المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله


كيف حالك ؟

قاسم علي
11-06-2012, 12:25 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تعالى (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ )


قال سفيان الثوري، عن أبيه، عن أبي الضحَى مسلم بن صَبيح: هذه الآية: ( انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا ) < > أول ما نـزل من سورة براءة.

وقال معتمر بن سليمان، عن أبيه قال: زعم حَضْرمي أنه ذكر له أن ناسا كانوا عسى أن يكون أحدهم عليلا أو كبيرا، فيقول: إني لا آثم، فأنـزل الله: ( انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا ) الآية.

أمر الله تعالى بالنفير العام مع الرسول، صلوات الله وسلامه عليه، عام غزوة تبوك، لقتال أعداء الله من الروم الكفرة من أهل الكتاب، وحَتَّم على المؤمنين في الخروج معه على كل حال في المَنْشَط والمَكْرَه والعسر واليسر، فقال: ( انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا )

وقال علي بن زيد، عن أنس، عن أبي طلحة: كهولا وشَبَابًا ما أسمع الله عَذَر أحدًا، ثم خرج إلى الشام فقاتل حتى قُتل.

وفي رواية: قرأ أبو طلحة سورة براءة، فأتى على هذه الآية: ( انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) فقال: أرى ربنا يستنفرنا شيوخًا وشَبَابًا جهزوني يا بَنِيَّ. فقال بنوه: يرحمك الله، قد غزوت مع رسول الله حتى مات، ومع أبي بكر حتى مات، ومع عمر حتى مات، فنحن نغزو عنك. فأبى، فركب البحر فمات، فلم يجدوا له جزيرة يدفنوه فيها إلا بعد تسعة أيام، فلم يتغير، فدفنوه بها

وهكذا روي عن ابن عباس، وعِكْرِمة وأبي صالح، والحسن البصري، وشَمْر بن عطية، ومقاتل بن حَيَّان، والشعبي وزيد بن أسلم: أنهم قالوا في تفسير هذه الآية: ( انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا ) قالوا: كهولا وشبابا وكذا قال عِكْرِمة والضحاك، ومقاتل بن حيان، وغير واحد.

وقال مجاهد: شبابا وشيوخا، وأغنياء ومساكين. كذا قال أبو صالح، وغيره.

وقال الحكم بن عُتيبة: مشاغيل وغير مشاغيل.

وقال العوفي، عن ابن عباس في قوله تعالى: ( انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا ) يقول: انفروا نشاطا وغير نشاط. وكذا قال قتادة.

وقال ابن أبي نَجِيح، عن مُجاهد: ( انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا ) قالوا: فإن فينا الثقيل، وذا الحاجة، والضيعة والشغل، والمتيسر به أمر، فأنـزل الله وأبى أن يعذرهم دون أن ينفروا خفافا وثقالا وعلى ما كان منهم. < 4-157 >

وقال الحسن بن أبي الحسن البصري أيضا: في العسر واليسر. وهذا كله من مقتضيات العموم في الآية، وهذا اختيار ابن جرير.

وقال الإمام أبو عمرو الأوزاعي: إذا كان النفير إلى دُروب الروم نفرَ الناس إليها خفافا وركبانا، وإذا كان النفير إلى هذه السواحل نفروا إليها خفافا وثقالا ركبانا ومشاة. وهذا تفصيل في المسألة.

وقد روي عن ابن عباس، ومحمد بن كعب، وعطاء الخراساني وغيرهم أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله.

وقال السدي قوله: ( انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا ) يقول: غنيًا وفقيرًا، وقويًا وضعيفًا فجاءه رجل يومئذ، زعموا أنه المقداد، وكان عظيما سمينًا، فشكا إليه وسأله أن يأذن له، فأبى فنـزلت يومئذ ( انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا ) فلما نـزلت هذه الآية اشتد على الناس شأنها فنسخها الله، فقال: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ [التوبة: 91].

وقال ابن جرير: حدثني يعقوب، حدثنا ابن عُلَيَّة، حدثنا أيوب، عن محمد قال: شهد أبو أيوب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا ثم لم يتخلف عن غَزاة للمسلمين إلا وهو في آخرين إلا عاما واحدًا قال: وكان أبو أيوب يقول: قال الله: ( انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا ) فلا أجدني إلا خفيفًا أو ثقيلا

وقال ابن جرير: حدثني سعيد بن عمر السَّكُوني، حدثنا بَقِيَّة، حدثنا حَرِيز، حدثني عبد الرحمن بن ميسرة، حدثني أبو راشد الحُبْراني قال: وافيت المقدام بن الأسود فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا على تابوت من توابيت الصيارفة بحمص، وقد فضل عنها من عظمه، يريد الغزو، فقلت له: لقد أعذر الله إليك فقال: أتت علينا سورة البعوث ( انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا )

وبه قال ابن جرير: حدثني حيان بن زيد الشَّرْعِبي قال: نفرنا مع صفوان بن عمرو، وكان واليا على حمص قِبَل الأفسُوس، إلى الجراجمة فلقيت شيخًا كبيرًا هما، وقد سقط حاجباه على عينيه، من أهل دمشق، على راحلته، فيمن أغار. فأقبلت إليه فقلت: يا عم، لقد أعذر الله إليك. قال: فرفع حاجبيه فقال: يا ابن أخي، استنفرنا الله خفافا وثقالا إنه من يحبه الله يبتليه، ثم يعيده الله فيبقيه وإنما يبتلي الله من عباده من شكر وصبر وذكر، ولم يعبد إلا الله، عز وجل < 4-158 >

ثم رغب تعالى في النفقة في سبيله، وبذل المهج في مرضاته ومرضاة رسوله، فقال: ( وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) أي: هذا خير لكم في الدنيا والآخرة، ولأنكم تغرمون في النفقة قليلا فيغنيكم الله أموال عدوكم في الدنيا، مع ما يدخر لكم من الكرامة في الآخرة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وتَكفَّل الله للمجاهد في سبيله إن توفاه أن يدخله الجنة، أو يرده إلى منـزله نائلا ما نال من أجر أو غنيمة"

ولهذا قال تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ

ومن هذا القبيل ما رواه الإمام أحمد:

حدثنا محمد بن أبي عَدِيّ، عن حميد، عن أنس؛ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: "أسلم". قال: أجدني كارها. قال: "أسلم وإن كنت كارها"

لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42)

يقول تعالى موبّخًا للذين تخلفوا عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وقعدوا عن النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما استأذنوه في ذلك، مظهرين أنهم ذوو أعذار، ولم يكونوا كذلك، فقال: ( لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا ) قال ابن عباس: غنيمة قريبة، ( وَسَفَرًا قَاصِدًا ) أي: قريبا أيضا، ( لاتَّبَعُوكَ ) أي: لكانوا جاءوا معك لذلك، ( وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ ) أي: المسافة إلى الشام، ( وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ) أي: لكم إذا رجعتم إليهم ( لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ ) أي: لو لم تكن لنا أعذار لخرجنا معكم، قال الله تعالى: ( يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ )


تفسير ابن كثير

12d8c7a34f47c2e9d3==