المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : البرهان من القرآن على أن الوصف بالشرك ثابت قبل قيام الحجة على أهل الكفر و الأوثان


كيف حالك ؟

أبو عبد الكريم الأثري
11-28-2012, 01:24 AM
"إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله .. أما بعد "
فقد ابتليت الساحة الإسلامية ببعض المندسين و المتعالمين الذين تزببوا قبل أن يتحصرموا وتعالموا ولم يتعلموا ،حيث عملوا عمدا على نشر بعض أخطاء العلماء الربانين وزلاتهم بين الناس والتي رد عليها فطاحل العلماء في هذا العصر ،وذلك أنهم دأبوا على نشر فتنة الإرجاء المقيتة من زمن غير قريب بين أبناء الأمة الإسلامية وخاصة الشباب منهم ،مستغلين في ذلك بعدهم عن العلماء وعدم تمكنهم من الدراسة على أيديهم ،أو قلة علمهم وفقرهم بالتالي عدم التمكن من الاتصال بهم ، فاستحكمت الشبهة في قلوبهم وتسللت البدعة إلى عقولهم ما أدى إلى نفورهم من الحق ،و الضرب بعرض الحائط كل النصائح و الفتاوى الموجهة و المقدمة إليهم والتي أصدرت ردا على فتنتهم من كبار علماء الأمة في هذا الزمان.

فمن فتنتهم التي شاعت و ذاعت قولهم أن الشخص لا يوصف بالكفر و لا يكفر حتى تقام عله الحجة و إن كان مشركا حقا أووقع في الكفر البواح الجلي ، ولا شك أن هذا من أبطل الباطل و أشنع ما أبتدع و قيل في هذا الزمان ، كيف لا وكلامهم هذا يهدم أصلا من أصول أهل السنة ، حيث نجد أن أهل السنة الأقحاح لا يقولون بهذا القول إذ أنهم يحكمون على من أظهر الكفر أو الشرك بالكفر قبل إقامة الحجة عليه مستندين في ذلك إلى كتاب الله و سنة رسول الله عليه الصلاة و السلام كما سنبينه إن شاء الله . ومنه فلا نشك أن قول المرجئة بعدم تكفير الكافر أو المشرك الذي تلبس بالكفر تحريف لكلام الله و لمراده ، إذ أنهم لا يصفون المشرك بما وصفه الله به في كتابه الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ،و لا من خلفه ،تنزيل من رب العالمين حيث قال الله تعالى في كتابه الكريم :

وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ* التوبة - الآية 6
فنجد أن الله تعالى سمى من كان على الشرك مشركا قبل سماع كلام الله ،و قبل قيام الحجة عليه كما هو واضح من الآية ومشاهد و ظاهر لمن لم يتلوث عقله بتحريف جاهلي ،أو تأويل بدعي .وإليك ثلة وكوكبة من كبار العلماء و فطاحل التفسير الذين لا ينكر إمامتهم وفضلهم على الأمة في هذا الفن إلا جاحد :

الشيخ العلامة عبد الرحمن السعدي رمه الله :

وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ
لما كان ما تقدم من قوله ‏{‏فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ‏}‏ أمرا عاما في جميع الأحوال، وفي كل الأشخاص منهم، ذكر تعالى، أن المصلحة إذا اقتضت تقريب بعضهم جاز، بل وجب ذلك فقال‏:‏ ‏{‏وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ‏}‏ أي‏:‏ طلب منك أن تجيره، وتمنعه من الضرر، لأجل أن يسمع كلام اللّه، وينظر حالة الإسلام‏.‏ ‏{‏فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ‏}‏ ثم إن أسلم، فذاك، وإلا فأبلغه مأمنه، أي‏:‏ المحل الذي يأمن فيه، والسبب في ذلك أن الكفار قوم لا يعلمون، فربما كان استمرارهم على كفرهم لجهل منهم، إذا زال اختاروا عليه الإسلام، فلذلك أمر اللّه رسوله، وأمته أسوته في الأحكام، أن يجيروا من طلب أن يسمع كلام اللّه‏.‏ وفي هذا حجة صريحة لمذهب أهل السنة والجماعة، القائلين بأن القرآن كلام اللّه غير مخلوق، لأنه تعالى هو المتكلم به، وأضافه إلى نفسه إضافة الصفة إلى موصوفها، وبطلان مذهب المعتزلة ومن أخذ بقولهم‏:‏ أن القرآن مخلوق‏.‏ وكم من الأدلة الدالة على بطلان هذا القول، ليس هذا محل ذكرها‏.‏

وقال الشيخ العلامة ابن كثير رحمه الله تعالى
وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ
يقول تعالى لنبيه صلوات الله وسلامه عليه " وإن أحد من المشركين " الذين أمرتك بقتالهم وأحللت لك استباحة نفوسهم وأموالهم " استجارك " أي استأمنك فأجبه إلى طلبته حتى يسمع كلام الله أي القرآن تقرءوه عليه وتذكر له شيئا من أمر الدين تقيم به عليه حجة الله " ثم أبلغه مأمنه " أي وهو آمن مستمر الأمان حتى يرجع إلى بلاده وداره ومأمنه " ذلك بأنهم قوم لا يعلمون " أي إنما شرعنا أمان مثل هؤلاء ليعلموا دين الله وتنتشر دعوة الله في عباده وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد في تفسير هذه الآية قال: إنسان يأتيك ليسمع ما تقول وما أُنزل عليك فهو آمن حتى يأتيك فتسمعه كلام الله وحتى يبلغ مأمنه حيث جاء ومن هذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي الأمان لمن جاءه مسترشدا أو في رسالة كما جاء يوم الحديبية جماعة من الرسل من قريش منهم عروة بن مسعود ومكرز بن حفص وسهيل بن عمرو وغيرهم واحدا بعد واحد يترددون في القضية بينه وبين المشركين فرأوا من إعظام المسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بهرهم وما لم يشاهدوه عند ملك ولا قيصر فرجعوا إلى قومهم وأخبروهم بذلك وكان ذلك وأمثاله من أكبر أسباب هداية أكثرهم ولهذا أيضا لما قدم رسول مسيلمة الكذاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له أتشهد أن مسيلمة رسول الله؟ قال نعم....

قال الشيخ العلامة البغوي رمه الله:
وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ

قوله تعالى: "وإن أحد من المشركين استجارك"، أي: وإن استجارك من المشركين الذين أمرتك بقتالهم وقتلهم، أي: استأمنك بعد انسلاخ الأشهر الحرم ليسمع كلام الله. "فأجره"، فأعذه وأمنه، "حتى يسمع كلام الله"، فيما له وعليه من الثواب والعقاب، "ثم أبلغه مأمنه"، أي: إن لم يسلم أبلغه مأمنه، أي: الموضع الذي يأمن فيه هو دار قومه، فإن قاتلك بعد ذلك فقدرت عليه فاقتله، "ذلك بأنهم قوم لا يعلمون"، أي: لا يعلمون دين الله تعالى وتوحيده فهم محتاجون إلى سماع كلام الله. قال الحسن: وهذه الآية محكمة إلى يوم القيامة.
إمام المفسرين العلامة الطبري حمه الله :
وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ
القول في تأويل قوله : وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (6)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه: وإن استأمنك، يا محمد، من المشركين، الذين أمرتك بقتالهم وقتلهم بعد انسلاخ الأشهر الحرم، أحدٌ ليسمع كلام الله منك = وهو القرآن الذي أنـزله الله عليه =(فأجره)، يقول: فأمّنه حتى يسمع كلام الله وتتلوه عليه =(ثم أبلغه مأمنه)، يقول: ثم رُدَّه بعد سماعه كلام الله إن هو أبَي أن يسلم، ولم يتعظ لما تلوته عليه من كلام الله فيؤمن = " إلى مأمنه ", يقول: إلى حيث يأمن منك وممن في طاعتك، حتى يلحق بداره وقومه من المشركين (75) =(ذلك بأنهم قوم لا يعلمون)، يقول: تفعل ذلك بهم، من إعطائك إياهم الأمان ليسمعوا القرآن, وردِّك إياهم إذا أبوا الإسلام إلى مأمنهم, من أجل أنهم قوم جهلة لا يفقهون عن الله حجة، ولا يعلمون ما لهم بالإيمان بالله لو آمنوا، وما عليهم من الوِزْر والإثم بتركهم الإيمان بالله.
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16481- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق: (وإن أحد من المشركين استجارك)، أي: من هؤلاء الذين أمرتك بقتالهم,(فأجره). (76)

16482- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (فأجره حتى يسمع كلام الله)، أما " كلام الله "، فالقرآن.
16483- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره)، قال: إنسان يأتيك فيسمع ما تقول، ويسمع ما أنـزل عليك، فهو آمنٌ حتى يأتيك فيسمع كلام الله, وحتى يبلغ مأمنه، حيث جاءه. (77)
16484- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد, بنحوه.
16485- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن سعيد قال: خرج رسوله الله صلى الله عليه وسلم غازيًا, فلقي العدوَّ, وأخرج المسلمون رجلا من المشركين وأشرعوا فيه الأسنّة, فقال الرجل: ارفعوا عني سلاحكم, وأسمعوني كلام الله ! فقالوا: تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وتخلع الأنداد، وتتبرأ من اللات والعزى! فقال: فإنّي أشهدكم أني قد فعلت.
16486- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ثم أبلغه مأمنه)، قال: إن لم يوافقه ما تتلو عليه وتحدثه, (78) فأبلغه. قال: وليس هذا بمنسوخ.
* * *
واختلفت في حكم هذه الآية, وهل هو منسوخ أو هو غير منسوخ؟
فقال بعضهم: هو غير منسوخ. وقد ذكرنا قول من قال ذلك.
* * *
وقال آخرون: هو منسوخ.

* ذكر من قال ذلك:
16487- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان, عن جويبر, عن الضحاك: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ، نسختها: فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً ،. [سورة محمد: 4]
16488-...... قال، حدثنا سفيان, عن السدي, مثله.
* * *
وقال آخرون: بل نسخ قوله: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ، قوله: فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ .
* ذكر من قال ذلك:
16489- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبدة بن سليمان, عن ابن أبي عروبة, عن قتادة: حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ ، [سورة محمد : 4 ] نسخها قوله: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ،
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي، قولُ من قال: " ليس ذلك بمنسوخ ". وقد دللنا على أن معنى " النسخ "، هو نفي حكم قد كان ثبت بحكم آخر غيره. (79) ولم تصحّ حجةٌ بوجوب حكم الله في المشركين بالقتل بكل حال، ثم نسخه بترك قتلهم على أخذ الفداء، ولا على وجه المنّ عليهم. فإذ كان ذلك كذلك، وكان الفداء والمنّ والقتل لم يزل من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم من أول حرب حاربهم, (80) وذلك من يوم بدر = كان معلومًا أن معنى الآية: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم, وخذوهم للقتل أو المنِّ أو الفداء، واحصروهم. وإذا كان ذلك معناه، صحّ ما قلنا في ذلك دون غيره.
-----------------------
الهوامش :
(75) انظر تفسير " الأمن " فيما سلف 13 : 420 ، تعليق 1 ، والمراجع هناك .
(76) الأثر : 16481 - سيرة ابن هشام 4 : 189 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 16480 .
(77) في المطبوعة : " حيث جاء " ، والصواب من المخطوطة .
(78) في المخطوطة والمطبوعة : " ما تقول عليه وتحدثه " ، وفي المخطوطة فوق " تقول " حرف ( ط ) دلالة على الخطأ ، والصواب ما أثبت .
(79) انظر ما قاله أبو جعفر في " النسخ " مرارا في فهارس الكتاب .
(80) في المطبوعة: "فكان الفداء"، وهو خطأ، لم يحسن قراءة المخطوطة.


يتبع إن شاء الله

أبو عبد الكريم الأثري
11-29-2012, 02:16 AM
الكتاب : فتح القدير الجامع بين فني الرواية و الدراية من علم التفسير
المؤلف : محمد بن علي بن محمد الشوكاني (المتوفى : 1250هـ)
قوله : { وَإِنْ أَحَدٌ مّنَ المشركين استجارك فَأَجِرْهُ } ، يقال : استجرت فلاناً ، أي طلبت أن يكون جاراً : أي محامياً ومحافظاً من أن يظلمني ظالم ، أو يتعرّض لي متعرّض . و { أحد } مرتفع بفعل مقدّر يفسره المذكور بعده : أي وإن استجارك أحد استجارك ، وكرهوا الجمع بين المفسر والمفسر . والمعنى : وإن استجارك أحد من المشركين الذين أمرت بقتالهم فأجره : أي كن جاراً له مؤمناً محامياً { حتى يَسْمَعَ كَلاَمَ الله } منك ويتدبره حق تدبره ، ويقف على حقيقة ما تدعو إليه : { ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ } أي : إلى الدار التي يأمن فيها بعد أن يسمع كلام الله إن لم يسلم ، ثم بعد أن تبلغه مأمنه قاتله فقد خرج من جوارك ورجع إلى ما كان عليه من إباحة دمه ، ووجوب قتله حيث يوجد ، والإشارة بقوله : { ذلك } إلى ما تقدّم من الأمر بالإجارة ، وما بعده { بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ } أي : بسبب فقدانهم للعلم النافع المميز بين الخير والشر في الحال والمآل .
ملاحظة : مما سبق تبين لنا أن الله تعالى أنزل وصف الشرك على عبدة الطواغيت و ذلك قبل سماعهم للقرآن الكريم و إقامة الحجة عليهم كما جاءت به الآية الكريمة ، ولا شك أن تفسير العلماء لكلام الله في هذه الآية لا يحتاج إلى مزيد بيان أو شرح ،لأن الآية مفهومة وواضحة لمن كان له عقل سليم وفهم رصين . وهذا ما فهمه السلف من هذه الآية الكريمة ، وبهذا فسر العلماء كلام الله على مراد الله ولم نجد عندهم غير ذلك ، أما عن قول المرجئة في هذا الزمان بأن الشخص لا يكفر وإن سجد لشجر أو حجر أو صنم أو وقع في شرك أو كفر جلي إلا بعد قيام الحجة عليه ، فهذا مالم يقل به أحد من السلف ولا التابعين ولا العلماء الراسخين ،أما ما تتناقله هذه العصابة من بعض أقوال العلماء الشاذة من هنا وهناك فهو إما زلة رد عليها علماء كل زمان في زمان ظهورها أو وقوعها، كما هو المشاهد اليوم ، حيث نجد ردود العلماء بكثافة على المرجئة، أو متشابه من القول يرد مجمله إلى مفصله ليعلم مراد القائل كما هو معمول به عند أهل السنة و الجماعة .
أما عن الآية الثانية التي حكم الله فيها بالكفر على من وقع فيه ووصفهم به فهي في سورة البينة ،حيث وصف الله تعالى المشركين و أهل الكتاب قبل إقامة الحجة عليهم بواسطة النبي عليه الصلاة و السلام بالكفر، و ذلك في قوله تعالى: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ * و الآية أيضا واضحة جلية معانيها كما هو ظاهر في وصف الله للكفار بالكفر قبل إقامة الحجة عليهم بواسطة الرسول عليه الصلاة و السلام، و تأكيدا لذلك إليكم تفاسير أهل العلم لهذه الآية الكريمة و بالله التوفيق .
قال الشيخ الإمام بن كثير رحمه الله
لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)
...
بسم الله الرحمن الرحيم
{ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) }
أما أهل الكتاب فهم: اليهود والنصارى، والمشركون: عَبَدةُ الأوثان والنيران، من العرب ومن العجم. وقال مجاهد: لم يكونوا { مُنْفَكِّينَ } يعني: منتهين حتى يتبين لهم الحق. وكذا قال قتادة.
{ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ } أي: هذا القرآن؛ ولهذا قال تعالى: { لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ } ثم فسر البينة بقوله: { رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً } يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم، وما يتلوه من القرآن العظيم، الذي هو مكتتب في الملأ الأعلى، في صحف مطهرة كقوله: { فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ } [ عبس: 13 -16 ] .
وقوله: { فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ } قال ابن جرير: أي في الصحف المطهرة كتب من الله قيمة: عادلة مستقيمة، ليس فيها خطأ؛ لأنها من عند الله، عز وجل.
قال قتادة: { رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً } يذكر القرآن بأحسن الذكر، ويثني عليه بأحسن الثناء.
وقال ابن زيد: { فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ } مستقيمة معتدلة.
وقوله: { وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ } كقوله:
__________
(1) في م: "لأملأن"، وفي أ: "لأمكنن".
(2) أسد الغابة لابن الأثير (4/549) وذكره الحافظ ابن حجر في الإصابة (3/528) من طريق أبي موسى، وهي من طريق محمد بن إسماعيل بن جعفر، عن عبد الله بن سلمة، عن الزهري به، وقال: "عبد الله بن سلمة واهي الحديث".
(8/456
الشيخ العلامة الطبري إمام المفسرين رحمه الله
لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4)
بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل قوله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه: { لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) } .
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله:( لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ) فقال بعضهم: معنى ذلك: لم يكن هؤلاء الكفار من أهل التوراة والإنجيل، والمشركون من عَبدة الأوثان( مُنْفَكِّينَ ) يقول: منتهين حتى يأتيهم هذا القرآن.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:( مُنْفَكِّينَ ) قال: لم يكونوا ليَنتهوا حتى يتبين لهم الحق.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله( مُنْفَكِّينَ ) قال: منتهين عما هم فيه.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله( مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ) أي هذا القرآن.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قول الله:
(24/539)
قال العلامة الشوكاني رحمه الله في فتح القدير
لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)
المراد ب { الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب } : اليهود والمراد ب { المشركين } : مشركو العرب ، وهم عبدة الأوثان . و { مُنفَكّينَ } خبر كان . يقال فككت الشيء فانفك ، أي انفصل . والمعنى : أنهم لم يكونوا مفارقين لكفرهم ، ولا منتهين عنه . { حتى تَأْتِيَهُمُ البينة } وقيل : الانفكاك بمعنى الانتهاء وبلوغ الغاية ، أي : لم يكونوا يبلغون نهاية أعمارهم ، فيموتوا حتى تأتيهم البينة . وقيل : منفكين زائلين ، أي : لم تكن مدّتهم؛ لتزول حتى تأتيهم البينة ، يقال ما انفك فلان قائماً ، أي : ما زال قائماً ، وأصل الفكّ الفتح . ومنه فكّ الخلخال . وقيل : منفكين بارحين . أي : لم يكونوا ليبرحوا أو يفارقوا الدنيا حتى تأتيهم البينة . وقال ابن كيسان : المعنى لم يكن أهل الكتاب تاركين صفة محمد صلى الله عليه وسلم حتى بعث . فلما بعث حسدوه وجحدوه ، وهو كقوله : { فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ } [ البقرة : 89 ] وعلى هذا فيكون قوله : { والمشركين } أنهم ما كانوا يسيئون القول في محمد صلى الله عليه وسلم حتى بعث ، فإنهم كانوا يسمونه « الأمين » ، فلما بعث عادوه وأساءوا القول فيه . وقيل : مُنفَكّينَ هالكين . من قولهم : انفكّ صلبه ، أي : انفصل . فلم يلتئم فيهلك ، والمعنى : لم يكونوا معذبين ، ولا هالكين إلاّ بعد قيام الحجة عليهم . وقيل : إن المشركين هم أهل الكتاب ، فيكون وصفاً لم؛ لأنهم قالوا المسيح ابن الله ، وعزير ابن الله .
قال الواحدي : ومعنى الآية : إخبار الله تعالى عن الكفار أنهم لن ينتهوا عن كفرهم ، وشركهم بالله حتى أتاهم محمد صلى الله عليه وسلم بالقرآن ، فبيّن لهم ضلالتهم وجهالتهم ، ودعاهم إلى الإيمان ، وهذا بيان عن النعمة ، والإنقاذ به من الجهل والضلالة ، والآية فيمن آمن من الفريقين . قال : وهذه الآية من أصعب ما في القرآن نظماً وتفسيراً ، وقد تخبط فيها الكبار من العلماء ، وسلكوا في تفسيرها طرقاً لا تفضي بهم إلى الصواب . والوجه ما أخبرتك ، فاحمد الله إذ أتاك بيانها من غير لبس ولا إشكال . قال : ويدلّ على أن البينة محمد صلى الله عليه وسلم أنه فسرها وأبدل منها فقال : { رَسُولٌ مّنَ الله يَتْلُو صُحُفاً مُّطَهَّرَةً } يعني : ما تتضمنه الصحف من المكتوب فيها ، وهو القرآن ، ويدلّ على ذلك أنه كان يتلو عن ظهر قلبه ، لا عن كتاب انتهى كلامه . وقيل : إن الآية حكاية لما كان يقوله أهل الكتاب والمشركون إنهم لا يفارقون دينهم حتى يبعث النبيّ صلى الله عليه وسلم الموعود به ، فلما بعث تفرّقوا ، كما حكاه الله عنهم في هذه السورة . والبينة على ما قاله الجمهور هو : محمد صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه في نفسه بينة وحجة ، ولذلك سماه سراجاً منيراً ، وقد فسر الله سبحانه هذه البينة المجملة بقوله : { رَسُولٌ مّنَ الله } فاتضح الأمر ، وتبين أنه المراد بالبينة .

تفسيرالإمام البغوي رحمه الله :
لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)
سورة البينة مكية (1) بسم الله الرحمن الرحيم
{ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) }
{ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ } وهم اليهود والنصارى ، { وَالْمُشْرِكِينَ } وهم عبدة الأوثان، { مُنْفَكِّين } [منتهين عن كفرهم وشركهم، وقال أهل اللغة]: (2) زائلين منفصلين، يقال: فككت الشيء فانفكَّ، أي: انفصل، { حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ } لفظه مستقبل ومعناه الماضي، أي: حتى أتتهم البينة، الحجة الواضحة، يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم، أتاهم بالقرآن فبيَّن لهم [ضلالاتهم] (3) وجهالتهم ودعاهم إلى الإيمان. فهذه الآية فيمن آمن من الفريقين، أخبر أنهم لم ينتهوا عن الكفر حتى أتاهم الرسول فدعاهم إلى الإيمان فآمنوا فأنقذهم الله من الجهل والضلالة.
الشيخ عبد الرحمين السعدي رحمه الله
لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)
{ 1 - 8 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ * رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ * وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ * وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ } .
يقول تعالى: { لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ } أي: [من] اليهود والنصارى { وَالْمُشْرِكِينَ } من سائر أصناف الأمم.
{ مُنْفَكِّينَ } عن كفرهم وضلالهم الذي هم عليه، أي: لا يزالون في غيهم وضلالهم، لا يزيدهم مرور السنين (1) إلا كفرًا.
{ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ } الواضحة، والبرهان الساطع، ثم فسر تلك البينة فقال: { رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ } أي: أرسله الله، يدعو الناس إلى الحق، وأنزل عليه كتابًا يتلوه، ليعلم الناس الحكمة ويزكيهم، ويخرجهم من الظلمات إلى النور، ولهذا قال: { يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً } أي: محفوظة عن قربان الشياطين، لا يمسها إلا المطهرون، لأنها في أعلى ما يكون من الكلام.
تفسير الجلالين
لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1)
لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ

" لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ " لِلْبَيَانِ " أَهْل الْكِتَاب وَالْمُشْرِكِينَ " أَيْ عَبَدَة الْأَصْنَام عَطْف عَلَى أَهْل " مُنْفَكِّينَ " خَبَر يَكُنْ , أَيْ زَائِلِينَ عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ " حَتَّى تَأْتِيهِمْ " أَيْ أَتَتْهُمْ " الْبَيِّنَة " أَيْ الْحُجَّة الْوَاضِحَة وَهِيَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

12d8c7a34f47c2e9d3==