المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من الألباني ــ رحمه الله ــ إلى المقلدة .


كيف حالك ؟

بن علي الإفريقي
01-26-2004, 10:39 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
من السلسلة الضعيفة :
533 ــ ( ما رأى المسلمون حسناً فهو عند الله حسن ، وما رآه المسلمون سيئاً فهو عند الله سيئ ) .
قال الألباني ــ رحمه الله ــ : لا أصل له مرفوعاً ؛ وإنما ورد موقوفاً على ابن مسعود قال : " إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد ــ صلى الله عليه وسلم ــ خير قلوب العباد ، فاصطفاه لنفسه ، فابتعثه برسالته ، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد ــ صلى الله عليه وسلم ــ فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد ، فجعلهم وزراء نبيه ، يقاتلون على دينه ، فما رأى المسلمون . . . . " .
ثم تكلم الألباني ــ رحمه الله على إسناد الموقوف ، وبين أنه صحيح . وذكر فيه أنَّ الحاكم أخرج منه الجملة المذكورة في الأعلى وفي آخرها زيادة قوله : " وقد رأى الصحابة جميعاً أن يستخلفوا أبا بكرٍ ــ رضيَ الله عنه ــ " .
ثم قال الألبانيّ ــ رحمه الله ــ :
وإنَّ من عجائب الدنيا ، أن يحتج بعض الناس بهذا الحديث على أنَّ في الدين بدعةً حسنة ، وأنَّ الدليل على حسنها اعتياد المسلمين لها ! ولقد صار من الأمر المعهود أن يبادر هؤلاء إلى الاستدلال بهذا الحديث عندما تثار هذه المسألة وخفي عليهم :
أ ــ أن هذا الحديث موقوف فلا يجوز أن يحتج به في معارضة النصوص القاطعة في أنَّ " كل بدعة ضلالة " كما صح عنه ــ صلى الله عليه وسلم ــ .
ب ــ وعلى افتراض صلاحية الاحتجاج به فإنه لا يعارض تلك النصوص لأمور :
الأول : أنَّ المراد به إجماع الصحابة واتفاقهم على أمر ، كما يدل عليه السياق ، ويؤيده استدلال ابن مسعود به على إجماع الصحابة على انتخاب أبي بكر خليفة ، وعليه فاللام في " المسلمون " ليست للاستغراق كما يتوهمون ، بل للعهد .
الثاني : سلمنا أنه للاستغراق ، ولكن ليس المراد به قطعاً كل فردٍ من المسلمين ، ولو كان جاهلاً لا يفقه من العلم شيئاً ، فلا بدَّ بعد إذن من أن يحمل على أهل العلم منهم ، وهذا مما لا مفرَّ لهم منه فيما أظن .
فإذا صح هذا فمن هم أهل العلم ؟ وهل يدخل فيهم المقلدون الذين سدّوا على أنفسهم باب الفقه عن الله ورسوله ، وزعموا أنَّ باب الاجتهاد قد أغلق ؟ كلا ليس هؤلاء منهم وإليك البيان :
قال الحافظ ابن عبد البر في " جامع العلم " (2/ 36ــ37 ) :
" حد العلم عند العلماء ما استيقنته وتبينته ، وكل من استيقن شيئا وتبينه فقد علمه ، وعلى هذا من لم يستيقن الشيء ، وقال به تقليداً ؛ فلم يعلمه ، والتقليد عند جماعة من العلماء غير الاتباع ؛ لأنَّ الاتباع هو أن تتبع القائل على ما بان لك من صحة قوله ، والتقليد أن تقول بقوله وأنت لا تعرفه ولا وجه القول ولا معناه " . ولهذا قال السيوطي ــ رحمه الله ــ : " إن المقلد لا يسمى عالماً " نقله السندي في حاشية ابن ماجه (1/7 ) وأقره .
وعلى هذا جرى غير واحد من المقلدة أنفسهم ، بل زاد بعضهم في الإفصاح عن هذه الحقيقة فسمى المقلد جاهلاً فقال صاحب " الهداية " تعليقاً على قول الحاشية : " ولا تصلح ولاية القاضي حتى . . . يكون من أهل الاجتهاد " قال (5/456) من " فتح القدير " :
" الصحيح أنَّ أهلية الاجتهاد شرط الأولوية ، فأما تقليد الجاهل فصحيحٌ عندنا ، خلافاً للشافعيّ " .
قلت : فتأمل كيف سمى القاضي المقلد جاهلاً . فإذا كان هذا شأنهم ، وتلك منزلتهم في العلم باعترافهم أفلا تعجب معي من بعض المعاصرين من هؤلاء المقلدة كيف أنهم عن الحدود والقيود التي وضعوها بأيديهم وارتضوها مذهباً لأنفسهم ، كيف يحاولون الانفكاك عنها متظاهرين بأنهم من أهل العلم لا يبغون بذلك إلا تأييد ما عليه العامة من بدعٍ وضلالات ، فإنهم عند ذلك يصبحون من المجتهدين اجتهاداً مطلقاً ، فيقولون من الأفكار والآراء والتأويلات ما لم يقله أحدٌ من الأئمة المجتهدين . يفعلون ذلك ؛ لا لمعرفة الحق بل لموافقة العامة ! وأما فيما يتعلق بالسنة والعمل بها في كل فرعٍ من فروع الشريعة فهنا يجمدون على آراء الأسلاف ، ولا يجيزون لأنفسهم مخالفتها إلى السنة ، ولو كانت هذه السنة صريحةً في خلافها ، لماذا ؟ لأنهم مقلدون ! فهلا ظللتم مقلدين أيضاً في ترك هذه البدع التي لا يعرفها أسلافكم ، فوسعكم ما وسعهم ، ولم تحسنوا ما لم يحسنوا ؛ لأنَّ هذا اجتهاد منكم ، وقد أغلقتم بابه على أنفسكم ؟! بل هذا تشريعٌ في الدين لم يأذن به رب العالمين ، { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } وإلى هذا يشير الإمام الشافعيّ ــ رحمه الله ــ بقوله المشهور ــ : " من استحسن فقد شرّع " .
فليت هؤلاء المقلدة إذ تمسكوا بالتقليد واحتجوا به ــ وهو ليس بحجةٍ على مخالفيهم ــ استمروا في تقليدهم ، فإنهم لو فعلوا ذلك لكان لهم العذر أو بعض العذر لأنه الذي في وسعهم ، وأما أن يردوا الحق الثابت في السنة بدعوى التقليد ، وأن ينصروا البدعة بالخروج عن التقليد إلى الاجتهاد المطلق ، والقول بما لم يقله أحد من مقلَّديهم ( بفتح اللام ) ، فهذا سبيل لا أعتقد يقول به أحدٌ من المسلمين .
وخلاصة القول أنَّ حديث ابن مسعود هذا الموقوف لا متمسك به للمبتدعة ، كيف وهو رضيَ الله عنه أشد الصحابة محاربة للبدعة والنهي عن اتباعها ، وأقواله وقصصه في ذلك معروفة في " سنن الدارمي " و " حلية الأولياء " وغيرهما ، وحسبنا الآن منه قوله ــ رضيَ الله عنه ــ : " اتبعوا ولا تبتدعوا ؛ فقد كفيتم ، عليكم بالأمر العتيق " . فعليكم أيها المسلمون بالسنة تهتدوا وتفلحوا .
( السلسلة الضعيفة 2 / 17 ــ 19 ) . ط : مكتبة المعارف .

12d8c7a34f47c2e9d3==