المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أوضح المحجة للسالكين وأقام الحجة على جميع المكلفين


كيف حالك ؟

البلوشي
11-28-2012, 03:15 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ سليمان بن سحمان , رحمه الله تعالى:

الحمد لله الذي أوضح المحجة للسالكين , وأقام الحجة على جميع المكلفين , وأشهد ألا إله إلا الله , وحده لا شريك له , إله الأولين والآخرين , وقيوم السماوات والأرضين , وأشهد أن محمداً عبده ورسوله , وخليله , الصادق الأمين , الذي علم الله به من الجهالة , وهدى به من الضلالة , وفتح به أعينا عميا , وآذانا صما , وقلوبا غلفا , وبلغ الرسالة وأدى الأمانة , ونصح الأمة؛ وعبد الله حتى أتاه اليقين؛ فصلى الله , وعلى أله وصحبة , ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين , وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فإن الله سبحانه وتعالى , قد أكمل لنا الدين , وبلغ رسوله صلى الله عليه وسلم البلاغ المبين , فليس لأحد من الناس أن يشرع في دين الله ما لم يأذن به الله , ولا أن يزيد فيه بعد أن أكمله الله , قال تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) [المائدة: 3] وقال صلى الله عليه وسلم:
(ص346) " تركتم على المحجة البيضاء, ليلها كنهارها , لا يزيغ عنها إلا هالك " وقال صلى الله عليه وسلم: " عليكم بسنتي , وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي , تمسكوا بها , وعضوا عليها بالنواجذ , وإياكم ومحدثات الأمور , فإن كل محدثة بدعة , وكل بدعة ضلالة".
وقال صلى الله عليه وسلم " ما تركت من شيء يقربكم من الجنة إلا وقد حدثتكم به , ولا من شيء يبعدكم من النار إلا وقد حدثتكم به " وقال صلى الله عليه وسلم: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " رواه البخاري , ومسلم , وفي رواية: " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ".
وقال أبو ذر رضي الله عنه: لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه إلا ذكر لنا منه علما؛ وفي صحيح مسلم: أن بعض المشركين , قالوا لسلمان: لقد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة ؟ قال: أجل؛ فإذا تحققت هذا , وعلمته فالواجب على المسلم: أن يقتدى , ولا يبتدى ,وأن يتبع , ولا يبتدع؛ كما قيل: -
فخير الأمور السالفات على الهدى وشر الأمور المحدثات البدائع
فقد حذر صلى الله عليه وسلم أصحابه عن البدع , ومحدثات الأمور , وأمرهم بالاتباع ,الذي فيه النجاة من كل محذور , ونهاهم عن الغلو في الدين , واتباع غير سبيل المؤمنين؛ قال صلى الله عليه وسلم " إياكم والغلو في الدين, فإنما أهلك الذين من قبلكم الغلو في الدين " إلي ذلك من الأحاديث الواردة في هذا المعنى؛
(ص347) وقال صلى الله عليه وسلم " افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة , وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة , وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة , كلها في النار إلا واحدة " قالوا: من هي يا رسول الله ؟ قال: " من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي".
فعلى من نصح نفسه , وأراد نجاتها: أن يعتصم بكتاب الله , وسنة رسوله , وأن يتمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم القدوة , ويهم الأسوة؛ وما من خير إلا وقد سبقونا إليه؛ قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: من كان منكم مستناً , فليستن بمن قد مات , فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة , أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم , كانوا أبر هذه الأمة قلوباً , وأعمقها علماً , وأقلها تكلفاً , قوم اختارهم الله لصحبة نبيه, ولإظهار دينه؛ فخذوا بهديهم , واعرفوا لهم فضلهم , فإنهم كانوا على الصراط المستقيم.
وقال الإمام: محمد بن وضاح , في كتاب البدع , والنهي عنها , أخبرنا: الحكم بن المبارك , اخبرنا عمر بن يحيى , قال سمعت أبي يحدث عن أبيه , قال: كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود , قبل صلاة الغداة , فإذا خرج مشينا معه إلي المسجد؛ فجاءنا أبو موسى الأشعري , فقال: أخرج عليكم أبو عبد الرحمن بعد ؟ قلنا: لا؛ فجلس معنا حتى خرج , فلما خرج: قمنا إليه جميعاً , فقال: يا أبا عبد الرحمن , إني رأيت في المسجد آنفا أمراً أنكرته , ولم أر
(ص348) والحمد لله إلا خيراً؛ قال: فما هو ؟ قال: إن عشت فستراه.
قال: رأيت في المسجد قوما حلقا , جلوساً ,ينتظرون الصلاة , في كل حلقة رجل , وفي أيديهم حصى , فيقول: كبروا مائة؛ فيكبرون مائة؛ فيقول: هللوا مائة , فيهللون مائة؛ فيقول سبحوا مائة , فيسبحون مائة؛ قال: فماذا قلت لهم ؟ قال: ما قلت لهم شيئا , أنتظر رأيك , وأنتظر أمرك؛ قال أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم , وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء؛ ثم مضى , ومضينا معه , حتى أتى حلقة من تلك الحلق , فوقف عليهم , فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون ؟ قالوا يا أبا عبد الرحمن , حصى , نعد به التكبير , والتهليل؛ والتسبيح و التحميد؛ قال: فعدوا سيئاتكم , فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء.
ويحكم يا أمة محمد , ما أسرع هلكتكم ! هولاء أصحابه متوافرون , وهذه ثيابه لم تبل , وآنيته لم تنكسر؛ والذي نفسي بيده: إنكم لعلى ملة , هي أهدى من ملة محمد , أو مفتتحوا باب ضلالة؛ قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن , ما أردنا إلا الخير؛ قال: وكم من مريد للخير لم يصبه؛ إن رسول صلى الله عليه وسلم حدثنا " أن قوما يقرؤون القرآن , لا يجاوز تراقيهم " وأيم الله: لا أدري لعل أكثرهم منكم؛ ثم تولى عنهم , فقال عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك , يطاعنونا يوم النهروان , مع الخوراج , انتهى.
فإذا كان هذا حال هؤلاء القوم , وهم إنما يكبرون الله ,
(ص349) ويحمدونه , ويسبحونه , قد كانوا مفتتحين باب ضلالة , لأنهم عملوا عملاً لم يكن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه , فأفضى بهم إلي الغلو في الدين , والمجاوزة للحد , أن مرقوا من الإسلام , فصار أكثرهم: يطاعنون الصحابة مع الخوراج , يوم النهروان.
فإذا تبين هذا , وما ذكرته قبل ذلك , مما تقدم بيانه؛ فاعلم: أنه قد حدث في هذه الأزمان , من بعض الإخوان من الغلو , والمجاوزة للحد في بعض المسائل الدينية , والأوامر الشرعية , ما يجب على كل مسلم إنكاره , وبيان خطأ من أحدثه في الدين , من غير بينة , ولا برهان , ولا حجة , يجب المصير إليها , من السنة والقرآن؛ ولا قال بها أحد من أئمة الإسلام , الذين هم معالم الهدى , ومصابيح الدجا , وهم القدوة , وبهم الأسوة في بيان مراتب الدين , والأحكام – إلي أن قال: -
وأذكر قبل الشروع في الكلام على هذه المسائل , والجواب عنها , معنى لا إله إلا الله , وما ذكره العلماء في ذلك , وما ذكره شيخنا: الشيخ عبد الرحمن بن حسن , مفتي الديار النجدية , رحمه لله تعالى , من شروطها , التي لا يصح إسلام أحد من الناس , إلا إذا اجتمعت له هذه الشروط , وقال بها , علما , وعملاً , واعتقاداً؛ وكذلك نواقض الإسلام العشرة , التي ذكرها شيخ الإسلام: محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى , لأن هذا هو الأصل , الذي
(ص350) تتفرع عليه هذه المسائل , وتبني عليه أحكامها.
فأقول , وبالله التوفيق , وبه العصمة , والثقة:
اعلم رحمك الله: أن كلمة الإخلاص، لا إله إلا الله، هي الكلمة التي قامت بها الأرض والسماوات، وفطر الله عليها جميع المخلوقات، وعليها أسست الملة، ونصبت القبلة، ولأجلها جردت سيوف الجهاد، وبها أمر الله جميع العباد، فهي فطرة الله التي فطر الناس عليها، ومفتاح عبوديته، التي دعا الأمم على ألسن رسله إليها، وهي كلمة الإسلام، ومفتاح دار السلام، وأساس الفرض والسنة؛ فإذا عرفت هذا، فاعلم: أن لا إله إلا الله، لا تنفع قائلها، إلا بعد معرفة معناها، والعمل بمقتضاها، وأنها لا تنفعه إلا بعد الصدق، والإخلاص، واليقين؛ لأن كثيراً ممن يقولها، في الدرك الأسفل من النار.
فلابد في شهادة: ألا إله إلا الله، من اعتقاد بالجنان، ونطق باللسان، وعمل بالأركان؛ فإن اختل نوع من هذه الأنواع، لم يكن الرجل مسلماً؛ فإذا كان الرجل مسلماً، وعاملاً بالأركان، ثم حدث منه قول، أو فعل، أو اعتقاد، يناقض ذلك، لم ينفعه قول: لا إله إلا الله؛ وأدلة ذلك في الكتاب والسنة، وكلام أئمة الإسلام، أكثر من أن تحصر.
وقد أخرج البخاري في صحيحه، بسنده عن قتادة، قال
(ص351) حدثنا: أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم ومعاذ، رضي الله عنه، رديفه على الرحل – قال: " يا معاذ " قال: لبيك يا رسول الله، وسعديك، قال: " يا معاذ " قال لبيك يا رسول الله وسعديك، ثلاثاً، قال: " ما من أحد يشهد ألا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، صدقاً من قلبه، إلا حرم الله تعالى عليه النار " قال: يا رسول الله، أفلا أخبر الناس فيستبشروا ؟ قال: " إذا يتكلوا " فأخبر بها معاذ عند موته تأثماً.
قال شيخ الإسلام، وغيره، في هذا الحديث، ونحوه: أنه فيمن قالها، ومات عليها، كما جاءت مقيدة، لقوله: " خالصاً من قلبه " غير شاك فيها، بصدق ويقين، فإن حقيقة التوحيد: انجذاب الروح إلى الله تعالى جملة؛ فمن شهد: أن لا إله إلا الله، خالصاً من قلبه، دخل الجنة؛ لأن الإخلاص، هو انجذاب القلب إلى الله تعالى، بأن يتوب من الذنوب توبة نصوحاً، فإذا مات على تلك الحالة نال ذلك.
فإنه قد تواترت الأحاديث: بأنه يخرج من النار، من قال لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، وما يزن خردلة، وما يزن ذرة، وتواترت: بأن كثيراً ممن يقول لا إله إلا الله، يدخل النار، ثم يخرج منها؛ وتواترت: بأن الله حرم على النار، أن تأكل أثر السجود من ابن آدم؛ فهؤلاء كانوا يصلون، ويسجدون لله؛ وتواترت: بأنه يحرم على النار من قال، لا إله إلا الله، وشهد ألا إله إلا الله، وأن محمداً
(ص352) رسول الله، لكن جاءت مقيدة بالقيود الثقال وأكثر من يقولها، لا يعرف الإخلاص؛ وأكثر من يقولها، تقليداً وعادة، ولم يخالط الإيمان بشاشة قلبه؛ وغالب من يفتن عند الموت، وفي القبور، أمثال هؤلاء، كما في الحديث " سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته " وغالب أعمال هؤلاء، إنما هو تقليد واقتداء بأمثالهم، وهم من أقرب الناس، من قوله تعالى: (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون) [الزخرف: 23] 0
وحينئذ: فلا منافاة بين الأحاديث، فإنه إذا قالها بإخلاص، ويقين تام، لم يكن في هذا الحال مصراً على ذنب أصلاً؛ فإن كمال إخلاصه ويقينه، يوجب أن يكون الله أحب إليه من كل شيء، فإذاً لا يبقى في قلبه إرادة لما حرم الله، ولا كراهة لما أمر الله وهذا هو الذي يحرم على النار، وإن كانت ذنوب قبل ذلك، فإن هذا الإيمان، وهذا الإخلاص، وهذه التوبة، وهذه المحبة، وهذا اليقين: لا تترك له ذنباً إلا محي عنه، كما يمحوا الليل النهار.
فإذا قالها على وجه الكمال، المانع من الشرك الأكبر، والأصغر، فهذا غير مصر على ذنب أصلاً، فيغفر له، ويحرم على النار، وإن قالها على وجه، خلص به من الشرك الأكبر، دون الأصغر، ولم يأت بعدها بما يناقض ذلك، فهذه الحسنة لا يقاومها شيء من السيئات، فيرجح بها ميزان الحسنات، كما في حديث البطاقة، فيحرم على النار، ولكن تنقص
(ص353) درجته في الجنة، بقدر ذنوبه وهذا بخلاف من رجحت سيئاته بحسناته، ومات مصراً على ذلك، فإنه يستوجب النار، وإن قال لا إله إلا الله، وخلص بها من الشرك الأكبر، لكنه لم يمت على ذلك، بل أتى بعدها بسيئات، رجحت على حسنة توحيده؛ فإنه في حال قولها كان مخلصاً، لكنه أتى بذنوب أوهنت لك التوحيد والإخلاص، فأضعفته، وقويت نار الذنوب حتى أحرقت ذلك، بخلاف المخلص المستيقن، فإن حسناته لا تكون إلا راجحة على سيئاته، ولا يكون مصراً على سيئات، فإن مات على ذلك دخل الجنة.
وإنما يخاف على المخلص: أن يأتى بسيئة راجحة، فيضعف إيمانه، فلا يقولها بإخلاص ويقين مانع من جميع السيئات، ويخشى عليه من الشرك الأكبر والأصغر، فإن سلم من الأكبر، بقى معه من الأصغر، فيضيف إلى ذلك سيئات تنضم إلى هذا الشرك، فيرجح جانب السيئات؛ فإن السيئات: تضعف الإيمان واليقين، فيضعف قول لا إله إلا الله، فيمتنع الإخلاص بالقلب، فيصير المتكلم بها كالهاذى، أو النائم، أو من يحسن صوته بآية من القرآن، من غير ذوق طعم وحلاوة.
فهؤلاء لم يقولوها بكمال الصدق واليقين، بل يأتون بعدها بسيئات تنقص ذلك، بل يقولونها من غير يقين وصدق، ويموتون على ذلك، ولهم سيئات كثيرة، تمنعهم من دخول
(ص354) الجنة، فإذا كثرت الذنوب، ثقل على اللسان قولها، وقسا القلب عن قولها، وكره العمل الصالح، وثقل عليه سماع القرآن، واستبشر بذكر غيره، واطمأن إلى الباطل، واستحلى الرفث، ومخالطة أهل الباطل وكره مخالطة أهل الحق.
فمثل هذا: إذا قالها، قال بلسانه ما ليس في قلبه، وبفيه ما لا يصدقه عمله، قال الحسن: ليس الإيمان بالتحلى، ولا بالتمنى، ولكن ما وقر في القلوب، وصدقته الأعمال؛ فمن قال خيراً قبل منه، ومن قال خيراً وعمل شراً لم يقبل منه؛ وقال أبو بكر بن عبد الله المزنى: ما سبقهم أبو بكر بكثرة صيام، ولا صلاة، ولكن بشئ وقر في قلبه.
فمن قال لا إله إلا الله، ولم يقم بموجبها، بل اكتسب مع ذلك ذنوباً، وكان صادقاً في قولها، موقناً بها، لكن له ذنوب أضعفت صدقه ويقينه، وانضاف إلى ذلك الشرك الأصغر العملى، فرجحت هذه السيئات، على هذه الحسنة، ومات مصراً على الذنوب، بخلاف من يقولها، بيقين، وصدق ثابت، فإنه لا يموت مصراً على الذنوب؛ إما: إلا يكون مصراً على سيئة أصلاً؛ أو يكون توحيده، المتضمن لصدقه ويقينه، رجح حسناته.
والذي يدخل النار، ممن يقولها؛ إما أنهم لم يقولوها بالصدق واليقين التام، المنافيين للسيئات، أو لرجحانها، أو قالوها، واكتسبوا بعد ذلك سيئات، رجحت على حسناتهم، ثم ضعف لذلك صدقهم ويقينهم، ثم لم يقولها بعد ذلك،
(ص355) بصدق ويقين تام، لأن الذنوب قد أضعفت ذلك الصدق، واليقين من قلوبهم، فقولها من مثل هؤلاء: لا يقوى على محو السيآت، فترجح سيآتهم على حسناتهم، انتهى ملخصاً.
وقال الوزير، أبو المظفر، في الإفصاح: قوله " شهادة أن لا إله إلا الله " يقتضى: أن يكون الشاهد عالماًُ بلا إله إلا الله، كما قال تعالى: (فاعلم أنه لا إله إلا الله) [محمد: 19] قال: واسم (الله) مرتفع بعد (إلا) من حيث أنه الواجب له الإلهية، فلا يستحقها غيره سبحانه، قال: وجملة الفائدة في ذلك، أن تعلم أن هذه الكلمة: مشتملة على الكفر بالطاغوت، والإيمان بالله، فإنك لما نفيت الإلهية، وأثبت الإيجاب لله سبحانه، كنت ممن كفر بالطاغوت، وآمن بالله.
وقال في: البدائع، رداً لقول من قال: إن المستثنى مخرج من المنفي، قال بل هو مخرج من النفي وحكمه، فلا يكون داخلاً في المنفي، إذ لو كان كذلك، لم يدخل الرجل في الإسلام، بقوله: " لا إله إلا الله " لأنه لم يثبت الإلهية لله تعالى، وهذه أعظم كلمة: تضمنت لنفي الإلهية عما سوى الله تعالى، وإثباتها له بوصف الاختصاص؛ فدلالتها على إثبات الإلهية: أعظم من دلالة، قولنا: الله إله؛ ولا يستريب أحد في هذا البتة، انتهى بمعناه.
وقال: أبو عبد الله القرطبى، في تفسير، " لا إله إلا
الله " أى: لا معبود إلا هو، وقال الزمخشرى: الإله: من أسماء الأجناس، كالرجل، والفرس، يقع على كل معبود بحق، أو باطل، ثم غلب على المعبود بحق.
قال شيخ الإسلام: الإله، هو المعبود المطاع؛ فإن الإله، هو المألوه؛ والمألوه، هو الذي يستحق أن يعبد؛ وكونه يستحق أن يعبد، هو بما اتصف به من الصفات، التى تستلزم أن يكون هو المحبوب غاية الحب، المخضوع له غاية الخضوع؛ قال: فإن الإله، هو المحبوب، المعبود، الذي تألهه القلوب بحبها، وتخضع له، وتذل له، وتخافه وترجوه، وتنيب إليه في شدائدها، وتدعوه في مهماتها؛ وتتوكل عليه في مصالحها، وتلجأ إليه، وتطمئن بذكره، وتسكن إلى حبه، وليس ذلك إلا لله وحده.
ولهذا: كانت " لا إله إلا الله " أصدق الكلام، وكان أهلها أهل الله وحزبه، والمنكرون لها أعداؤه وأهل غضبه ونقمته، فإذا صحت صح بها كل مسألة وحال، وذوق، فإذا لم يصححها العبد فالفساد لازم له في علومه وأعماله.
وقال ابن القيم: الإله الذي تألهه القلوب محبة وإجلالاً، وإنابة وإكراماً وتعظيماً، وذلاً وخضوعاً وخوفاً ورجاء، وتوكلاً.
وقال ابن رجب: الإله هو الذي يطاع فلا يعصى، هيبة له وإجلالاً، ومحبة وخوفاً ورجاء، وتوكلا عليه وسؤالاً منه،
ودعاء له، ولا يصلح ذلك كله إلا لله عزَّ وجلَّ؛ فمن أشرك مخلوقاً في شئ من هذه الأمور التى هى من خصائص الإلهية كان ذلك قدحاً في إخلاصه في قول لا إله إلا الله، وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك.
وقال البقاعى: لا إله إلا الله، أى انتفى انتفاء عظيماً أن يكون معبوداً بحق غير الملك الأعظم، فإن هذا العلم هو أعظم الذكرى المنجية من أهوال الساعة، وإنما يكون علماً إذا كان نافعاً، وإنما يكون نافعاً إذا كان مع الإذعان والعمل بما تقتضيه، وإلا فهو جهل صرف.
وقال الطيبي: الإله فعال بمعنى مفعول، كالكتاب بمعنى المكتوب، من أله إلهة، أى: عبد عبادة؛ قال: الشارح، وهذا كثير في كلام العلماء، وإجماع منهم؛ فدلت: " لا إله إلا الله " على نفى الإلهية، عن كل ما سوى الله تعالى، كائنا من كان، وإثبات الإلهية لله وحده، دون كل ما سواه؛ وهذا هو التوحيد، الذي دعت إليه الرسل، ودل عليه القرآن، من أوله إلى آخره، كما قال تعالى عن الجن: (قل أوحى إلى أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجباً، يهدى إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا) [الجن: 1، 2].
فلا إله إلا الله، لا تنفع إلا من عرف مدلولها، نفياً وإثباتاً، واعتقد ذلك، وقبله، وعمل به؛ وأما من قالها، من
غير علم، واعتقاد، وعمل فقد تقدم في كلام العلماء: أن هذا جهل صرف، فهى حجة عليه بلا ريب، فقوله في الحديث: " وحده لا شريك له " أكيد، وبيان لمضمون معناها؛ وقد أوضح عن ذلك وبينه، في قصص الأنبياء والمرسلين، في كتابه المبين.
فما أجهل عباد القبور بحالهم، وما أعظم ما وقعوا فيه من الشرك، المنافى لكلمة الإخلاص: لا إله إلا الله؛ فإن مشركى، العرب، ونحوهم، جحدوا: لا إله إلا الله، لفظاً، ومعنى، وهؤلاء المشركون، أقروا بها، لفظاً، وجحدوها معنى، كالحب، والتعظيم، والخوف، والرجاء، والتوكل، والدعاء، وغير ذلك، من أنواع لعبادة.
بل زاد شركهم، على شرك العرب، بمراتب؛ فإن أحدهم إذا وقع في شدة، أخلص الدعاء لغير الله تعالى، ويعتقدون أنه أسرع فرجا لهم من الله، بخلاف حال المشركين الأولين، فإنهم يشركون في الرخاء، وأما في الشدائد، فإنهم يخلصون لله وحده، كما قال تعالى: (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون) الآية [العنكبوت: 65].
فبهذا: تبين أن مشركى هذه الأزمان، أجهل بالله، وبتوحيده، من مشركى العرب، ومن قبلهم؛ انتهى من فتح المجيد، فهذا بعض ما ذكره بعض العلماء، في معنى: لا
إله إلا الله، وفيه كفاية: (لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد)، [ق: 37]
فصل: وأما شروطها، التى ذكر شيخنا: الشيخ عبد الرحمن ابن حسن؛ أنه لابد منها في شهادة ألا إله إلا الله؛ فقال رحمه الله: لابد في شهادة ألا إله إلا الله، من: سبعة شروط، لا تنفع قائلها، إلا باجتماعها.
الأول: العلم، المنافى للجهل؛ فمن لم يعرف المعنى، فهو جاهل بمدلولها؛ الثانى: اليقين، المنافى للشك؛ لأن من الناس من يقولها، وهو شاك فيما دلت عليه من معناها؛ الثالث: الإخلاص، المنافى للشرك، فإن لم يخلص أعماله كلها لله، فهو مشرك شركاً ينافى الإخلاص؛ الرابع: الصدق، المنافى للنفاق؛ لأن المنافقين يقولونها، ولكنه لم يطابق ما قالوه، لما يعتقدونه، فصار قولهم كذباً، لمخالفة الظاهر للباطن.
الخامس: القبول، المنافى للرد، لأن من الناس من يقولها، مع معرفته معناها، لكن لا يقبل ممن دعاه إليه، إما كبراً، أو حسداً، أو غير ذلك من الأسباب المانعة من القول؛ فتجده يعادى أهل الإخلاص، ويوالي أهل الشرك، ويحبهم؛ السادس: الانقياد، المنافى للشرك؛ لأن من الناس من يقولها، وهو يعرف معناها، لكنه لا ينقاد للإتيان بحقوقها،
ولوازمها من الولاء، والبراء، والعمل بشرائع الإسلام، ولا يلائمه إلا ما وافق هواه، أو تحصيل دنياه؛ وهذه حال كثير من الناس؛ السابع: المحبة، المنافية لضدها؛ انتهى ما ذكره الشيخ.
فإذا تبين لك هذا، وعرفته، وتحققت: أن لا إله إلا الله، هى كلمة الإخلاص؛ وهى الفارقة بين الكفر والإسلام، وهى كلمة التقوى؛ وهى العروة الوثقى؛ فاعلم: أن هذه الكلمة، نفى، وإثبات؛ نفى الإلهية عما سوى الله من المخلوقات، وإثباتها لله وحده لا شريك له؛ وأنها لا تنفع قائلها إلا باجتماع هذه الشروط، التى تقدم ذكرها؛ فمن عرف معناها، وعمل بمقتضاها، وتحقق بها علماً وعملاً، واعتقاداً، فقد استمسك بالإسلام، الذي قال الله فيه: (إن الدين عند الله الإسلام) [آل عمران: 19] وقال: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) [آل عمران: 85].
فإذا علمت هذا، فقد ذكر أهل العلم: نواقض الإسلام؛ وذكر بعضهم: أنها قريب من أربعمائة ناقض؛ ولكن: الذي أجمع عليه العلماء، هو ما ذكره شيخ الإسلام، وعلم الهداة الأعلام، الشيخ: محمد بن عبد الوهاب، من نواقض الإسلام، وأنها عشرة.
فقال رحمه الله، اعلم أن نواقض الإسلام، عشرة نواقض؛ الأول: الشرك في عبادة الله وحده لا شريك له، قال تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) [النساء: 48] (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار) [المائدة: 72] ومنه: الذبح لغير الله، كمن يذبح للجن، أو للقبر؛ الثانى: من جعل بينه وبين الله وسائط، يدعوهم، ويسألهم الشفاعة، ويتوكل عليهم، كفر إجماعا؛ الثالث: من لم يكفر المشركين، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم كفر.
الرابع: من اعتقد أن غير هدى النبي  أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه، كالذين يفضلون حكم الطواغيت، على حكمه، فهو كافر؛ الخامس: من أبغض شيئاً مما جاء الرسول ، ولو عمل به كفر؛ السادس: من استهزأ بشئ من دين الله، أو ثوابه، أو عقابه، كفر؛ والدليل قوله تعالى: (قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون، لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) [التوبة: 65، 66].
السابع: السحر، ومنه: الصرف، والعطف؛ فمن فعله، أو رضى به، كفر، والدليل قوله تعالى: (وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر) [البقرة: 102] الثامن: مظاهرة المشركين، ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا
يهدى القوم الظالمين) [المائدة: 51] التاسع : من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد  كما وسع الخضر: الخروج عن شريعة موسى عليه السلام، فهو كافر.
العاشر: الإعراض عن دين الله، لا يتعلمه، ولا يعمل به؛ والدليل قوله تعالى: (ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون) [السجدة: 22] ولا فرق في جميع هذه النواقض، بين الهازل والجاد، والخائف، إلا المكره، وكلها من أعظم ما يكون خطراً، وأكثر ما يكون وقوعاً، فينبغى للمسلم أن يحذرها، ويخاف منها على نفسه، نعوذ بالله من موجبات غضبه، وأليم عقابه، انتهى


الدرر السنية في الأجوبة النجدية
مجموعة رسائل ومسائل علماء نجد الأعلام

12d8c7a34f47c2e9d3==