عبيد الأثري
01-26-2004, 07:07 AM
قال أبو الوليد الباجي المالكي: أول من غير هذا الدواء الأعظم هم الخوارج إلى أن قال: ثم جاء أبو حامد فطمّ الوادي على القرى، فهل هذا ذم أبي حامد كما يذكره شيخ الإسلام أيضاً في بعض المواضع على طريق الطعن، أو ليس بذم؟ وأي نوع من الأخطاء في مؤلفات أبي حامد حتى قالوا هكذا؟
أبو حامد كنية الإمام حجة الإسلام محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي المتوفى سنة خمس وخمسمائة، وكان رأس المتفلسفين ورئيس المتكلمين في عصره، ومؤلفاته خاصة ما ألفه أوائل الأمر مملوءة ومشحونة بأدلة وبراهين أهل الكلام والفلسفة، ومشى فيها على طريقة هؤلاء ومنوالهم.
والمحدثون وأهل السنة الذين يقدمون النقل على العقل يطعنون في كلامه الذي يخالف بظاهره الأدلة السمعية والحجج الشرعية، كما نقل الخفاجي في ((نسيم الرياض شرح الشفاء للقاضي عياض)) في ترجمة الغزالي: قال ابن تيمية رحمه الله: بضاعته في الحديث مزجاة، ولذا أكثر من إيراد الموضوعات في كتبه، وأكثر في كتبه من مقالات الفلاسفة، حتى قال صاحبه أبو بكر ابن العربي مع شدة تعظيمه له: شيخنا أبو حامد دخل في بطن الفلاسفة، ثم أراد أن يخرج منها فما قدر. قلت: وكتابه ((التهافت)) و((الإحياء)) يناديان على خلافه، انتهى.
ولكن تعقبه أبو الفرج ابن الجوزي، وقال: قد جمعت أغلاط الكتاب، وسميته ((إعلام الأحياء بأغلاط الإحياء)) أشرت إلى بعض ذلك في كتاب ((تلبيس إبليس)) انتهى.
قال سبطه أبو المظفر: وضعه على مذاهب الصوفية، وترك فيه قانون الفقه، فأنكروا عليه ما فيه من الأحاديث التي لم تصح، انتهى.
لكن جمع من المتأخرين عملاً بحكم ((خذ ما صفا، ودع ما كدر)) نقحوا كتبه خاصة ((إحياء العلوم))، وميّزوا موضوعه من الصحيح والحسن والضعيف، للعراقي عليه تخريجان، أحدهما صغير والآخر كبير، واستدرك الحافظ ابن حجر ما فاتهما، وعليه تخريج مسمى بـ ((تحفة الأحياء)) للشيخ زين الدين قاسم بن قطلوبغا الحنفي المصري المتوفى سنة 879هـ.
وما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية: الغزالي في كلامه مادة فلسفية بسبب كلام ابن سينا في ((الشفاء)) وغيره ورسائل إخوان الصفا وكلام أبي حيان التوحيدي.
وأما المادة المعتزلية في كلامه فقليلة أو معدومة، وكلامه في ((الإحياء)) غالبه جيد، لكن فيه أربع مواد فاسدة: مادة فلسفية، ومادة كلامية، ومادة ترّهات الصوفية، ومادة من الأحاديث الموضوعة، انتهى.
فلا ريب أن هذه المواد موجودة، لكن كما قاموا بإصلاح أحاديثه بالتخريجات هكذا توجه جمع إلى اختصار ((الإحياء)) وحذفوا منه المواد الفاسدة، وبعضهم رأوا رؤيا صالحة بشأن هذا الكتاب، وأهل الطبقات الذين يعتنون بضبط أحوال الرجال أطالوا الكلام كثيرًا في رفع شأن الغزالي، قال الإسنوي في ((المهمات)): هو قطب الوجود والبركة الشاملة لكل موجود، وروح خلاصة أهل الإيمان، والطريق الموصلة إلى رضا الرحمن، قد انفرد في ذلك العصر عن أعلام الزمان، كما انفرد في هذا الباب فلا يُترجم فيه معه إنسان، انتهى. لقبه حجة الإسلام، وكتب في كتاب ((إتحاف السادة المتقين بشرح أسرار إحياء علوم الدين)) نقلاً عن تاريخ السمعاني: وكانت خاتمة أمره إقباله على طلب الحديث، ومجالسة أهله وقراءته، ونسخه، واستدعى من أبي الفتيان عمر بن أبي الحسن الرواية إلى طوس وأكرمه واغتنم أيامه وسمع منه الصحيحين، انتهى. وقال علي القارئ في ((شرح الفقه الأكبر)) ([1]): مات والبخاري على صدره، انتهى. وهذه الأمور تنادي بأعلى صوتها بحسن خاتمته، وإنما الأعمال بالخواتيم. والطاعنون فيه الذين واجبهم هو الذب عن أصل الشريعة ومحض السنة المطهرة، وشغلهم هو إبطال كل تأويل وانتحال مخالفٍ للأصلين أينما كانوا ومن كانوا هم معذورون {وَلِكُلّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلّيهَا}([2]) والله أعلم.
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) في خطبته للكتاب (ص11).
([2]) البقرة:148.
مصدر الفتوى: دليل الطالب على أرجح المطالب المفتي صديق حسن خان القنوجي
أبو حامد كنية الإمام حجة الإسلام محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي المتوفى سنة خمس وخمسمائة، وكان رأس المتفلسفين ورئيس المتكلمين في عصره، ومؤلفاته خاصة ما ألفه أوائل الأمر مملوءة ومشحونة بأدلة وبراهين أهل الكلام والفلسفة، ومشى فيها على طريقة هؤلاء ومنوالهم.
والمحدثون وأهل السنة الذين يقدمون النقل على العقل يطعنون في كلامه الذي يخالف بظاهره الأدلة السمعية والحجج الشرعية، كما نقل الخفاجي في ((نسيم الرياض شرح الشفاء للقاضي عياض)) في ترجمة الغزالي: قال ابن تيمية رحمه الله: بضاعته في الحديث مزجاة، ولذا أكثر من إيراد الموضوعات في كتبه، وأكثر في كتبه من مقالات الفلاسفة، حتى قال صاحبه أبو بكر ابن العربي مع شدة تعظيمه له: شيخنا أبو حامد دخل في بطن الفلاسفة، ثم أراد أن يخرج منها فما قدر. قلت: وكتابه ((التهافت)) و((الإحياء)) يناديان على خلافه، انتهى.
ولكن تعقبه أبو الفرج ابن الجوزي، وقال: قد جمعت أغلاط الكتاب، وسميته ((إعلام الأحياء بأغلاط الإحياء)) أشرت إلى بعض ذلك في كتاب ((تلبيس إبليس)) انتهى.
قال سبطه أبو المظفر: وضعه على مذاهب الصوفية، وترك فيه قانون الفقه، فأنكروا عليه ما فيه من الأحاديث التي لم تصح، انتهى.
لكن جمع من المتأخرين عملاً بحكم ((خذ ما صفا، ودع ما كدر)) نقحوا كتبه خاصة ((إحياء العلوم))، وميّزوا موضوعه من الصحيح والحسن والضعيف، للعراقي عليه تخريجان، أحدهما صغير والآخر كبير، واستدرك الحافظ ابن حجر ما فاتهما، وعليه تخريج مسمى بـ ((تحفة الأحياء)) للشيخ زين الدين قاسم بن قطلوبغا الحنفي المصري المتوفى سنة 879هـ.
وما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية: الغزالي في كلامه مادة فلسفية بسبب كلام ابن سينا في ((الشفاء)) وغيره ورسائل إخوان الصفا وكلام أبي حيان التوحيدي.
وأما المادة المعتزلية في كلامه فقليلة أو معدومة، وكلامه في ((الإحياء)) غالبه جيد، لكن فيه أربع مواد فاسدة: مادة فلسفية، ومادة كلامية، ومادة ترّهات الصوفية، ومادة من الأحاديث الموضوعة، انتهى.
فلا ريب أن هذه المواد موجودة، لكن كما قاموا بإصلاح أحاديثه بالتخريجات هكذا توجه جمع إلى اختصار ((الإحياء)) وحذفوا منه المواد الفاسدة، وبعضهم رأوا رؤيا صالحة بشأن هذا الكتاب، وأهل الطبقات الذين يعتنون بضبط أحوال الرجال أطالوا الكلام كثيرًا في رفع شأن الغزالي، قال الإسنوي في ((المهمات)): هو قطب الوجود والبركة الشاملة لكل موجود، وروح خلاصة أهل الإيمان، والطريق الموصلة إلى رضا الرحمن، قد انفرد في ذلك العصر عن أعلام الزمان، كما انفرد في هذا الباب فلا يُترجم فيه معه إنسان، انتهى. لقبه حجة الإسلام، وكتب في كتاب ((إتحاف السادة المتقين بشرح أسرار إحياء علوم الدين)) نقلاً عن تاريخ السمعاني: وكانت خاتمة أمره إقباله على طلب الحديث، ومجالسة أهله وقراءته، ونسخه، واستدعى من أبي الفتيان عمر بن أبي الحسن الرواية إلى طوس وأكرمه واغتنم أيامه وسمع منه الصحيحين، انتهى. وقال علي القارئ في ((شرح الفقه الأكبر)) ([1]): مات والبخاري على صدره، انتهى. وهذه الأمور تنادي بأعلى صوتها بحسن خاتمته، وإنما الأعمال بالخواتيم. والطاعنون فيه الذين واجبهم هو الذب عن أصل الشريعة ومحض السنة المطهرة، وشغلهم هو إبطال كل تأويل وانتحال مخالفٍ للأصلين أينما كانوا ومن كانوا هم معذورون {وَلِكُلّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلّيهَا}([2]) والله أعلم.
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) في خطبته للكتاب (ص11).
([2]) البقرة:148.
مصدر الفتوى: دليل الطالب على أرجح المطالب المفتي صديق حسن خان القنوجي