصر، فأجودها ما كانت أرضه رملة قليلة الماء، ومنها صنف قتال يضرب لونه إلى الحمرة. وهي باردة رطبة في الثانية رديئة للمعدة بطيئة الهضم، وإدمان أكلها يورث القولنج والسكتة والفالج وعسر البول، والرطب منها أقل ضررا من اليابس، وإذا دفنت في الطين الرطب ثم سلقت بالماء والملح والسعتر وأكلت بالزيت والتوابل الحارة قل ضررها، ومع ذلك ففيها جوهر مائي لطيف بدليل خفتها، فلذلك كان ماؤها شفاء للعينِ.
قوله: [من المن] قيل في المراد بالمن ثلاثة أقوال:
أحدها: أن المراد أنها من المن الذي أنزل على بني إسرائيل، وهو الطل الذي يسقط على الشجر فيجمع ويؤكل حلوا، ومنه الترنجبين فكأنه شبه به الكمأة بجامع ما بينهما من وجود كل منهما عفوا بغير علاج. قلت: وقد تقدم بيان ذلك واضحا في تفسير سورة البقرة، وذكرت من زاد في متن هذا الحديث: "الكمأة من المن الذي أنزل على بني إسرائيل" .
والثاني: أن المعنى أنها من المن الذي امتن الله به على عباده عفوا بغير علاج، قاله أبو عبيد وجماعة. وقال الخطابي: ليس المراد أنها نوع من المن الذي أنزل على بني إسرائيل، فإن الذي أنزل على بني إسرائيل كان [كالترنجبين] الذي يسقط على الشجر، وإنما المعنى أن الكمأة شيء ينبت من غير تكلف ببذر ولا سقي، فهو من قبيل المن الذي كان ينزل على بني إسرائيل فيقع على الشجر فيتناولونه.
ثم أشار إلى أنه يحتمل أن يكون الذي أنزل على بني إسرائيل كان أنواعا، منها ما يسقط على الشجر، ومنها ما يخرج من الأرض فتكون الكمأة منه، وهذا هو القول الثالث وبه جزم الموفق عبد اللطيف البغدادي ومن تبعه فقالوا: إن المن الذي أنزل على بني إسرائيل ليس هو ما يسقط على الشجر فقط , بل كان أنواعا من الله عليهم بها من النبات الذي يوجد عفوا، ومن الطير التي تسقط عليهم بغير اصطياد، ومن الطل الذي يسقط على الشجر.
والمن مصدر بمعني المفعول, أي: ممنون به، فلما لم يكن للعبد فيه شائبة كسب كان منا محضاً، وإن كانت جميع نعم الله تعالى على عبيده منا منه عليهم، لكن خص هذا باسم المن لكونه لا صنع فيه لأحد، فجعل سبحانه وتعالى قوتهم في التيه الكمأة وهي تقوم مقام الخبز، وأدمهم السلوى وهي تقوم مقام اللحم، وحلواهم الطَّل الذي ينزل على الشجر، فكمل بذلك عيشهم. ويشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: [من المن] فأشار إلى أنها فرد من أفراده، [فالترنجبين] كذلك فرد من أفراد المن، وإن غلب استعمال المن عليه عرفا. اهـ. ولا يعكر على هذا قولهم: {لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ} لأن المراد بالوحدة دوام الأشياء المذكورة من غير تبدل وذلك يصدق على ما إذا كان المطعوم أصنافا لكنها لا تتبدل أعيانها.
قوله: [وماؤها شفاء للعين] كذا للأكثر وكذا عند مسلم. وفي رواية المستملي: [من العين ] أي: شفاء من داء العين، قال الخطابي: إنما اختصت الكمأة بهذه الفضيلة لأنها من الحلال المحض الذي ليس في اكتسابه شبهة، ويستنبط منه أن استعمال الحلال المحض يجلو البصر، والعكس بالعكس.
قال ابن الجوزي: في المراد بكونها شفاء للعين قولان:
أحدهما: أنه ماؤها حقيقة، إلا أن أصحاب هذا القول اتفقوا على أنه لا يستعمل صرفا في العين، لكن اختلفوا كيف يصنع به على رأيين:
أحدهما: أنه يخلط في الأدوية التي يكتحل بها حكاه أبو عبيد، قال: ويصدق هذا الذي حكاه أبو عبيد أن بعض الأطباء قالوا: أكل الكمأة يجلو البصر.
ثانيهما: أن تؤخذ فتشق وتوضع على الجمر حتى يغلي ماؤها، ثم يؤخذ الميل فيجعل في ذلك الشق وهو فاتر فيكتحل بمائها، لأن النار تلطفه وتذهب فضلاته الرديئة ويبقى النافع منه، ولا يجعل الميل في مائها وهي باردة يابسة فلا ينجع...
والقول الثاني: أن المراد ماؤها الذي تنبت به، فإنه أول مطر يقع في الأرض فتربى به الأكحال حكاه ابن الجوزي عن أبي بكر بن عبد الباقي أيضا، فتكون الإضافة إضافة الكل لا إضافة جزء.
قال ابن القيم: وهذا أضعف الوجوه. قلت: وفيما ادعاه ابن الجوزي من الاتفاق على أنها لا تستعمل صرف نظر، فقد حكى عياض عن بعض أهل الطب في التداوي بماء الكمأة تفصيلا، وهو إن كان لتبريد ما يكون بالعين من الحرارة فتستعمل مفردة، وإن كان لغير ذلك فتستعمل مركبة، وبهذا جزم ابن العربي فقال: الصحيح أنه ينفع بصورته في حال، وبإضافته في أخرى، وقد جرب ذلك فوجد صحيحا. نعم جزم الخطابي بما قال ابن الجوزي فقال: تربى بها [التوتياء] وغيرها من الأكحال، قال: ولا تستعمل صرفا فإن ذلك يؤذي العين.
وقال الغافقي في "المفردات": ماء الكمأة أصلح الأدوية للعين إذا عجن به الإثمد واكتحل به، فإنه يقوي الجفن، ويزيد الروح الباصر حدة وقوة، ويدفع عنها النوازل.
وقال النووي: الصواب أن ماءها شفاء للعين مطلقا فيعصر ماؤها ويجعل في العين منه، قال: وقد رأيت أنا وغيري في زماننا من كان عمي وذهب بصره حقيقة فكحل عينه بماء الكمأة مجردا فشفي وعاد إليه بصره، وهو الشيخ العدل الأمين الكمال بن عبد الدمشقي صاحب صلاح ورواية في الحديث، وكان استعماله لماء الكمأة اعتقاداً في الحديث وتبركاً به فنفعه الله به. قلت: الكمال المذكور هو كمال الدين بن عبد العزيز بن عبد المنعم بن الخضر يعرف بابن عبد بغير إضافة الحارثي الدمشقي من أصحاب أبي طاهر الخشوعي، سمع منه جماعة من شيوخ شيوخنا، عاش ثلاثا وثمانين سنة ومات سنة اثنتين وسبعين وستمائة قبل النووي بأربع سنين.
وينبغي تقييد ذلك بمن عرف من نفسه قوة اعتقاد في صحة الحديث والعمل به كما يشير إليه آخر كلامه، وهو ينافي قوله أولا مطلقا، وقد أخرج الترمذي في جامعه بسند صحيح إلى قتادة قال: حدثت أن أبا هريرة قال: أخذت ثلاثة أكمؤ أو خمسا أو سبعا فعصرتهن فجعلت ماءهن في قارورة فكحلت به جارية لي فبرئت.
وقال ابن القيم: اعترف فضلاء الأطباء أن ماء الكمأة يجلو العين، منهم المسبحي وابن سينا وغيرهما. والذي يزيل الإشكال عن هذا الاختلاف أن الكمأة وغيرها من المخلوقات خلقت في الأصل سليمة من المضار، ثم عرضت لها الآفات بأمور أخرى من مجاورة أو امتزاج أو غير ذلك من الأسباب التي أرادها الله تعالى، فالكمأة في الأصل نافعة لما اختصت به من وصفها بأنها من الله، وإنما عرضت لها المضار بالمجاورة، واستعمال كل ما وردت به السنة بصدق ينتفع به من يستعمله، ويدفع الله عنه الضرر بنبته، والعكس بالعكس، والله أعلم." أهـ.
وذكر الإمام الذهبي في كتاب "الطب النبوي" (ص 171) الكمأة فقال:
" كمأة- باردة يابسة, أجودها المتلذذ منها. أجمع الأطباء أن ماءها يجلو البصر, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الكمأةُ من المنّ وماؤها شفاءٌ للعين" أخرجه خ م .
والكمأة: جمع واحدها كمء, وسميت كمأة: لاستتارها في الأرض, ويقال لمن أخفى الشهادة كمأة.
ويروى مرفوعاً: "الْكَمْأَةُ جُدَرِيُّ الْأَرْضِ ".
لأنها تكثر بكثرته, وقيل كان قوت بني إسرائيل في التيه: الكمأة, لأنها تقوم مقام الخبز, والسلوى آدمهم مع المن الذي هو الطل الحلو, فحينئذ كمل عيشهم.
وقال أبوهريرة رضي الله عنه: "أخذت ثلاثة أكمؤ أو خمسة أو سبعة فعصرتهن وجعلت ماءهن في قارورة وكحلت به جارية لي فبرئت", وقوله صلى الله عليه وسلم: " منَّ " أي هي مما منَّ الله تعالى به على العباد بلا تعب ولا عمل ولا يحتاج إلى حرث وسقي, ولا غير ذلك."
الوصف النباتي
هو من النباتات الفطرية [ الدرنيات ] لا ورق لها ولا ساق تخرج في الأرض, و تظهر أوان الربيع في بعض المناطق الصحراوية المتطرفة والمتروكة وهو يكثر عندما تكثر الأمطار خصوصا الرعدية لذا كان العرب يسمونها نبات الرعد ، وهي تنبت برية ولا تستزرع وقد جرت محاولات لاستزراعها لكن تلك المحاولات فشلت .
هي عبارة عن درنات تشبه إلي حد بعيد حبة البطاطس ، لونها بني فاتح من الخارج ومن الدخل بيضاء.
وعند تحليل الكمأة تبين أنها مصدر مهم للبروتينات من بين نباتات الصحراء ، وأنها تتكون من 77 % ماء ، 23 %مواد مختلفة ، منها 60 % هيدرات الكربون ، 7 % دهون ، 4 % ألياف ، 18 % مواد بروتينية ، 11 % تبقى على هيئة رماد بعد الحرق ، وتم التعرف على سبعة عشر حمضاً من الأحماض الأمينية في بروتينيات الكمأة .
5876
التفسير العلمي لتشكل الكمأة
والتفسير العلمي الذي عرف حتى الآن لتكون درنات الكمأة في الأرض، فهو أن البرق يضع تحت تصرف الغلاف الجوي الطاقة اللازمة لتشكيل العديد من الأكاسيد والمركبات الغذائية (مركبات الأزوت)، ويعمل الرعد على ترسيب هذه المركبات، إما على صورة جافة بفعل الثقالة الأرضية (الجاذبية)، وإما على صورة محاليل مائية بفعل حبات المطر، فتصل الطبقة السطحية للأرض بعد أن رفع الرعد من قدرتها على تخزين الماء والغذاء اللازمين لنمو فطر الكمأة وعائلة (جردة الكمأة)، ومن المحتمل أن يكون الدور الرئيسي للرعد في إرسال بعض الموجات الصوتية التي من شأنها أن تمزق أغلفة أنواع فطر الكمأة الكامنة، فتنشط بوجود الماء والتربة الرخوة وتبدأ عملية (الفقع) إلى سطح التربة.
ويسميه أهل الخليج أو أهل الجزيرة العربية: (الفقع) وهو جمع لكلمة فقعه، وفي منطقة بلاد الشام، يسمونه "الكماه" تمييعاً للـ "الكمأة" وهو اسمه العربي الوارد في الحديث، ينمو تحت سطح الأرض على أعماق متفاوتة تصل ما بين 2 سم إلى 50 سم ولا تظهر له أجزاء فوق سطح الأرض على الإطلاق، فلا ورق، ولا زهر(15)، وهو نبات لا جذر له.
استخراج الكمأة بعد هطول الأمطار المصحوبة بالرعد, يبدأ تكون الكمأة في الأرض, وتظهر ببروز التربة شيئاً وتكون متشققة.
5877
الأسماء الأخرى الشائعة
الكمي – نبات الرعد - بنت الرعد- الفقع – كنز الصحراء – ترفاز وترفاس والبعض يحرفها إلي تلفاس وتلفاز
5873
5874
روى البخاري في صحيحه كتاب الطب ( باب المن شفاء للعين ):
" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ سَمِعْتُ عَمْرُو بْنَ حُرَيْثٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: الْكَمْأَةُ مِنْ الْمَنِّ وَمَاؤُهَا شفاء للعينِ ".
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (1/180):
" [ الكمأة ] بفتح الكاف وسكون الميم بعدها همزة مفتوحة، قال الخطابي: وفي العامة من لا يهمزه، واحدة الكمء بفتح ثم سكون ثم همزة مثل تمرة وتمر، وعكس ابن الأعرابي فقال: الكمأة الجمع والكمء على غير قياس، قال: ولم يقع في كلامهم نظير هذا سوى خبأة وخبء. وقيل: الكمأة قد تطلق على الواحد وعلى الجمع، وقد جمعوها على أكمؤ، قال الشاعر: ,ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا ...
و[ الكمأة ] نبات لا ورق لها ولا ساق، توجد في الأرض من غير أن تزرع. قيل: سميت بذلك لاستتارها، يقال كمأ الشهادة إذا كتمها. ومادة الكمأة من جوهر أرضي بخاري يحتقن نحو سطح الأرض ببرد الشتاء وينميه مطر الربيع فيتولد ويندفع متجسدا، ولذلك كان بعض العرب يسميها جدري الأرض تشبيها لها بالجدري مادة وصورة، لأن مادته رطوبة دموية تندفع غاليا عند الترعرع وفي ابتداء استيلاء الحرارة ونماء القوة ومشابهتها له في الصورة ظاهر.
وأخرج الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: الكمأة جدري الأرض، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الكمأة من المن" الحديث.
5875
وللطبري من طريق ابن المنكدر عن جابر قال: "كثرت الكمأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فامتنع قوم من أكلها وقالوا: هي جدري الأرض، فبلغه ذلك, فقال: إن الكمأة ليست من جدري الأرض، ألا إن الكمأة من المن".
والعرب تسمي الكمأة أيضا بنت الرعد لأنها تكثر بكثرته ثم تنفطر عنها الأرض. وهي كثيرة بأرض العرب، وتوجد بالشام ومصر، فأجودها ما كانت أرضه رملة قليلة الماء، ومنها صنف قتال يضرب لونه إلى الحمرة. وهي باردة رطبة في الثانية رديئة للمعدة بطيئة الهضم، وإدمان أكلها يورث القولنج والسكتة والفالج وعسر البول، والرطب منها أقل ضررا من اليابس، وإذا دفنت في الطين الرطب ثم سلقت بالماء والملح والسعتر وأكلت بالزيت والتوابل الحارة قل ضررها، ومع ذلك ففيها جوهر مائي لطيف بدليل خفتها، فلذلك كان ماؤها شفاء للعينِ.
قوله: [من المن] قيل في المراد بالمن ثلاثة أقوال:
أحدها: أن المراد أنها من المن الذي أنزل على بني إسرائيل، وهو الطل الذي يسقط على الشجر فيجمع ويؤكل حلوا، ومنه الترنجبين فكأنه شبه به الكمأة بجامع ما بينهما من وجود كل منهما عفوا بغير علاج. قلت: وقد تقدم بيان ذلك واضحا في تفسير سورة البقرة، وذكرت من زاد في متن هذا الحديث: "الكمأة من المن الذي أنزل على بني إسرائيل" .
والثاني: أن المعنى أنها من المن الذي امتن الله به على عباده عفوا بغير علاج، قاله أبو عبيد وجماعة. وقال الخطابي: ليس المراد أنها نوع من المن الذي أنزل على بني إسرائيل، فإن الذي أنزل على بني إسرائيل كان [كالترنجبين] الذي يسقط على الشجر، وإنما المعنى أن الكمأة شيء ينبت من غير تكلف ببذر ولا سقي، فهو من قبيل المن الذي كان ينزل على بني إسرائيل فيقع على الشجر فيتناولونه.
ثم أشار إلى أنه يحتمل أن يكون الذي أنزل على بني إسرائيل كان أنواعا، منها ما يسقط على الشجر، ومنها ما يخرج من الأرض فتكون الكمأة منه، وهذا هو القول الثالث وبه جزم الموفق عبد اللطيف البغدادي ومن تبعه فقالوا: إن المن الذي أنزل على بني إسرائيل ليس هو ما يسقط على الشجر فقط , بل كان أنواعا من الله عليهم بها من النبات الذي يوجد عفوا، ومن الطير التي تسقط عليهم بغير اصطياد، ومن الطل الذي يسقط على الشجر.
والمن مصدر بمعني المفعول, أي: ممنون به، فلما لم يكن للعبد فيه شائبة كسب كان منا محضاً، وإن كانت جميع نعم الله تعالى على عبيده منا منه عليهم، لكن خص هذا باسم المن لكونه لا صنع فيه لأحد، فجعل سبحانه وتعالى قوتهم في التيه الكمأة وهي تقوم مقام الخبز، وأدمهم السلوى وهي تقوم مقام اللحم، وحلواهم الطَّل الذي ينزل على الشجر، فكمل بذلك عيشهم. ويشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: [من المن] فأشار إلى أنها فرد من أفراده، [فالترنجبين] كذلك فرد من أفراد المن، وإن غلب استعمال المن عليه عرفا. اهـ. ولا يعكر على هذا قولهم: {لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ} لأن المراد بالوحدة دوام الأشياء المذكورة من غير تبدل وذلك يصدق على ما إذا كان المطعوم أصنافا لكنها لا تتبدل أعيانها.
قوله: [وماؤها شفاء للعين] كذا للأكثر وكذا عند مسلم. وفي رواية المستملي: [من العين ] أي: شفاء من داء العين، قال الخطابي: إنما اختصت الكمأة بهذه الفضيلة لأنها من الحلال المحض الذي ليس في اكتسابه شبهة، ويستنبط منه أن استعمال الحلال المحض يجلو البصر، والعكس بالعكس.
قال ابن الجوزي: في المراد بكونها شفاء للعين قولان:
أحدهما: أنه ماؤها حقيقة، إلا أن أصحاب هذا القول اتفقوا على أنه لا يستعمل صرفا في العين، لكن اختلفوا كيف يصنع به على رأيين:
أحدهما: أنه يخلط في الأدوية التي يكتحل بها حكاه أبو عبيد، قال: ويصدق هذا الذي حكاه أبو عبيد أن بعض الأطباء قالوا: أكل الكمأة يجلو البصر.
ثانيهما: أن تؤخذ فتشق وتوضع على الجمر حتى يغلي ماؤها، ثم يؤخذ الميل فيجعل في ذلك الشق وهو فاتر فيكتحل بمائها، لأن النار تلطفه وتذهب فضلاته الرديئة ويبقى النافع منه، ولا يجعل الميل في مائها وهي باردة يابسة فلا ينجع...
والقول الثاني: أن المراد ماؤها الذي تنبت به، فإنه أول مطر يقع في الأرض فتربى به الأكحال حكاه ابن الجوزي عن أبي بكر بن عبد الباقي أيضا، فتكون الإضافة إضافة الكل لا إضافة جزء.
قال ابن القيم: وهذا أضعف الوجوه. قلت: وفيما ادعاه ابن الجوزي من الاتفاق على أنها لا تستعمل صرف نظر، فقد حكى عياض عن بعض أهل الطب في التداوي بماء الكمأة تفصيلا، وهو إن كان لتبريد ما يكون بالعين من الحرارة فتستعمل مفردة، وإن كان لغير ذلك فتستعمل مركبة، وبهذا جزم ابن العربي فقال: الصحيح أنه ينفع بصورته في حال، وبإضافته في أخرى، وقد جرب ذلك فوجد صحيحا. نعم جزم الخطابي بما قال ابن الجوزي فقال: تربى بها [التوتياء] وغيرها من الأكحال، قال: ولا تستعمل صرفا فإن ذلك يؤذي العين.
وقال الغافقي في "المفردات": ماء الكمأة أصلح الأدوية للعين إذا عجن به الإثمد واكتحل به، فإنه يقوي الجفن، ويزيد الروح الباصر حدة وقوة، ويدفع عنها النوازل.
وقال النووي: الصواب أن ماءها شفاء للعين مطلقا فيعصر ماؤها ويجعل في العين منه، قال: وقد رأيت أنا وغيري في زماننا من كان عمي وذهب بصره حقيقة فكحل عينه بماء الكمأة مجردا فشفي وعاد إليه بصره، وهو الشيخ العدل الأمين الكمال بن عبد الدمشقي صاحب صلاح ورواية في الحديث، وكان استعماله لماء الكمأة اعتقاداً في الحديث وتبركاً به فنفعه الله به. قلت: الكمال المذكور هو كمال الدين بن عبد العزيز بن عبد المنعم بن الخضر يعرف بابن عبد بغير إضافة الحارثي الدمشقي من أصحاب أبي طاهر الخشوعي، سمع منه جماعة من شيوخ شيوخنا، عاش ثلاثا وثمانين سنة ومات سنة اثنتين وسبعين وستمائة قبل النووي بأربع سنين.
وينبغي تقييد ذلك بمن عرف من نفسه قوة اعتقاد في صحة الحديث والعمل به كما يشير إليه آخر كلامه، وهو ينافي قوله أولا مطلقا، وقد أخرج الترمذي في جامعه بسند صحيح إلى قتادة قال: حدثت أن أبا هريرة قال: أخذت ثلاثة أكمؤ أو خمسا أو سبعا فعصرتهن فجعلت ماءهن في قارورة فكحلت به جارية لي فبرئت.
وقال ابن القيم: اعترف فضلاء الأطباء أن ماء الكمأة يجلو العين، منهم المسبحي وابن سينا وغيرهما. والذي يزيل الإشكال عن هذا الاختلاف أن الكمأة وغيرها من المخلوقات خلقت في الأصل سليمة من المضار، ثم عرضت لها الآفات بأمور أخرى من مجاورة أو امتزاج أو غير ذلك من الأسباب التي أرادها الله تعالى، فالكمأة في الأصل نافعة لما اختصت به من وصفها بأنها من الله، وإنما عرضت لها المضار بالمجاورة، واستعمال كل ما وردت به السنة بصدق ينتفع به من يستعمله، ويدفع الله عنه الضرر بنبته، والعكس بالعكس، والله أعلم." أهـ.
وذكر الإمام الذهبي في كتاب "الطب النبوي" (ص 171) الكمأة فقال:
" كمأة- باردة يابسة, أجودها المتلذذ منها. أجمع الأطباء أن ماءها يجلو البصر, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الكمأةُ من المنّ وماؤها شفاءٌ للعين" أخرجه خ م .
والكمأة: جمع واحدها كمء, وسميت كمأة: لاستتارها في الأرض, ويقال لمن أخفى الشهادة كمأة.
ويروى مرفوعاً: "الْكَمْأَةُ جُدَرِيُّ الْأَرْضِ ".
لأنها تكثر بكثرته, وقيل كان قوت بني إسرائيل في التيه: الكمأة, لأنها تقوم مقام الخبز, والسلوى آدمهم مع المن الذي هو الطل الحلو, فحينئذ كمل عيشهم.
وقال أبوهريرة رضي الله عنه: "أخذت ثلاثة أكمؤ أو خمسة أو سبعة فعصرتهن وجعلت ماءهن في قارورة وكحلت به جارية لي فبرئت", وقوله صلى الله عليه وسلم: " منَّ " أي هي مما منَّ الله تعالى به على العباد بلا تعب ولا عمل ولا يحتاج إلى حرث وسقي, ولا غير ذلك."
الوصف النباتي
هو من النباتات الفطرية [ الدرنيات ] لا ورق لها ولا ساق تخرج في الأرض, و تظهر أوان الربيع في بعض المناطق الصحراوية المتطرفة والمتروكة وهو يكثر عندما تكثر الأمطار خصوصا الرعدية لذا كان العرب يسمونها نبات الرعد ، وهي تنبت برية ولا تستزرع وقد جرت محاولات لاستزراعها لكن تلك المحاولات فشلت .
هي عبارة عن درنات تشبه إلي حد بعيد حبة البطاطس ، لونها بني فاتح من الخارج ومن الدخل بيضاء.
وعند تحليل الكمأة تبين أنها مصدر مهم للبروتينات من بين نباتات الصحراء ، وأنها تتكون من 77 % ماء ، 23 %مواد مختلفة ، منها 60 % هيدرات الكربون ، 7 % دهون ، 4 % ألياف ، 18 % مواد بروتينية ، 11 % تبقى على هيئة رماد بعد الحرق ، وتم التعرف على سبعة عشر حمضاً من الأحماض الأمينية في بروتينيات الكمأة .
5876
التفسير العلمي لتشكل الكمأة
والتفسير العلمي الذي عرف حتى الآن لتكون درنات الكمأة في الأرض، فهو أن البرق يضع تحت تصرف الغلاف الجوي الطاقة اللازمة لتشكيل العديد من الأكاسيد والمركبات الغذائية (مركبات الأزوت)، ويعمل الرعد على ترسيب هذه المركبات، إما على صورة جافة بفعل الثقالة الأرضية (الجاذبية)، وإما على صورة محاليل مائية بفعل حبات المطر، فتصل الطبقة السطحية للأرض بعد أن رفع الرعد من قدرتها على تخزين الماء والغذاء اللازمين لنمو فطر الكمأة وعائلة (جردة الكمأة)، ومن المحتمل أن يكون الدور الرئيسي للرعد في إرسال بعض الموجات الصوتية التي من شأنها أن تمزق أغلفة أنواع فطر الكمأة الكامنة، فتنشط بوجود الماء والتربة الرخوة وتبدأ عملية (الفقع) إلى سطح التربة.
ويسميه أهل الخليج أو أهل الجزيرة العربية: (الفقع) وهو جمع لكلمة فقعه، وفي منطقة بلاد الشام، يسمونه "الكماه" تمييعاً للـ "الكمأة" وهو اسمه العربي الوارد في الحديث، ينمو تحت سطح الأرض على أعماق متفاوتة تصل ما بين 2 سم إلى 50 سم ولا تظهر له أجزاء فوق سطح الأرض على الإطلاق، فلا ورق، ولا زهر(15)، وهو نبات لا جذر له.
استخراج الكمأة بعد هطول الأمطار المصحوبة بالرعد, يبدأ تكون الكمأة في الأرض, وتظهر ببروز التربة شيئاً وتكون متشققة.
5877