المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أيا ربيعا المدخلي لا جديد عن إجماع الصحابة رضي الله عنهم في مسألة تارك الصلاة


كيف حالك ؟

المفرق
11-24-2012, 06:29 PM
أيا ربيعا المدخلي لا جديد عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسألة تارك الصلاة فشبهاتك و استدلالاتك كلها قد نسفت من قديم و قد سبقك إليها زميلك عدنان عبد القادر فأنت في الحقيقة جاهل مقلد له و لغيره من المرجئة الأصاغر فدونك هذا المقال الذي ينسف مقالاتك الاخيرة و العجيب أنني وجدته في شبكتك سحاب الإرجائية .

نصب المجانيق

لنسف ما أثير من شبهات
حول ما حكاه التابعي الجليل عبد الله بن شقيق


مبحث في تقرير إجماع الصحابة حول مسألة تارك الصلاة


مُضَمّن ملحقاً في الرد على عدنان عبد القادر
في كتابه : ( عدم حجية أثر عبد الله بن شقيق ... )




الحلقة الأولى




الحمد لله الذي مَنّ على هذه الأمة بخير صحب ، وحفظ بهم دينه لمن أقبل عليه ورغب ، وجعل السلامة والعافية في ركبهم آمَنِ رَكْب .
والصلاة والسلام على نبيه وخليله محمد ، أشرفِ وأطهرِ من دعا وأرشد وخطب
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ما قام طِرْف وأكرم وحيا ورحّب .
أما بعد :
فقد كنت جمعت في فترة مضت بعض الآثار الواردة عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسألة تارك الصلاة ، ومن بينها ما رواه التابعي الكبير عبد الله بن شقيق العقيلي ، وخرّجت تلك الآثار من مصادرها ، وحكمت عليها بما علمته من قواعد علم الحديث ، وعلّقت عليها بتعليقات موجزة
رجاء بيان مذهب الصحابة في هذه المسألة العظيمة ، وكنت وقتها أحسب أني وقفت على جل ما ذكره أهل العلم ، من خلال المصادر المعروفة والمعتمدة عند جميع الأطراف المتنازعة في هذه المسألة ، حتى وقفت على كتاب الأستاذ عدنان عبد القادر : ( عدم حجية أثر عبد الله بن شقيق على إجماع الصحابة ، دراسة أصولية حديثية ) فوجدته وكأنه يستقي المعلومات من مصادر أخرى غير المصادر المعروفة ، وكأن في بيته خزانة حوت من المصادر ما لم تشهده مكتبة من المكاتب الإسلامية .
فذكرني بقولة الإمام ابن حبان ـ وإن كان قد أراد بها معنى آخر ـ :
" كأن في بيت فلان شجرة تنبت الحديث "
وعلمت عند قراءتي له أن دراسته فعلا قد دَرَست القواعد الأصولية والحديثية ، دَرْسا لم يُبْقِ لها أثرا في الكتاب .
ولا أريد الآن أن أستطرد في الدعاوى ، فحسب القارئ أن يقارن بين ما ذكره وما سأذكره ، فكما قيل كل إناء بالذي فيه ينضح


لكني أنبه القارئ إلى أن حضرة الأستاذ إلى جانب ما وقع فيه من تجاوزات ، بعضها يمس الأمانة العلمية
وبعضها يمس العلمية نفسها ، فإن من أبرز ما تجدر الإشارة إليه ، هو إعراضه عن أقوال أهل العلم السابقين ومخالفته لهم بآراء محدثة من عنده ومن محض كيسه في أكثر من جزئية .
بدءا من تأويله لأثر عبد الله بن شقيق ، إلى تأويل أثر جابر ، إلى تضعيف الأثر ، إلى تلفيق قاعدة أصولية ، إلى النتيجة التي ختم بها بحثه من القول بأنه لم يثبت عن أحد من الصحابة تكفير تارك الصلاة .
بالإضافة إلى ما تبعها من استدلالات وتعليلات ، ناهيك عن اضطرابه في ذلك .
ولقد اعترف الأستاذ بأنه وقع في تأويلات محدثة لم يُسبَق إليها ، إلا أن الأمر لم يخل من تدليس ، فعقد فصلا عن أهل العلم في جواز استنباط استدلالات جديدة من الأدلة الشرعية لم ينص عليها أهل العلم من قبل لمسائل سبق أن قال بها العلماء .
فأوهم القارئ أن آراءه المحدثة كذلك ، بينما هي استدلالات مخالفة لما استدل به أهل العلم علاوة على أنها محدثة ، ليست مخالفة لأهل العلم الذين يخالفونه في أصل المسألة فحسب بل والذين يوافقونه فيها
حيث تأولوها بما يتعارض مع استدلاله المحدَث ، وسيأتي بيان هذا مفَصّلا .
وهذا المبحث أخي الكريم هو على قسمين :
الأول وهو أصل الكتاب قد تركته على صورته الأولى من تقرير الإجماع عن طريق ما وقفت عليه من آثار ، إلا أنني عالجت ما يلزم خلال عرضي لها .
والثاني وهو ملحق الرد ، وضحت فيه ما لزم من توضيح مما لم يتبين من الأول ، وذكرت بعض ما لم يُذكر .
و أود أن أنبه إلى أن كتابي هذا هو في تقرير الإجماع الذي حكاه ابن شقيق وغيره ، ولا يختص بمقالة ابن شقيق ولهذا جاء في العنوان : ( ... حول ما حكاه التابعي الجليل ... ) ، إلا أن ذكر ابن شقيق في العنوان إنما لكون أثره أظهرها دلالة ، ولأنه خُصّ بالذكر في عنوان الأستاذ عدنان .
وأتركك أخي الكريم مع البحث ، أسأل الله أن ينفع به كاتبه وقارئه وناشره نفعا آخرويا ، وسبحانك اللهم أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .




ما جاء عن الصحابة في كفر تارك الصلاة مما يدل على
إجماعهم

لقد تنوعت آثار الصحابة في الدلالة على اتفاقهم في مسألة تارك الصلاة ، وذلك من عدة جهات ،
الواحدة منها تكفي في إثبات ذلك عنهم فكيف بها مجتمعة ، وهي ثلاث جهات :

الجهة الأولى : ما جاء النقل فيه عن عامتهم من القول بذلك .

لقد جاء النقل عن عامة الصحابة بكفر تارك الصلاة ، وذلك في أثرين صحيحين صريحين ، وهما إلى جانب هذا لم يكونا باليتيمين ، فمنّة الله عليهما عظيمة ، والأنيس والقريب من كل جانب.
أما الأثران فإليك خبرهما :

أ ـ أثر جابر بن عبد الله رضي الله عنه:
صح عن التابعي الجليل مجاهد بن جبر أنه قال :
" قلت لجابر بن عبد الله صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم :
ما كان يفرق بين الكفر والإيمان عندكم من الأعمال في عهد رسول الله ؟
قال : الصلاة "
الأثر أخرجه محمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (893) وابن بطة في الإبانة (876) واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (2/829) .


كلهم من طريق يعقوب بن إبراهيم ( بن سعد ) قال : حدثني أبي عن محمد بن إسحاق ، قال : حدثني أبان بن صالح عن مجاهد بن جبر به .
وهذا إسناد كل رجاله ثقات على كلام في ابن إسحاق معروف لا ينزله عن مرتبة الاحتجاج ، وقد صرح بالتحديث عن شيخه في جميع المصادر ، ثم الراوي عنه إبراهيم بن سعد ، وقد قال الإمام أحمد
عنه :
" كان ابن إسحاق يدلس ، إلا أن كتاب إبراهيم بن سعد إذا كان سماعا (1) قال : حدثني ، وإذا لم
يكن قال ، قال : قال " ا.هـ
ورواية ابن إسحاق هنا من طريق إبراهيم .
أما هذا الإسناد : محمد بن إسحاق حدثنا أبان بن صالح عن مجاهد عن جابر ، فقد احتج به ابن حبان في صحيحه (4/268) (1420) وكذا ابن خزيمة (1/24) (58) عند روايتهما لحديث النهي عن استقبال القبلة ببول ، ورُؤيته قبل موته بعام يستقبلها .
وبنفس الإسناد أخرجه أبو داود (18) وسكت عليه ، وكذا الترمذي (9) وابن ماجه (325) والحاكم في مستدركه (1/157) مستدركا به على الصحيحين ، وقال :
" هو على شرط مسلم " كما في تنقيح أحاديث التعليق (1/19 )
وكرر ابن حبان الاحتجاج بهذا الإسناد في صحيحه (6/49) (2504) من طريق يعقوب بن إبراهيم عن أبيه عن ابن إسحاق به ... بذكر قصة سُليك الغطفاني .
وقد حكم ابن عبد البر في الاستذكار (5/183) باتصال هذا الإسناد عند ذكره لحديث رواه مالك مرسلا ، حديث الرجل الذي نذر أن لا يتكلم ولا يستظل ، فقال :
" هذا الحديث يتصل عن النبي من وجوه ، من حديث جابر ومن حديث ابن عباس .. وأظن والله أعلم (1) أن حديث جابر هو هذا [ أي الذي ذكره مالك مرسلا ] ، لأن مجاهدا رواه عن جابر ، وحميد بن قيس صاحب مجاهد


قال : حدثنا أبو عمر أحمد بن محمد ... عن محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح عن مجاهد عن جابر قال : كان أبو إسرائيل رجلا من بني فهر ، فنذر ليقومن في الشمس " ا.هـ
وحكم باتصال هذا الإسناد أيضا الحافظ في فتح الباري (5/353) عندما علق البخاري أثر جابر في المكاتب ، فقال الحافظ :
" وصله سفيان في كتاب الفرائض له من طريق مجاهد عن جابر " ا.هـ
ثم ذكره الحافظ في تغليق التعليق (3/315ـ414) بإسناده موصولا من طريق سفيان .
وقد وصله البيهقي في سننه (10/331) من طريق سفيان أيضا .
فرواية مجاهد عن جابر متصلة عند أئمة الحديث
وقد بين نوع اتصالها الإمام يحيى بن سعيد القطان عندما نقل عن صناع هذا الفن أنهم كانوا يَرون أن مجاهدا يحدث من صحيفة جابر .
وقد نقل هذا العلائي في جامع التحصيل (1/273)
والرواية مِن العدل المعروف ، عن الصحيفة المعروفة لها حكم الاتصال ، لأن العبرة بعدم وجود واسطة بينهما .
ويبدو أن صحيفة جابر كانت معروفة عندهم ، فقد كان يحدث منها الإمام الشعبي أيضا كما في العلل الكبير (163 ) ، وقتادة كما في التهذيب من ترجمته .
وعندما سأل الإمامُ الترمذي شيخَه البخاري عن حديث ابن إسحاق عن أبان بن صالح عن مجاهد بن جبر عن جابر بن عبد الله ، في البول جهة القبلة كما في العلل الكبير ص : (23)
" سألت محمدا عن هذا الحديث فقال :
" هذا الحديث صحيح (2) رواه غير واحد عن محمد بن إسحاق " ا.هـ


فصححه بهذا الإسناد .
وحسّن هذه الرواية أيضا الإمام أبو بكر البزار (3) وصححها ابن السكن
وفي العلل للدارقطني (1047) (6/166)
" سئل عن حديث جابر بن عبد الله عن أبي قتادة أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يبول مستقبل
القبلة ، فقال :
كذلك ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر عن أبي قتادة ، وليس بمحفوظ ، والحديث مشهور عن جابر بن عبد الله عن النبي ، يرويه محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح عن مجاهد عن جابر : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة ببول ، فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها " ا.هـ

ويتلخص من كل ما تقدم أن إسناد ابن إسحاق عن أبان بن صالح عن مجاهد عن جابر ، والذي ساق لنا أن المعتمد عند الصحابة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو جعل الصلاة فرقا بين الكفر والإيمان ، هو إسناد محفوظ متصل عند أئمة الحديث ، كما جاء عن الإمام البخاري ، وتلميذه الترمذي [ ويدل عليه تعليقه في العلل ] ، وتابعهم أبو داود بسكوته عنه ، والإمام الدارقطني ، وابن خزيمة ، وابن حبان ، والحاكم ، والبزّار ، وابن السكن ، وكذا العلامة الألباني عندما حسن إسناده في صحيح الترغيب (367) .
وأما أن رواية مجاهد عن جابر متصلة ، فإضافة لهؤلاء فقد حكم باتصالها الأئمة الأوائل القريبون من مجاهد ، كما في حكاية يحيى بن سعيد القطان عنهم ، وأيضا الإمام ابن عبد البر ، وأخيرا الحافظ ابن حجر ، وقد تقدم كل هذا .
ومن كل ما تقدم تعلم أن قول الإمام البرديجي ـ عن أحاديث مجاهد التي يرويها عن جابر ـ لا يصح فقد جاء عنه أنه قال :
" وأحاديث مجاهد عن جابر ليس لها ضوء ، إنما هي من حديث ابن إسحاق عن أبان بن صالح عن


مجاهد ومن حديث ليث بن أبي سليم عنه " ا.هـ
ولعله يريد أنها ليست سماعا مباشرا ، أو علم أنه لم يسمع منه فحكم على الرواية مطلقا بعدم الثبوت والله أعلم .
وقد سبق في كلام يحيى القطان عن الأئمة أنها صحيفة ، وهم أئمة هذا الشأن ، وحُذّاق هذا الفن ، ويكفي حكمُ أئمة العلل بعدهم بالاتصال وأن إسناده محفوظ ،كالبخاري والترمذي والبزار وابن حبان والدارقطني وابن عبد البر .
ولمجاهد عن جابر عدة أحاديث لم أجد أحدا أعلها بالانقطاع بين مجاهد وجابر ، وإذا وجدت إعلالا فهو عمن دون مجاهد كما فعل ابن عبد البر في التمهيد (1/312) والزيلعي في نصب الراية (2/166)
فالأثر صحيح بإذن الله .
وهو صريح ظاهر في الدلالة على أن السائد في عهد رسول الله ، والمستقر بين أصحاب رسول الله هو كفر تارك الصلاة ، كفرا أكبر مخرجا عن الملة .
فأما نسبة هذا إلى الصحابة فهو ظاهر من قوله : " عندكم ... في عهد رسول الله " .
وأما أن الكفر المذكور هو الأكبر فهو ظاهر من قوله : " ما كان يفرق بين الكفر والإيمان "
فهذا تعبير لا يمكن أن يحمل على الكفر الأصغر بحال ، ثم إنه يلزم من حمله على الكفر الأصغر لوازم باطلة ظاهرة البطلان ، إذ يلزم القول عندها بأن الصحابة لا يعتبرون عملا من الأعمال تركه كفرا أصغر إلا الصلاة .
وهذا باطل ، فهم يرون أن ترك الحج من الكفر الأصغر ، وكذا ترك الصوم .
ومن الظاهر أيضا في الأثر أنه تكلم عن موقف الصحابة من الأعمال التي تعتبر كفرا أكبر ، وبالتالي تكون فرقا بين الكفر والإيمان ، ولم يتكلم عن واقع المصلين من غيرهم ، ولا عن الوضع القائم في


عهدهم عن واقع المستحبين بفعل الصلاة من غيرهم ، فالسؤال الوارد في الأثر عن الأعمال لا العُمّال ، وعن الكفر والإيمان لا عن الكفار والمؤمنين .
والأمر واضح : ما هي الأعمال التي كنتم ترون أنها من الإيمان وتركها يوجب الكفر (4) ، فتكون بهذا فرقا بين الكفر والإيمان ؟
ونظير هذا قول جابر في رواية أخرى عنه :
فقد سأله رجل أكنتم تعدون الذنب فيكم شركا ؟
قال لا . وسئل : ما بين العبد وبين الكفر ؟ قال : ترك الصلاة

فجابر بن عبد الله إنما تكلم في الروايتين عن حكم ترك الصلاة كمسألة لا عن واقع التاركين ، ومن هذا تعلم بطلان تأويل هذا الأثر من بعض من لا يرى كفر تارك الصلاة ، حيث زعم أن جابرا رضي الله عنه إنما تكلم عن الوضع القائم في عهدهم ، من اعتبار الصلاة علامة يفرقون بها بين المسلمين والكفار كما كان النبي يُغِير على القرى التي لا يسمع فيها الآذان ، لا على أن الآذان تركه يوجب الكفر ، وإنما لأنه علامة على أن هؤلاء الناس من الكفار ، باعتبار أنه لم يكن يُترك الآذان في قرى المسلمين .
فمع أن الأثر بألفاظه لا يحتمل هذا المعنى المؤوَّل ، باعتبار أن الأثر إنما تكلم عن الأعمال لا عن العُمّال وعن الكفر والإيمان لا عن أصحابهما بصريح اللفظ ، وإنما تكلم عن ترك الصلاة كمسألة دون تعرض لواقع عملي ، ودون ذكر لوضع لا قائما ولا قاعدا .
مع كل هذا فالمعنى الذي ذهب إليه هذا المؤوِّل المتكلِّف لا يصح شرعا ولا عقلا ، إذ كيف يُجعل هذا الأمر الخفي علامة بارزة في أخطر مقام ، وهو الحكم على المعين بالكفر؟!


لا على مستوى طائفي شأنه شأن الآذان الشعيرة الظاهرة ، وإنما على مستوى أفراد ؟ فصلاة الجماعة ليست هي المقصودة ، وإنما مطلق الصلاة ، هذا لا يستقيم شرعا ولا عقلا .
فمن المعروف الظاهر أنك إذا أردت أن تعرف فلانا من الناس يصلي أم لا ؟ فإن هذا يحتاج منك إلى مراقبة دائمة ، بحيث لا يغيب عن عينيك لوقت طويل حتى تتمكن من الحكم عليه ، لا لوقت صلاة واحدة ، فهذا لا يثبت به الترك المطلق ، وإنما لعدة صلوات ، وهذا متعذر .
فإن أي فرد من الناس قد أوجبت سنة الحياة أن له مأوى يتوارى فيه عن أعين الناس ، فمن الصعب جدا معرفة التارك من خلال المشاهدة فقط ، بل لو حكم أحد على آخر بأنه تارك من خلال ما يعرفه عنه عن طريق المشاهدة ، ثم حكم عليه بموجب هذا الظاهر ، كان مخطئا في هذا الحكم عند الجميع ، ولهذا اشترط الإمام أحمد ومن تبعه ، في الحكم على التارك بالكفر الظاهر ، أن يُدعى إلى الصلاة ثم يمتنع ،
وما كان هكذا يمتنع جعله علامة ظاهرة كما زعم ذلك المؤول ، ولعل حرصه على التأويل صرفه عن تدارك هذا المعنى الباطل .
وقد روى أثرَ جابر هذا الإمامُ محمد بن نصر المروزي ، ولم يفهم منه ما فهمه هذا المؤوِّل الذي
لا هم له إلا صرف الأثر عن معناه الظاهر إلى أي معنى يخرج بالأثر عن كونه من أدلة تكفير تارك الصلاة .
فقد استدل الإمام ابن نصر المروزي بالأثر على كفر تارك الصلاة ، فبوَّب بابا بعنوان :
(باب ذكر إكفار تارك الصلاة ) وساق فيه أدلة المكفرين ومنها أثر جابر : " ما كان يفرق بين الكفر والإيمان ... "
وكذا الإمام عبيد الله بن محمد بن بطة عندما قال :
(باب كفر تارك الصلاة ومانع الزكاة وإباحة قتالهم وقتلهم إذا فعلوا ذلك)
فذكر أدلة المكفرين ومنها أثر جابر ثم قال (895) :



" فهذه الأخبار والآثار والسنن عن النبي والصحابة والتابعين ، كلها تدل العقلاء ومن كان بقلبه أدنى حياء على تكفير تارك الصلاة وجاحد الفرائض وإخراجه من الملة " ا.هـ
وأقل ما يدل عليه كلام هذين الإمامين أن ذلك المعنى الذي ذهب إليه ذلك المؤول غير مراد عندهما ،
وكذلك العلامة الألباني كما في صحيح الترغيب (367) فقد اعتبره شاهدا لأثر عبد الله بن شقيق ، مع أنه حمله على المعاند المستكبر ، فاستشهاده به دليل على إبطاله لذلك التأويل .

ومما يؤكد دحض هذا التأويل ما سبق من ذكر الرواية الأخرى عن جابر : " ما بين العبد وبين
الكفر ... " فهو من هذا الباب أيضا ، وبنفس معنى الرواية المرفوعة : " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ... " و " بين الرجل والكفر ترك الصلاة ... " ونحوها ، فعلى المؤوِّل أن يقف من كل هذه الروايات موقفا واحدا ، إما أن يؤول الجميع بذاك التأويل وعندها سيكشف لنا عن حقيقة باطله ، وإما أن يترك الجميع دون تأويل كما هو الصواب ، فيثبت ما ذكرناه من الاستدلال .
فأثر جابر بن عبد الله يدل على أن عامة الصحابة متفقون على القول بكفر تارك الصلاة ، وأن هذا كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا ، فهو في حكم الرفع قطعا ، وحجة بلا نزاع توجب ترك النزاع في هذه المسألة العظيمة والله أعلم .



ب – أثر عبد الله بن شقيق العُقيلي :

قال عبد الله بن شقيق رضي الله عنه :
"كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة "
وفي رواية :
" ما كانوا يقولون لعمل تركه رجل كفر غير الصلاة ، قال : كانوا يقولون تركها كفر "

الأثر أخرجه الترمذي في سننه (2622) وابن أبي شيبة في مصنفه (6/172) (30446) وفي الإيمان (137) وابن نصر في تعظيم قدر الصلاة (948) والخلال في السنة (1378) من طرق عن سعيد بن إياس الجريري عن عبد الله بن شقيق به

ورواه عن سعيد الجريرى كل من :
ـ بشر بن المفضل
ـ إسماعيل بن علية
ـ عبد الأعلى بن عبد الأعلى
أما بشر ، فقد رواه عنه محمد بن عبيد وحميد بن مسعدة وقتيبة بن سعيد باللفظ الأول
إلا أن الحاكم في مستدركه (12) (1/48) قد رواه من طريق قيس بن أنيف عن قتيبة بن سعيد عن بشر عن الجريري عن ابن شقيق عن أبي هريرة به مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم .
والصواب ما رواه الترمذي ، فهو الراوي عن قتيبة قد رواه موقوفا كما سبق
لأن الترمذي على إمامته إنما خالفه قيس بن أنيف ، وهو غير معروف بجرح ولا تعديل ، وهو أبو عمر قيس بن أنيف بن منصور الونوفاغي ، له ترجمة في اللباب (3/374)


ومن الخطأ أن يقارَن هنا بين قيس وقتيبة وحميد بن مسعدة ومحمد بن عبيد كما فعل عدنان عبد القادر في رسالته : " عدم حجية رواية عبد الله بن شقيق ... " ص (11)
لأن الاختلاف إنما هو على قتيبة بين الترمذي وقيس ، فكيف يقارَن بين المختلِف والمتخلَف عليه ؟!
ولو سلمنا بأن قيسا قد رواه عن بشر مباشرة لتصح المقارنة من الأستاذ ، فقيس لم يدرك بشرا فكان عليه أن يشير للانقطاع .
أما سعيد الجريري فكان قد اختلط ، ولم يكن اختلاطه فاحشا كما ذكر ابن حبان في الثقات (6/351)
ولأجل هذا نفى تلميذه ابن علية اختلاطه ، وقال : " كبر الشيخ فرَقّ " كما في الجرح والتعديل (1/4) ، وبنحو هذا شهد تلميذه الآخر يزيد بن هارون .
إلا أن تغيُّره ثابت بمجموع كلام الأئمة .
وبشر بن المفضل الراوي عنه للأثر باللفظ الأول هو ممن روى عن الجريري قبل الاختلاط ، فروايته عنه صحيحة ، وقد ثبتت روايته عنه قبل الاختلاط من وجهين :

أولا : بتنصيص الحفاظ على ذلك .

قال الحافظ الكبير إمام العلل في وقته ، العلامة ابن رجب الحنبلي في شرحه لعلل الترمذي
ص (313) :
" وممن سمع منه قبل أن يختلط : الثوري وابن علية وبشر بن المفضل ، وكان ابن علية ينكر أن يكون الجريري اختلط " ا.هـ



ولم يذكر الإمام ابن رجب مستنده في هذا التنصيص ، وهو أحد عباقرة هذا الفن ، ولم يخالف غيره من الأئمة ، لا ممن تقدمه ولا ممن تأخره ، بل وافقه غيره .
فقد نص الحافظ المحقق العلامة ابن حجر العسقلاني في هدي الساري على ذلك ص (425) حيث
قال :
" وما أخرج البخاري من حديثه إلا عن عبد الأعلى وعبد الوارث وبشر بن المفضل ، وهؤلاء سمعوا منه قبل الاختلاط ، نعم وأخرج له البخاري أيضا من رواية خالد الواسطي عنه ، ولم يتحرر لي أمره إلى الآن ، هل سمع منه قبل الاختلاط أو بعده ؟ لكن حديثه عنه بمتابعة بشر بن المفضل كلاهما عنه " ا.هـ
وتبين من كلام الحافظ أمران :
أ ـ أن الحافظ يقول بأن بشر بن المفضل قد سمع من الجريري قبل الاختلاط .
ب ـ أن ذِكْر الحافظ لهذا واعتمادَه له لم يكن لأجل إخراج البخاري لحديثه عن الجريري في الصحيح ، بدليل توقفه في خالد الواسطي ، فلو كان إخراج البخاري لحديث بشر هو المستند في قوله بأن بشرا روى عن الجريري قبل الاختلاط ، لكانت رواية خالد الواسطي كذلك .
ويؤكد هذا أن الحافظ بعد أن بَيّن توقُّفه في رواية خالد عن الجريري مع إخراج البخاري لها ، طمأن القارئ بقوله : " لكن حديثه عنه بمتابعة بشر " ، فاستدل ببشر لهذا الموطن ، ولا يمكن أن يكون المستدَل له هو المستدَل به
فمن العبث وسوء الفهم أن يُنسَب للحافظ أنه اعتمد على إخراج البخاري لرواية بشر عن الجريري في القول بأن بشرا روى عن الجريري قبل الاختلاط ، تماما كما فعل الأستاذ عدنان هداه الله ، هذا من العبث والجهل على هذا الإمام .
وأما مستند الحافظ في القول بأن بشرا إنما روى عن الجريري قبل الاختلاط فلم يذكره ، وهكذا ابن رجب
ولأن طرق الوصول إلى مثل هذه الحقيقة كثيرة (5) فلا يمكن لغر من الأغرار أن يأتي بعد هؤلاء



الحفاظ ويتخيل من عنده مستندهم في القول بذلك ، ثم يرجع إلى هذا المستند المتخيّل فيهدمه ، وخاصة عندما يعرب عن جهله بألفاظهم ومعانيها ، فينسب لهم ما نفوه كما فعل عدنان عبد القادر في رسالته : " عدم حجية رواية عبد الله بن شقيق ... " حيث زعم أن الحافظين إنما اعتمدا في القول بذلك مما اعتمداه رواية البخاري ومسلم عن الجريري من طريق بشر ، كما في ص (16) من رسالته ، مع أن الحافظين لم يذكرا هذا ، بل ابن حجر بين بكلامه عدم اعتماده في هذا على ما أخرجه البخاري ، فلِمَ الجهل ؟!
وبخاصة أن البخاري ومسلما لم يحتجا برواية بشر عن الجريري ، والحافظان ابن رجب وابن حجر من أعلم الناس بالبخاري وصحيحه ، وشرحاهما العظيمان من أعظم الشروح ولا تخفى عليهما هذه الحقيقة الواضحة ، فيجيء مثل هذا الطالب ويتفلسف عليهما بما هما أعلم به ، وبما لم ينصا على خلافه ! فلِمَ مثل هذه المغالطات الواضحة ؟
وسيأتي الرد عليه مفصّلا عقب هذه المادة والله المستعان .

ثانيا: إدراك بشر لأيوب وسماعه منه

قال أبو عبيد الآجري في سؤالاته (339) :
سمعت أبا داود يقول : " أرواهم عن الجريري إسماعيل بن علية ، وكل من أدرك أيوب فسماعه من الجريري جيد "
والمراد كل مَن سمع مِن أيوب ، وبشر بن المفضل قد ثبت سماعه من أيوب وذلك من طريقين :



الأولى : روايته عنه بالعنعنة .
فقد جاءت أكثر من رواية لبشر عن أيوب معنعنة ، وكان قد أدرك أيوبا ، فقد مات بشر سنة سبع
وثمانين ومائة ، وقال الإمام الذهبي في السير (9/38 ) :
" قلت كان من أبناء الثمانين "
أي أنه ولد سنة سبع ومائة تقريبا ، وأيوب إنما مات في الطاعون سنة إحدى وثلاثين ومائة بالإجماع كما في الطبقات الكبرى (7/251) .
وهذا يعني أن بشر بن المفضل كان عمره أربعا وعشرين سنة تقريبا عندما مات أيوب ، وكلاهما من أهل البصرة ، فسماعه منه تشهد له كل القرائن ، فإمام كأيوب كيف يُتصوَّر أن يتركه تلميذ نجيب كبشر ؟
ومثل هذه الصورة ينبغي أن يحمل فيها ما جاء معنعنا من بشر عن أيوب على أنه متصل وأنه سماع ، لأن بشرا ليس بمدلس ، ولأن السماع تشهد لصحته كل القرائن ، من تواجدهما في بلدة واحدة وهي البصرة ، وقد كانت بلا شك صغيرة بالنسبة لما عليه الآن ، وأيضا من اشتغالهما بالرواية في مدة مشتركة لا تقل عن عشر سنوات ، فلا بد لتلميذ مجتهد كبشر أن يكون قد سمع من شيخ مكثر كأيوب
وقد كان من أئمة هذا الشأن ، ومن أشدهم تحريا للسماع كالإمام البخاري والإمام أحمد ينصون على السماع عندما يجدون قرائن قوية تدل عليه ، ولو لم يقفوا على سماع صريح للراوي ، ففي العلل الكبير للترمذي (437) ص (241) أنه قال :
" سألت محمداً [ يعني البخاري ] عن هذا الحديث [ حديث أبي واقد ما قطع من البهيمة ] فقلت له : أترى هذا الحديث محفوظا ؟
قال : نعم
فقلت له عطاء بن يسار أدرك أبا واقد ؟



فقال : ينبغي أن يكون أدركه ، عطاء بن يسار قديم " ا.هـ
فالبخاري لم يقف على سماع صريح ، وإنما حكم به بناء على قرينة القِدم ، ولأجل هذا حكم على الحديث بالصحة ، ومثله الإمام أحمد ، فقد سئل كما في العلل ومعرفة الرجال (3/284) :
" هل سمع عمرو بن دينار من سليمان اليشكري ؟
قال : قتل سليمان في فتنة ابن الزبير ، وعمرو رجل قديم ، قد حدت شعبة عن عمرو عن سليمان وأراه قد سمع منه " ا.هـ
فاعتمد في الحكم بالسماع على القرائن لا التصريح بالسماع ، ونحوه ما جاء في علل الترمذي شرح ابن رجب (2/599) :
"وسئل [ أي أحمد ] عن أبي ريحانة ، سمع من سفينة ؟
قال : ينبغي ، هو قديم ، قد سمع من ابن عمر " ا .هـ
وقد حاول الإمام ابن رجب تأويله إلا أنه صريح في اعتماد الإمام أحمد على القرائن في إثبات السماع ، وهذه النقول وإن كانت لا تعني العمل بما عليه الإمام مسلم من شرط الاتصال ، إلا أنها تدل على أن القرائن متى قويت في الدلالة على السماع ولم يثبت ما يعارض الحكم بها وقوي الظن عند الباحث بذلك فإنه يحكم بالسماع ، ولا يعد مخالفا لمذاهب الأئمة في شرط السماع .
وعليه فبشر إن شاء الله ممن يحكم له بالسماع من أيوب لقوة القرائن والله أعلم
هذا على فرض عدم الوقوف على تصريح بالسماع ، فكيف وقد ثبت سماعه من أيوب بالصريح كما سترى إن شاء الله ، فلا شك أن سماعه من أيوب ثابت والله أعلم



ثانيا: رواية بشر عن أيوب سماعا .

فقد جاء التنصيص بالسماع منه في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (2/547) (2276)
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم :
نا علي بن الحسن قال : سمعت علي بن عثمان اللاحقي يقول : نا بشر بن المفضل قال : " سمعت أيوب يثني على جرثومة "
يعني جرثومة بن عبد الله النساج
وهذا إسناد صحيح متصل ، علي بن الحسن هو الهسنجاني له ترجمة في الجرح والتعديل (6/181) (992) روى عنه ابن أبي حاتم في كتابه الجرح والتعديل في أكثر من خمس وثلاثين ومائة موطن ، أما في كتاب التفسير فقد روى عنه في قرابة السبعين موطنا .
هذا بالنسبة للمواطن التي يصرح فيها بنسبته : ( الهسنجاني ) ، وقد روى عنه في أكثر من ذلك دون أن ينسبه كما في الإسناد السابق ، و إنما يقول حدثنا علي بن الحسن ، ويتبين من خلال شيوخه في تلك الأسانيد ، ولا يوجد من يحمل هذا الاسم من شيوخه سوى الهسنجاني الذي أكثر عنه وقد قال عنه بنفسه في الجرح والتعديل :
" كتبنا عنه وهو ثقة صدوق "
وقد ذكر المزي في تهذيب الكمال أن علي بن الحسن الهرثمي قد روى عنه ابن أبي حاتم ، ولم أجد له ذكرا في الجرح والتعديل ، فلم يرو عنه في أية رواية حسب تتبعي ، وإنما روى عنه ابن أبي حاتم في موطن واحد في كتاب التفسير (1415) ووقع فيه مصحفا : " علي بن الحسين الهرثمي " ، فالقاعدة عند أهل العلم أنه :




إذا جاء اسم الراوي مشتركا في طبقة من الطبقات بين اثنين ، فيحمل على من أكثر عنه ، أو الأشهر .
وهنا علي بن الحسن الهسنجاني هو الأشهر ، فهو تلميذ الإمام أحمد وابن معين وأحمد بن صالح ونعيم بن حماد ، وهو الذي روى عنه ابن أبي حاتم أكثر ، فقد روى عنه في كتبه مئات المرات ، إما مصرحا بنسبته ، وإما غير مصرح ولكنه يتميز من خلال شيوخه ، فعلي بن الحسن الهسنجاني قد روى عن الأئمة كأحمد بن حنبل ، روى عنه الكثير من الروايات المتعلقة بالتراجم ، وكذلك عن ابن معين وعن أحمد بن صالح ونعيم بن حماد
فروى عنه ابن أبي حاتم من روايته عن هؤلاء الأئمة ، تارة مهملا : " علي بن الحسن" فقط وتارة ينسبه : " علي بن الحسن الهسنجاني " هذا بالنسبة لكتابه الجرح والتعديل .
وهكذا فعل أيضا في التفسير ، تارة يروى عنه مهملا من روايته عن مسدد وسعيد بن أبي مريم وأبي الجماهر محمد بن عثمان في عشرات المواطن ، وتارة يروى عنه بالصورتين في روايات متوالية كما في التفسير (6710ـ6711) و (14100ـ14101) من روايته عن مسدد .
بخلاف الهرثمي فلم أقف إلا على رواية واحدة عنه وجاءت مصرحة
فعلي بن الحسن في إسناد الرواية السابقة هو الهسنجاني الثقة الصدوق
وشيخه علي بن عثمان اللاحقي وثقه أبو حاتم كما في اللسان (659) وقال الحافظ :
" ثقة صاحب حديث ... وما كان ينبغي للمؤلف [ أي الذهبي ] أن يذكر قول ابن خراش ، فما هو بعمدة " ا.هـ
وقد قال ابن خراش : " فيه اختلاف "
وما هو بعمدة كما قال الحافظ ، ولهذا قال عنه الذهبي في السير (10/568) : " الإمام الثقة الحافظ "
فالإسناد صحيح




وبهذا يثبت سماع بشر من أيوب ، مع أن روايته عنه بالعنعنة في أكثر من رواية تدل على الاتصال ، لبراءة بشر من التدليس ، ولقوة القرائن على السماع ، ولكن كما يقال :
" قطعت جهيزة قول كل خطيب " فالرواية سماعا برهان قاطع على ذلك .
ومنه تعلم أن الطريقة التي سلكها عدنان عبد القادر في رسالته ، لرد ما نص عليه الأئمة طريقة باطلة ، لا تمت إلى أساليب أهل العلم ولا إلى طرائقهم بصلة .
فمع قلة العلم وقصوره وقلة المصادر وقفنا على رواية صحيحة تثبت سماع بشر من أيوب ، فكيف بالحافظ ابن رجب وابن حجر ؟ لعلهما وقفا على روايات أخرى لا نعلمها .
ثم يأتي عدنان ذلك الطالب الغر ، ويتجرأ على هذين الإمامين وما نقلاه ، ويسلط قلمه الجائر ، ويسود صفحات كتابه بالتعسف والتأويل والتكلف الباطل ، ليبطل ما أثبتوه والدليل معهم ، هذا ما لا يُقبل ولا يُسكت عنه ، وسيأتي بيان شيء من أباطيله في الملحق إن شاء الله .

فها هو بشر قد سمع من أيوب ، وكل من سمع من أيوب فسماعه من الجريري جيد كما قال الإمام أبو داود السجستاني 0
و بالتالي فإسناد بشر صحيح ، وروايته صحيحة ثابتة ،كيف لا وبشر ثقة ثبت ، بل جبل من جبال الحفظ ، قال الإمام أحمد كما في رواية أبي بكر الأسدي عنه :
" بشر بن المفضل إليه المنتهى في التثبت بالبصرة " الجرح والتعديل (2/366)
وعن معاوية بن صالح قال :
" قلت ليحيى بن معين ، من أثبت شيوخ البصريين ؟ قال : بشر بن المفضل مع جماعة سماهم " الجرح و التعديل (2/366)



وقال ابن المديني :
" المحدثون صحفوا و أخطؤوا ما خلا أربعة : يزيد بن زريع وابن علية وبشر بن المفضل وعبد الوارث بن سعيد " تاريخ بغداد (6/233)
وقال ابن أبي داود سمعت أبي يقول:
" ليس من العلماء أحد إلا وقد أخطأ في حديثه إلا بشر بن المفضل وابن علية" تاريخ بغداد (6/233)
وقال ابن حبان في "مشاهير علماء الأمصار " (1276) :
"من أهل الإتقان"
وقال العجلي:
" ثقة فقيه البدن ، ثبت في الحديث ، حسن الحديث "
بالإضافة إلى توثيق الأئمة له ، فروايته غاية في الصحة
وقد تابعه في رواية الأثر عن الجريري بقريب من معناه الثقةُ عبد الأعلى بن عبد الأعلى ، عند ابن أبي شيبة (6/172) بلفظ الرواية الثانية :
" ما كانوا يقولون لعمل تركه رجل كفر غير الصلاة ، قال : كانوا يقولون تركها كفر "
فقول عبد الله بن شقيق : " كانوا " إنما يعني به من أدركهم ممن تقدمه من شيوخه من الصحابة وغيرهم لأن الأصل في رواية الراوي أن تحمل عمن شاهدهم وأخذ عنهم ،كما قرر الإمام المعلمي في رسالته
" البناء على القبور" (6)
وعبد الله بن شقيق أكثر شيوخه من الصحابة ، بل أدرك منهم أكثر من مائتين تقريبا ، وسمع من كبارهم كعمر وعثمان وعلي وأبي ذر .




وبهذا يجتمع لفظ عبد الأعلى ولفظ بشر في أن المراد بتلك الرواية المئات من الصحابة ، فلا خلاف كبير بين اللفظين
بل قول التابعي : " كانوا " باتفاق أكثر أهل العلم إنما يحتمل أمرين :
أ - " كانوا " كل الصحابة ، ويكون التابعي قد عنى بهم الصحابة جميعهم .
ب- " كانوا " من أدركهم من صحابة وتابعين .
فكلاهما محتمل ، وما ذكرناه آنفا من أنه عنى من أدركهم إنما هو على التسليم بأدنى الاحتمالين ، و إلا فالصواب أن يقدم الاحتمال الذي يوافق الرواية الأخرى رواية بشر ، بل رواية بشر توجب حمل هذه الصيغة (كانوا ) على المعنى الأول .
و لا ينبغي أن ينازَع في هذا ، لأن بشرا أوثق من عبد الأعلى ، وقد نص بشر بن المفضل في روايته على أن ذلك الأمر إنما هو عن الصحابة فقط ، بل عن عامتهم :
" كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة "
فوجب حمل قوله : " كانوا " في رواية عبد الأعلى على ما جاء صريحا في رواية بشر ، من أنهم الصحابة عامة ، لأن رواية عبد الأعلى تحتمل هذا المعنى الذي نصت عليه رواية بشر ، فلِمَ نقدم الاحتمال الآخر بأن المراد من أدركهم فقط من صحابة وتابعين ؟ و بالتالي نفرض نحن بهذا التقديم نوع خلاف بين الروايتين ؟
ولو سلمنا جدلا بهذا الاحتمال الثاني ، من أن المراد برواية عبد الأعلى : " كانوا يقولون ... " مَن أدركهم مِن صحابة وتابعين ، وتنازلنا أكثر وجعلنا رواية بشر بن المفضل : " كان أصحاب النبي... " على أن المراد الصحابة الذين أدركهم عبد الله بن شقيق ، فلا إشكال أيضا ، فابن شقيق قد أدرك المئات منهم ، فلا خلاف بين الروايتين ، وبشر بن المفضل وكذا عبد الأعلى كلاهما قد روى عن الجريري قبل الاختلاط ، بل قال الإمام العجلي :



" وعبد الأعلى من أصحهم سماعا منه [ سمع ] قبل أن يختلط بثمان سنين " كما في تهذيب التهذيب
فما اتفق عليه الثقتان بشر وعبد الأعلى ثابت صحيح لا مطعن فيه .
وقد تابعهما الإمام ابن علية كما في السنة للخلال (1378) من طريق أبي بكر المروذي عن الإمام أحمد
عن ابن علية به بلفظ :
" ما علمنا شيئا من الأعمال قيل تركه كفر إلا الصلاة "
وابن علية وإن كان من الحفاظ المعروفين بالضبط إلا أنه لا يبعد كثيرا عن بشر بن المفضل فكلاهما قد اشتركا في كثير من أوصاف الحفظ والضبط ، إلا أن ابن علية أرفع من بشر وخاصة في روايته عن الجريري ، فهو من أثبت الناس فيه 0
وهو أرفع بلا شك من عبد الأعلى ، ولكنه لا يقوى على أن يكون أرجح منهما عند اجتماعهما ، وخاصة أن في الإسناد إليه أبا بكر المروذي ، فهو وإن كان ثقة إلا أن تلميذه الخلال والراوي عنه هنا قال عنه ـ كما في السير ـ (13/175) :
" وأغرب على أصحابه في دقائق المسائل "
فما اتفق عليه بشر وعبد الأعلى أقرب إلى الصواب مما تفرد به ابن علية وجاء من طريق المروذي ،
ولا يلزم من هذا رمي رواية ابن علية بالوهم ، فعند مقارنة الروايات نجد أن رواية ابن علية احتوت على معنى أقل مما جاء في رواية بشر وعبد الأعلى ، وهذا يقوي احتمال أن تكون رواية مختصرة ، أو أن تكون رويت بالمعنى ، وبالتالي فكل حفظ وروى ما سمع إلا أن رواية ابن علية كانت مختصرة أو مروية بالمعنى ، بخلاف رواية بشر وعبد الأعلى فهي أتم ، وقد كانت الرواية بالمعنى منتشرة في ذلك العهد ، حتى إنه صح عن الإمام ابن سيرين أنه قال كما في مصنف عبد الرزاق (11/327) :
" كنت أسمع الحديث من عشرة ، اللفظ مختلف والمعنى واحد " ا.هـ
لكثرة الرواية بالمعنى ، وهذا يوجب الحكم على كل زيادة في المعنى بالصحة مادام أنها عريت عن أوصاف الشذوذ 0



وعلى كل حال فلا يمكن لأي أحد أن يتصور أن رواية الثقتين بشر وعبد الأعلى هي المرجوحة والشاذة ورواية ابن علية لوحده هي الثابتة والمحفوظة
لأن من المعلوم عند المشتغلين بعلم الرجال أن درجة الثقة والتثبّتِ والضبطِ التي يُمَثّلها اثنان بمنزلة الإمامين بشر وعبد الأعلى ، هي أرفع بكثير من الدرجة التي يُمَثّلها ثقة واحد كابن علية ، مهما كان ثبتا ، وعليه فرواية بشر ثابتة محفوظة والله أعلم (7)

ولم يختلف أهل العلم في صحة رواية بشر بن المفضل وثبوتها ، ولم يعلها أحد منهم ، فقد صوبها كل من :
1ـ محمد بن نصر المروزي عندما احتج بها في كتابه تعظيم قدر الصلاة
2ـ الحاكم أبو عبد الله في المستدرك (1/48) فقد رواها مستدركا بها على الصحيحين
3ـ الإمام ابن قدامة في المغني (2/157) حيث ذكرها ضمن أدلة المكفرين ثم أوّلها ، والتأويل فرع التصحيح
4ـ المنذري ، في الترغيب والترهيب (810) (6/214) بسكوته عليها ، وقد ذكر في مقدمته أن ما سكت عنه فهو ثابت عنده .
5 ـ النووي ، في المجموع شرح المهذب (3/18) وفي رياض الصالحين (263) حيث قال عن إسنادها : " إسناد صحيح "
6ـ شيخ الإسلام ابن تيمية في مواطن من كتبه ، حيث احتج بها كثيرا
7 ـ الزيلعي في " تخريج الأحاديث والآثار " فقد ساقها بإسنادها ثم قال: "وهؤلاء رجال الصحيح " (1/204)


8- الإمام الذهبي حيث احتج بها في الكبائر ص (10ـ22)
9ـ أبو زرعة العراقي في طرح التثريب (2/141)
10ـ السخاوي في الأجوبة المرضية (819)
11ـ السيوطي في شرح ابن ماجة (1/175)
12ـ العلامة الألباني في صحيح الترغيب ص (367)
13ـ العلامة ابن باز عندما صحح إسنادها في فتاويه الجزء العاشر من مجموع فتاوى و مقالات
فلا يلتفت بعد هذا إلى أقوال صغار العلم والفهم ، وخاصة عندما تستحضر أن رواية بشر المذكورة إنما هي سياق كامل ، وليست لفظة قد يتصور خفاء أمرها على هؤلاء الجبال ، فمثل هذا السياق مما يتضح الحال فيه عند كل ناظر لو كان ثمة شذوذ ، إذ الْمَعْنِي بالكلام هو جل ألفاظ الأثر والتي تمثل السياق المذكور ، بخلاف ما إذا كان الْمَعني لفظة واحدة ، فقد تختفي بين الألفاظ ولا ينتبه لأمرها كل ناقد
وعليه فمما لا يُقبل ، أن يدَّعي مدع بأن شذوذها قد انطلى على أولئك الأئمة ، وإذا بطل هذا اتضح لك أن اجتماعهم على ثبوت الرواية دليل قاطع على بطلان ذلك الشذوذ المزعوم والله أعلم

وإذا ثبت الأثر فعبد الله بن شقيق العقيلي تابعي كبير ، عده ابن سعد في الطبقة الأولى من تابعي أهل البصرة وسمع مباشرة ما يقرب من ثلاثة عشر صحابيا أو أكثر وروى عنهم ، منهم كبار الصحابة كعمر وعثمان وعلي وأبي ذر ، وأدرك المئات منهم
هذا التابعي الكبير ( المتفق على جلالته ) كما يقول النووي ، روى عن عامة الصحابة القول بكفر تارك الصلاة كما هو صريح الأثر



أما أن الكفر المذكور هو الكفر الأكبر ، فهذا ما لا يحتمل الأثر سواه ، ولذلك منع شيخ الإسلام من
جواز القول بغيره فقال كما في شرح العمدة (2/82) :
" الرابع : أن قوله : " ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة " ، وقوله : " كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة " لا يجوز أن يراد به إلا الكفر الأعظم ، لأن بينه وبين غير ذلك مما يسمى كفرا أشياء كثيرة .
ولا يقال فقد يخرج عن الملة بأشياء غير الصلاة .
لأنا نقول : هذا ذكر في سياق ما كان من الأعمال المفروضة وعلى العموم يوجب تركه الكفر ، وما سوى ذلك من الاعتقادات فإنه ليس من الأعمال الظاهرة " ا.هـ
وكرر الاحتجاج به في المجموع (22/48) على الكفر الأكبر ، وكذا احتج به ابن رجب في فتح الباري (1/23) ونقله ضمن أقوال المكفرين في جامع العلوم والحكم ص (44)
واحتج به كذلك البهوتي الحنبلي في كشاف القناع (1/221ـ229) وأيضا السيوطي الرحيباني في مطالب أولي النهى (1/283) .
والأثر كما سبق لا يحتمل سياقه أن يكون الكفر المذكور فيه هو الكفر الأصغر ، لأن الأعمال عند ذلك ستكون كثيرة ولا معنى لتخصيص الصلاة ،كترك الزكاة وترك الحج والصوم ونحوها ، وهذا هو مراد شيخ الإسلام بقوله:
" لأن بينه وبين غير ذلك مما يسمى كفرا أشياءً كثيرة "
وقوله في الأثر : " تركه كفر " نص في إخراج كل الأعمال التي يكون في فعلها كفر ، كالسجود لغير الله ووطئ المصحف ونحوها ، فهذه غير مرادة هنا لأن تركها إيمان .

أما أن الأثر دل على أن كفر تارك الصلاة المذكور هو قول عامة الصحابة وإجماع منهم فهذا الذي قرره أهل العلم ، ففي شرح العمدة (2/75) قال شيخ الإسلام :



" ولأن هذا إجماع الصحابة ... "
فذكر آثارا عن الصحابة ثم ذكر أثر عبد الله بن شقيق وأتبعه بأثر الحسن :
" بلغني أن أصحاب محمد كانوا يقولون : بين العبد وبين أن يشرك فيكفر أن يترك الصلاة من غير
عذر " ا.هـ
فكان من ضِمن ما استدل به على الإجماع .
وقال العلامة الشوكاني في نيل الأوطار (1/372) عن هذا الأثر :
" والظاهر من الصيغة أن هذه المقالة اجتمع عليها الصحابة ، لأن قوله : كان أصحاب رسول الله ، جمع مضاف وهو من المشعرات بذلك " ا.هـ
وكذا الحافظ أبو العلا محمد عبد الرحمن المباركفوري فقد قال كما في تحفة الأحوذي (7/309ـ310) عن هذا الأثر :
" ... الحصر يفيد أن ترك الصلاة عندهم كان أعظم الوزر ، وأقرب إلى الكفر ، قاله القارئ ، قلت : بل قول عبد الله بن شقيق هذا بظاهره يدل على أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يعتقدون أن ترك الصلاة كفر ، والظاهر من الصيغة أن هذه المقالة اجتمع عليها الصحابة لأن قوله:
" كان أصحاب رسول الله " جمع مضاف ، وهو من والمشعرات بذلك " ا.هـ
وقال العلامة ابن باز ضمن مجموع فتاوى ومقالات الجزء العاشر :
" ... ولهذا ذكر عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل عن أصحاب النبي صلى الله علية وسلم : ( أنهم كانوا لا يرون شيئا تركه كفر غير الصلاة ) ، فهذا يدل على أن تركها كفر أكبر بإجماع الصحابة رضي الله عنهم " ا. هـ
وقال العلامة ابن عثيمين :
" ونقل إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة عبد الله بن شقيق حيث قال : لم يكن أصحاب النبي



صلى الله عليه وسلم يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة " ا0هـ
ولم يقل أحد من أهل العلم أن الأثر لا يتكلم عن قول عامة الصحابة .

فالخلاصة أن أثر ابن شقيق قد نص على أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عامتهم على اعتبار أن ترك الصلاة كفر أكبر دون غيره من ترك الأعمال .
وبصيغة أخرى على وزن الأثر :
أجمع أصحاب رسول الله على أنه لا شيء من الأعمال يَكفر أحد بتركه ، إلا الصلاة فهم مجمعون على أن تركها كفر مع أنها عمل .
فالإجماع منهم شامل لما قبل أداة الاستثناء ، من اعتبار أنه لا شيء من الأعمال يعتبر تركه كفرا ، ولما بعد أداة الاسثتناء من أن ترك الصلاة كفر ، فكلا الأمرين مجمع عليهما ، والدليل على هذا اتفاق أهل العلم عليه ، ممن حمل الأثر على ظاهره على الكفر الأكبر ، وممن استدل به على الإجماع كابن تيمية وغيره ، وممن تأوله على غير ذلك (8) فجميعهم لم يفرقوا في حكاية ذلك عن الصحابة .
بل هذا ما نُصّ عليه في الأثر نفسه من رواية عبد الأعلى السابقة ، فقد جاء فيها :
" ما كانوا يقولون لعمل تركه رجل كفر غير الصلاة ، قال : كانوا يقولون تركها كفر "
فنص على اتفاقهم أيضا في تكفير تارك الصلاة كما هو في عدم التكفير بترك باقي الأعمال
"ما كانوا يقولون ... " و " كانوا يقولون ... "
فالاتفاق مَحْكي في الأمرين .
وعلى أي محمل حملنا رواية عبد الأعلى : " كانوا يقولون تركها كفر " فهي حجة على أنه لا فرق ما بين قبل أداة الاستثناء ( غير ) وما بعدها في حكاية ذلك القول عن عامة الصحابة ، فإن اعتبرنا أنها زيادة



محفوظة من قول ابن شقيق فهي حجة على ذلك ، وإن اعتبرناها زيادة من عبد الأعلى قالها يوضح بها معنى الأثر فكذلك هي حجة ، لأن الراوي أدرى بمرويه من غيره .
وهل يجسر عاقل على تخطئة عبد الأعلى في فهمه لهذا الأثر ليزعم خلاف قوله وبما لم يقل به أحد من الأئمة ؟!
هذا ما لا يستقيم
فسياق بشر على كل حال دال على عدم التفريق بين ما قبل الاستثناء وما بعده في نسبة ما جاء في الأثر إلى عامة الصحابة .
وعلى نسقه ووزنه ما جاء في مراتب الإجماع لابن حزم ص (17) حيث قال :
" واتفقوا أن الماء الراكد إذا كان من الكثرة بحيث إذا حرك وسطه لم يتحرك طرفاه ولا شيء منهما فإنه لا ينجسه شيء إلا ما غير لونه أو طعمه أو رائحته " ا.هـ
فما قبل الاستثناء وما بعده داخل في الاتفاق بلا خلاف .
وأيضا ما جاء في الإجماع لابن المنذر ص (50) رقم (155) حيث قال رحمه الله :
"وأجمعوا على أن المرأة ممنوعة مما منع منه الرجال في حال الإحرام إلا بعض اللباس "
فالإجماع هنا شامل أيضا .
وأيضا في الإجماع ص (48) رقم (136) حيث قال :
"وأجمعوا أن على المرء في عمره حجة واحدة ، حجة الإسلام ، إلا أن ينذر نذرا فيجب عليه الوفاء به " ا.هـ
وأيضا ص (47) رقم (130) قوله :
" وأجمعوا على أن الاعتكاف لا يجب على الناس فرضا ، إلا أن يوجبه المرء على نفسه فيجب عليه " ا.هـ



وفي مراتب الإجماع ص (38) قال :
" واتفقوا على أن الزكاة تتكرر في كل مال عند انقضاء كل حول ، حاشا الزرع والثمار ، فإنهم اتفقوا أن لا زكاة فيها إلا مرة في الدهر فقط " ا.هـ
ففي كل الأمثلة السابقة جاءت حكاية الإجماع والاتفاق شاملة لما قبل الاستثناء ولما بعده ، وهي للتمثيل لا للاحتجاج .
ومن كل ما تقدم تعلم بطلان قول الأستاذ عدنان بأن سياق رواية بشر عن الجريري : " كان أصحاب النبي ... " ، إنما يدل على اتفاق الصحابة في مسألة الأعمال فقط ، وأنه لا شيء منها يكفر بتركه ، فالاتفاق خاص بشطر الأثر الأول ، أما شطره الثاني وهو ترك الصلاة فالخلاف جارٍ فيه ، أو أنه محتمل للاتفاق ومحتمل للخلاف .
فأجرى الإجماع الذي دل عليه الأثر ، فيما قبل أداة الاستثناء من مسألة ترك الأعمال ، أما ما بعد أداة الاستثناء من ترك الصلاة فالخلاف فيه جار أو محتمل .
هذا القول الذي ادعاه مَن لم ينصف وآثر الاستكبار والتعسف ، قد اجتمعت فيه أمور أوجبت بطلانه ، منها :
1ـ أنه قول محدث لم يقل به أحد من أهل العلم من قَبل ، باعتراف مدّعيه كما سيأتي .
2ـ أنه مخالف لقول أهل العلم قاطبة ممن استدلوا بالأثر على كفر تارك الصلاة ، وممن تأولوه على الكفر الأصغر ، وممن استدلوا به على الإجماع كشيخ الإسلام ابن تيمية وقد سبق ذكر بعضهم
3ـ أنه مخالف لقول راوي الأثر عبد الأعلى بن عبد الأعلى ، حيث ساق الأثر بلفظ صريح في نقل الاتفاق على ما بعد الاستثناء من ترك الصلاة أيضا .
هذا إن سلمنا بما ادعاه ذلك المؤول ، من أن رواية عبد الأعلى : " كانوا يقولون تركها كفر " ، الدالة على الاتفاق في الصلاة أيضا ، إنما هي من قوله لا من صميم الأثر ، أما إن اعتبرنا أن رواية عبد الأعلى




هي من ضمن الأثر فزيادته قاضية للنزاع حيث جاء في روايته : " ما كانوا يقولون لعمل تركه رجل كفر غير الصلاة قال : كانوا يقولون تركها كفر"
فقوله : " غير الصلاة ، قال : كانوا يقولون تركها كفر " على أي محمل حملناها فهي دليل على بطلان ذلك التأويل من صاحبه ، وأن الأثر لا يحتمل نقل الخلاف في مسألة الصلاة ، بل الاتفاق شامل لقولهم في الأعمال ولقولهم في الصلاة
وقوله : " قال : كانوا يقولون ... " ( قال ) الأصل في المراد بها صاحب الأثر ابن شقيق وبالتالي فهي من صلب الأثر ، إما لفظا ومعنى ، وإما معنى فقط والله أعلم
4ـ أن ذلك القول المزعوم مخالف لظاهر الأثر ، حيث لم يأت في شيء من ألفاظ الأثر ما يدل على التفريق بين حكم الأعمال وحكم الصلاة من جهة نقل الإجماع ، فظاهر الأثر أن قول عامة الصحابة شامل للحكمين ( ترك شيء من الأعمال ) و ( ترك الصلاة ) بدليل أن الاستثناء الذي تعلق به ذلك المدّعي لم يقع إلا على الحكم لا على القائلين به ، فجاء في الأثر:
" غير الصلاة "
أي أن تركها كفر دون بقية الأعمال ، فاستثنى مِن حكمهم بعدم كفر ترك شيء من الأعمال ، استثنى ترك الصلاة بأنها في حكمهم كفر ، ولم يستثن منهم أحدا ، فبقي إجماعهم على ما هو عليه ، هذا الذي يوجبه ظاهر الأثر ، فتبين أن ذلك التأويل مخالف للظاهر
والظاهر كما هو معلوم ( ما يتبادر إلى الذهن من اللفظ قبل غيره ) فالذي يتبادر إلى الذهن من لفظ الأثر هو نقل ما في الأثر من أحكام عن عامة الصحابة ، سواء حكم ترك أي عمل أم حكم ترك الصلاة
ولا يوجد في ألفاظ الأثر ما يجعل ذلك التأويل متبادرا إلى الذهن ، بل لا يوجد في ألفاظه ما يجعله يخطر في الذهن فضلا عن أن يكون متبادرا .
والدليل على هذا أنك لو قرأت الأثر على أي طالب علم ، أو سألت أي مشتغل بالعلم ممن قرأ الأثر ، ما الذي تفهمه من ظاهر هذا الأثر ؟



لما تردد في القول بأن ظاهرَه نقلُ اتفاق الصحابة على كفر تارك الصلاة ، كما هو في نقل اتفاقهم على
عدم كفر ترك شيء من الأعمال الأخرى .
أما ذلك المعنى المزعوم فلا يرد على ذهن أحد إلا بعد التلقين ، ولو سألت هذا المتعسف نفسه عن أول معنى تبادر لذهنه عند اطلاعه على هذا الأثر ، لأجابك بأن اتفاق الصحابة على الأمرين هو المعنى الذي تبادر إلى ذهنه ، بل إن هذا كان مستقرا في ذهنه لفترة ، ولو أنصف لاعترف بأن ذلك المعنى المزعوم لم يطرق ذهنه إلا بعد بحث عن تأويل ، واستغراق في التفكير للخروج بمعنى يَفِرُّ به من محاجة المكفرين لتارك الصلاة له .
ويكفي تواردُ أهل العلم على المعنى المذكور آنفا واتفاقُهم عليه دلالةً على أنه هو الظاهر
وبهذا يسلم أثر عبد الله بن شقيق من ذلك التأويل المستنكر ، ويبقى دالا على أن أصحاب رسول الله عامتهم يرون أن الصلاة ـ من دون سائر الأعمال– تركها كفر كما استدل به أهل العلم ، وهذا ما دل عليه أثر جابر السابق .
وبذلك يتقرر إجماع الصحابة على القول بكفر تارك الصلاة ، لأنه مع نقل الاتفاق لم يثبت عن صحابي واحد يخالف هذا ، بل أكد هذا الاتفاق عن الصحابة جماعة من التابعين وتابع التابعين كما سيأتي ، وصح عن كثير من أفرادهم ، وهو ما سنوضحه في المباحث التالية بعد ذكر الأثر التالي




ج ـ أثر الحسن البصري .

قال رحمه الله :
" بلغني أن أصحاب محمد كانوا يقولون : " بين العبد وبين أن يشرك فيكفر أن يترك الصلاة من غير عذر" .

الأثر أخرجه الخلال في السنة (1372) وابن بطة في الإبانة (877) واللالكائي في أصول اعتقاد أهل السنة (1539) كلهم من طريق محمد بن جعفر قال: ثنا عوف عن الحسن به
وهذا إسناد صحيح عن الحسن
ووقع تصحيف في الإسناد عند اللالكائي

وها هو الإمام الحسن البصري التابعي المعروف ، يؤكد لنا ما رواه جابر وعبد الله بن شقيق عن صحابة رسول الله ، مِن أن المستقر عندهم في شأن تارك الصلاة هو الكفر .
فهو شاهد قوي لذلك ، لأنه وإن كان بلاغا فهو صحيح ثابت عن الحسن ، وإمام كالحسن البصري وفي طبقة كهذه من القرب بعهد الصحابة رضي الله عنهم ، لابد أن يكون لروايته نوع قوة ، فهو من علماء التابعين بل من كبار علمائهم ، وأدرك المئات من الصحابة ، فعنه أنه قال رحمه الله :
" لقد غزونا غزوة إلى خراسان ومعنا فيها ثلاثمائة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وكان الرجل منهم يصلى بنا " ا.هـ
فهو على شيء من الدراية بهم وبمذاهبهم ، ولو كان نقل إجماعهم على كفر تارك الصلاة منكرا فإن هذا لا يخفى عليه ، ولما نقله بهذه الطريقة ، فنقله شاهد قوى لما تقدم والله أعلم




الجهة الثانية : المشتملة على القرائن المؤكدة لصحة الإجماع .

هذه هي الجهة الثانية ، والتي يمكن من خلالها لوحدها إثبات إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة ، فكيف إذا ضممنا إليها ما تقدم ؟
وتشتمل على الآثار التالية :

1ـ أثر الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه :

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :
" لما طعن عمر رضي الله عنه احتملته أنا ونفر من الأنصار ، حتى أدخلناه منزله ، فلم يزل في غشية واحدة حتى أسفر ، فقلنا : الصلاة يا أمير المؤمنين!
ففتح عينيه فقال : أصلى الناس ؟
قلنا : نعم
قال : أما إنه لاحظ في الإسلام لأحد ترك الصلاة ، فصلى وجرحه يثعب دما " ا.هـ

والشاهد قوله : " لا حظ في الإسلام لأحد ترك الصلاة "
والحظ هنا بمعنى النصيب ، كما هو في قوله تعالى : ( للذكر مثل حظ الأنثيين )
وكذا في قوله صلى الله عليه وسلم للرجلين الذين سألاه من الصدقة ، فقال لهما :
" إن شئتما أعطيتكما ، ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب " (9)



وقول جبريل عليه السلام في قصة شق صدر الرسول عندما ما أخرج العلقة منه :
" هذا حظ الشيطان منك " (10)
فالمراد في الأثر مطلق النصيب ، أي لا نصيب مطلقا في الإسلام لمن ترك الصلاة .
لأن لفظة : " حظ " في الأثر نكرة جاءت في سياق النفي فتعم كل نصيب ، وبالتالي فظاهر الأثر ينفي أي نصيب في الإسلام لمن ترك الصلاة ، وليس وراء الإسلام إلا الكفر
نعم قد تأتى لفظة حظ بمعنى النصيب الوافر والمطلق لا مطلق النصيب ، فيختلف معناها عما سبق
وإلى هذا أشار ابن عبد البر في الاستذكار (1/235) حيث قال :



" وأما قول عمر : لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة ، فالحظ : النصيب ، يقول : لا نصيب في الإسلام وقوله يحتمل وجهين :
أحدهما : خروجه من الإسلام بذلك
والآخر : أنه لا كبير حظ له في الإسلام " ا.هـ
والظاهر من الأثر هو الأول ( خروجه من الإسلام ) على أن النفي لمطلق النصيب ، لا نصيب مطلقا في الإسلام ، وقد دل على هذا السياق من مجيء لفظة حظ نكرة منفية .
و إلى اعتبار أن هذا المعنى هو الظاهر من لفظ الأثر ذهب الإمام ابن عبد البر نفسه في كتابه التمهيد
فقد ذكر الأثر ضمن أدلة المكفرين لتارك الصلاة (4/225) ثم ذكر تأويل المانعين من التكفير لهذه الأدلة على أن الكفر المراد هو الغير مخرج من الملة فقال عندها :
" وعلى نحو ذلك تأولوا قول عمر بن الخطاب : لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة ، قالوا : أراد أنه لا كبير حظ له ، ولاحظا (كذا )كاملا له في الإسلام ، ومثله قول ابن مسعود وما أشبهه " ا.هـ
فقوله : " تأولوا " وذكرُه للأثر قبلَها ضمن أدلة المكفرين ، ومماثلته بقول ابن مسعود : " تركها كفر" الظاهر بلا خلاف في التكفير ، كل هذا اعتراف من الإمام ابن عبد البر بأن ظاهر الأثر في تكفير تارك الصلاة كما سبق ، بل قوله : " تأولوا " وحده صريح في إثبات ذلك ، إذ لا يقال إلا لما هو خلاف الظاهر .
وإلى أن أثر عمر ظاهر في تكفير تارك الصلاة ذهب أهل العلم .
فقد استدل به الإمام أحمد على تكفير تارك الصلاة كما في المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد في العقيدة (501) فجاء فيه :
" قال الحسن بن علي الإسكافي : قال أبو عبد الله في تارك الصلاة : لا أعرفه إلا هكذا ، من ظاهر الحديث ، فأما من فسره جحودا فلا نعرفه ، وقد قال عمر رضي الله عنه : حين قيل له : الصلاة ، قال : لاحظ في الإسلام لمن تركها " ا.هـ



وقال شيخ الإسلام في شرح العمدة (4/83) :
" إن قول عمر : لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة ، أصرح شيء في خروجه عن الملة " ا.هـ
فلم يعتبره شيخ الإسلام من قبيل الظاهر فقط ، بل هو أقوى من هذا ، وظاهر العبارة أن الأثر لا يحتمل
غير التكفير (11)
وقال العلامة السيوطي في تنوير الحوالك بشرح موطإ مالك (1/48) :
" لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة ، أخذ بظاهره من كفر بترك الصلاة تكاسلا ، وهو مذهب جمع من الصحابة ، وبه قال أحمد وإسحاق ، ومال إليه الحافظ المنذري في ترغيبه " ا.هـ
فنص على أن ظاهره في تكفير تارك الصلاة ، بل الأئمة الذين رووا هذا الأثر في مصنفاتهم لم يبوبوا للأثر إلا بذلك .
فالإمام محمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة ص (569) قال :
( باب ذكر إكفار تارك الصلاة ) ثم ذكر الأثر ضمن هذا الباب
والإمام الدارقطني في سننه قال :
( باب التشديد في ترك الصلاة وكفر من تركها )
وذكر أول ما ذكر أثر عمر : " لا حظ في الإسلام ... " ثم تلاه بالأدلة الأخرى الصريحة في كفر تارك الصلاة
وكذا الإمام الآجري في كتابه الشريعة قال :
( باب كفر من ترك الصلاة ) ثم ذكر ضمن الباب أثر عمر
وقد ساق الأثر العلامة ابن القيم ضمن أدلة المكفرين في كتابه الصلاة ص (61) وكذا العلامة أبو الطيب في عون المعبود (12/283)




فهؤلاء العلماء جميعهم سلموا بأن ظاهر الأثر في تكفير تارك الصلاة ، حتى ممن لم يكفر التارك ، وإنما تأوله من تأوله من باب التأويل ، شأنه شأن الأدلة الأخرى والتي اتفق أهل العلم على أن ظاهرها في كفر تارك الصلاة .
فإذا كان ظاهر الأثر في كفر تارك الصلاة عند أهل العلم ، سواء ممن أجراه على ظاهره وحكم بكفر تارك الصلاة ، أو ممن سلم بأن هذا هو الظاهر ثم تأوله واعترف بأن قوله تأويل ، فلا يجوز العدول عن هذا الظاهر إلا بدليل كما هو مقرر عند أهل العلم ، والأثر إنما هو موقوف من قول عمر ، ولا يجوز تأويل قوله إلا بما ورد عنه من قوله ، ولا دليل على ذلك ، فبقي أثر عمر ظاهر الدلالة على كفر تارك الصلاة بل هو كما قال شيخ الإسلام :
" أصرح شيء في خروجه عن الملة "
هذا من حيث دلالته على كفر التارك ، أما دلالته على الإجماع فقد قال شيخ الإسلام في شرح العمدة (4/75) :
" ولأن هذا إجماع الصحابة ، قال عمر رضي الله عنه : " لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة " وقصته في الصحيح ، وفي رواية عنه قال : لا إسلام لمن لم يصل ، رواه النجاد .
وهذا قاله بمحضر من الصحابة " ا.هـ
فاستدل به على الإجماع ، وكذا فعل تلميذه ابن القيم في كتاب الصلاة ، فإنه قال ص (67) :
" وأما إجماع الصحابة : فقال ابن زنجويه حدثنا ... أنه جاء عمر بن الخطاب... "
فذكر الأثر ثم قال :
" فقال هذا بمحضر من الصحابة ولم ينكروه عليه ... "
فقول شيخ الإسلام وتلميذه أن مقالة عمر هذه كانت بمحضر من الصحابة يدل عليه سياق القصة :
" احتملته أنا ونفر من الأنصار " وفي بعض الألفاظ : " بعض القوم "



ومن المعلوم أن أميرا متواضعا كعمر ، إذا غدر به في الصلاة فطعن ، فبمجرد أن ينتهي الناس من الصلاة لا بد أن يمتلأ مكانه بالناس ، حرصا منهم عليه ، واطمئنانا على حاله ، ومَن الناس إلا الصحابة ؟!
فهذان الإمامان الجهبذان استدلا على الإجماع بهذا الأثر ، وهو وإن لم يدل بمفرده على ذلك بطريق اليقين فلا شك أنه يدل على ذلك بضميمة الآثار الأخرى الآتية والسابقة أيضا والله أعلم .



هوامش الحلقة الأولى :


(1) الكلام لابن عبد البر


(2) وفي نصب الراية للزيلعي (2 /105 ) وكذا في تنقيح أحاديث التعليق (1/91) : " حديث حسن صحيح " .


(3) انظر تلخيص الحبير (1/104)



(4) لأن الأعمال التي فعلها يوجب الكفر كثيرة جدا ، كالسجود للصنم ، وإهانة النبي ، وإهانة المصحف ، وغيرها ، ولا يمكن بحال أن تكون داخلة لا في السؤال ولا الجواب



(5) إما عن تنصيص من أئمة متقدمين ، أو بالوقوف على سماع صريح من بشر عن أيوب السختياني ، الذي جعل أبو داود كلّ من سمع منه جيد السماع عن الجريري ، أو بالوقوف على قصة ما تدل على عدم سماع بشر من الجريري بعد اختلاطه ، وكل هذا لا يمكن لأمثالنا أن ينفيه عن أمثالهم المعروفين بغزارة العلم ووفرة المصادر الني نجهل الكثير منها .



(6) وسيأتي بيان هذا مفصلا في الملحق

(7) وللمزيد انظر الملحق


(8) كابن قدامة في المغني (2/275) و السيوطي في شرح ابن ماجة (1/75) وأبي الطيب آبادي في عون المعبود (12/284) ومحدث العصر الألباني في صحيح الترغيب (367)


(9) أخرجه الشافعي في الأم (2/73) و أبو داود (1366) والنسائي (5/99) (2589) والدارقطني
في سننه (2/119) وابن أبي شيبة (2/404)
كلهم من طرق عن هشام بن عروة قال : حدثني أبي قال : حدثني عبيد الله بن عدي بن الخيار أن رجلين حدثاه به .
وهذا إسناد صحيح ، والرجلان صحابيان هما أصحاب القصة

(10) أخرجه مسلم في صحيحه (162) من حديث أنس بن مالك ، وهو في المسند المستخرج على الصحيح من طرق عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس به برقم (415)
وقد ذكرت هذه النصوص لبيان معنى كلمة حظ ، وأن من معناها مطلق النصيب ، مع ذكر المعنى الآخر لبيان ما كتمه الأستاذ عدنان عبد القادر في كتابه : ( عدم حجية رواية عبد الله بن شقيق ... ) حيث قرر معنى النصيب بأنه العظيم الوافر فقط ، دون ذكر المعنى الأول ، في محاولة غير أمينة لتأويل الأثر ، فعقد عنوانا في معنى الحظ وساق أقوال أئمة اللغة ، فذكر عن ستة من العلماء ما يوافق المعنى الذي أراده ، بينما حبس قلمه عن ذكر المعنى الآخر ، مخالفا لأمانة العلم ، سالكا سبيل الذين يذكرون مالهم دون ما عليهم كما هي عادته في الكتاب ، وما هكذا يفعل أهل الدين والأمانة فإلى الله المشتكى

.
(11) ليس من السهل أن ينص شيخ الإسلام صاحب الأصول العلمية والمدارك الواسعة على دليل ما بأنه أصرح ما في الباب ومع هذا يكون الدليل بعيد الدلالة عن ذلك ، هذا لا يتصور من علم كشيخ الإسلام ، فتنبه لهذا


وهذا آخر الحلقة الأولى .



الحلقة الثانية


2ـ أثر التابعي الجليل أيوب السختياني :

عن حماد بن زيد أن أيوب السختياني قال :
" ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه "

الأثر أخرجه ابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (978) من طريقين عن حماد بن زيد عن أيوب به
وإسناده صحيح .
فها هو الإمام أيوب السختياني ينفي لنا وجود الخلاف إلى وقته ، فعهد الصحابة داخل في هذا ضمنا ، كيف لا وهو في عداد التابعين ، ونفي الخلاف دليل على الإجماع

3ـ رواية الإمام إسحاق بن راهويه لذلك :

قال الإمام أبو عبد الله المروزي :
سمعت إسحاق يقول:
" قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة كافر ، وكذلك كان رأي أهل العلم من



لدن النبي إلى يومنا هذا أن تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر " ا.هـ (1)
وقال الإمام ابن عبد البر في التمهيد (4/226) :
" قال إسحاق :
وقد أجمع العلماء أن من سب الله عز وجل ، أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم ، أو دفع شيئا مما أنزل الله ، أو قتل نبيا من أنبياء الله ، وهو مع ذلك مقر بما أنزل الله أنه كافر ، فكذلك تارك الصلاة حتى يخرج وقتها عامدا " ا.هـ

ولقد اعتمد أهل العلم نقلَ الإجماع عن إسحاق ، قال العلامة ابن رجب في فتح الباري له (1/21) :
" وحكاه إسحاق بن راهويه إجماعا منهم "
وقال (1/23) من الفتح أيضا :
" وممن قال بذلك ( أي بكفر تارك الصلاة ) ابن المبارك وأحمد في المشهور عنه ، وإسحاق وحكى عليه إجماع أهل العلم كما سبق " ا.هـ
وقال العلامة ابن عثيمين في الفتاوى :
" ونقل إسحاق بن راهويه إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة كفرا مخرجا عن الملة " ا.هـ
وقال في الأسئلة القطرية : (14/13)
" ونقل إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة الحافظ ابن راهويه رحمه الله ، وهو إمام مشهور " ا.هـ

وكلام إسحاق السابق صريح في هذا ، فقوله : " وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله
عليه وسلم إلى يومنا هذا " شامل للصحابة فمن بعدهم كما تقدم عن أيوب تماما .


4ـ رواية الإمام محمد بن نصر المروزي لذلك:

قال رحمه الله في كتابه تعظيم قدر الصلاة ص (605)
" ... ثم ذكرنا الأخبار المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم في إكفار تاركها ، وإخراجه إياه من الملة ، وإباحة قتال من امتنع عن إقامتها ، ثم جاءنا عن الصحابة رضي الله عنهم مثل ذلك ، ولم يجئنا عن أحد منهم خلاف ذلك " ا.هـ

فنقل عنهم تكفير تارك الصلاة ونفى مجيء شيء عنهم يخالف ذلك ، وهل الإجماع إلا هذا ؟!
فاجتمعت هذه النقول الأربعة ( أثر عمر وأيوب وإسحاق وابن نصر ) على إثبات إجماع الصحابة في هذه المسألة ، وأنهم متفقون على كفر تارك الصلاة ، في حين لم يرد عن صحابي واحد خلاف هذا ، مما أعطى الإجماع درجة اليقين ، وهذه هي الجهة الثانية في إثبات الإجماع .



الجهة الثالثة : المشتملة على ما جاء عن أفرادهم دون مخالف منهم

لقد ثبت عن عدد من الصحابة القول بكفر تارك الصلاة ، دون أن يثبت عن أحد منهم خلافه ، وإليك ما وقفت عليه منها :

1ـ4 الخلفاء الراشدون .

قال العلامة إسحاق بن راهويه :
" وقد كفى أهلَ العلم مؤونةَ القياس في هذا ما سن لهم النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده ، جعلوا حكم تارك الصلاة عمدا حكم الكافر " (2) ا.هـ

ومَن الخلفاء بعده إلا أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، وهؤلاء هم المقتدى بهم عند عامة الصحابة وغيرهم بخاصة أبي بكر وعمر .
وهل تطيب نفس لمخالفة هؤلاء الخلفاء في مثل هذه المسألة العظيمة ، المتعلقة بأظهر شرائع الإسلام ، المتكرر وقوعها في اليوم والليلة خمس مرات ، فهذه من المسائل التي لا تخفى ، وإن خفيت فإنما تخفى على متأخري الإسلام المبتعدين عن مصاحبة خير الأنام ، أما الأصحاب المقربون والمبادرون السابقون المطلعون على مراحل الوحي والتنزيل فهيهات هيهات أن تخفى عليهم منزلة تارك أعظم العبادات .


1ـ أبو بكر الصديق رضي الله عنه:

ودل على تكفيره لتارك الصلاة نقل إسحاق السابق

2ـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه :

وقد تقدم عنه ذلك من قوله ( لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة ) ، إضافة إلى نقل إسحاق هذا ، ثم هو من شيوخ ابن شقيق أيضا الذين حكى عنهم ابن شقيق هذا القول .

3ـ عثمان بن عفان رضي الله عنه :

ودل عليه أيضا نقل إسحاق ، ثم هو أحد شيوخ عبد الله بن شقيق أيضا .

4ـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه :

فعن معقل الخثعمي قال :
أتى عليا رجل وهو في الرحبة فقال :
يا أمير المؤمنين ! ما ترى في امرأة لا تصلى ؟
قال : من لم يصل فهو كافر


الأثر أخرجه ابن أبي شيبة (6/171) برقم (30436) وابن نصر المروزي (933) والآجري في الشريعة (135) والبيهقي في الشعب (1/72) من طريق ابن أبي شيبة
كلهم من طريق محمد بن أبي إسماعيل عن معقل به
وفيه معقل غير معروف بتوثيق ، ولكونه في هذه الطبقة وروى عنه ثقة فروايته قوية في الشواهد
ويشهد لها ما أخرجه ابن نصر (934) من طريق أسباط بن نصر أبي يوسف عن السدي عن عبد بن خير قال : قال علي رضي الله عنه :
"من ترك صلاة واحدة متعمدا فقد برئ من الله وبرئ الله منه "
وفيه أسباط " صدوق كثير الخطأ يغرب " كما في التقريب ، وقد تحرف عند ابن نصر في تعظيم قدر الصلاة إلى أسباط بن يوسف .
وللأثر شاهد ثالث عند ابن أبي شيبة في المصنف (6/170) (30427)
فأقل أحواله أن يكون حسنا والله أعلم
وقد ذكر شيخ الإسلام عليا فيمن ذهب إلى تكفير تارك الصلاة (3) ، ثم هو من شيوخ عبد الله بن شقيق فهو داخل في ضمن من حكى عنهم ابن شقيق ذلك ، وسبق نقل إسحاق عنه وعن غيره من الخلفاء أيضا .

5 ـ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :

فقد ثبت أنه قيل له :


إن الله يكثر ذكر الصلاة في القرآن ( الذين هم على صلاتهم دائمون ) ( والذين هم على صلاتهم يحافظون )
قال عبد الله : " ذلك على مواقيتها "
قالوا : " ما كنا نرى يا أبا عبد الرحمن إلا على تركها "
فقال : " تركها الكفر "

الأثر رواه المسعودي ( عبد الرحمن بن عبد الله ) عن الحسن بن سعد عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عبد الله بن مسعود به .
أخرجه بهذا الإسناد العدني في الإيمان ص (91ـ92) وابن المنذر في الأوسط (2/386) والطبراني في الكبير (8940) (9/191) واللالكائي في شرح الاعتقاد (1534) وابن عبد البر في التمهيد (4/230)
ورواه هكذا عن المسعودي كل من :
1ـ يحيى بن سعيد القطان عند اللالكائي والخلال
2ـ يزيد بن زريع عند ابن عبد البر
3ـ عبد الله بن يزيد المقرئ عند العدني وابن المنذر
4ـ أسد بن موسى عند الطبراني
وقد صرح عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود بالسماع من أبيه لهذا الأثر عند ابن المنذر والراوي عن المسعودي فيه هو عبد الله بن يزيد المقرئ ، وقد وقع فيه محرفا هكذا (المقبري) والصواب المقرئ
لأن الراوي عنه عند ابن المنذر عبد الله بن أحمد بن أبي ميسرة من تلاميذ المقرئ ، وتتبعت الأوسط لابن المنذر فوجدت عبد الله بن أحمد هذا روى عن المقرئ كما في (1/329) وجاء الاسم فيه على


الصواب ، كما أنه تحرّف إلى المقبري في مواطن أخرى كما في (1/432)
وليس هناك ذكر للمقبري في الصحيح من التراجم ، لا في تلاميذ المسعودي ولا في شيوخ عبد الله بن أحمد بن أبي ميسرة ، بل كل المواطن التي جاء فيه ذكر المقبري في هذه الطبقة من كتاب الأوسط تَبيَّن من خلال الشيوخ والتلاميذ أنه المقرئ ، وبالتالي فظاهر إسناد ابن المنذر الصحة
أما المسعودي فهو وان كان قد اختلط إلا أن سماع يحيى بن سعيد القطان كان قبل الاختلاط ، وكذا يزيد بن زريع فيما رجحه الأبناسي وابن الكيال
وقد نص القطان بذلك عن نفسه عندما أخبر أنه لم يسأله عن شيء ولم يكلمه بعد اختلاطه .
والمسعودي ثقة في نفسه وكذا شيخه الحسن
أما عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود فهو وإن كان ثقة إلا أنه تكلم في سماعه من أبيه
قال يحيى بن سعيد القطان : " مات أبوه وله نحو ست سنين "
وهذه السِّن وإن كانت لا تعني عدم السماع لإمكان وجود التمييز فيها ، وهو كاف في صحة التحمل ، إلا أن ذلك يشكك في السماع عند وجود من ينفيه من أهل العلم
فقد اختلف أهل العلم في سماع عبد الرحمن من أبيه على ثلاثة أقوال :

الأول : قول من نفاه مطلقا كشعبة والثوري وابن معين في بعض الروايات والنسائي والحاكم
الثاني : قول من أثبت له سماع حديث أو حديثين كأحمد في رواية ابنه صالح عنه ، وقول من نقل عنهم العجلي ذلك ، وكذا ابن المديني في رواية عنه .
الثالث : قول من أثبت له السماع عموما كأبي حاتم وظاهر صنيع البخارى ورواية عن ابن معين


والراجح أن سماعه منه ثابت وأنه سمع منه عدة أحاديث ليست بالكثيرة ، فمتى قامت قرائن على ذلك حكم بالسماع ، لأن المثبت مقدم على النافي كما هو معلوم ، ومن علم حجة على من لم يعلم ، وسماع عبد الرحمن في تلك السن ليس بمستبعد ، وشيخه في الإسناد هو أبوه ، ومطلق السماع قد أثبته جم من الأئمة ، ورواية المقرئ للسماع عند ابن المنذر قرينة على ذلك ، وخاصة أن المقرئ لم يذكر فيمن سمع من المسعودي بعد الاختلاط ، وأصله من البصرة أقرأ فيها القرآن ستة وثلاثين سنة كما أخبر عن نفسه وسماع من سمع من المسعودي في البصرة جيد كما قال أحمد بن حنبل .
ومن القرائن المقوية لصحة الأثر ، أنه رواه عن ابن مسعود أيضا حفيده القاسم بن عبد الرحمن ، وهو وإن لم يكن قد سمع منه إلا أن رواية الرجل عن أهل بيته أقوى من روايته عن غيرهم ، وخاصة أن الراوي عن القاسم هو المسعودي أيضا ، وقد نص العلماء على أن رواية المسعودي عن القاسم أصح الروايات التي يرويها المسعودي .
قال ابن معين كما في رواية الدوري (1607) :
" وكان حديثه صحيحا عن القاسم و معن (ابني ) عبد الرحمن "
وقال في موطن آخر (2105) :
" وحديثه عن عون والقاسم صحاح "
وفي رواية عبد الله بن شعيب عنه في تاريخ دمشق (35/17) :
" ويصحح له ما روى عن القاسم و معن وشيوخه الكبار "
وقال ابن المديني :
" ما روى عن القاسم و معن صحيح " تاريخ دمشق (35/18)
و بنحوه قال الإمام أبوزرعة كما في سؤالات البردعي (420)

فالمسعودي صحيح الرواية فيما يروي عن القاسم ، وكلاهما من ولد عبد الله بن مسعود فالإسناد


مسعودي هذلي .
وقد أخرج رواية المسعودي عن القاسم علي بن الجعد في مسنده ( 1924) ومن طريقه اللالكائي (1532) من رواية علي بن الجعد عن المسعودي به
والطبراني (9/190ـ191) (8938ـ8939ـ8940) من رواية أبي نعيم وحماد بن سلمة وأسد بن موسى ، ( وأبو نعيم ممن روى عنه قبل الاختلاط ) كلهم عن المسعودي به
والآجري في الشريعة (1/291) رقم (292) وكذا اللالكائي (1533) من طريق يحيى بن سعيد القطان عن المسعودي به
فالمسعودي قد روى الأثر على هذا من وجهين:
- القاسم عن ابن مسعود
- الحسن بن سعد عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه ابن مسعود
وقد رواه بالوجهين يحيى بن سعيد القطان ، وهو ممن روى عنه قبل الاختلاط وأسد بن موسى
ومما يؤكد أن المسعودي قد ضبطه بالوجهين وأن هذا ليس باضطراب منه أمران :
الأول : أن تلاميذه الذين رووا عنه قبل الاختلاط قد رووا عنه الوجهين ، كيزيد بن زريع للوجه الأول وأبي نعيم للوجه الثاني ويحيى القطان للوجهين .
الثاني : أن تلاميذه الآخرين ممن رووا عنه بعد الاختلاط ، أو من لم نعرف متى رووا عنه ، قد رووا عنه بما وافق الروايات الأخرى دون خلط ، كرواية المقرئ وحماد بن سلمة وعلي بن الجعد وأسد بن موسى .
أي من رواه عن القاسم رواه منقطعا ، ومن رواه عن الحسن رواه موصولا دون اختلاف بينها
سوى ما جاء في رواية وكيع ، فقد أخرج ابن نصر في تعظيم قدر الصلاة (62ـ938) والطبري في تفسيره (16/99) وابن حزم في المحلى (2/240) من طريق وكيع عن المسعودي عن القاسم والحسن كليهما عن ابن مسعود به .


فلم يفرق وكيع بين رواية القاسم والحسن كغيره من الرواة ولم يُفَصّل فيها ، وهذا من باب الاختصار في الرواية إن شاء الله والإجمال فيها ، إذ التفصيل في الروايات المقرونة مهمول في صنيع كثير من الرواة .
ولهذا فمن الفوائد العملية التي لا تخفى إن شاء الله على المشتغلين بهذا الفن ، أن الباحث عندما يبحث في حديث ما ، في زيادة فيه أو لفظة منه ليعلم هل هي محفوظة أم لا ، فإن عليه ألا يعول كثيرا على الطرق التي يُقرن فيها أكثر من راو في سند واحد على أن اللفظ أو الزيادة لكليهما ، فإن المصنفين أو تلاميذ أولئك الشيوخ المبحوث في ألفاظهم ، لا يفصلون غالبا ولا يدققون في ألفاظ شيوخهم المقرونين ويظهر لك ذلك عندما تقف على رواية أحد المقرونين مفردة في مصنف آخر .
وهنا كل الروايات التي جاءت عن المسعودي من طريق من روى عنه قبل الاختلاط وبعده من روايته عن الحسن بن سعد جاءت موصولة ، إلا رواية وكيع التي قرن فيها الحسن بالقاسم ، وبما أن رواية القاسم منقطعة ساق وكيع الرواية منقطعة دون أن يُفصِّل والله أعلم

فالصواب أن المسعودي قد رواه بالوجهين عن ابن مسعود من طريق تلاميذه الذين رووا عنه قبل الاختلاط .
ومما يطمئن لصحة روايته وصحة الأثر إن شاء الله أن المحدثين الحفاظ من الأئمة كانوا يعترفون بأن الإمام المسعودي إضافة إلى أنه من آل بيت ابن مسعود وأنه يروى هذا الأثر في أحد وجهيه عن القاسم حفيد ابن مسعود وحديثه عنه من أصح رواياته ، هو من أعلم الناس بروايات ابن مسعود بل أعلم أهل زمانه .
روى الإمام ابن عيينة عن مسعر بن كدام أنه قال :
" ما أعلمُ أحدا أعلمَ بعلم ابن مسعود من المسعودي " الجرح والتعديل (5/250)


وقال الإمام أبو حاتم الرازي في الجرح والتعديل (5/251) :
" وكان أعلم بحديث ابن مسعود من أهل زمانه "

وقد جاء معنى ما رواه المسعودي عن ابن مسعود ، من طريق أحد تلاميذ ابن مسعود وهو مسروق ، فقد صح عنه كما روى ابن عبد البر في التمهيد (23/294) بإسناد صحيح أنه قال :
" كل شيء في القران ساهون ودائمون وحافظون فعلى مواقيتها "
وكل من يعلم شيئا عن ابن مسعود وتلاميذه ، يعلم أن أثرا كهذا عن مسروق لابد وأنه قد تلقاه عن شيخه ابن مسعود ، وإذا صح هذا فإنه يشهد لأن رواية المسعودي السابقة قد اتصل الأخذ فيها عن ابن مسعود بإذن الله .
فإذا أضفت إلى كل ما تقدم اعتماد جماعة من أهل العلم نقله ممن رووا الأثر في كتبهم بأسانيدهم وغيرهم من أهل العلم ، وتتابعهم في النقل عن ابن مسعود ، قوي الظن بصحة الأثر ، وإني لأجد نفسي مطمئنة جدا لهذا والله أعلم

وقد جاء له شاهدان مما يقطع معهما الناظر بصحة النقل عن ابن مسعود لتكفير تارك الصلاة
الأول ساقه ابن عبد البر دون أن يسنده ، فقال في الاستذكار (1/235)
" وثبت عن ابن مسعود أنه قال: ما تارك الصلاة بمسلم "

والثاني ما أخرجه ابن أبي شيبة في الإيمان (48) ومن طريقه البيهقي في الشعب والطبراني في الكبير (9/215) وابن نصر المروزي في الصلاة (930ـ936ـ937) من طرق عن عاصم بن بهدلة عن زر عن ابن مسعود أنه قال :


" من لم يصل فلا دين له "
وإسناده فيه بعض الضعف لكلام في رواية عاصم عن زر مع خفة ضبط عاصم ، إلا أنه شاهد قوي لما تقدم والله أعلم

فتارك الصلاة عند ابن مسعود كافر بنص الأثر ، وابن مسعود رضي الله عنه من أعلم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالكتاب والسنة .

6ـ عبد الله بن عباس رضي الله عنه .

قال رضي الله عنه :
" من ترك الصلاة فقد كفر "

الأثر أخرجه ابن نصر في تعظيم قدر الصلاة (939) عن الحسين بن عيسى البسطامي قال : حدثنا يحيى بن عبد الحميد قال : حدثنا شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس .
وهذا إسناد ضعيف فيه علتان :
الأولى : الحماني يحيى بن عبد الحميد " حافظ إلا أنهم اتهموه بسرقة الحديث "
الثانية : شريك القاضي " صدوق يخطئ كثيرا "
وأما الحسين بن عيسى البسطامي فهو ثقة كما قال الإمام أحمد ، انظر ( تاريخ بغداد ) (6/351) وتاريخ دمشق (8/131)
وأما عن سماك بن حرب فهو قد وثقه بعض الأئمة كأبي حاتم وابن معين ، وتكلم فيه بعضهم من


جهة اضطرابه في الأسانيد .
سئل ابن معين : ما الذي عابه ؟ قال : " أسند أحاديث لم يسندها غيره " ا.هـ
أي رفعها فجعلها مسندة عن النبي صلى الله عليه وسلم
وقال العجلي :
" سماك بن حرب بكري جائر الحديث ، إلا أنه كان في حديث عكرمة ربما وصل الشيء عن ابن عباس وربما قال : قال رسول الله ، وإنما كان عكرمة يحدث عن ابن عباس " ا.هـ

وعليه فما كان من روايات مرفوعة يرويها عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم فيتوقف في قبولها إلا ما كان من رواية شعبة والثوري عنه كما نص على هذا الحفاظ .
وأما رواياته عن عكرمة عن ابن عباس موقوفة فهي مقبولة ، إلا ما كان في باب التفسير فإن اضطرابه كان في جعل ما سمع من عكرمة في التفسير من روايات ابن عباس ، فيروي تفسير عكرمة على أنه تفسير ابن عباس .
أما روايتنا هذه فليست من باب التفسير ، وبالتالي فهي مقبولة مادام أن عكرمة لم يرفعها ، إلا أن إسناد الرواية ضعيف لعلتيه السابقتين .
ويشهد له ما أخرجه أبو يعلى في مسنده (4/236) (2349) والطبراني في معجمه (12/174) وابن عبد البر في التمهيد (16/162) وفي الاستذكار (2/154ـ372) من طريق مؤمل بن إسماعيل عن حماد بن زيد عن عمرو بن مالك النكري عن أبي الجوزاء عن ابن عباس :
" عُرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة بني الإسلام عليها : شهادة أن لا إله إلا الله ، والصلاة ، وصيام رمضان ، من ترك منهن واحدة فهو بها كافر حلال الدم .
نجده كثير المال ولا يزكي ، فلا نقول له بذلك كافر ولا حلال دمه ، ونجده كثير المال ولا يحج ، فلا



نراه بذلك كافرا ولا حل دمه ".
رواه مؤمل عن حماد بن زيد يقول : " ما أظنه إلا رفعه "
وقد وقع عند الطبراني مختصرا .
بينما رواه قتيبة بن سعيد عن حماد بن زيد ، فرواه موقوفا عن ابن عباس وهو الصواب ، لأن مؤملا قد تكلم فيه ، ولهذا قال الحافظ فيه : " صدوق سيء الحفظ "
أما قتيبة فهو إمام ثقة ، وقد ذكر روايته الحافظ ابن رجب في فتح الباري له (1/22) ورجح الوقف .

وقد اختصر قتيبة متنه دون قوله : " نجده كثير المال ... " الخ كما أشار إلى هذا ابن رجب حيث قال :
" فوقفه واختصره لم يتمه... والأظهر وقفه على ابن عباس ، فقد جعل ابن عباس ترك هذه الأركان كفرا لكن بعضها كفرا يبيح الدم وبعضها لا يبيحه " ا.هـ
إلا أن الإسناد ضعيف ، فيه عمرو بن مالك " صدوق له أوهام " وهو شاهد جيد للأثر الأول وبه يثبت إن شاء الله

وقد كان ابن عباس رضي الله عنه ممن حضر عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما طعنه المجوسي النجس أخزاه الله ، وقد سبق أن عمر نص عندها على كفر تارك الصلاة ، ولم يُنكِر هذا أحد من الحاضرين ومنهم ابن عباس ، ثم إن ابن عباس من شيوخ عبد الله بن شقيق وقد حكى ابن شقيق عن شيوخه من الصحابة كفر تارك الصلاة وابن عباس منهم ، ولأجل كل هذا اعتمد جماعة من أهل العلم نقل هذا عن ابن عباس كما فعل الحافظ عبد الحق الإشبيلي (4) وشيخ الإسلام ابن تيمية حيث نقلا عنه تكفيره لتارك الصلاة


7ـ أنس بن مالك رضي الله عنه .

عن يزيد الرقاشي قال :
" قلت لأنس رضي الله عنه : إن هاهنا قوما يُكذّبون بالحوض والشفاعة ، ويشهدون علينا بالكفر
قال أنس : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
"بين العبد والكفر ترك الصلاة ، فإذا تركها فقد أشرك "
ثم ذكر أمر الحوض والشفاعة .

الأثر أخرجه ابن ماجه (1080) وابن نصر (897 ـ 898 ـ 900) و البيهقي (1/257) رقم (882) من طريق يزيد الرقاشي عن أنس به .
ويزيد ضعيف ، غير أنه هو صاحب القصة ، فهو يروى لنا شيئا جرت له فيها قصة مما يبعد احتمال الوهم ، كيف والأمر متعلق بفتنه تعرض لها الناس ومنهم يزيد ، فهو قد عاشها تتردد على مسامعه مرارا بل الأمر لا يحتمل الوهم ، فهو يسأل عن أناس كفروه وأخرجوه من الملة ( ويشهدون علينا بالكفر ) وهذا أمر يبعث على اليقظة والتنبه ويبعد الغفلة والسهو .
فالأثر ثابت بإذن الله

ومحل الشاهد من القصة هو استدلال أنس على الخوارج في تكفيرهم للناس بالكبائر بحديث كفر تارك الصلاة ، وباللفظ الدال على تخصيص كبيرة ترك الصلاة بهذا النوع من الكفر : "بين العبد والكفر ترك الصلاة "

على أن هذه الكبيرة : " ترك الصلاة " هي التي تنقل العبد إلى الكفر خلافا لصنيع الخوارج بتوسيعهم دائرة التكفير بكل كبيرة .
فأنس بن مالك ينكر على الخوارج تكفيرهم للناس ، ولم يستدل في إنكاره عليهم إلا بهذا الحديث
فعلى أي شيء يدل هذا إن لم يدل على ما سبق ذكره ؟
لن تجد بإذن الله إلا المعنى السابق والله أعلم .
فالأثر دل على شيئين :
الأول : أن الحديث وارد في الكفر الأكبر بدليل السياق .
الثاني : أن أنسا ممن يقول بذلك .
وأما أن القوم المسئول عنهم هم الخوارج ، فهو ظاهر من صفاتهم :
أ ـ يشهدون على الناس بالكفر
ب ـ يكذّبون بالشفاعة
ج- يكذبون بالحوض
وهل كان تكفير الخوارج للناس يريدون به الكفر الأصغر ؟!!
اللهم لا

8 ـ جابر بن عبد الله رضي الله عنه .

عن أبى الزبير قال : سمعت جابرا رضي الله عنه وسأله رجل :
أكنتم تعدون الذنب فيكم شركا ؟
قال : لا

قال : وسئل ما بين العبد وبين الكفر ؟
قال : ترك الصلاة .

الأثر أخرجه ابن نصر (947) واللالكائي (2/828) من طريق أبى الزبير سمعت جابرا به
فهو حسن الإسناد .
وقد تقدم عن جابر أيضا ما يدل على هذا وهو أصرح .
وهذا الأثر عن جابر ( أثر أبي الزبير ) ظاهر في أن جابرا أراد الكفر الأكبر ، فقد سئل بنحو ما سئل عنه أنس ، ولعل هذا أصرح ، فنفى جابر كونهم يعدون الذنب شركا ، وإنما يراد بهذا أحد
أمرين :
أ ـ إما أنهم لا يعدون الذنب شركا أصغر ، فلا يوجد ذنب البتةَ يكون عندهم شركا أصغر
ب ـ وإما أن يكون المراد لا يعدون الذنب شركا أكبر .
والأول باطل ، لأن الذنوب التي هي من قبيل الشرك الأصغر أو الكفر الأصغر كثيرة ولا تخفى على جابر ولا غير جابر ، كالحلف بغير الله ، وكيسير الرياء ، وكالقتل ، وكالانتساب إلى غير الأب وكالطعن في الأنساب ، وكالنياحة .
فلا يمكن أن يكون مراد جابر أن هذه ليست من الشرك الأصغر ، فلم يبق إلا الثاني وهو المراد

فإذًا السؤال عن الكفر الأكبر ، وكان الجواب بترك الصلاة .

وعن وهب بن منبه أنه قال : هذا ما سألت عنه جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما فأخبرني :
سألته : في المصلين من طواغيت ؟



قال : لا (5)
وسألته هل فيهم من مشرك ؟
قال : لا
فأخبرني أنه سمع النبي r يقول : " بين الشرك والكفر ترك الصلاة "
وسألته ؟ : أكانوا يدعون الذنوب شركا ؟
قال معاذ الله , ولم يكن في المصلين مشركا "
الأثر أخرجه ابن نصر (889) من طريق إسماعيل بن عبد الكريم الصنعاني قال حدثني إبراهيم بن عقيل بن معقل عن أبيه عن وهب بن منبه .
وهذا إسناد حسن لأن من دون وهب كلهم في مرتبة الصدوق ، وقد صرح وهب بالسماع من جابر والإسناد إليه ثابت ، ولذلك اعتمد سماعه من جابر الإمام المزي كما نقله في تحفة التحصيل , في حين
نفى ابن معين ذلك ، واعتبر روايته عنه صحيفة كما في المراسيل لأبي حاتم (855)
والصواب أنه سمع منه , لأنه في هذا الإسناد الثابت قد عبر ابن وهب عن السماع ست مرات ، عن طريق ستة ضمائر ( سألت _ فأخبرني _ سألته _ سألته _ وأخبرني _ وسألته ) والأثر بهذا اللفظ


المشتمل على كل هذه الضمائر الدالة على السماع ، لا يتصور ضعفه بالكلية ، ويبدو أنه لأجل هذا جزم المزي بالسماع .
قوله : " لم يكن في المصلين مشركا " يريد لم يكن فيهم مشركا من جهة الانقياد الفعلي ( الظاهر ) ، بخلاف الانقياد التركي كترك السجود لغير الله وسبه تعالى عن ذلك ، فقد يصلى الواحد ويكون كافرا لارتكابه مكفرا من هذه المكفرات .
والأثر ظاهر في أن جابر بن عبد الله يقول بكفر تارك الصلاة ، لأنه سئل عن الشرك الأكبر فأجاب بأنه بين العبد وبينه ترك الصلاة .
ومع ظهور أثر جابر السابق وهذا في الدلالة على تكفيره لتارك الصلاة ، فقد أدار الأستاذ عدنان عبد القادر ظهره لهما ، ولم يذكرهما البتة ، مع أنه تتبع آثار الصحابة في هذه المسألة ، ونقل من نفس المصدر عدة روايات ، إلا أنه لم يشر إليها ، ليسلم له ما خلص إليه في نتيجته بأن الصحابة لم يثبت عن أحد منهم تكفير تارك الصلاة ، وما هكذا تكون الأمانة العلمية ولا خُلق أهل العلم والله المستعان .

9ـ سعد بن وقاص رضي الله عنه .

قال العلامة ابن القيم في كتابه الصلاة ص (56) :
" قد صح عن سعد بن أبي وقاص في هذه الآية أنه قال : لو تركوها لكانوا كفارا , ولكن ضيعوا وقتها " ا.هـ
يريد قوله تعالى : ( الذين هم عن صلاتهم ساهون )
رأْيُ سعد في الآية أخرجه الطبري (30/ 311) وابن نصر المروزي (43) والبيهقي (2/ 214)
من طريق مصعب بن سعد عن أبيه بلفظ :
" قلت لأبي : يا أبتاه ! أرأيت قول الله : ( الذين هم عن صلاتهم ساهون ) أينا لا يحدث نفسه ؟
قال إنه ليس ذلك , ولكنه إضاعة الوقت " ا.هـ


وليس فيه ذكر الشاهد ، وروي مرفوعا ولا يصح , وصحح وقفه جماعة ، منهم ابن أبي حاتم في العلل (1/187) والدارقطني في علله (4/ 321)

10- عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه .

نقله عنه ابن حزم في المحلى (1/ 242) والعلامة ابن القيم في كتاب الصلاة ص (67)

11- أبو هريرة رضي الله عنه .

نقله عنه ابن جزم في المحلى (1/ 242) والعلامة ابن القيم في الصلاة ص (67) وهو أحد شيوخ عبد الله بن شقيق الذين أدركهم وروى عنهم , وقد سبق أنه حكى عنهم تكفير تارك الصلاة , وأبو هريرة منهم بل هو من أقرب شيوخه إليه , فقد جاء عن ابن شقيق أنه قال كما في تاريخ دمشق ( 29/ 159)
" جاورت أبا هريرة سنة "
فهو ممن عناه ابن شقيق بالنقل (6) .

12- معاذ بن جبل رضي الله عنه .

نقله عنه أيضا ابن حزم في المحلى (1/ 242) والعلامة عبد الحق الإشبيلي كما في الصلاة لابن القيم
(68) ونقله ابن القيم نفسه ص (61)


13- بلال بن رباح رضي الله عنه .

فعن قيس بن أبي حازم قال :
" رأى بلال رضي الله عنه رجلا يصلي , ولا يتم ركوعا ولا سجودا ، فقال بلال :
" يا صاحب الصلاة , لو مت الآن ما مت على ملة عيسى بن مريم عليهما الصلاة والسلام "

الأثر أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (1/ 259) وابن نصر (943- 944) والطبراني في الأوسط (1/ 357) من طريق بيان بن بشر عن قيس بن أبي حازم عن بلال به .
وهذا إسناد كل رجاله ثقات ، غير أنه تكلم في سماع قيس من بلال ، فنفى ابن المديني أن يكون لقيه كما في المراسيل لأبى حاتم (618) ، بينما رد هذا القول العلائي في جامع التحصيل عندما قال :
" قلت في هذا القول نظر , فإن قيسا لم يكن مدلسا ، وقد ورد المدينة عقب وفاة النبي r والصحابة بها مجتمعون "
وكذا المزي كأنه شك فيما نفاه ابن المديني فقال في تهذيب الكمال :
" روى عن ... ، وبلال مولى أبى بكر ، وقيل لم يلقه "
ولو كان مع ابن المديني فيما نفاه لجزم بعدم اللقاء .
وقال ابن عيينة :
" ما كان بالكوفة أحد أروى عن أصحاب رسول الله r من قيس "
وقال أبو داود " أجود التابعين إسنادا "


ومن كان بمثل هذا الوصف ، فمن المستبعد جدا أن يفوته صحابي كبلال شهدت القرائن بلقيه ، مصداقا لكلام الإمام العلائي .
وكأنه لأجل قوة القرائن الشاهدة للسماع احتج البخاري بروايته عن بلال في صحيحه (3545)
والبخاري من أعلم الأئمة بالسماعات
ونص الحافظ في الفتح على أن أثر بلال الذي رواه عنه قيس ، إنما قاله بلال في خلافة أبي بكر ، وهذا يقرب احتمال السماع أكثر .
وعليه فالأثر متصل ثابت إن شاء الله
والأثر صريح في خروج مَن كان هذا حاله مِن الملة , وقد استدل به على ذلك ابن نصر في تعظيم قدر الصلاة , ونقل شيخ الإسلام في شرح العمدة عن بلال تكفيره لتارك الصلاة .
وقوله في الأثر : ما مت على ملة عيسى ، لا يحتمل غير الكفر

14- حذيفة بن اليمان رضي الله عنه .

عن زيد بن وهب قال :
دخل حذيفة رضي الله عنه المسجد ، فرأى رجلا يصلي لا يتم الركوع ولا السجود , فقال له حذيفة : منذ كم صليت هذه الصلاة ؟
قال : منذ عشرين سنة .
قال : " ما صليت ، ولو مت ، مت على غير الفطرة التي فطر الله عليها محمدا r "

أخرجه البخاري في صحيحه (758) وأحمد في المسند (5/ 384) والنسائي في الكبرى (1/ 210-
390)


وابن نصر في الصلاة (942-941-940)والطبراني في الأوسط (2/ 201) (1718) والبزار في المسند (2817- 2819) وابن أبي الدنيا في التهجد (365) والبيهقي في سننه (2/ 386) والمحاملي في أماليه (299)
من طرق عن زيد بن وهب عن حذيفة به .
وقد رواه عن زيد كل من : الأعمش ، وطلحة من مصرف ، و ابن درهم ، وواصل الأحدب كلهم عن زيد بن وهب عن حذيفة بلفظ :
" لو مت ، مت على غير الفطرة التي فطر الله عليها محمدا r "
أما طريق طلحة بن مصرف فهي من رواية مالك بن مغول عنه ، أخرجها النسائي وابن نصر (941) من طريق يحيى بن آدم عن مالك عن طلحة ... به بلفظ : " غير الفطرة "
بينما رواه يعقوب بن إسحاق عن مالك بن مغول عن طلحة ... به بلفظ : " على غير سنة محمد " كما رواه البزار (2817)
مخالفا بهذا الثقةَ الحافظَ يحيى بن آدم ، بينما يعقوبُ " صدوق " دون الثقة ، فالصواب ما رواه يحيى ، وأما ما رواه يعقوب فيعتبر شاذا ، وبالتالي فلفظ : " غير سنة محمد " غبر محفوظ من هذه الطريق .
ويؤكد هذا أن طلحة توبع من قبل ثلاثة من الأئمة دون هذا اللفظ .
وقد جاء الأثر من غير طريق زيد بن وهب ، فأخرج البخاري في صحيحه (775) والبيهقي في سننه (2/117) والبزار في مسنده (2899) كلهم من طريق مهدى بن ميمون عن واصل بن الأحدب عن أبى وائل عن حذيفة بلفظ :
" ... فلما قضى صلاته , قال له حذيفة : ما صليت ، وأحسبه قال ولو مت ، مت على غير سنة محمد "
هكذا رواه أبو وائل عن حذيفة بغير جزم ، " وأحسبه قال : ولو مت ، مت على غير سنة محمد " وإنما بالظن المشعر بالشك .


بينما رواه زيد بن وهب في كل الروايات قاطعا بلفظه :
" قال : ما صليت ، ولو مت ، مت على غير الفطرة "
واليقين والقطع مقدمان على الشك والظن ، أضف إلى هذا أن الإمام البزار وهو أحد أئمة العلل قد قال عن رواية أبي وائل :
" وهذا الحديث إنما يعرف من حديث الأعمش وطلحة بن مصرف عن زيد بن وهب عن حذيفة , ولا
نعلم رواه عن أبي وائل عن حذيفة إلا واصل ، وهو واصل الأحدب وهو ثقة " ا.هـ
والحمل فيه على مهدي بن ميمون الراوي عن واصل ، لا على واصل نفسه , لأن مهديا قد خالفه إمامُ الأئمة وأميرُ المؤمنين في الحديث أبو بسطام شعبةُ بن الحجاج ، فرواه عن واصل الأحدب عن زيد بن وهب عن حذيفة به بلفظ :
" ما صليت ، ولو مت ، مت على غير الفطرة "
فلفظ شعبة وإسناده هو المحفوظ ، وأما لفظ مهدي : " ...على غير سنة محمد " فهو شاذ لا يصح ، وكذا إسناده عن أبي وائل .
وعلى كل حال فلفظ ( غير الفطرة ) هو المحفوظ ، سواء صحت الرواية عن أبي وائل أم لا ، فإن صحت عنه فهي قد رويت بالظن ، وبالتالي لابد من تركها لثبوت رواية القطع عن زيد بن وهب : ( غير الفطرة ) ، وإن ثبت إعلالها فكفى الله المؤمنين القتال فرواية زيد ثابتة ولا معارض لها .
وإن تعجب فاعجب من عدنان عبد القادر الذي رفع لواء التأويل والتكلف والتعسف في هذه المسألة ، فهو إذا ما وجد شيئا في صفّه جمع له كل قريب وبعيد ، وبحث ونقب وتوسع وأطنب ، ولم يترك أي شاردة ولا واردة إلا سطرها وزخرف لها وبهرجها .
بينما تغيب كل هذه الجهود فيما إذا كان الأمر في غير صالحه ، كرواية شعبة هذه ، فقد رجع إلى نفس المصدر عند تخريجه للأثر ولم يلتفت إليها !! وكالترجيح السابق بين رواية الظن ورواية القطع !! وكترجيح رواية يحيى بن آدم الثقة الحافظ على رواية يعقوب الصدوق !! وكما سبق في رواية بشر عن أيوب المصرحة بالسماع !! وكذا أثر جابر الموقوف !! وغيرها من شواهد الآثار ، فإلى الله وحده الملاذ والفِرار


وسأستعين بالله عليه في آخر هذا المبحث بإذن الله ، لكشف باطله وإظهار شططه وتلاعبه ، وسلوكه الطرق الملتوية ، نسأل الله العفو والعافية .
وقد استدل الإمام ابن نصر وكذا شيخ الإسلام ابن تيمية بهذا الأثر على تكفير حذيفة رضي الله عنه لتارك الصلاة .
وقوله : " على غير الفطرة " من العبارات التي تستعمل في معنى الكفر , ولا مانع من هذا الاستعمال فقد صح عن الحسن البصري الإمام المعروف أنه روى هذا اللفظ في معنى الشرك والكفر ، فقد روى عن عمران بن حصين ولم يكن قد سمع منه : أنه رأى في يد رجل حلقة من صفر ، فقال ما هذه ؟
قال : من الواهنة !
قال : لم تزدك إلا وهنا , لو مت وأنت تراها نافعتك لمت على غير الفطرة "(7)
ويكفي أن أهل العلم حملوا هذه العبارة في أثر حذيفة على معنى الكفر .

15- أبو الدرداء رضي الله عنه .

فعنه أنه قال : " لا إيمان لمن لا صلاة له ، ولا صلاة لمن لا وضوء له "
أخرجه ابن نصر (945) والخلال (1384) واللالكائي (2/ 828)
من طريق الوليد بن مسلم قال أخبرني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أنه سمع عبد الله بن أبي زكريا يحدث عن أم الدرداء , عن أبي الدرداء به .
وهذا إسناد صحيح .

وقد ذكر الحافظ عبد الحق الإشبيلي أبا الدرداء فيمن يقول بكفر تارك الصلاة من الصحابة ، وكذا شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العمدة (4/ 76) ، بل شيخ الإسلام قد استدل بهذا الأثر نفسه على تكفيره لتارك الصلاة .
وقوله : " ولا صلاة لمن لا وضوء له " صريح في أن المنفي هنا هو الأصل لا الكمال ، وهذا دليل على أن المنفي في قوله : " لا إيمان " هو الأصل لا الكمال ، وبالتالي فالأثر صريح في تكفير تارك الصلاة كما استدل به شيخ الإسلام.

ومن تدليس الأستاذ عدنان عبد القادر على القراء ، أنه استدل بشيخ الإسلام عندما أراد أن يؤوّل أثر أبي الدرداء هذا ، بناء على أن نفي الإيمان في النصوص إنما يراد به نفي الإيمان الكامل ، فاستدل بكلام شيخ الإسلام العام في كتابه ( الإيمان ) .
بينما أدار ظهره لكلام شيخ الإسلام نفسه الوارد في هذا الأثر بخاصة , فأوهم القراء أن لفظ الأثر إنما يراد به نفى الكمال عند شيخ الإسلام ، وليس كذلك فابن تيمية يرى أن النفي في الأثر إنما هو لأصل الإيمان لا كماله ، فأين أمانة العلم يا عدنان !!

16- سعيد بن عمارة رضي الله عنه .

وقد روي عنه بمثل أثر أبي الدرداء ، واستدل به العلامة بن نصر في كتابه تعظيم قدر الصلاة على تكفيره لتارك الصلاة .

هؤلاء هم الصحابة الذين وقفت عليهم من خلال مقالاتهم وعباراتهم ، إلى جانب إحالات أهل العلم أما غيرهم من الصحابة الذين يمكن لنا أن نذكرهم ضمن المكفرين لتارك الصلاة دون أن نقف منهم على عبارات خاصة في ذلك ، فهم بقية شيوخ عبد الله بن شقيق ، وهم :
18- أبو ذر الغفاري
19- عبد الله بن عمر بن الخطاب
20- عائشة أم المؤمنين
21- عبد الله بن أبي الجدعاء
22- عبد الله بن أبي الحمساء
23- كعب بن مرة ويقال مرة بن كعب
فهؤلاء كلهم من شيوخ ابن شقيق الذين روى عنهم وسمع منهم ، وقد سبق أنه حكى عمن أدركهم من الصحابة تكفير تارك الصلاة ، فهم منهم بلا شك .
وإذا كان كل هؤلاء الصحابة وبهذا العدد ، ومن بينهم كبارهم وأعلمهم ، كلهم على القول بكفر تارك الصلاة ، بما فيهم الصحابة الذين رووا عن النبي r الأحاديث التي جاء فيها وصف تارك الصلاة بالكفر فهم أعلم بها ، إذا كان هؤلاء كلهم على القول بذلك ، ولم يثبت عن صحابي واحد فضلا عن أكثر أنه يمتنع من القول بكفره أو ينص على عدم تكفير تارك الصلاة , لا من كبار الصحابة ولا من صغارهم ، ولا من علمائهم ولا من غيرهم ، فلا مخالف لهم من الصحابة .
إذا كان الأمر كذلك فهذا إجماع من الصحابة صحيح ، إذ إجماعهم يثبت عند أهل العلم بما هو دون هذه المعطيات ، فكيف ومع توفرها .


سبيل أهل العلم في تقرير إجماع الصحابة

سأسوق لك أخي الكريم في هذا المبحث عشرات الأمثلة ، لعشرات المسائل التي نص فيها طائفة من أهل العلم ، من بينهم جماعة من المحققين على إجماع الصحابة ، وفي مسائل لها من معطيات الإجماع دون ما هو لمسألة ترك الصلاة ، لنعلم من خلالها أن إجماع الصحابة في مسألة كفر تارك الصلاة ثابت من باب أولى لا مجال للشك فيه .
فإليك ما تيسر من هذه الأمثلة

1- الجصّاص المتوفى سنة (307) هـ .

قال في كتابه أحكام القرآن (2/ 23) :
" ... ويدل ذلك على ما وصفنا من وجهين :
أحدهما أن القول إذا ظهر عن جماعة من الصحابة واستفاض ولم يوجد له منهم مخالف فهو إجماع وحجة على من بعدهم , وقد روي ما وصفنا عن هذين الصحابيين من غير خلاف ظهر من نظرائهم عليهم فثبتت حجته " ا.هـ

2ـ أبو بكر البيهقي.

قال شيخ الإسلام في المجموع (32/ 240) عند كلامه عن الشطرنج :




" والبيهقي أعلم أصحاب الشافعي بالحديث وأنصرهم للشافعي ، ذكر إجماع الصحابة على المنع منه [ أي
الشطرنج ] عن علي بن أبي طالب ، وأبي سعيد ، وابن عمر ، وابن عباس ، وأبي موسى ، وعائشة ، رضي الله عنهم ، ولم يحك عن الصحابة في ذلك نزاعا ، ومن نقل عن أحد من الصحابة أنه رخص فيه فهو غالط والبيهقي وغيره من أهل الحديث أعلم بأقوال الصحابة ممن ينقل أقوالا بلا إسناد " ا.هـ

3ـ أبو عمرو بن عبد البر .

قال رحمه الله في الاستذكار (8/ 12) :
" انعقد إجماع الصحابة رضوان الله عليهم في زمن عمر رضي الله عنه ، على الثمانين في حد الخمر ولا مخالف لهم منهم " ا.هـ
وقال أيضا (1/ 355) عن تحديد مدة النفاس :
" لأنه لا يصح إلا بتوقيف , وليس في مسألة أكثر النفاس موضع للاتباع والتقليد إلا من قال بالأربعين , فإنهم أصحاب رسول الله r ولا مخالف لهم منهم ، وسائر الأقوال جاءت عن غيرهم , ولا يجوز عندنا الخلاف عليهم بغيرهم , لأن إجماع الصحابة حجة على من بعدهم , والنفس تسكن إليهم , فأين المهرب عنهم دون صفة ولا أصل ، وبالله التوفيق " ا.هـ

4- ابن قدامة المقدسي .

قال في المغنى (1/ 181) :
" و لأن الصحابة رضي الله عنهم مسحوا على الجوارب , و لم يظهر لهم مخالف في عصرهم فكان




إجماعا " ا.هـ
وقال في الكافي (1/ 42) عند كلامه عن الدم ونجاسته :
" ... ابن عمر عصر بثرة , فخرج دم فصلى ولم يتوضأ ، وابن أبي أوفى عصر دملا , وذكر غيرهما , ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعا " ا.هـ
وقال في الكافي أيضا (1/ 182) عمن صلى بغير محدثا غير عالم :
" ... لما روي عن عمر أنه صلى بالناس الصبح ، ثم خرج إلى الجوف فاهراق الماء فوجد في ثوبه احتلاما فأعاد ولم يعد الناس , وروى الأثرم نحو هذا عن عثمان وعلي وابن عمر ، ولم يعرف لهم مخالف فكان إجماعا " ا.هـ
وقال أيضا (2/ 267) عن المضاربة :
" يروى إباحتها عن عمر وعلي وابن مسعود وحكيم بن حزام رضي الله عنهم ، في قصص مشتهرة ولا مخالف لهم فيكون إجماعا " ا.هـ
وانظر أيضا الكافي (1/ 458) (4/ 96) وفي المغني (1/ 298) (1/ 409) (2/ 12) (2/ 58) (2 58) (2/ 81) (2/ 82) (2 / 172) (2/ 184) (7/ 85) (7/ 139)
وانظر روضة الناظر له (1/ 151-152)
فقد قال (1/ 152) :
" ومن وجه آخر أن التابعين كانوا إذا أشكل عليهم مسألة ، فنقل إليهم قول صحابي منتشر وسكوت الباقين كانوا لا يُجوّزون العدول عنه فهو إجماع منهم على كونه حجة .
ومن وجه آخر أنه لو لم يكن هذا إجماعا لتعذر وجود الإجماع إذ لم ينقل إلينا في مسألة قول كل علماء العصر مصرحا به ، وقول من قال هو حجة وليس بإجماع غير صحيح " ا.هـ
فهذا إجماع من السلف من التابعين على حجية ما كان هذا سبيله ، فهل من متبع ؟


5- أبو البركات بن تيمية .

قال العلامة ابن القيم في تحفة المولود (216) :
" قال أبو البركات ابن تيمية : والتفريق بين البولين ( الغلام والجارية ) إجماع الصحابة ، رواه أبو داود عن علي ، ورواه سعيد بن منصور عن أم سلمة ، وقال إسحاق بن راهويه ... وعلى ذلك كان أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم ، قال ولم يُسمع عن النبي ولا عمن بعده إلى زمان التابعين أن أحدا سوى الغلام والجارية " ا.هـ

6- شيخ الإسلام ابن تيمية .

تقدم قوله أيضا عند حكاية كلام البيهقي ، وقال أيضا رحمه الله في الفتاوى الكبرى (3/ 326) عن تحريم التحليل :
" المسلك الرابع : إجماع الصحابة ( فذكر آثارا عن عمر وابنه عبد الله وعثمان وعلي وابن عباس )
ثم قال :
وهذه الآثار مشهورة عن الصحابة ... وهذه الآثار مع ما فيها من تغليظ التحليل فهي من أبلغ الدليل على أن تحريم ذلك واستحقاق صاحبه العقوبة كان مشهورا على عهد عمر ومن بعده من الخلفاء الراشدين ، ولم يخالف فيه من خالف في المتعة مثل ابن عباس , بل اتفقوا كلهم على تحريم هذا التحليل " ا.هـ
وبنحوه في الكبرى (4/ 83) ، وقال في المجموع (32/ 156) :
" وثبت إجماع الصحابة على ذلك ، كعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عباس وغيرهم ... "
أي على مسألة تحريم التحليل .


وقال في شرح العمدة (3/ 283) حول قوله تعالى : ( فجزاء مثل ما قتل من النعم ) ، قال رحمه الله :
" وأما إجماع الصحابة فإنه روي عن عمر وعثمان وعلي وزيد بن ثابت وابن عمر وابن عباس وابن الزبير أنهم قضوا في النعامة ببدنه ، وفي حمار الوحش " ا.هـ
وفي إدراك الجمعة قال في الكبرى (2/ 280) :
" والصحيح القول الأول ، أنهما لا يدركان إلا بركعة لوجوه ... الرابع : أن الجمعة لا تدرك إلا بركعة كما أفتى به أصحاب رسول الله r : منهم ابن عمر وابن مسعود وأنس وغيرهم ، ولا يعلم لهم في الصحابة مخالف وقد حكى غير واحد أن ذلك إجماع الصحابة " ا.هـ
وقال في الكبرى (2/ 78) عن المختلعة :
" وقد ثبت بدلالة الكتاب وصريح السنة وأقوال الصحابة أن المختلعة ليس عليها إلا الاستبراء بحيضة لا عدة ... ، وقول عثمان بن عفان وابن عباس وابن عمر في آخر قوليه ، وذكر مكي أنه إجماع الصحابة " ا.هـ
وقال في شرح العمدة (1/ 263) :
" الرابع : أن المسح على العمامة إجماع الصحابة ، ذكره أبو إسحاق الشالنجي والترمذي عن أبي بكر وعمر وقال أبو إسحاق الشالنجي : روي المسح على العمامة عن ثمانية من الصحابة ... " فذكرهم
وانظر المجموع (31/ 222) وشرح العمدة (2/ 215)

7- العلامة ابن القيم .

قال في إغاثة اللهفان (2/ 20) :
" إذا تزوجها على أن لا يخرجها من دارها أو بلدها ، أو لا يتزوج عليها ولا يتسرى عليها فالنكاح صحيح والشرط لازم , هذا إجماع الصحابة رضي الله عنهم , فإنه صح عن عمر وسعد ومعاوية ، ولا مخالف لهم من الصحابة ، وإليه ذهب عامة التابعين " ا.هـ
وقال في الطرق الحكيمة (391) في عقوبة الغاش :
" فقول عمر وعلي والصحابة ومالك واحمد أولى بالصواب ، بل هو إجماع الصحابة فإن ذلك اشتهر عنهم في قضايا متعددة جدا ولم ينكره منهم منكر ... " ا.هـ
وفي استثناء الإرث بالولاء بين الكافر والمسلم قال في أهل الذمة (2/ 867) :
" قالوا وهذا إجماع الصحابة ، أفتى به علي وعبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله ... " ا.هـ
وقال في حاشيته عند الكلام على القصاص في اللطمة :
" وليس كما زعم ، بل حكاية إجماع الصحابة على القصاص أقرب من حكاية الإجماع على منعه فإنه ثبت عن الخلفاء الراشدين ولا يعلم لهم مخالف فيه " ا.هـ
وقال في أحكام أهل الذمة (2/ 831) عن توارث أهل الملتين :
" وقد روي ذلك عن علي , فإن إسماعيل بن أبي خالد روى عن الشعبي عن علي أنه جعل الكفر مللا مختلفة ولم يعرف له من الصحابة مخالف ، فكان إجماعا ... "
وانظر زاد المعاد (1/ 191) (3/ 440) (5/ 655)

8- الإمام القرطبي .

قال في تفسيره (3/ 333) :
" ووجه الرواية الأولى وهي المشهورة ، ما ثبت من قضاء عمر بذلك وقيامه بذلك في الناس , وكانت قضاياه تسير وتنقل في الأمصار ، ولم يعلم له مخالف فثبت أنه إجماع

قال القاضي أبو محمد : وقد روي مثل ذلك عن علي بن أبي طالب ولا مخالف لهما ، مع شهرة ذلك وانتشاره وهذا حكم الإجماع " ا.هـ

9- ابن كثير الدمشقي .

قال رحمه الله في تفسيره (1/ 211) :
" قال عمر في غلام قتله سبعة ، فقتلهم وقال : لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم ,و لا يعرف له في زمانه مخالف من الصحابة ، وذلك كالإجماع " ا.هـ

10- ابن مفلح إبراهيم بن محمد المتوفى سنة (884) هـ .

قال رحمه الله في المسح على الجوربين من كتابه المبدع (1/ 136) :
" ... ولأن جماعة من الصحابة مسحوا عليهما ولم يعرف لهم مخالف فكان كالإجماع " ا.هـ
وقال (1/ 300) عن قضاء المغمى عليه :
" ... لما روي أن عمارا غشي عليه ثلاثا ... وعمران بن حصين وسمرة بن جندب نحوه ، ولم يعرف لهم مخالف فكان كالإجماع " ا.هـ
وانظر الباقي في المبدع (2/ 292) (4/ 12) (5/ 277) (6/ 278) (6/ 310) (6/ 330) (7/ 81) (7/ 220) (7/ 228) (7/ 286) (8/ 130)


11- السيواسي الحنفي .

كما في شرح فتح القدير (3/ 470)

12ـ فخر الدين الزيلعي .

كما في تبين الحقائق (4/ 126)

13- شهاب الدين القرافي .

قال في الذخيرة (4/ 253) عن تزويج الوليين من رجلين بأن من دخل فهو أحق ، و إلا فالحق للأول كما قضى عمر ، ثم قال :
" وقد روي عن علي والحسن بن علي ومعاوية رضي الله عنهم أجمعين من غير مخالف فكان إجماعا " ا.هـ
وقال (4/ 195) :
" ... والأصل في هذا التحريم قول عمر وعلي رضي الله عنهما من غير مخالف فكان إجماعا " ا.هـ

14ـ البهوتي الحنبلي .

قال في شرح منتهى الإرادات (3/ 195) عن أن القرء هو الحيض :
" ولأنه قول عمر وابنه وعلي ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة فكان إجماعا " ا.هـ


وانظر شرح المنتهى (1/ 225) (3/ 360) وكشاف القناع له (1/ 222) (2/ 168-169)

15- الزرقاني .

قال في شرحه على الموطإ (3/ 257) عمن فقدت زوجها ، وقضاء عمر فيها :
" وري نحوه عن عثمان وعلي ، قيل وأجمع الصحابة عليه ، ولم يعلم لهم مخالف في عصرهم " ا.هـ
وانظر أيضا (4/ 205)

16- الشربيني الشافعي .

قال في مغني المحتاج (3/ 255) عن تفضيل الحرة على الأمة في النوبة :
" ... وعضده الماوردي بأنه روي عن علي كما رواه الدارقطني , ولا يعرف له مخالف فكان إجماعا "
وقال (4/ 60) :
" وقد قضى أبو بكر رضي الله عنه في رجل رمى رجلا بسهم فأنفذه بثلثي الدية ، وقضى به عمر رضي الله عنه ولا مخالف لهما فكان إجماعا كما نقله ابن المنذر " ا.هـ

17- ابن ضويان :

قال في منار السبيل (2/ 154) :
" ولا لعبد جمع أكثر من ثنتين ، وهو قول عمر وعلي وغيرهما ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعا " ا.هـ


وقال (2/204) :
" ودية الحرة المسلمة على النصف من ذلك ، روي ذلك عن عمر وعثمان وعلي وزيد وابن عمر وابن عباس ولا مخالف لهم , وحكاه ابن المنذر وابن عبد البر إجماعا " ا.هـ

وانظر للمزيد : حاشية البجيرمي الشافعي (1/ 357) وحواشي الشرواني (1/ 372) (3/ 445) (3/ 439) والمدخل لابن بدران (1/ 344) (1/ 394) وإعانة الطالبين للدمياطي (2/242)

وكل هذه النقول المتقدمة عن أهل العلم ، هي في بيان أن ما كان هذا سبيله من المسائل فهو إجماع ثابت عن الصحابة .
أما أن ما كان هكذا فهو حجة فقد نص على هذا جماعة كثيرون من الأئمة ، منهم الإمام الشافعي رحمه الله فقد قال في الأم (6/ 139) :
" فقلت له : الناسخ إنما يؤخذ بخبر عن النبي أو عن بعض أصحابه لا مخالف له , أو أمر أجمعت عليه عوام الفقهاء فهل معك من هذا واحدا ؟ ... " ا.هـ
وفيه (6/ 141) :
" ومن أجاز شهادة أهل الذمة ... فقال قائل فإن الله عز وجل يقول : ( حين الوصية .. ) ، قال الشافعي :
والله أعلم بمعنى ما أراد من هذا ، وإنما يفسر ما احتمل الوجوه ما دلت عليه سنة أو أثر عن بعض أصحاب رسول الله لا مخالف له ، أو أمر اجتمعت عليه عوام الفقهاء , فقد سمعت من يتأول هذا " ا.هـ

وإذا تأملت ما تقدم من أمثلة ، وما جاء في بعضها من النقل عن صحابي واحد دون نكير ولا مخالفة من غيره واعتماد أهل العلم عليه في نقل الإجماع عند انتشاره واشتهاره ، علمتَ أن إثبات الإجماع في مسألة تارك الصلاة عن صحابة رسول الله أولى وأولى ، لأنه قد نُقل عن أكثر من عشرين صحابي ، بغض النظر عن

الجوانب الأخرى التي تقرر من جهتها الإجماع ، مع عدم وجود مخالف لهم منهم ، وما كان هكذا فهو إجماع وحجة بلا إشكال .
ومما يؤكد هذا أن هؤلاء العشرين ، بل أكثر ليسوا كغيرهم من بقية الصحابة ، فمنهم كبار الصحابة والخلفاء الراشدون ، إضافة إلى أعلم الصحابة بالكتاب والسنة والمكثرين من الرواية ، وغيرهم من أفاضل الصحابة
فإن لم يكن هذا إجماعا فليس ثمة إجماع .


هوامش الحلقة الثانية :

(1) تعظيم قدر الصلاة (990)
(2) تعظيم قدر الصلاة ص(611)
(3) شرح العمدة
(4) الصلاة لابن القيم ص (67ـ68 )
(5) الأثر يدل على أن لفظ الطاغوت لا يطلق إلا على الكافر ، ومنه تعلم انحراف كثير من الشباب المتعاطف ، فإنك لا تجد اليوم من يتقي الله في هذا الباب إلا من رحم الله ، فترى كثيرا من أهل الحزبيات من يطلق مثل هذه العبارات على من لا يستحقها من المسلمين ، وخاصة طبقة الحُكام وأتباعهم ، بل الأمر عندهم لا يقبل الجدل .
وإذا دعوتهم في هذه الجزئية إلى حكم الله ، عن إسرافهم في إطلاق مثل هذا الحكم ، سخروا وتعجبوا أشد العجب مما تدعوا إليه ( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ) .
(6) وأبو هريرة هو راوي حديث الشفاعة مع أبي سعيد الخدري , وهو يكفر تارك الصلاة ، ففَهْم أبي هريرة لحديث الشفاعة مُقدّم على فهم من استدل به على عدم كفر تارك الصلاة .
(7)أخرجه ابن أبي شيبة (5/ 35) والطبراني في الكبير (18/ 179)
من طريقين عن الحسن عن عمران به .
وعلنه الانقطاع بين الحسن وعمران ؟


وهذا آخر الحلقة الثانية ، وستتلوها الحلقة الثالثة إن شاء الله والأخيرة ، وستشتمل بإذن الله على الملحق المخصص للرد
هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

محمد بن خليفة الهاشمي

أبو محمد الجزائري
11-24-2012, 10:14 PM
ما شاء الله

هذا البحث يستحق أن يكتب بماء الذهب

أين بصرك أو بصيرتك يا ربيع المدخلي

هل أعيتك الآثار فلم تستطع ردها إلآ بالطعن في أسانيدها؟

بو زيد الأثري
11-25-2012, 07:28 PM
جزاك الله خيرا وبارك الله فيك أخي المفرق على ما تبذله من جهد في بيان ما عليه سلفنا الصالح في هذه المسائل التي ليس فيها خلاف عند أهل السنة والجماعة

المفرق
12-03-2012, 01:42 AM
قال الله عز وجل : ( كأنهم حمر مستنفرة (50) فرت من قسورة )
المدثر50-51
قال ابن كثير رحمه الله :" فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً (52) "
أي:
كأنهم في نفارهم عن الحق، وإعراضهم عنه حُمُر من حمر الوحش إذا فرت ممن يريد صيدها من أسد، قاله أبو هريرة، وابن عباس -في رواية-عنه وزيد بن أسلم، وابنه عبد الرحمن ، وهو رواية عنابن عباس، وهو قول الجمهور.
وقال حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران عن ابن عباس: الأسد، بالعربية، ويقال له بالحبشية: قسورة.)

و قال ابن القيم رحمه الله:
وتحت المستنفرة معنى أبلغ من النافرة فإنها لشدة نفورها قد استنفر بعضها بعضا وحضه على النفور فإن في الاستفعال من الطلب قدرا زائدا على الفعل المجرد فكأنها تواصت بالنفور وتواطأت عليه ومن قرأها بفتح الفاء فالمعنى أن القسورة استنفرها وحملها على النفور ببأسه وشدته .
وعن عكرمة : شبههم في إعراضهم عن القرآن واستماع الذكر والموعظة وشرادهم عنه بحمر جدت في نفارها مما أفزعهم .

قال البغوى فى تفسير قوله تعالى:

"فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً (52)"
{ فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ } مواعظ القرآن { معرضين } نصب على الحال، وقيل صاروا معرضين. { كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ } جمع حمار { مُسْتَنْفِرَةٌ } قرأ أهل المدينة والشام بفتح الفاء، وقرأ الباقون بكسرها، فمن قرأ بالفتح فمعناها منفرة مذعورة، ومن قرأ بالكسر فمعناها نافرة، يقال: نفر واستنفر بمعنى واحد، كما يقال عجب واستعجب.
{ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ }
قال مجاهد وقتادة والضحاك: "القسورة": الرماة، لا واحد لها من لفظها، وهي رواية عطاء عن ابن عباس، وقال سعيد بن جبير: هم القناص وهي رواية عطية عن ابن عباس.
وقال زيد بن أسلم: [هم] رجال أقوياء، وكل ضخم شديد عند العرب: قسور وقسورة. وعن أبي المتوكل قال: هي لغط القوم وأصواتهم. وروى عكرمة عن ابن عباس قال: هي حبال الصيادين.
وقال أبو هريرة: هي الأسد، وهو قول عطاء والكلبي، وذلك أن الحمر الوحشية إذا عاينت الأسد هربت، كذلك هؤلاء المشركين إذا سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن هربوا منه.
قال عكرمة: هي ظلمة الليل، ويقال لسواد أول الليل قسورة.
{ بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً }
قال المفسرون: إن كفار قريش قالوالرسول الله صلى الله عليه وسلم ليصبح عند رأس كل رجل منا كتاب منشور من الله أنك لرسوله نؤمر فيه باتباعك
قال الكلبي: إن المشركين قالوا: يا محمد بلغنا أن الرجل من بني إسرائيل كان يصبح مكتوبا عند رأسه ذنبه وكفارتهُ فَأْتِنَا بمثل ذلك "والصحف" الكتب، وهي جمع الصحيفة، و"منشَّرة" منشورة.)

قلت : شبههم سبحانه وتعالى في إعراضهم ونفورهم عن القرآن بحمر رأت الأسد والرماة ففرت منه . وهذا من بديع التمثيل فإن القوم من جهلهم بما بعث الله سبحانه رسوله كالحمر فهي لا تعقل شيئا ، فإذا سمعت صوت الأسد أو الرامي نفرت منه أشد النفور وهذا غاية الذم لهؤلاء فإنهم نفروا عن الهدى الذي فيه سعادتهم وحياتهم كنفور الحمر عما يهلكها ويعقرها فما أشبه ربيع المدخلي و أتباعه بهذه الحمر في شدة نفورها من الأسد فكلما صاح أهل العلم بالحق في وجوههم فروا فرارا كهذه الحمر أو أشد منها و هاكم ترون ربيع يفر فرارا لا مثيل له من الكلام في مسألة الإيمان في مقاله الأخير( متعالم مغرور...) إلى الكلام في مسألة الأسماء و الصفات فاللهم أرحنا من فتنته يا حي يا قيوم.

12d8c7a34f47c2e9d3==