المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تفريغ : توضيح مسألة العذر بالجهل وما وقع فيها من خلط عند بعض المتأخرين للشيخ الجربوع


كيف حالك ؟

ماجد الدوسري
11-21-2012, 12:46 PM
توضيح مسألة العذر بالجهل وما وقع فيها من خلط عند بعض المتأخرين
فضيلة الشيخ الدكتور / عبد الله بن عبدالرحمن الجربوع




يقول : كثُر في هذا الزمان الخلطُ و الغَلط في مسألة العذر بالجهل ، فما هو القولُ الفصلُ في هذه المسألة ؟ و ما رأيكم فيمن يتزعّم هذا القولَ و يرى العذرَ بالجهل مطلقاً ؟

الجواب : أما بالنسبة لهذه المسألة و هي العذر بالجهل ، فهي مسألة واضحة بينها الأئمة ، أئمة السلف قديما و حديثا ، و بينها الشيخ ابن القيم رحمه الله و بين ضوابطها ، و كذلك أئمة الدعوة بينوها . و الناس كما قال السائل : عندهم خلط قديم ، و هذا قال فيه الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله : أن الناس في هذه المسألة بين فريقين ، فريق لا يكفر أحدا بعينه أبدا ، و أظنه قال : إلا من نص القرآن على تكفيره كفرعون . ما يكفرون أحدا أبدا بعينه . يقول : إلا من نص القرآن على تكفيره . و أناس بالغوا في التكفير ،فإذا رأوا من إنسان أي شيء يظنون أنه كفر حكموا عليه بكفره .
أئمة الدعوة بينوا ما بينه أئمة السلف ، كما قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : نحن لا نكفر إلا من كفره الله و رسوله . و نحن متبعون لا مبتدعون .
فالعذر بالجهل هذا شيء ورد في الكتاب و السنة . و لكن له تفاصيل كثيرة ، و أنا ذكرت لكم أن مما تميز به أئمة الدعوة التفصيل ، فمثلا : قد يكون العذر بالجهل لنفي العذاب ، و قد يكون العذر بالجهل لنفي الحكم بالتكفير ، يعني الحكم عليه بالكفر . قد يكون العذاب في الآخرة ، و قد يكون في أحكام الدنيا . و قد يكون في أحكام الآخرة . قد يعذر بجهله في أحكام الدنيا ، و قد يعذر بجهله في أحكام الآخرة . العذر بالجهل قد يكون الشخص هذا حديث عهد بالإسلام ، أو نشأ في بادية ، لم تبلغه التعاليم . قد يكون العذر بالجهل لمن لم تبلغه الدعوة أصلا ، ليس بمسلم . و قد يكون العذر بالجهل في الأمور الخفية ، التي قد يقع فيها التأويل و الاشتباه ، و قد يكون في الأمور الجلية ، هذه أمور كثيرة جدا . فالذي يقول بالعموم ، يعني أن العذر بالجهل في كل هذه المسائل شيء واحد . هذا عنده خلط كبير جدا ، و جهل عظيم بما بينه أهل الإسلام .
فالعذر بالجهل الكلام فيه طويل لكثرة حالاته ، لكن أبين لكم ما ذكره شيخ الإسلام و ابن القيم و الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن و الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن .
أولا : قول الله عز وجل : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً }[الإسراء15] هذه في الجزاء ، و هناك من يستدل اليوم ، بعض الذين يغلطون و يخلطون - كما قال السائل - . يقولون : " و ما كنا معذبين " معناه أنهم مسلمون . هذه مشكلة ! ليس هذا هو مفهوم المخالفة . لأنه قد يكون لا يستوجب العذاب في الآخرة و لكنه في أحكام الدنيا كافر . فمثلا : أهل الفترة الذين كانوا كلهم قبل بعثة النبي صلى الله عليه و سلم يصدق عليهم نفي العذاب . لكن لم يقل أحد من أهل الإسلام إنهم مسلمون ، إلا هؤلاء المتأخرون . و أيضا من في حكمهم كل من لم تبلغه الدعوة حتى بعد بعثة النبي صلى الله عليه و سلم ينفى عنهم العذاب . لكن هل معنى هذا أن اليهودي مسلم لأنه لم تبلغه الدعوة ؟ أو النصراني مسلم ؟ أو البوذي مسلم ؟ أو المشرك مسلم ؟ لا . إذن أحكام الدنيا غير أحكام الآخرة .هذه مسألة .
إذا كان الشخص دخل في الإسلام بيقين ، - هكذا يقول شيخ الإسلام - ، و معنى دخل في الإسلام بيقين ؛ أي أنه قال لا إله إلا الله و بلغه معناها الرسولي المبيَّن في قوله تعالى :{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ }[النحل 36]. عرف معنى (اعبدوا الله )، و عرف معنى (اجتنبوا الطاغوت) . هذا دخل في الإسلام و قال لا إله إلا الله عالما بمعناها ، فهذا إن وقع في الشرك فهو لا يخلو من حالين : إما أن يكون الشرك في الأمور الخفية التي قد يكون فيها اشتباه أو التباس ، فهذا لا يمكن أن يُكفر إلا بعد أن تقام عليه الحجة و تزول موانع التكفير .
أما إذا كان في الشرك الجلي و هو عبادة غير الله فهذا كافر و ليس داخلا في العذر بالجهل . و هذا الذي قلت لكم ، أنه قد يكون الأصل عاما و يأتي من يدخله في الأصل و هو ليس داخلا فيه ، لأن هذا ليس بجاهل . قلنا إنه عرف معنى لا إله إلا الله الرسولي ، و عِلمُه بها يكفي في إقامة الحجة عليه لأنه وقع في الشرك الجلي الذي هو عبادة الطاغوت . و هو عبد غير الله مع الله ، هذا لا نقول : نُفهمه ، هذا نحكم بكفره بعينه .
إذا تحققنا من تلبسه بالشرك ، و هذا شرط في الحكم على المعين ، أن نتحقق أنه تلبس بالشرك أي أنه صرف عبادة يتقرب بها إلى غير الله و لكن قد يظهر من صورة الفعل أنه عبادة و لكنه لم يقصد به العبادة . مثلا : سجود معاذ للنبي صلى الله عليه و سلم لم يقصد به التقرب إليه و القربة إليه ، لم يقصد به العبادة . فلا يجوز أن يستدل بهذا على أنه فعل شركا ، هو لم يفعل شركا . و أوضحُ من ذلك ؛ لو أنك وجدت شخصا يطوف بقبر فسألته ماذا تفعل ؟ فقال لك مثلا : أنا أبحث عن شخص قيل لي أنه مع هؤلاء . إذن هو لم يفعله بقصد القربة إلى صاحب القبر ، فلم يتلبس بشرك . و إذا تحققت أنه متلبس بحقيقة الشرك عابدٌ لغير الله و هو قد قال لا إله إلا الله عالما بمعناها ، فهو ليس معذورا بجهله ، علمُه بها يكفي في الحكم بكفره .و نفيِ الجهل عنه .
يبقى مسألة من لم يبلغه المعنى الرسولي : من أظهر الإسلام و هو قال لا إله إلا الله و لم يبلغه المعنى الرسولي ، لم يعرف معناها . هذه الحالة ذكرها الأئمة الذين ذكرت لكم و نص عليها ابن القيم . إذا قال لا إله إلا الله و أظهر الإسلام و وقع في الشرك الأكبر الجلي فهو لا يجوز لأحد أن يحكم عليه بأنه مسلم في الدنيا أبدا نص ابن القيم على ذلك . و هذا نصوص القرآن كلها عليه . الذي يحكم على المشرك المتلبس بحقيقة الشرك أنه مسلم فقد افترى على الله . كيف ؟ الإسلام هو التوحيد . و لا يوجد آية واحدة ، نص صريح و لا قول صريح لأهل العلم أنه يُحكم على من تلبس بالشرك الأكبر معتقدا له أنه يكون مسلما لأنه معذور بجهله . ثم هذا الذي وقع في الشرك في أحكام الدنيا كافر ، لكن هل هو معذب يوم القيامة ؟ أو قد ينفى عنه العذاب لجهله ? لأنه جاهل - كما قلنا - بحقيقة الدعوة الإسلامية . قال ابن القيم رحمه الله : هذا إن كان مستطيعا للفهم ، مهيأ للفهم يستطيع أن يفهم و عنده من يُفهمه سواء كان شخصا أم كتابا ، و القرآن عنده و هو مؤمن بالقرآن و نبه لكنه أعرض ، فجهله ناتج عن إعراضه و هو مهيأ مستطيع للفهم ، فهذا نص الأئمة كابن تيمية و ابن القيم و أئمة الدعوة ، و نص عليه نصا الشيخ عبد العزيز ابن باز و الشيخ عبد الله ابن حميد و الشيخ محمد بن إبراهيم و الشيخ محمد بن عثيمين . أن هذا لا يُعذر بجهله . سواء في الأصول أو في الفروع . و يقول محمد بن إبراهيم : لو عذر هذا بجهله لاضطربت الأمور ، كل يقتل و يسرق و يزني فيقول : أنا ما عندي خبر ، ما أدري ، أنا جاهل ! أمّا إذا وقع في الشرك و هو مظهر للإسلام و لم تبلغه الرسالة و هو جاهل ، و لكنه لا يستطيع العلم ، لا يستطيع الفهم ، إما لعلة في نفسه أو لعدم قدرة من يُفهمه ، لا يستطيع الفهم ، و هو يريد ، لو تيسر له لسعى إليه . فهذا يدخل في قوله تعالى : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً }[الإسراء15] فيُنفى عنه العذاب لكن لا يجوز لأحد أن يقول : مع أنه واقع في حقيقة الشرك إنه مسلم ، على من يقول هذا أن يراجع نفسه ! و أذكر أنني التقيت باثنين ممن يقولون بهذا القول : و سألت شخصا ، قلت : الذي يقول - نسأل الله السلامية و العافية ، تعرفون أصحاب و حدة الوجود ؟ يقول شاعرهم : و ما الكلب و الخنزير إلا إلهنا ، نسأل الله السلامة و العافية - قلت له : الذي يقول إن الكلب و الخنزير ربه و يعبده و [هو يظهر الإسلام ] : يقول لا إله إلا الله و يصلي و يصوم ، أتقول مسلم أم تقول كافر؟ فأحدهم و كان أرسخ علما : سكت . و الثاني قال : الأصل عام الأصل عام .. فأعدت عليه السؤال : الذي يعبد الحمار نسأل الله السلامة تعذره بجهله ؟ تقول مسلم ؟ فسكت العالم و هو كررها .
على كل حال على من يقول هذا القول أن يتقي الله و أن ينظر من قال به قبله من أهل الإسلام المعروفين ؟ و زلة العلماء المتأخرين تُعرض على الميزان الشرعي ، نعم . على كل حال الموضوع طويل و يكفي هذا . اهـ



منقول

12d8c7a34f47c2e9d3==